تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : وإذا قيل لهم آمنوا بما أنـزل الله ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 91 من سورةالبقرة - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ ۗ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾
[ سورة البقرة: 91]

معنى و تفسير الآية 91 من سورة البقرة : وإذا قيل لهم آمنوا بما أنـزل الله .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : وإذا قيل لهم آمنوا بما أنـزل الله


أي: وإذا أمر اليهود بالإيمان بما أنزل الله على رسوله, وهو القرآن استكبروا وعتوا, و قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ - أي: بما سواه من الكتب، مع أن الواجب أن يؤمن بما أنزل الله مطلقا, سواء أنزل عليهم, أو على غيرهم, وهذا هو الإيمان النافع, الإيمان بما أنزل الله على جميع رسل الله.
وأما التفريق بين الرسل والكتب, وزعم الإيمان ببعضها دون بعض, فهذا ليس بإيمان, بل هو الكفر بعينه, ولهذا قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ولهذا رد عليهم تبارك وتعالى هنا ردا شافيا, وألزمهم إلزاما لا محيد لهم عنه, فرد عليهم بكفرهم بالقرآن بأمرين فقال: وَهُوَ الْحَقُّ فإذا كان هو الحق في جميع ما اشتمل عليه من الإخبارات, والأوامر والنواهي, وهو من عند ربهم, فالكفر به بعد ذلك كفر بالله, وكفر بالحق الذي أنزله.
ثم قال: مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ - أي: موافقا له في كل ما دل عليه من الحق ومهيمنا عليه.
فلم تؤمنون بما أنزل عليكم, وتكفرون بنظيره؟ هل هذا إلا تعصب واتباع للهوى لا للهدى؟ وأيضا, فإن كون القرآن مصدقا لما معهم, يقتضي أنه حجة لهم على صدق ما في أيديهم من الكتب, قلا سبيل لهم إلى إثباتها إلا به، فإذا كفروا به وجحدوه, صاروا بمنزلة من ادعى دعوى بحجة وبينة ليس له غيرها, ولا تتم دعواه إلا بسلامة بينته, ثم يأتي هو لبينته وحجته, فيقدح فيها ويكذب بها; أليس هذا من الحماقة والجنون؟ فكان كفرهم بالقرآن, كفرا بما في أيديهم ونقضا له.
ثم نقض عليهم تعالى دعواهم الإيمان بما أنزل إليهم بقوله: قُلْ لهم: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

تفسير البغوي : مضمون الآية 91 من سورة البقرة


قوله تعالى: وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله يعني القرآن.
قالوا نؤمن بما أنزل علينا يعني التوراة، يكفينا ذلك.
ويكفرون بما وراءه أي بما سواه من الكتب كقوله عز وجل فمن ابتغى وراء ذلك [7-المؤمنون] أي سواه، وقال أبو عبيدة: "(بما وراءه) أي: بما سواه من الكتب".
وهو الحق يعني القرآن.
مصدقاً نصب على الحال.
لما معهم من التوراة.
قل لهم يا محمد.
فلم تقتلون أي قتلتم.
أنبياء الله من قبل ولم: أصله لما فحذفت الألف فرقاً بين الجر والاستفهام كقولهم فيمَ وبِمَ؟.
إن كنتم مؤمنين بالتوراة، وقد نهيتم فيها عن قتل الأنبياء عليهم السلام.

التفسير الوسيط : وإذا قيل لهم آمنوا بما أنـزل الله


ومعنى الآيات الكريمة.
أن اليهود المعاصرين للعهد النبوي كانوا إذا عرض عليهم الإيمان بما أنزل الله من القرآن على محمد صلّى الله عليه وسلّم أجابوا بقولهم: نؤمن بما أنزل علينا وهو التوراة التي أنزلها الله-تبارك وتعالى- على موسى، ويجحدون غيرها وهو القرآن الكريم المصدق لها في الأمر باتباع محمد صلّى الله عليه وسلّم ثم أمر الله-تبارك وتعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يكذبهم في دعواهم الإيمان بما أنزل عليهم فقال: قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بالتوراة فإنها تنهاكم عن قتلهم ثم كذبهم القرآن الكريم مرة أخرى فقال: وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ أى: بالآيات الواضحات الدالة على صدقه، ولكنكم اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ أى: من بعد ذهابه لميقات ربه وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ لعبادتكم غير الله تعالى.
ثم كذبهم القرآن الكريم- في دعواهم الإيمان بما أنزل عليهم- بصورة أخرى سوى ما سبقها فقال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ وقلنا لكم: خُذُوا ما آتَيْناكُمْ- من التوراة- بِقُوَّةٍ أى بجد وحزم وَاسْمَعُوا ما أمرتم به فيها سماع تدبر وطاعة.
ولكن أسلافكم الذين أنتم على شاكلتهم قالوا لنبيهم: «سمعنا» قولك «وعصينا» أمرك.
وخالط حب العجل قلوبهم كما يخالط الماء أعماق البدن، وكل هذه الأفاعيل منكم لا تناسب دعواكم الإيمان بما أنزل إليكم، وإذا فبئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين بالتوراة كما تزعمون، فالواقع أن التوراة بريئة من أعمالكم، وأنتم بعيدون عن الإيمان بها.
وقوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا تصوير لنوع آخر من قبائح اليهود، وإخبار عن إعراضهم عن الحق بدعوى أنهم مكلفون بعدم الإيمان إلا بما أنزل الله على موسى وهو التوراة.
والمقصود بِما أَنْزَلَ اللَّهُ القرآن الكريم.
ولم يذكر المنزل عليه وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم للعلم به أو للتنبيه على أن وجوب الإيمان بالكتاب، يكفى فيه العلم بأنه منزل من عند الله-تبارك وتعالى- ومتى استقر في النفس أن القرآن الكريم من عند الله، استتبع ذلك استحضار أنه أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وقولهم: نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا معناه: نؤمن بالتوراة التي أنزلها الله على نبينا موسى دون غيرها مما أنزله الله عليك- يا محمد-، وجوابهم هذا يدل على غبائهم وعنادهم.
لأن الداعي لهم إلى الإيمان، يطلب منهم أن يؤمنوا بكل ما أنزل الله من الكتب السماوية، ولكنهم قيدوا أنفسهم بالإيمان ببعض ما أنزل الله وهو ما أنزل عليهم، فلم يكن إيمانهم مطابقا لما أمر الله به وهو التصديق بجميع الكتب السماوية، ولا شك أن من آمن ببعض الكتب السماوية وكفر ببعضها يكون كافرا بجميعها.
وقوله تعالى: وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ قصد به بيان التصريح بكفرهم بالقرآن الكريم بعد أن لمحوا بذلك في قولهم: نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا.
والضمير في وَراءَهُ يعود على بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا المكنى به عن التوراة، أى: قالوا نؤمن بما أنزل علينا والحال أنهم يكفرون بما سوى التوراة أو بما بعدها وهو القرآن الكريم.
قال ابن جرير- رحمه الله-: «وتأويل وراء في هذا الموضع: سوى، كما يقال للرجل المتكلم بالحسن، ما وراء هذا الكلام الحسن شيء.
يراد به: ليس من عند المتكلم به شيء سوى ذلك الكلام، فكذلك معنى قوله تعالى: وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ أى بما سوى التوراة، وبما بعده من كتب الله التي أنزلها على رسله» .
والضمير «هو» في قوله تعالى: وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ يعود إلى القرآن الكريم المكنى عنه بقوله «بما وراءه» .
والحق: الحكم المطابق للواقع.
ووصف به القرآن الكريم لاشتماله على الأحكام المطابقة للواقع.
ومعنى كون القرآن مصدقا لما مع اليهود وهو التوراة، أنه يدل على نبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وبهذا كان مؤيدا للتوراة التي بشرت بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وذكرت له نعوتا لا تنطبق إلا عليه، وبذلك يكون اليهود الذين يدعون الإيمان بما أنزل عليهم كاذبين في دعواهم، لأنهم لم يؤمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم الذي بشرت به توراتهم وأمرتهم بالإيمان به وأيدها القرآن الكريم في ذلك.
قال صاحب الكشاف: وفي قوله تعالى: وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ رد لمقالتهم نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا لأنهم إذ كفروا بما يوافق التوراة فقد كفروا بها» .
ثم أمر الله-تبارك وتعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يوبخهم ويبطل دعواهم الإيمان بما أنزل عليهم بدليل إلزامى فقال تعالى: قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء اليهود الذين إذا دعوتهم إلى الإيمان بك قالوا.
نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا قل لهم: إن كنتم حقا مؤمنين بما أنزل عليكم وهو التوراة، فلأى شيء تقتلون أنبياء الله مع أن التوراة تحرم عليكم قتلهم، بل هي تأمركم باتباعهم وتصديقهم وطاعتهم لأنه أرسلهم لهدايتكم وسعادتكم.
إن قتلكم لهم أكبر دليل على أنكم لم تؤمنوا لا بما أنزل عليكم ولا بغيره وأنكم كاذبون في مدعاكم لأن جميع ما أنزل الله من وحى يحرم قتل الأنبياء، ويأمر الناس باتباعهم وطاعتهم.
ويرجع معنى الآية إلى نفى فعل الشرط وهو كونهم مؤمنين، إذ لا وجه لقتلهم الأنبياء إلا عدم إيمانهم بالتوراة، وهذا كما تريد أن تنفى عن رجل العقل لفعله ما ليس من شأنه أن يصدر من عاقل، فتقول له: إن كنت عاقلا فلم فعلت كذا؟ أى أنت لست بعاقل.
والفاء في قوله تعالى: فَلِمَ تَقْتُلُونَ واقعة في جواب محذوف دل عليه ما بعده، والتقدير إن كنتم مؤمنين بما أنزل عليكم فلم تقتلون أنبياء الله-تبارك وتعالى- والإتيان بالمضارع في قوله-تبارك وتعالى-: تَقْتُلُونَ مع أن القتل للأنبياء وقع من أسلافهم بقرينة قوله تعالى: مِنْ قَبْلُ لقصد استحضار تلك الجناية الشنيعة، وللتنبيه على أن ارتكابهم لتلك الجريمة البشعة يتجدد ويقع منهم المرة تلو الأخرى، وللإشعار بأن الخلف يمشون على عماية السلف، في التعدي والعصيان، فلقد حاول اليهود المعاصرون للعهد النبوي قتل الرسول صلّى الله عليه وسلّم ولكن الله-تبارك وتعالى- عصمه منهم، ونجاه من مكرهم.
وأضاف سبحانه- الأنبياء إليه فقال: أَنْبِياءَ اللَّهِ للتنبيه على شرفهم العظيم، وللدلالة على فظاعة عصيان اليهود واجتراحهم المنكر، إذ قابلوا بالقتل من يجب عليهم أن يقابلوهم بالتصديق والتوقير والطاعة.

تفسير ابن كثير : شرح الآية 91 من سورة البقرة


قول تعالى : ( وإذا قيل لهم ) أي : لليهود وأمثالهم من أهل الكتاب ( آمنوا بما أنزل الله ) [ أي ] : على محمد صلى الله عليه وسلم وصدقوه واتبعوه ( قالوا نؤمن بما أنزل علينا ) أي : يكفينا الإيمان بما أنزل علينا من التوراة والإنجيل ولا نقر إلا بذلك ، ( ويكفرون بما وراءه ) يعني : بما بعده ( وهو الحق مصدقا لما معهم ) أي : وهم يعلمون أن ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم الحق ( مصدقا ) منصوب على الحال ، أي في حال تصديقه لما معهم من التوراة والإنجيل ، فالحجة قائمة عليهم بذلك ، كما قال تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ) [ البقرة : 146 ] ثم قال تعالى : ( [ قل ] فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ) أي : إن كنتم صادقين في دعواكم الإيمان بما أنزل إليكم ، فلم قتلتم الأنبياء الذين جاءوكم بتصديق التوراة التي بأيديكم والحكم بها وعدم نسخها ، وأنتم تعلمون صدقهم ؟ قتلتموهم بغيا [ وحسدا ] وعنادا واستكبارا على رسل الله ، فلستم تتبعون إلا مجرد الأهواء ، والآراء والتشهي كما قال تعالى ( أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) [ البقرة : 87 ] .وقال السدي : في هذه الآية يعيرهم الله تعالى : ( قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين )وقال أبو جعفر بن جرير : قل يا محمد ليهود بني إسرائيل [ الذين ] إذا قلت لهم : آمنوا بما أنزل الله قالوا : ( نؤمن بما أنزل علينا ) : لم تقتلون إن كنتم يا معشر اليهود مؤمنين بما أنزل الله عليكم أنبياءه وقد حرم الله في الكتاب الذي أنزل عليكم قتلهم ، بل أمركم فيه باتباعهم وطاعتهم وتصديقهم ، وذلك من الله تكذيب لهم في قولهم : ( نؤمن بما أنزل علينا ) وتعيير لهم .

تفسير الطبري : معنى الآية 91 من سورة البقرة


القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَاقال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (وإذا قيل لهم)، وإذا قيل لليهود من بني إسرائيل - للذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم-: (آمنوا)، أي صدقوا,(بما أنزل الله)، يعني بما أنزل الله من القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، (قالوا: نؤمن)، أي نصدق,(بما أنزل علينا)، يعني بالتوراة التي أنزلها الله على موسى.
* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (ويكفرون بما وراءه)، ويجحدون،" بما وراءه ", يعني: بما وراء التوراة.
* * *قال أبو جعفر: وتأويل " وراءه " في هذا الموضع " سوى ".
كما يقال للرجل المتكلم بالحسن: " ما وراء هذا الكلام شيء " يراد به: ليس عند المتكلم به شيء سوى ذلك الكلام.
فكذلك معنى قوله: (ويكفرون بما وراءه)، أي بما سوى التوراة، وبما بعدها من كتب الله التي أنزلها إلى رسله، (34) كما:-1556 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (ويكفرون بما وراءه)، يقول: بما بعده.
1557 - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية: (ويكفرون بما وراءه)، أي بما بعده - يعني: بما بعد التوراة.
1558 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: (ويكفرون بما وراءه)، يقول: بما بعده.
* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْقال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (وهو الحق مصدقا)، أي: ما وراء الكتاب - الذي أنزل عليهم من الكتب التي أنزلها الله إلى أنبيائه - الحق.
وإنما يعني بذلك تعالى ذكره القرآن الذي أنزله إلى محمد صلى الله عليه وسلم، كما:-1559 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ ، وهو القرآن.
يقول الله جل ثناؤه: (وهو الحق مصدقا لما معهم).
وإنما قال جل ثناؤه: (مصدقا لما معهم)، لأن كتب الله يصدق بعضها بعضا.
ففي الإنجيل والقرآن من الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، والإيمان به وبما جاء به, مثل الذي من ذلك في توراة موسى عليه السلام.
فلذلك قال جل ثناؤه لليهود - إذْ أخبرهم عما وراء كتابهم الذي أنزله على موسى صلوات الله عليه، من الكتب التي أنزلها إلى أنبيائه -: إنه الحق مصدقا للكتاب الذي معهم, يعني: أنه له موافق فيما اليهود به مكذبون.
قال: وذلك خبر من الله أنهم من التكذيب بالتوراة، على مثل الذي هم عليه من التكذيب بالإنجيل والفرقان, عنادا لله، وخلافا لأمره، وبغيا على رسله صلوات الله عليهم.
* * *القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)قال أبو جعفر: يعني جل ذكره بقوله: (قل فلم تقتلون أنبياء الله)، قل يا محمد، ليهود بني إسرائيل - الذين إذا قلت لهم: آمنوا بما أنزل الله قالوا: نؤمن بما أنزل علينا-: لم تقتلون = إن كنتم يا معشر اليهود مؤمنين بما أنزل الله عليكم = أنبياءه، وقد حرم الله في الكتاب الذي أنزل عليكم قتلهم, بل أمركم فيه باتباعهم وطاعتهم وتصديقهم؟ وذلك من الله جل ثناؤه تكذيب لهم في قولهم: نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وتعيير لهم، كما:-1560 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: قال الله تعالى ذكره - وهو يعيرهم - يعني اليهود: (فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين)؟* * *فإن قال قائل: وكيف قيل لهم: (فلم تقتلون أنبياء الله من قبل)، فابتدأ الخبر على لفظ المستقبل, ثم أخبر أنه قد مضى؟قيل: إن أهل العربية مختلفون في تأويل ذلك.
فقال بعض البصريين: معنى ذلك: فلم قتلتم أنبياء الله من قبل، كما قال جل ثناؤه: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ [سورة البقرة: 102]، أي: ما تلت, (35) وكما قال الشاعر: (36)ولقد أمر على اللئيم يسبنيفمضيت عنه وقلت لا يعنيني (37)يريد بقوله: " ولقد أمر " ولقد مررت.
واستدل على أن ذلك كذلك، بقوله: " فمضيت عنه ", ولم يقل: فأمضي عنه.
وزعم أن " فعل " و " يفعل " قد تشترك في معنى واحد, واستشهد على ذلك بقول الشاعر: (38)وإني لآتيكم تَشَكُّرَ ما مضىمن الأمر, واسْتِيجابَ ما كان في غد (39)يعني بذلك: ما يكون في غد، وبقول الحطيئة:شهد الحطيئة يوم يلقى ربهأن الوليد أحق بالعذر (40)يعني: يشهد.
وكما قال الآخر:فما أضحي ولا أمسيت إلاأراني منكم في كَوَّفان (41)فقال: أضحي, ثم قال: " ولا أمسيت ".
* * *وقال بعض نحويي الكوفيين: إنما قيل: (فلم تقتلون أنبياء الله من قبل)، فخاطبهم بالمستقبل من الفعل، ومعناه الماضي, كما يعنف الرجل الرجل على ما سلف منه من فعل فيقول له: ويحك، لم تكذب؟ ولم تبغض نفسك إلى الناس؟ كما قال الشاعر:إذا ما انتسبنا, لم تلدني لئيمةولم تجدي من أن تُقِري به بُدَّا (42)فالجزاء للمستقبل, والولادة كلها قد مضت.
وذلك أن المعنى معروف, فجاز ذلك.
قال: ومثله في الكلام: " إذا نظرت في سيرة عمر، لم تجده يسيء ".
(43) المعنى: لم تجده أساء.
فلما كان أمر عمر لا يشك في مضيه، لم يقع في الوهم أنه مستقبل.
فلذلك صلحت " من قبل " مع قوله: (فلم تقتلون أنبياء الله من قبل).
قال: وليس الذين خوطبوا بالقتل هم القتلة, إنما قتل الأنبياء أسلافهم الذين مضوا, فتولوهم على ذلك ورضوا به، فنسب القتل إليهم.
(44)* * *قال أبو جعفر: والصواب فيه من القول عندنا، أن الله خاطب الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل - بما خاطبهم في سورة البقرة وغيرها من سائر السور - بما سلف من إحسانه إلى أسلافهم, وبما سلف من كفران أسلافهم نعمه, وارتكابهم معاصيه, واجترائهم عليه وعلى أنبيائه, وأضاف ذلك إلى المخاطبين به، نظير قول العرب بعضها لبعض: فعلنا بكم يوم كذا كذا وكذا, وفعلتم بنا يوم كذا كذا وكذا - على نحو ما قد بيناه في غير موضع من كتابنا هذا -، (45) يعنون بذلك أن أسلافنا فعلوا ذلك بأسلافكم، وأن أوائلنا فعلوا ذلك بأوائلكم.
فكذلك ذلك في قوله: (فلم تقتلون أنبياء الله من قبل)، إذْ كان قد خرج على لفظ الخبر عن المخاطبين به خبرا من الله تعالى ذكره عن فعل السالفين منهم - (46) على نحو الذي بينا - جاز أن يقال " من قبل "، إذْ كان معناه: قل: فلم يقتل أسلافكم أنبياء الله من قبل "؟ وكان معلوما بأن قوله: (فلم تقتلون أنبياء الله من قبل)، إنما هو خبر عن فعل سلفهم.
* * *وتأويل قوله: (من قبل)، أي: من قبل اليوم.
* * *وأما قوله: (إن كنتم مؤمنين)، فإنه يعني: إن كنتم مؤمنين بما نزل الله عليكم كما زعمتم.
وإنما عنى بذلك اليهود الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلافهم - إن كانوا وكنتم، كما تزعمون أيها اليهود، مؤمنين.
وإنما عيرهم جل ثناؤه بقتل أوائلهم أنبياءه، عند قولهم حين قيل لهم: آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا .
لأنهم كانوا لأوائلهم - الذين تولوا قتل أنبياء الله، مع قيلهم: نؤمن بما أنزل علينا - متولين, وبفعلهم راضين.
فقال لهم: إن كنتم كما تزعمون مؤمنين بما أنزل عليكم, فلم تتولون قتلة أنبياء الله؟ أي: ترضون أفعالهم.
(47)----------------الهوامش:(34) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 60 .
(35) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 60 - 61 .
(36) هو رجل من بني سلول .
(37) سيبويه 1 : 416 ، الخزانة 1 : 173 ، وشرح شواهد المغني : 107 وغيرها كثير .
وروايتهم جميعا"ثمت قلت" .
وبعده بيت آخر :غضبان ممتلئا علي إهابهإني وربك سخطه يرضيني(38) هو الطرماح بن حكيم الطائي .
(39) ديوانه : 146 ، وسيأتي في 4 : 97 (بولاق) ، وحماسة البحتري : 109 ، واللسان (كون) وقد كان في هذا الموضع"بشكرى" ، وهو خطأ ، سيأتي من رواية الطبري على الصواب .
وروى اللسان : "واستنجاز ما كان" .
وصواب الرواية : "فإني لآتيكم" فإنه قبله :من كان لا يأتيك إلا لحاجةيروح بها فيما يروح ويغتدىفإني لآتيكم .
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
(40) ديوانه : 85 ، ونسب قريش : 138 ، والاستيعاب : 604 ، وأنساب الأشراف 5 : 32 ، وسمط اللآلئ : 674 .
قالها الحطيئة في الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وكان من رجالات قريش همة وسخاء .
استعمله أبو بكر وعمر وعثمان ، فلما كان زمان عثمان ، رفعوا عليه أنه شرب الخمر ، فعزله عثمان وجلده الحد ، وكان لهذا شأن كبير ، فقال الحطيئة يعذره ويمدحه ، ويذكر عزله :شهد الحطيئة حين يلقى ربهأن الوليد أحق بالعذرخلعوا عنانك إذ جريت, ولوتركوا عنانك لم تزل تجريورأوا شمائل ماجد أنفيعطي على الميسور والعسرفنزعت, مكذوبا عليك, ولمتردد إلى عوز ولا فقرقال مصعب بن عبد الله الزبيري في نسب قريش : "فزادوا فيها من غير قول الحطيئة :نادى وقد تمت صلاتهمأأزيدكم? ثملا ولا يدريليزيدهم خمسا, ولو فعلوامرت صلاتهم على العشروقد أكثر الناس فيما كان من خبر الوليد ، وما كان من شعر الحطيئة فيه .
وهذا نص من أعلم قريش بأمر قريش ، على أن البيتين قد نحلهما الحطيئة ، متكذب على الوليد ، لما كان له في الشأن في أمر عثمان رضي الله عنه .
ولقد جلد الوليدبن عقبة مكذوبا عليه كما قال الحطيئة ، فاعتزل الناس .
وروى أبو العباس المبرد في التعازي والمراثي (ورقة : 196) قال : : "قال الوليد بن عقبة عند الموت ، وهو بالبليخ من أرض الجزيرة : "اللهم إن كان أهل الكوفة صدقوا على ، فلا تلق روحي منك روحا ولا ريحانا ، وإن كانوا كذبوا على فلا ترضهم بأمير ولا ترض أميرا عنهم .
انتقم لي منهم ، واجعله كفارة لما لا يعلمون من ذنوبي" .
فليت أهل الشر كفوا ألسنتهم عن رجل من عقلاء الرجال وأشرافهم .
(41) لم أعرف قائله ، وهو في اللسان (كوف) والصاحبي : 187 .
والكوفان (بتشديد الواو) : الاختلاط والشدة والعناء .
يقال : إنا منه في كوفان ، أي في عنت وشقاء ودوران واختلاط .
(42) سلف تخريجه في هذا الجزء 2 : 165 .
(43) في معاني القرآن للفراء : "لم يسئ" ، بحذف"تجده" .
(44) في المطبوعة : "فتلوهم على ذلك ورضوا .
فنسب .
.
" ، والصواب ما أثبته من معاني القرآن للفراء 1 : 60 - 61 ، وهذا الذي نقله الطبري هو نص كلامه .
(45) انظر ما سلف في هذا الجزء 2 : 302 تعليق : 1 والمراجع .
(46) في المطبوعة : "وإن كان قد خرج على لفظ الخبر .
.
" ، والصواب : "إذ .
.
" كما أثبته .
(47) في المطبوعة : "أي وترضون .
.
" بزيادة واو لا خير فيها .

وإذا قيل لهم آمنوا بما أنـزل الله قالوا نؤمن بما أنـزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين

سورة : البقرة - الأية : ( 91 )  - الجزء : ( 1 )  -  الصفحة: ( 14 ) - عدد الأيات : ( 286 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون
  2. تفسير: لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه
  3. تفسير: وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين
  4. تفسير: واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين
  5. تفسير: إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين
  6. تفسير: وأهديك إلى ربك فتخشى
  7. تفسير: ويقول الذين كفروا لولا أنـزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد
  8. تفسير: فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين
  9. تفسير: من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين
  10. تفسير: قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

الله ,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب