قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ ١ مَلِكِ ٱلنَّاسِ ٢ إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ ٣ مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ ٤ ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ ٥ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ ٦ ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده (1).
(1) \"يجمع كفيه ثم ينفث فيهما فيقرأ فيهما\"، البخاري مع الفتح، 9/ 62، برقم 5017، ومسلم، برقم 2192.
شرح معنى يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما
لفظ الحديث الذي ورد فيه:
348- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرَأَ فِيهِمَا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ. يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». هذا لفظ البخاري(1) . 349- ولفظ مسلم: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ، وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِي» وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ: بِمُعَوِّذَاتٍ(2) . 449- وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَقُودُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَقَبٍ مِنْ تِلْكَ النِّقَابِ، إِذْ قَالَ لِي: «يَا عُقْبَ، أَلَا تَرْكَبُ؟»، قَالَ: فَأَجْلَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَرْكَبَ مَرْكَبَهُ، ثُمَّ قَالَ: «يَا عُقْبُ، أَلَا تَرْكَبُ؟» قَالَ: فَأَشْفَقْتُ أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةً، قَالَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَكِبْتُ هُنَيَّةً، ثُمَّ رَكِبَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا عُقْبُ، أَلَا أُعَلِّمُكَ سُورَتَيْنِ مِنْ خَيْرِ سُورَتَيْنِ قَرَأَ بِهِمَا النَّاسُ ؟» قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَأَقْرَأَنِي: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ بِهِمَا، ثُمَّ مَرَّ بِي، قَالَ: «كَيْفَ رَأَيْتَ يَا عُقْبَ؟ اقْرَأْ بِهِمَا كُلَّمَا نِمْتَ، وَكُلَّمَا قُمْتَ»(3) . 451- وعن نوفل الأشجعي رضي الله عنه(4) : «اقرأ ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾، ثم نم على خاتمتها، فإنها براءة من الشرك»(5)1، برقم 3427، وحسنه محققو المسند، 39/ 224، وحسنه لغيره الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 605. (6) الترمذي، كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في إذا زلزلت، برقم 2894، والحاكم، 1/754، وقال: «صحيح الإسناد»، والبيهقي في شعب الإيمان، 2/496، برقم 2514. وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة،2/ 131. /55 ..
شرح مفردات الحديث:
1- قوله: «يجمع كفيه» أي: بضم بعضهما إلى بعض، مع إلصاق إحداهما بالأخرى، وهما مفتوحتان إلى جهة فمه الشريف من أجل النفث فيهما. 2- قوله: «ينفث»: النفث: بالفم يشبه النفخ، وهو أقل من التفل؛ لأن التفل يكون معه شيء من الريق، وأما النفث فقد يكون معه شيء من الريق، وقد لا يكون، وقال ابن منظور : «النَّفْثُ: أَقلُّ مِنَ التَّفْل، لأَن التَّفْلَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الرِّيقِ؛ والنفثُ: شَبِيهٌ بِالنَّفْخِ؛ وَقِيلَ: هُوَ التَّفْلُ بِعَيْنِهِ. نَفَثَ الرَّاقي، وَفِي الْمُحْكَمِ: نَفَثَ يَنْفِثُ ويَنْفُثُ نَفْثاً ونَفَثاناً... والنَّفْثِ بِالْفَمِ، شبيهٌ بِالنَّفْخِ...والحيَّةُ تَنْفُثُ السمَّ حِينَ تَنْكُزُ، والجُرْحُ يَنْفُثُ الدمَ إِذا أَظهره، وَسمٌّ نَفِيثٌ وَدَمٌ نَفِيثٌ إِذا نَفَثَه الجرحُ»(7) . 3- قوله: «يمسح بهما» أي: بكفيه صلى الله عليه وسلم، قال الزرقاني : «مَسْحُهَا عَلَى كُلِّ مَا يُرْجَى بَرَكَتُهُ وَشِفَاؤُهُ وَخَيْرُهُ...وَالتَّبَرُّكِ بِالْيُمْنَى دُونَ الشِّمَالِ، وَتَفْضِيلِهَا عَلَيْهَا، وَفِي ذَلِكَ مَعْنَى الْفَأْلِ»(8) . 4- قوله: «ما استطاع من جسده» أي: ما أمكن مسحه من جسده الشريف، قال القاري : «أَيْ: مَا أَمْكَنَهُ، وَقَدَرَ عَلَيْهِ»(9) . 5- قوله: «يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده»: قال الطيبي : «بيان لجملة قوله: «يمسح بهما ما استطاع من جسده»، أو بدل منه... لكن قوله: «ما استطاع من جسده» وقوله: «يبدأ» يقتضيان أن يقدر: يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، ثم ينتهي إلى ما أدبر من جسده»(10) . 6- قوله: «يا عقبَ»: هذا ترخيم لاسم «عقبة»، وهو نداء تحبب وتلطف، وقد عرّف البلاغيون الترخيم فقالوا: «... فقد يحذف العربيُّ في النداء آخر حرف في الكلمة، أو الحرفين الأخيرَيْن منها، وقَدْ يَحْذِفُ الجزءَ الثانِيَ من جزئي الكلمة المركّبة تركيباً مزجيّاً، وقد يحذف في الترخيم المضاف إليه، ومن دواعيه إلى ذلك الإِيجاز، والتحبُّبُ لِلْمُنَادى أحياناً، ومراعاة جمال فنّيٍّ في نَسَقِ الكلام»(11) . 7- قوله: «فأجللت»: قال العلامة السندي : «أي: عظمت، فأشفقت، أي خفت»(12) . 8- قوله: «في نقب من تلك النقاب»: قال ابن منظور : «الطَّرِيقُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ، كأَنه نُقِبَ مِنْ هَذِهِ إِلى هَذِهِ؛ وَقِيلَ: هُوَ الطَّرِيقُ الَّتِي تَعْلُو أَنْشازَ الأَرض... وَهُوَ الطَّرِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ»(13) . 9- قوله: «اقرأ بهما كُلَّمَا نِمْتَ وكلما قُمْتَ»، قال الإمام ابن خزيمة : «هَذِهِ اللَّفْظَةُ «كُلَّمَا نِمْتَ وَقُمْتَ» مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي أَعْلَمْتُ أَنَّ الْعَرَبَ يُوقِعُ اسْمَ النَّائِمِ عَلَى الْمُضْطَجِعِ، وَيُوقِعُهُ عَلَى النَّائِمِ الزَّائِلِ الْعَقْلِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أَرَادَ بِـقَوْلِهِ فِي هَذَا الْخَبَرِ: «اقْرَأْ بِهِمَا إِذَا نِمْتَ»، أَيْ: إِذَا اضْطَجَعْتَ، إِذِ النَّائِمُ الزَّائِلُ الْعَقْلِ مُحَالٌ أَنْ يُخَاطَبَ، فَيُقَالُ لَهُ: إِذَا نِمْتَ -وَزَالَ عَقَلُهُ- فَاقْرَأْ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ، ... وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالنَّائِمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، الْمُضْطَجِعَ، لَا النَّائِمَ الزَّائِلَ الْعَقْلِ، إِذِ النَّائِمُ الزَّائِلُ الْعَقْلِ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالصَّلَاةِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الصَّلَاةَ لِزَوَالِ الْعَقْلِ»(14) . وأما قمت فيقول العلامة البهوتي : «كُلَّمَا: تَعُمُّ الْأَوْقَاتِ، فَهِيَ بِمَعْنَى كُلِّ وَقْتٍ، فَمَعْنَى كُلَّمَا قُمْتُ قُمْتَ: كُلَّ وَقْتٍ تَقُومُ فِيهِ، أَقُومُ فِيهِ»(15) . 10- تقدم شرح مفردات المعوذات الثلاث في شرح مفردات الحديث رقم 70 من أحاديث المتن.
1- الإرشاد النبوي الكريم بفعله بقراءة هذه السور الثلاث عند النوم؛ لما فيها من التعوذات المباركة، لاسيما أن الإنسان وهو نائم معرض لأي مكروه: حسي، أو معنوي. 2- جاء في بعض هذاالحديث أن عائشة قالت: «فلما اشتكى (أي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أي: مرض في مرض موته) كان يأمرني أن أفعل ذلك»(16) أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث هو في يديه، ثم يأمر عائشة أن تُمر يده على جسده الشريف؛ لشدة مرضه صلى الله عليه وسلم . 3- هذه السور الثلاث تسمى المعوذات؛ لأن سورتي الفلق، والناس تشتملان على جمل نافعة من التعوذ، أما سورة الإخلاص، فقد جاء ذكرها على سبيل التغليب؛ لما اشتملت عليه من صفات الرب عز وجل، قال النووي : وإنما رقى بالمعوذات لأنهن جامعات(17) . 4- الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلًا(17) . 5- مما ينبغي أن يعلم أن مسح الوجه والبدن – أي: بعد النفث فيهما بالمعوذات – خاص بحالتي النوم والمرض، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في مواطن أخرى، وهذا ما ذكره شيخ الإسلام : (18) . 6- مما يسن قراءته أيضًا قبل النوم، وفيه معاني التوحيد والبراءة من الشرك شأنه شأن سورة الإخلاص، سورة الكافرون.
3
أخرجه أحمد في المسند بلفظه، 28/ 528، برقم 17296، والنسائي، كتاب الاستعاذة، 8/ 253، برقم 5437، لفظ: «اقرأ بهما كلما نمت وقمت»، وأبو يعلى، برقم 1736، وابن خزيمة، برقم 534، والطحاوي في مشكل الآثار، برقم 124، والنسائي في عمل اليوم والليلة، برقم 889، وأخرجه بنحوه ابن أبي شيبة، 10/ 539، برقم 10260، وغيرهم، وقال محققو المسند، 28/ 529: «إسناده صحيح»، وقال العلامة الألباني في صحيح النسائي، 3/ 456: «حسن الأسناد».
4
نوفل بن فروة الأشجعي، له صحبة، نزل الكوفة لم يرو عنه غير بنيه: فروة، وعبد الرحمن، وسحيم بني نوفل، وأخرج له أصحاب السنن، وأحمد، وابن حبان، والحاكم. انظر: الاستيعاب، 4/ 1513، والإصابة في تمييز الصحابة، 6/ 482.
5
أخرجه أحمد، (539/224، برقم 23807، وأبو داود، كتاب الآداب، باب ما يقول عند النوم، برقم 5055، والترمذي، كتاب الدعوات، باب منه حدثنا محمود بن غيلان، برقم 3403، والحاكم، 2/587، وقال: «صحيح الإسناد»، ووافقه الذهبي، وابن أبي شيبة، 5/323، برقم 26528، وابن السني، ص 254، برقم 694، والنسائي في الكبرى، كتاب عمل اليوم والليلة، قراءة قل يا أيها الكافرون عند النوم وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك، برقم 10637، وابن حبان، 3/70، برقم 790، والدارمي 2
6
، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: «و﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ تعدل ربع القرآن»
تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة , وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .