1- قوله: «إذا قفل» قال ابن الأثير : «قَفَل يَقْفِلُ: إِذَا عَادَ مِنْ سَفَرِهِ، وقد يقال للسّفر: قُفُول، فِي الذَّهَابِ والمَجِيء، وَأَكْثَرُ مَا يُستعمل فِي الرُّجوع» (3)، وقال الباجي : «إذَا قَفَلَ مِنْ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَوْ عُمْرَةٍ يُرِيدُ يَرْجِعُ إلَى الْمَدِينَةِ مَوْضِعَ اسْتِيطَانِهِ، وَمَقَامِهِ، وَالْقُفُولُ هُوَ الْإِيَابُ وَلَا يُسَمَّى الْمُتَوَجِّهُ مِنْ بَلَدِهِ قَافِلًا، وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِذَلِكَ الرَّاجِعُ إلَيْهِ» (4). 2- قوله: «يكبر على كل شرف ثلاث تكبيرات»: قال الطيبي : «أي: على المكان العالي، ووجه التكبيرات على الأماكن العالية، وهو استحباب الذكر عند تجديد الأحوال، والتقلب في التارات، وكان صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك في الزمان والمكان؛ لأن ذكر اللَّه تعالى ينبغي أن لا ينسى في كل الأحوال» (5)، وقال الحافظ ابن حجر : «ثُمَّ يَقُول لا إِلَه إِلاَّ الله إِلَخ: يَحتَمِل أَنَّهُ كانَ يَأتِي بِهَذا الذِّكر عَقِب التَّكبِير، وهُو عَلَى المَكان المُرتَفِع، ويَحتَمِل أَنَّ التَّكبِير يَختَصّ بِالمَكانِ المُرتَفِع وما بَعده إِن كانَ مُتَّسِعًا أَكمَلَ الذِّكر المَذكُور فِيهِ، وإِلاَّ فَإِذا هَبَطَ سَبَّحَ كَما دَلَّ عَلَيهِ حَدِيث جابِر . ويَحتَمِل أَن يُكمِل الذِّكر مُطلَقًا عَقِب التَّكبِير» (6). 3- قوله: «ثنية»: قال ابن الأثير : «الثَّنِيَّة فِي الجَبل كالعَقَبة فِيهِ، وَقِيلَ هُو الطَّرِيق الْعَالِي فِيهِ، وَقِيلَ أَعْلَى المَسِيل فِي رَأْسِهِ» (7)، وقال الزرقاني : «أي: ارتفع على ثنية بمثلثة فنون فتحتية هي العقبة» (8). 4- قوله: «أو فدفد»: قال ابن الأثير : «الفَدْفَد: الموضِع الَّذِي فِيهِ غِلَظٌ وَارْتِفَاعٌ» (9)، قال الزرقاني : «وفدفد - بفتح الفاءين، بعد كل دال مهملة-: الأشهر أنه المكان المرتفع، وقيل الأرض المستوية، وقيل الفلاة الخالية من شجر وغيره، وقيل غليظ الأودية ذات الحصى» (10). 5- قوله: «ثم يقول: لا إله إلا اللَّه»: قال الباجي : «وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» إظْهَارٌ لِلتَّوْحِيدِ، وَإِعْلَامٌ بِهِ، وَاسْتِدَامَةٌ لِلْإِيمَانِ بِهِ» (4)، وقال الحافظ ابن حجر : «ويَحتَمِل أَن يُكمِل الذِّكر مُطلَقًا عَقِب التَّكبِير ثُمَّ يَأتِي بِالتَّسبِيحِ إِذا هَبَطَ ، قالَ القُرطُبِيّ: وفِي تَعقِيب التَّكبِير بِالتَّهلِيلِ إِشارَة إِلَى أَنَّهُ المُتَفَرِّد بِإِيجادِ جَمِيع المَوجُودات، وأَنَّهُ المَعبُود فِي جَمِيع الأَماكِن» (6)، والمعنى: أن اللَّه عز وجل هو المعبود بحق، يعبده العابد في أي مكان، وفي أي زمان، وهو عز وجل مستوٍ على عرشه استواء يليق بجلاله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾(11). 6- قوله: «وحده لا شريك له»، قال المناوي: «لا إله منفرد إلا هو وحده، لا شريك له عقلاً ونقلاً، ... وهو تأكيد لقوله: «وحده»؛ لأن المتصف بالوحدانية لا شريك له» (12). 7- قَوْلُهُ: «لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ»: قال الباجي : «لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ: تَخْصِيصٌ لَهُ بِالْمُلْكِ، وَالْحَمْدِ... فَجُعِلَ جِنْسُ الْمُلْكِ وَهُوَ جَمِيعُهُ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَا مُلْكَ لِأَحَدٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِلَّا لَهُ، وَجَعَلَ جَمِيعَ الْحَمْدِ لِلَّهِ عز وجل؛ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ عَلَى الْحَقِيقَةِ سِوَاهُ» (13). 8- قوله: «وهو على كل شيء قدير»: قال ابن جرير: «يقول جلّ ثناؤه: وهو على كل شيء ذو قدرة، لا يتعذّر عليه شيء أراده، من إحياء وإماتة، وإعزاز وإذلال، وغير ذلك من الأمور» (14)، وقال الباجي: «وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» إعْلَامٌ أَنَّهُ هُوَ الْقَدِيرُ عَلَى مَا كَانَ يَعِدُهُمْ بِهِ مِنْ نَصْرِ عَبْدِهِ، وَإِظْهَارِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَإِذْكَارٍ لَهُمْ بِمَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ مِنْ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ تَعَالَى، وَإِنَّهُ لَا يُغْلَبُ مَنْ نَصَرَهُ، وَلَا يُنْصَرُ مَنْ حَارَبَهُ» (4). 9- قَوله: «آيِبُونَ»: قال الحافظ ابن حجر : «آيبون: جَمع آيِب أَي: راجِع وزنه ومَعناهُ، وهُو خَبَر مُبتَدَأ مَحذُوف، والتَّقدِير نَحنُ آيِبُونَ، ولَيسَ المُراد الإِخبار بِمَحضِ الرُّجُوع؛ فَإِنَّهُ تَحصِيل الحاصِل، بَل الرُّجُوع فِي حالَة مَخصُوصَة، وهِيَ تَلَبُّسهم بِالعِبادَةِ المَخصُوصَة والاتِّصاف بِالأَوصافِ المَذكُورَة» (6)، وقال ابن عبد البر : «وَمَعْنَى آيِبُونَ: رَاجِعُونَ، وَمَعْنَى تَائِبُونَ: أَيْ: مِنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ عَائِدُونَ، بِمَا افْتَرَضَهُ عَلَيْهِمْ، وَرَضِيَهُ مِنْهُمْ، سَاجِدُونَ لِوَجْهِهِ، لَا لِغَيْرِهِ، حَامِدُونَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ» (15). 10- قوله: «تائبون»: قال الحافظ ابن حجر : «وقَوله: تائِبُونَ فِيهِ إِشارَة إِلَى التَّقصِير فِي العِبادَة، وقالَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى سَبِيل التَّواضُع، أَو تَعلِيماً لأُمَّتِهِ، أَو المُراد أُمَّته كَما تَقَدَّمَ تَقرِيره، وقَد تُستَعمَل التَّوبَة لإِرادَةِ الاستِمرار عَلَى الطّاعَة، فَيَكُون المُراد أَن لا يَقَع مِنهُم ذَنب» (16)، وقال الباجي : وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «آيِبُونَ تَائِبُونَ» يُرِيدُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ آيِبُونَ مِنْ سَفَرِهِمْ، تَائِبُونَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ كُلِّ مَا نَهَى عَنْهُ، عَابِدُونَ لَهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُ، سَاجِدُونَ لَهُ، حَامِدُونَ عَلَى مَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّصْرِ، وَالتَّأْيِيدِ، وَالْحِفْظِ فِي السَّفَرِ، وَالْعَوْنِ عَلَيْهِ، وَالتَّوْفِيقِ لِلصَّوَابِ فِي جَمِيعِهِ» (4). 11- قوله: «ساجدون»: قال الحافظ العراقي : «وقوله: ساجدون بعد قوله: عابدون، من ذكر الخاص بعد العام، وقوله: لربنا يحتمل تعلقه بقوله ساجدون، أي: نسجد له، لا لغيره من الأصنام» (17). 12- قوله: «عابدون»: قال الراغب الأصفهاني : «العبودية: إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها؛ لأنها غاية التذلل، ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال، وهو اللَّه تعالى» (18). 13- قوله: «لربنا حامدون»: حامدون أي: نحمده دون غيره لرؤيتنا النعمة منه إذ هو المنعم بها لا رب سواه» (19)، وقال ابن عبد البر : «حَامِدُونَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ» (20) ، وقال ابن علان : «ففيه مقابلة النعم الإلهية بالخدم على قدر الطاقة، والبداءة بالإياب إلى اللّه تعالى من المخالفة لأنها كالتخلية بالمعجمة، ثم التوجه إلى صالح العمل، ثم حمد اللّه على التوفيق له وتيسيره» (21). 14- قوله: «صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ»: أي: أن هذا ليس فيما وعد به عز وجل من إظهار دينه، قال الباجي : «وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ» يُرِيدُ [و] اللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ الصَّادِقُ فِي وَعْدِهِ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بِنَصْرِهِ، وَتَأْيِيدِهِ، وَعِصْمَتِهِ مِنَ النَّاسِ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَرَسُولَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ يُرِيدُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تَعَالَى الْمُنْفَرِدُ بِإِعْزَازِ دِينِهِ، وَإِهْلَاكِ عَدُوِّهِ، وَغَلَبَةِ الْأَحْزَابِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ وَالْمَوَاطِنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ» (4)، وقال ابن عبد البر : «وَقَوْلُهُ: صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ فِيمَا كَانَ وَعَدَهُ مِنْ ظُهُورِ دِينِهِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ اعْتِرَافٌ بِالنِّعْمَةِ، وَشُكْرٌ لَهَا» (22). 15- قوله: «ونصر عبده»: يريد نفسه صلى الله عليه وسلم (23). 16- قوله: «وهزم الأحزاب وحده»: أي: من فعل أحد من الآدميين، والمراد بالأحزاب هم: كفار قريش، ومن وافقهم، واليهود يوم الخندق، وقيل المراد أعم من ذلك، وبه قال الحافظ ابن حجر (24)، وقال الطيبي : «قوله: «الأحزاب»: وهي الطوائف من الناس، جمع حزب بالكسر، ومنه الحديث ذكر يوم الأحزاب، وهو غزوة الخندق، وحديث الأحزاب مشهور في التفاسير والمغازي...، قوله: «وحده»: أي: كفى اللَّه تعالى المؤمنين يوم الخندق قتال تلك الأحزاب المجتمعة من قبائل شتى، بأن أرسل عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها، فهزمهم» (5)، وقال ابن عبد البر : «وَفِيهِ مِنَ الْخَبَرِ أَنَّ غَزْوَةَ الْخَنْدَقِ وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَحْزَابِ، نَصَرَ اللَّهُ فِيهَا الْمُؤْمِنِينَ بِرِيحٍ، وَجُنُودٍ لَمْ يَرَوْهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا لِآدَمِيٍّ صُنْعٌ; فَلِذَلِكَ قَالَ: وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ» (22).
ما يستفاد من الحديث:
1- قال الباجي : «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ سَفَرٍ، وَإِنَّمَا كَانَتْ السِّفَارَةُ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ: غَزْوٍ، أَوْ حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، فَكَانَ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الْأَرْضِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ، وَمُوَاظَبَةً عَلَى ذِكْرِهِ، وَإِظْهَارًا لِكَلِمَتِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَخُصُّ بِذَلِكَ الشَّرَفَ لِأَنَّ مِنْهُ يَرَى مِن الْأَرْضِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ بَصَرُهُ، فَكَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا يَرَى مِن الْأَرْضِ، مِمَّا فَتَحَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَيَسْتَقْبِلُهُ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّعْظِيمِ؛ وَلِأَنَّ مَا شُرِعَ فِيهِ الْإِعْلَانُ مِنْ الذِّكْرِ، فَالْأَحَقُّ بِهِ مَا عَلَا مِنْ الْأَرْضِ، كَالأذَانِ، وَالتَّلْبِيَةِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إظْهَارًا لِلذِّكْرِ، وَفِي تَخْصِيصِ الْمُطْمَئِنِّ بِهِ مِنْ الْأَرْضِ ضَرْبٌ مِنْ التَّسَتُّرِ» (4). 2- استحباب قول هذا الذكر عند العودة من كل سفر إذا كان هذا السفر سفر طاعة، أو سفرًا مباحًا، أما قول الراوي: كان رسول صلى الله عليه وسلم إذا قفل من غزو، أو حج، أو عمرة، يكبر على كل شرف من الأرض - والشرف هو المكان العالي – ثلاث تكبيرات ثم يقول هذا الدعاء، فقد قال ذلك لانحصار سفر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الثلاث. 3- تذكير النفس بكبرياء اللَّه وعظمته، وهذا يدفع المسلم إلى الإقرار بتوحيد اللَّه، والثناء عليه، وتمام قدرته عز وجل. 4- استغفار النبي صلى الله عليه وسلم دليل على تمام الخشية منه لربه وحتى تتأسى به أمته. 5- استشعار فضل اللَّه على هذه الأمة لما أنعم عليها من نعمة الأمن والإيمان، بعد أن تحقق موعود اللَّه لها بالنصر والتمكين، وأنه متى صدق العبد مع ربه نصره، وأيده ولوكره الكافرون. 6- قال ابن عبد البر : «وفي هذا الحديث الحضُّ على ذكر اللَّه، وشكره للمسافر على أوبته، ورجعته، وشكر اللَّه تبارك وتعالى، والثناء عليه بما هو أهله واجب، وذكر اللَّه حسن على كل حال، والحمد للَّه الكبير المتعال» (25). 7- قال الحافظ بن حجر : «واختُلِفَ فِي المُراد بِالأَحزابِ هُنا فَقِيلَ هُم كُفّار قُرَيش، ومَن وافَقَهُم مِنَ العَرَب، واليَهُود الَّذِينَ تَحَزَّبُوا، أَي: تَجَمَّعُوا فِي غَزوة الخَندَق، ونَزَلَت فِي شَأنهم سُورَة الأَحزاب... وقِيلَ المُراد أَعَمّ مِن ذَلِكَ، وقالَ النَّووِيّ: المَشهُور الأَوَّل، وقِيلَ فِيهِ نَظَر؛ لأَنَّهُ يَتَوقَّف عَلَى أَنَّ هَذا الدُّعاء إِنَّما شُرِعَ مِن بَعد الخَندَق، والجَواب أَنَّ غَزَوات النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الَّتِي خَرَجَ فِيها بِنَفسِهِ مَحصُورَة، والمُطابِق مِنها لِذَلِكَ غَزوة الخَندَق...والأَصل فِي الأَحزاب أَنَّهُ جَمع حِزب، وهُو القِطعَة المُجتَمِعَة مِنَ النّاس...، قالَ القُرطُبِيّ: ويَحتَمِل أَن يَكُون هَذا الخَبَر بِمَعنَى الدُّعاء، أَي: اللَّهُمَّ اهزِم الأَحزاب، والأَوَّل أَظهَر» (26). 8- قال الحافظ العراقي : «فيه استحباب الإتيان بهذا الذكر في القفول من سفر الغزو والحج والعمرة، وهل يختص ذلك بهذه الأسفار، أو يتعدى إلى كل سفر طاعة، كالرباط، وطلب العلم، وصلة الرحم، أو يتعدى إلى السفر المباح أيضاً، كالنزهة، أو يستمر في كل سفر، ولو كان محرماً؟ يحتمل أوجهاً: أحدها: الاختصاص، وذلك لأن هذا ذكر مخصوص، شرع بأثر هذه العبادات المخصوصة، فلا يتعدى إلى غيرها، كالذكر عقب الصلاة من التسبيح، والتحميد، والتكبير على الهيئة المخصوصة؛ فإنه لا يتعدى إلى غيرها من العبادات، كالصيام ونحوه، والأذكار المخصوصة متعبد بها في لفظها، ومحلها، ومكانها، وزمانها. الثاني: أنه يتعدى إلى سائر أسفار الطاعة لكونها في معناها في التقرب بها. الثالث: أنه يتعدى إلى الأسفار المباحة أيضاً، وعلى هذين الاحتمالين، فالتقييد في الحديث إنما هو لكونه لم يكن يسافر بغير المقاصد الثلاثة، فقيده بحسب الواقع، لا لاختصاص الحكم به. الرابع: تعديه إلى الأسفار المحرمة؛ لأن مرتكب الحرام أحوج إلى الذكر من غيره؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات، وكلام النووي محتمل؛ فإنه قال في تبويبه في شرح مسلم ما يقول إذا رجع من سفر الحج وغيره، مما هو مذكور في الحديث، وهو العمرة، والغزو، وقد يريد غيره مطلقاً... فمثل بطلب العلم، وهو من الطاعات، وبالتجارة وهي من المباحات، ولم يمثل المحرم، لكنه مندرج في إطلاقه» (27).
تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة , وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .