Ya hayyu ya qayyoom, birahmatika astagheeth, aslih lee sha/nee kullah, wala takilnee ila nafsee tarfata AAayn. ‘O Ever Living, O Self-Subsisting and Supporter of all, by Your mercy I seek assistance, rectify for me all of my affairs and do not leave me to myself, even for the blink of an eye.
(1) الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 1/545، وانظر: صحيح الترغيب والترهيب، 1/273 .
شرح معنى يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني
لفظ الحديث الذي ورد فيه:
303- عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه، قالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ رضي الله عنها: «مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ، أَنْ تَقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ، وَإِذَا أَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ، يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ» (1) . 304- ولفظ الحاكم عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ: «مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ أَنْ تَقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ، وَإِذَا أَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ، يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِيَ شَأْنِي كُلَّهُ، وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرَفَةَ عَيْنٍ» (2) . 305- ولفظ البخاري في الأدب المفرد عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ رضي الله عنه: يَا أَبَتِ، إِنِّي أَسْمَعُكَ تَدْعُو كُلَّ غَدَاةٍ: اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، تُعِيدُهَا ثَلاَثًا حِينَ تُمْسِي، وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلاَثًا، وَتَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، تُعِيدُهَا ثَلاَثًا حِينَ تُمْسِي، وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلاَثًا، فَقَالَ: نَعَمْ، يَا بُنَيَّ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ بِهِنَّ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لا إِلَهَ أَلا أَنْت» (3) .
شرح مفردات الحديث:
1- قوله: «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ»، قال الإمام ابن قيم الجوزية : «يا حي يا قيوم، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ» فِي دَفْعِ هَذَا الدَّاءِ مُنَاسَبَةٌ بَدِيعَةٌ، فَإِنَّ صِفَةَ الْحَيَاةِ مُتَضَمِّنَةٌ لِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، مُسْتَلْزِمَةٌ لَهَا، وَصِفَةُ الْقَيُّومِيَّةِ مُتَضَمِّنَةٌ لِجَمِيعِ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ، وَلِهَذَا كَانَ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى: هُوَ اسْمُ الْحَيِّ الْقَيُّومِ، وَالْحَيَاةُ التَّامَّةُ تُضَادُّ جَمِيعَ الْأَسْقَامِ وَالْآلَامِ، وَلِهَذَا لَمَّا كَمُلَتْ حَيَاةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَمْ يَلْحَقْهُمْ هَمٌّ وَلَا غَمٌّ، وَلَا حَزَنٌ وَلَا شَيْءٌ مِنَ الْآفَاتِ، وَنُقْصَانُ الْحَيَاةِ تَضُرُّ بِالْأَفْعَالِ، وَتُنَافِي الْقَيُّومِيَّةَ، فَكَمَالُ الْقَيُّومِيَّةِ لِكَمَالِ الْحَيَاةِ، فَالْحَيُّ الْمُطْلَقُ التَّامُّ الْحَيَاةِ لَا تَفُوتُهُ صِفَةُ الْكَمَالِ الْبَتَّةَ، وَالْقَيُّومُ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فِعْلٌ مُمْكِنٌ الْبَتَّةَ، فَالتَّوَسُّلُ بِصِفَةِ الْحَيَاةِ الْقَيُّومِيَّةِ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي إِزَالَةِ مَا يُضَادُّ الْحَيَاةَ، وَيَضُرُّ بِالْأَفْعَالِ» (4) . 2- قوله: «يا حي» أي: يا من له الحياة الكاملة التي لا تكون لغيره، والتي لا يعتريها موت، ولا نعاس، ولا نوم، ولا مرض، وهذه الحياة التامة مستلزمة للقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، وغير ذلك من صفات الكمال، والعظمة. وقال الإمام ابن القيم : «فإن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال ولا يتخلف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة فإذا كانت حياته تعالى أكمل حياة وأتمها استلزم إثباتها إثبات كل كمال يضاد نفي كمال الحياة وبهذا الطريق العقلي أثبت متكلمو أهل الإثبات له تعالى: صفة السمع، والبصر، والعلم، والإرادة، والقدرة، والكلام، وسائر صفات الكمال» (5) . وقال العلامة ابن أبي العز الحنفي : «أَشَارَ إِلَى مَا تَقَعُ بِهِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، بِمَا يَتَّصِفُ بِهِ تَعَالَى دُونَ خَلْقِهِ, فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْحَيَاةِ الْبَاقِيَةِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ تَعَالَى، دُونَ خَلْقِهِ، فَإِنَّهُمْ يَمُوتُونَ, وَمِنْهُ: أَنَّهُ قَيُّومٌ لا ينام، إذ هو مختص بِعَدَمِ النَّوْمِ وَالسِّنَةِ، دُونَ خَلْقِهِ، فَإِنَّهُمْ يَنَامُونَ, وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ نَفْيَ التَّشْبِيهِ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ نَفْيَ الصِّفَاتِ، بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، لِكَمَالِ ذَاتِهِ, فَالْحَيُّ بِحَيَاةٍ بَاقِيَةٍ لَا يُشْبِهُ الْحَيَّ بِحَيَاةٍ زَائِلَةٍ، وَلِهَذَا كَانَتِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعًا وَلَهْوًا وَلَعِبًا, وَأَنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ، فَالْحَيَاةُ الدُّنْيَا كَالْمَنَامِ، وَالْحَيَاةُ الْآخِرَةُ كَالْيَقَظَةِ، وَلَا يُقَالُ: فَهَذِهِ الْحَيَاةُ الْآخِرَةُ كَامِلَةٌ، وَهِيَ لِلْمَخْلُوقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْحَيُّ الَّذِي الْحَيَاةُ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ اللَّازِمَةِ لَهَا، هُوَ الَّذِي وَهَبَ الْمَخْلُوقَ تِلْكَ الْحَيَاةَ الدَّائِمَةَ، فَهِيَ دَائِمَةٌ بِإِدَامَةِ اللَّهِ لَهَا، لَا أن الدوام وصف لزم لَهَا لِذَاتِهَا، بِخِلَافِ حَيَاةِ الرَّبِّ تَعَالَى, وَكَذَلِكَ سَائِرُ صِفَاتِهِ، فَصِفَاتُ الْخَالِقِ كَمَا يَلِيقُ بِهِ، وَصِفَاتُ الْمَخْلُوقِ كَمَا يَلِيقُ بِهِ» (6) . وقال الشنقيطي : «ونحن نقطع بأن لله جل وعلا صفة حياة حقيقية لائقة بكماله وجلاله، كما أن للمخلوقين حياة مناسبة لحالهم، وعجزهم، وفنائهم، وافتقارهم، وبين صفة الخالق والمخلوق من المخالفة كمثل ما بين ذات الخالق والمخلوق. وذلك بون شاسع بين الخالق وخلقه» (7) . 3- قوله: «يا قيوم» أي: يا من أنت قائم بتدبير الملكوت كله: علويه، وسفليه من غير تعب، ولا نصب، فأنت منزه عن كل نقص وسوء (8) . قال ابن الأثير : «قيوم: القيوم: القائم الدائم، ووزنه فيعول من القيام، وهو من أبنية المبالغة» (9) ، وقال ابن منظور : «قَيُّوم: وَهِيَ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ، وَمَعْنَاهَا القَيّام بأُمور الْخَلْقِ وَتَدْبِيرِ الْعَالَمِ فِي جَمِيعِ أَحواله، وأَصلها مِنَ الْوَاوِ قَيْوامٌ وقَيْوَمٌ وقَيْوُومٌ، بِوَزْنِ فَيْعالٍ وفَيْعَلٍ وفَيْعُول. والقَيُّومُ: مِنْ أَسماء اللَّهِ الْمَعْدُودَةِ، وَهُوَ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ مُطْلَقًا لَا بِغَيْرِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَقُومُ بِهِ كُلُّ مَوْجُودٍ حَتَّى لَا يُتَصوَّر وُجُودُ شَيْءٍ وَلَا دَوَامُ وَجُودِهِ إِلَّا بِهِ» (10) ، وقال الإمام ابن القيم : «وأما القيوم فهو متضمن كمال غناه، وكمال قدرته؛ فإنه القائم بنفسه لا يحتاج إلى من يقيمه بوجه من الوجوه وهذا من كمال غناه بنفسه عما سواه، وهو المقيم لغيره فلا قيام لغيره إلا بإقامته وهذا من كمال قدرته وعزته فانتظم هذان الإسمان صفات الكمال والغنى التام والقدرة التامة» (5) . 4- قوله: «برحمتك»: الرحمة هنا هي صفة لله تعالى وهي متعلق الاستغاثة؛ لأنه يستغاث باللَّه أو بصفة من صفاته، وهي تليق بجلاله عز وجل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر وأهمه قال: «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث» (11) ، قال الصنعاني : «شقّ عليه، وأهمّه شأنه قال: «يا حي، يا قيوم»: هما على أكثر الأقوال الاسم الأعظم» (12) . 5- قوله: «برحمتك أستغيث» أي: ألجأ إليك أن ترحمني وأتشبث بأسباب ذلك بتحقيق العبودية، والاستعانة بك وحدك، قال الصنعاني : «بصفة الرحمة أطلب الاستغاثة، ولمّا كانت حياة القلب في خلوصه عما سوى اللَّه تعالى، وكان الكرب ينافي ذلك، توسل باسمه الحي إلى إزالة ما يضاد حياة قلبه، وبالقيوم إلى إقامته على نهج الفلاح» (12) . 6- قوله: «أصلح لي شأني كله»: أي: في أمور الحياة والبرزخ والقيامة، قال الإمام ابن قيم الجوزية : «والتوفيق إرادة اللَّه من نفسه أن يفعل بعبده ما يصلح به العبد، بأن يجعله قادراً على فعل ما يرضيه، مريداً له، محباً له، مؤثراً له على غيره، ويُبَغِّضُ إليه ما يسخطه، ويُكرِّهه إليه، وهذا مجرد فعله، والعبد محل له، قال اللَّه تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾سورة الحجرات، الآيتان: 7- 8 ، فهو سبحانه عليم بمن يصلح لهذا الفضل، ومن لا يصلح له، حكيم يضعه في مواضعه، وعند أهله، لا يمنعه أهله، ولا يضعه عند غير أهله، وذكر هذا عُقيب قوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾، ثم جاء به بحرف الاستدراك فقال: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ﴾سورة الحجرات، الآية: 7 ، يقول سبحانه: لم تكن محبتكم للإيمان، وإرادته، وتزيينه في قلوبكم: منكم، ولكن اللَّه هو الذي جعله في قلوبكم كذلك، فآثرتموه، ورضيتموه؛ فكذلك لا تقدموا بين يدي اللَّه ورسوله، ولا تقولوا حتى يقول، ولا تفعلوا حتى يأمر، فالذي حبَّبَ إليكم الإيمان أعلم بمصالح عباده وما يصلحهم منكم، وأنتم فلولا توفيقه لكم لما أذعنت نفوسكم للإيمان، فلم يكن الإيمان بمشورتكم، وتوفيق أنفسكم، ولا تقدّمتم به عليها، فنفوسكم تقصر وتعجز عن ذلك، ولا تبلغه، فلو أطاعكم رسولي في كثير مما تريدون لشق عليكم ذلك ولهلكتم، وفسدت مصالحكم وأنتم لا تشعرون، ولا تظنوا أن نفوسكم تريد لكم الرشد والصلاح، كما أردتم الإيمان، فلولا أني حبَّبته إليكم، وزيَّنته في قلوبكم، وكرَّهت إليكم ضدّه، لما وقع منكم، ولا سمحت به أنفسكم» (13) . 7- قوله: «لا تكلني إلى نفسي»: لا تتخلى عني، وتتركني، فأزل، وأشقى، وأصل وكل ألجأ، قال ابن الأثير : «ووَكَلْتُ أَمْرِي إِلَى فُلَانٍ: أَيْ ألْجأته إِلَيْهِ، واعتَمَدْتُ فِيهِ عَلَيْهِ، ووَكَّلَ فلانٌ فُلَانًا، إِذَا اسْتكْفاه أمرَه ثِقَةً بكفايَتِه، أَوْ عَجْزاً عَنِ القِيام بِأَمْرِ نفسِه، وَمِنْهُ حَدِيثُ الدُّعَاءِ: «لَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ فأهْلِكَ» (14) ، وقال الحافظ ابن حجر :«قَوله: وُكِلت إِلَيها» بِضَمِّ الواو وكَسر الكاف مُخَفَّفًا ومُشَدَّدًا وسُكُون اللاَّم ، ومَعنَى المُخَفَّف أَي صُرِفَ إِلَيها، ومَن وُكِلَ إِلَى نَفسه هَلَكَ، ومِنهُ فِي الدُّعاء: «ولا تَكِلنِي إِلَى نَفسِي»، ووكَلَ أَمره إِلَى فُلان صَرَفَهُ إِلَيهِ؛ ووكَّلَهُ بِالتَّشدِيدِ استَحفَظَهُ» (15) . 8- قوله: «طرفة عين»: أي لحظة، ولمحة، والمراد من ذلك دوام الحفظ، قال القاري: «طرفة عين: أي لحظة ولمحة؛ فإنها أعدى لي من جميع أعدائي، وأنها عاجزة لا تقدر على قضاء حوائجي، قال الطيبي: الفاء في فلا تكلني مرتب على قوله: رحمتك أرجو، فقدم المفعول ليفيد الاختصاص والرحمة عامة، فيلزم تفويض الأمور كلها إلى اللَّه، كأنه قيل: فإذا فوضت أمري إليك، فلا تكلني إلى نفسي؛ لأني لا أدري ما صلاح أمري، وما فساده، وربما زاولت أمراً، واعتقدت أن فيه صلاح أمري، فانقلب فساداً، وبالعكس، ولما فرغ عن خاصة نفسه، وأراد أن ينفي تفويض أمره إلى الغير، ويثبته للَّه، قال: وأصلح لي شأني، أي: أمري كله، تأكيد لإفادة العموم» (16) .
ما يستفاد من الحديث:
1- شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في شخص ابنته فاطمةحيث علمها ما فيه الفوز، والصلاح. 2- التبرؤ من حول الإنسان، وطوله إلى حول اللَّه، وقوته؛ لأن اللَّه إذا تخلى عن عبده طرفة عين، كان ذلك من أعظم أسباب الخذلان. 3- الاستغاثة لا تكون إلا باللَّه وحده، فلا يستغاث بغيره عز وجل من رسول مرسل، أو ملك مقرب، فضلًا عن ولي، أو عبد صالح، أو غير ذلك أحياءً كانوا أم مقبورين، إلاّ الاستغاثة بالحي الحاضر القادر فيما يقدر عليه؛ لقول اللَّه تعالى في شأن موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾سورة القصص، الآية: 15 . 4- إثبات صفة الرحمة للَّه عز وجل، وأن هذه الرحمة قد وسعت كل شيء فما من مخلوق إلا وقد وصلت إليه، قال اللَّه تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾سورة الأعراف، الآية: 156 . 5- رحمة اللَّه عامة، وخاصة، أما العامة، فهي لجميع خلقه، ولولا ذلك ما قامت لهم قائمة، فهو يطعمهم، ويسقيهم، ويكسوهم: مؤمنهم، وكافرهم، والخاصة، فهي لأهل الإيمان، فهي مستمرة معهم حتى يدخلهم جنته, ومن أدلة الرحمة العامة قوله: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا﴾سورة غافر، الآية: 7 ، فكل ما بلغه علمه – وقد بلغ كل شيء – بلغته رحمته، ومن أدلة الرحمة الخاصة قوله عز وجل: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾سورة الأحزاب، الآية: 43 . 6- قال رجل لأبي رجاء العطاردي : (17) : أسأل اللَّه أن يجمع بيني وبينك في مستقر رحمته! فقال أبو رجاء: وهل يستطيع أحد ذلك؟ قال: فما مستقر رحمته؟ قال: الجنة، فقال أبو رجاء: لم تُصِبْ، قال الرجل: فما مستقر رحمته؟ قال أبو رجاء: «رب العالمين» (18) . 7- قال الألباني : وهذا الأثر يدل على فضله، وعلمه، ودقة ملاحظته؛ فإن الجنة لا يمكن أن تكون مستقر رحمته تعالى؛ لأنها (19) صفة من صفاته، بخلاف الجنة، فإنها خلق من خلق اللَّه، وإن كان استقرار المؤمنين فيها، إنما هو برحمة اللَّه، كما قال تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾سورة آل عمران، الآية: 107 ، يعني الجنة (20) . 8- وقد بوب البخاري في كتابه الأدب المفرد (21) هذا الأثر تحت باب قال فيه: باب: من كره أن يقال: اللَّهم اجعلني في مستقر رحمتك.
1
النسائي في الكبرى، برقم 10405، وغيره، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم 542
2
أخرجه الحاكم وصححه، 1/545، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/273
3
أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ص 244، برقم 701، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم 542
تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة , وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .