تفسير الطبري تفسير الصفحة 563 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 563
564
562
 الآية : 14-15
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ * هُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً فَامْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النّشُورُ }.
يقول تعالى ذكره: ألا يَعْلَمُ الربّ جلّ ثناؤه مَنْ خَلَقَ من خلقه؟ يقول: كيف يخفى عليه خلقه الذي خلق وَهُوَ اللّطِيفُ بعباده الخَبِيرُ بهم وبأعمالهم.
وقوله: هُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً يقول تعالى ذكره: الله الذي جعل لكم الأرض ذَلُولاً سْهلاً, سَهّلها لكم فامْشُوا فِي مَناكِبها.
واختلف أهل العلم في معنى مَناكِبها فقال بعضهم: مناكبها: جبالها. ذكر من قال ذلك:
26690ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: فِي مَناكِبها يقول: جبالها.
26691ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن بشير بن كعب أنه قرأ هذه الاَية: فامْشُوا فِي مَناكِبها فقال لجارية له: إن دَرَيْت ما مناكُبها, فأنت حرّة لوجه الله قالت: فإن مناكبها: جبالها, فكأنما سُفِع في وجهه, ورغب في جاريته. فسأل, منهم من أمره, ومنهم من نهاه, فسأل أبا الدرداء, فقال: الخير في طمأنينة, والشرّ في ريبة, فَذرْ ما يريبك إلى ما لا يَريبك.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: ثني أبي, عن قتادة, عن بشير بن كعب, بمثله سواء.
26692ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فامْشُوا في مَناكِبها: جبالها.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله فِي مَناكِبها قال: في جبالها.
وقال آخرون: مَناكِبها: أطرافها ونواحيها. ذكر من قال ذلك:
26693ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: فامْشُوا فِي مَناكِبها يقول: امشوا في أطرافها.
26694ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, عن سعيد, عن قتادة, أن بشير بن كعب العدويّ, قرأ هذه الاَية فامْشُوا فِي مَناكِبها فقال لجاريته: إن أخبرتني ما مناكبها, فأنت حرّة, فقالت: نواحيها فأراد أن يتزوّجها, فسأل أبا الدرداء, فقال: إن الخير في طمأنينة, وإن الشرّ في ريبة, فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
26695ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: فامْشُوا فِي مَناكِبها قال: طرقها وفجاجها.
وأولى القولين عند بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فامشوا في نواحيها وجوانبها, وذلك أن نواحيها نظير مناكب الإنسان التي هي من أطرافه.
وقوله: وكُلُوا مِنْ رزْقِهِ يقول: وكلوا من رزق الله الذي أخرجه لكم من مناكب الأرض, وَإلَيْهِ النّشُورُ يقول تعالى ذكره: وإلى الله نشركم من قبوركم.
الآية : 16-17
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَأَمِنتُمْ مّن فِي السّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مّن فِي السّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ }.
يقول تعالى ذكره: أأَمنْتُمْ مَنْ فِي السّماءِ أيها الكافرون أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فإذا هِيَ تَمُورُ يقول: فإذا الأرض تذهب بكم وتجيء وتضطرب أمْ أمِنْتُمْ مَنْ فِي السّماءِ وهو الله أنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِبا وهو التراب فيه الحصباء الصغار فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ يقول: فستعلمون أيها الكفرة كيف عاقبة نذيري لكم, إذ كذبتم به, ورددتموه على رسولي.
الآية : 18-19
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَلَقَدْ كَذّبَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ * أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنّ إِلاّ الرّحْمَـَنُ إِنّهُ بِكُلّ شَيْءٍ بَصِيرٌ }.
يقول تعالى ذكره: ولقد كذّب الذين من قبل هؤلاء المشركين من قريش من الأمم الخالية رسلهم. فَكَيْفَ كانَ نَكيرِ يقول: فكيف كان نكيرى تكذيبهم إياهم أو لَمْ يَرَوْا إلى الطّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافّاتٍ يقول: أو لم ير هؤلاء المشركون إلى الطير فوقهم صافات أجنحتهنّ ويَقْبِضْنَ يقول: ويقبضن أجنحتهنّ أحيانا. وإنما عُنِي بذلك أنها تَصُفّ أجنحتها أحيانا, وتقبض أحيانا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26696ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, مقال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: صَافّاتٍ قال: الطير يصفّ جناحه كما رأيت, ثم يقبضه.
26697ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: صَافّاتٍ ويَقْبِضْنَ بسطهنّ أجنحتهنّ وقبضهنّ.
وقوله: ما يُمْسِكُهُنّ إلاّ الرّحْمَنُ يقول: ما يمسك الطير الصافات فوقكم إلا الرحمن يقول: فلهم بذلك مذكر إن ذكروا, ومعتبر إن اعتبروا, يعلمون به أن ربهم واحد لا شريك له إنّهُ بِكُلّ شَيْء بَصِيرٌ يقول: إن الله بكل شيء ذو بصر وخبرة, لا يدخل تدبيره خلل, ولا يرى في خلقه تفاوت.
الآية : 20
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَمّنْ هَـَذَا الّذِي هُوَ جُندٌ لّكُمْ يَنصُرُكُمْ مّن دُونِ الرّحْمَـَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاّ فِي غُرُورٍ }.
يقول تعالى ذكره: للمشركين به من قريش: من هذا الذي هو جند لكم أيها الكافرون به, ينصركم من دون الرحمن إن أراد بكم سوءا, فيدفع عنكم ما أراد بكم من ذلك إن الكافِرونَ إلاّ فِي غُرُور يقول تعالى ذكره: ما الكافرون بالله إلا في غرور من ظنهم أن آلهتهم تقرّبهم إلى الله زلفى, وأنها تنفع أو تضرّ.
الآية : 21
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَمّنْ هَـَذَا الّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لّجّواْ فِي عُتُوّ وَنُفُورٍ }.
يقول تعالى ذكره: أم من هذا الذي يطعمكم ويسقيكم, ويأتي بأقواتكم إن أمسك بكم رزقه الذي يرزقه عنكم.
وقوله: بَلْ لَجّوا فِي عُتُق وَنُفُور يقول: بل تمادوا في طغيان ونفور عن الحقّ واستكبار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26698ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: بَلْ لَجّوا فِي عُتُوّ وَنُفُورٍ يقول: في ضلال.
26699ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: بَلْ لَجّوا فِي عُتُوّ وَنُفُور قال: كفور.
الآية : 22
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىَ وَجْهِهِ أَهْدَىَ أَمّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ }.
يقول تعالى ذكره: أَفَمَنْ يَمْشِي أيها الناس مُكِبّا على وَجْهِهِ لا يبصر ما بين يديه, وما عن يمينه وشماله أهْدَى: أشدّ استقامة على الطريق, وأهدى له, أمْ مَنْ يَمْشِي سَويّا مَشْيٍ بني آدم على قدميه على صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ يقول: على طريق لا اعوجاج فيه وقيل مُكِبّا لأنه فعل غير واقع, وإذا لم يكن واقعا أدخلوا فيه الألف, فقالوا: أكبّ فلان على وجهه, فهو مكبّ ومنه قول الأعشي:
مُكبّا عَلى رَوْقَيْه يحْفِرُ عِرْقَهاعَلَى ظَهْر عُرْيان الطّرِيقةِ أهْيَما
فقال: مكبا, لأنه فعل غير واقع, فإذا كان واقعا حُذفت منه الألف, فقيل: كببت فلانا على وجهه وكبّه الله على وجهه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26700ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: أفَمَنْ يَمْشي مُكِبّا على وَجْهِهِ أهْدَى أمْ مَنْ يَمْشي سَويّا على صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ يقول: من يمشي في الضلالة أهدى, أم من يمشي مهتديا؟.
26701ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: مُكبّا على وَجْهِهِ قال: في الضلالة أمْ مَنْ يَمْشي سَوِيّا على صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ قال: حقّ مستقيم.
26702ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّا على وَجْهِهِ يعني الكافر أهدى أمْ مَنْ يَمْشي سَوِيّا المؤمن؟ ضرب الله مثلاً لهما.
وقال آخرون: بل عنى بذلك أن الكافر يحشره الله يوم القيامة على وجهه, فقال: أفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّا على وَجْهِهِ يوم القيامة أهْدَى أمْ مَنْ يَمْشِي سَويّا يومئذٍ. ذكر من قال ذلك:
26703ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّا على وَجْهِهِ أهْدَى: «هو الكافر أكبّ على معاصي الله في الدنيا, حشره الله يوم القيامة على وجهه», فقيل: يا نبيّ الله كيف يحشر الكافر على وجهه؟ قال: «إن الذي أمشاه على رجليه قادر أن يحشره يوم القيامة على وجهه».
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة أفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّا على وَجْهِهِ قال: «هو الكافر يعمل بمعصية الله, فيحشره الله يوم القيامة على وجهه». قال معمر: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف يمشون على وجوههم؟ قال: «إنّ الّذِي أمْشاهُم على أقْدامِهِمْ قادِرٌ عَلى أنْ يُمْشِيَهُمْ على وُجُوهِهِمْ».
26704ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة يَمْشِي سَوِيّا على صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ قال: المؤمن عمل بطاعة الله, فيحشره الله على طاعته.
الآية : 23
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الّذِيَ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلاً مّا تَشْكُرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: قل يا محمد للذين يكذّبون بالبعث من المشركين. الله الذي أنشأكم فخلقكم, وَجَعَلَ لَكُمُ السّمْعَ تسمعون به والأبْصَارَ تبصرون بها والأفْئِدَةَ تعقلون بها قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ يقول: قليلاً ما تشكرون ربكم على هذه النعم التي أنعمها عليكم.
الآية : 24-25
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{قُلْ هُوَ الّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَىَ هَـَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد, الله الّذِي ذَرأكُمْ فِي الأرْضِ يقول: الله الذي خلقكم في الأرض وإلَيْهِ تُحْشَرُونَ يقول: وإلى الله تحشرون, فتجمعون من قبوركم لموقف الحساب وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الوَعْدُ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ يقول جلّ ثناؤه: ويقول المشركون: متى يكون ما تعدنا من الحشر إلى الله إن كنتم صادقين في وعدكم إيانا ما تعدوننا