Allahumma innee AAabduk, ibnu AAabdik, ibnu amatik, nasiyatee biyadik, madin fiyya hukmuk, AAadlun fiyya qada-ok, as-aluka bikulli ismin huwa lak, sammayta bihi nafsak, aw anzaltahu fee kitabik, aw AAallamtahu ahadan min khalqik awis-ta/tharta bihi fee AAilmil-ghaybi AAindak, an tajAAalal-Qurana rabeeAAa qalbee, wanoora sadree, wajalaa huznee wathahaba hammee. ‘O Allah, I am Your servant, son of Your servant, son of Your maidservant, my forelock is in Your hand (i.e. You have total mastery over), Your command over me is forever executed and Your decree over me is just. I ask You by every name belonging to You which You named Yourself with, or revealed in Your Book, or You taught to any of Your creation, or You have preserved in the knowledge of the unseen with You, that You make the Quran the life of my heart and the light of my breast, and a departure for my sorrow and a release for my anxiety.
(1) أحمد، 1/ 391، برقم 3712، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 1/ 337.
شرح معنى اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك
لفظ الحديث الذي ورد فيه:
414- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ، وَلاَ حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاَءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا»، قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: «بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا»(1) . 415- وعند ابن السني: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أصَابَهُ هَمٌّ، أوْ حَزَنٌ، فَلْيَدْعُ بِهَذِهِ الكَلِماتِ، يَقُولُ: أنا عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، فِي قَبْضَتِكَ، ناصِيَتِي بِيَدِكَ، ماضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ؛ أسألُكَ بِكُلّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أوْ أنْزَلْتَهُ فِي كِتابِكَ، أوْ عَلَّمْتَه أحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أوِ اسْتَأثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ، أنْ تَجْعَلَ القُرآنَ نُورَ صَدْرِي، وَرَبِيعَ قَلْبِي، وَجلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمّي»، فقال رجل من القوم: يا رسول اللَّه! إن المغبونَ لمن غُبن هؤلاء الكلمات، فقال: «أجَلْ فَقُولُوهُنَّ، وَعَلِّمُوهُنَّ، فإنَّهُ مَنْ قَالَهُنَّ الْتِماسَ ما فِيهِنَّ أذْهَبَ اللَّهُ تَعالى حُزْنَهُ، وأطالَ فَرَحَهُ»(2) .
شرح مفردات الحديث:
1- قوله: «اللَّهم إني عبدك» أي: لا معبود لي غيرك ولا رب لي سواك فأنت رب العالمين، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قوله: «إني عبدك: التزام عبوديته من الذلّ، والخضوع، والإنابة، وامتثال أمر سيّده، واجتناب نهيه، ودوام الافتقار إليه، واللجأ اليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، وعِياذ العبد به، ولِياذه به، وأن لا يتعلق قلبه بغيره محبة، وخوفاً، ورجاءً، وفيه أيضاً: أني عبد من جميع الوجوه: صغيراً، وكبيراً، حياً، وميتاً، ومطيعاً، وعاصياً، معافى، ومبتلى بالروح، والقلب، واللسان، والجوارح، وفيه أيضاً: أن مالي، ونفسي ملك لك؛ فان العبد وما يملك لسيده»(3) . 2- قوله: «ابن عبدك ابن أمتك»: إظهار تام للعبودية والمعنى أنك مالك لي ولأبواي، وإن عليا حتى آدم وحواء، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «وهذا يتناول من فوقه من آبائه، وأمهاته إلى أبويه: آدم وحواء، وفي ذلك تملق له، واستخذاء بين يديه، واعتراف بأنه مملوكه، وآباؤه مماليكه، وأن العبد ليس له غير باب سيده، وفضله، وإحسانه، وأن سيده إن أهمله، وتخلّى عنه، هلك ولم يؤْوِه أحد، ولم يعطف عليه، بل يضيع أعظم ضيعة، فتحت هذا الاعتراف أني لا غنى بي عنك طرفة عين، وليس لي من أعوذ به، وألوذ به غير سيدي الذي أنا عبده»(3) . 3- قوله: «ناصيتي بيدك»: الناصية هي مقدم الرأس والمقصود أنه تحت سلطان اللَّه الغالب وحكمه الذي لا يرد وقدرته النافذة، قال ابن فارس : «النَّصِيَّة من القَوم، ومن كلِّ شيءٍ: الخيار، ويقال: انتصَيْتُ الشَّيءَ: اخترتُه، وهذه نَصِيَّتي: خِيرَتي، ومنه النَّاصية: سمِّيت لارتفاع مَنْبتها. والناصيةُ: قُصَاص الشَّعْر»(4) ، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: «أي: أنت المتصرف في تصرفي كيف تشاء، لست أنا المتصرف في نفسي، وكيف يكون له في نفسه تصرف من نفسه بيد ربه، وسيده، وناصيته بيده، وقلبه بين أصبعين من أصابعه، وموته، وحياته، وسعادته، وشقاوته، وعافيته، وبلاؤه كله إليه سبحانه، ليس إلى العبد منه شيء، بل هو في قبضة سيده أضعف من مملوك ضعيف، حقير، ناصيته بيد سلطان، قاهر، مالك له، تحت تصرفه وقهره، بل الأمر فوق ذلك، ومتى شهد العبد أن ناصيته ونواصي العباد كلها بيد اللَّه وحده، يصرفهم كيف يشاء، لم يُخفهم بعد ذلك، ولم يرجهم، ولم ينزلهم منزلة المالكين، بل منزلة عبيد مقهورين مربوبين، المتصرف فيهم سواهم، والمدبر لهم غيرهم، فمن شهد نفسه بهذا المشهد، صار فقره، وضرورته إلى ربه وصفاً لازماً له، ومتى شهد الناس كذلك، لم يفتقر إليهم، ولم يعلق أمله، ورجاءه بهم، فاستقام توحيده، وتوكله، وعبوديته»(5) . 4- قوله: «ماضٍ فيّ حكمك» أي: الذي قدرته عليّ أزلًا في اللوح المحفوظ فأنت الحكيم الذي تضع الأمور في نصابها قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «تضمن هذا الكلام أمرين: أحدهما: مضاء حكمه في عبده، والثاني: يتضمن حمده، وعدله، وهو سبحانه له الملك، وله الحمد»(5) . 5- قوله: «عدل فيّ قضاؤك» أي: ما حكمته فهو عدل محض فلا يدخل في تدبير اللَّه زلل ولا نقص ولا عجز، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «َقَدْ بَيَّنَ أَنَّ كُلَّ قَضَائِهِ فِي عَبْدِهِ عَدْلٌ، وَلِهَذَا يُقَالُ: كُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ، وَكُلُّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ، وَيُقَالُ: أَطَعْتُك بِفَضْلِك وَالْمِنَّةُ لَك، وَعَصَيْتُك بِعِلْمِك أَوْ بِعَدْلِك وَالْحُجَّةُ لَك»(6) ، وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: «أي الحكم الذي أكملته، وأتممته، ونفذته في عبدك، عدل منك فيه، وأما الحكم، فهو ما يحكم به سبحانه، وقد يشاء تنفيذه، وقد لا ينفذه؛ فإن كان حكماً دينياً، فهو ماضٍ في العبد، وإن كان كونياً؛ فإن نفذه سبحانه مضى فيه، وإن لم ينفذه اندفع عنه، فهو سبحانه يقضي ما يقضي به، وغيره قد يقضي بقضاء، ويقدر أمراً، ولا يستطيع تنفيذه، وهو سبحانه يقضي، ويمضي، فله القضاء والإمضاء، وقوله: «عدل فيَّ قضاؤك»: يتضمن جميع أقضيته في عبده من كل الوجوه، من صحة، وسقم، وغنى، وفقر، ولذة، وألم، وحياة، وموت، وعقوبة، وتجاوز وغير ذلك»(5) ، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: «كلما قضيت علي مما أحب أو أكره فهو عدل ليس فيه جور حتى المصائب عدل من الله»(7) . 6- قوله: «أسألك»: هذا شروع في الطلب والمسألة والدعاء بعد إظهار العبودية والثناء على اللَّه بما هو أهله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فَأَسْأَلُك بِوُجُوبِ حُجَّتِك عَلَيَّ، وَانْقِطَاعِ حُجَّتِي، إلَّا مَا غَفَرْت لِي»(6) . 7- قوله: «بكل اسم هو لك»: عام لجميع أسماء اللَّه الحسنى التي من تأملها وعرف معانيها دفعه ذلك إلى تعظيم ربه، قال بعض السلف: «من كان باللَّه أعرف، كان منه أخوف»(8) ، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: «الاسم من أسماء اللَّه يدل على الذات، وعلى المعنى، كما سبق، فيجب علينا أن نؤمن به اسماً من الأسماء، ونؤمن بما تضمنه من الصفة، ونؤمن بما تدل عليه الصفة من الأثر، والحكم، إن كان متعدياً؛ فمثلاً: السميع نؤمن بأن من أسمائه تعالى السميع، وأنه دال على صفة السمع، وأن لهذا السمع حكماً، وأثراً، وهو أنه يسمع به؛ كما قال تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾(9) ، أما إن كان الاسم غير متعد، كالعظيم، والحي، والجليل، فتثبت الاسم، والصفة، ولا حكم يتعدى إليه»(10) . 8- قوله: «سمّيت به نفسك»: قال الطيبي: أي: «أنك وضعت ألفاظاً مخصوصة، وسميت بها نفسك، وألهمت عبادك بغير واسطة، فيكون من سماه الأمم المختلفة الفائتة للحصر بلغات مختلفة من هذا النوع»(11) . 9- قوله: «أو أنزلته في كتابك» أي: القرآن وما قبله من الكتب التي أنزلها اللَّه على رسله عليهم السلام. قال الطيبي : «قوله: «أو أنزلته في كتابك» علي جميع ما سمى به في الكتب المنزلة، وأفرد الكتاب، وأراد به الجنس، وقد تقرر في موضعه أنه أشمل من الجمع»(11) . 10- قوله: «أو علمته أحدًا من خلقك» أي: من الأنبياء والمرسلين والملائكة. قال العلامة الشنقيطي : «أن للَّه أسماء أنزلها في كتبه، وأسماء خص بها بعض خلقه، كما خص الخضر بعلم من لدنه»(12) ، وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: «أسماء اللَّه توقيفية، فلا يسمى سبحانه إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يسمى باسم عن طريق القياس، أو الاشتقاق، من فعل ونحوه، خلافاً للمعتزلة، والكرامية، فلا يجوز تسميته بناءً، ولا ماكراً، ولا مستهزئاً؛ أخذاً من قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾(13) ، وقوله: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ﴾(14) ، وقوله: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾(15) ، ولا يجوز تسميته: زارعاً، ولا ماهداً، ولا فالقاً، ولا منشئاً، ولا قابلاً، ولا شديداً، ونحو ذلك؛ أخذاً من قوله تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾(16) ، وقوله: ﴿فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ﴾(17) ، وقوله: ﴿أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ﴾(18) ، وقوله تعالى: ﴿فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾(19) ، وقوله: ﴿وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾(20) ؛ لأنها لم تستعمل في هذه النصوص إلا مضافة، وفي إخبار على غير طريق التسمي، لا مطلقة، فلا يجوز استعمالها إلا على الصفة التي وردت عليها في النصوص الشرعية، فيجب ألا يعبد في التسمية إلا لاسم من الأسماء التي سمى بها نفسه صريحاً في القرآن، أو سماه بها رسوله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه من الأحاديث، كأسمائه التي في آخر سورة الحشر، والمذكورة أول سورة الحديد، والمذكورة في سور أخرى من القرآن»(21) . 11- قوله: «أو استأثرت به في علم الغيب عندك»: الاستئثار هو الانفراد بالشيء أي: أن اللَّه لم يطلع على ذلك لا ملك مقرب ولا نبي مرسل وهذا فيه دليل على أن لله أسماءً أخرى غير التسعة والتسعين المذكورة في الحديث(22) . قال الطيبي : «وقوله: «أو استأثرت» به أي انفردت، محمول على أنه انفرد به بنفسه، ولا ألهم أحداً ولا أنزل في كتاب»(11) . 12- قوله: «أن تجعل» أي: أسألك بما مضى من التوسل إليك بأسمائك كلها، قال الطيبي : «أن تجعل القرآن ربيع قلبي: هذا هو المطلوب، والسابق: وسائل إليه، فانظر أولاً: غاية ذلته، وصغاره، ونهاية افتقاره، وعجزه، وثانياً بين عظمة شأنه، وجلالة اسمه سبحانه وتعالى، بحيث لم يبق فيه بقية، وألطف في المطلوب حيث جعل المطلوب وسيلة إزالة الهمّ المطلوب أولاً»(11) . 13- قوله: «القرآن»: قال في النهاية: «قد تكرر في الحديث ذكر القراءة، والاقتراء، والقارئ، والقرآن، والأصل في هذه اللفظة الجمع، وكل شيء جمعته فقد قرأته، وسمي القرآن قرآناً؛ لأنه جمع: القصص، والأمر، والنهي، والوعد، والوعيد، والآيات، والسور بعضها إلى بعض، وهو مصدر كالغفران، والكفران، وقد يطلق على الصلاة؛ لأن فيها قراءة تسمية للشيء ببعضه، وعلى القراءة نفسها، يقال: قرأ يقرأ قراءة، وقرآناً، والاقتراء افتعال من القراءة، وقد تحذف الهمزة منه تخفيفاً فيقال: قران»(23) . 14- قوله: «ربيع قلبي»: وذلك لأن الإنسان يرتاح في الربيع من الأزمان، ويميل إليه، ويخرج من الهم والغم، ويحصل له النشاط والابتهاج والسرور(24) . قال القاري: «وجعل القرآن ربيع القلب، وهو عبارة عن الفرح؛ لأن الإنسان يرتاح قلبه في الربيع من الأزمان، ويميل إليه في كل مكان، وأقول: كما أن الربيع سبب ظهور آثار رحمة اللَّه تعالى، وإحياء الأرض بعد موتها، كذلك القرآن سبب ظهور تأثير لطف اللَّه من الإيمان، والمعارف، وزوال ظلمات الكفر والجهل والهرم»(25) . 15- قوله: «ونور صدري» أي: يذهب ما في قلبي من ظلمات الجهل والشهوات والشبهات وغير ذلك مما يعكر صفوه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وَالْحَيَاةُ وَالنُّورُ جِمَاعُ الْكَمَالِ، كَمَا قَالَ عز وجل: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾(26) ، وَفِي خُطْبَةِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ : يُحْيُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ الْمَوْتَى، وَيُبَصِّرُونَ بِنُورِ اللَّهِ أَهْلَ الْعَمَى؛ لِأَنَّهُ بِالْحَيَاةِ يَخْرُجُ عَنْ الْمَوْتِ، وَبِالنُّورِ يَخْرُجُ عَنْ ظُلْمَةِ الْجَهْلِ، فَيَصِيرُ حَيًّا، عَالِمًا، نَاطِقًا، وَهُوَ كَمَالُ الصِّفَاتِ فِي الْمَخْلُوقِ»(27) . 16- قوله: «وجلاء حزني»: أي تتجلى منه الهموم والوساوس كما تتجلى الشمس للناس حال سطوعها: جلاء الشيء خروجه، وذهابه، قال الجوهري : «والجَلاءُ أيضاً: يقال: جَلَوْتُ، أي: أوضحتُ وكشفتُ، وجَلَوْتُ بصري بالكُحْلِ، وجَلَوْتُ همِّي عنّي، أي: أذهبته»(28) ، وقال الإمام ابن قيم الجوزية : «وقوله: «وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي»، إن جلاء هذا يتضمن إزالة المؤذي الضار، وذلك يتضمن تحصيل النافع السار، فتضمن الحديث طلب أصول الخير كله، ودفع الشر، وباللَّه التوفيق»(29) . 17- قوله: «وذهاب همّي» أي: ما أهمني وأقلقني في الحاضر والمستقبل حتى أتفرغ لعبادتك، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: «هذا الحديث الصحيح منها أنه استوعب أقسام المكروه الواردة على القلب، فالهمّ يكون على مكروه يتوقع في المستقبل، يهتمّ به القلب، والحزن على مكروه ماضٍ من فوات محبوب، أو حصول مكروه، إذا تذكره أحدث له حزناً، والغمّ يكون على مكروه حاصل في الحال يوجب لصاحبه الغم، فهذه المكروهات هي من أعظم أمراض القلب، وأدوائه، وقد تنوع الناس في طرق أدويتها، والخلاص منها، وتباينت طرقهم في ذلك تبايناً لا يحصيه إلا اللَّه، بل كل أحد يسعى في التخلص منها بما يظن، أو يتوهم أنه يخلصه منها، وأكثر الطرق والأدوية التي يستعملها الناس في الخلاص منها، لا يزيدها إلا شدة لمن يتداوى منها بالمعاصي على اختلافها، من أكبر كبائرها إلى أصغرها، وكمن يتداوى منها باللهو واللعب والغناء، وسماع الأصوات المطربة، وغير ذلك، فأكثر سعي بني آدم، أو كله إنما هو لدفع هذه الأمور، والتخلص منها، وكلهم قد أخطأ الطريق، إلا من سعى في إزالتها بالدواء الذي وصفه اللَّه لإزالته،ا وهو دواء مركب من مجموع أمور متى نقص منها جزء نقص من الشفاء بقدره، وأعظم أجزاء هذا الدواء هو التوحيد والاستغفار»(30) . 18- قوله: «إن المغبون لمن غبن هؤلاء الكلمات»: قال في المصباح المنير: «غبَنَهُ في البيع والشراء، (غُبْنًا) من باب ضَرَب، مثل غلبه، (فَانْغَبَنَ)، و(غَبَنَهُ) أي نقصه، و(غُبِنَ) بالبناء للمفعول، فهو (مَغْبُونٌ)، أي منقوص في الثمن، أو غيره، و(الغَبِينَةُ) اسم منه، و(غَبِنَ) رأيه (غَبَنًا) من باب تعب: قلَّتْ فطنتُه و ذكاؤه»(31) ، وقال الحافظ ابن حجر : في فتح الباري: «والغَبَن - بِالسُّكُونِ وبِالتَّحرِيكِ-، وقالَ الجَوهَرِيّ: هُو فِي البَيع بِالسُّكُونِ، وفِي الرَّأي بِالتَّحرِيكِ، وعَلَى هَذا فَيَصِحّ كُلّ مِنهُما فِي هَذا الخَبَر؛ فَإِنَّ مَن لا يَستَعمِلهُما فِيما يَنبَغِي فَقَد غَبَنَ لِكَونِهِ باعَهُما بِبَخسٍ، ولَم يُحمَد رَأيه فِي ذَلِكَ، قالَ ابن بَطّال: مَعنَى الحَدِيث: نعمتان مغبون فيهما المرء أَنَّ المَرء لا يَكُون فارِغًا حَتَّى يَكُون مَكفِيًّا صَحِيح البَدَن، فَمَن حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ، فَليَحرِص عَلَى أَن لا يَغبِن بِأَن يَترُك شُكر اللَّه عَلَى ما أَنعَمَ بِهِ عَلَيهِ، ومِن شُكره امتِثال أَوامِره، واجتِناب نَواهِيه، فَمَن فَرَّطَ فِي ذَلِكَ فَهُو المَغبُون.... وقالَ ابن الجَوزِيّ: قَد يَكُون الإِنسان صَحِيحًا، ولا يَكُون مُتَفَرِّغًا لِشُغلِهِ بِالمَعاشِ، وقَد يَكُون مُستَغنِيًا، ولا يَكُون صَحِيحًا، فَإِذا اجتَمَعا فَغَلَبَ عَلَيهِ الكَسَل عَن الطّاعَة، فَهُو المَغبُون، وتَمام ذَلِكَ أَنَّ الدُّنيا مَزرَعَة الآخِرَة، وفِيها التِّجارَة الَّتِي يَظهَر رِبحها فِي الآخِرَة، فَمَن استَعمَلَ فَراغه وصِحَّته فِي طاعَة اللَّه فَهُو المَغبُوط، ومَن استَعمَلَهُما فِي مَعصِيَة اللَّه فَهُو المَغبُون؛ لأَنَّ الفَراغ يَعقُبهُ الشُّغل، والصِّحَّة يَعقُبها السَّقَم، ولَو لَم يَكُن إِلاَّ الهَرَم»(32) .
ما يستفاد من الحديث:
1- من قال هذا الدعاء موقنًا ومخلصًا في قوله: فرج اللَّه ما به من هم بل وأبدله مكانه فرحًا لقوله صلى الله عليه وسلم في أول الحديث: «ما أصاب عبدًا هم ولا حزن فقال ...» وقوله في آخره: «إلا أذهب اللَّه همه وحزنه وأبدله مكانه فرحًا». 2- إذا حقق المسلم معنى العبودية لله فإنه لا يتصرف في شيء من أموره إلا بحسب رضا ربه كما أن العبد المملوك لا يتصرف في شيء إلا بإذن سيده. 3- حياة العبد من مبدأها إلى منتهاها وما يترتب على ذلك من الشقاوة أو السعادة هي بيد اللَّه وحده لا شريك له، وهذا مستفاد من قوله: «ناصيتي بيدك»، وقد قال هود لقومه كما ذكر اللَّه في القرآن: ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾(33) . 4- الإيمان بما قضاه اللَّه وقدره على عبده لقوله: «ماض في حكمك عدل في قضاؤك» وهذا شامل للحُكمين: الديني والقدري، فإنه مع كون اللَّه مالكًا متصرفًا فإنه عدل في أحكامه كلها، فخبره كله صدق وقضاؤه كله عدل وأمره كله مصلحة، وما نهى عنه كان مفسدة وثوابه بفضله وعقابه بعدله(34) . 5- مشروعية التوسل إلى اللَّه بأسمائه الحسنى وفي هذا دلالة على إيمان العبد بها جميعًا كما فصلها هذا الدعاء. قال اللَّه تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾(35) . وقال جل ذكره: ﴿قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾(36) . 6- فيه بيان أن حياة القلب وسعادته إنما هي في القرآن الكريم: علمًا، وعملًا، وتدبرًا، وقيامًا به في صلاة الليل، ودعوة الخلق إليه. قال اللَّه تعالى: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾(26) . 7- معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «إن للَّه تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة»(37) ، أما التكرار في قوله: «تسعة وتسعون مائة إلا واحداً» فهو للتأكيد، كقوله تعالى: ﴿وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾(38) ، وقد تكلم العلماء عن سرّ هذا العدد المخصوص، والصواب أن نفوّض علمه إلى اللَّه؛ لأن اللَّه لم يطلعنا على حكمة ذلك فهو كأعداد الصلوات واللَّه أعلم(39) . 8- قوله: «من أحصاها» له عدة معانٍ على النحو الآتي: أ – أي: من حفظها وأثنى على اللَّه بها ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة»(40) وبه قال النووي والبخاري وغيرهما(41) . ب – الإطاقة كقوله: ﴿عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ﴾(42) ، أي: لن تطيقوا قيام الليل كله وعلى هذا يكون المراد هو حسن مراعاة هذه الأسماء والعمل بمقتضى ما تدعوا إليه من معانٍ عظيمة. جـ – أن يكون الإحصاء: بمعنى العقل، والمعرفة، والإيمان بها، وهذا مأخوذ من قول العرب فلان ذو حصاة أي: ذو عقل. 9- قال القرطبي: والمرجو أنه من حصل له إحصاء هذه الأسماء على إحدى هذه المراتب مع صحة النية، المرجو أن يدخله اللَّه الجنة(43) . 10- الرواية التي جاء فيها سرد الأسماء رواية ضعيفة وهي عند الترمذي(44) وغيره. قال الحافظ في الفتح: والدليل على ضعف هذه الرواية عدم تناسبها في السياق ولا في التوقيف ولا في الاشتقاق لأنه إذا كان المراد الأسماء فقط فغالب الرواية صفات، وإن كان المراد الصفات فهي غير متناهية، ولم يرد بعض هذه الأسماء لا في القرآن ولا في السنة الصحيحة(45) .
2
ابن السني، برقم 338، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة، 1/ 198.وقد اطلعت على رواية في تاريخ دمشق لابن عساكر، 68/ 119، عن عبد اللَّه بن عمر كان يقول: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يقول: «من قال هذه الكلمات، ودعا بهنَّ، فرّج اللَّه همّه، وأذهب حزنه، وأطال سروره، أن يقول: اللهمَّ إنّي عبدك ابن عبدك، ابن أمتك، وفي قبضتك، ناصيتي في يدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بأحب أسمائك إليك، وباسمك الذي سميت به نفسك، وبكل اسم أنزلته في كتابك، أو علمته أحداَ من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن نور صدري، وربيع قلبي، وجلاء حزني، وذهاب همّي». وقد رواها عن رجل من أهل دمشق، عن ابن عمر، ولم أجد من علق عليها
تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة , وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .