يقوم يصلي إن أراد ذلك

حصن المسلم | ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم | يقوم يصلي إن أراد ذلك

يَقُومُ يُصَلِّي إِنْ أَرَادَ ذَلِكَ(1).


(1) مسلم، 4/ 1773، برقم 2263.

شرح معنى يقوم يصلي إن أراد ذلك

ألفاظ الحديث: 389- لفظ البخاري: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا أُعْرَى مِنْهَا، غَيْرَ أَنِّي لَا أُزَمَّلُ، حَتَّى لَقِيتُ أَبَا قَتَادَةَ(1) ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلْمًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ»(2) .
390- وفي رواية للبخاري: «إِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنْ جَبَلٍ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَمَا أُبَالِيهَا»(3) .
391- وفي رواية لمسلم قالَ أَبُو سَلَمَةَ: «فَإِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا»، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ اللَّيْثِ، وَابْنِ نُمَيْرٍ قَوْلُ أَبِي سَلَمَةَ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، وَزَادَ ابْنُ رُمْحٍ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ: «وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ»(4) .
392- وفي لفظ للبخاري، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ، فَلْيَنْفِثْ عَنْ شِمَالِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَرَاءَى بِي»(5) .
393- وللبخاري عن أَبي سَلَمَةَ قال: لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: وَأَنَا كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: « الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ، فَلاَ يُحَدِّثْ بِهِ إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، وَلْيَتْفِلْ ثَلاَثًا، وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ »(6) .
394- وفي لفظ لأحمد عن أبي قتادة، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ رَأَى رُؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلَا يُخْبِرْ بِهَا وَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا؛ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ»، قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً أُخْرَى: «فَإِنَّهُ لَنْ يَرَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ»(7) .
395- وفي رواية مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا، فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ»(4) .
396- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَالرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ»، قَالَ: «وَأُحِبُّ الْقَيْدَ، وَأَكْرَهُ الْغُلَّ، وَالْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ» فَلَا أَدْرِي هُوَ فِي الْحَدِيثِ أَمْ قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ(8) (9) .

شرح مفردات الحديث:

1- قوله: «ينفث»: النفث: بالفم يشبه النفخ، وهو أقل من التفل؛ لأن التفل يكون معه شيء من الريق، وأما النفث فقد يكون معه شيء من الريق، وقد لا يكون، قال ابن عبد البر : «النفث: شبه البصق، ولا يلقي النافث شيئاً من البصاق، وقيل: كما ينفث أكل الزبيب»(10) ، وقال ابن منظور : «النَّفْثُ: أَقلُّ مِنَ التَّفْل، لأَن التَّفْلَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الرِّيقِ؛ والنفثُ: شَبِيهٌ بِالنَّفْخِ؛ وَقِيلَ: هُوَ التَّفْلُ بِعَيْنِهِ.
نَفَثَ الرَّاقي، وَفِي الْمُحْكَمِ: نَفَثَ يَنْفِثُ ويَنْفُثُ نَفْثاً ونَفَثاناً... والنَّفْثِ بِالْفَمِ، شبيهٌ بِالنَّفْخِ...
»(11) .
2- قوله: «فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَاره ثَلَاثًا».
قال الإمام النووي: وَفِي رِوَايَة: «فَلْيَبْصُقْ عَلَى يَسَاره حِين يَهُبّ مِنْ نَوْمه ثَلَاث مَرَّات»، وَفِي رِوَايَة: «فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَاره ثَلَاثًا»، وفِي رِوَايَة: «فَلْيَبْصُقْ عَلَى يَسَاره ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان ثَلَاثًا».
فَحَاصِله ثَلَاثَة: أَنَّهُ جَاءَ: (فَلْيَنْفُثْ)، وَ(فَلْيَبْصُق)، وَ(فَلْيَتْفُل)، وَأَكْثَر الرِّوَايَات «فَلْيَنْفُثْ» ...، وَلَعَلَّ الْمُرَاد بِالْجَمِيعِ النَّفْث، وَهُوَ نَفْخ لَطِيف بِلَا رِيق، وَيَكُون التَّفْل وَالْبَصْق مَحْمُولَيْنِ عَلَيْهِ مَجَازًا(12) .
3- قوله: « يَسْتَعِيذُ بِاللَّه»: قال الراغب الأصفهاني: «والعوذ: الالتجاء إلى الغير، والتعلق به.... وأعذته باللَّه أعيذه، أي: ألتجئ إليه، وأستنصر به أن أفعل ذلك (13) ، وقال ابن الأثير : «لجأت إلى ملجأ، ولذت بملاذ، وقد تكرر ذكر الاستعاذة والتعوذ، وما تصرف منهما، والكل بمعنى، وبه سميت المعوذتان(14) ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : فَإِنَّ الْمُسْتَعَاذَ مِنْهُ نَوْعَانِ: فَنَوْعٌ مَوْجُودٌ يُسْتَعَاذُ مِنْ ضَرَرِهِ ... وَنَوْعٌ مَفْقُودٌ يُسْتَعَاذُ مِنْ وُجُودِهِ؛... ويُسْتَعَاذُ مِنْ الشَّرِّ الْمَوْجُودِ أَنْ لَا يُضَرَّ، وَيُسْتَعَاذُ مِنْ الشَّرِّ الضَّارِّ الْمَفْقُودِ أَنْ لَا يُوجَدَ»(15) .
4- قوله: «من الشيطان» والشيطان: من الشطن: البعد، أي: بَعُد عن الخير»(16) ، وقال الطيبي : «طرد للشيطان الذي حضر رؤياه المكروهة، وتحقير له، واستقذار لفعله»(17) .
5- قوله: «ومن شر ما رأى»: قال ابن الملقن : «فقد أمره الشارع بمداواة ما يخاف من ضرها وتلافيه بالتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان»(18) .
6- قوله: «لا يحدث بها أحداً»: قال القرطبي : «دليلٌ على منع أن يخبر الإنسان بما يراه في منامه مما يكرهه»(19) ، وقال ابن الملقن : «ولا يحدث بها أحدًا»: فسببه أنه ربما فسره تفسيراً مكروهًا على ظاهر صورتها، وكان ذلك محتملاً فوقعت بتقدير اللَّه كذلك»(20) .
7- قوله: «وَلْيَتَحَوَّلْ إِلَى جَنْبه الْآخَر، وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ»: «فَيَكُون قَدْ عَمِلَ بِجَمِيعِ الرِّوَايَات، وَإِنْ اِقْتَصَرَ عَلَى بَعْضهَا أَجْزَأَهُ فِيَّ دَفْع ضَرَرهَا بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى، وَأَمَرَ بِالنَّفْثِ ثَلَاثًا طَرْدًا لِلشَّيْطَانِ الَّذِي حَضَرَ رُؤْيَاهُ الْمَكْرُوهَة، تَحْقِيرًا لَهُ، وَاسْتِقْذَارًا، وَخَصَّتْ بِهِ الْيَسَار لِأَنَّهَا مَحَلّ الْأَقْذَار وَالْمَكْرُوهَات، وَنَحْوهَا، وَالْيَمِين ضِدّهَا»(21) .
8- قوله: «أُزَمَّل»: فَمَعْنَاهُ أُغَطَّى وَأُلَفّ كَالْمَحْمُومِ.
9- قوله: «أُعْرَى» -بِضَمِّ الْهَمْزَة، وَإِسْكَان الْعَيْن، وَفَتْح الرَّاء- أَيْ: أُحَمّ لِخَوْفِي مِنْ ظَاهِرهَا فِي مَعْرِفَتِي، قَالَ أَهْل اللُّغَة: يُقَال: «عُرِيَ الرَّجُل» -بِضَمِّ الْعَيْن، وَتَخْفِيف الرَّاء-: يُعْرَى إِذَا أَصَابَهُ عُرَاء -بِضَمِّ الْعَيْن، وَبِالْمَدِّ - وَهُوَ نَفْض الْحُمَّى، وَقِيلَ: رَعْدَة.
10- قوله: «الْحُلْم» -بِضَمِّ الْحَاء، وَإِسْكَان اللَّام- وَالْفِعْل مِنْهُ «حَلَمَ» بِفَتْحِ اللَّام، وقال ابن الأثير : «والحُلْم عِبَارَةٌ عَمَّا يَرَاهُ النَّائِمُ فِي نَوْمِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ... وتُضم لَامُ الحُلم وتُسَكَّن»(22) ، وأما الحِلْم – بكسر الحاء، وإسكان اللام- فهو من الأناة والتثبت، و«فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «الحَلِيم» هُوَ الَّذِي لَا يستخفّه شيء من عصيان العباد، وَلَا يستفِزُّه الْغَضَبُ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ مِقْدَارًا، ...أُولُو الأَحْلَام والنُّهَى: أي: ذوو الألباب، العقول، وَاحِدُهَا حِلْم بِالْكَسْرِ، وَكَأَنَّهُ مِنَ الحِلْم: الأناةِ والتَّثبُّت فِي الْأُمُورِ، وَذَلِكَ مِنْ شِعار العقُلاء»(22) .
11- قوله: «الرُّؤْيَا»: «فَمَقْصُورَة مَهْمُوزَة، وَيَجُوز تَرْك هَمْزهَا كَنَظَائِرِهَا، قَالَ الْإِمَام الْمَازِرِيّ: مَذْهَب أَهْل السُّنَّة فِي حَقِيقَة الرُّؤْيَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَخْلُق فِي قَلْب النَّائِم اِعْتِقَادَات، كَمَا يَخْلُقهَا فِي قَلْب الْيَقْظَان، وَهُوَ سبحانه وتعالى يَفْعَل مَا يَشَاءُ، لَا يَمْنَعهُ نَوْم وَلَا يَقظَة، فَإِذَا خَلَقَ هَذِهِ الِاعْتِقَادَات، فَكَأَنَّهُ جَعَلَهَا عِلْمًا عَلَى أُمُور أُخَرَ يَخْلُقهَا فِي ثَانِي الْحَال، أَوْ كَانَ قَدْ خَلَقَهَا، فَإِذَا خَلَقَ فِي قَلْب النَّائِم الطَّيَرَان، وَلَيْسَ بِطَائِرٍ، فَأَكْثَر مَا فِيهِ أَنَّهُ اِعْتَقَدَ أَمْرًا عَلَى خِلَاف مَا هُوَ، فَيَكُون ذَلِكَ الِاعْتِقَاد عَلَمًا عَلَى غَيْره، كَمَا يَكُون خَلْق اللَّه سبحانه وتعالى الْغَيْم عَلَمًا عَلَى الْمَطَر، وَالْجَمِيع خَلْق اللَّه تَعَالَى، وَلَكِنْ يَخْلُق الرُّؤْيَا، وَالِاعْتِقَادَات الَّتِي جَعَلَهَا عَلَمًا عَلَى مَا يَسَّرَ بِغَيْرِ حَضْرَة الشَّيْطَان، وَيَخْلُق مَا هُوَ عَلَم عَلَى مَا يَضُرّ بِحَضْرَةِ الشَّيْطَان، فَيُنْسَب إِلَى الشَّيْطَان مَجَازًا؛ لِحُضُورِهِ عِنْدهَا، وَإِنْ كَانَ لَا فِعْل لَهُ حَقِيقَة، وَهَذَا مَعْنَى قَوْله صلى الله عليه وسلم: «الرُّؤْيَا مِنْ اللَّه، وَالْحُلْم مِنَ الشَّيْطَان»، لَا عَلَى أَنَّ الشَّيْطَان يَفْعَل شَيْئًا؛ فَالرُّؤْيَا اِسْم لِلْمَحْبُوبِ، وَالْحُلْم اِسْم لِلْمَكْرُوهِ، وَهَذَا كَلَام الْمَازِرِيّ، وَقَالَ غَيْره: أَضَافَ الرُّؤْيَا الْمَحْبُوبَة إِلَى اللَّه إِضَافَة تَشْرِيف بِخِلَافِ الْمَكْرُوهَة، وَإِنْ كَانَتَا جَمِيعًا مِنْ خَلْق اللَّه تَعَالَى وَتَدْبِيره، وَبِإِرَادَتِهِ، وَلَا فِعْل لِلشَّيْطَانِ فِيهِمَا، لَكِنَّهُ يَحْضُر الْمَكْرُوهَة، وَيَرْتَضِيهَا، وَيُسَرّ بِهَا»(12) .
12- قوله: «فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرّهُ»: مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ هَذَا سَبَبًا لِسَلَامَتِهِ مِنْ مَكْرُوه يَتَرَتَّب عَلَيْهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْمَع بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات، وَيُعْمَل بِهَا كُلّهَا، فَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَههُ نَفَثَ عَنْ يَسَاره ثَلَاثًا قَائِلًا: أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان وَمِنْ شَرّهَا...(12) .
13- قوله: «حِين يَهُبّ مِنْ نَوْمه»: أَيْ: يَسْتَيْقِظ(21) .
14- قَوْله: «يَتَراءَى» -بِالرّاءِ بِوزنِ يَتَعاطَى- مَعناهُ: لا يَستَطِيع أَن يَصِير مَرئِيًّا بِصُورَتِي(23) .
15- قوله: «إِذَا اِقْتَرَبَ الزَّمَان لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِم تَكْذِب»: الْمُرَاد إِذَا قَارَبَ الزَّمَان أَنْ يَعْتَدِل لَيْله وَنَهَاره، وَقِيلَ: الْمُرَاد إِذَا قَارَبَ الْقِيَامَة، وَالْأَوَّل أَشْهَر عِنْد أَهْل غَيْر الرُّؤْيَا، وَجَاءَ فِي حَدِيث مَا يُؤَيِّد الثَّانِي.
وَاللَّهُ أَعْلَم(24) .
16- قَوْله: «وَأُحِبّ الْقَيْد»: إِنَّمَا أُحِبّ الْقَيْد؛ لِأَنَّهُ فِي الرِّجْلَيْنِ، وَهُوَ كَفّ عَنْ الْمَعَاصِي وَالشُّرُور وَأَنْوَاع الْبَاطِل(24) .
17- قَوْله: «وَأَكْرَه الْغُلّ»، وَأَمَّا الْغُلّ فَمَوْضِعه الْعُنُق، وَهُوَ صِفَة أَهْل النَّار،.
قَالَ اللَّه تَعَالَى ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا﴾(25) ، وَقَالَ اللَّه تَعَالَى: ﴿إِذْ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ﴾(26) .
18- قَوْله: «وَالْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ»: أَمَّا أَهْل الْعِبَارَة فَنَزَّلُوا هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ مَنَازِل، فَقَالُوا: إِذَا رَأَى الْقَيْد فِي رِجْلَيْهِ، وَهُوَ فِي مَسْجِد، أَوْ مَشْهَد خَيْر، أَوْ عَلَى حَالَة حَسَنَة، فَهُوَ دَلِيل لِثَبَاتِهِ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ رَآهُ صَاحِب وِلَايَة كَانَ دَلِيلًا لِثَبَاتِهِ فِيهَا، وَلَوْ رَآهُ مَرِيض، أَوْ مَسْجُون، أَوْ مُسَافِر، أَوْ مَكْرُوب، كَانَ دَلِيلًا لِثَبَاتِهِ فِيهِ، قَالُوا: وَلَوْ قَارَنَهُ مَكْرُوه بِأَنْ يَكُون مَعَ الْقَيْد غُلّ غَلَّبَ الْمَكْرُوه؛ لِأَنَّهَا صِفَة الْمُعَذَّبِينَ(24) .
وَأَمَّا الْغُلّ فَهُوَ مَذْمُوم إِذَا كَانَ فِي الْعُنُق، وَقَدْ يَدُلّ لِلْوَلَايَاتِ إِذَا كَانَ مَعَهُ قَرَائِن، كَمَا كُلّ وَالٍ يُحْشَر مَغْلُولًا حَتَّى يُطْلِقهُ عَدْله، فَأَمَّا إِنْ كَانَ مَغْلُول الْيَدَيْنِ دُون الْعُنُق فَهُوَ حَسَن، وَدَلِيل لِكَفِّهِمَا عَن الشَّرّ، وَقَدْ يَدُلّ عَلَى مَنْع مَا نَوَاهُ مِنْ الْأَفْعَال(24) .
19- قوله: «تحزين من الشيطان»: فإنها تحزين، وتهويل، وتخويف، يدخل كل ذلك الشيطان على الإنسان في نومه ليشوش يقظته، وقد يجتمع هذان السببان؛ أعني: هموم النفس، وأُلقيات الشيطان في منام واحد، فتكون أصناف أحلام لاختلاطها(27) .

ما يستفاد من الحديث:

1- «ينفث عن يساره ثلاثاً» جاء عند مسلم: «إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثًا» وعنده أيضًا: «فليتفل»(28) .
أما الحكمة من فعل ذلك، فهي طرد الشيطان تحقيرًا له، واستقذارًا، وخصت باليسار؛ لأنها محل الأقذار ونحوها، وفعلها ثلاثًا؛ لتأكيد ذلك الأمر، وفيه إشارة إلى أن ذلك الفعل في مقام الرقية، قال النووي: أكثر الروايات في الرؤيا: «فلينفث»، وهو نفخ لطيف بلا ريق، فيكون التفل، والبصق محمولين عليه مجازًا(29) .
2- «يستعيذ باللَّه من الشيطان ومن شر ما رأى» ثلاث مرات.
وذلك بقوله: أعوذ باللَّه من الشيطان ومن شر ما رأيت(30) .
والحكمة من الاستعاذة هي أن ذلك منه، وأنه هو الذي يخوف، ويهول الآدمي، وكذلك فإن الاستعاذة مشروعة عند كل أمر مكروه(29).
3- «لا يحدث بها أحدًا» أي: لا يخبر بحَلْمِهِ هذا أحدًا، ولا يطلب له تأويلًا، بل وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «فإنها لن تضره»(31) ، أي: هذه الرؤيا.
والحكمة في ذلك أنه لو أخبر بها أحدًا فربما يفسرها له تفسيرًا مكروهًا على ظاهر صورتها، وكان ذلك محتملًا، فوقعت كذلك بتقدير اللَّه عز وجل(32) .
ولذلك فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا على رجل طائر ما لم تُعبر فإذا عبرت وقعت»(33) ، أي كأنها معلقة برجل طائر؛ لأنها لا تستقر.
وقال الحافظ ابن حجر : فيما نقله عن المهلب: «سمى الشارع الرؤيا الخالصة من الأضغاث صالحة، وصادقة، وأضافها إلى اللَّه، وسمى الأضغاث حلمًا، وأضافها إلى الشيطان؛ لأنها مخلوقة على شاكلته، فأعلم اللَّه الناس بكيده»(34) .
4- «يتحول عن جنبه الذي كان عليه»(35) هذا هو الأدب الرابع لمن رأى رؤيا يكرهها، أي: أنه إن كان نائمًا على جنبه الأيسر؛ فإنه يتحول إلى الأيمن والعكس، وإذا كان نائمًا على ظهره؛ فإنه يتحول يمينًا، وهذا من باب التفاؤل أن يغير اللَّه ما به من حال يكرهها.
5- قال المباركفوري : وعند مسلم: «إذا رأى ما يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ»، قَالَ النَّوَوِيُّ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، وَيَعْمَلَ بِهَا كُلِّهَا؛ فَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُهُ نَفَثَ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا قَائِلًا: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَمِنْ شَرِّهَا، وَلْيَتَحَوَّلْ إِلَى جَنْبِهِ الْآخَرِ، وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَيَكُونُ قَدْ عَمِلَ بِجَمِيعِ الرِّوَايَاتِ، وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهَا أَجْزَأَهُ فِي دَفْعِ ضَرَرِهَا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ»(36) .
6- قال الحافظ ابن حجر : وأما الصلاة فلما فيها من التوجه إلى اللَّه، واللجوء إليه، قال القرطبي: والصلاة تجمع كل ما مضى – أي من الآداب – لأنه إذا قام فصلى تحول عن جنبه، وبصق، ونفث عند المضمضة في الوضوء، واستعاذ قبل القراءة، ثم دعا اللَّه في أقرب الأحوال إليه، فسيكفيه اللَّه شرها بمنه وكرمه(37) .
خلاصة آداب الرؤيا وأحكامها على النحو الآتي: 1- أولاً: آداب الحلم الواردة في الأحاديث السابقة: الأدب الأول: ينفث عن يساره ثلاثاً، وتقدم بيان ذلك.
الأدب الثاني: يستعيذ باللَّه من الشيطان، ومن شر ما رأى ثلاثاً.
الأدب الثالث: لا يحدث بها أحداً.
الأدب الرابع: يتحول عن جنبه الذي كان عليه.
الأدب الخامس: لمن رأى ما يكره: الوضوء والقيام للصلاة.
الأدب السادس: إذا رأى ما يحب، فلا يخبر إلا من يحب.
2- ثانيًا: الرؤيا تطلق على ما يراه النائم من أمر محبوب، بخلاف الحُلم فإنه يطلق على الأمر المكروه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ مِنَ اللَّهِ، وَالحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ»(38) .
3- ثالثاً: الرؤيا على ثلاثة أقسام: القسم الأول: – الرؤيا الصالحة أو الصادقة أو الحسنة: وهي التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم برواية ابْنِ عَبَّاسٍ ب، قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السِّتَارَةَ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلاَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلاَ وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا، أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عز وجل، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ»(39) .
قال الحافظ: والمعنى لم يبق بعد النبوة المختصة بي إلا المبشرات(40) .
القسم الثاني: الرؤيا المكروهة: وهي التي وصفها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأنها تخويف من الشيطان(41) وقد بيَّنا السنة في ذلك.
القسم الثالث: حديث النفس: وهذا النوع يقع إذا كان الإنسان مشغولًا بأمر، ومتعلقاً قلبه به، فإنه يراه في نومه، أو أن الشيطان يلعب به، ويشهد لهذا أن أعرابيًّا جاء إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي ضُرِبَ فَتَدَحْرَجَ، فَاشْتَدَدْتُ عَلَى أَثَرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْأَعْرَابِيِّ: «لَا تُحَدِّثِ النَّاسَ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي مَنَامِكَ»، وَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ، يَخْطُبُ فَقَالَ: «لَا يُحَدِّثَنَّ أَحَدُكُمْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِهِ فِي مَنَامِهِ»(42) .
4- رابعًا: السنة إذا رأى المسلم رؤيا حسنة أن يقول، ويعمل الأمور الآتية: أ- يحمد اللَّه على إكرامه له بهذه الرؤيا.
ب- لا يقصها إلا على من يحبّ، أو على العالم بتأويل الرُؤى، أو على ناصح لبيب إذا وُجد.
جـ- يستبشر بهذه الرؤية(43) .
قال الحافظ ابن حجر : «الرُّؤيا الصّالِحَة ثَلاثة أَشياء: أَن يَحمَد اللَّه عَلَيها، وأَن يَستَبشِر بِها، وأَن يَتَحَدَّث بِها لَكِن لِمَن يُحِبّ دُون مَن يَكرَه.
وحاصِل ما ذُكِرَ مِن أَدَب الرُّؤيا المَكرُوهَة أَربَعَة أَشياء: أَن يَتَعَوَّذ بِاللَّهِ مِن شَرّها، ومِن شَرّ الشَّيطان، وأَن يَتفُل حِين يَهُبّ مِن نَومه عَن يَساره ثَلاثًا ، ولا يَذكُرها لأَحَدٍ أَصلاً.. .
قالَ الحَكِيم التِّرمِذِيّ: الرُّؤيا الصّادِقَة أَصلها حَقّ تُخبِر عَن الحَقّ، وهُو بُشرَى وإِنذار ومُعاتَبَة؛ لِتَكُونَ عَونًا لِما نُدِبَ إِلَيهِ، قالَ: وقَد كانَ غالِب أُمُور الأَوَّلِينَ الرُّؤيا، إِلاَّ أَنَّها قَلَّت فِي هَذِهِ الأُمَّة؛ لِعِظَمِ ما جاءَ بِهِ نَبِيُّها مِنَ الوحي؛ ولِكَثرَةِ مَن فِي أُمَّته مِنَ الصِّدِّيقِينَ مِنَ المُحَدَّثِينَ - بِفَتحِ الدّال - وأَهل اليَقِين، فاكتَفَوا بِكَثرَةِ الإِلهام والمُلهَمِينَ عَن كَثرَة الرُّؤيا الَّتِي كانَت فِي المُتَقَدِّمِينَ.
وقالَ القاضِي عِياض: يَحتَمِل قَوله: «الرُّؤيا الحَسَنَة، والصّالِحَة
» أَن يَرجِع إِلَى حُسن ظاهِرها، أَو صِدقها، كَما أَنَّ قَوله: «الرُّؤيا المَكرُوهَة، أَو السُّوء» يَحتَمِل سُوء الظّاهِر، أَو سُوء التَّأوِيل، وأَمّا كَتمها مَعَ أَنَّها قَد تَكُون صادِقَة، فَخَفِيَت حِكمَته، ويَحتَمِل أَن يَكُون لِمَخافَةِ تَعجِيل اشتِغال سِرّ الرّائِي بِمَكرُوهِ تَفسِيرها؛ لأَنَّها قَد تُبطِئ، فَإِذا لَم يُخبِر بِها زالَ تَعجِيل رَوعها، وتَخوِيفها، ويَبقَى إِذا لَم يَعبُرها لَهُ أَحَدٌ بَين الطَّمَع فِي أَنَّ لَها تَفسِيرًا حَسَنًا، أَو الرَّجاء فِي أَنَّها مِنَ الأَضغاث، فَيَكُون ذَلِكَ أَسكَنَ لِنَفسِهِ»(44) .
وقال أيضاً: «الرُّؤيا الصّالِحَة لا تَشتَمِل عَلَى شَيء مِمّا يَكرَههُ الرّائِي، ويُؤَيِّدهُ مُقابَلَة رُؤيا البُشرَى بِالحُلُمِ، وإِضافَة الحُلُم إِلَى الشَّيطان، وعَلَى هَذا فَفِي قَول أَهل التَّعبِير، ومَن تَبِعَهُم إِنَّ الرُّؤيا الصّادِقَة قَد تَكُون بُشرَى، وقَد تَكُون إِنذارًا نَظَرٌ؛ لأَنَّ الإِنذار غالِبًا يَكُون فِيما يَكرَه الرّائِي، ويُمكِن الجَمع بِأَنَّ الإِنذار لا يَستَلزِم وُقُوع المَكرُوه، كَما تَقَدَّمَ تَقرِيره، وبِأَنَّ المُراد بِما يَكرَه ما هُو أَعَمُّ مِن ظاهِر الرُّؤيا ومِمّا تُعَبَّر بِهِ»(45) .
وقال في موضع آخر: «قَولُه : «لَم يَبقَ مِنَ النُّبُوَّة إِلاَّ المُبَشِّرات» ، كَذا ذَكَرَهُ بِاللَّفظِ الدّالّ عَلَى المُضِيّ تَحقِيقًا لِوُقُوعِهِ، والمُراد الاستِقبال، أَي لا يَبقَى، وقِيلَ هُو عَلَى ظاهِره؛ لأَنَّهُ قالَ ذَلِكَ فِي زَمانه، واللاَّم فِي النُّبُوَّة لِلعَهدِ، والمُراد نُبُوَّته، والمَعنَى لَم يَبقَ بَعد النُّبُوَّة المُختَصَّة بِي إِلاَّ المُبَشِّرات، ثُمَّ فَسَّرَها بِالرُّؤيا، ... وظاهِر الاستِثناء مَعَ ما تَقَدَّمَ مِن أَنَّ الرُّؤيا جُزء مِن أَجزاء النُّبُوَّة، أَنَّ الرُّؤيا نُبُوَّة، ولَيسَ كَذَلِكَ؛ لِما تَقَدَّمَ أَنَّ المُراد تَشبِيه أَمر الرُّؤيا بِالنُّبُوَّةِ، أَو لأَنَّ جُزء الشَّيء لا يَستَلزِم ثُبُوت وصفه لَهُ، كَمَن قالَ: أَشهَد أَن لا إِلَه إِلاَّ اللَّه، رافِعًا صَوته، لا يُسَمَّى مُؤَذِّنًا، ولا يُقال: إِنَّهُ أَذَّنَ وإِن كانَت جُزءًا مِنَ الأَذان.
وكَذا لَو قَرَأَ شَيئًا مِنَ القُرآن وهُو قائِم، لا يُسَمَّى مُصَلِّيًا، وإِن كانَت القِراءَة جُزءًا مِنَ الصَّلاة، ويُؤَيِّدهُ حَدِيث أُمّ كُرز - بِضَمِّ الكاف، وسُكُون الرّاء بَعدها زاي - الكَعبِيَّة قالَت: سَمِعت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُول: «ذَهَبَت النُّبُوَّة وبَقِيَت المُبَشِّرات»، أَخرَجَهُ أَحمَدُ، وابن ماجَه، وصَحَّحَهُ ابن خُزَيمَةَ، وابن حِبّان(46) ، ولأَحمَدَ عَن عائِشَة مَرفُوعًا: «لَم يَبقَ بَعدِي مِنَ المُبَشِّرات إِلاَّ الرُّؤيا»(47) ، ... ولأَبِي يَعلَى مِن حَدِيث أَنَس رَفَعَهُ «إِنَّ الرِّسالَة والنُّبُوَّة قَد انقَطَعَت، ولا نَبِيّ ولا رَسُول بَعدِي، ولَكِن بَقِيَت المُبَشِّرات»، قالُوا: وما المُبَشِّرات ؟ قالَ: «رُؤيا المُسلِمِينَ جُزء مِن أَجزاء النُّبُوَّة»(48) .
قالَ المُهَلَّب ما حاصِله : التَّعبِير بِالمُبَشِّراتِ خَرَجَ لِلأَغلَبِ ، فَإِنَّ مِنَ الرُّؤيا ما تَكُون مُنذِرَة وهِيَ صادِقَة يُرِيها الله لِلمُؤمِنِ رِفقًا بِهِ لِيَستَعِدّ لِما يَقَع قَبل وُقُوعه.
وقالَ ابن التِّين: مَعنَى الحَدِيث أَنَّ الوحي يَنقَطِع بِمَوتِي، ولا يَبقَى ما يُعلَم مِنهُ ما سَيَكُونُ إِلاَّ الرُّؤيا، ويَرِد عَلَيهِ الإِلهام؛ فَإِنَّ فِيهِ إِخبارًا بِما سَيَكُونُ، وهُو لِلأَنبِياءِ بِالنِّسبَةِ لِلوحيِ كالرُّؤيا، ويَقَع لِغَيرِ الأَنبِياء كَما فِي الحَدِيث الماضِي فِي مَناقِب عُمَر: «قَد كانَ فِيمَن مَضَى مِنَ الأُمَم مُحَدَّثُونَ»(49) ، وفُسِّرَ المُحَدَّث - بِفَتحِ الدّال - بِالمُلهَمِ - بِالفَتحِ أَيضًا-، وقَد أَخبَرَ كَثِير مِنَ الأَولِياء عَن أُمُور مُغَيَّبَة فَكانَت كَما أَخبَرُوا.
والجَواب أَنَّ الحَصر فِي المَنام؛ لِكَونِهِ يَشمَل آحاد المُؤمِنِينَ، بِخِلافِ الإِلهام؛ فَإِنَّهُ مُختَصّ بِالبَعضِ، ومَعَ كَونه مُختَصًّا فَإِنَّهُ نادِر، فَإِنَّما ذُكِرَ المَنام لِشُمُولِهِ وكَثرَة وُقُوعه، ويُشِير إِلَى ذَلِكَ قَوله صلى الله عليه وسلم: «فَإِن يَكُن»، وكانَ السِّرّ فِي نَدُور الإِلهام فِي زَمَنه، وكَثرَته مِن بَعده غَلَبَة الوحي إِلَيهِ صلى الله عليه وسلم فِي اليَقَظَة، وإِرادَة إِظهار المُعجِزات مِنهُ، فَكانَ المُناسِب أَن لا يَقَع لِغَيرِهِ مِنهُ فِي زَمانه شَيء، فَلَمّا انقَطَعَ الوحي بِمَوتِهِ، وقَعَ الإِلهام لِمَن اختَصَّهُ اللَّه بِهِ لِلأَمنِ مِنَ اللَّبس فِي ذَلِكَ، وفِي إِنكار وُقُوع ذَلِكَ مَعَ كَثرَته واشتِهاره مُكابَرَة مِمَّن أَنكَرَهُ»(40) .
5- خامسًا: في معنى قوله: «الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ، مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»(50) .
قال الحافظ في الفتح: وقد استشكل كون الرؤيا جزءًا من النبوة مع أن النبوة انقطعت لموت النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل في الجواب: إن الرؤيا الواقعة من النبي صلى الله عليه وسلم هي جزء من النبوة، ومن غيره هي جزء من أجزاء النبوة على سبيل المجاز، وقيل: المعنى أنها جزء من علم النبوة؛ لأن النبوة وإن انقطعت فإن علمها باق(51) .
- وقد جاء أنها جزء من خمس وأربعين جزءًا من النبوة(52) .
- وأنها جزء من سبعين جزءًا من النبوة(53) .
- وأنها جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّة(54) .
- ورُوي أنها جزءٌ من خمسين جزءاً من النبوة، ولفظه: «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «رُؤْيَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»، فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ ب، فَقَالَ: قَالَ الْعَبَّاسُ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هِيَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»(55) .
قال الحافظ في الفتح: «وأما خصوص العدد فهو مما أطلع اللَّه عليه نبيه صلى الله عليه وسلم لأنه يعلم من حقائق النبوة ما لا يعلمها غيره»(56) .
6- سادسًا: حذر النبي صلى الله عليه وسلم وخوف أمته من أن يكذب النائم في حلمه أي: يقول: رأيت كذا وهو لم يره، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بعَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ، كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ»(57) .
قال الحافظ في الفتح: والمراد بالتكلف نوع من التعذيب.
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ ب أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ إِنَّ مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ»(58) .
قال الحافظ في الفتح: قال الطبري: وإنما اشتد الوعيد في هذا الأمر، مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه؛ لأنه قد يترتب عليه شهادة في قتل أحد، أو أخذ مال – لأن الكذب في المنام كذب على اللَّه أنه أراه ما لم يره، والكذب على اللَّه أشد من الكذب على المخلوقين؛ ولأن الرؤية من أجزاء النبوة، والنبوة من قبل اللَّه تعالى(59) .
7- سابعًا: لا فضل في رؤيا الليل على رؤيا النهار(60) ، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا لمّا نام عند أم حرام بنت ملحان ل، وكان ذلك نهارًا لما قال – أي نام نومة القيلولة عندها رضي الله عنها (61) ، وأم حرام بنت ملحان من محارم النبي صلى الله عليه وسلم(62) .
أما رؤيا الليل فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقصّ الرؤى على أصحابه، ويقصّون هم عليه كذلك، فعَن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا» قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ: «إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى» قَالَ: «قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟»، قَالَ: «قَالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ» قَالَ: «فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، - قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ أَبُو رَجَاءٍ: فَيَشُقُّ -» قَالَ: «ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى» قَالَ: «قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟» قَالَ: «قَالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ - قَالَ: فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ - فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ»، قَالَ: «فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا» قَالَ: «قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلاَءِ؟» قَالَ: «قَالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ» قَالَ: «فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ - حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ - أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الحِجَارَةَ، فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا» قَالَ: «قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَانِ؟» قَالَ: «قَالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ»، قَالَ: «فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ المَرْآةِ، كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلًا مَرْآةً، وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا» قَالَ:«قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟» قَالَ: «قَالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ، فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ، لاَ أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ» قَالَ: «قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا مَا هَؤُلاَءِ؟» قَالَ: «قَالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ»، قَالَ: «فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ، لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلاَ أَحْسَنَ» قَالَ: «قَالاَ لِي: ارْقَ فِيهَا» قَالَ: «فَارْتَقَيْنَا فِيهَا، فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَأَتَيْنَا بَابَ المَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا فَفُتِحَ لَنَا فَدَخَلْنَاهَا، فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ» قَالَ: «قَالا لَهُمْ: اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ» قَالَ: «وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ المَحْضُ فِي البَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ» قَالَ: «قَالاَ لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ» قَالَ: «فَسَمَا بَصَرِي صُعُدًا فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ البَيْضَاءِ» قَالَ: «قَالاَ لِي: هَذَاكَ مَنْزِلُكَ» قَالَ: «قُلْتُ لَهُمَا: بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا ذَرَانِي فَأَدْخُلَهُ، قَالاَ: أَمَّا الآنَ فَلاَ، وَأَنْتَ دَاخِلَهُ» قَالَ: «قُلْتُ لَهُمَا: فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ؟» قَالَ: «قَالاَ لِي: أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ.
أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ، يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ.
وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الحَجَرَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الكَرِيهُ المَرْآةِ، الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا، فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم.
وَأَمَّا الوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ
»، قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَوْلاَدُ المُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَأَوْلاَدُ المُشْرِكِينَ.
وَأَمَّا القَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنًا وَشَطْرٌ قَبِيحًا، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ
»(63) .
8- ثامناً: وقد رُويَ حديث: «أَصْدَقُ الرُّؤْيَا بِالْأَسْحَارِ» وضُعِّف(64) .
7- قَالَ الإمام النَّوَوِيُّ : «أَضَافَ الرُّؤْيَا الْمَحْبُوبَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ بِخِلَافِ الْمَكْرُوهَةِ وَإِنْ كَانَتَا جَمِيعًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَدْبِيرِهِ وَبِإِرَادَتِهِ وَلَا فِعْلَ لِلشَّيْطَانِ فِيهِمَا لَكِنَّهُ يَحْضُرُ الْمَكْرُوهَةَ وَيَرْتَضِيهَا، وَيُسَرُّ بِهَا»(65) .

1 أبو قتادة بن ربعي رضي الله عنه: اسمه الحارث بن ربعي؛ الأنصاري الخزرجي السلمي، فارس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، اختلف في شهوده بدرًا، وقد شهد أُحدًا وما بعدها، وقيل: توفي بالكوفة في خلافة علي رضي الله عنه، وقد صلى عليٌّ عليه وكبر سبعًا.انظر ترجمته في تهذيب الكمال 6/ 244، وتكبيره سبعًا لعلمه أنه بدري، واللَّه أعلم.
2 البخاري، برقم 3292
3 البخاري، برقم 5747
4 مسلم، برقم 2261
5 البخاري، كتاب التعبير، باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، برقم 6995
6 البخاري، كتاب التعبير، باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها، برقم 7044
7 مسند أحمد، 37/ 205، برقم 22525، وصحح إسناده محققو المسند
8 محمد بن سيرين: أبو بكر بن أبي عمرة البصري، ثقة، ثبت، عابد، كبير القدر، كان لا يرى الرواية بالمعنى، من الثالثة، مات سنة عشر ومائة. انظر: تقريب التهذيب، 3/ 452
9 مسلم، برقم 2263
10 التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لابن عبد البر، 8/ 129
11 لسان العرب، 2/ 195، مادة (نفث)
12 شرح النووي على صحيح مسلم، 15/ 16
13 انظر: مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني، 2/ 136
14 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 317
15 انظر: مجموع الفتاوى، لشيخ الإسلام ابن تيمية، 18/ 288
16 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 474، مادة (شطن)
17 شرح المشكاة للطيبي: الكاشف عن حقائق السنن، 9/ 3003
18 التوضيح لشرح الجامع الصحيح، 32/ 251
19 المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 18/ 132
20 التوضيح لشرح الجامع الصحيح، 32/ 136
21 شرح النووي على صحيح مسلم، 15/ 18
22 النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، 1/ 434، مادة (حلم)
23 فتح الباري، 12/ 386
24 انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 15/ 18
25 سورة يس، الآية: 8
26 سورة غافر، الآية: 71
27 المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 18/ 115
28 مسلم، برقم 2262
29 شرح النووي على صحيح مسلم، 14/ 182، وانظر: فتح الباري، 12/ 371
30 شرح رياض الصالحين لابن عثيمين رحمه الله، رقم (843)
31 البخاري، كتاب التعبير، باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها، ولا يذكرها، برقم 7045
32 مسلم شرح النووي 15/ 21
33 أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في الرؤيا، برقم 5020، وابن ماجه، كتاب تعبير الرؤيا، باب الرؤيا إذا عُبرت وقعت، فلا يقصها إلا على وادّ، برقم 3914، وأحمد، 26/ 100، برقم 16182، وابن أبي شيبة، 6/173 ، برقم 30449، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم 3535
34 فتح الباري، 12/ 370
35 هذه رواية مسلم، برقم 2261
36 تحفة الأحوذي، 6/ 460
37 انظر: فتح الباري، 12/ 371
38 البخاري، كتاب التعبير، باب الرؤيا من اللَّه، برقم 6984
39 مسلم، كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم 479، وفي البخاري، كتاب التعبير، باب المبشرات، برقم 6990: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات»، قالوا وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة»
40 فتح الباري، 12/ 375
41 مصنف ابن أبي شيبة، 6/ 181، برقم 30507، ولفظه: عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «الرُّؤْيَا عَلَى ثَلَاثَةٍ, مِنْهَا تَخْوِيفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيُحْزِنَ بِهَا ابْنَ آدَمَ, وَمِنْهَا الْأَمْرُ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ فِي الْيَقَظَةِ فَيَرَاهُ فِي الْمَنَامِ, وَمِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»، والبيهقي في الزهد الكبير، برقم 352، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم 3533
42 مسلم، كتاب الرؤيا، باب لا يخبر بتلعب الشيطان به في المنام، برقم 2268
43 انظر الأحاديث في ذلك البخاري، برقم 6985، ورقم 6990
44 فتح الباري، لابن حجر، 12/ 370
45 فتح الباري، لابن حجر 12/ 372
46 مسند أحمد، 45/ 115، برقم، 27141، وابن ماجه، برقم 3896، وابن حبان، 13/ 410، وصححه لغيره محققو المسند، ومحقق ابن حبان، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 3144
47 مسند أحمد، 39/ 213، برقم 23795، وصحح إسناده محققو المسند
48 مسند أبي يعلى، 7/ 38، برقم 3947، ولفظه: «إن النبوة والرسالة قد انقطعت، فجزع الناس، قال: قد بقيت مبشرات و هي جزء من النبوة»، وقال محققه: «إسناده صحيح»، وأما حديث المتن بكامله ففي مسند أحمد، 21/ 326، برقم 13824، وهو عند الترمذي، برقم 2272، والحاكم 4/391، وصححه محققو المسند، 21/ 327
49 مسلم، برقم 2398
50 البخاري، كتاب التعبير، باب رؤيا الصالحين،برقم 6983، ومسلم، كتاب الرؤيا، برقم 2264
51 انظر: فتح الباري 12/363
52 مسلم، كتاب الرؤيا، برقم 2263
53 مسلم، كتاب الرؤيا، برقم 2265
54 تاريخ بغداد، 6/ 420، وذيل تاريخ بغداد، 17/ 107، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، برقم 3528
55 المعجم الأوسط، 6/ 67، برقم 5974، وباللفظ نفسه مسند البزار، 1/ 226، برقم 1298، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، برقم 3079
56 فتح الباري 12/ 364
57 البخاري، كتاب التعبير، باب من كذب في حلمه، برقم 7042
58 البخاري، كتاب التعبير، باب من كذب في حلمه، برقم 7043
59 انظر: فتح الباري، 12/ 515
60 وكذا رؤيا الرجال والنساء
61 البخاري، كتاب التعبير، باب الرؤيا بالنهار، برقم (7002)
62 قال النووي: في شرحه على صحيح مسلم، 16/ 10: «ذكر أُمّ حَرَام أُخْت أُمّ سُلَيْمٍ أَنَّهُمَا كَانَتَا خَالَتَيْنِ لِرَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم مَحْرَمَيْنِ إِمَّا مِنْ الرَّضَاع، وَإِمَّا مِنْ النَّسَب، فَتَحِلُّ لَهُ الْخَلْوَة بِهِمَا، وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِمَا خَاصَّةً ، لَا يَدْخُلُ عَلَى غَيْرهمَا مِنْ النِّسَاء إِلَّا أَزْوَاجه»، وقال في موضع آخر، 13/ 57: «اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ صلى الله عليه وسلم، وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّة ذَلِكَ، فَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ وَغَيْره: كَانَتْ إِحْدَى خَالَاته مِنْ الرَّضَاعَة، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَتْ خَالَة لِأَبِيهِ أَوْ لِجَدِّهِ؛ لِأَنَّ عَبْد الْمُطَّلِب كَانَتْ أُمّه مِنْ بَنِي النَّجَّار». وانظر عون المعبود، 7/ 124
63 البخاري، كتاب التعبير، باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، برقم 7047
64 مسند أحمد، 17/ 341، برقم 11240، والترمذي، كتاب الرؤيا، باب قوله: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيِا﴾، برقم 2274، وابن حبان، 13/ 407، برقم 6041، وضعفه محققو المسند، 17/ 341، والألباني في ضعيف الجامع، برقم 887
65 شرح النووي على صحيح مسلم، 15/ 17، وانظر: تحفة الأحوذي، 6/ 459


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Saturday, August 9, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب