تفسير الطبري تفسير الصفحة 604 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 604   قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ * اللّهُ الصّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لّهُ كُفُواً أَحَدٌ }.
ذُكر أن المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسب ربّ العزة, فأنزل الله هذا السورة جوابا لهم. وقال بعضهم: بل نزلت من أجل أن اليهود سألوه, فقالوا له: هذا الله خلق الخلق, فمن خلق الله؟ فأُنزلت جوابا لهم.
ذكر من قال: أُنزلت جوابا للمشركين الذين سألوه أن ينسُب لهم الربّ تبارك وتعالى.
29552ـ حدثنا أحمد بن منيع المَرْوزيّ ومحمود بن خِداش الطالَقَاني, قالا: حدثنا أبو سعيد الصنعاني, قال: حدثنا أبو جعفر الرازيّ, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية, عن أُبيّ بن كعب, قال: قال المشركون للنبيّ صلى الله عليه وسلم: انسُبْ لنا ربك, فأنزل الله: قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ.
29553ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الحسين, عن يزيد, عن عكرِمة, قال: إن المشركين قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن ربك, صف لنا ربك ما هو, ومن أيّ شيء هو؟ فأنزل الله: قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ إلى آخر السورة.
29554ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ قال: قال ذلك قادة الأحزاب: انسُب لنا ربك, فأتاه جبريل بهذه.
29555ـ حدثني محمد بن عوف, قال: حدثنا شريح, قال: حدثنا إسماعيل بن مجالد, عن مجالد, عن الشعبيّ, عن جابر قال: قال المشركون: انسُب لنا ربك, فأنزل الله قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ. ذكر من قال: نزل ذلك من أجل مسألة اليهود:
29556ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, قال: ثني ابن إسحاق, عن محمد, عن سعيد, قال: أتى رهط من اليهود النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقالوا: يا محمد هذا الله خلق الخلق, فمن خلقه؟ فغضب النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى انتُقِعَ لونه ثم ساوَرَهم غضبا لربه, فجاءه جبريل عليه السلام فسكنّه, وقال: اخفض عليك جناحك يا محمد, وجاءه من الله جواب ما سألوه عنه. قال: يقول الله: قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحَدٌ فلما تلا عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم, قالوا: صف لنا ربك كيف خَلْقُه, وكيف عضُدُه, وكيف ذراعُه, فغضب النبيّ صلى الله عليه وسلم أشدّ من غضبه الأوّل, وساوَرَهم غضبا, فأتاه جبريل فقال له مثل مقالته, وأتاه بجواب ما سألوه عنه: وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ والسّمَوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ.
29557ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مِهران, عن سعيد بن أبي عَرُوبة, عن قتادة, قال: جاء ناس من اليهود إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقالوا: انسب لنا ربك, فنزلت: قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ حتى ختم السورة.
فتأويل الكلام إذا كان الأمر على ما وصفنا: قل يا محمد لهؤلاء السائليك عن نسب ربك وصفته, ومن خلقه: الربّ الذي سألتموني عنه, هو الله الذي له عبادة كل شيء, لا تنبغي العبادة إلاّ له, ولا تصلح لشيء سواه.
واختلف أهل العربية في الرافع أحَدٌ فقال بعضهم: الرافع له «الله», و «هو» عمادا, بمنزلة الهاء في قوله: إنّهُ أنا اللّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وقال آخر منهم: بل «هو» مرفوع, وإن كان نكرة بالاستئناف, كقوله: هذا بعلي شيخ, وقال: هو الله جواب لكلام قوم قالوا له: ما الذي تعبد؟ فقال: هو الله, ثم قيل له: فما هو؟ قال: هو أحد.
وقال آخرون أحَدٌ بمعنى: واحد, وأنكر أن يكون العماد مستأنفا به, حتى يكون قبله حرف من حروف الشكّ, كظنّ وأخواتها, وكان وذواتها, أو إنّ وما أشبهها, وهذا القول الثاني هو أشبه بمذاهب العربية.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الأمصار أحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ بتنوين «أحدٌ», سوى نصر بن عاصم, وعبد الله بن أبي إسحاق, فإنه رُوي عنهما ترك التنوين: «أحَدُ اللّهُ» وكأن من قرأ ذلك كذلك, قال: نون الإعراب إذا استقبلتها الألف واللام أو ساكن من الحروف حُذفت أحيانا, كما قال الشاعر:
كَيْفَ نَوْمي على الفرَاشِ ولمَاتَشْمَلِ الشّامَ غارَةٌ شَعْوَاءُ
تُذْهِلُ الشّيْخَ عَن بَنِيهِ وتُبْدِيعَنْ خِدَامِ العَقِيلَةُ العَذْراءُ
يريد: عن خِدامٍ العقيلةُ.
والصواب في ذلك عندنا: التنوين, لمعنيين: أحدهما أفصح اللغتين, وأشهر الكلامين, وأجودهما عند العرب. والثاني: إجماع الحجة من قرّاء الأمصار على اختيار التنوين فيه, ففي ذلك مُكْتفًى عن الاستشهاد على صحته بغيره. وقد بيّنا معنى قوله «أحد» فيما مضى, بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: اللّهُ الصّمَدُ يقول تعالى ذكره: المعبود الذي لا تصلح العبادة إلاّ له الصمدُ.
واختلف أهل التأويل في معنى الصمد, فقال بعضهم: هو الذي ليس بأجوف, ولا يأكل ولا يشرب. ذكر من قال ذلك:
29558ـ حدثنا عبد الرحمن بن الأسود, قال: حدثنا محمد بن ربيعة, عن سلمة بن سابور, عن عطية, عن ابن عباس, قال: الصمد: الذي ليس بأجوف.
29559ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد, قال: الصمد: المُصْمَت الذي لا جوف له.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثلَه سواء.
حدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: الصمد: المُصْمَت الذي ليس له جوف.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن ووكيع, قالا: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: الصمد: الذي لا جوف له.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران جميعا, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثلَه.
29560ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا الربيع بن مسلم, عن الحسن, قال: الصّمَدُ: الذي لا جوف له.
29561ـ قال: ثنا الربيع بن مسلم, عن إبراهيم بن ميسرة, قال: أرسلني مجاهد إلى سعيد بن جُبير أسأله عن الصمد, فقال: الذي لا جوف له.
29562ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد, عن الشعبيّ, قال: الصمدُ الذي لا يَطْعَم الطعام.
حدثنا يعقوب, قال: حدثنا هشيم, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن الشعبيّ أنه قال: الصّمَدُ: الذي لا يأكل الطعام, ولا يشرب الشراب.
29563ـ حدثنا أبو كُرَيب وابن بشار, قالا: حدثنا وكيع, عن سلمة بن نُبَيط, عن الضحاك, قال: الصمدُ: الذي لا جوف له.
29564ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن أبي زائدة, عن إسماعيل, عن عامر, قال: الصمدُ: الذي لا يأكل الطعام.
29565ـ حدثنا ابن بشار وزيد بن أخزم, قالا: حدثنا ابن داود, عن المستقيم بن عبد الملك, عن سعيد بن المسيب قال: الصمدُ: الذي لا حِشوة له.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الصمدُ: الذي لا جوف له.
29566ـ حدثني العباس بن أبي طالب, قال: حدثنا محمد بن رومي, عن عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش, قال: ثني صالح بن حيان, عن عبد الله بن بريدة, عن أبيه, قال: لا أعلمه إلاّ قد رَفَعه, قال: الصّمَد الذي لا جوف له.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا بشر بن المفضل, عن الربيع بن مسلم, قال: سمعت الحسن يقول: الصّمَدُ: الذي لا جوف له.
29567ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن عكرِمة, قال: الصمدُ: الذي لا جوف له.
وقال آخرون: هو الذي لا يخرج منه شيء. ذكر من قال ذلك:
29568ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن أبي رجاء, قال: سمعت عِكْرِمة, قال في قوله: الصّمَدُ: الذي لم يخرج منه شيء, ولم يَلِد, ولم يُولَد.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي رجاء محمد بن يوسف, عن عكرِمة قال: الصمدُ: الذي لا يخرج منه شيء.
وقال آخرون: هو الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ. ذكر من قال ذلك:
29569ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية, قال: الصّمَدُ: الذي لم يلد ولم يولد, لأنه ليس شيء يلد إلاّ سيورث, ولا شيء يولد إلاّ سيموت, فأخبرهم تعالى ذكره أنه لا يُورث ولا يموت.
29570ـ حدثنا أحمد بن منيع ومحمود بن خِداش قالا: حدثنا أبو سعيد الصّنْعانيّ, قال: قال المشركون للنبيّ صلى الله عليه وسلم: أنسُب لنا ربك, فأنزل الله: قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحَدٌ لأنه ليس شيء يولد إلاّ سيموت, وليس شيء يموت إلاّ سيُورث, وإن الله جلّ ثناؤه لا يموت ولا يورث ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحَدٌ: ولم يكن له شبيه ولا عدل, وليس كمثله شيء.
29571ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن أبي معشر, عن محمد بن كعب: الصّمَد: الذي لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفوا أحد.
وقال آخرون: هو السيد الذي قد انتهى سُؤدَدُه. ذكر من قال ذلك:
29572ـ حدثني أبو السائب, قال: ثني أبو معاوية, عن الأعمش, عن شقيق, قال: الصّمَدُ: هو السيد الذي قد انتهى سُؤدَدُه.
29573ـ حدثنا أبو كريب وابن بشار وابن عبد الأعلى, قالوا: حدثنا وكيع, عن الأعمش, عن أبي وائل, قال: الصّمد: السيد الذي قد انتهى سُؤدَدُه ولم يقل أبو كُرَيب وابن عبد الأعلى سُؤدَدُه.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الأعمش, عن أبي وائل مثله.
29574ـ حدثنا عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: الصّمَدُ يقول: السيد الذي قد كمل في سُؤدَدِه, والشريف الذي قد كمُل في شرفه, والعظيم الذي قد عظُم في عظمته, والحليم الذي قد كمل في حلمه, والغنيّ الذي قد كمل في غناه, والجبّار الذي قد كمل في جبروته, والعالم الذي قد كمل في علمه, والحكيم الذي قد كمل في حكمته, وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسّؤدَد, وهو الله سبحانه هذه صفته, لا تنبغي إلاّ له.
وقال آخرون: بل هو الباقي الذي لا يفنَى. ذكر من قال ذلك:
29575ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهَ الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ قال: كان الحسن وقتادة يقولان: الباقي بعد خلقه, قال: هذه سورة خالصة, ليس فيها ذكر شيء من أمر الدنيا والاَخرة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: الصّمَدُ: الدائم.
قال أبو جعفر: الصّمَدُ عند العرب: هو السيد الذي يُصْمَدُ إليه, الذي لا أحد فوقه, وكذلك تسمي أشرافَها ومنه قول الشاعر:
ألا بَكَرَ النّاعي بِخَيْرَيْ بَنِي أسَدْبعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وبالسّيّدِ الصّمَدْ
وقال الزبرقان:
وَلا رَهِينَةَ إلاّ سَيّدٌ صَمَدُ
فإذا كان ذلك كذلك, فالذي هو أولى بتأويل الكلمة, المعنى المعروف من كلام من نزل القرآن بلسانه ولو كان حديث ابن بُريدة, عن أبيه صحيحا, كان أولى الأقوال بالصحة, لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما عَنى الله جلّ ثناؤه, وبما أنْزل عليه.
وقوله: لَمْ يَلِدْ يقول: ليس بفان, لأنه لا شيء يلد إلا هو فان بائد ولَمْ يُولَدْ يقول: وليس بمحدث لم يكن فكان, لأن كلّ مولود فإنما وُجد بعد أن لم يكن, وحدث بعد أن كان غير موجود, ولكنه تعالى ذكره قديم لم يزل, ودائم لم يَبِد, ولا يزول ولا يفني.
وقوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ اختلف أهل التأويل في معنى ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: ولم يكن له شبيه ولا مِثْل. ذكر من قال ذلك:
29576ـ حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية قوله: ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحَدٌ: لم يكن له شبيه, ولا عِدْل, وليس كمثله شيء.
29577ـ حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن عمرو بن غَيلانَ الثقفيّ, وكان أميرَ البصرة, عن كعب, قال: إن الله تعالى ذكره أسّس السموات السبع, والأرضين السبع, على هذه السورة لَمْ يَلِدْ وَلمْ يُولَدْ ولمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحَدٌ وإن الله لم يكافئه أحد من خلقه.
29578ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحَدٌ قال: ليس كمثله شيء, فسبحان الله الواحد القهّار.
29579ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن جُرَيج ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا: مثل.
وقال آخرون: معنى ذلك, أنه لم يكن له صاحبة. ذكر من قال ذلك:
29580ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن عبد الملك بن أبجر, عن طلحة, عن مجاهد, قوله: ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ قال: صاحبة.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, عن سفيان, عن ابن أبجر, عن طلحة, عن مجاهد, مثلَه.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن عبد الملك, عن طلحة, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن أبجر, عن رجل عن مجاهد ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحَدٌ قال: صاحبة.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن عبد الملك بن أبجر, عن طلحة بن مصرّف, عن مجاهد ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ قال: صاحبة.
حدثنا أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن عبد الملك, عن طلحة, عن مجاهد, مثله.
والكُفُؤْ والكفىء والكِفاء في كلام العرب واحد, وهو المِثْل والشّبْه ومنه قول نابغة بني ذُبيان:
لا تَقْذِفَنّي برُكْنٍ لا كِفاءَ لَهُوَلَوْ تأَثّفَكَ الأعْدَاءُ بالرّفَدِ
يعني: لا كفاء له: لا مثل له.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: كُفُوًا. فقرأ ذلك عامة قرّاء البصرة: كُفُوًا بضم الكاف والفاء. وقرأه بعض قرّاء الكوفة بتسكين الفاء وهمزها «كُفْئا».
والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان, ولغتان مشهورتان, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة الإخلاص

سورة الفلق مكية
وآياتها خمس
بسم الله الرحمَن الرحيم

الآية : 1-5
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ * مِن شَرّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرّ النّفّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: أستجير بربّ الفلق من شرّ ما خلق من الخلق.
واختلف أهل التأويل في معنى الفلق, فقال بعضهم: هو سجن في جهنم يسمى هذا الاسم. ذكر من قال ذلك:
29581ـ حدثني الحسين بن يزيد الطحان, قال: حدثنا عبد السلام بن حرب, عن إسحاق بن عبد الله, عمن حدثه عن ابن عباس قال: الفلق: سجن في جهنم.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد الزبيريّ, قال: حدثنا عبد السلام بن حرب, عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة, عن رجل, عن ابن عباس, في قوله: الفَلَقِ: سجن في جهنم.
29582ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا العوّام بن عبد الجبار الجَوْلانيّ, قال: قَدِم رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشأم, قال: فنظر إلى دُور أهل الذمة, وما هم فيه من العيش والنضارة, وما وُسّعَ عليهم في دنياهم, قال: فقال: لا أبالك, أليس من ورائهم الفلق؟ قال: قيل: وما الفلق؟ قال: بيت في جهنم, إذ فُتح هَرّ أهل النار.
29583ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, قال: سمعت السّدّيّ يقول: الفَلَق: جُبّ في جهنم.
حدثني عليّ بن حسن الأزدي, قال: حدثنا الأشجعيّ, عن سفيان, عن السديّ, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن السديّ, مثله.
29584ـ حدثني إسحاق بن وهب الواسطيّ, قال: حدثنا مسعود بن موسى بن مشكان الواسطيّ, قال: حدثنا نصر بن خْزَيمة الخراسانيّ, عن شعيب بن صفوان, عن محمد بن كعب القُرَظِيّ, عن أبي هُريرة, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الفَلَق: جبّ في جهنم مغطّى».
29585ـ حدثنا ابن البرقي, قال: حدثنا ابن أبي مريم, قال: حدثنا نافع بن يزيد, قال: حدثنا يحيى بن أبي أسيد, عن ابن عجلان, عن أبي عبيد, عن كعب, أنه دخل كنيسة فأعجبه حُسنها, فقال: أحسن عمل وأضلّ قوم, رضيت لكم الفلق, قيل: وما الفلق؟ قال: بيت في جهنم إذا فُتح صاح جميع أهل النار من شدّة حرّه.
وقال آخرون: هو اسم من أسماء جهنم. ذكر من قال ذلك:
29586ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سمعت خيثم بن عبد الله يقول: سألت أبا عبد الرحمن الحبلي, عن الفلق, قال: هي جهنم.
وقال آخرون: الفلق: الصبح. ذكر من قال ذلك:
29587ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه. عن ابن عباس: أعُوذُ برَبّ الْفَلَقِ قال: الفلق: الصّبْح.
29588ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, قال: أنبأنا عوف, عن الحسن, في هذه الاَية: قُلْ أعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ قال: الفلق: الصبح.
29589ـ قال: ثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن سالم الأفطس, عن سعيد بن جُبير, قال: الفلق الصبح.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران جميعا, عن سفيان, عن سالم الأفطس, عن سعيد بن جُبير, مثله.
حدثني عليّ بن الحسن الأزدي, قال: حدثنا الأشجعيّ, عن سفيان, عن سالم, عن سعيد بن جُبير, مثله.
29590ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن الحسن بن صالح, عن عبد الله بن محمد بن عقيل, عن جابر, قال: الفَلَق: الصبح.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا الحسن بن صالح, عن عبد الله بن محمد بن عقيل, عن جابر بن عبد الله, مثله.
29591ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا أبو صخر, عن القُرَظِيّ, أنه كان يقول في هذه الاَية: قُلْ أعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ يقول: فالق الحبّ والنوى, قال: فالق الإصباح.
29592ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: قُلْ أعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ قال: الصبح.
29593ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قُلْ أعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ قال: الفَلَق: فَلقَ النهار.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: الفلق: فلق الصبح.
29594ـ حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: قُلْ أعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ قيل له: فَلَق الصبح, قال: نعم, وقرأ: فالِقُ الإصْباحِ وَجاعِلُ اللّيْلِ سَكَنا.
وقال آخرون: الفَلَق: الخلق, ومعنى الكلام: قل أعوذ برب الخلق. ذكر من قال ذلك:
29595ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: الفلق: يعني الخلق.
والصواب من القول في ذلك, أن يقال: إن الله جلّ ثناؤه أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول: أعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ والفلق في كلام العرب: فَلق الصبح, تقول العرب: هو أبينُ من فَلَق الصّبح, ومن فَرَق الصّبح. وجائز أن يكون في جهنم سجن اسمه فَلَق. وإذا كان ذلك كذلك, ولم يكن جلّ ثناؤه وضعَ دلالة على أنه عُنِي بقوله بِرَبّ الْفَلَقِ بعض ما يُدْعَى الفلق دون بعض, وكان الله تعالى ذكره ربّ كل ما خلق من شيء, وجب أن يكون معنيا به كل ما اسمه الفَلَق, إذ كان ربّ جميع ذلك.
وقال جلّ ثناؤه: مِنْ شَرّ ما خَلَقَ لأنه أمر نبيه أن يستعيذ من شرّ كل شيء, إذ كان كلّ ما سواه, فهو ما خَلق.
وقوله: وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ يقول: ومن شرّ مظلم إذا دخل, وهجم علينا بظلامه.
ثم اختلف أهل التأويل في المظلم الذي عُنِي في هذه الاَية, وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منه, فقال بعضهم: هو الليل إذا أظلم. ذكر من قال ذلك:
29596ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ قال: الليل.
29597ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, قال: أنبأنا عوف, عن الحسن, في قوله: وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ قال: أوّل الليل إذا أظلم.
29598ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: حدثنا أبو صخر, عن القرظي أنه كان يقول في: غاسِقٍ أذَا وَقَبَ يقول: النهار إذا دخل في الليل.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن رجل من أهل المدينة, عن محمد بن كعب وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ قال: هو غروب الشمس إذا جاء الليل, إذا وقب.
29599ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: غاسِقٍ قال: الليل إذَا وَقَبَ قال: إذا دخل.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ قال: الليل إذا أقبل.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الحسن وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ قال: إذا جاء.
29600ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله إذَا وَقَبَ يقول: إذا أقبل.
وقال بعضهم: هو النهار إذا دخل في الليل, وقد ذكرناه قبلُ.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن رجل من أهل المدينة, عن محمد بن كعب القُرَظِيّ وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ قال: هو غروب الشمس إذا جاء الليل, إذا وجب.
وقال آخرون: هو كوكب. وكان بعضهم يقول: ذلك الكوكب هو الثّريا. ذكر من قال ذلك:
29601ـ حدثنا مجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا سليمان بن حِبّان, عن أبي المُهَزّم, عن أبي هريرة في قوله: وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ قال: كوكب.
29602ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ قال: كانت العرب تقول: الغاسق: سقوط الثريا, وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها, وترتفع عند طلوعها.
ولقائلي هذا القول عِلّة من أثر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, وهو ما:
29603ـ حدثنا به نصر بن عليّ, قال: حدثنا بكار بن عبد الله بن أخي هَمّام, قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف, عن أبيه, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ قال: النجم الغاسق.
وقال آخرون: بل الغاسق إذا وقب: القمر, ورووا بذلك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم خبرا.
29604ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن سفيان, قال: حدثنا أبي ويزيد بن هارون به.
29605ـ وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب, عن خاله الحرث بن عبد الرحمن, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن, عن عائشة قالت: أخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيدي, ثم نظر إلى القمر, ثم قال: «يا عائِشَةُ تَعَوّذِي باللّهِ مِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ, وَهَذَا غاسِقٌ إذَا وَقَبَ», وهذا لفظ حديث أبي كُرَيب وابن وكيع. وأما ابن حُمَيد, فإنه قال في حديثه: قالت أخَذَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيدي, فقال: «أتَدْرِينَ أيّ شَيْءٍ هَذَا؟ تَعَوّذِي باللّهِ مِنْ شَرّ هَذَا, فإنّ هَذَا الْغاسِقُ إذَا وَقَبَ».
حدثنا محمد بن سنان, قال: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا ابن أبي ذئب, عن الحرث بن عبد الرحمن, عن عائشة, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر. فقال: «يا عائِشَةُ اسْتَعِيذِي باللّهِ مِنْ شَرّ هَذَا, فإنّ هَذَا الْغاسِقُ إذَا وَقَبَ».
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب, أن يقال: إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ مِنْ شَرّ غاسِقٍ وهو الذي يُظْلم, يقال: قد غَسَق الليل يَغْسُق غسوقا: إذا أظلم. إذَا وَقَبَ يعني: إذا دخل في ظلامه والليل إذا دخل في ظلامه غاسق, والنجم إذا أفل غاسق, والقمر غاسق إذا وقب, ولم يخصص بعض ذلك بل عمّ الأمر بذلك, فكلّ غاسق, فإنه صلى الله عليه وسلم كان يُؤمر بالاستعاذة من شرّه إذا وقب. وكان قتادة يقول في معنى وقب: ذهب.
29606ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة غاسِقٍ إذَا وَقَبَ قال: إذا ذهب.
ولست أعرف ما قال قتادة في ذلك في كلام العرب, بل المعروف من كلامها من معنى وقب: دخل.
وقوله: وَمِنْ شَرّ النّفّاثاتِ فِي الْعُقَدِ يقول: ومن شرّ السواحر اللاتي ينفُثن في عُقَد الخيط, حين يَرْقِين عليها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29607ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: وَمِنْ شَرّ النّفّاثاتِ فِي الْعُقَدِ قال: ما خالط السّحر من الرّقَى.
29608ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن عوف, عن الحسن وَمِنْ شَرّ النّفّاثاتِ فِي الْعُقَدِ قال: السواحر والسّحَرة.
29609ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, قال: تلا قتادة: وَمِنْ شَرّ النّفّاثاتِ فِي الْعُقَدِ قال: إياكم وما خالط السّحر من هذه الرّقَى.
29610ـ قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن ابن طاوس, عن أبيه, قال: ما من شيء أقرب إلى الشرك من رُقْية المجانين.
29611ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: كان الحسن يقول إذا جاز وَمِنْ شَرّ النّفّاثاتِ فِي العُقَدِ قال: إياكم وما خالط السحر.
29612ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن جابر, عن مجاهد وعكرِمة النّفّاثاتِ فِي الْعُقَدِ قال: قال مجاهد: الرّقى في عُقَد الخيط وقال عكرِمة: الأخذ في عقد الخيط.
29613ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَمِنْ شَرّ النّفّاثاتِ فِي الْعُقَدِ قال: النفاثات: السواحر في العقد.
وقوله: وَمِنْ شَرّ حاسِدٍ إذَا حَسَدَ: اختلف أهل التأويل في الحاسد الذي أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شرّ حسده به, فقال بعضهم: ذلك كلّ حاسد أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستعيد من شرّ عينه ونفسه. ذكر من قال ذلك:
29614ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَمِنْ شَرّ حاسِدٍ إذَا حَسَدَ قال: من شرّ عينه ونفسه, وعن عطاء الخُراساني مثل ذلك. قال مَعْمر: وسمعت ابن طاوُس يحدّث عن أبيه, قال: العَينُ حَقّ, وَلَو كا2شَيءٌ سابق القَدرِ, سَبَقتْه العَينُ, وإذا اسْتُغْسِل أحدُكم فَلْيَغْتَسل.
وقال آخرون: بل أُمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بهده الاَية أن يستعيذ من شرّ اليهود الذين حسدوه. ذكر من قال ذلك:
29615ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَمِنْ شَرّ حاسِدٍ إذَا حَسَدَ قال: يهود, لم يمنعم أن يؤمنوا به إلا حسدهم.
وأولى القولين بالصواب في ذلك, قول من قال: أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شرّ كلّ حاسد إذا حسد, فعابه أو سحره, أو بغاه سوءا.
وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب, لأن الله عزّ وجلّ لم يخصص من قوله وَمِنْ شَرّ حاسِدٍ إذَا حَسَدَ حاسدا دون حاسد, بل عمّ أمرُه إياه بالاستعاذة من شر كلّ حاسد, فذلك على عمومه.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة الفلق

سورة الناس مكية
وآياتها ستٌ
بسم الله الرحمَن الرحيم

الآية : 1-6
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ * مَلِكِ النّاسِ * إِلَـَهِ النّاسِ * مِن شَرّ الْوَسْوَاسِ الْخَنّاسِ * الّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ * مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ}.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد أستجير بِرَبّ النّاسِ مَلِكِ النّاسِ وهو ملك جميع الخلق: إنسِهم وجنهم, وغير ذلك, إعلاما منه بذلك مَنْ كان يعظّم الناس تعظيم المؤمنين ربّهم, أنه مَلِكُ من يعظمه, وأن ذلك في مُلكه وسلطانه, تجري عليه قُدرته, وأنه أولى بالتعظيم, وأحقّ بالتعبد له ممن يعظمه, ويتعبّد له, من غيره من الناس.
وقوله: إلَهِ النّاسِ يقول: معبود الناس, الذي له العبادة دون كلّ شيء سواه.
وقوله: مِنْ شَرّ الوَسْوَاسِ يعني: من شرّ الشيطان الخَنّاسِ الذي يخنِس مرّة ويوسوس أخرى, وإنما يخنِس فيما ذُكر عند ذكر العبد ربه. ذكر من قال ذلك:
29616ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا يحيى بن عيسى, عن سفيان, عن حكيم بن جُبير, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: ما من مولود إلا على قلبه الوَسواس, فإذا عقل فذكر الله خَنَس, وإذا غَفَل وسوس, قال: فذلك قوله: الْوَسْوَاسِ الخَنّاسِ.
29617ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن سفيان, عن ابن عباس, في قوله الوَسْوَاسِ الخَنّاسِ قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم, فإذا سها وغفل وسوس, وإذا ذكر الله خنس.
29618ـ قال: ثنا مهران, عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد الْوَسْوَاسِ الخَنّاسِ قال: ينبسط, فإذا ذكر الله خَنَس وانقبض, فإذا غفل انبسط.
29619ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله الْوَسْوَاسِ الخَنّاسِ قال: الشيطان يكون على قلب الإنسان, فإذا ذكر الله خَنَس.
29620ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة الْوَسْوَاسِ قال: قال هو الشيطان, وهو الخَنّاس أيضا, إذا ذكر العبد ربه خنس, وهو يوسوس ويَخْنِس.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة مِنْ شَرّ الْوَسْوَاسِ الخَنّاسِ يعني: الشيطان, يوسوس في صدر ابن آدم, ويخنس إذا ذَكر الله.
29621ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن أبيه, ذُكر لي أن الشيطان, أو قال الوسواس, ينفث في قلب الإنسان عند الحزن وعند الفرح, وإذا ذَكر الله خنس.
29622ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: الخَنّاسِ قال: الخناس الذي يوسوس مرّة, ويخنس مرّة من الجنّ والإنس, وكان يقال: شيطان الإنس أشدّ على الناس من شيطان الجنّ, شيطان الجنّ يوسوس ولا تراه, وهذا يُعاينك معاينة.
ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان يقول في ذلك مِنْ شَرّ الْوَسْوَاسِ الذي يوسوس بالدعاء إلى طاعته في صدور الناس, حتى يُستجاب له إلى ما دعا إليه من طاعته, فإذا استجيب له إلى ذلك خَنَس. ذكر من قال ذلك:
29623ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله الْوَسْواس قال: هو الشيطان يأمره, فإذا أطيع خنس.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ به من شرّ شيطان يوسوس مرّة ويخنس أخرى, ولم يخصّ وسوسته على نوع من أنواعها, ولا خنوسه على وجه دون وجه, وقد يوسوس الدعاء إلى معصية الله, فإذا أطيع فيها خَنَس, وقد يوسوس بالنّهْي عن طاعة الله فإذا ذكر العبدُ أمر به, فأطاعه فيه, وعصى الشيطان خنس, فهو في كل حالتيه وَسْواس خَنّاس, وهذه الصفة صفته.
وقوله: الّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ يعني بذلك: الشيطان الوسواس, الذي يوسوس في صدور الناس: جنهم وإنسهم.
فإن قال قائل: فالجنّ ناس, فيقال: الذي يوسوس في صدور الناس: من الجنة والناس. قيل: قد سماهم الله في هذا الموضع ناسا, كما سماهم في موضع آخر رجالاً, فقال: وَأنّهُ كَانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ, فجعل الجنّ رجالاً, وكذلك جعل منهم ناسا.
وقد ذكر عن بعض العرب أنه قال وهو يحدّث, إذ جاء قوم من الجنّ فوقفوا, فقيل: من أنتم؟ فقالوا: ناس من الجنّ, فجعل منهم ناسا, فكذلك ما في التنزيل من ذلك.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة الناس