Allahumma fa-ayyuma mu/minin sababtuhu fajAAal thalika lahu qurbatan ilayka yawmal-qiyamah. ‘O Allah, to any believer whom I have insulted, let that be cause to draw him near to You on the Day of Resurrection.
(1) البخاري مع الفتح، 11/ 171، برقم 6361، ومسلم، 4/ 2007، برقم 396، ولفظه: (فاجعلها له زكاةً ورحمةً).
شرح معنى اللهم أيما عبد سببته أو شتمته أو لعنته
لفظ الحديث الذي ورد فيه:
896- لفظ البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (1) . 897- وحديث مسلم عنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلَانِ، فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ، لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ، فَلَعَنَهُمَا، وَسَبَّهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا، مَا أَصَابَهُ هَذَانِ، قَالَ: «وَمَا ذَاكِ» قَالَتْ: قُلْتُ: لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا، قَالَ: «أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي؟ قُلْتُ: اللهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا» (2) . 898- ولمسلم عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ، يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً، وَقُرْبَةً، تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (3) . 899- ولفظ آخر لمسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْ ذَلِكَ كَفَّارَةً لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (4) . 900- وحديث آخر لمسلم عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي عز وجل، أَيُّ عَبْدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ، أَوْ شَتَمْتُهُ، أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا» (5) . 901- وحديث آخر لمسلم عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ، وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ، فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيَتِيمَةَ، فَقَالَ: «آنْتِ هِيَهْ ؟ لَقَدْ كَبِرْتِ، لاَ كَبِرَ سِنُّكِ» فَرَجَعَتِ الْيَتِيمَةُ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَبْكِي، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: مَا لَكِ؟ يَا بُنَيَّةُ قَالَتِ الْجَارِيَةُ: دَعَا عَلَيَّ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ لاَ يَكْبَرَ سِنِّي، فَالآنَ لاَ يَكْبَرُ سِنِّي أَبَدًا، أَوْ قَالَتْ: قَرْنِي، فَخَرَجَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ خِمَارَهَا، حَتَّى لَقِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا لَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟» فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَدَعَوْتَ عَلَى يَتِيمَتِي؟ قَالَ: «وَمَا ذَاكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟» قَالَتْ: زَعَمَتْ أَنَّكَ دَعَوْتَ أَنْ لاَ يَكْبَرَ سِنُّهَا، وَلاَ يَكْبَرَ قَرْنُهَا، قَالَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: «يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ شَرْطِي عَلَى رَبِّي، أَنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي فَقُلْتُ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي، بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ، أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً، وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (6) . 902- ولفظ أحمد عَنْ عَائِشَةَ ل قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلَانِ، فَأَغْلَظَ لَهُمَا وَسَبَّهُمَا، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمَنْ أَصَابَ مِنْكَ خَيْرًا، مَا أَصَابَ هَذَانِ مِنْكَ خَيْرًا؟ قَالَتْ: فَقَالَ: «أَوَمَا عَلِمْتِ مَا عَاهَدْتُ عَلَيْهِ رَبِّي عز وجل؟ قَالَ: قُلْتُ: اللهُمَّ أَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ، أَوْ لَعَنْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ مَغْفِرَةً، وَعَافِيَةً، وَكَذَا وَكَذَا» (7) .
شرح مفردات الحديث:
1- قوله: «اللهُم»: «بِمَعْنَى: يَا أَلله، وَ... الْمِيمُ الْمُشَدَّدَةُ عِوَضٌ مِنْ يَا؛ لأَنهم لَمْ يَجِدُوا يَا مَعَ هَذِهِ الْمِيمِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَوَجَدُوا اسْمَ اللَّهِ مُسْتَعْمَلًا بِيَا ... » (8) ، وقال الإمام ابن قيم الجوزية : «لا خلاف أن لفظة: (اللهمّ) معناها يا اللَّه؛ ولهذا لا تستعمل إلا في الطلب» (9) . 2- قوله: «فأيما مؤمن»: قال الزجاج : «أيّ» شرطيةٌ...وفي «ما» هذه قولان، أشهرُهما: أنها زائدةٌ كزيادتِها في أخواتِها مِنْ أدواتِ الشرط، والثاني: أنها نكرةٌ» (10) ، وقال الحافظ ابن حجر : «الفاء جَواب الشَّرط المَحذُوف لِدَلالَةِ السِّياق عَلَيهِ» (11) ، وقال ابن الجوزي : « هذا الإعتذار من فعل شيء غيره أولى منه فإن العفو في الغالب أولى من العقوبة» (12) . 3- قوله: «سببته»: قال ابن الأثير : «السَّبُّ: الشَّتْمُ، يُقَالُ سَبَّهُ يَسُبُّهُ سَبّاً وسِبَاباً» (13) ، وقال الفيومي : «سَبَّهُ سَبًّا، فَهُوَ سَبَّابٌ، ...وَالسُّبَّةِ الْعَارُ» (14) ، وقال ابن الملقن : «وهو صلى الله عليه وسلم لا يسب أحدًا، ولا يؤذيه ظالمًا له، وإنما يفعل ذلك من الواجب في شريعته، وقد يدع الانتقام لنفسه؛ لما جبله اللَّه عليه من العفو، وكرم الخلق» (15) . 4- قوله: «فاجعل ذلك له قُربة إليك يوم القيامة »: قال الزرقاني : «فلا يمتنع أن يقول لها ذلك لتؤجر وليكفر لها ما قالته» (16) . 5- قوله: «شتمته»: قال الفيومي : «شَتَمَهُ شَتْمًا مِنْ بَابَ ضَرَبَ، وَالِاسْمُ الشَّتِيمَةُ» (17) . 6- قوله: «يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ»: «الغَضَب» فِي الْحَدِيثِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنَ النَّاسِ، فَأَمَّا غَضَب اللَّهِ فَهُوَ يليق بجلاله ، فغضبه ليس كغضب خلقه، بل غضبٌ يختصُّ بجلاله، فالغضب معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن الكيف بدعة، ويترتب على غضب اللَّه عز وجل إنْكار اللَّه عَلَى مَنْ عَصاه، وسَخَطُه عَلَيْهِ، وإعْراضُه عَنْهُ، ومُعاقَبَتُه لَهُ. وَأَمَّا مِنَ الْمَخْلُوقِينَ فَمِنْهُ مَحْمُود ومَذموم، فَالْمَحْمُودُ مَا كَانَ فِي جانِب الدِّين وَالْحَقِّ، والمذمومُ مَا كَانَ فِي خِلافه (18) ، وقال القاضي عياض : «فهو عليه الصلاة والسلام لا يقول، ولا يفعل في حال غضبه ورضاه إلا صدقاً وحقاً، لكن غضبه للَّه تعالى قد يحمله على الشدة في أمره، وتعجيل عقوبة مخالفه، وترك ما قد أبيح له من الإغضاء عنه والصفح» (19) . 7- قوله: «فأغلظ لهما»: قال الفيروزأبادي : «الغلظ: ضِدُّ الرِّقَّةِ، والفِعْلُ،...وأغلظ له في القولِ: خَشَّنَ...وبينهما غِلْظَةٌ،ـ ومُغالَظَةٌ: عَداوَةٌ» (20) . 8- قوله: «لعنته»: قال القاضي عياض : «اللعنة قطع عن الرحمة والموت قطع عن التصرف، قال القاضي عياض: وقيل: لعنته له تقتضي قصده إخراجه عن جماعة من المسلمين، ومنعهم منافعِه، وتكثير عددهم به، كما لو قتله، وقيل: لعنُهُ يقتضى قطْعَ منافِعه الأخروية عنه، وبُعده منها بإجابته لعنته في الدنيا، فهو كمن قُتِلَ في الدنيا، وقُطعت عنه مَنافِعه فيها، وقيل: معناه: استواؤهما في التحريم» (21) . 9- قوله: «لمَن أصاب منك خيراً ما أصاب هذان منك خيراً»: قال ابن الأثير : «أَصَابَ الإنسانُ مِنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ: أَيْ: أخَذَ وتَناول، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يُصِيبُون مَا أَصَابَ الناسُ» أَيْ: ينالُون مَا نالُوا» (22) ، وقال القرطبي : «هذا الكلام من السهل الممتنع، وذلك أن معناه أن هذين الرجلين ما أصابا منك خيراً، وإن كان غيرهما قد أصابه، لكن تنزيل هذا المعنى على أفراد ذلك الكلام: فيه صعوبة، ووجه التنزيل يتبيّن بالإعراب...من: موصولة في موضع رفع بالابتداء، وصلتها: أصاب، وعائدها: المضمر في أصاب، وما بعدها متعلق به، وخبره محذوف تقديره: واللَّه لرجل أصاب منك خيراً: فائز، أو ناج، ثم نفى عن هذين الرجلين إصابة ذلك الخير، بقوله: «ما أصابه هذان» (23) . 10- قوله: «دعا عليَّ»: الدُّعَاءِ لِلَّهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوجه: فضربٌ مِنْهَا توحيدهُ والثناءُ عَلَيْهِ ...، وَالضَّرْبُ الثَّانِي مسأَلة اللَّهِ العفوَ وَالرَّحْمَةَ وَمَا يُقَرِّب مِنْهُ ...، وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ مسأَلة الحَظِّ مِنَ الدُّنْيَا، وَيُقَالُ: دَعَوْت اللَّهَ لَهُ بخَيْرٍ وعَليْه بِشَرّ» (24) . 11- قوله: «شارطت عليه ربي» «اشترطت»: قال ابن منظور : «الشَّرْطُ: إِلزامُ الشَّيْءِ والتِزامُه فِي البيعِ وَنَحْوِهِ، وَالْجَمْعُ شُروط...وَقَدْ شرَط لَهُ وَعَلَيْهِ كَذَا يَشْرِطُ ويَشْرُطُ شَرْطاً واشْتَرَط عَلَيْهِ ...والاشْتِراطُ: الْعَلَامَةُ الَّتِي يَجْعَلُهَا النَّاسُ بَيْنَهُمْ... وأَشْرَط فُلَانٌ نفسَه لِكَذَا وَكَذَا: أَعْلَمها لَهُ وأَعَدَّها؛ وَمِنْهُ سُمِّيَ الشُّرَطُ لأَنهم جَعَلُوا لأَنفسهم عَلَامَةً يُعْرَفُون بِهَا» (25) . 12- قوله: «فاجعله له زكاة وأجرًا» قال القاضي عياض : «فاجعله له زكاة وأجراً»، وفي رواية: «وكفارة، ورحمة، وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة»، على اختلاف ألفاظ الحديث، وزيادة بعضها على بعض» (26) ، وقال الحافظ ابن حجر : « يَحتَمِل أَن يَكُون ما ذَكَرَهُ مِن سَبّ ودُعاء غَير مَقصُود ولا مَنَوِيّ ، ولَكِن جَرَى عَلَى عادَة العَرَب فِي دَعم كَلامها وصِلَة خِطابها عِند الحَرَج والتَّأكِيد لِلعَتبِ لا عَلَى نِيَّة وُقُوع ذَلِكَ ، كَقَولِهِم عَقرَى حَلقَى وتَرِبَت يَمِينك ، فَأَشفَقَ مِن مُوافَقَة أَمثالها القَدَر ، فَعاهَدَ رَبّه ورَغِبَ إِلَيهِ أَن يَجعَل ذَلِكَ القَول رَحمَة وقُربَة انتَهَى» (27) ، وقال ابن منظور : «وتَقَرَّبَ إِلى اللَّهِ بشيءٍ أَي: طَلَبَ بِهِ القُرْبة عِنْدَهُ تَعَالَى» (28) . 13- قوله: «وزكاة»: قال الراغب الأصفهاني : «وبِزَكَاءِ النّفس وطهارتها يصير الإنسان بحيث يستحقّ في الدّنيا الأوصاف المحمودة، وفي الآخرة الأجر والمثوبة، وهو أن يتحرّى الإنسان ما فيه تطهيره، وذلك ينسب تارة إلى العبد لكونه مكتسباً لذلك» (29) ، وقال المناوي : «وزكاة: أي: طهارة من الذنوب» (30) . 14- قوله: «ورحمة»: قال الراغب الأصفهاني : «الرَّحْمَةَ من اللَّه إنعام وإفضال» (31) . 15- قوله: «أجراً»: قال الفيروزأبادي : ««الأجر: الجزاء على العمل، كالإجارة، مثلثة، جمعه: أجور، وآجار، وأجره يأجره ويأجره: جزاه كآجره، ... والأجرة: الكراء، وائتجر: تصدق، وطلب الأجر» (32) . 16- قوله: «وكفارة»: قال ابن الأثير : «الكفارة: الخصلة التي تمحو الذنوب، وهي المرة الواحدة من التكفير: التغطية للشيء» (33) . 17- قوله: «وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قال المناوي : «وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة) ولا تعاقبه بها في العقبى والمراد أسألك أن تجعله خلاف ما يراد منه بأن تجعل ما بدا مني تطهيراً ورفع درجة للمقول له ذلك» (30) . 18- قَوله: «لَيسَ لَها بِأَهلٍ»: قال الشامي الصالحي : «قال النووي : هذه الأحاديث منبهة على ما كان عليه عليه الصلاة والسلام من الشفقة على أمته، ومن الاعتناء بمصالحهم، والاحتياط لهم، والرغبة في كل ما ينفعهم، وهذه الرواية الأخيرة تبين المراد من الروايات المطلقة، وأنه يكون دعاؤه عليهم، وسبه، ولعنه، ونحو ذلك، رحمة، وكفارة، وزكاة، ونحو ذلك، إذا لم يكن أهلاً للدعاء عليه، والسب، واللعن ونحوه وكان مسلماً وإلا فقد دعا صلى الله عليه وسلم على الكفار والمنافقين، ولم يكن رحمة لهم، فإن قيل: فكيف يدعو على من ليس بأهل للدعاء عليه، أو يسبه، أو يلعنه، ونحو ذلك؟ فالجواب من وجهين: أحدهما: أن المراد ليس بأهل لذلك عند اللَّه تعالى في باطن الأمر، ولكنه في الظاهر مستوجب له، فيظهر له صلى الله عليه وسلم استحقاقه لذلك بأمارة شرعية، ويكون في باطن الأمر ليس أهلاً لذلك، وهو صلى الله عليه وسلم مأمور بالحكم بالظاهر، واللَّه يتولى السرائر» (34) ، وقال الحافظ ابن حجر : «قَوله: «لَيسَ لَها بِأَهلٍ» عِندك فِي باطِن أَمره، لا عَلَى ما يَظهَر مِمّا يَقتَضِيه حاله، وجِنايَته حِين دُعائِي عَلَيهِ، فَكَأَنَّهُ يَقُول: مَن كانَ باطِن أَمره عِندك أَنَّهُ مِمَّن تَرضَى عَنهُ، فاجعَل دَعوتِي عَلَيهِ الَّتِي اقتَضاها ما ظَهَرَ لِي مِن مُقتَضَى حاله حِينَئِذٍ طَهُورًا وزَكاة، قالَ: وهَذا مَعنًى صَحِيح لا إِحالَة فِيهِ؛ لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كانَ مُتَعَبِّدًا بِالظَّواهِرِ، وحِساب النّاس فِي البَواطِن عَلَى اللَّه انتَهَى، وهَذا مَبنِيّ عَلَى قَول مَن قالَ: إِنَّهُ كانَ يَجتَهِد فِي الأَحكام، ويحكُم بِما أَدَّى إِلَيهِ اجتِهاده، وأَمّا مَن قالَ: كانَ لا يَحكُم إِلاَّ بِالوحيِ، فَلا يَأتِي مِنهُ هَذا الجَواب» (11) . 19- قوله: «اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا» قال الزبيدي : «اتخذت عند اللَّه، والاتِّخَاذُ افتعَالٌ من الأَخْذِ ... اتَّخَذ مِن (تَخِذَ) يَتْخَذُ، اجْتمع فِيهِ التاءُ الأَصليُّ وتاءُ الافتعال فأُدْغِمَا، وهذا قولٌ حَسَنٌ، لكنِ الأَكْثَرُون على أَنّ أَصله من الأَخْذ»، وبذلك يكون معناها بمعنى اشترطت على ربي، السابقة» (35) . 20- قوله: «تخلفنيه»: قال ابن منظور : «والخُلْفُ، بِالضَّمِّ: الِاسْمُ مِنَ الإِخلاف، وَهُوَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْكَذِبِ فِي الْمَاضِي، وَيُقَالُ: أَخْلَفَه مَا وَعَده وَهُوَ أَن يَقُولَ شَيْئًا وَلَا يفْعَله عَلَى الِاسْتِقْبَالِ... الإِخْلافُ أَن لَا يَفي بِالْعَهْدِ، وأَن يَعِدَ الرجلُ الرجلَ العِدةَ فَلَا يُنجزها... وَيُقَالُ لِلَّذِي لَا يَكَادُ يَفِي إِذَا وَعَدَ: إِنَّهُ لمِخْلافٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذَا وعَدَ أَخْلَفَ» أَي: لَمْ يفِ بِعَهْدِهِ وَلَمْ يَصْدُقْ» (36) . 21- قوله: «آذيته»: قال ابن منظور : «الأَذَى: كُلُّ مَا تأَذَّيْتَ بِهِ، آذَاه يُؤذِيه أَذىً وأَذَاةً وأَذِيَّةً وتَأَذَّيْت بِهِ» (37) . 22- قوله: «جلدته»: قال ابن الأثير : «يُقَالُ: جَلَدْتُهُ بالسَّيف، والسَّوط، ونَحْوه، إِذَا ضَرَبْتَه بِهِ» (38) . 23- قوله: «هيه»: قال الحافظ ابن حجر : «هِيهِ - بِكَسْرِ الْهَاءَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ -: قَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ أَنْ ضَبَطَهَا هَكَذَا: هِيْ كَلِمَةٌ تُقَالُ فِي الِاسْتِزَادَةِ» (39) . 24- قوله: « لَقَدْ كَبِرْتِ، لاَ كَبِرَ سِنُّكِ»: قال القاضي عياض : «وقولها: «لا يكبر سني»، أو قالت: «قرني»: السن، والقرن بفتح القاف سواء، يقال: هو سنه، وقرنه، أي: مماثله في المولد، فكأنهما في قوله: «لا كبر سنك، ولا كبر قرنك» تقول: لا طال عمرك؛ لأنه إذا طال عمره طال عمر قرنه وسنه» (40) ، وقال صاحب المطالع: «قِرن بكسر القاف، أي: الذي يقارنك في بطش ،أو شدة، أو قتال، أو علم، فأما في السنن فقَرن -بفتح القاف- وقرين أيضًا، ومنه حديث يتيمة أم سليم: «دَعَا عَلَيَّ أَنْ لَا يَكْبَرَ قَرْنِي أَوْ سِنِّي»، والقرين: الشيطان المقرون بالإنسان لا يفارقه... فَلْيُطْلِعْ لَنَا قَرْنَهُ أي: فليظهر لنا رأسه، ولا يستخفي، والقرن: جانب الرأس، كنى به عن الجملة» (41) . 25- قوله: «كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ، وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ رضي الله عنه»: الصحابية المشهورة، والدة أنس بن مالك»، وقال الطيبي : «واليتيمة اسم للصغيرة التي لا أب لها» (42) . 26- قوله: «الجارية»: قال ابن منظور : «الجارِيَةُ: الفَتِيَّةُ مِنَ النِّسَاءِ بيِّنةُ الجَرَايَة...وَقَوْلُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ فِي أَيام جَرَائها، بِالْفَتْحِ، أَي صِباها» (43) . 27- قوله: «تلوث خمارها»: قال القاضي عياض : «أي: تديره على رأسها» (44) ، وقال ابن الأثير : «تلوث خمارها: لاث العمامة على رأسه يلوثها: إذا عصبها، ولاثت المرأة الخمار: إذا شدته على وجهها» (45) .
ما يستفاد من الحديث:
1 1- قال النووي : هذه الأحاديث مُبيِّنة لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الشفقة على أمته، والاعتناء بمصالحهم، والاحتياط لهم والرغبة في كل ما ينفعهم؛ فإن قيل كيف يدعو رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على من ليس هو بأهل للدعاء عليه، أو يسبه، أو يلعنه، ونحو ذلك، فالجواب ما أجاب به العلماء، ومختصره وجهان: أحدهما: أنه في الظاهر مستوجب لهذا بأمارة شرعية، ويكون في باطن الأمر ليس أهلًا لذلك، وهو صلى الله عليه وسلم مأمور بالحكم بالظاهر، واللَّه يتولى السرائر. الثاني: أن ما وقع ليس بمقصود، بل هو مما جرت عليه عادة العرب في وصل كلامها بلا نية، وهذا كان يقع منه في النادر والشاذ من الأزمان، ولم يكن فاحشًا، ولا متفحشًا، ولا لعانًا، ولا منتقمًا لنفسه صلى الله عليه وسلم (46) . 2- وعلى ما قاله الإمام النووي : تحمل الأحاديث الآتية: أ- قوله صلى الله عليه وسلم ليتيمة كانت لأم سليم رضي الله عنها: «لقد كبرت، لا كبر سنك» (6) فرجعت اليتيمة تبكي، فقصت على أم سليم الخبر، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقصت عليه ما قالت اليتيمة، فضحك صلى الله عليه وسلم، ثم قال بنحو ما قال في الحديث السابق، وأنما خافت اليتيمة أن لا يطول عمرها. ب – قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «قطع اللَّه يدك – أو يداك» (47) ، وذلك لما دخل عليها بأسير، ثم خرج، ثم جاء يسأل عنه، فأخبرته رضي الله عنها أنه خرج لما لهت عنه، فقال لها ذلك، ثم أمر الناس أن يبحثوا عن الأسير، فوجدوه فدخل عليها وهي تقلب يديها، فقال لها: «ما لك أجننت؟» فقالت: دعوت علي، فأنا أقلب يدي أنظر أيهما يقطعان، فقال صلى الله عليه وسلم بنحو ما قال. 3- قوله صلى الله عليه وسلم عن معاوية رضي الله عنه: «لا أشبع اللَّه بطنه» (48) ، وذلك لما قال لابن عباس رضي الله عنه، وكان صغيرًا يلعب مع الصبيان: «ادع لي معاوية»، فذهب إليه فإذا هو يأكل، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ثم قال له مرة ثانية: «ادع لي معاوية»، فذهب فإذا هو يأكل فقال صلى الله عليه وسلم ذلك. قال النووي : وقد فهم الإمام مسلم : من هذا الحديث أن معاوية رضي الله عنه لم يكن مستحقًّا للدعاء عليه، فأدخله في هذا الباب (49) . ومعنى ذلك أن معاوية لماصار أول ملوك الإسلام، وأكثر الناس من الدخول عليه كان رضي الله عنه كلما جاءه وفد، أكرمه بالطعام، وأكل معهم، وهذه عادة طيبة، فكان هذا الدعاء دعاء له لا عليه. وقد قال الألباني : وقد يطعن بعض الناس في معاوية رضي الله عنه بهذا الحديث، ولا حجة لهم؛ لأنه جاء في بعض طرقه أنه كان من كتبة الوحي رضي الله عنه، قال الحافظ ابن عساكر: وهذا الحديث أصح ما ورد في فضله رضي الله عنه (50) . 4- قال ابن الملقن : «هذا الحديث يصدقه ما ذكره اللَّه في كتابه من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ﱫلَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْﱪ إلى قوله: (رَحِيمٌ)سورة التوبة، الآية: 128 وهو صلى الله عليه وسلم، لا يسب أحدًا، ولا يؤذيه ظالمًا له، وإنما يفعل ذلك من الواجب في شريعته، وقد يدع الانتقام لنفسه؛ لما جبله اللَّه عليه من العفو، وكرم الخلق، ومعنى هذا الحديث -واللَّه أعلم- التأنيس للمسبوب؛ لئلا يستولي عليه الشيطان، ويقنطه، ويوقع بنفسه أنْ سيلحقه من ضرر سبه ما يحبط به عمله، إذ سبه دعاء على المسبوب، ودعاؤه مجاب، فسأل اللَّه تعالى أن يجعل سبه للمؤمنين قربة عنده يوم القيامة، وصلاة، ورحمة، ولا يجعله نقمة، ولا عذابًا، وهذا مما خُص به، فإنه كان يسب على جهة التأديب، غير أنه لا يتجاوز، وربما كان (سبه) دعاء يستجاب له، فجعل عوضًا من ذلك دعاؤه لمن دعا عليه ليكون الفضل إليه» (15) . 5- وذكر الحافظ الزين العراقي : «... أنه صلى الله عليه وسلم إنما يغضب لما يرى من المغضوب عليه من مخالفة الشرع، فغضبه للَّه لا لنفسه، فإنه ما كان يغضب لنفسه، ولا ينتقم لها، وقد قررنا في الأصول أن الظاهر من غضبه تحريم الفعل المغضوب من أجله، وعلى هذا فيجوز له أن يؤدب المخالف باللعن، والسبّ، والجلد، والدعاء عليه بالمكروه؛ وذلك بحسب مخالفة المخالف، غير أن ذلك المخالف قد يكون ما صدر منه فلتة، أوجبتها غفلة، أو غلبة نفس، أو شيطان، وله فيما بينه وبين اللَّه عمل خالص، وحال صادق، يدفع اللَّه عنه بسبب ذلك أثر ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم له من ذلك القول، أو الفعل، قال القاضي عياض : وقد يكون قوله هذا، ودعاء ربه إشفاقاً على المدعو عليه، وتأنيساً له لئلا يلحقه من الخوف، والحذر من ذلك، ومن تقبل دعائه ما يحمله على اليأس، والقنوط، وقد تكون سؤالاته لربه فيمن جلده، وسبه بوجه حق، وعقاب على جرم، أن يكون ذلك عقوبة في الدنيا، وكفارة لما فعله، وتحصناً له عن عقابه عليه في الآخرة، كما في الحديث الآخر، «ومن أصاب شيئاً فعوقب به كان له كفارة» (51) . 6- وقال الحافظ ابن حجر : «قَوله: «وأَغضَب كَما يَغضَب البَشَر؟» فَإِنَّ هَذا يُشِير إِلَى أَنَّ تِلكَ الدَّعوة وقَعَت بِحُكمِ سَورَة الغَضَب، لا أَنَّها عَلَى مُقتَضَى الشَّرع، فَيَعُود السُّؤال، فالجَواب أَنَّهُ يَحتَمِل أَنَّهُ أَرادَ أَنَّ دَعَوته عَلَيهِ، أَو سَبّه، أَو جَلده، كانَ مِمّا خُيِّرَ بَين فِعله لَهُ عُقُوبَة لِلجانِي، أَو تَركه، والزَّجر لَهُ بِما سِوى ذَلِكَ، فَيَكُون الغَضَب لِلَّهِ تَعالَى بَعَثَهُ عَلَى لَعنه، أَو جَلده، ولا يَكُون ذَلِكَ خارِجًا عَن شَرعه، قالَ: ويَحتَمِل أَن يَكُون ذَلِكَ خَرَجَ مَخرَج الإِشفاق، وتَعلِيم أُمَّته الخَوف مِن تَعَدِّي حُدُود اللَّه، فَكَأَنَّهُ أَظهَرَ الإِشفاق مِن أَن يَكُون الغَضَب يَحمِلهُ عَلَى زِيادَة فِي عُقُوبَة الجانِي، لَولا الغَضَب ما وقَعَت، أَو إِشفاقًا مِن أَن يَكُون الغَضَب يَحمِلهُ عَلَى زِيادَة يَسِيرَة فِي عُقُوبَة الجانِي، لَولا الغَضَب ما زادَت، ويَكُون مِنَ الصَّغائِر عَلَى قَول مَن يُجَوِّزها، أَو يَكُون الزَّجر يَحصُل بِدُونِها، ويَحتَمِل أَن يَكُون اللَّعن والسَّبّ يَقَع مِنهُ مِن غَير قَصد إِلَيهِ، فَلا يَكُون فِي ذَلِكَ كاللَّعنَةِ الواقِعَة رَغبَة إِلَى اللَّه، وطَلَبًا لِلاستِجابَةِ» (11) .
تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة , وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .