Allahumma barik lahum feema razaqtahum, waghfir lahum warhamhum. ‘O Allah, bless for them, that which You have provided them, forgive them and have mercy upon them.
(1) مسلم، 3/ 1615، برقم 2042.
شرح معنى اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم
1- قوله: «اللهم بارك لهم فيما رزقتهم»: «اللَّهُمَّ بِمَعْنَى: يَا أَلله» (3)، وقال السمين الحلبي : «البركة: الزيادةُ، يقال: باركَ اللَّه لك، أي: زادَك خيراً» (4)، وقال القاري : «وعلامة البركة القناعة وتوفيق الطاعة» (5). 2- قوله: «واغفر لهم»: قال القاري : «اغفر لهم: أي: ذنوبهم» (5). 3- قوله: «وارحمهم»: قال القاري : «وارحمهم بالتفضل عليهم» (5). 4- قوله: «نزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم علينا»: أي: جاء لنا زائرًا في اللَّه عز وجل، أو ملبياً، للدعوة، قال الفيروزأبادي : «النزول: الحلول. نزلهم، وبهم، وعليهم ينزل نزولاً، ومنزلاً: حلَّ» (6). 5- قوله: «فقربنا إليه طعامًا» أي: قدمناه له، قال الجوهري : «قَرُبَ الشيء بالضم يَقْرُب قُرباً، أي: دنا... وتقرَّبَ إلى الله بشيءٍ، أي: طلب به القُرْبَةَ عنده. وقَرَّبْتُه تقريباً، أي: أدنيته... والمُقْرَبُ من الخيل: الذي يُدنى ويُكرَّم» (7). 6- قوله: «ووطبة»: الحيس يجمع بين التمر والأقط المدقوق والسمن، قال ابن الأثير : «الوطبة ، الْحَيسُ، يجمع بين التمر البَرْني، والأقِط المدْقوق، والسَّمْن الجيّد» (8)، بينما يرى القاضي عياض : «فقرّبنا إليه طعاماً ووطئة: كذا ضبطناه على أبي بحر -بالواو، وكسر الطاء، مهموزاً- ، وكان في كتاب العذري مهملاً، وقيده في كتاب ابن عيسى: (رطبة) – بالراء، وفتح الطاء، وباء موحدة، والصواب من هذا كله الأول، قال ابن دريد: الوطية: التمر، يستخرج نواه، ويعجن باللبن، وفي كتاب البزار: «فقربنا له طعاماً ووطئة فجاؤوه بحيس فأكل منه»، قال أبو مروان بن سراج: لعله طعاماً وطية على البدل؛ لقوله: فأكل منها، وهو خير من العطف، وهو طعام يتخذ من اللبن» (9)، وأما النووي : فيقول: «الوطبة بفتح الواو وإسكان الطاء المهملة بعدها باء موحدة: وهي قربة لطيفة يكون فيها اللبن» (10)، بينما ذكر في شرحه على صحيح مسلم: «الْوَطْبَة: الْحَيْس، يَجْمَع التَّمْر الْبَرْنِيّ، وَالْأَقِطَ الْمَدْقُوق، وَالسَّمْن، وَكَذَا ضَبَطَهُ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِيّ وَأَبُو بَكْر الْبَرْقَانِيّ وَآخَرُونَ، وَهَكَذَا هُوَ عِنْدنَا فِي مُعْظَم النُّسَخ، وَفِي بَعْضهَا (رُطَبَة) بِرَاءٍ مَضْمُومَة، وَفَتْح الطَّاء ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيّ وَقَالَ: هَكَذَا جَاءَ فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ نُسَخ مُسْلِم (رُطَبَة) بِالرَّاءِ، قَالَ: وَهُوَ تَصْحِيف مِن الرَّاوِي، وَإِنَّمَا هُوَ بِالْوَاوِ، وَهَذَا الَّذِي اِدَّعَاهُ عَلَى نُسَخ مُسْلِم هُوَ فِيمَا رَآهُ هُوَ، وَإِلَّا فَأَكْثَرهَا بِالْوَاوِ، وَكَذَا نَقَلَهُ أَبُو مَسْعُود الْبَرْقَانِيّ، وَالْأَكْثَرُونَ عَنْ نُسَخ مُسْلِم، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ رِوَايَة بَعْضهمْ فِي مُسْلِم (وَطِئَة) بِفَتْحِ الْوَاو، وَكَسْر الطَّاء، وَبَعْدهَا هَمْزَة، وَادَّعَى أَنَّهُ الصَّوَاب، وَهَكَذَا اِدَّعَاهُ آخَرُونَ (وَالْوَطِئَة) بِالْهَمْزِ عِنْد أَهْل اللُّغَة طَعَام يُتَّخَذ مِنْ التَّمْر كَالْحَيْسِ، هَذَا مَا ذَكَرُوهُ، وَلَا مُنَافَاة بَيْن هَذَا كُلّه، فَيُقْبَل مَا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَات، وَهُوَ صَحِيح فِي اللُّغَة، وَاللَّه أَعْلَم» (11). 7- قوله: «يلقي النوى بين أصبعيه» أي: يجعله بينهما لقلته ليرمي به، قال النووي : «قَوْله: (وَيُلْقِي النَّوَى بَيْن أُصْبُعَيْهِ) أَيْ يَجْعَلهَا بَيْنهمَا لِقِلَّتِهِ، وَلَمْ يُلْقِهِ فِي إِنَاء التَّمْر لِئَلَّا يَخْتَلِط بِالتَّمْرِ، وَقِيلَ: كَانَ يَجْمَعهُ عَلَى ظَهْر الْأُصْبُعَيْنِ ثُمَّ يَرْمِي بِهِ» (12) شرح النووي على صحيح مسلم، 13/ 225.
ما يستفاد من الحديث:
1- قال الإمام النووي : «وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب طَلَب الدُّعَاء مِنْ الْفَاضِل، وَدُعَاء الضَّيْف بِتَوْسِعَةِ الرِّزْق، وَالْمَغْفِرَة، وَالرَّحْمَة، وَقَدْ جَمَعَ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الدُّعَاء خَيْرَات الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. وَاللَّه أَعْلَم» (11). 2- ما كان عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من التواضع وتزاوره مع أصحابه. 3- تقريب الأكل للضيف من مكارم الأخلاق، كما فعل أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام لما نزل الملائكة ضيوفًا عليه ﴿فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ﴾(13) لأن ذلك أيسر لهم وهو من الإكرام القولي والعملي. كيف لا وقد قال فيه صلى الله عليه وسلم: «كان أول من أضاف الضيف إبراهيم» (14). 4- الأفضل للمضيف أن يقدم المأكول على المشروب، ويجمع في ذلك بين الإكرام القولي والعملي، واستحباب أن يُدار بالمشروب من جهة اليمين، ولا يتكلف في ذلك لقول سلمان رضي الله عنه لما دخل عليه رجل، فدعا له بما عنده ثم قال: «لولا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهانا، أو قال: لولا أنا نهينا أن يتكلف أحد لصاحبه لتكلفنا لك» (15). 5- حسن أدبه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان لا يلقي بنوى التمر في إناء التمر؛ لئلا يختلط النوى بالتمر فتعافه النفس، وهذا من باب التعليم للأمة، وهذه أيضًا هي الحكمة من نهيه صلى الله عليه وسلم من النفخ في الشراب والطعام؛ لأن النفخ لا يخلو من بزاق وغيره الذي تستقذره النفس (16). 6- استحباب أن يلتمس صاحب الطعام الدعاء من الضيفان، وعلى الضيف أن يجيبه بالدعاء له بالبركة والرحمة والمغفرة (17). 7- تعلم الصحابة رضي الله عنهم من الرسول صلى الله عليه وسلم التواضع، وإكرام الضيف عمليًّا ونظريًّا، يقول عبد اللَّه بن بسر رضي الله عنه: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قصعة يقال لها: الغراء، يحملها أربعة رجال، فلما أضحوا وسجدوا الضحى، أُتي بتلك القصعة وقد ثرد فيها، فالتفوا عليها فلما كثروا، جثا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي: ما هذه الجلسة؟ قال: «إن اللَّه جعلني عبدًا كريمًا، ولم يجعلني جبارًا عنيدًا» (18). 8- ومعنى جثا: قال الفيروزأبادي : «جَثَا، كَدَعا ورَمَى، جثُوًّا وجُثِيًّا، بضمِّهِما: جَلَسَ على رُكْبَتَيْهِ، أو قامَ على أطْرافِ أصابِعِهِ». 9- قال ابن الأثير : «الغَرَّاء: كَانَتِ الْعَرَبُ تَدْعو السَّيِّدَ المِطعَام جَفْنَةً؛ لِأَنَّهُ يَضَعُهَا، ويُطْعم الناسَ فِيهَا، فَسُمي بِاسْمِهَا، والغَرَّاء: الْبَيْضَاءُ: أَيْ: أَنَّهَا مملُوءة بالشَّحْم والدُّهْن» (19)، وقال الصنعاني : «كان له قَصْعَة: بفتح القاف، وفي المصباح: بالفتح معروفة عربية، وقيل معربة، يقال لها: الغراء: تأنيث الأغر، من الغرة: البياض في الوجه، وقيل غير ذلك» (20)، 10- وفيه جواز تسمية القصعة.
14
الطبقات الكبرى، لابن سعد، 1/ 47، وشعب الإيمان للبيهقي، 6/ 395، وتاريخ دمشق لابن عساكر، 6/ 198، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، برقم 4451.
15
مسند أحمد، 39/ 136، برقم 23733، وقال محققو المسند: «يحتمل التحسين»، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، 8/ 107: «رواه أحمد، والطبراني في الكبير والأوسط بأسانيد، وأحد أسانيد الكبير رجاله رجال الصحيح»، وصححه الألباني في الإرواء، برقم 1957.
16
عون المعبود، 5/ 435، وانظر: العلم الهيب، ص 472.
تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة , وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .