تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 32 من سورة النساء - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾
[ سورة النساء: 32]

معنى و تفسير الآية 32 من سورة النساء : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم


ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره من الأمور الممكنة وغير الممكنة.
فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء، ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال تمنيا مجردا لأن هذا هو الحسد بعينه، تمني نعمة الله على غيرك أن تكون لك ويسلب إياها.
ولأنه يقتضي السخط على قدر الله والإخلاد إلى الكسل والأماني الباطلة التي لا يقترن بها عمل ولا كسب.
وإنما المحمود أمران: أن يسعى العبد على حسب قدرته بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية، ويسأل الله تعالى من فضله، فلا يتكل على نفسه ولا على غير ربه.
ولهذا قال تعالى: { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا }- أي: من أعمالهم المنتجة للمطلوب.
{ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ } فكل منهم لا يناله غير ما كسبه وتعب فيه.
{ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ }- أي: من جميع مصالحكم في الدين والدنيا.
فهذا كمال العبد وعنوان سعادته لا من يترك العمل، أو يتكل على نفسه غير مفتقر لربه، أو يجمع بين الأمرين فإن هذا مخذول خاسر.
وقوله: { إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } فيعطي من يعلمه أهلا لذلك، ويمنع من يعلمه غير مستحق.

تفسير البغوي : مضمون الآية 32 من سورة النساء


قوله تعالى : ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ) الآية ، قال مجاهد : قالت أم سلمة : يا رسول الله إن الرجال يغزون ولا نغزو ولهم ضعف ما لنا من الميراث ، فلو كنا رجالا غزونا كما غزوا وأخذنا من الميراث مثل ما أخذوا .
فنزلت هذه الآية .
وقيل: لما جعل الله عز وجل للذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث ، قالت النساء : نحن أحق وأحوج إلى الزيادة من الرجال ، لأنا ضعفاء وهم أقوى وأقدر على طلب المعاش ، فأنزل الله تعالى : ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض )وقال قتادة والسدي لما نزل قوله : ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) قال الرجال إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء كما فضلنا عليهن في الميراث فقال الله تعالى : ( للرجال نصيب مما اكتسبوا ) من الأجر ( وللنساء نصيب مما اكتسبن )معناه : أن الرجال والنساء في الأجر في الآخرة سواء ، وذلك أن الحسنة تكون بعشر أمثالها يستوي فيها الرجال والنساء ، وإن فضل الرجال في الدنيا على النساء .
وقيل: معناه للرجال نصيب مما اكتسبوا من أمر الجهاد وللنساء نصيب مما اكتسبن من طاعة الأزواج وحفظ الفروج ، يعني إن كان للرجال فضل الجهاد فللنساء فضل طاعة الأزواج وحفظ الفروج .
قوله تعالى : ( واسألوا الله من فضله ) قرأ ابن كثير والكسائي وسلوا ، وسل ، وفسل إذا كان قبل السين واو أو فاء بغير همز ، ونقل حركة الهمزة إلى السين ، والباقون بسكون السين مهموزا .
فنهى الله تعالى عن التمني لما فيه من دواعي الحسد ، والحسد أن يتمنى زوال النعمة عن صاحبه ويتمناها لنفسه ، وهو حرام ، والغبطة أن يتمنى لنفسه مثل ما لصاحبه وهو جائز .
قال الكلبي : لا يتمنى الرجل مال أخيه ولا امرأته ولا خادمه ، ولكن ليقل اللهم ارزقني مثله ، وهو كذلك في التوراة كذلك في القرآن .
قوله : ( واسألوا الله من فضله ) قال ابن عباس : واسألوا الله من فضله : أي : من رزقه ، قال سعيد بن جبير : من عبادته ، فهو سؤال التوفيق للعبادة ، قال سفيان بن عيينة : لم يأمر بالمسألة إلا ليعطي .
( إن الله كان بكل شيء عليما ) .

التفسير الوسيط : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم


روى المفسرون في سبب نزول الآية الأولى روايات منها ما رواه الإمام أحمد والترمذي عن مجاهد قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث فأنزل الله-تبارك وتعالى- وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ.
وقال قتادة: كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان، فلما ورثوا وجعل للذكر مثل حظ الأنثيين تمنى النساء أن لو جعل أنصباؤهن كأنصباء الرجال.
وقال الرجال: إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فنزلت وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ.
والتمني المنهي عنه هنا: هو الذي يتضمن معنى الطمع فيما في يد الغير، والحسد له على ما أعطاه الله من مال أو جاه أو غير ذلك مما يجرى فيه التنافس بين الناس وذلك لأن التمني بهذه الصورة يؤدى إلى شقاء النفس، وفساد الخلق والدين، ولأنه أشبه ما يكون بالاعتراض على قسمة الخالق العليم الخبير بأحوال خلقه وبشئون عباده.
ولا يدخل في التمني المنهي عنه ما يسميه العلماء بالغبطة، وهي أن يتمنى الرجل أن يكون له مثل ما عند غيره من خير دون أن ينقص شيء مما عند ذلك الغير.
قال صاحب الكشاف: قوله وَلا تَتَمَنَّوْا نهوا عن التحاسد وعن تمنى ما فضل الله به بعض الناس على بعض من الجاه والمال، لأن ذلك التفضيل قسمة من الله صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد، وبما يصلح المقسوم له من بسط في الرزق أو قبض وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ.
فعلى كل أحد أن يرضى بما قسم الله له، علما بأن ما قسم له هو مصلحته، ولو كان خلافه لكان مفسدة له، ولا يحسد أخاه على حظه» .
وقوله-تبارك وتعالى- لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ تعليل للنهى السابق.
أى لكل من فريقى الرجال والنساء حظ مقدر مما اكتسبوه من أعمال، ونصيب معين فيما ورثوه أو أصابوه من أموال، وإذا كان الأمر كذلك فلا يليق بعاقل أن يتمنى خلاف ما قسم الله له من رزق، بل عليه أن يرضى بما قسم الله له.
فالله-تبارك وتعالى- هو الذي قدر أرزاق الرجال والنساء على حسب ما تقتضيه حكمته وعلمه، وهو الذي كلف كل فريق منهم بواجبات وأعمال تليق باستعداده وتكوينه.
وقوله وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ عطف على النهى.
فكأنه قيل: لا تتمنوا ولا تتطلعوا إلى ما في أيدى غيركم، ولا تحسدوه على ما رزقه الله، بل اجعلوا اتجاهكم إلى الله وحده، والتمسوا منه ما تشاءون من نعمه الجليلة، ومن حظوظ الدنيا والآخرة، فهو القائل ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
وحذف المفعول من الجملة الكريمة لإفادة العموم.
أى: واسألوا الله ما شئتم من إحسانه الزائد، وإنعامه المتكاثر حتى تطمئن نفوسكم، ويبتعد عنها الطمع والقلق والألم.
قال ابن كثير: قوله وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ أى لا تتمنوا ما فضلنا به بعضكم على بعض فإن التمني لا يجدي شيئا، ولكن سلوني من فضلي أعطكم فإنى كريم وهاب.
روى أبو نعيم وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل، وإن أحب عباد الله إلى الله للذي يحب الفرج» .
ثم ختم- سبحانه - الآية الكريمة بقوله: إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً أى إن الله-تبارك وتعالى- كان وما زال عليما بكل شيء من شئون هذا الكون، وقد وزع- سبحانه - أرزاقه ومواهبه على عباده بمقتضى علمه وحكمته، فجعل فيهم الغنى والفقير، فيحتاج بعضهم إلى بعض، وليتبادلوا المنافع التي لا غنى لهم عنها، وكلف كل فريق منهم بما يتناسب مع تكوينه واستعداده صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ.

تفسير ابن كثير : شرح الآية 32 من سورة النساء


قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، يغزو الرجال ولا نغزو ، ولنا نصف الميراث . فأنزل الله عز وجل : { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض }
ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن أم سلمة أنها قالت : قلت : يا رسول الله . . . فذكره ، وقال : غريب ورواه بعضهم عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، أن أم سلمة قالت . . .
ورواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير وابن مردويه ، والحاكم في مستدركه ، من حديث الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، لا نقاتل فنستشهد ، ولا نقطع الميراث! فنزلت : { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن } ثم نزلت : { أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى } [ آل عمران : 195 ] .
ثم قال ابن أبي حاتم : وكذا روى سفيان بن عيينة ، يعني عن ابن أبي نجيح بهذا اللفظ . وروى يحيى القطان ووكيع بن الجراح ، عن الثوري ، وعن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن أم سلمة قالت : قلت : يا رسول الله . . . وروي عن مقاتل بن حيان وخصيف نحو ذلك .
وروى ابن جرير من حديث ابن جريج ، عن عكرمة ومجاهد أنهما قالا أنزلت في أم سلمة .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن شيخ من أهل مكة قال : نزلت هذه الآية في قول النساء : ليتنا الرجال فنجاهد كما يجاهدون ونغزو في سبيل الله عز وجل .
وقال ابن أبي حاتم أيضا : حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية ، حدثني أحمد بن عبد الرحمن ، حدثني أبي ، حدثنا الأشعث بن إسحاق ، عن جعفر - يعني ابن أبي المغيرة - عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في ] قوله [ { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن } قال : أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا نبي الله ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، وشهادة امرأتين برجل ، فنحن في العمل هكذا ، إن عملت امرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة . فأنزل الله هذه الآية : { ولا تتمنوا } فإنه عدل مني ، وأنا صنعته .
وقال السدي : قوله : في الآية { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } فإن الرجال قالوا : نريد أن يكون لنا من الأجر الضعف على أجر النساء ، كما لنا في السهام سهمان . وقالت النساء : نريد أن يكون لنا أجر مثل أجر الرجال الشهداء ، فإنا لا نستطيع أن نقاتل ، ولو كتب علينا القتال لقاتلنا فأبى الله ذلك ، ولكن قال لهم : سلوني من فضلي قال : ليس بعرض الدنيا .
وقد روي عن قتادة نحو ذلك . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : قوله : { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } قال ولا يتمنى الرجل فيقول : " ليت لو أن لي مال فلان وأهله! " فنهى الله عن ذلك ، ولكن يسأل الله من فضله .
وكذا قال محمد بن سيرين والحسن والضحاك وعطاء نحو ذلك وهو الظاهر من الآية ولا يرد على هذا ما ثبت في الصحيح : " لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ، فيقول رجل : لو أن لي مثل ما لفلان لعملت مثله . فهما في الأجر سواء " فإن هذا شيء غير ما نهت الآية عنه ، وذلك أن الحديث حض على تمني مثل نعمة هذا ، والآية نهت عن تمني عين نعمة هذا ، فقال : { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } أي: في الأمور الدنيوية ، وكذا الدينية أيضا لحديث أم سلمة ، وابن عباس . وهكذا قال عطاء بن أبي رباح : نزلت في النهي عن تمني ما لفلان ، وفي تمني النساء أن يكن رجالا فيغزون . رواه ابن جرير .
ثم قال : { للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن } أي: كل له جزاء على عمله بحسبه ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر . وهو قول ابن جرير .
وقيل : المراد بذلك في الميراث ، أي: كل يرث بحسبه . رواه الترمذي عن ابن عباس :
ثم أرشدهم إلى ما يصلحهم فقال : { واسألوا الله من فضله }
] أي [ لا تتمنوا ما فضل به بعضكم على بعض ، فإن هذا أمر محتوم ، والتمني لا يجدي شيئا ، ولكن سلوني من فضلي أعطكم; فإني كريم وهاب .
وقد روى الترمذي ، وابن مردويه من حديث حماد بن واقد : سمعت إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سلوا الله من فضله; فإن الله يحب أن يسأل وإن أفضل العبادة انتظار الفرج " .
ثم قال الترمذي : كذا رواه حماد بن واقد ، وليس بالحافظ ، ورواه أبو نعيم ، عن إسرائيل ، عن حكيم بن جبير ، عن رجل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح
وكذا رواه ابن مردويه من حديث وكيع ، عن إسرائيل . ثم رواه من حديث قيس بن الربيع ، عن حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله : " سلوا الله من فضله ، فإن الله يحب أن يسأل ، وإن أحب عباده إليه الذي يحب الفرج " .
ثم قال : { إن الله كان بكل شيء عليما } أي: هو عليم بمن يستحق الدنيا فيعطيه منها ، وبمن يستحق الفقر فيفقره ، وعليم بمن يستحق الآخرة فيقيضه لأعمالها ، وبمن يستحق الخذلان فيخذله عن تعاطي الخير وأسبابه; ولهذا قال : { إن الله كان بكل شيء عليما }

تفسير الطبري : معنى الآية 32 من سورة النساء


القول في تأويل قوله : وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولا تشتهوا ما فضل الله به بعضكم على بعض.
( 102 )* * *وذكر أن ذلك نزل في نساءٍ تمنين منازلَ الرجال، وأن يكون لهم ما لهم، فنهى الله عباده عن الأماني الباطلة، وأمرهم أن يسألوه من فضله، إذ كانت الأمانيّ تورِث أهلها الحسد والبغي بغير الحق.
( 103 )* * *ذكر الأخبار بما ذكرنا:9236 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل، قال حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله، لا نعطَي الميراث، ولا نغزو في سبيل الله فنُقتل؟ فنزلت: " ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض ".
( 104 )9237 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله: تغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث! فنزلت: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ، ونزلت: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ [ سورة الأحزاب: 35 ].
9238 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " ولا تتمنَّوا ما فضل الله به بعضكم على بعض "، يقول: لا يتمنى الرجل يقول: " ليت أنّ لي مالَ فلان وأهلَه "! فنهى الله سبحانه عن ذلك، ولكن ليسأل الله من فضله.
9239 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض "، قال: قول النساء: " ليتنا رجالا فنغزو ونبلُغ ما يبلغ الرجال "! ( 105 )9240 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض "، قولُ النساء يتمنين: " ليتنا رجال فنغزو "! ثم ذكر مثل حديث محمد بن عمرو.
9241 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قالت أم سلمة: أيْ رسول الله، أتغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصفُ الميراث؟ فنزلت: " ولا تتمنوا ما فضل الله ".
( 106 )9242 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن شيخ من أهل مكة قوله: " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض "، قال: كان النساء يقلن: " ليتنا رجال فنجاهد كما يجاهد الرجال، ونغزو في سبيل الله "! فقال الله: " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ".
9243 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن قال: تتمنى مالَ فلان ومال فلان! وما يدريك؟ لعل هلاكَه في ذلك المال!9244 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة ومجاهد: أنهما قالا نزلت في أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة.
( 107 )9245 - وبه قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء قال: هو الإنسان، يقول: " وددت أن لي مال فلان "! قال: وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ، وقول النساء: " ليت أنا رجالا فنغزو ونبلغ ما يبلغ الرجال "! ( 108 )* * *وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا يتمنَّ بعضكم ما خصّ الله بعضًا من منازل الفضل.
*ذكر من قال ذلك:9246 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض "، فإن الرجال قالوا: " نريد أن يكون لنا من الأجر الضعفُ على أجر النساء، كما لنا في السهام سهمان، فنريد أن يكون لنا في الأجر أجران ".
وقالت النساء: " نريد أن يكون لنا أجرٌ مثل أجر الرجال، فإنا لا نستطيع أن نقاتل، ولو كتب علينا القتال لقاتلنا "! فأنزل الله تعالى الآية، وقال لهم: سلوا الله من فضله، يرزقكم الأعمال، وهو خير لكم.
9247 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن محمد قال: نُهيتم عن الأمانيّ، ودُللتم على ما هو خير منه: وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ .
9248 - حدثني المثنى قال، حدثنا عارم قال، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب قال: كان محمد إذا سمع الرجل يتمنى في الدنيا قال: قد نهاكم الله عن هذا: " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض "، ودلكم على خير منه: وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ .
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام على هذا التأويل: ولا تتمنوا، أيها الرجال والنساء، الذي فضل الله به بعضكم على بعض من منازل الفضل ودرجات الخير، وليرض أحدكم بما قسم الله له من نصيب، ولكن سَلُوا الله من فضله.
* * *القول في تأويل قوله : لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى ذلك: للرجال نصيب مما اكتسبوا، من الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية =" وللنساء نصيب " من ذلك مثل ذلك.
*ذكر من قال ذلك:9249 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ، كان أهل الجاهلية لا يورَّثون المرأة شيئًا ولا الصبيَّ شيئًا، وإنما يجعلون الميراث لمن يَحْترف وينفع ويدفع.
( 109 ) فلما نَجَزَ للمرأة نصيبها وللصبيّ نصيبه، ( 110 ) وجَعل للذكر مثل حظّ الأنثيين، قال النساء: " لو كان جعل أنصباءَنا في الميراث كأنصباء الرجال "! وقال الرجال: " إنا لنرجو أن نفضَّل على النساء بحسناتنا في الآخرة، كما فضلنا عليهن في الميراث "! فأنزل الله: " للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن "، يقول: المرأة تُجزى بحسنتها عشر أمثالها، كما يُجْزى الرجل، قال الله تعالى: وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ .
9250 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال، حدثني أبو ليلى قال، سمعت أبا حريز يقول: لما نزل: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ، قالت النساء: كذلك عليهم نصيبان من الذنوب، كما لهم نصيبان من الميراث! فأنزل الله: " للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن "، يعني الذنوب = وَاسْأَلُوا اللَّهَ ، يا معشر النساء = مِنْ فَضْلِهِ .
( 111 )* * *وقال آخرون: بل معنى ذلك: للرجال نصيب مما اكتسبوا من ميراث موتاهم، وللنساء نصيب منهم.
*ذكر من قال ذلك:9251 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن "، يعني: ما ترك الوالدان والأقربون: يقول: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ .
9252 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن أبي إسحاق، عن عكرمة أو غيره في قوله: " للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن "، قال: في الميراث، كانوا لا يورِّثون النساء.
* * *قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية، قول من قال: معناه: للرجال نصيب من ثواب الله وعقابه مما اكتسبوا فعملوه من خير أو شر، وللنساء نصيب مما اكتسبن من ذلك كما للرجال.
وإنما قلنا إن ذلك أولى بتأويل الآية من قول من قال: " تأويله: للرجال نصيب من الميراث، وللنساء نصيب منه "، لأن الله جل ثناؤه أخبر أن لكل فريق من الرجال والنساء نصيبًا مما اكتسب.
وليس الميراث مما اكتسبه الوارث، وإنما هو مال أورثه الله عن ميّته بغير اكتساب، وإنما " الكسب " العمل، و " المكتسب ": المحترف.
( 112 ) فغير جائز أن يكون معنى الآية = وقد قال الله: " للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ": للرجال نصيبٌ مما ورِثوا، وللنساء نصيب مما ورثن.
لأن ذلك لو كان كذلك لقيل: " للرجال نصيب مما لم يكتسبوا، وللنساء نصيب مما لم يكتسبن "!!* * *القول في تأويل قوله : وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: واسألوا الله من عونه وتوفيقه للعمل بما يرضيه عنكم من طاعته.
ففضله في هذا الموضع: توفيقه ومعونته كما:- ( 113 )9253 - حدثنا محمد بن مسلم الرازي قال، حدثنا أبو جعفر النفيلي قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن أشعث ، عن سعيد: " واسألوا الله من فضله "، قال: العبادة، ليست من أمر الدنيا.
9254 - حدثنا محمد بن مسلم قال، حدثني أبو جعفر قال، حدثنا موسى، عن ليث قال: " فضله "، العبادة، ليسَ من أمر الدنيا.
( 114 )9255 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هشام، عن ليث، عن مجاهد في قوله: " واسألوا الله من فضله "، قال: ليس بعرض الدنيا.
9256 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " واسألوا الله من فضله "، يرزقكم الأعمال، وهو خير لكم.
9257 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي قال، حدثنا إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن رجل لم يسمه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا الله من فضله، فإنه يحب أن يسأل، وإنّ من أفضل العبادة انتظار الفَرَج.
( 115 )* * *القول في تأويل قوله : إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ( 32 )قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: إنّ الله كان بما يصلح عباده - فيما قسم لهم من خير، ورفع بعضهم فوق بعض في الدين والدنيا، وبغير ذلك من قضائه وأحكامه فيهم =" عليما "، يقول: ذا علم.
فلا تتمنوا ( 116 ) غير الذي قضى لكم، ولكن عليكم بطاعته، والتسليم لأمره، والرضى بقضائه، ومسألته من فضله.
-
الهوامش :( 102 ) انظر تفسير" التمني " فيما سلف 2: 366.
( 103 ) ولكن هذا باب من القول والتشهي ، قد لج فيه أهل هذا الزمان ، وخلطوا في فهمه خلطًا لا خلاص منه إلا بصدق النية ، وبالفهم الصحيح لطبيعة هذا البشر ، وبالفصل بين ما هو أمان باطلة لا أصل لها من ضرورة ، وبالخروج من ربقة التقليد للأمم الغالبة ، وبالتحرر من أسر الاجتماع الفاسد الذي يضطرب بالأمم اليوم اضطرابًا شديدًا.
ولكن أهل ملتنا ، هداهم الله وأصلح شئونهم ، قد انساقوا في طريق الضلالة ، وخلطوا بين ما هو إصلاح لما فسد من أمورهم بالهمة والعقل والحكمة ، وبين ما هو إفساد في صورة إصلاح.
وقد غلا القوم وكثرت داعيتهم من ذوي الأحقاد ، الذين قاموا على صحافة زمانهم ، حتى تبلبلت الألسنة ، ومرجت العقول ، وانزلق كثير من الناس مع هؤلاء الدعاة ، حتى صرنا نجد من أهل العلم ، ممن ينتسب إلى الدين ، من يقول في ذلك مقالة يبرأ منها كل ذي دين.
وفرق بين أن تحيي أمة رجالا ونساء حياة صحيحة سليمة من الآفات والعاهات والجهالات ، وبين أن تسقط الأمة كل حاجز بين الرجال والنساء ، ويصبح الأمر كله أمر أمان باطلة ، تورث أهلها الحسد والبغي بغير الحق ، كما قال أبو جعفر لله دره ، ولله بلاؤه.
فاللهم اهدنا سواء السبيل ، في زمان خانت الألسنة فيه عقولها! وليحذر الذين يخالفون عن أمر الله ، وعن قضائه فيهم ، أن تصيبهم قارعة تذهب بما بقي من آثارهم في هذه الأرض ، كما ذهبت بالذين من قبلهم.
( 104 ) الحديث: 9236 - سفيان في هذا الإسناد: يجوز أن يكون الثوري ، وأن يكون ابن عيينة.
فمؤمل يروي عنهما ، وكلاهما روى هذا الحديث: الثوري في الرواية عقب هذه: 9237 ، وابن عيينة في الرواية: 9241.
وسيأتي تخريج الحديث في: 9241.
( 105 ) في المطبوعة: " ليتنا رجال " بالرفع ، وهو الوجه السائر ، أما المخطوطة ، فقد كتب" رجالا " ، وضبطها بالقلم ضبطًا ، ولذلك أثبتها كما هي في المخطوطة ، و" ليت " تنصب الاسم وترفع الخبر ، وبعض النحويين ينصب الاسمين جميعًا ، وأنشدوا:يا لَيْتَ أَيَامَ الصَّبَا رَوَاجِعَاوحكى بعض النحويين: أن بعض العرب يستعمل" ليت " ، بمنزلة" وجدت " ، فيعديها إلى مفعولين ، ويجريها مجرى الأفعال ، فيقول: " ليت زيدًا شاخصًا ".
فرواية الخبر بالنصب ، صواب كما ترى ، لا معنى لتغييره.
ولا يحمل هذا على الخطأ من الناسخ ، فالظاهر أن أبا جعفر أتى بالخبر التالي وفيه: " ليتنا رجال " ، لينبه على هذه الرواية بالنصب.
وانظر ص 264 ، تعليق: 1.
( 106 ) الحديث: 9241- هو في تفسير عبد الرزاق ، ص: 41 ( مخطوط مصور ) ، بهذا الإسناد.
وقد سبق بإسنادين آخرين: 9236 ، 9237.
ورواه أحمد في المسند 6: 322 ( حلبي ) ، عن سفيان ، وهو ابن عيينة ، بهذا الإسناد.
ورواه الترمذي 4: 88 ، عن ابن أبي عمر ، عن سفيان.
وفيه: " عن مجاهد ، عن أم سلمة: أنها قالت: يغزو الرجال. ..
"
، إلخ.
ورواه الحاكم 2: 305-306 ، من طريق قبيصة بن عقبة ، عن سفيان - وهو الثوري - عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: " عن أم سلمة: أنها قالت. ..
"
.
ورواه الواحدي في أسباب النزول ، ص 110 ، من طريق قتيبة ، عن ابن عيينة - كرواية عبد الرازق هنا ، وأحمد في المسند.
فاختلفت صيغة الرواية عن مجاهد.
ففي بعضها: " عن مجاهد ، قال: قالت أم سلمة ".
وفي بعضها: " عن مجاهد عن أم سلمة: أنها قالت ".
فالصيغة الأولى ظاهرها الإرسال ، لأن معناها أن مجاهدًا يحكي من قبل نفسه ما قالته أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون مرسلا ، لأنه لم يدرك ذلك.
والصيغة الثانية ظاهرها الاتصال ، لأن معناها أن مجاهدًا يذكر هذا رواية عن أم سلمة.
ثم يختلفون أيضًا في وصله دون حجة.
فقد قال الترمذي - بعد روايته" عن مجاهد عن أم سلمة "-: " هذا حديث مرسل.
ورواه بعضهم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، مرسلا: أن أم سلمة قالت كذا وكذا "
.
وقال الحالكم - بعد روايته" عن مجاهد عن أم سلمة "-: " هذا حديث على شرط الشيخين ، إن كان سمع مجاهد من أم سلمة ".
ووافقه الذهبي على تصحيحه ، وأعرض عن تعليله فلم يشر إليه.
وعندي - بما أرى من السياق والقرائن - أن الروايتين بمعنى واحد ، وإنما هو اختلا ، في اللفظ من تصرف الرواة.
وكلها بمعنى" مجاهد عن أم سلمة ".
فقد ثبت اللفظان من رواية ابن عيينة.
وكذا قد ثبتا في رواية الثوري ، هنا في: 9237 ، وفي رواية الحاكم.
وقد نقل ابن كثير 2: 428 ، عن ابن أبي حاتم أنه قال: " وروى يحيى القطان ووكيع بن الجراح ، عن الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن أم سلمة ، قالت: قلت: يا رسول الله ".
وأما حكم الترمذي في روايته من طريق ابن عيينة -بأنه حديث مرسل ، فإنه جزم بلا دليل.
ومجاهد أدرك أم سلمة يقينًا وعاصرها ، فإنه ولد سنة 21 ، وأم سلمة ماتت بعد سنة 60 على اليقين.
والمعاصرة - من الراوي الثقة - تحمل على الاتصال ، إلا أن يكون الراوي مدلسًا.
ولم يزعم أحد أن مجاهدًا مدلس ، إلا كلمة قالها القطب الحلبي في شرح البخاري ، حكاها عنه الحافظ في التهذيب 10: 44 ، ثم عقب عليها بقوله: " ولم أر من نسبه إلى التدليس ".
وقال الحافظ أيضًا في الفتح 6: 194 ، ردًا على من زعم أن مجاهدًا لم يسمع من عبد الله بن عمرو - : " لكن سماع مجاهد بن عبد الله من عمرو ثابت ، وليس بمدلس ".
فثبت عندنا اتصال الحديث وصحته.
والحمد لله.
والحديث ذكره ابن كثير 2: 428 ، من رواية المسند ، ثم أشار إلى روايات الترمذي ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن جرير ، والحاكم.
وذكره السيوطي 2: 149 ، وزاد نسبته لعبد بن حميد ، وسعيد بن منصور ، وابن المنذر.
( 107 ) الأثر: 9244 - ابن كثير 2: 429 ، والدر المنثور 2: 149 ، ولم ينسبه لغير ابن جرير.
( 108 ) في المطبوعة: " ليتنا رجال فنغزو " ، على الوجه السائر ، ولكني أثبت ما في المخطوطة ، ولم أغيره ، وهو صواب عند النحاة ، فإنهم يقولون: إن من بعض لغات العرب أن تنصب" أن " الاسم والخبر جميعًا ، قال بذلك أبو عبيد القاسم بن سلام والفراء وابن السيد وابن الطراوة.
واستشهدوا بقول الشاعر إذَا الْتَفَّ جِنْحُ اللَّيْلِ، فَلْتَأْتِ، وَلْتَكُنْخُطَاكَ خِفَافًا إنَّ حُرَّاسَنَا أُسْدَاوانظر التعليق السالف ص: 261 ، تعليق: 2.
( 109 ) احترف لعياله ، وحرف لعياله: سعى لهم في الكسب وطلب الرزق.
( 110 ) في المطبوعة والمخطوطة والدر المنثور 2: 149" لحق " ، واللام في المخطوطة مائلة.
فرأيت أن" لحق " هنا لا معنى لها ، ولم أجدها من قبل في كلام معناه كمعنى هذا الكلام ، واجتهدت قراءتها ، ورجحت أنها" نجز ".
يقال: " نجز حاجته ": إذا قضاها وعجلها ، كأنه قال: فلما عجل للمرأة نصيبها وقضاه.
( 111 ) الأثر: 9250 -" عبد الرحمن بن أبي حماد " انظر ما سلف عنه برقم: 3109 ، 4077 ، 6691 ، 8431 ، ورواية المثنى عنه.
و" أبو ليلى " هو: " عبد الله بن ميسرة الكوفي " ، ويكنى" أبا إسحاق " ، وقد سلفت ترجمته برقم: 6920.
و" أبو حريز " هو: " عبد الله بن الحسين الأزدي " قاضي سجستان.
قال ابن حبان في الثقات: " صدوق " ، وقال ابن أبي عدي: " عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد ".
وقال سعيد بن أبي مريم: " كان صاحب قياس ، وليس في الحديث شيء ".
مترجم في التهذيب.
وكان في المطبوعة: " أبو جرير " ، وهو خطأ ، والمخطوطة غير منقوطة.
( 112 ) انظر تفسير" الكسب " و" الاكتساب " فيما سلف 2: 273 ، 274 / 3: 100 ، 101 ، 128 ، 129 / 4: 449 / 6: 131 ، 295 / 7: 327 ، 364.
( 113 ) انظر تفسير: " الفضل " فيما سلف 2: 344 / 5: 164 ، 571 / 6: 516 / 7: 299 ، 414.
( 114 ) الأثران: 9253 ، 9254-" محمد بن مسلم الرازي " ، هو المعروف بابن واره ، واسمه" محمد بن مسلم بن عثمان بن عبد الله " ، الحافظ ، كان أحد المتقنين الأمناء ، قالوا: كان ابن مسلم شيئًا عجبًا.
وكان أبو زرعة الرازي لا يقوم لأحد ، ولا يجلس أحدًا في مكانه إلا ابن واره.
وكان ابن واره فيه بأو شديد وعجب.
مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 79 ، وتاريخ بغداد 3: 256.
و" أبو جعفر النفيلي " ، هو: " عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل القضاعي " ، روى له الأئمة.
كان حافظًا ، وكان الإمام أحمد إذا رآه يعظمه.
مترجم في التهذيب.
( 115 ) الأثر: 9257 -" حكيم بن جبير الأسدي " ، تكلموا فيه ، قال أحمد: " ضعيف الحديث مضطرب " ، وقال أبو حاتم: " ضعيف الحديث ، منكر الحديث ، له رأي غير محمود ، نسأل الله السلامة ، غال في التشيع ".
وهذا الأثر رواه الترمذي في كتاب الدعوات: 514 من طريق: بشر بن معاذ العقدي ، عن حماد بن واقد ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، ثم قال الترمذي: " هكذا روى حماد بن واقد هذا الحديث ، وحماد بن واقد ليس بالحافظ.
وروى أبو نعيم هذا الحديث عن إسرائيل ، عن حكيم بن جبير ، عن رجل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح "
.
وقال ابن كثير في تفسيره 2: 430 ، ونقل ما قاله الترمذي: " وكذا رواه ابن مردويه من حديث وكيع عن إسرائيل.
ثم رواه من حديث قيس بن الربيع ، عن حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا الله من فضله ، فإن الله يحب أن يسأل ، وإن أحب عباد الله إلى الله الذي يحب الفرج "
.
( 116 ) في المخطوطة والمطبوعة: " ولا تتمنوا " ، والجيد ما أثبت.

ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما

سورة : النساء - الأية : ( 32 )  - الجزء : ( 5 )  -  الصفحة: ( 83 ) - عدد الأيات : ( 176 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير
  2. تفسير: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد
  3. تفسير: أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد
  4. تفسير: قال لمن حوله ألا تستمعون
  5. تفسير: وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم
  6. تفسير: ويدخلهم الجنة عرفها لهم
  7. تفسير: ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير
  8. تفسير: والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون
  9. تفسير: وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم
  10. تفسير: ولقد أرسلنا فيهم منذرين

تحميل سورة النساء mp3 :

سورة النساء mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة النساء

سورة النساء بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة النساء بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة النساء بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة النساء بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة النساء بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة النساء بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة النساء بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة النساء بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة النساء بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة النساء بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب