اللهم اغفر له اللهم ثبته

حصن المسلم | الدعاء بعد دفن الميت | اللهم اغفر له اللهم ثبته

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ (1).

‘After the Prophet (Peace Be Upon Him) would bury the deceased he would stand by the grave and say: ‘Seek forgiveness for your brother and pray that he remains firm, for he is now being questioned’.


(1) كان النبي × إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت؛ فإنه الآن يُسأل). أبو داود، 3/ 315، برقم 3223، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي 1/370.

شرح معنى اللهم اغفر له اللهم ثبته

لفظ الحديث الذي ورد فيه:

559- لفظ أبي داود عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه قَالَ كَانَ النَّبِىي صلى الله عليه وسلم إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ»(1) .
560- ولفظ البيهقي عَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ رضي الله عنه إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حتَّى يَبَلَّ لِحْيَتَهُ، قَالَ فَيُقَالُ لَهُ: تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلاَ تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟ قَالَ: فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ، فَمَنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ».
قَالَ: وَقَالَ عُثْمَانُ رضي الله عنه: مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلاَّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ، قَالَ عُثْمَانُ رضي الله عنه: وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ قَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِمَيِّتِكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ».
زَادَ فِيهِ غَيِرُهُ عَنْ هِشَامٍ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ:«اسْتَغْفِرُوا»، وَأَسْنَدَ قَوْلَهُ: مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم»(2) .

شرح مفردات الحديث:

1- قوله: «يبل لحيته»: تسيل دموعه، حتى تبلل لحيته، قال ابن منظور : «بَلَّهُ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ: يَبُلُّه بَلًّا، وبِلَّة، وبَلَّلهُ فَابْتَلَّ، وتَبَلَّلَ... بَلَّه يَبُلُّه أَي: نَدَّاه، وبَلَّلَه، شُدِّدَ لِلْمُبَالَغَةِ، فابْتَلَّ.
والبِلال: الْمَاءُ
»(3) .
2- قوله: «منظراً قط إلا والقبر أفظع منه»: قال الطيبي : «أي: ما رأيت منظراً، وهو ذو هول وفظاعة «إلا والقبر أفظع منه»، يقال: فظع الأمر بالفم فظاعة، فهو فظيع، أي: شديد، شنيع، جاوز المقدار، وعبّر بالمنظر عن الموضع مبالغة؛ فإنه إذا نُفي الشيء مع لازمه ينتفي الشيء بالطريق البرهان، و«فظع» كلمة يؤكد بها النفي في الفعل الماضي، كما أن عوض يؤكد بها النفي في المستقبل»(4) .
3- قوله: «كان إذا فرغ من دفن الميت»: أي: انتهى من حضور الدفن، ونزول الميت إلى حفرته.
قال المناوي : «أي المسلم، قال الطيبي: والتعريف للجنس، وهو قريب من النكرات»(5) ، وقال الشيخ عطية محمد سالم : «فإذا فرغ الناس من دفن الميت، وأهالوا عليه التراب، ولم يبق إلا أن ينصرفوا؛ وقف»(6) .
4- قوله: «وقف عليه» أي: قريبًا من القبر، قال المناوي : «وقف عليه: أي: على قبره هو وأصحابه صفوفاً»(7) ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : «فَالْقِيَامُ عَلَى قَبْرِهِ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ»(8) .
5- قوله: «استغفروا لأخيكم» أي: سلوا اللَّه له المغفرة بتضرع وإخلاص، قال المناوي : «فقال: استغفروا لأخيكم في الإسلام»(7) .
6- قوله: «فإنه الآن يُسأل»: قال المناوي : «فهو الآن يسأل: أي: يسأله الملكان... فهو أحوج ما كان إلى الاستغفار، وذلك لكمال رحمته بأمته، ونظره إلى الإحسان إلى ميتهم، ومعاملته بما ينفعه في قبره، ويوم معاده»(7) .
7- قوله: «وسلوا»: قال العيني : «قوله: «وسلوا»: أصله: اسألوا، حذفت الهمزتان للتخفيف، فوزنه: (فُلُوا)؛ لأن عين الفعل سقطت من الموزون، فسقطت من الوزن»(9) ، وقال المناوي : «وسلوا له التثبيت: أي: اطلبوا له من اللَّه تعالى أن يثبت لسانه، وجنانه لجواب الملكين، قال الطيبي: ضمَّن سلوا معنى الدعاء... أي ادعوا اللَّه له بدعاء التثبيت، أي: قولوا: ثبّته اللَّه بالقول الثابت؛ فإنه الذي رأيته في أصول صحيحة قديمة من أبي داود بدل هذا، ثم سلوا له التثبيت»(7) ، وقال القاضي ابن العربي : «استغفروا لأخيكم»: معناه سلوا اللَّه المغفرة، وهو أفضل ما يُسأل له»(10) .
8- قوله: «وسلوا له التثبيت»: أي: عند سؤال الملكين الأسئلة الثلاثة: أ – من ربك؟ ب – ما دينك؟ جـ - ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟(11) 9- قال العلامة ابن عثيمين : «وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت يسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا من دفنه، قرع النعال الخفي يسمعه الميت إذا انصرفوا من دفنه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حسن «أنه كان إذا دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل» فيستحب إذا دفن الميت أن يقف الإنسان على قبره، ويقول: اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلّم سلّم ثلاثاً، وإذا دعا دعا ثلاثاً، نسأل اللَّه تعالى أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة»(12) .

ما يستفاد من الحديث:

1- مشروعية الوقوف على القبر بعد الدفن والاجتهاد للميت بالدعاء في هذا الموقف العصيب.
قال الإمام ابن قدامة : «وسئل أحمد عن الوقوف على القبر بعد ما يدفن يدعى للميت؟ قال: لا بأس به، قد وقف عليٌّ، والأحنف بن قيس، وروى أبو داود بإسناده عن عثمان قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دفن الرجل وقف عليه وقال: «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل»(1) »(13) ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : «وَلِهَذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَوْتَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْقِيَامُ عَلَى قُبُورِهِمْ مِنْ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ»(8) ، وقال العيني : «ويستفاد من الحديث ثلاث فوائد، الأولى: انتفاع الميت بدعاء الحي خلافاً لمن ينكر ذلك، الثانية: لا بد من السؤال في القبر، الثالثة: وقت السؤال عقيب الدفن»(14) .
2- الدعاء لا يكون دعاءً جماعيًّا كما يفعله بعض الناس من كونهم يُؤَمِّنُون جميعًا على دعاء واحد منهم بل كل يدعو بما فتح اللَّه عليه، وحده، وقال الشيخ العباد: «والمقصود من ذلك: أن كل واحد يدعو بنفسه، لا أن يكون هناك واحد يدعو، ويؤمن الباقون، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: إني سأدعو فأمنوا، وإنما قال: «ادعوا لأخيكم»، ومعنى هذا: أن كل واحد يدعو من قبل نفسه»(15) .
3- إثبات سؤال القبر، وأن الميت يفهم هذه الأسئلة مهما كان جنسه ولغته، وقال العلامة ابن عثيمين : «وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «فإنه الآن يسأل» يعني حين يتم دفنه يسأل، يأتيه ملكان، فيسألانه عن ثلاثة أشياء: مَن ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وهذه الثلاثة هي ثلاثة الأصول التي بنى عليها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب : رسالته المشهورة: ثلاثة الأصول: مَن ربك؟ ما دينك؟ مَن نبيك؟ أما المؤمن فيثبته اللَّه عز وجل بالقول الثابت، فيقول: ربي اللَّه، وديني الإسلام، ونبيي محمد، أسأل اللَّه أن يجعلني وإياكم منهم»(16) .
4- قال الصنعاني : «فيه دلالة على انتفاع الميت باستغفار الحي له، وعليه ورد قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾ (17) ، وقوله: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾(18) ، ونحوهما.
5- رباط الأخوة في اللَّه ممتد في الدنيا وبعد الموت وإلى يوم القيامة بتشفيع أهل الإيمان بعضهم في بعض.
6- لم يأتِ في السنة تحديد مدة زمنية للوقوف عند القبر بعد الدفن من أجل الدعاء، أما ما قاله عمرو بن العاص لأهله أنهم بعد دفنه يمكثوا يدعون له قدر ما تنحر جزور وتقسم لحمها، فهذا اجتهاد منه رضي الله عنه واتباع السنة أولى(19) .
7- قال العلامة الألباني : ويستحب لمن عند القبر أن يحثو من التراب ثلاث حثوات بيده جميعًا بعد الفراغ من سد اللحد؛ لقول أبي هريرة رضي الله عنه: «إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة، ثم أتى الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثًا
»(20) ، وهذا من باب المشاركة في الدفن، وأما ما يفعله بعضهم من قولهم عند الحثية الأولى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ﴾، والثانية: ﴿وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ﴾، والثالثة: ﴿وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾(21) فلا أصل له(22) .
8- «فيسن للإنسان إذا فرغ الناس من دفن الميت أن يقف عنده، ويقول: اللهم اغفر له ثلاث مرات، اللهم ثبته ثلاثاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان غالب أحيانه إذا دعا دعا ثلاثاً، ثم ينصرف، ولا يجلس بعد ذلك، لا للذكر، ولا للقراءة، ولا للاستغفار، هكذا جاءت به السنة، أما ما ذُكِرَ عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه أمر أهله أن يقيموا عنده إذا دفنوه قدر ما تنحر جزور، قال: «لعلِّي أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي»(23) ، يعني الملائكة، فهذا اجتهاد منه رضي الله عنه، وهدي النبي رضي الله عنه أكمل من هدي غيره، ولم يكن النبي رضي الله عنه يقف، أو يجلس عند القبر بعد الدفن قدر ما تنحر الجزور، ويقسم لحمها، ولم يأمر أصحابه بذلك، غاية ما هنالك أنه أمرهم أن يقفوا على القبر، ويستغفروا لصاحبه، ويسألوا له التثبيت فقط، هذا هو السنة، ثم ينصرف الناس»(24) .
9- وأما القراءة عند القبر، فالأصح أنها مكروهة، وأنه يكره للإنسان أن يذهب إلى القبر، ثم يقف، أو يجلس عنده ويقرأ؛ لأن هذا من البدع، وقد قال النبي رضي الله عنه: «كل بدعة ضلالة»(25) ، وأقل أحوالها أن تكون مكروهة، واللَّه الموفق»(26) .
10- هل من السنة أن يقوم أحد الناس بإلقاء موعظة، وخطبة بعد الدفن، والجواب كما قال ابن عثيمين : «لم ينقل ذلك عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وإنما جلس مع أصحابه يحدثهم عما يكون عند الاحتضار، وبعد الموت(27) ، وهو لم يقصد الجلوس للموعظة، وإنما قصد الجلوس حتى ينتهوا من إلحاد القبر، وفرقٌ بين ما يحدث اتفاقًا، وما يحصل قصدًا»(28) ، وكذلك لئلا تتخذ المقابر منابر.
وفي حديثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ، وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، كَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرَ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلاَئِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَر، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عليه السلام، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ، قَالَ: فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، قَالَ: فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلاَ يَمُرُّونَ، يَعْنِي بِهَا، عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ، إِلاَّ قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى، قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الإِسْلاَمُ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَقُولاَنِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ، فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا، وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ، قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي، وَمَالِي، قَالَ: وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلاَئِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَغَضَبٍ، قَالَ: فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلاَ يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ، إِلاَّ قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ ؟ فَيَقُولُونَ: فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ، بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ، فَلاَ يُفْتَحُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾(29) ، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الأَرْضِ السُّفْلَى، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ ، فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾(30) ، فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ، هَاهْ، لاَ أَدْرِي، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ، هَاهْ، لاَ أَدْرِي، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ، هَاهْ، لاَ أَدْرِي، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ، فَافْرُشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا، وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاَعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوؤُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، فَيَقُولُ: رَبِّ لاَ تُقِمِ السَّاعَةَ»(31) .

1 أبو داود، برقم 3221، وصححه الألباني في أحكام الجنائز، ص 156
2 البيهقي، 4/ 56، وصححه الألباني في أحكام الجنائز، ص 156
3 لسان العرب، 11/ 63، مادة (بلل)
4 شرح المشكاة للطيبي: الكاشف عن حقائق السنن، 2/ 597
5 فيض القدير شرح الجامع الصغير، 5/ 192
6 شرح بلوغ المرام، للشيخ عطية محمد سالم، ص 122
7 فيض القدير، 5/ 192
8 مجموع الفتاوى، 1/ 165
9 شرح سنن أبي داود للعيني، 6/ 176
10 المسالك في شرح موطأ مالك، لابن العربي 3/ 519
11 أخرجه الطيالسي، برقم 753، وأحمد، برقم 18534، وأبو داود، برقم 4753، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم 1676
12 شرح رياض الصالحين، شرح الحديث رقم 711
13 المغني، للإمام ابن قدامة المقدسي، 2/ 379
14 شرح أبي داود للعيني، 6/ 179
15 شرح سنن أبي داود للشيخ عبد المحسن العباد، ص 370
16 شرح بلوغ المرام لابن عثيمين، 3/ 301
17 سورة الحشر، الآية: 10
18 سورة محمد، الآية: 9
19 انظر ما قاله ابن عثيمين : في شرح رياض الصالحين، شرح الحديث رقم 947
20 مسلم، كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله، وكذا الهجرة والحج، برقم 121
21 سورة طه، الآية: 55
22 انظر: أحكام الجنائز، ص 193
23 إشارة إلى حديث البراء رضي الله عنه
24 انظر: شرح رياض الصالحين، شرح الحديث رقم 947
25 ابن ماجه، المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء، برقم 42، وصححه العلامة الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 42
26 شرح رياض الصالحين، شرح الحديث رقم 947
27 إشارة إلى حديث البراء رضي الله عنه الآتي
28 أحكام الجنائز ص 49
29 سورة الأعراف، الآية: 40
30 سورة الحج، الآية: 31
31 مسند أحمد، 30/ 499، برقم 18534، وعبد الرزاق، 3/ 580، برقم 6737، وابن أبي شيبة، 3/ 54، برقم 12059، والحاكم في المستدرك، 1/37-38، والبيهقي في إثبات عذاب القبر، ص 50، برقم 44، وفي شعب الإيمان له، 1/ 356، وصححه محققو المسند، 30/ 503، والألباني قي صحيح الترغيب والترهيب، 3/ 219


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Sunday, August 10, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب