﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾
[ التوبة: 118]

سورة : التوبة - At-Tawbah  - الجزء : ( 11 )  -  الصفحة: ( 206 )

And (He did forgive also) the three [who did not join the Tabuk expedition (whom the Prophet SAW)] left (i.e. he did not give his judgement in their case, and their case was suspended for Allah's Decision) till for them the earth, vast as it is, was straitened and their ownselves were straitened to them, and they perceived that there is no fleeing from Allah, and no refuge but with Him. Then, He accepted their repentance, that they might repent (unto Him). Verily, Allah is the One Who accepts repentance, Most Merciful.


بما رحُبت : مع رُحبها و سعتها
ليتوبوا : ليُداوموا على التّوبة في المستقبل

وكذلك تاب الله على الثلاثة الذين خُلِّفوا من الأنصار -وهم كعب بن مالك وهلال بن أُميَّة ومُرَارة بن الربيع- تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحزنوا حزنًا شديدًا، حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بسَعَتها غمًّا وندمًا بسبب تخلفهم، وضاقت عليهم أنفسهم لِمَا أصابهم من الهم، وأيقنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، وفَّقهم الله سبحانه وتعالى إلى الطاعة والرجوع إلى ما يرضيه سبحانه. إن الله هو التواب على عباده، الرحيم بهم.

وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت - تفسير السعدي

{‏و‏}‏ كذلك لقد تاب الله ‏{‏عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا‏}‏ عن الخروج مع المسلمين، في تلك الغزوة، وهم‏:‏ ‏"‏كعب بن مالك‏"‏ وصاحباه، وقصتهم مشهورة معروفة، في الصحاح والسنن‏.‏‏{‏حَتَّى إِذَا‏}‏ حزنوا حزنًا عظيمًا، و‏{‏ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ‏}‏ أي‏:‏ على سعتها ورحبها ‏{‏وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ‏}‏ التي هي أحب إليهم من كل شيء، فضاق عليهم الفضاء الواسع، والمحبوب الذي لم تجر العادة بالضيق منه، وذلك لا يكون إلا من أمر مزعج، بلغ من الشدة والمشقة ما لا يمكن التعبير عنه، وذلك لأنهم قدموا رضا اللّه ورضا رسوله على كل شيء‏.‏‏{‏وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ‏}‏ أي‏:‏ تيقنوا وعرفوا بحالهم، أنه لا ينجي من الشدائد، ويلجأ إليه، إلا اللّه وحده لا شريك له، فانقطع تعلقهم بالمخلوقين، وتعلقوا باللّه ربهم، وفروا منه إليه، فمكثوا بهذه الشدة نحو خمسين ليلة‏.‏‏{‏ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ‏}‏ أي‏:‏ أذن في توبتهم ووفقهم لها ‏{‏لِيَتُوبُوا‏}‏ أي‏:‏ لتقع منهم، فيتوب اللّه عليهم، ‏{‏إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ‏}‏ أي‏:‏ كثير التوبة والعفو، والغفران عن الزلات والعصيان، ‏{‏الرَّحِيمِ‏}‏ وصفه الرحمة العظيمة التي لا تزال تنزل على العباد في كل وقت وحين، في جميع اللحظات، ما تقوم به أمورهم الدينية والدنيوية‏.‏وفي هذه الآيات دليل على أن توبة اللّه على العبد أجل الغايات، وأعلى النهايات، فإن اللّه جعلها نهاية خواص عباده، وامتن عليهم بها، حين عملوا الأعمال التي يحبها ويرضاها‏.‏ومنها‏:‏ لطف الله بهم وتثبيتهم في إيمانهم عند الشدائد والنوازل المزعجة‏.‏ومنها‏:‏ أن العبادة الشاقة على النفس، لها فضل ومزية ليست لغيرها، وكلما عظمت المشقة عظم الأجر‏.‏ومنها‏:‏ أن توبة اللّه على عبده بحسب ندمه وأسفه الشديد، وأن من لا يبالي بالذنب ولا يحرج إذا فعله، فإن توبته مدخولة، وإن زعم أنها مقبولة‏.‏ومنها‏:‏ أن علامة الخير وزوال الشدة، إذا تعلق القلب بالله تعالى تعلقا تاما، وانقطع عن المخلوقين‏.‏ومنها‏:‏ أن من لطف اللّه بالثلاثة، أن وسمهم بوسم، ليس بعار عليهم فقال‏:‏ ‏{‏خُلِّفُوا‏}‏ إشارة إلى أن المؤمنين خلفوهم، ‏[‏أو خلفوا عن من بُتّ في قبول عذرهم، أو في رده‏]‏ وأنهم لم يكن تخلفهم رغبة عن الخير، ولهذا لم يقل‏:‏ ‏"‏تخلفوا‏"‏‏.‏ومنها‏:‏ أن اللّه تعالى من عليهم بالصدق.‏

تفسير الآية 118 - سورة التوبة

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت : الآية رقم 118 من سورة التوبة

 سورة التوبة الآية رقم 118

وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت - مكتوبة

الآية 118 من سورة التوبة بالرسم العثماني


﴿ وَعَلَى ٱلثَّلَٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ وَضَاقَتۡ عَلَيۡهِمۡ أَنفُسُهُمۡ وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّآ إِلَيۡهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ  ﴾ [ التوبة: 118]


﴿ وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ﴾ [ التوبة: 118]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة التوبة At-Tawbah الآية رقم 118 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 118 من التوبة صوت mp3


تدبر الآية: وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت

بحسَبِ ندمِ العبد وأسفِه تكون توبةُ اللهِ عليه، فأما مَن لم يبالِ بالذنبِ فتوبتُه مدخولة وإن زعَم أنها مقبولة.
إذا تعلَّقَ القلبُ بالله تعلُّقًا تامًّا، وانقطعَ عن المخلوقين، فتلك علامةٌ من علامات الخير وزوالِ الشِّدة.
متى ضاقت عليك نفسُك ولم تَسعكَ الأرضُ فاصدُق التوبة، واتَّجه نحوَ ربِّ السماء تجدِ الفُسحةَ والسَّعة.
كم ذنبٍ أحدثَ رِفعةً عند الله، وذِكرًا حسنًا بين الخلق حين أورثَ ندمًا وأوبة صادقة.
التوابون هم الذين يجدِّدون توبتَهم، ويَرجِعون إلى ربِّهم على الدوام، وجديرٌ بمن هذا حالُه أن يَقبلَه اللهُ، فإنه كثيرُ المغفرة واسعُ الرحمة.

هذه الآية الكريمة معطوفة على الآية السابقة لها.
والمعنى: لقد تقبل الله-تبارك وتعالى- بفضله وإحسانه توبة النبي والمهاجرين والأنصار، وتقبل كذلك توبة الثلاثة الذين تخلفوا عن هذه الغزوة كسلا وحبا للراحة، والذين سبق أن أرجأ الله حكمه فيهم بقوله وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ.. «2» .
وقوله:حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ، وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ كناية عن شدة تحيرهم، وكثرة حزنهم، واستسلامهم لحكم الله فيهم.
أى: حتى إذا ضاقت عليهم الأرض على سعتها، بسبب إعراض الناس عنهم، ومقاطعتهم لهم، وضاقت عليهم أنفسهم، بسبب الهم والغم الذي ملأها واعتقدوا أنهم لا ملجأ ولا مهرب لهم من حكم الله وقضائه إلا إليه.
حتى إذا كان أمرهم كذلك، جاءهم فرج الله، حيث قبل توبتهم، وغفر خطأهم وعفا عنهم.
وقوله: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ أى: بعد هذا التأديب الشديد لهم، تقبل- سبحانه - توبتهم، ليتوبوا إليه توبة صادقة نصوحا، لا تكاسل معها بعد ذلك عن طاعة الله وطاعة رسوله، إن الله-تبارك وتعالى- هو الكثير القبول لتوبة التائبين، وهو الواسع الرحمة بعباده المحسنين.
هذا، والمقصود بهؤلاء الثلاثة الذين خلفوا: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع وكلهم من الأنصار.
وقد ذكرت قصتهم في الصحيحين وفي غيرهما من كتب السنة والسيرة، وهاك خلاصة لها:قال الإمام ابن كثير: روى الإمام أحمد أن كعب بن مالك قال، لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلا في تبوك.
وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك.
أنى لم أكن قط أقوى ولا أيسر منى حين تخلفت عنه في تلك الغزوة.
وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، وتجهز لها المؤمنون معه، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم.
فأرجع ولم أقض من جهازي شيئا.. فأقول لنفسي أنا قادر على ذلك إذا أردت.. ولم يزل ذلك شأنى حتى أسرعوا وتفارط الغزو، فهممت أن أرتحل فألحقهم- وليتني فعلت- ولكن لم يقدر لي ذلك.
ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال: ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من بنى سلمة: حبسه برداه والنظر في عطفيه.
فقال معاذ بن جبل: بئسما قلت.
والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال كعب: فلما بلغني أن رسول الله قد توجه قافلا من تبوك، حضرني بثي، وطفقت أتذكر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدا؟.
وعند ما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة جاءه المتخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه..وجئت إليه فقال: تعال.. ما خلفك؟! ألم تكن قد اشتريت ظهرا؟فقلت يا رسول الله إنى لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر.
والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم بحديث كاذب ترضى به عنى، ليوشكن الله أن يسخطك على.
ولئن حدثتك بصدق تغضب على فيه، إنى لأرجو عقبى ذلك من الله-تبارك وتعالى- والله ما كان لي من عذر.
قال صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدق.
فقم حتى يقضى الله فيك.
وكان هناك رجلان قد قالا مثل ما قلت هما مرارة بن الربيع، وهلال بن أمية.
قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامنا، فاعتزلنا الناس وتغيروا لنا.. ولبثنا على ذلك خمسين ليلة.. ثم أمرنا أن نعتزل نساءنا ففعلنا.
قال: ثم صليت صلاة الصبح صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتها فبينا أنا على الحال التي ذكرها الله عنا، قد ضاقت على نفسي.. سمعت صارخا يقول بأعلى صوته: أبشر يا كعب بن مالك.
وذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك.
قال:وأنزل الله-تبارك وتعالى- وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا.. الآية.
قال الإمام ابن كثير بعد أن ساق هذا الحديث بتمامه: هذا حديث صحيح ثابت متفق على صحته، وقد تضمن تفسير الآية بأحسن الوجوه وأبسطها» .
وبذلك نرى أن هاتين الآيتين قد ذكرتا جانبا من فضل الله على عباده، حيث قبل توبتهم، وغسل حوبتهم.
إنه بهم رءوف رحيم.
ثم وجه- سبحانه - نداء إلى المؤمنين أمرهم فيه بأن يتقوا الله حق تقاته وأن يكونوا مع الصادقين، وأوجب عليهم الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدهم عليه بجزيل الثواب، وتوعد المتخلفين عنه بشديد العقاب فقال-تبارك وتعالى-:
قوله تعالى وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيمقوله تعالى وعلى الثلاثة الذين خلفوا قيل : عن التوبة عن مجاهد وأبي مالك .
وقال قتادة : عن غزوة تبوك .
وحكي عن محمد بن زيد معنى ( خلفوا ) تركوا ; لأن معنى خلفت فلانا تركته وفارقته قاعدا عما نهضت فيه .
وقرأ عكرمة بن خالد " خلفوا " أي أقاموا بعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وروي عن جعفر بن محمد أنه قرأ " خالفوا " .
وقيل : ( خلفوا ) أي أرجئوا وأخروا عن المنافقين فلم يقض فيهم بشيء .
وذلك أن المنافقين لم تقبل توبتهم ، واعتذر أقوام فقبل عذرهم ، وأخر النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة حتى نزل فيهم القرآن .
وهذا هو الصحيح لما رواه مسلم والبخاري وغيرهما .
واللفظ لمسلم قال كعب : كنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم ، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه ; فبذلك قال الله عز وجل : وعلى الثلاثة الذين خلفوا وليس الذي ذكر الله مما خلفنا تخلفنا عن الغزو ، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه .
وهذا الحديث فيه طول ، هذا آخره .
والثلاثة الذين خلفوا هم : كعب بن مالك ومرارة بن ربيعة العامري وهلال بن أمية الواقفي وكلهم من الأنصار .
وقد خرج البخاري ومسلم حديثهم ، فقال مسلم عن كعب بن مالك قال : لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك غير أني قد تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عنه إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك : أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة ، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة ، فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا واستقبل عدوا كثيرا فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ - يريد بذلك الديوان - قال كعب : فقل رجل يريد أن يتغيب يظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله تعالى وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال فأنا إليها أصعر ، فتجهز إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئا وأقول في نفسي : أنا قادر على ذلك إذا أردت فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غازيا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا فلم يزل كذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو فهممت أن أترحل فأدركهم فيا ليتني فعلت ثم لم يقدر ذلك لي فطفقت إذ خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزنني أني لا أرى لي أسوة إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك : ما فعل كعب بن مالك ؟ فقال رجل من بني سلمة : يا رسول الله ، حبسه برداه والنظر في عطفيه .
فقال له معاذ بن جبل : بئس ما قلت ، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا .
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هو على ذلك رأى رجلا مبيضا يزول به السراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كن أبا خيثمة فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري وهو الذي تصدق بصاع التمر حتى لمزه المنافقون .
فقال كعب بن مالك : فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك حضرني بثي فطفقت أتذكر الكذب وأقول : بم أخرج من سخطه غدا وأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي فلما قيل لي : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبدا ، فأجمعت صدقه ، وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما ، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له ، وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله حتى جئت فلما سلمت تبسم تبسم المغضب ثم قال : تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه ، فقال لي : ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك ؟ قال : قلت : يا رسول الله ، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلا ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه أني لأرجو فيه عقبى الله ، والله ما كان لي عذر ، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك .
فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي : والله ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا لقد عجزت في ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به إليه المتخلفون ، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك قال : فوالله ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذب نفسي .
قال : ثم قلت لهم هل لقي هذا معي من أحد ؟ قالوا : نعم لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت ، فقيل لهما مثل ما قيل لك .
قال قلت : من هما ؟ قالوا : مرارة بن ربيعة العامري وهلال بن أمية الواقفي .
قال : فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة ; قال : فمضيت حين ذكروهما لي .
قال : ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه .
قال : فاجتنبنا الناس .
وقال : وتغيروا لنا ، حتى تنكرت لي في نفسي الأرض ، فما هي بالأرض التي أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة ; فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم ، فكنت أخرج فأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد ، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة ، فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام أم لا! ثم أصلي قريبا منه وأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة ، وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه ، فوالله ما رد علي السلام ، فقلت له : يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمن أني أحب الله ورسوله ؟ قال : فسكت فعدت فناشدته فسكت ، فعدت فناشدته فقال : الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار ، فبينا أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطي من نبط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول : من يدل على كعب بن مالك ؟ قال : فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاءني فدفع إلي كتابا من ملك غسان ، وكنت كاتبا فقرأته فإذا فيه : أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة ، فالحق بنا نواسك .
قال : فقلت حين قرأتها : وهذه أيضا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته بها حتى إذا مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحي إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك .
قال فقلت : أطلقها أم ماذا أفعل ؟ قال : لا ، بل اعتزلها فلا تقربنها .
قال : فأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك .
قال : فقلت لامرأتي : الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر .
قال : فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له : يا رسول الله ، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم ، فهل تكره أن أخدمه ؟ قال : لا ، ولكن لا يقربنك ، فقالت : إنه والله ما به حركة إلى شيء ، ووالله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا .
قال : فقال بعض أهلي لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه .
قال فقلت : لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب ، قال : فلبثت بذلك عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا .
قال : ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله منا قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على سلع يقول بأعلى صوته : يا كعب بن مالك أبشر .
قال : فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج .
قال : فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر ، فذهب الناس يبشروننا ، فذهب قبل صاحبي مبشرون ، وركض رجل إلي فرسا وسعى ساع من أسلم قبلي وأوفى الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشارته ، والله ما أملك غيرهما يومئذ ، واستعرت ثوبين فلبستهما فانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم ; فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة ويقولون : لتهنئك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني والله ما قام رجل من المهاجرين غيره .
قال : فكان كعب لا ينساها لطلحة .
قال كعب : فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور ويقول : أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك .
قال : فقلت أمن عند الله يا رسول الله أم من عندك ؟ قال : لا بل من عند الله .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر .
قال : وكنا نعرف ذلك .
قال : فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله ، إن من توبة الله علي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك .
قال : فقلت : فإني أمسك سهمي الذي بخيبر .
قال : وقلت : يا رسول الله ، إن الله إنما أنجاني بالصدق ، وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقا ما بقيت .
قال : فوالله ما علمت أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا أحسن مما أبلاني الله به ، والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا وإني لأرجو الله أن يحفظني فيما بقي ، فأنزل الله عز وجل : لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة حتى بلغ " إنه بهم رءوف رحيم " .
وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم حتى بلغ اتقوا الله وكونوا مع الصادقين .
قال كعب : والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا ، إن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد ، وقال الله تعالى : سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون .
يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين .
قال كعب : كنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم ، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه ، فبذلك قال الله عز وجل : وعلى الثلاثة وليس الذي ذكر الله مما خلفنا تخلفنا عن الغزو ، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه .
قوله تعالى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت أي بما اتسعت يقال : منزل رحب ورحيب ورحاب .
و ( ما ) : مصدرية ; أي ضاقت عليهم الأرض برحبها ؛ لأنهم كانوا مهجورين لا يعاملون ولا يكلمون .
وفي هذا دليل على هجران أهل المعاصي حتى يتوبوا .
قوله تعالى وضاقت عليهم أنفسهم أي ضاقت صدورهم بالهم والوحشة ، وبما لقوه من الصحابة من الجفوة .
وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه أي تيقنوا أن لا ملجأ يلجأون إليه في الصفح عنهم وقبول التوبة منهم إلا إليه .
قال أبو بكر الوراق .
التوبة النصوح أن تضيق على التائب الأرض بما رحبت ، وتضيق عليه نفسه ; كتوبة كعب وصاحبيه .
قوله تعالى ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم فبدأ بالتوبة منه .
قال أبو زيد : غلطت في أربعة أشياء : في الابتداء مع الله تعالى ، ظننت أني أحبه فإذا هو أحبني ; قال الله تعالى : يحبهم ويحبونه .
وظننت أني أرضى عنه فإذا هو قد رضي عني ; قال الله تعالى : رضي الله عنهم ورضوا عنه .
وظننت أني أذكره فإذا هو يذكرني ; قال الله تعالى : ولذكر الله أكبر .
وظننت أني أتوب فإذا هو قد تاب علي ; قال الله تعالى : ثم تاب عليهم ليتوبوا .
وقيل : المعنى ثم تاب عليهم ليثبتوا على التوبة ; كما قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا آمنوا وقيل : أي فسح لهم ولم يعجل عقابهم كما فعل بغيرهم ; قال جل وعز : فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم .


شرح المفردات و معاني الكلمات : الثلاثة , خلفوا , ضاقت , الأرض , رحبت , وضاقت , أنفسهم , وظنوا , ملجأ , الله , تاب , ليتوبوا , الله , التواب , الرحيم ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم

  1. إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا
  2. وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير
  3. والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم
  4. ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما
  5. إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنـزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا
  6. ولله ما في السموات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور
  7. ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون
  8. وإن ربك لهو العزيز الرحيم
  9. إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون
  10. قيل يانوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم

تحميل سورة التوبة mp3 :

سورة التوبة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة التوبة

سورة التوبة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة التوبة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة التوبة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة التوبة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة التوبة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة التوبة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة التوبة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة التوبة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة التوبة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة التوبة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Tuesday, December 3, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب