تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ..
﴿ وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً ۚ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ ۖ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
[ سورة البقرة: 80]
معنى و تفسير الآية 80 من سورة البقرة : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة .
تفسير الجلالين | التفسير الميسر | تفسير السعدي |
تفسير البغوي | التفسير الوسيط | تفسير ابن كثير |
تفسير الطبري | تفسير القرطبي | إعراب الآية |
تفسير السعدي : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة
ذكر أفعالهم القبيحة, ثم ذكر مع هذا أنهم يزكون أنفسهم, ويشهدون لها بالنجاة من عذاب الله, والفوز بثوابه, وأنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودة,- أي: قليلة تعد بالأصابع, فجمعوا بين الإساءة والأمن.
ولما كان هذا مجرد دعوى, رد الله تعالى عليهم فقال: { قُلْ } لهم يا أيها الرسول { أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا } أي بالإيمان به وبرسله وبطاعته, فهذا الوعد الموجب لنجاة صاحبه الذي لا يتغير ولا يتبدل.
{ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } ؟ فأخبر تعالى أن صدق دعواهم متوقفة على أحد هذين الأمرين اللذين لا ثالث لهما: إما أن يكونوا قد اتخذوا عند الله عهدا, فتكون دعواهم صحيحة.
وإما أن يكونوا متقولين عليه فتكون كاذبة, فيكون أبلغ لخزيهم وعذابهم، وقد علم من حالهم أنهم لم يتخذوا عند الله عهدا, لتكذيبهم كثيرا من الأنبياء, حتى وصلت بهم الحال إلى أن قتلوا طائفة منهم, ولنكولهم عن طاعة الله ونقضهم المواثيق، فتعين بذلك أنهم متقولون مختلقون, قائلون عليه ما لا يعلمون، والقول عليه بلا علم, من أعظم المحرمات, وأشنع القبيحات.
تفسير البغوي : مضمون الآية 80 من سورة البقرة
وقالوا يعني اليهود.لن تمسنا النار لن يصيبنا النار.إلا أياماً معدودة قدراً مقدراً ثم يزول عنا العذاب ويعقبه النعيم.واختلفوا في هذه الآية، قال ابن عباس ومجاهد: "كانت اليهود يقولون: هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوماً واحداً ثم ينقطع العذاب بعد سبعة آيام".وقال قتادة وعطاء : "يعنون أربعين يوماً التي عبد فيها آباؤهم العجل"، وقال الحسن وأبو العالية: "قالت اليهود: إن ربنا عتب علينا في أمر، فأقسم ليعذبنا أربعين يوماً فلن تمسنا النار إلا أربعين يوماً تحلة القسم".فقال الله عز وجل تكذيباً لهم:قل يا محمد.أتخذتم عند الله ألف استفهام دخلت على ألف الوصل، عند الله.عهداً موثقاً أن لايعذبكم إلا هذه المدة.فلن يخلف الله عهده ووعده قال ابن مسعود: "عهداً بالتوحيد، يدل عليه قوله تعالى: إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً [87-مريم] يعني: قول لا إله إلا الله".أم تقولون على الله ما لا تعلمون ثم قال:
التفسير الوسيط : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة
ثم حكى القرآن بعد ذلك لونا من ألوان دعاواهم الباطلة، وأقاويلهم الفاسدة، ورد عليهم بما يخرس ألسنتهم ويقطع حجتهم، فقال تعالى:روى المفسرون في سبب نزول هذه الآيات آثارا، منها ما روى عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: «إن اليهود كانوا يقولون إن هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوما في النار، وإنما هي سبعة أيام معدودة» ، فأنزل الله تعالى: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ ...الآيات .وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: «حدثني أبى أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال لليهود أنشدكم بالله وبالتوراة التي أنزلها الله على موسى يوم طور سيناء، من أهل النار الذين أنزلهم الله في التوراة؟قالوا: إن ربنا غضب علينا غضبة، فنمكث في النار أربعين ليلة، ثم نخرج فتخلفوننا فيها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كذبتم والله لا نخلفكم فيها أبدا، فنزل القرآن تصديقا لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم وتكذيبا لهم- نزل قوله تعالى- وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً.. إلى قوله تعالى:هُمْ فِيها خالِدُونَ .وأخرج ابن جرير- أيضا- عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً ذلك أعداء الله اليهود، قالوا: لن يدخلنا الله النار إلا تحلة القسم. الأيام التي أصبنا فيها العجل أربعين يوما، فإذا انقضت عنا تلك الأيام انقطع عنا العذاب والقسم .هذه بعض الآثار التي وردت في سبب نزول الآيات الكريمة، والمعنى:وقالت اليهود- يا محمد- إن النار لن تصيبنا، ولن نذوق حرها، إلا أياما قلائل- قل لهم- يا محمد- ردا على دعواهم الكاذبة هل اتخذتم من الله عهدا بذلك حتى يكون الوفاء به متحققا؟ أم تقولون على الله الباطل جهلا وجراءة عليه؟ثم أبطل القرآن الكريم دعواهم بأصل عام يشملهم ويشمل غيرهم فقال. ليس الأمر كما تدعون، بل الحق أنه من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ومات عليها دون أن يتوب إلى الله-تبارك وتعالى- منها فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.وقوله تعالى: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً بيان لضرب من ضروب غرورهم وكذبهم، معطوف على رذائلهم السابقة التي حكاها القرآن الكريم، إذ الضمير في قوله تعالى {وقالوا} يعود على اليهود الذين مر الحديث عنهم ولما ينته بعد.والمس: اتصال أحد الشيئين بآخر على وجه الإحساس والإصابة..والمراد من النار: نار الآخرة. والمراد من المعدودة: المحصورة القليلة، يقال: شيء معدود أى قليل. وشيء غير معدود أى كثير فهم يدعون أن النار لن تمسهم إلا مدة يسيرة قد تكون سبعة أيام، وقد تكون أربعين يوما، وبعدها يخرجون إلى الجنة لأن كل معدود منقض.ثم أمر الله-تبارك وتعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يرد عليهم فيما زعموه فقال تعالى: قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ أى: قل لهم- يا محمد- إن مثل هذا الإخبار الجازم بأن النار لن تمسكم إلا أياما معدودة، لا يكون إلا ممن اتخذ عهدا من الله بذلك، فهل تقدم لكم من الله عهد بأن النار لن تمسكم إلا أياما معدودة، فكان الوفاء متحققا، لأن الله-تبارك وتعالى- لا يخلف وعده، أم تقولون على الله شيئا لا علم لكم به.فالاستفهام للإنكار، وهو متوجه إلى زعمهم أن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة، فكأنه- سبحانه - يقول لهم. إن قولكم هذا يحتمل أمرين لا ثالث لهما: إما اتخاذ عهد عند الله به، وإما القول عليه- سبحانه - بدون علم، وما دام قد ثبت أن اتخاذ العهد لم يحصل، إذا أنتم- يا معشر اليهود- كاذبون فيما تدعون من أن النار لن تمسكم إلا أياما معدودة.قال الإمام الرازي: قوله تعالى: أَتَّخَذْتُمْ ليس باستفهام بل هو إنكار لأنه لا يجوز أن يجعل الله-تبارك وتعالى- حجة رسوله في إبطال قولهم أن يستفهمهم بل المراد التنبيه على طريقة الاستدلال، وهي أنه لا سبيل إلى معرفة هذا التقدير إلا بالسمع، فلما لم يوجد الدليل السمعي وجب ألا يجوز الجزم بهذا التقدير .وإنما ساق القرآن الكريم الرد عليهم في صورة الاستفهام، لما فيه من ظهور القصد إلى تقريرهم بأنهم قالوا على الله ما لا يعلمون، إذ هم لا يستطيعون أن يثبتوا أن الله وعدهم بما ادعوه من أن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة، ولا يوجد عندهم نص صحيح من كتابهم يؤيد مدعاهم.وبذلك تكون الآية الكريمة قد أبطلت مدعاهم إبطالا يحمل طابع الإنكار والتوبيخ.
تفسير ابن كثير : شرح الآية 80 من سورة البقرة
يقول تعالى إخبارا عن اليهود فيما نقلوه وادعوه لأنفسهم ، من أنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودة ، ثم ينجون منها ، فرد الله عليهم ذلك بقوله : { قل أتخذتم عند الله عهدا } أي: بذلك ؟ فإن كان قد وقع عهد فهو لا يخلف عهده .
ولكن هذا ما جرى ولا كان . ولهذا أتى ب " أم " التي بمعنى : بل ، أي: بل تقولون على الله ما لا تعلمون من الكذب والافتراء عليه .
قال محمد بن إسحاق ، عن سيف بن سليمان عن مجاهد ، عن ابن عباس : أن اليهود كانوا يقولون : هذه الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوما في النار ، وإنما هي سبعة أيام معدودة . فأنزل الله تعالى : { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } إلى قوله : { خالدون } [ البقرة : 82 ] .
ثم رواه عن محمد ، عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس ، بنحوه .
وقال العوفي عن ابن عباس : { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } اليهود قالوا : لن تمسنا النار إلا أربعين ليلة ، [ زاد غيره : هي مدة عبادتهم العجل ، وحكاه القرطبي عن ابن عباس وقتادة ] .
وقال الضحاك : قال ابن عباس : زعمت اليهود أنهم وجدوا في التوراة مكتوبا : أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة ، إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم ، التي هي نابتة في أصل الجحيم . وقال أعداء الله : إنما نعذب حتى ننتهي إلى شجرة الزقوم فتذهب جهنم وتهلك . فذلك قوله تعالى : { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة }
وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } يعني : الأيام التي عبدنا فيها العجل .
وقال عكرمة : خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : لن ندخل النار إلا أربعين ليلة ، وسيخلفنا إليها قوم آخرون ، يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رءوسهم : " بل أنتم خالدون مخلدون لا يخلفكم إليها أحد " . فأنزل الله : { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } الآية .
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه رحمه الله : حدثنا عبد الرحمن بن جعفر ، حدثنا محمد بن محمد بن صخر ، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدثنا ليث بن سعد ، حدثني سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجمعوا لي من كان من اليهود هاهنا " فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أبوكم ؟ " قالوا : فلان . قال : " كذبتم ، بل أبوكم فلان " . فقالوا : صدقت وبررت ، ثم قال لهم : " هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ " . قالوا : نعم ، يا أبا القاسم ، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أهل النار ؟ " فقالوا : نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اخسئوا ، والله لا نخلفكم فيها أبدا " . ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ " . قالوا : نعم يا أبا القاسم . فقال : " هل جعلتم في هذه الشاة سما ؟ " . فقالوا : نعم . قال : " فما حملكم على ذلك ؟ " . فقالوا : أردنا إن كنت كاذبا أن نستريح منك ، وإن كنت نبيا لم يضرك .
ورواه أحمد ، والبخاري ، والنسائي ، من حديث الليث بن سعد ، بنحوه .
تفسير الطبري : معنى الآية 80 من سورة البقرة
القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةًقال أبو جعفر: يعني بقوله: ( وقالوا )، اليهود, يقول: وقالت اليهود: ( لن تمسنا النار )، يعني لن تلاقي أجسامنا النار ولن ندخلها،" إلا أياما معدودة ". وإنما قيل " معدودة " وإن لم يكن مبينا عددها في التنزيل، لأن الله جل ثناؤه أخبر عنهم بذلك وهم عارفون عدد الأيام، التي يوقتونها لمكثهم في النار. فلذلك ترك ذكر تسمية عدد تلك الأيام، وسماها " معدودة " لما وصفنا.* * *ثم اختلف أهل التأويل في مبلغ الأيام المعدودة التي عينها اليهود، القائلون ما أخبر الله عنهم من ذلك .* فقال بعضهم بما:-1399 - حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد, عن بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس: ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة )، قال ذلك أعداء الله اليهود, قالوا: لن يدخلنا الله النار إلا تحلة القسم، الأيام التي أصبنا فيها العجل: أربعين يوما, فإذا انقضت عنا تلك الأيام, انقطع عنا العذاب والقسم.1400 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة )، قالوا: أياما معدودة بما أصبنا في العجل.1401 - حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة )، قال: قالت اليهود: إن الله يدخلنا النار فنمكث فيها أربعين ليلة, حتى إذا أكلت النار خطايانا واستنقتنا, ( 33 ) نادى مناد: أخرجوا كل مختون من ولد بني إسرائيل. فلذلك أمرنا أن نختتن. قالوا: فلا يدعون منا في النار أحدا إلا أخرجوه.1402 - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية قال: قالت اليهود: إن ربنا عتب علينا في أمرنا, فأقسم ليعذبنا أربعين ليلة, ثم يخرجنا. فأكذبهم الله.1403 - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر, عن قتادة قال: قالت اليهود: لن ندخل النار إلا تحلة القسم, عدد الأيام التي عبدنا فيها العجل.1404 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) الآية، قال ابن عباس: ذكر أن اليهود وجدوا في التوراة مكتوبا، أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة، إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم نابتة في أصل الجحيم - وكان ابن عباس يقول: إن الجحيم سقر, وفيه شجرة الزقوم - فزعم أعداء الله، أنه إذا خلا العدد الذي وجدوا في كتابهم أياما معدودة - وإنما يعني بذلك المسير الذي ينتهي إلى أصل الجحيم - فقالوا: إذا خلا العدد انتهى الأجل. فلا عذاب، وتذهب جهنم وتهلك. ( 34 ) فذلك قوله: ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة )، يعنون بذلك الأجل. فقال ابن عباس: لما اقتحموا من باب جهنم، ساروا في العذاب حتى انتهوا إلى شجرة الزقوم آخر يوم من الأيام المعدودة, قال لهم خزان سقر: زعمتم أنكم لن تمسكم النار إلا أياما معدودة! فقد خلا العدد وأنتم في الأبد! فأخذ بهم في الصَّعود في جهنم يرهقون. ( 35 )1405 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة )، إلا أربعين ليلة.1406 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا حفص بن عمر, عن الحكم بن أبان, عن عكرمة قال: خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لن ندخل النار إلا أربعين ليلة, وسيخلفنا فيها قوم آخرون - يعنون محمدا وأصحابه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رءوسهم ( 36 ) " بل أنتم فيها خالدون، لا يخلفكم فيها أحد " . فأنزل الله جل ثناؤه: ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ).1407 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج, عن ابن جريج قال، أخبرني الحكم بن أبان, عن عكرمة، قال: اجتمعت يهود يوما تخاصم النبي صلى الله عليه وسلم. فقالوا: ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة )، - وسموا أربعين يوما - ثم يخلفنا، أو يلحقنا، فيها أناس. فأشاروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كذبتم, بل أنتم فيها خالدون مخلدون، لا نلحقكم ولا نخلفكم فيها إن شاء الله أبدا ". ( 37 )1408 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا علي بن معبد, عن أبي معاوية, عن جويبر, عن الضحاك في قوله: ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة )، قال: قالت اليهود: لا نعذب في النار يوم القيامة إلا أربعين يوما مقدار ما عبدنا العجل.1409 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: " أنشدكم بالله وبالتوراة التي أنزلها الله على موسى يوم طور سيناء, مَن أهل النار الذين أنزلهم الله في التوراة؟ وقالوا: إن ربهم غضب عليهم غضبة, فنمكث في النار أربعين ليلة, ثم نخرج فتخلفوننا فيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبتم والله، لا نخلفكم فيها أبدا ". فنزل القرآن تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبا لهم: ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا ) إلى قوله: هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . ( 38 )* * *وقال آخرون في ذلك بما:-1410 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة, عن ابن عباس قال: كانت يهود يقولون: إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة, وإنما يعذب الله الناس يوم القيامة بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا من أيام الآخرة, وإنها سبعة أيام. فأنزل الله في ذلك من قولهم: ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) الآية.1411 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد, عن سعيد بن جبير أو عكرمة, عن ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ويهود تقول: إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة, وإنما يعذب الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا، يوما واحدا في النار من أيام الآخرة, فإنما هي سبعة أيام، ثم ينقطع العذاب. فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم: ( لن تمسنا النار ) الآية.1412 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: ( قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة )، قال: كانت تقول: إنما الدنيا سبعة آلاف سنة, وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوما.1413 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله - إلا أنه قال: كانت اليهود تقول: إنما الدنيا, وسائر الحديث مثله.1414 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج, قال مجاهد: وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة من الدهر. وسموا عدة سبعة آلاف سنة, من كل ألف سنة يوما. يهود تقوله.* * *القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ( 80 )قال أبو جعفر: لما قالت اليهود ما قالت من قولها: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً - على ما قد بينا من تأويل ذلك - قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد، لمعشر اليهود: ( أتخذتم عند الله عهدا ): أأخذتم بما تقولون من ذلك من الله ميثاقا، فالله لا ينقض ميثاقه، ولا يبدل وعده وعقده, أم تقولون على الله الباطل جهلا وجراءة عليه؟ كما:-1415 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( قل أتخذتم عند الله عهدا ) أي: موثقا من الله بذلك أنه كما تقولون.1416 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله.1417 - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر, عن قتادة قال: قالت اليهود: لن ندخل النار إلا تحلة القسم، عدة الأيام التي عبدنا فيها العجل، فقال الله: ( أتخذتم عند الله عهدا )، بهذا الذي تقولونه؟ ألكم بهذا حجة وبرهان؟ فلن يخلف الله عهده، فهاتوا حجتكم وبرهانكم، أم تقولون على الله ما لا تعلمون؟1418 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد, عن بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس قال: لما قالت اليهود ما قالت, قال الله جل ثناؤه لمحمد، قل : ( أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا ) ، يقول: أدخرتم عند الله عهدا؟ يقول: أقلتم لا إله إلا الله لم تشركوا ولم تكفروا به؟ فإن كنتم قلتموها فارجوا بها, وإن كنتم لم تقولوها، فلم تقولون على الله ما لا تعلمون؟ يقول: لو كنتم قلتم لا إله إلا الله ولم تشركوا به شيئا, ثم متم على ذلك، لكان لكم ذخرا عندي, ولم أخلف وعدي لكم: أني أجازيكم بها.1419 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط عن السدي قال: لما قالت اليهود ما قالت, قال الله عز وجل: ( قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده )- وقال في مكان آخر: وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ . [ آل عمران: 24 ]، ثم أخبر الخبر فقال: بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً .* * *قال أبو جعفر: وهذه الأقوال التي رويناها عن ابن عباس ومجاهد وقتادة، بنحو ما قلنا في تأويل قوله: ( قل أتخذتم عند الله عهدا ). لأن مما أعطاه الله عباده من ميثاقه: أن من آمن به وأطاع أمره، نجاه من ناره يوم القيامة. ومن الإيمان به، الإقرار بأن لا إله إلا الله. وكذلك من ميثاقه الذي واثقهم به: أن من أتى الله يوم القيامة بحجة تكون له نجاة من النار، فينجيه منها. وكل ذلك، وإن اختلفت ألفاظ قائليه, فمتفق المعاني، على ما قلنا فيه. والله تعالى أعلم.
الهوامش :( 33 ) نقيت الثوب ( بتشديد القاف ) وأنقيته نقاء فهو نقي : نظيف . و" استنقيته " ليست في المعاجم ، ولكنها صحيحة البناء والمعنى .( 34 ) خلا يخلو : مضى وذهب وانقضى .( 35 ) الصعود : مشقة العذاب ، ولكنه أراد هنا ما قالوا : جبل في جهنم من جمرة واحدة ، يكلف الكافر ارتقاءه ، ويضرب بالمقامع ، فكلما وضع عليه رجله ذابت إلى أسفل دركة ، ثم تعود مكانها صحيحة ، والله أعلم .( 36 ) قال بيده : أشار . وقد مضى مثل ذلك مرارا .( 37 ) الحديثان : 1406 ، 1407 - هما حديث واحد بإسنادين . ونسبه السيوطي أيضًا 1 : 84 ، لعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم . وهو حديث مرسل ، لا تقوم به حجة .( 38 ) الحديث : 1409 - هو حديث مرسل أيضًا .
تفسير آيات من القرآن الكريم
- تفسير: ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون
- تفسير: ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون
- تفسير: ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن
- تفسير: قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر
- تفسير: وما تلك بيمينك ياموسى
- تفسير: أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله
- تفسير: وأنه هو أغنى وأقنى
- تفسير: أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين
- تفسير: فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب
- تفسير: وكواعب أترابا
تحميل سورة البقرة mp3 :
سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة
ماهر المعيقلي
سعد الغامدي
عبد الباسط
أحمد العجمي
المنشاوي
الحصري
مشاري العفاسي
ناصر القطامي
فارس عباد
ياسر الدوسري
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب