تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : قال رب اجعل لي آية قال آيتك ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 41 من سورةآل عمران - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾
[ سورة آل عمران: 41]

معنى و تفسير الآية 41 من سورة آل عمران : قال رب اجعل لي آية قال آيتك .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : قال رب اجعل لي آية قال آيتك


رب اجعل لي آية أي: علامة على وجود الولد قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا أي: ينحبس لسانك عن كلامهم من غير آفة ولا سوء، فلا تقدر إلا على الإشارة والرمز، وهذا آية عظيمة أن لا تقدر على الكلام، وفيه مناسبة عجيبة، وهي أنه كما يمنع نفوذ الأسباب مع وجودها، فإنه يوجدها بدون أسبابها ليدل ذلك أن الأسباب كلها مندرجة في قضائه وقدره، فامتنع من الكلام ثلاثة أيام، وأمره الله أن يشكره ويكثر من ذكره بالعشي والإبكار، حتى إذا خرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيًّا أي: أول النهار وآخره.

تفسير البغوي : مضمون الآية 41 من سورة آل عمران


قوله تعالى ( قال رب اجعل لي آية ) أي علامة أعلم بها وقت حمل امرأتي فأزيد في العبادة شكرا لك ( قال آيتك ألا تكلم الناس ) تكف عن الكلام ( ثلاثة أيام ) وتقبل بكليتك على عبادتي ، لا أنه حبس لسانه عن الكلام ، ولكنه نهي عن الكلام وهو صحيح سوي ، كما قال في سورة مريم الآية 10 ( ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ) يدل عليه قوله تعالى : ( وسبح بالعشي والإبكار ) فأمره بالذكر ونهاه عن كلام الناس .
وقال أكثر المفسرين : عقل لسانه عن الكلام مع الناس ثلاثة أيام ، وقال قتادة : أمسك لسانه عن الكلام عقوبة له لسؤاله الآية بعد مشافهة الملائكة إياه فلم يقدر على الكلام ثلاثة أيام ، وقوله ( إلا رمزا ) أي إشارة ، والإشارة قد تكون باللسان وبالعين وباليد ، وكانت إشارته بالإصبع المسبحة ، وقال الفراء : قد يكون الرمز باللسان من غير أن يبين ، وهو الصوت الخفي أشبه الهمس ، وقال عطاء : أراد به صوم ثلاثة أيام لأنهم كانوا إذا صاموا لم يتكلموا إلا رمزا ( واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار ) قيل: المراد بالتسبيح الصلاة ، والعشي ما بين زوال الشمس إلى غروب الشمس ومنه سمي صلاة الظهر والعصر صلاتي العشي ، والإبكار ما بين صلاة الفجر إلى الضحى .

التفسير الوسيط : قال رب اجعل لي آية قال آيتك


ثم حكى القرآن أن زكريا- لشدة لهفته على تحقق البشارة- سأل ربه أن يجعل له علامة تكون دليلا على تحقيق الحمل عند زوجته فقال- تعالى: قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً.
أى قال زكريا مناجيا ربه: يا رب إنى أسألك أن تجعل لي آيَةً أى: علامة تدلني على حصول الحمل عند زوجتي: لأبادر إلى القيام بشكر هذه النعمة شكرا جزيلا ولأقوم بحقها حق القيام.
وقد أجابه- سبحانه - إلى طلبه فقال: قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً.
أى قال الله-تبارك وتعالى- لعبده زكريا: آيتك أى علامتك ألا تقدر على كلام الناس من غير آفة في لسانك لمدة ثلاثة أيام إلا رَمْزاً أى إلا عن طريق الإيحاء والإشارة.
وأصل الرمز الحركة.
يقال ارتمز أى تحرك، ومنه قيل للبحر الراموز وفعله من باب نصر وضرب.
ثم أطلق الرمز على الإيماء بالشفتين أو بالحاجبين وعلى الإشارة باليدين وهو المراد هنا.
قال صاحب الكشاف: قال الله-تبارك وتعالى- لزكريا آيتك ألا تقدر على تكليم الناس ثلاثة أيام: وإنما خص تكليم الناس ليعلمه أنه يحبس لسانه عن القدرة على تكليمهم خاصة مع إبقاء قدرته على التكلم بذكر الله.
ولذلك قال: وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ يعنى في أيام عجزك عن تكليم الناس وهي من الآيات الباهرة، فإن قلت: لم حبس لسانه عن كلام الناس؟ قلت: ليخلص المدة لذكر الله لا يشغل لسانه بغيره، توفرا منه على قضاء حق تلك النعمة الجسيمة وشكرها الذي طلب الآية من أجله، كأنه لما طلب الآية من أجل الشكر قيل له: آيتك أن يحبس لسانك إلا عن الشكر.
وأحسن الجواب وأوقعه ما كان مشتقا من السؤال ومنتزعا منه إِلَّا رَمْزاً أى: إلا إشارة بيد أو رأس أو غيرهما .
وعلى رأى صاحب الكشاف يكون احتباس لسان زكريا عن كلام الناس اضطراريا وليس عن اختيار منه.
ويمكن أن يقال.
إن المراد بقوله-تبارك وتعالى- قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً.. أن زكريا- عليه السّلام- عند ما طلب آية يعرف بها أن زوجته قد حملت بهذا الغلام الذي بشره الله به، أخبره- سبحانه - أن العلامة على ذلك أن يوفق إلى خلوص نفسه من شواغل الدنيا حتى أنه ليجد نفسه متجها اتجاها كليا إلى ذكر الله وتمجيده وتسبيحه، دون أن يكون عنده أى دافع إلى كلام الناس أو مخالطتهم مع قدرته على ذلك، وعلى هذا يكون انصراف زكريا- عليه السّلام- عن كلام الناس اختياريا وليس اضطراريا كما يرى صاحب الكشاف.
ثم أمره الله-تبارك وتعالى- بالإكثار من ذكره وتسبيحه فقال: وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ.
وبِالْعَشِيِّ جمع عشية وقيل: هو واحد وذلك من حين تزول الشمس إلى أن تغيب، وأما الْإِبْكارِ فمصدر أبكر يبكر إذا خرج للأمر في أول النهار.. ومنه الباكورة لأول الثمرة.
والمراد به هنا الوقت الذي يكون من طلوع الفجر إلى الضحى.
أى عليك أن تكثر من ذكر الله-تبارك وتعالى- ومن تسبيحه في أول النهار وفي آخره وفي كل وقت لا سيما في تلك الأيام الثلاثة شكرا الله-تبارك وتعالى- على ما أعطاك من نعم جليلة لا تحصى، فقد وهبك الذرية بعد أن بلغت من الكبر عتيا، وجعل هذا المولود من أنبياء الله الذين اصطفاهم لتبليغ رسالته.
وفي هذا الأمر الإلهى لزكريا حصن لكل عاقل على الإكثار من ذكر الله من تسبيحه وتمجيده لأن ذكر الله به تطمئن القلوب.
وتسكن النفوس وتغسل الخطايا والذنوب ويكفى للدلالة على فضل الذكر أن الله-تبارك وتعالى- أمر به حتى في حالة الحرب فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
وبذلك تكون الآيات الكريمة قد ساقت لنا جانبا من قصة زكريا- عليه السّلام- فيه الكثير من العبر والعظات لقوم يعقلون.
وبعد أن بين- سبحانه - ما يدل على مظاهر قدرته في ولادة يحيى- عليه السّلام- حيث وهبه لوالديه بعد أن بلغا مبلغا كبيرا من العمر يستبعد معه في العادة الإنجاب.. بعد أن بين كل ذلك ساق قصة أخرى أدل على قدرة الله ونفاذ إرادته من قصة ولادة يحيى، وهذه القصة هي قصة ولادة عيسى- عليه السّلام- من غير أب.
وقد مهد القرآن لولادة عيسى ببيان أن الله-تبارك وتعالى- قد اصطفى أمه مريم وطهرها من كل فاحشة، وفضلها على نساء زمانها، وصانها من كل ما يخدش المروءة والشرف.
استمع إلى القرآن الكريم وهو يحكى ذلك بأسلوبه البليغ الحكيم فيقول:

تفسير ابن كثير : شرح الآية 41 من سورة آل عمران


( قال رب اجعل لي آية ) أي : علامة أستدل بها على وجود الولد مني ( قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ) أي : إشارة لا تستطيع النطق ، مع أنك سوي صحيح ، كما في قوله : ( ثلاث ليال سويا ) [ مريم : 10 ] ثم أمر بكثرة الذكر والشكر والتسبيح في هذه الحال ، فقال : ( واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار ) وسيأتي طرف آخر في بسط هذا المقام في أول سورة مريم ، إن شاء الله تعالى .

تفسير الطبري : معنى الآية 41 من سورة آل عمران


القول في تأويل قوله : قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةًقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه، خبرًا عن زكريا، قال زكريا: ربّ إن كان هذا النداء الذي نُوديتُه، والصوتُ الذي سمعته، صوتَ ملائكتك وبشارةً منك لي، فاجعل لي آية = يقول: علامةً = أن ذلك كذلك، ليزول عنِّي ما قد وسوس إليّ الشيطان فألقاه في قلبي، من أنّ ذلك صوتُ غير الملائكة، وبشارةٌ من عند غيرك، كما:-7004 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: " رب اجعل لي آية "، قال: قال - يعني زكريا -: يا ربّ، فإن كان هذا الصوت منكَ، فاجعل لي آيةً.
* * *وقد دللنا فيما مضى على معنى " الآية "، وأنها العلامة، بما أغنى عن إعادته.
(54)* * *وقد اختلف أهل العربية في سبب ترك العرب همْزها، ومن شأنها همزُ كل " ياء " جاءت بعد " ألف " ساكنة.
فقال بعضهم: ترك همزها، لأنها كانت " أيَّة "، فثقُل عليهم التشديد، فأبدلوه " ألفًا " لانفتاح ما قبل التشديد كما قالوا: " أيْما فلانٌ فأخزاه الله ".
(55)* * *وقال آخرون منهم: بل هي" فاعلة " منقوصة.
فسئلوا فقيل لهم: فما بال العرب تصغرها " أيَيَّة "، ولم يقولوا " أوَيَّة ".
(56) فقالوا: قيل ذلك، كما قيل في" فاطمة "،" هذه فُطيمة ".
فقيل لهم: فإنهم إنما يصغرون " فاعلة "، على " فعيلة "، إذا كان اسمًا في معنى فلان وفلانة، فأما في غير ذلك فليس من تصغيرهم " فاعلة " على " فعيلة ".
(57)* * *وقال آخرون: إنه " فَعْلة " صيرت ياؤها الأولى " ألفا "، كما فعل ب" حاجة، وقامة ".
فقيل لهم: إنما تفعل العرب ذلك في أولاد الثلاثة.
(58)وقال من أنكر ذلك من قِيلهم: لو كان كما قالوا: لقيل في" نواة " ناية، وفي" حَياة " حَاية.
(59)* * *القول في تأويل قوله : قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًاقال أبو جعفر: فعاقبه الله - فيما ذكر لنا - بمسألته الآية، بعد مشافهة الملائكة إياه بالبشارة، فجعل آيته = على تحقيق ما سمع من البشارة من الملائكة بيحيى أنه من عند الله = (60) آية من نفسه، جمعَ تعالى ذكره بها العلامة التي سألها ربَّه على ما يبيِّن له حقيقة البشارة أنها من عند الله، وتمحيصًا له من هفوته، وخطإ قِيله ومسألته.
* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:7005 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناسَ ثلاثةَ أيام إلا رمزًا "، إنما عوقب بذلك، لأن الملائكة شافهته مشافهة بذلك، فبشَّرته بيحيى، فسأل الآية بعد كلام الملائكة إياه.
فأخِذَ عليه بلسانه، فجعل لا يقدر على الكلام إلا ما أومأ وأشار، فقال الله تعالى ذكره، كما تسمعون: "آيتك ألا تكلم الناس ثلاثةَ أيام إلا رمزًا ".
7006 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا ، قال: شافهته الملائكة، فقال: " رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا "، يقول: إلا إيماءً، وكانت عقوبةً عُوقب بها، إذ سأل الآيةَ مع مشافهة الملائكة إياه بما بشرته به.
7007 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه، عن الربيع في قوله: " رب اجعل لي آية، قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا "، قال: ذكر لنا، والله أعلم، أنه عوقب، لأن الملائكة شافهته مشافهة، فبشرته بيحيى، فسأل الآية بعدُ، فأخِذَ بلسانه.
7008 - حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: ذكر لنا، والله أعلم، أنه عوقب، لأن الملائكة شافهته فبشرته بيحيى، قالت: أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ، فسأل بعد كلام الملائكة إياه الآية، فأخِذ عليه لسانه، فجعل لا يقدر على الكلام إلا رمزًا - يقول: يومئ إيماءً.
7009 - حدثني أبو عبيد الوَصّابي قال، حدثنا محمد بن حمير قال، حدثنا صفوان بن عمرو، عن جُبير بن نُفير في قوله: " قال رب اجعل لي آيةً قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا "، قال: ربَا لسانه في فيه حتى ملأه، ثم أطلقه الله بعد ثلاثٍ.
(61)* * *قال أبو جعفر: وإنما اختارت القرأةُ النصبَ في قوله: " ألا تكلم الناس "، لأن معنى الكلام: قال آيتك أن لا تكلمَ الناسَ فيما يستقبلُ ثَلاثة أيام = فكانت " أن " هي التي تصحب الاستقبال، دون التي تصحب الأسماء فتنصبها.
ولو كان المعنى فيه: آيتك أنك لا تكلم الناس ثلاثة أيام = أي: أنك على هذه الحال ثلاثة أيام = كان وجه الكلام الرفع.
لأن " أن " كانت تكون حينئذ بمعنى الثقيلة خففت.
ولكن لم يكن ذلك جائزًا، لما وصفت من أن ذلك بالمعنى الآخر.
* * *وأما " الرّمز "، فإنّ الأغلب من معانيه عند العرب: الإيماءُ بالشفتين، وقد يستعمل في الإيماء بالحاجبين والعينين أحيانًا، وذلك غير كثير فيهم.
وقد يقال للخفي من الكلام الذي هو مثلُ الهمس بخفض الصّوت: " الرمز "، ومنه قول جُؤيّة بن عائذ: (62)وَكَانَ تَكَلُّمُ الأبْطَالِ رَمْزًاوَهَمْهَمَةً لَهُمْ مِثْلَ الهَدِيرِ (63)يقال منه: " رَمز فلان فهو يَرْمِزُ ويرمُز رَمزًا = ويترمَّزُ ترمُّزًا "، ويقال: " ضربه ضربةً فارتمز منها "، أي اضطرب للموت، قال الشاعر: (64)خَرَرْتُ مِنْهَا لِقِفَايَ أَرْتَمِزْ (65)* * *وقد اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عنى الله عز وجل به في إخباره عن زكريا من قوله: "آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا "، وأيّ معاني" الرمز " عني بذلك؟فقال بعضهم: عني بذلك: آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا تحريكًا بالشفتين، من غير أن ترمز بلسانك الكلام.
ذكر من قال ذلك:7010 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح، عن النضر بن عربي، عن مجاهد في قوله: " إلا رمزًا "، قال: تحريك الشفتين.
7011 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " ثلاثة أيام إلا رمزًا "، قال: إيماؤه بشفتيه.
7012 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
* * *وقال آخرون: بل عنى الله بذلك: الإيماء والإشارة.
ذكر من قال ذلك:7013 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك: " إلا رمزًا "، قال: الإشارة.
7014 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " إلا رمزًا "، قال: الرمز أن يشير بيده أو رأسه، ولا يتكلم.
7015 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " إلا رمزًا "، قال: الرمزُ: أنْ أخِذ بلسانه، فجعل يكلم الناس بيده.
7016 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " إلا رمزًا "، قال: والرمز الإشارة.
7017- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا "، الآية، قال: جعل آيته أن لا يكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا، إلا أنه يذكر الله.
والرّمز: الإشارة، يشير إليهم.
7018 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: " إلا رمزًا "، إلا إيماءً.
7019 - حدثنا عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.
7020 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " إلا رمزًا "، يقول: إشارة.
7021 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عبد الله بن كثير: " إلا رمزًا "، إلا إشارة.
7022 - حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد، عن الحسن في قوله: " قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا "، قال: أمسكَ بلسانه، فجعل يومئ بيده إلى قومه: أنْ سبِّحوا بُكرة وعشيًّا.
* * *القول في تأويل قوله : وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ (41)قال أبو جعفر: يعني بذلك: قال الله جل ثناؤه لزكريا: يا زكريا، آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا ، بغير خرس ولا عاهة ولا مرض، =" واذكر ربك كثيرًا "، فإنك لا تمنع ذكرَه، ولا يحالُ بينك وبين تسبيحه وغير ذلك من ذكره، (66) وقد:-7023 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب قال: لو كان الله رخص لأحد في ترك الذكر، لرخَّص لزكريا حيث قال: "آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا واذكر ربك كثيرًا "، أيضًا.
* * *وأما قوله: " وسبح بالعشي"، فإنه يعني: عَظِّم ربك بعبادته بالعشي.
* * *و " العَشيّ" من حين تزُول الشمس إلى أن تغيب، كما قال الشاعر: (67)فَلا الظِّلَّ مِنْ بَرْدِ الضُّحَى تَسْتَطِيعَهُ,وَ لا الفَيْءَ مِنْ بَرْدِ العَشِيِّ تَذُوقُ (68)فالفيء، إنما تبتدئ أوْبته عند زوال الشمس، وَيتناهى بمغيبها.
* * *وأما " الإبكار " فإنه مصدر من قول القائل: " أبكر فلان في حاجة فهو يُبْكِر إبكارًا "، وذلك إذا خرج فيها من بين مطلع الفجر إلى وقت الضُّحى، فذلك " إبكار ".
يقال فيه: " أبكر فلان " و " بكر يَبكُر بُكورًا ".
فمن " الإبكار "، قول عمر بن أبي ربيعة:أَمِنْ آلِ نُعَمٍ أَنْتَ غَادٍ فَمُبْكِرُ (69)ومن " البكور " قول جرير:أَلا بَكَرَتْ سَلْمَى فَجَدَّ بُكُورُهَاوَشَقَّ العَصَا بَعْدَ اجْتِمَاعٍ أَمِيرُهَا (70)ويقال من ذلك: " بكر النخلُ يَبْكُر بُكورًا = وأبكر يُبكر إبكارًا "، (71) و " الباكور " من الفواكه: أوّلها إدراكًا.
* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:7024 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وسبِّح بالعشيّ والإبكار "، قال: الإبكار أوّل الفجر، والعشيّ مَيْل الشمس حتى تغيب.
(72)7025 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
---------------------الهوامش :(54) انظر ما سلف 1: 106 ، ثم انظر فهرس اللغة مادة (أيى) في الأجزاء السالفة.
(55) "أيما" ، بمعنى "أما" مشددة الميم.
(56) في المطبوعة والمخطوطة: "أويية" ، والصواب ما أثبت بتشديد الياء.
(57) قائل ذلك ، هو الكسائي وأصحابه.
وسائلوه: هم الفراء وأصحابه.
انظر لسان العرب مادة (أيا).
(58) أولاد الثلاثة: يعني الاسم الثلاثي.
(59) انظر تفصيل ما سلف ، وبعضه بنصه في لسان العرب 18: 66 ، وهذه الردود كلها للفراء ، كما يظهر من نص اللسان ، وكأن في نص الطبري بعض الاضطراب ، فإن قوله: "فقيل لهم: إنما يفعل العرب ذلك في أولاد الثلاثة" ، إنما هو رد على قول من زعم إنها"فاعلة" منقوصة ، مثل حاجة وقامة ، وأن أصلها حائجة وقائمة.
وأخشى أن يكون الناسخ قد أسقط ، أو قدم شيئًا ، فاضطرب الكلام.
(60) في المطبوعة: "على تخصيص ما سمع.
.
.
" ، وهو فاسد لا معنى له ، وأوقعه في ذلك أن كاتب المخطوطة كتب أولا تخصيص" ثم عاد فطمس الصاد الأولى ، ووضع عليها نقطتي القاف ، ثم ركب على حوض الصاد (ص) دائرة القاف ، فلم يستطع الناشر الأول أن يقرأ ذلك إلا على الوجه الذي هرب منه الناسخ!!وسياق هذه العبارة"فجعل آيته.
.
.
آية من نفسه" وتلك الآية: أنه حبس لسانه فلم يكلم الناس إلا كما أمر ، رمزًا.
(61) الأثر: 7009-"أبو عبيد الوصابي" هو: "محمد بن حفص" ، مضى في التعليق على رقم: 129 ، 6780 ، وكان في المطبوعة: "الرصافي" ، وفي المخطوطة"الوصافي" ، وكلاهما خطأ.
و"محمد بن حمير" مضى أيضًا في: 129: 6870.
و"صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي الحمصي" روى عن عبد الله بن بسر المازني الصحابي وجبير بن نفير ، وجماعة.
كان ثقة مأمونًا ، مترجم في التهذيب.
و"جبير بن نفير" ، أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم وكان جاهليًا ، أسلم زمن أبي بكر وروى عن رسول الله وعن أبي بكر مرسلا ، وروى عن أبي ذر وأبي الدرداء وغيرهما من الصحابة.
قال أبو حاتم: "ثقة من كبار تابعي أهل الشام".
مترجم في التهذيب.
وكان في المطبوعة: "جويبر بن نصير"!! وهو خطأ لا شك فيه ، والصواب في المخطوطة.
(62) في المطبوعة: "حوبة بن عابد" ، وهو لا معنى له في الصواب ولا في الخطأ.
وهو في المخطوطة بهذا الرسم غير منقوط.
والصواب ما أثبت.
وهو جؤبة بن عائذ النصري ، فيما روى ابن السكيت في تهذيب الألفاظ: 125.
أما الآمدي في المؤتلف والمختلف: 83 ، فقد سماه: "عائذ بن جؤية بن أسيد بن جرار بن عبد بن عاثرة بن يربوع بن واثلة بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن" ، وذكره أيضًا البغدادي في الخزانة 1: 476.
والعجب لبعض من يعلق على تفسير الطبري أن يزعم كالقاطع الجازم أنه"جؤية بن عائذ الكوفي النحوي"!!(63) لم أجد البيت فيما بين يدي من الكتب ، ولكني أذكره.
وكان في المطبوعة: "وكان يكلم" والصواب ما أثبت.
(64) لم أعرف هذا الراجز.
(65) اللسان (رمز).
(66) انظر تفسير"سبح" فيما سلف 1: 472-474 ، وفهارس اللغة.
(67) هو حميد بن ثور الهلالي.
(68) ديوانه: 40 ، وهو من قصيدته الجيدة التي قالها ، لما تقدم عمر بن الخطاب إلى الشعراء ، أن لا يشبب أحد بامرأة إلا جلده ، فخرج من عقوبة عمر بأن ذكر"سرحة" وسماها"سرحة مالك" فشكا أهلها إلى عمر ، فقال لهم:تجرَّمَ أهْلُوهَا, لأَنْ كُنْتُ مُشْعَرًاجُنُونًا بها!! يا طُولَ هذَا التَجَرُّمِ!وَمَا لِيَ من ذَنْبٍ إِلَيْهِمْ عَلِمْتُهُسِوَى أنّني قَدْ قُلْتُ: "يَا سَرْحَةُ اسْلَمِى"بَلَى, فاسلِمي, ثُمَّ اسْلَمِي, ثُمَّتَ اسلمي,ثَلاَثَ تَحِيَّاتٍ, وإن لم تَكَلَّميفكان رحمه الله خفيف الدم (كما يقول المصريون).
أما الأبيات التي منها البيت المستشهد به ، فإنه ذكر السرحة واستسقى لها ، ووصفها واستجاد لصفتها مكارم الصفات ، ثم قال:فَيَا طِيبَ رَيَّاهَا, وَيَا بَرْدَ ظِلِّهَاإذَا حَانَ من حَامي النّهارِ وُدُوقُوهَلْ أنا إنْ عَلَّلْتُ نَفْسِي بِسَرْحةٍمن السَّرْحِ, مَسدُودٌ عَلَيَّ طريقُحَمَى ظِلَّهَا شَكْسُ الخَلِيقَةِ, خَائِفٌعَلَيْهَا غَرَامَ الطَّائِفينَ, شَفِيقُفَلاَ الظِلَّ مِنْهَا بالضُّحَى تَسْتَطِيعُهوَلاَ الفَيْءَ مِنْهَا بالعَشِيّ تَذُوقُمع اختلاف الروايتين كما ترى.
(69) ديوانه: 1 ، من قصيدته النفيسة ، يقولها في"نعم" ، وهي امرأة من قريش ، من بني جمح ، كان عمر كثير الذكر لها في شعره.
وكأن شعره فيها من أصدق ما قال في امرأة ، وهذا الشطر أول القصيدة وتمامه:غَدَاةَ غَدٍ? أمْ رَائحٌ فَمُهَجِّر?"(70) ديوانه: 293 ، والنقائض: 7 ، يجيب حكيم بن معية الربعي ، وكان هجا جريرًا.
قال أبو عبيدة: "شق العصا: التفرق ، ومن هذا يقال للرجل المخالف للجماعة: قد شق العصا.
وأميرها: الذي تؤامره ، زوجها أو أبوها".
(71) هذا نص خلت منه كتب اللغة ، وحفظه أبو جعفر.
وهو صواب ، فإنهم قالوا: "البكيرة والباكورة والبكور" من النخل: التي تدرك في أول النخل ، فذكروا الصفات ، وتركوا الفعل.
فهي زيادة ينبغي تقييدها.
(72) في المخطوطة: "مثل الشمس حيا يعيب" ، !!! هكذا كتب وأعجم!!

قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار

سورة : آل عمران - الأية : ( 41 )  - الجزء : ( 3 )  -  الصفحة: ( 55 ) - عدد الأيات : ( 200 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: ياأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا
  2. تفسير: أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها
  3. تفسير: قال رب احكم ‎ بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون
  4. تفسير: والبيت المعمور
  5. تفسير: وله من في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون
  6. تفسير: قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار
  7. تفسير: والليل إذا يسر
  8. تفسير: طعام الأثيم
  9. تفسير: في الدنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم
  10. تفسير: قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين

تحميل سورة آل عمران mp3 :

سورة آل عمران mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة آل عمران

سورة آل عمران بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة آل عمران بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة آل عمران بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة آل عمران بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة آل عمران بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة آل عمران بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة آل عمران بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة آل عمران بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة آل عمران بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة آل عمران بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب