﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾
[ النساء: 101]

سورة : النساء - An-Nisā’  - الجزء : ( 5 )  -  الصفحة: ( 94 )

And when you (Muslims) travel in the land, there is no sin on you if you shorten your Salat (prayer) if you fear that the disbelievers may attack you, verily, the disbelievers are ever unto you open enemies.


يفتِنكم : ينالكم بمكروه

وإذا سافرتم -أيها المؤمنون- في أرض الله، فلا حرج ولا إثم عليكم في قصر الصلاة إن خفتم من عدوان الكفار عليكم في حال صلاتكم، وكانت غالب أسفار المسلمين في بدء الإسلام مخوفة، والقصر رخصة في السفر حال الأمن أو الخوف. إن الكافرين مجاهرون لكم بعداوتهم، فاحذروهم.

وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن - تفسير السعدي

تفسير الآيتين 101 و102 :ـ هاتان الآيتان أصل في رخصة القصر، وصلاة الخوف، يقول تعالى: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ }- أي: في السفر، وظاهر الآية [أنه] يقتضي الترخص في أي سفر كان ولو كان سفر معصية، كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وخالف في ذلك الجمهور، وهم الأئمة الثلاثة وغيرهم، فلم يجوزوا الترخص في سفر المعصية، تخصيصا للآية بالمعنى والمناسبة، فإن الرخصة سهولة من الله لعباده إذا سافروا أن يقصروا ويفطروا، والعاصي بسفره لا يناسب حاله التخفيف.
وقوله: { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ }- أي: لا حرج ولا إثم عليكم في ذلك، ولا ينافي ذلك كون القصر هو الأفضل، لأن نفي الحرج إزالة لبعض الوهم الواقع في كثير من النفوس، بل ولا ينافي الوجوب كما تقدم ذلك في سورة البقرة في قوله: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } إلى آخر الآية.
وإزالة الوهم في هذا الموضع ظاهرة، لأن الصلاة قد تقرر عند المسلمين وجوبها على هذه الصفة التامة، ولا يزيل هذا عن نفوس أكثرهم إلا بذكر ما ينافيه.
ويدل على أفضلية القصر على الإتمام أمران: أحدهما: ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم على القصر في جميع أسفاره.
والثاني: أن هذا من باب التوسعة والترخيص والرحمة بالعباد، والله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته.
وقوله: { أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ } ولم يقل أن تقصروا الصلاة فيه فائدتان: إحداهما: أنه لو قال أن تقصروا الصلاة لكان القصر غير منضبط بحد من الحدود، فربما ظن أنه لو قصر معظم الصلاة وجعلها ركعة واحدة لأجزأ، فإتيانه بقوله: { مِنَ الصَّلَاةِ } ليدل ذلك على أن القصر محدود مضبوط، مرجوع فيه إلى ما تقرر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
الثانية: أن { من } تفيد التبعيض ليعلم بذلك أن القصر لبعض الصلوات المفروضات لا جميعها، فإن الفجر والمغرب لا يقصران وإنما الذي يقصر الصلاة الرباعية من أربع إلى ركعتين.
فإذا تقرر أن القصر في السفر رخصة، فاعلم أن المفسرين قد اختلفوا في هذا القيد، وهو قوله: { إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } الذي يدل ظاهره أن القصر لا يجوز إلا بوجود الأمرين كليهما، السفر مع الخوف.
ويرجع حاصل اختلافهم إلى أنه هل المراد بقوله: { أَنْ تَقْصُرُوا } قصر العدد فقط؟ أو قصر العدد والصفة؟ فالإشكال إنما يكون على الوجه الأول.
وقد أشكل هذا على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حتى سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لنا نقصر الصلاة وقد أمِنَّا؟- أي: والله يقول: { إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" أو كما قال.
فعلى هذا يكون هذا القيد أتى به نظرا لغالب الحال التي كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليها، فإن غالب أسفاره أسفار جهاد.
وفيه فائدة أخرى وهي بيان الحكمة والمصلحة في مشروعية رخصة القصر، فبيَّن في هذه الآية أنهى ما يتصور من المشقة المناسبة للرخصة، وهي اجتماع السفر والخوف، ولا يستلزم ذلك أن لا يقصر مع السفر وحده، الذي هو مظنة المشقة.
وأما على الوجه الثاني، وهو أن المراد بالقصر: قصر العدد والصفة فإن القيد على بابه، فإذا وجد السفر والخوف، جاز قصر العدد، وقصر الصفة، وإذا وجد السفر وحده جاز قصر العدد فقط، أو الخوف وحده جاز قصر الصفة.
ولذلك أتى بصفة صلاة الخوف بعدها بقوله: { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ }- أي: صليت بهم صلاة تقيمها وتتم ما يجب فيها ويلزم، فعلمهم ما ينبغي لك ولهم فعله.
ثم فسَّر ذلك بقوله: { فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ }- أي: وطائفة قائمة بإزاء العدو كما يدل على ذلك ما يأتي: { فَإِذَا سَجَدُوا }- أي: الذين معك- أي: أكملوا صلاتهم وعبر عن الصلاة بالسجود ليدل على فضل السجود، وأنه ركن من أركانها، بل هو أعظم أركانها.
{ فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا } وهم الطائفة الذين قاموا إزاء العدو { فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ } ودل ذلك على أن الإمام يبقى بعد انصراف الطائفة الأولى منتظرا للطائفة الثانية، فإذا حضروا صلى بهم ما بقي من صلاته ثم جلس ينتظرهم حتى يكملوا صلاتهم، ثم يسلم بهم وهذا أحد الوجوه في صلاة الخوف.
فإنها صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة كلها جائزة، وهذه الآية تدل على أن صلاة الجماعة فرض عين من وجهين: أحدهما: أن الله تعالى أمر بها في هذه الحالة الشديدة، وقت اشتداد الخوف من الأعداء وحذر مهاجمتهم، فإذا أوجبها في هذه الحالة الشديدة فإيجابها في حالة الطمأنينة والأمن من باب أَوْلَى وأحرى.
والثاني: أن المصلين صلاة الخوف يتركون فيها كثيرا من الشروط واللوازم، ويعفى فيها عن كثير من الأفعال المبطلة في غيرها، وما ذاك إلا لتأكد وجوب الجماعة، لأنه لا تعارض بين واجب ومستحب، فلولا وجوب الجماعة لم تترك هذه الأمور اللازمة لأجلها.
وتدل الآية الكريمة على أن الأولى والأفضل أن يصلوا بإمام واحد.
ولو تضمن ذلك الإخلال بشيء لا يخل به لو صلوها بعدة أئمة، وذلك لأجل اجتماع كلمة المسلمين واتفاقهم وعدم تفرق كلمتهم، وليكون ذلك أوقع هيبة في قلوب أعدائهم، وأمر تعالى بأخذ السلاح والحذر في صلاة الخوف، وهذا وإن كان فيه حركة واشتغال عن بعض أحوال الصلاة فإن فيه مصلحة راجحة وهو الجمع بين الصلاة والجهاد، والحذر من الأعداء الحريصين غاية الحرص على الإيقاع بالمسلمين والميل عليهم وعلى أمتعتهم، ولهذا قال تعالى: { وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً } ثم إن الله عذر من له عذر من مرض أو مطر أن يضع سلاحه، ولكن مع أخذ الحذر فقال: { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا } ومن العذاب المهين ما أمر الله به حزبه المؤمنين وأنصار دينه الموحدين من قتلهم وقتالهم حيثما ثقفوهم، ويأخذوهم ويحصروهم، ويقعدوا لهم كل مرصد، ويحذروهم في جميع الأحوال، ولا يغفلوا عنهم، خشية أن ينال الكفار بعض مطلوبهم فيهم.
فلله أعظم حمد وثناء على ما مَنَّ به على المؤمنين، وأيَّدَهم بمعونته وتعاليمه التي لو سلكوها على وجه الكمال لم تهزم لهم راية، ولم يظهر عليهم عدو في وقت من الأوقات.
وفي قوله: { فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ } يدل على أن هذه الطائفة تكمل جميع صلاتها قبل ذهابهم إلى موضع الحارسين.
وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يثبت منتظرا للطائفة الأخرى قبل السلام، لأنه أولا ذكر أن الطائفة تقوم معه، فأخبر عن مصاحبتهم له.
ثم أضاف الفعل بعْدُ إليهم دون الرسول، فدل ذلك على ما ذكرناه.
وفي قوله: { وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ } دليل على أن الطائفة الأولى قد صلوا، وأن جميع صلاة الطائفة الثانية تكون مع الإمام حقيقة في ركعتهم الأولى، وحكما في ركعتهم الأخيرة، فيستلزم ذلك انتظار الإمام إياهم حتى يكملوا صلاتهم، ثم يسلم بهم، وهذا ظاهر للمتأمل.

تفسير الآية 101 - سورة النساء

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح : الآية رقم 101 من سورة النساء

 سورة النساء الآية رقم 101

وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن - مكتوبة

الآية 101 من سورة النساء بالرسم العثماني


﴿ وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا  ﴾ [ النساء: 101]


﴿ وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ﴾ [ النساء: 101]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة النساء An-Nisā’ الآية رقم 101 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 101 من النساء صوت mp3


تدبر الآية: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن

الصَّلاة صلةٌ بين العبد وربِّه، لا تَقبل القطعَ إلا بذهاب مُوجِبها وهو العقل، وإن العبد لأحوَجُ ما يكون إلى تلك الصِّلة في موطنٍ هو مَظِنَّةُ فراقِ الدنيا، والإقبالِ على الآخرة.
لو كانت الصلاةُ تسقط عن المكلَّف في حالٍ من الأحوال لسقطَت عن المجاهد في ساحة حربه، وعن المسافر في عناء سفره.
لا تصدِّق ألسنةَ الكافرين المحاربين، وقد كشفَ عن قلوبهم ربُّ العالمين، فمعسولُ كلامِهم لا ينسخُ خبرَ خالقِهم سبحانه.

قوله وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ أى: إذا سافرتم، وأطلق الضرب في الأرض على السفر لأن المسافر يضرب برجله وبراحلته على الأرض.
والمراد من الأرض: ما يشمل البر والبحر.
أى إذا سافرتم- أيها المؤمنون- في أى مكان يسافر فيه من بر أو بحر فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أى: حرج أو إثم في أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ أى في أن تنقصوا منها ما خففه الله عنكم رحمة بكم.
وقوله تَقْصُرُوا من القصر وهو ضد المد.
يقال قصرت الشيء أى جعلته قصيرا بحذف بعض أجزائه أو أوصافه.
ومن في قوله مِنَ الصَّلاةِ يجوز أن تكون زائدة للتأكيد فيكون لفظ الصلاة مفعولا به لتقصروا.
ويجوز أن تكون للتبعيض فيكون المفعول محذوفا.
والجار والمجرور في موضع الصفة.
أى: فليس عليكم جناح في أن تقصروا شيئا من الصلاة.
وقوله إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا جملة شرطية وجوابها محذوف دل عليه ما قبله.
والمراد بالفتنة هنا: إنزال الأذى بالمؤمنين.
أى: إن خفتم أن يتعرض لكم المشركون بما تكرهونه من القتال أو غيره حين سفركم فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة.
وقوله إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً تعليل لتأكيد أخذ الحذر من الكفار دائما، لأن عداوتهم للمؤمنين ظاهرة، وكراهتهم لهم شديدة.
أى: إن الكافرين كانوا وما زالوا بالنسبة لكم- أيها المؤمنون- يظهرون العداوة، وما تخفيه صدورهم لكم من أحقاد وكراهية أشد وأكبر.
وقد أكد- سبحانه - هذه العداوة بإن الدالة على التوكيد، وبكان المفيدة للدوام والاستمرار، وبوصف هذه العداوة بالسفور والظهور، لكي يحترس المسلمون منهم أشد الاحتراس.
هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية ما يأتى:1- أن قصر الصلاة في السفر سنة.
ومنهم من يرى أن المصلى مخير فيه كما يخير في الكفارات.
ومنهم من يرى أنه فرض.
قال القرطبي ما ملخصه: واختلف العلماء في حكم القصر في السفر فروى عن جماعة أنه فرض وهو قول عمر بن عبد العزيز والكوفيين.
واحتجوا بحديث عائشة «فرضت الصلاة ركعتين ركعتين» ولا حجة فيه لمخالفتها له فإنها كانت تتم في السفر وذلك يوهنه ...
وحكى ابن الجهم أن أشهب روى عن مالك أن القصر فرض.
ومشهور مذهبه وجل أصحابه، وأكثر العلماء من السلف والخلف أن القصر سنة.
وهو الصحيح.
ومذهب عامة البغداديين من المالكيين أن الفرض التخيير.
ثم اختلفوا في أيهما أفضل، فقال بعضهم: القصر أفضل.. وقيل: الإتمام أفضل» .
أما بالنسبة لمسافة السفر التي يجوز معها قصر الصلاة للعلماء فيها أقوال منها: أن السفر الذي يسوغ القصر هو ما كان مسيرة ثلاثة أيام بلياليها بالسير المعتاد.
وهذا رأى الأحناف.
ومن حججهم قوله صلى الله عليه وسلم: «يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام بلياليها» وأيضا ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم منع المرأة من السفر فوق ثلاث إلا مع زوج أو محرم، فدل هذا على أن ما دون الثلاث لا يعد سفرا، بل هو في حكم الإقامة، حيث جعل الثلاث فاصلا بين الخروج بدون محرم وعدمه.
وأيضا فقد جرى عرف العرب أن الرجل كان لا يعتبر مسافرا إلا بسير نحو ثلاثة أيام.
أما المالكية والشافعية وأكثر الأئمة فيرون أن السفر الذي تقصر فيه الصلاة هو ما كان مسيرة يوم وليلة وقيل يوم فقط، وذلك لما رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد.
من مكة إلى عسفان، وقد قدرت هذه المسافة بمسيرة يوم وليلة أو يوم فقط.
ويرى داود الظاهري وأتباعه أن القصر في كل ما يسمى سفرا، سواء أكان قصيرا أم طويلا لأن المدار عندهم في تحقيق القصر على تحقيق شرطه وهو الضرب في الأرض، ولأن كلمة الضرب في الأرض قد جاءت على إطلاقها من غير تقييد بمدة معلومة ولا مسافة محدودة.
وقد رد جمهور العلماء عليهم بردود منها: أن الضرب في الأرض حقيقته الانتقال من مكان إلى مكان.
وظاهر أن مجرد الانتقال من مكان إلى آخر لا يكون سببا في الرخصة، فلا بد أن يكون السفر المرخص فيه بالقصر سفرا مخصوصا، وقد بينت السنة النبوية الشريفة مقداره على خلاف في الروايات.
هذا، وقد حكى القرطبي أقوال بعض العلماء في نقد أولئك الذين يأخذون الأمور بظواهرها بدون فهم سليم فقال:قال ابن العربي: وقد تلاعب قوم بالدين فقالوا: إن من خرج من البلد إلى ظاهره أكل وقصر وقائل هذا أعجمى لا يعرف السفر عند العرب، أو مستخف بالدين.
ولولا أن العلماء ذكروه لما رضيت أن ألمحه بمؤخر عيني، ولا أفكر فيه بفضول قلبي.
ولم يذكر حد السفر الذي يقع به القصر لا في القرآن ولا في السنة.
وإنما كان كذلك، لأنها كانت لفظة عربية مستقر علمها عند العرب الذين خاطبهم الله بالقرآن فنحن نعلم قطعا أن من برز عن الدور لبعض الأمور أنه لا يكون مسافرا لا لغة ولا شرعا.
وإن من مشى مسافرا ثلاثة أيام فإنه يكون مسافرا قطعا.
كما أننا نحكم على من مشى يوما وليلة أنه كان مسافرا، لحديث «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم منها» وهذا هو الصحيح لأنه وسط بين الحالين.
وعليه عول مالك.
ولكنه لم يجد هذا الحديث متفقا عليه، فقد روى مرة «يوما وليلة» ومرة «ثلاثة أيام» ...
ثم قال القرطبي: واختلفوا في نوع السفر الذي تقصر فيه الصلاة.
فأجمع الناس على الجهاد والحج والعمرة وما ضارعها من صلة رحم.. واختلفوا فيما سوى ذلك.
فالجمهور على جواز القصر في السفر المباح كالتجارة وغيرها.
وعلى أنه لا قصر في سفر المعصية كالباغي وقاطع الطريق وما في معناهما.
ثم قال: واختلف العلماء في مدة الإقامة التي إذا نواها المسافر أتم.
فقال مالك والشافعى والليث بن سعد: إذا نوى الإقامة أربعة أيام أتم.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا نوى الإقامة خمس عشرة ليلة أتم، وإن كان أقل من ذلك قصر.
2- ذهب جمهور العلماء إلى أن الآية الكريمة المقصود منها تشريع صلاة السفر، وأن المراد بالقصر في قوله «أن تقصروا من الصلاة» هو القصر في الكمية أى في عدد الركعات، بأن يصلى المسافر الصلاة الرباعية ركعتين، وأن حكمها للمسافر في حال الأمن كحكمها في حال الخوف لتظاهر السنن على مشروعيتها مطلقا.
وقد وضح هذه المسألة الإمام ابن كثير توضيحا حسنا فقال ما ملخصه: وقوله-تبارك وتعالى- إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا الشرط فيه خرج مخرج الغالب حال نزول هذه الآية.
إذ كانت أسفارهم بعد الهجرة في مبدئها مخوفة.
بل كانوا لا ينهضون إلا إلى غزو عام، أو سرية خاصة، وسائر الأحياء حرب للإسلام وأهله.
والمنطوق إذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له.
كقوله-تبارك وتعالى- وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً وقوله-تبارك وتعالى- وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ.
ومما يشهد بأن للمسافر أن يقصر سواء أكان آمنا أم خائفا ما رواه الترمذي والنسائي عن ابن عباس.
أن النبي صلى الله عليه وسلم: خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا الله رب العالمين فصلى ركعتين.
وروى البخاري عن حارثة بن وهب الخزاعي قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن ما كان بمنى ركعتين.
وروى البخاري عن أنس قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة.
فكان يصلى ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة.
وروى مسلم وأحمد وأهل السنن عن يعلى بن أمية قال: سألت عمر بن الخطاب.
قلت له:قوله-تبارك وتعالى-: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا.
وقد أمن الناس؟ فقال لي عمر: عجبت مما عجبت منه.
فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» .
وروى أبو بكر بن أبى شيبة عن أبى حنظلة الحذاء قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر؟فقال: ركعتان، فقلت له: أين قوله، إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ونحن آمنون؟فقال: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فأنت ترى من هذه النصوص أنها تدل على أن الآية الكريمة مسوقة في تشريع صلاة السفر سواء أكان المسافر آمنا أم خائفا، وأن قوله-تبارك وتعالى- أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ المراد من القصر هنا قصر عدد الركعات من أربع إلى اثنين كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره، وأن القصر للصلاة في السفر بالنظر لما كانت عليه في الحضر.
قالوا: ومما يدل على أن لفظ القصر كان مخصوصا في عرفهم بنقص عدد الركعات، ما رواه البخاري عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «انصرف من اثنتين- أى صلى الصلاة الرباعية ركعتين عن سهو- فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ ....هذا ويرى بعض العلماء أن هذه الآية نزلت في صلاة الخوف، وأن المقصود بالقصر هنا هو قصر الكيفية لا الكمية- أى تخفيف ما اشتملت عليه من قراءة وتسبيح وغير ذلك- لأنهم يرون أن كمية صلاة المسافر ركعتان فهي تمام غير قصر.
قال ابن كثير ما ملخصه: ومن العلماء من قال: إن المراد من القصر هاهنا إنما هو قصر الكيفية لا الكمية وهو قول مجاهد والضحاك والسدى واعتقدوا بما رواه الإمام مالك عن عائشة أنها قالت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في السفر والحضر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر.
قالوا: فإذا كان أصل الصلاة في السفر هي اثنتين فكيف يكون المراد بالقصر هنا قصر الكمية.
لأن ما هو الأصل لا يقال فيه فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ.
وروى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة عن عمر- رضى الله عنه- قال: صلاة السفر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم» .
وقال القرطبي: وذهب جماعة إلى أن هذه الآية إنما هي مبيحة للقصر في السفر للخائف من العدو فمن كان آمنا فلا قصر له.
روى عن عائشة أنها كانت تقول في السفر: أتموا صلاتكم.
فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصر.
فقالت: إنه كان في حرب وكان يخاف وهل أنتم تخافون؟ ...
وذهب جماعة إلى أن الله-تبارك وتعالى- لم يبح القصر في كتابه إلا بشرطين: السفر والخوف وفي غير الخوف بالسنة .
ويبدو لنا أن الأولى ما ذهب إليه جمهور العلماء من أن الآية الكريمة المقصود منها تشريع صلاة السفر وأن المراد بالقصر فيها قصر كمية الصلاة بحيث يصلى المسافر الصلاة الرباعية ركعتين تخفيفا من الله-تبارك وتعالى- عليه، سواء أكان في حالة أمن أم حالة خوف، لأن النصوص التي ساقها الجمهور لتأييد رأيهم صريحة في صحة ما ذهبوا إليه، ولأن القصر في اللغة معناه أن تقتصر من الشيء على بعضه، وهذا أظهر ما يكون في قصر الركعات على اثنين بدل أربع، أما القصر في الصفة أو الكيفية فهو تغيير في الصلاة لا إتيان بالبعض، إذ هو إحلال للإيماء محل الركوع والسجود- مثلا-.
وأيضا فإن مِنَ في قوله أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ تكون أظهر في الاقتصار على بعض الركعات عند من يجعل هذا الحرف للتبعيض.
ومن أراد مزيد بيان لتلك المسائل فليرجع إلى أمهات كتب الفقه والتفسير.
قوله تعالى : وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينافيه عشر مسائل :الأولى : قوله تعالى : ضربتم سافرتم ، وقد تقدم .
واختلف العلماء في حكم القصر في السفر ؛ فروي عن جماعة أنه فرض .
وهو قول عمر بن عبد العزيز والكوفيين والقاضي إسماعيل وحماد بن أبي سليمان ؛ واحتجوا بحديث عائشة رضي الله عنها ( فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ) الحديث ، ولا حجة فيه لمخالفتها له ؛ فإنها كانت تتم في السفر وذلك يوهنه .
وإجماع فقهاء الأمصار على أنه ليس بأصل يعتبر في صلاة المسافر خلف المقيم ؛ وقد قال غيرها من الصحابة كعمر وابن عباس وجبير بن مطعم : ( إن الصلاة فرضت في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة ) رواه مسلم عن ابن عباس .
ثم إن حديث عائشة قد رواه ابن عجلان عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة قالت : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ركعتين ركعتين .
وقال فيه الأوزاعي عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت : فرض الله الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ركعتين ؛ الحديث ، وهذا اضطراب .
ثم إن قولها : ( فرضت الصلاة ) ليس على ظاهره ؛ فقد خرج عنه صلاة المغرب والصبح ؛ فإن المغرب ما زيد فيها ولا نقص منها .
وكذلك الصبح ، وهذا كله - يضعف متنه لا سنده .
وحكى ابن الجهم أن أشهب روى عن مالك أن القصر فرض ، ومشهور مذهبه وجل أصحابه وأكثر العلماء من السلف والخلف أن القصر سنة ، وهو قول الشافعي ، وهو الصحيح على ما يأتي بيانه إن شاء الله .
ومذهب عامة البغداديين من المالكيين أن الفرض التخيير ؛ وهو قول أصحاب الشافعي .
ثم اختلفوا في أيهما أفضل ؛ فقال بعضهم : القصر أفضل ؛ وهو قول الأبهري وغيره .
وقيل : إن الإتمام أفضل ؛ وحكي عن الشافعي .
وحكى أبو سعيد الفروي المالكي أن الصحيح في مذهب مالك التخيير للمسافر في الإتمام والقصر .
قلت : وهو الذي يظهر من قوله سبحانه وتعالى : فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إلا أن مالكا رحمه الله يستحب له القصر ، وكذلك يرى عليه الإعادة في الوقت إن أتم .
وحكى أبو مصعب في " مختصره " عن مالك وأهل المدينة قال : القصر في السفر للرجال والنساء سنة .
قال أبو عمر : وحسبك بهذا في مذهب مالك ، مع أنه لم يختلف قوله : أن من أتم في السفر يعيد ما دام في الوقت ؛ وذلك استحباب عند من فهم ، لا إيجاب .
وقال الشافعي : القصر في غير الخوف بالسنة ، وأما في الخوف مع السفر فبالقرآن والسنة ؛ ومن صلى أربعا فلا شيء عليه ، ولا أحب لأحد أن يتم في السفر رغبة عن السنة .
وقال أبو بكر الأثرم : قلت لأحمد بن حنبل للرجل أن يصلي في السفر أربعا ؟ قال : لا ، ما يعجبني ، السنة ركعتان .
وفي موطأ مالك عن ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد ، أنه سأل عبد الله بن عمر فقال : يا أبا عبد الرحمن إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة السفر ؟ فقال عبد الله بن عمر : يا ابن أخي إن الله تبارك وتعالى بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا ، فإنا نفعل كما رأيناه يفعل .
ففي هذا الخبر قصر الصلاة في السفر من غير خوف سنة لا فريضة ؛ لأنها لا ذكر لها في القرآن ، وإنما القصر المذكور في القرآن إذا كان سفرا وخوفا واجتمعا ؛ فلم يبح القصر في كتابه إلا مع هذين الشرطين .
ومثله في القرآن : ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح الآية ، وقد تقدم .
ثم قال تعالى : فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة أي فأتموها ؛ وقصر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أربع إلى اثنتين إلا المغرب في أسفاره كلها آمنا لا يخاف إلا الله تعالى ؛ فكان ذلك سنة مسنونة منه صلى الله عليه وسلم ، زيادة في أحكام الله تعالى كسائر ما سنه وبينه ، مما ليس له في القرآن ذكر .
وقوله : " كما رأيناه يفعل " مع حديث عمر حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القصر في السفر من غير خوف ؛ فقال : تلك صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته يدل على أن الله تعالى قد يبيح الشيء في كتابه بشرط ثم يبيح ذلك الشيء على لسان نبيه من غير ذلك الشرط .
وسأل حنظلة ابن عمر عن صلاة السفر فقال : ركعتان .
قلت : فأين قوله تعالى : إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ونحن آمنون ؛ قال : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فهذا ابن عمر قد أطلق عليها سنة ؛ وكذلك قال ابن عباس .
فأين المذهب عنهما ؟ قال أبو عمر : ولم يقم مالك إسناد هذا الحديث ؛ لأنه لم يسم الرجل الذي سأل ابن عمر ، وأسقط من الإسناد رجلا ، والرجل الذي لم يسمه هو أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، والله أعلم .
الثانية : واختلف العلماء في حد المسافة التي تقصر فيها الصلاة ؛ فقال داود : تقصر في كل سفر طويل أو قصير ، ولو كان ثلاثة أميال من حيث تؤتى الجمعة ؛ متمسكا بما رواه مسلم عن يحيى بن يزيد الهنائي قال : سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ - شعبة الشاك - صلى ركعتين .
وهذا لا حجة فيه ؛ لأنه مشكوك فيه ، وعلى تقدير أحدهما فلعله حد المسافة التي بدأ منها القصر ، وكان سفرا طويلا زائدا على ذلك ، والله أعلم .
قال ابن العربي : وقد تلاعب قوم بالدين فقالوا : إن من خرج من البلد إلى ظاهره قصر وأكل ، وقائل هذا أعجمي لا يعرف السفر عند العرب أو مستخف بالدين ، ولولا أن العلماء ذكروه لما رضيت أن ألمحه بمؤخر عيني ، ولا أفكر فيه بفضول قلبي .
ولم يذكر حد السفر الذي يقع به القصر لا في القرآن ولا في السنة ، وإنما كان كذلك لأنها كانت لفظة عربية مستقر علمها عند العرب الذين - خاطبهم الله تعالى بالقرآن ؛ فنحن نعلم قطعا أن من برز عن الدور لبعض الأمور أنه لا يكون مسافرا لغة ولا شرعا ، وإن مشى مسافرا ثلاثة أيام فإنه مسافر قطعا .
كما أنا نحكم على أن من مشى يوما وليلة كان مسافرا ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم منها وهذا هو الصحيح ، لأنه وسط بين الحالين وعليه عول مالك ، ولكنه لم يجد هذا الحديث متفقا عليه ، وروي مرة ( يوما وليلة ) ومرة ( ثلاثة أيام ) فجاء إلى عبد الله بن عمر فعول على فعله ، فإنه كان يقصر الصلاة إلى رئم ، وهي أربعة برد ؛ لأن ابن عمر كان كثير الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .
قال غيره : وكافة العلماء على أن القصر إنما شرع تخفيفا ، وإنما يكون في السفر الطويل الذي تلحق به المشقة غالبا ، فراعى مالك والشافعي وأصحابهما والليث والأوزاعي وفقهاء أصحاب الحديث أحمد وإسحاق وغيرهما يوما تاما .
وقول مالك يوما وليلة راجع إلى اليوم التام ، لأنه لم يرد بقوله : مسيرة يوم وليلة أن يسير النهار كله والليل كله ، وإنما أراد أن يسير سيرا يبيت فيه بعيدا عن أهله ولا يمكنه الرجوع إليهم .
وفي البخاري : وكان ابن عمر وابن عباس يفطران ويقصران في أربعة برد ، وهي ستة عشر فرسخا ، وهذا مذهب مالك .
وقال الشافعي والطبري : ستة وأربعون ميلا .
وعن مالك في العتبية فيمن خرج إلى ضيعته على خمسة وأربعين ميلا قال : يقصر ، وهو أمر متقارب .
وعن مالك في الكتب المنثورة : أنه يقصر في ستة وثلاثين ميلا ، وهي تقرب من يوم وليلة .
وقال يحيى بن عمر : يعيد أبدا .
ابن عبد الحكم : في الوقت ! .
وقال الكوفيون : لا يقصر في أقل من مسيرة ثلاثة أيام ؛ وهو قول عثمان وابن مسعود وحذيفة .
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم .
قال أبو حنيفة : ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل ومشي الأقدام .
وقال الحسن والزهري : تقصر الصلاة في مسيرة يومين ؛ وروي هذا القول عن مالك ، ورواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تسافر المرأة مسيرة ليلتين إلا مع زوج أو ذي محرم .
وقصر ابن عمر في ثلاثين ميلا ، وأنس في خمسة عشر ميلا .
وقال الأوزاعي : عامة العلماء في القصر على اليوم التام ، وبه نأخذ .
قال أبو عمر : اضطربت الآثار المرفوعة في هذا الباب كما ترى في ألفاظها ؛ ومجملها عندي - والله أعلم - أنها خرجت على أجوبة السائلين ، فحدث كل واحد بمعنى ما سمع ، كأنه قيل له صلى الله عليه وسلم في وقت ما : هل تسافر المرأة مسيرة يوم بغير محرم ؟ فقال : لا .
وقيل له في وقت آخر : هل تسافر المرأة يومين بغير محرم ؟ فقال : لا .
وقال له آخر : هل تسافر المرأة مسيرة ثلاثة أيام بغير محرم ؟ فقال : لا .
وكذلك معنى الليلة والبريد على ما روي ، فأدى كل واحد ما سمع على المعنى ، والله أعلم .
ويجمع معاني الآثار في هذا الباب - وإن اختلفت ظواهرها - الحظر على المرأة أن تسافر سفرا يخاف عليها فيه الفتنة بغير محرم ، قصيرا كان أو طويلا .
والله أعلم .
الثالثة : واختلفوا في نوع السفر الذي تقصر فيه الصلاة ، فأجمع الناس على الجهاد والحج والعمرة وما ضارعها من صلة رحم وإحياء نفس .
واختلفوا فيما سوى ذلك ، فالجمهور على جواز القصر في السفر المباح كالتجارة ونحوها .
وروي عن ابن مسعود أنه قال : لا تقصر الصلاة إلا في حج أو جهاد .
وقال عطاء : لا تقصر إلا في سفر طاعة وسبيل من سبل الخير .
وروي عنه أيضا : تقصر في كل السفر المباح مثل قول الجمهور .
وقال مالك : إن خرج للصيد لا لمعاشه ولكن متنزها ، أو خرج لمشاهدة بلدة متنزها ومتلذذا لم يقصر .
والجمهور من العلماء على أنه لا قصر في سفر المعصية ؛ كالباغي وقاطع الطريق وما في معناهما .
وروي عن أبي حنيفة والأوزاعي إباحة القصر في جميع ذلك ، وروي عن مالك .
وقد تقدم في " البقرة " واختلف عن أحمد ، فمرة قال بقول الجمهور ، ومرة قال : لا يقصر إلا في حج أو عمرة .
والصحيح ما قاله الجمهور ، لأن القصر إنما شرع تخفيفا عن المسافر للمشقات اللاحقة فيه ، ومعونته على ما هو بصدده مما يجوز ، وكل الأسفار في ذلك سواء ؛ لقوله تعالى : وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أي إثم أن تقصروا من الصلاة فعم .
وقال عليه السلام خير عباد الله الذين إذا سافروا قصروا وأفطروا .
وقال الشعبي : إن الله يحب أن يعمل برخصه كما يحب أن يعمل بعزائمه .
وأما سفر المعصية فلا يجوز القصر فيه ؛ لأن ذلك يكون عونا له على معصية الله .
والله تعالى يقول : وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوانالرابعة : واختلفوا متى يقصر ، فالجمهور على أن المسافر لا يقصر حتى يخرج من بيوت القرية ، وحينئذ هو ضارب في الأرض ، وهو قول مالك في المدونة .
ولم يحد مالك في القرب حدا .
وروي عنه إذا كانت قرية تجمع أهلها فلا يقصر أهلها حتى يجاوزوها بثلاثة أميال ، وإلى ذلك في الرجوع .
وإن كانت لا تجمع أهلها قصروا إذا جاوزوا بساتينها .
وروي عن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرا فصلى بهم ركعتين في منزله ، وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب ابن مسعود ، وبه قال عطاء بن أبي رباح وسليمان بن موسى .
قلت : ويكون معنى الآية على هذا : وإذا ضربتم في الأرض أي إذا عزمتم على الضرب في الأرض .
والله أعلم .
وروي عن مجاهد أنه قال : لا يقصر المسافر يومه الأول حتى الليل .
وهذا شاذ ؛ وقد ثبت من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين .
أخرجه الأئمة ، وبين ذي الحليفة والمدينة نحو من ستة أميال أو سبعة .
الخامسة : وعلى المسافر أن ينوي القصر من حين الإحرام ؛ فإن افتتح الصلاة بنية القصر ثم عزم على المقام في أثناء صلاته جعلها نافلة ، وإن كان ذلك بعد أن صلى منها ركعة أضاف إليها أخرى وسلم ، ثم صلى صلاة مقيم .
قال الزهري وابن الجلاب : هذا - والله أعلم - استحباب ولو بنى على صلاته وأتمها أجزأته صلاته .
قال أبو عمر : هو عندي كما قالا ؛ لأنها ظهر ، سفرية كانت أو حضرية وكذلك سائر الصلوات الخمس .
السادسة : واختلف العلماء من هذا الباب في مدة الإقامة التي إذا نواها المسافر أتم ؛ فقال مالك والشافعي والليث بن سعد والطبري وأبو ثور : إذا نوى الإقامة أربعة أيام أتم ؛ وروي عن سعيد بن المسيب .
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري : إذا نوى إقامة خمس عشرة ليلة أتم ، وإن كان أقل قصر .
وهو قول ابن عمر وابن عباس ولا مخالف لهما من الصحابة فيما ذكر الطحاوي ، وروي عن سعيد أيضا .
وقال أحمد : إذا جمع المسافر مقام إحدى وعشرين صلاة مكتوبة قصر ، وإن زاد على ذلك أتم ، وبه قال داود .
والصحيح ما قاله مالك ؛ لحديث ابن الحضرمي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام ثم يصدر .
أخرجه الطحاوي وابن ماجه وغيرهما .
ومعلوم أن الهجرة إذ كانت مفروضة قبل الفتح كان المقام بمكة لا يجوز ؛ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجر ثلاثة أيام لتقضية حوائجه وتهيئة أسبابه ، ولم يحكم لها بحكم المقام ولا في حيز الإقامة ، وأبقى عليه فيها حكم المسافر ، ومنعه من مقام الرابع ، فحكم له بحكم الحاضر القاطن ؛ فكان ذلك أصلا معتمدا عليه .
ومثله ما فعله عمر رضي الله عنه حين أجلى اليهود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فجعل لهم مقام ثلاثة أيام في قضاء أمورهم .
قال ابن العربي : وسمعت بعض أحبار المالكية يقول : إنما كانت الثلاثة الأيام خارجة عن حكم الإقامة ؛ لأن الله تعالى أرجأ فيها من أنزل به العذاب وتيقن الخروج عن الدنيا ؛ فقال تعالى : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب .
وفي المسألة قول غير هذه الأقوال ، وهو أن المسافر يقصر أبدا حتى يرجع إلى وطنه ، أو ينزل وطنا له .
روي عن أنس أنه أقام سنتين بنيسابور يقصر الصلاة .
وقال أبو مجلز : قلت لابن عمر : إني آتي المدينة فأقيم بها السبعة الأشهر والثمانية طالبا حاجة ، فقال : صل ركعتين .
وقال أبو إسحاق السبيعي : أقمنا بسجستان ومعنا رجال من أصحاب ابن مسعود سنتين نصلي ركعتين .
وأقام ابن عمر بأذربيجان يصلي ركعتين ركعتين ؛ وكان الثلج حال بينهم وبين القفول : قال أبو عمر : محمل هذه الأحاديث عندنا على ألا نية لواحد من هؤلاء المقيمين هذه المدة ؛ وإنما مثل ذلك أن يقول : أخرج اليوم ، أخرج غدا ؛ وإذا كان هكذا فلا عزيمة هاهنا على الإقامة .
السابعة : روى مسلم عن عروة عن عائشة قالت : فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ، ثم أتمها في الحضر ، وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى .
قال الزهري : فقلت لعروة ما بال عائشة تتم في السفر ؟ قال : إنها تأولت ما تأول عثمان .
وهذا جواب ليس بموعب .
وقد اختلف الناس في تأويل إتمام عثمان وعائشة رضي الله عنهما على أقوال : فقال معمر عن الزهري : إن عثمان رضي الله عنه إنما صلى بمنى أربعا لأنه أجمع على الإقامة بعد الحج .
وروى مغيرة عن إبراهيم أن عثمان صلى أربعا لأنه اتخذها وطنا .
وقال يونس عن الزهري قال : لما اتخذ عثمان الأموال بالطائف وأراد أن يقيم بها صلى أربعا .
قال : ثم أخذ به الأئمة بعده .
وقال أيوب عن الزهري ، إن عثمان بن عفان أتم الصلاة بمنى من أجل الأعراب ؛ لأنهم كثروا عامئذ فصلى بالناس أربعا ليعلمهم أن الصلاة أربع .
ذكر هذه الأقوال كلها أبو داود في مصنفه في كتاب المناسك في باب الصلاة بمنى .
وذكر أبو عمر في ( التمهيد ) قال ابن جريج : وبلغني إنما أوفاها عثمان أربعا بمنى ، من أجل أن أعرابيا ناداه في مسجد الخيف بمنى فقال : يا أمير المؤمنين ، ما زلت أصليها ركعتين منذ رأيتك عام الأول ؛ فخشي عثمان أن يظن جهال الناس أنما الصلاة ركعتان .
قال ابن جريج : وإنما أوفاها بمنى فقط .
قال أبو عمر : وأما التأويلات في إتمام عائشة فليس منها شيء يروى عنها ، وإنما هي ظنون وتأويلات لا يصحبها دليل .
وأضعف ما قيل في ذلك : إنها أم المؤمنين ، وإن الناس حيث كانوا هم بنوها ، وكان منازلهم منازلها ، وهل كانت أم المؤمنين إلا أنها زوج النبي أبي المؤمنين صلى الله عليه وسلم وهو الذي سن القصر في أسفاره وفي غزواته وحجه وعمره .
وفي قراءة أبي بن كعب ومصحفه " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم " .
وقال مجاهد في قوله تعالى : هؤلاء بناتي هن أطهر لكم قال : لم يكن بناته ولكن كن نساء أمته ، وكل نبي فهو أبو أمته .
قلت : وقد اعترض على هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مشرعا ، وليست هي كذلك فانفصلا .
وأضعف من هذا قول من قال : إنها حيث أتمت لم تكن في سفر جائز ؛ وهذا باطل قطعا ، فإنها كانت أخوف لله وأتقى من أن تخرج في سفر لا يرضاه .
وهذا التأويل عليها من أكاذيب الشيعة المبتدعة وتشنيعاتهم ؛ سبحانك هذا بهتان عظيم ! وإنما خرجت رضي الله عنها مجتهدة محتسبة تريد أن تطفئ نار الفتنة ، إذ هي أحق أن يستحيا منها فخرجت الأمور عن الضبط .
وسيأتي بيان هذا المعنى إن شاء الله تعالى .
وقيل : إنها أتمت لأنها لم تكن ترى القصر إلا في الحج والعمرة والغزوة .
وهذا باطل ؛ لأن ذلك لم ينقل عنها ولا عرف من مذهبها ، ثم هي قد أتمت في سفرها إلى علي .
وأحسن ما قيل في قصرها وإتمامها أنها أخذت برخصة الله ؛ لتري الناس ، أن الإتمام ليس فيه حرج وإن كان غيره أفضل .
وقد قال عطاء : القصر سنة ورخصة ، وهو الراوي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام وأفطر وأتم الصلاة وقصر في السفر ، رواه أبو طلحة بن عمر .
وعنه قال : كل ذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صام وأفطر وقصر الصلاة وأتم .
وروى النسائي بإسناد صحيح أن عائشة اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ! قصرت وأتممت وأفطرت وصمت ؟ فقال : أحسنت يا عائشة وما عاب علي .
كذا هو مقيد بفتح التاء الأولى وضم الثانية في الكلمتين .
وروى الدارقطني عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم ؛ قال إسناده صحيح .
الثامنة : قوله تعالى : أن تقصروا من الصلاة أن في موضع نصب ، أي في أن تقصروا .
قال أبو عبيد : فيها ثلاث لغات : قصرت الصلاة وقصرتها وأقصرتها .
واختلف العلماء في تأويله ، فذهب جماعة من العلماء إلى أنه القصر إلى اثنتين من أربع في الخوف وغيره ؛ لحديث يعلى بن أمية على ما يأتي .
وقال آخرون : إنما هو قصر الركعتين إلى ركعة ، والركعتان في السفر إنما هي تمام ، كما قال عمر رضي الله عنه : تمام غير قصر ، وقصرها أن تصير ركعة .
قال السدي : إذا صليت في السفر ركعتين فهو تمام ، والقصر لا يحل إلا أن تخاف ، فهذه الآية مبيحة أن تصلي كل طائفة ركعة لا تزيد عليها شيئا ، ويكون للإمام ركعتان .
وروي نحوه عن ابن عمر وجابر بن عبد الله وكعب ، وفعله حذيفة بطبرستان وقد سأله الأمير سعيد بن العاص عن ذلك .
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك في غزوة ذي قرد ركعة لكل طائفة ولم يقضوا .
وروى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعة سحابة يوم محارب خصفة وبني ثعلبة .
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك بين ضجنان وعسفان .
قلت : وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة .
وهذا يؤيد هذا القول ويعضده ، إلا أن القاضي أبا بكر بن العربي ذكر في كتابه المسمى ( بالقبس ) : قال علماؤنا رحمة الله عليهم هذا الحديث مردود بالإجماع .
قلت : وهذا لا يصح ، وقد ذكر هو وغيره الخلاف والنزاع فلم يصح ما ادعوه من الإجماع وبالله التوفيق .
وحكى أبو بكر الرازي الحنفي في ( أحكام القرآن ) أن المراد بالقصر هاهنا القصر في صفة الصلاة بترك الركوع والسجود إلى الإيماء ، وبترك القيام إلى الركوع .
وقال آخرون : هذه الآية مبيحة للقصر من حدود الصلاة وهيئتها عند المسايفة واشتعال الحرب ، فأبيح لمن هذه حاله أن يصلي إيماء برأسه ، ويصلي ركعة واحدة حيث توجه ، إلى تكبيرة ؛ على ما تقدم في " البقرة " .
ورجح الطبري هذا القول وقال : إنه يعادله قوله تعالى : فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة أي بحدودها وهيئتها الكاملة .
قلت : هذه الأقوال الثلاثة في المعنى متقاربة ، وهي مبنية على أن فرض المسافر القصر ، وإن الصلاة في حقه ما نزلت إلا ركعتين ، فلا قصر .
ولا يقال في العزيمة لا جناح ، ولا يقال فيما شرع ركعتين إنه قصر ، كما لا يقال في صلاة الصبح ذلك .
وذكر الله تعالى القصر بشرطين والذي يعتبر فيه الشرطان صلاة الخوف ؛ هذا ما ذكره أبو بكر الرازي في ( أحكام القرآن ) واحتج به ، ورد عليه بحديث يعلى بن أمية على ما يأتي آنفا إن شاء الله تعالى .
التاسعة : قوله تعالى : إن خفتم خرج الكلام على الغالب ، إذ كان الغالب على المسلمين الخوف في الأسفار ؛ ولهذا قال يعلى بن أمية قلت لعمر : ما لنا نقصر وقد أمنا .
قال عمر : عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته .
قلت : وقد استدل أصحاب الشافعي وغيرهم على الحنفية بحديث يعلى بن أمية هذا فقالوا : إن قوله : " ما لنا نقصر وقد أمنا " دليل قاطع على أن مفهوم الآية القصر في الركعات .
قال الكيا الطبري : ولم يذكر أصحاب أبي حنيفة على هذا تأويلا يساوي الذكر ؛ ثم إن صلاة الخوف لا يعتبر فيها الشرطان ؛ فإنه لو لم يضرب في الأرض ولم يوجد السفر بل جاءنا الكفار وغزونا في بلادنا فتجوز صلاة الخوف ؛ فلا يعتبر وجود الشرطين على ما قاله .
وفي قراءة أبي " أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا " بسقوط إن خفتم .
والمعنى على قراءته : كراهية أن يفتنكم الذين كفروا .
وثبت في مصحف عثمان رضي الله عنه إن خفتم .
وذهب جماعة إلى أن هذه الآية إنما هي مبيحة للقصر في السفر للخائف من العدو ؛ فمن كان آمنا فلا قصر له .
روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول في السفر : أتموا صلاتكم ؛ فقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصر ، فقالت : إنه كان في حرب وكان يخاف ، وهل أنتم تخافون ؟ .
وقال عطاء : كان يتم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وسعد بن أبي وقاص وأتم عثمان ، ولكن ذلك معلل بعلل تقدم بعضها .
وذهب جماعة إلى أن الله تعالى لم يبح القصر في كتابه إلا بشرطين : السفر والخوف ، وفي غير الخوف بالسنة ، منهم الشافعي وقد تقدم .
وذهب آخرون إلى أن قوله تعالى : إن خفتم ليس متصلا بما قبل ، وأن الكلام تم عند قوله : من الصلاة ثم افتتح فقال : إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا فأقم لهم يا محمد صلاة الخوف .
وقوله : إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا كلام معترض ، قاله الجرجاني وذكره المهدوي وغيرهما .
ورد هذا القول القشيري والقاضي أبو بكر بن العربي .
قال القشيري أبو نصر : وفي الحمل على هذا تكلف شديد ، وإن أطنب الرجل - يريد الجرجاني - في التقدير وضرب الأمثلة .
وقال ابن العربي : وهذا كله لم يفتقر إليه عمر ولا ابنه ولا يعلى بن أمية معهما .
قلت : قد جاء حديث بما قاله الجرجاني ذكره القاضي أبو الوليد بن رشد في مقدماته ، وابن عطية أيضا في تفسيره عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : سأل قوم من التجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي ؟ فأنزل الله تعالى : وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ثم انقطع الكلام ، فلما كان بعد ذلك بحول غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر ، فقال المشركون : لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم ؟ فقال قائل منهم : إن لهم أخرى في أثرها فأنزل الله تعالى بين الصلاتين إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إلى آخر صلاة الخوف .
فإن صح هذا الخبر فليس لأحد معه مقال ، ويكون فيه دليل على القصر في غير الخوف بالقرآن .
وقد روي عن ابن عباس أيضا مثله ، قال : إن قوله تعالى : وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة نزلت في الصلاة في السفر ، ثم نزل إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا في الخوف بعدها بعام .
فالآية على هذا تضمنت قضيتين وحكمين .
فقوله : وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة يعني به في السفر ؛ وتم الكلام ، ثم ابتداء فريضة أخرى فقدم الشرط ، والتقدير : إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة .
والواو زائدة ، والجواب فلتقم طائفة منهم معك .
وقوله : إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا اعتراض .
وذهب قوم إلى أن ذكر الخوف منسوخ بالسنة ، وهو حديث عمر إذ روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : هذه صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته .
قال النحاس : من جعل قصر النبي صلى الله عليه وسلم في غير خوف وفعله في ذلك ناسخا للآية فقد غلط ؛ لأنه ليس في الآية منع للقصر في الأمن ، وإنما فيها إباحة القصر في الخوف فقط .
العاشرة : قوله تعالى : أن يفتنكم الذين كفروا قال الفراء : أهل الحجاز يقولون فتنت الرجل .
وربيعة وقيس وأسد وجميع أهل نجد يقولون أفتنت الرجل .
وفرق الخليل وسيبويه بينهما فقالا : فتنته جعلت فيه فتنة مثل أكحلته ، وأفتنته جعلته مفتتنا .
وزعم الأصمعي أنه لا يعرف أفتنته .
إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا عدوا هاهنا بمعنى أعداء .
والله أعلم .


شرح المفردات و معاني الكلمات : ضربتم , الأرض , فليس , جناح , تقصروا , الصلاة , خفتم , يفتنكم , كفروا , الكافرين , عدوا , مبينا ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم

  1. يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم
  2. فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما
  3. وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا
  4. فإنهم عدو لي إلا رب العالمين
  5. والذين هم على صلواتهم يحافظون
  6. إنه فكر وقدر
  7. إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس
  8. فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين
  9. قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا
  10. هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون

تحميل سورة النساء mp3 :

سورة النساء mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة النساء

سورة النساء بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة النساء بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة النساء بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة النساء بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة النساء بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة النساء بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة النساء بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة النساء بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة النساء بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة النساء بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Saturday, April 20, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب