(Inna fee khalqi alssamawati waal-ardi wa-ikhtilafi allayli wa-alnnahari la-ayatin li-olee al-albab…) (From Verse 3:190 till the end of the chapter Ali AAimran)
(1) الآيات من سورة آل عمران، 190-200، البخاري مع الفتح، 8/ 337، برقم 4569، ومسلم، 1/ 530، برقم 256.
شرح معنى أواخر سورة آل عمران
لفظ الحديث الذي ورد فيه:
33- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه (1) ، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً، ثُمَّ رَقَدَ، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ﴾، ثُمَّ «قَامَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً»، ثُمَّ أَذَّنَ بِلاَلٌ، «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ»، وهذا لفظ البخاري (2) . 34- وفي لفظ آخر للبخاري: عنْ كُرَيْبٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ خَالَتُهُ، فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الآيَاتِ الخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهَا، فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِي اليُمْنَى يَفْتِلُهَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى أَتَاهُ المُؤَذِّنُ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ» (3) . 35- ولفظ مسلم عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بأَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَخَرَجَ فَنَظَرَ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ فِي آلِ عِمْرَانَ ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ حَتَّى بَلَغَ ﴿فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، ثُمَّ اضْطَجَعَ، ثُمَّ قَامَ، فَخَرَجَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَتَلاَ هَذِهِ الآيَةَ ، ثُمَّ رَجَعَ فَتَسَوَّكَ فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى (4) .
شرح مفردات الآيات الكريمات : 1- قوله: «إن في خلق السموات والأرض»: أي: إيجادهما من العدم، وقال ابن كثير : «تِلْكَ فِي لَطَافَتِهَا، وارْتِفَاعِهَا وَاتِّسَاعِهَا، وَكَوَاكِبِهَا السَّيَّارَةِ، وَالثَّوَابِتِ، وَدَوْرَانِ فَلَكِهَا، وَهَذِهِ الْأَرْضُ فِي كَثَافَتِهَا، وَانْخِفَاضِهَا، وَجِبَالِهَا، وَبِحَارِهَا، وَقَفَارِهَا، وَوِهَادها، وعُمْرانها، وَمَا فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ» (5) . 2- قوله: «واختلاف الليل والنهار»: تعاقب الليل بظلامه والنهار بنوره، قال ابن كثير : «أَيْ: تَعَاقُبُهُمَا، وتَقَارضهما الطُّولَ وَالْقِصَرَ، فَتَارَةً يطُول هَذَا، وَيَقْصُرُ هَذَا، ثُمَّ يَعْتَدِلَانِ، ثُمَّ يَأْخُذُ هَذَا مِنْ هَذَا، فَيَطُولُ الَّذِي كَانَ قَصِيرًا، وَيَقْصُرُ الَّذِي كَانَ طَوِيلًا» (6) . 3- قوله: «لآيات لأولي الألباب» أي: دلائل واضحة على قدرة اللَّه يفهمها أصحاب العقول، قال ابن كثير : «﴿لأولِي الألْبَابِ﴾: أَيِ: الْعُقُولِ التَّامَّةِ الذَّكِيَّةِ الَّتِي تُدْرِكُ الْأَشْيَاءَ بِحَقَائِقِهَا عَلَى جَلِيَّاتِهَا، وَلَيْسُوا كَالصُّمِّ البُكْم الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ» (6) . 4- قوله: «الذين يذكرون اللَّه قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم»: يدخل في ذلك الصلاة قائمًا فإن لم يستطع فقاعدًا فإن لم يستطع فعلى جنب (7) . 5- قوله: «ويتفكرون في خلق السموات والأرض»: قال العلامة السعدي : «أي: ليستدلوا بها على المقصود منها، ودلّ هذا على أن التفكر عبادة من صفات أولياء اللَّه العارفين، فإذا تفكروا بها، عرفوا أن اللَّه لم يخلقها عبثاً» (8) . 6- قوله: «ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك»: قال العلامة السعدي : «عن كل ما لا يليق بجلالك، بل خلقتها بالحق وللحق، مشتملة على الحق» (8) . 7- قوله: «فقنا عذاب النار»: قال العلامة السعدي : «بأن تعصمنا من السيئات، وتوفقنا للأعمال الصالحات، لننال بذلك النجاة من النار، ويتضمن ذلك سؤال الجنة؛ لأنهم إذا وقاهم اللَّه عذاب النار حصلت لهم الجنة، ولكن لما قام الخوف بقلوبهم، دعوا اللَّه بأهم الأمور عندهم» (8) . 8- ، قوله: « ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته» أي: فضحته وأشقيته، وقال ابن كثير: «أَيْ: أَهَنْتَهُ، وَأَظْهَرْتَ خِزْيَهُ لِأَهْلِ الْجَمْعِ» (6) ، وقال العلامة السعدي : «أي: لحصوله على السخط من اللَّه، ومن ملائكته، وأوليائه، ووقوع الفضيحة التي لا نجاة منها، ولا منقذ منها» (8) . 9- قوله: «وما للظالمين من أنصار»: قال السعدي : «ينقذونهم من عذابه، وفيه دلالة على أنهم دخلوها بظلمهم» (8) .. 10- قوله: «ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان»: هو محمد يدعو الناس للقرآن، قال السعدي : «وهو محمد ، أي: يدعو الناس إليه، ويرغبهم فيه، في أصوله وفروعه» (8) . 11- قوله: «أن آمنوا بربكم فآمنا»: قال السعدي : «أي: أجبناه مبادرة، وسارعنا إليه، وفي هذا إخبار منهم بمنة اللَّه عليهم، وتبجح بنعمته، وتوسل إليه بذلك، أن يغفر ذنوبهم، ويكفر سيئاتهم؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات، والذي من عليهم بالإيمان، سيمنّ عليهم بالأمان التام» (9) . 12- قوله: «رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا»: أي: استرها وامحها بفضلك، وقال القرطبي : «تَأْكِيدٌ، وَمُبَالَغَةٌ فِي الدُّعَاءِ، وَمَعْنَى اللَّفْظَيْنِ وَاحِدٌ، فَإِنَّ الْغَفْرَ وَالْكَفْرَ: السَّتْرُ» (10) . 13- قوله: «وتوفنا مع الأبرار»: الأبرار: هم المتمسكون بالشريعة: قولًا، وعملًا، واعتقادًا، وقال السعدي : «الأبْرَارِ: وهم الذين برت قلوبهم بما فيها من محبة اللَّه ومعرفته، والأخلاق الجميلة، فبرت جوارحهم، واستعملوها بأعمال البر» (11) ، وقال السعدي : أيضاً: «وتوفنا مع الأبرار: يتضمن هذا الدعاء التوفيق لفعل الخير، وترك الشر، الذي به يكون العبد من الأبرار، والاستمرار عليه، والثبات إلى الممات» (9) . 14- قوله: «ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك» أي: من النصر والتأييد والتمكين، قال الإمام ابن القيم : «فهذا طلب للخير المعدوم أن يؤتيهم إياه» (12) ، وقال العلامة السعدي : «ولما ذكروا توفيق الله إياهم للإيمان، وتوسلهم به إلى تمام النعمة، سألوه الثواب على ذلك، وأن ينجز لهم ما وعدهم به على ألسنة رسله من النصر، والظهور في الدنيا، ومن الفوز برضوان الله وجنته في الآخرة، فإنه تعالى لا يخلف الميعاد » (9) . 15- قوله: «ولا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ»: قال العلامة ابن القيم : «فهذا طلب أن لا يوقع بهم الشر المعدوم، وهو خزي يوم القيامة» (12) . 16- قوله: «إنك لا تخلف الميعاد»: قال العلامة السعدي : «فأجاب اللَّه دعاءهم، وقبل تضرعهم » (9) . 17- قوله: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أنثى»: قال السعدي : «أي: أجاب اللَّه دعاءهم، دعاء العبادة، ودعاء الطلب، وقال: إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى، فالجميع سيلقون ثواب أعمالهم كاملاً موفراً» (9) . 18- قوله: «بعضكم من بعض»: قال السعدي : «أي: كلكم على حد سواء في الثواب والعقاب» (9) . 19- قوله: « فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا»: أي: تركوا الديار والأموال فرارًا بدينهم، وقال السعدي : «فجمعوا بين الإيمان، والهجرة، ومفارقة المحبوبات من الأوطان، والأموال، طلباً لمرضاة ربهم وجاهدوا في سبيل اللَّه» (9) . 20- قوله: «لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»: قال العلامة السعدي : «لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله} الذي يعطي عبده الثواب الجزيل على العمل القليل» (9) . 21- قوله: «وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ» قال السعدي : «مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فمن أراد ذلك، فليطلبه من اللَّه بطاعته، والتقرب إليه، بما يقدر عليه العبد» (9) . 22- قوله: « لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ » أي: تصرفهم فيها بالتجارة، والزراعة، وغير ذلك، وقال السعدي : «هذه الآية المقصود منها التسلية عما يحصل للذين كفروا من متاع الدنيا، وتنعمهم فيها، وتقلبهم في البلاد بأنواع التجارات، والمكاسب، واللذات، وأنواع العز، والغلبة في بعض الأوقات» (9) . 23- قوله: «مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ»: قال العلامة السعدي : «فإن هذا كله متاع قليل: ليس له ثبوت ولا بقاء، بل يتمتعون به قليلا ويعذبون عليه طويلا هذه أعلى حالة تكون للكافر، وقد رأيت ما تؤول إليه» (9) . 24- قوله: «لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأبْرَارِ»، قال السعدي : «أما المتقون لربهم، المؤمنون به- فمع ما يحصل لهم من عز الدنيا ونعيمها «لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها»، فلو قدر أنهم في دار الدنيا، قد حصل لهم كل بؤس، وشدة، وعناء، ومشقة، لكان هذا بالنسبة إلى النعيم المقيم، والعيش السليم، والسرور، والحبور، والبهجة نزراً يسيراً، ومنحة في صورة محنة؛ ولهذا قال تعالى: «وما عند الله خير للأبرار» وهم الذين برت قلوبهم، فبرت أقوالهم وأفعالهم، فأثابهم البر الرحيم من بره أجراً عظيماً، وعطاء جسيماً، وفوزاً دائماً» (9) . 25- قوله: «وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ»: القرآن والسنة، وقال ابن كثير : «يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ حَقَّ الْإِيمَانِ، وَبِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» (13) ، وقال الشوكاني : «يجمعون بين الإيمان باللَّه، وبما أنزل اللَّه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزله على أنبيائهم» (14) ، وقال العلامة السعدي : «أي: وإن من أهل الكتاب طائفة موفقة للخير، يؤمنون باللَّه، ويؤمنون بما أنزل إليكم، وما أنزل إليهم، وهذا الإيمان النافع لا كمن يؤمن ببعض الرسل والكتب، ويكفر ببعض» (15) . 26- قوله: «وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ»: التوراة والإنجيل قبل التحريف، وقال ابن كثير : «يُؤْمِنُونَ بِهِ مِنَ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ» (13) . 27- قوله: «خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ»: قال العلامة السعدي : «ولهذا -لما كان إيمانهم عاماً حقيقياً- صار نافعاً، فأحدث لهم خشية اللَّه، وخضوعهم لجلاله الموجب للانقياد لأوامره ونواهيه، والوقوف عند حدوده، وهؤلاء أهل الكتاب والعلم على الحقيقة، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾سورة فاطر، الآية: 28 ، ومن تمام خشيتهم للَّه، أنهم «لا يشترون بآيات الله ثمنًا قليلاً» فلا يقدمون الدنيا على الدين كما فعل أهل الانحراف الذين يكتمون ما أنزل اللَّه، ويشترون به ثمناً قليلاً، وأما هؤلاء فعرفوا الأمر على الحقيقة، وعلموا أن من أعظم الخسران، الرضا بالدون عن الدين، والوقوف مع بعض حظوظ النفس السفلية، وترك الحق الذي هو: أكبر حظ وفوز في الدنيا والآخرة، فآثروا الحق وبينوه، ودعوا إليه، وحذروا عن الباطل، فأثابهم اللَّه على ذلك بأن وعدهم الأجر الجزيل، والثواب الجميل، وأخبرهم بقربه، وأنه سريع الحساب، فلا يستبطئون ما وعدهم اللَّه، لأن ما هو آت محقق حصوله، فهو قريب» (15) . 28- قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا»: احبسوا أنفسكم على الطاعة، وقال ابن كثير : «أُمِرُوا أَنْ يَصْبِرُوا عَلَى دِينِهِمُ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللَّهُ لَهُمْ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، فَلَا يَدْعُوهُ لِسَرَّاءَ، وَلَا لضرّاءَ، وَلَا لشِدَّة، وَلَا لرِخَاء، حَتَّى يَمُوتُوا مُسْلِمِينَ» (16) ، وقال العلامة السعدي : «ثم حض المؤمنين على ما يوصلهم إلى الفلاح - وهو: الفوز والسعادة والنجاح، وأن الطريق الموصل إلى ذلك لزوم الصبر، الذي هو حبس النفس على ما تكرهه، من ترك المعاصي، ومن الصبر على المصائب، وعلى الأوامر الثقيلة على النفوس، فأمرهم بالصبر على جميع ذلك» (15) . 29- قوله: «وَصَابِرُوا» اثبتوا أمام العدو، وقال ابن كثير : «وَأَنْ يُصَابِرُوا الْأَعْدَاءَ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ دِينَهُمْ» (16) ، وقال السعدي : «والمصابرة: أي: الملازمة، والاستمرار على ذلك، على الدوام، ومقاومة الأعداء في جميع الأحوال» (15) . 30- قوله: «وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»: أي: الزموا الثغور منعًا للعدو من التسرب لديار المسلمين، ويدخل في ذلك انتظار الصلاة بعد الصلاة، «وَاتَّقُوا اللَّهَ»: قال ابن كثير : «أَيْ: فِي جَمِيعِ أُمُورِكُمْ وَأَحْوَالِكُمْ» (17) ، وقال ابن كثير : أيضاً: «الْمُرَادُ بِالْمُرَابَطَةِ هَاهُنَا مُرَابَطَةُ الْغَزْوِ فِي نُحور الْعَدُوِّ، وَحِفْظُ ثُغور الْإِسْلَامِ وَصِيَانَتُهَا عَنْ دُخُولِ الْأَعْدَاءِ إِلَى حَوْزَة بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ» (18) ، وقال العلامة السعدي : «والمرابطة: وهي لزوم المحل الذي يخاف من وصول العدو منه، وأن يراقبوا أعداءهم، ويمنعوهم من الوصول إلى مقاصدهم، لعلهم يفلحون: يفوزون بالمحبوب الديني والدنيوي والأخروي، وينجون من المكروه كذلك، فعلم من هذا أنه لا سبيل إلى الفلاح بدون الصبر والمصابرة والمرابطة المذكورات، فلم يفلح من أفلح إلا بها، ولم يفت أحداً الفلاح إلا بالإخلال بها أو ببعضها» (19) .
ما يستفاد من الحديث والآيات: 1- قال العلامة السعدي : في هذه «الآيات العجيبة ما يبهر الناظرين، ويقنع المتفكرين، ويجذب أفئدة الصادقين، وينبه العقول النيرة على جميع المطالب الإلهية، فأما تفصيل ما اشتملت عليه، فلا يمكن لمخلوق أن يحصره، ويحيط ببعضه، وفي الجملة فما فيها من العظمة والسعة، وانتظام السير والحركة، يدل على عظمة خالقها، وعظمة سلطانه وشمول قدرته، وما فيها من الإحكام والإتقان، وبديع الصنع، ولطائف الفعل، يدل على حكمة الله ووضعه الأشياء مواضعها، وسعة علمه، وما فيها من المنافع للخلق، يدل على سعة رحمة الله، وعموم فضله، وشمول بره، ووجوب شكره» (9) . 2- مشروعية رفع البصر إلى السماء، و قراءة هذه الآيات عند الاستيقاظ من النوم للتهجد في آخر الليل. 3- مشروعية التوسل إلى اللَّه بالإيمان والعمل الصالح. 4- المساواة بين المؤمن والمؤمنة في العمل والجزاء. 5- استحباب طلب الوفاة بين الأبرار والصدق في طلب ذلك. 6- بسط الدنيا للكفار ليس دليلًا على محبة اللَّه لهم؛ لأن اللَّه يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب ولكنه لا يعطي الدين إلا لمن أحب. 7- شرف مؤمني أهل الكتاب وبشارة القرآن لهم بالجنة وعلى رأسهم عبد اللَّه بن سلام والنجاشي (20) . 8- جواز نوم الرجل مع امرأته من غير مواقعة بحضرة بعض محارمها وإن كان مميزًا (21) . 9- استحباب مسح أثر النوم من الوجه باليد وأن هذا من السنة. 10- جواز قراءة القرآن للمحدث الحدث الأصغر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ قبل الوضوء (22) . 11- مما حث عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حال استيقاظ المسلم من نومه بعد ذكر اللَّه الوضوء والصلاة، وذلك لحديث: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر اللَّه انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان» (23) . 12- ويستحب الاستنثار ثلاث مرات لحديث: «إذا استيقظ أحدكم من منامه، فتوضأ فليستنثر ثلاثاً، فإن الشيطان يبيت على خيشومه (24)» (25) . 13- اعلم أن المستيقظ بالليل على حالين: أحدهما: من لا ينام بعده. وهذا يستحب له قول: «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور» (26) ، وكذلك: «الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي، وأذن لي بذكره» (27) . والثاني: من يريد النوم بعده كأن يتقلب في فراشه أو يتعار من الليل فهذا يسن له قول: «لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له...» إلى آخره (28) ، (29) . 14- الخروج من البيت، والنظر إلى السماء بعد الاستيقاظ من النوم ليلاً، وقراءة أواخر سورة آل عمران سُنّة مهجورة؛ حيث أشار الإمام النووي : إلى استحباب قراءة آيات آل عمران، مع النظر إلى السماء بعد الاستيقاظ (30) .
1
عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنه: حبر الأمة، وإمام التفسير وابن عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أمه أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث الهلالية وهي أخت أم المؤمنين ميمونة ل. دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «اللَّهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» مسند الإمام أحمد، 4/ 225، برقم 2397، وصحيح ابن حبان، 15/ 531، برقم 7055، والحاكم، 3/ 534، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي، وفي لفظ قال ابن عباس ب: «ضمني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال: «اللَّهم! علمه الحكمة وتأويل الكتاب»، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، برقم 166، وفي رواية: «اللَّهم علمه الحكمة» البخاري، كتاب العلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم علمه الكتاب»، برقم 3756. قال الحافظ: والحكمة هي الإصابة من غير نبوة. كان عمر يدخله مع أشياخ بدر وهو شاب تقديرًا له، وكان ذا علم غزير، وناقش الخوارج فبهتهم. مسنده (1660) حديثًا. توفي عام (68 هـ). وكان عمره (71) سنة. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، ترجمة رقم (274)
21
قال النووي: «قال القاضي: وجاء في بعض روايات الحديث أن ابن عباس قال: بت عند خالتي ميمونة في ليلة كانت فيها حائضًا وهذه الكلمة وإن لم تصح إلا أنها حسنة المعنى جدًّا إذ لم يكن لابن عباس أن يطلب المبيت في ليلة للنبي صلى الله عليه وسلم فيها حاجة لأهله، ولا أن يرسله أبوه إلا إذا علم عدم حاجه النبي لأهله في هذه الليلة، انظر: شرح النووي، 6/ 298
22
انظر: المصدر السابق، صحيح مسلم بشرح النووي، 4/ 68
23
البخاري، أبواب التهجد، باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل، برقم 1142، واللفظ له، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 776
تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة , وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .