﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا﴾
[ النساء: 3]

سورة : النساء - An-Nisa  - الجزء : ( 4 )  -  الصفحة: ( 77 )

And if you fear that you shall not be able to deal justly with the orphan-girls, then marry (other) women of your choice, two or three, or four but if you fear that you shall not be able to deal justly (with them), then only one or (the captives and the slaves) that your right hands possess. That is nearer to prevent you from doing injustice.


ألاّ تُقسطوا : أن تعدلوا و لا تُنصفوا
ما طاب لكم : ما حلّ لكم
رباع : فتحرُم الزّيادة على أربع
ألاّ تعولوا : في النَّفقة و سائر الحقوق
ذلك أدنى ألاّ تعولوا : ذلك أقرب إن لا تجوروا، أو أنْ لا تكثُر عيالكم

وإن خفتم ألا تعدلوا في يتامى النساء اللاتي تحت أيديكم بأن لا تعطوهن مهورهن كغيرهن، فاتركوهن وانكحوا ما طاب لكم من النساء من غيرهن: اثنتين أو ثلاثًا أو أربعًا، فإن خشيتم ألا تعدلوا بينهن فاكتفوا بواحدة، أو بما عندكم من الإماء. ذلك الذي شرعته لكم في اليتيمات والزواج من واحدة إلى أربع، أو الاقتصار على واحدة أو ملك اليمين، أقرب إلى عدم الجَوْرِ والتعدي.

وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء - تفسير السعدي

أي: وإن خفتم ألا تعدلوا في يتامى النساء اللاتي تحت حجوركم وولايتكم وخفتم أن لا تقوموا بحقهن لعدم محبتكم إياهن، فاعدلوا إلى غيرهن، وانكحوا { مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء }- أي: ما وقع عليهن اختياركم من ذوات الدين، والمال، والجمال، والحسب، والنسب، وغير ذلك من الصفات الداعية لنكاحهن، فاختاروا على نظركم، ومن أحسن ما يختار من ذلك صفة الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تَرِبَتْ يمينك" وفي هذه الآية - أنه ينبغي للإنسان أن يختار قبل النكاح، بل وقد أباح له الشارع النظر إلى مَنْ يريد تزوجها ليكون على بصيرة من أمره.
ثم ذكر العدد الذي أباحه من النساء فقال: { مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ }- أي: من أحب أن يأخذ اثنتين فليفعل، أو ثلاثا فليفعل، أو أربعا فليفعل، ولا يزيد عليها، لأن الآية سيقت لبيان الامتنان، فلا يجوز الزيادة على غير ما سمى الله تعالى إجماعا.
وذلك لأن الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحدة، فأبيح له واحدة بعد واحدة، حتى يبلغ أربعا، لأن في الأربع غنية لكل أحد، إلا ما ندر، ومع هذا فإنما يباح له ذلك إذا أمن على نفسه الجور والظلم، ووثق بالقيام بحقوقهن.
فإن خاف شيئا من هذا فليقتصر على واحدة، أو على ملك يمينه.
فإنه لا يجب عليه القسم في ملك اليمين { ذَلِك }- أي: الاقتصار على واحدة أو ما ملكت اليمين { أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا }- أي: تظلموا.
وفي هذا أن تعرض العبد للأمر الذي يخاف منه الجور والظلم، وعدم القيام بالواجب -ولو كان مباحًا- أنه لا ينبغي له أن يتعرض، له بل يلزم السعة والعافية، فإن العافية خير ما أعطي العبد.

تفسير الآية 3 - سورة النساء

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا : الآية رقم 3 من سورة النساء

 سورة النساء الآية رقم 3

وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء - مكتوبة

الآية 3 من سورة النساء بالرسم العثماني


﴿ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ  ﴾ [ النساء: 3]


﴿ وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ﴾ [ النساء: 3]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة النساء An-Nisa الآية رقم 3 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 3 من النساء صوت mp3


تدبر الآية: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء

ما أكثرَ أبوابَ الحلال التي يفتحها الله للإنسان حين يُغلِق على نفسه أبوابَ الحرام! غير أن النفوس تتفاوتُ في اليقين بهذه الحقيقة.
مَن قصَّر في أداء واجبه، فكيف يطلب التوسُّعَ في المباح؟! إقامة العدل في مناحي الحياة المختلفة هو عمادُ المنهج الإسلاميِّ، وهدفٌ رئيسٌ من أهدافه؛ لتحقيق النجاة والسلامة في العاجل والآجل.

ثم بين- سبحانه - لعباده ما ينبغي عليهم فعله في حال توقعهم عدم العدل بين الزوجات فقال-تبارك وتعالى- فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ.
فالمراد بالعدل هنا: العدل بين الزوجات المتعددات.
أى: فإن علمتم أنكم لا تعدلون بين الأكثر من الزوجة الواحدة في القسم والنفقة وحقوق الزوجية بحسب طاقتكم، كما علمتم في حق اليتامى أنكم لا تعدلون- إذا علمتم ذلك فالزموا زوجة واحدة، أو أى عدد شئتم من السراري بالغة ما بلغت.
فكأنه- سبحانه - لما وسع عليهم بأن أباح لهم الزواج بالمثنى والثلاث والرباع من النساء، أنبأهم بأنه قد يلزم من هذه التوسعة خوف الميل وعدم العدل.
فمن الواجب عليهم حينئذ أن يحترزوا بالتقليل من عدد النساء فيقتصروا على الزوجة الواحدة.
ومفهومه: إباحة الزيادة على الواحدة إذا أمن الجور بين الزوجات المتعددات.
وقوله فَواحِدَةً منصوب بفعل مضمر والتقدير: فالزموا واحدة أو فاختاروا واحدة فإن الأمر كله يدور مع العدل، فأينما وجدتم العدل فعليكم به.
وقرئ بالرفع أى فحسبكم واحدة.
أَوْ للتسوية أى سوى- سبحانه - في السهولة واليسر بين نكاح الحرة الواحدة وبين السراري من غير تقييد بعدد، لقلة تبعتهن، ولخفة مؤنتهن، وعدم وجوب القسم فيهن.
وقوله ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا جملة مستأنفة بمنزلة لتعليل لما قبلها.
واسم الإشارة «ذلك» يعود إلى اختيار الواحدة أو التسرى.
وقوله أَدْنى هنا بمعنى أقرب.
وهو قرب مجازى.
أى أحق وأعون على أن لا تعولوا.
وقوله تَعُولُوا مأخوذ من العول وهو في الأصل الميل المحسوس.
يقال.
عال الميزان عولا إذا مال.
ثم نقل إلى الميل المعنوي وهو الجور والظلم ومنه عال الحاكم إذا جار، والمراد هنا الميل المحظور المقابل للعدل.
والمعنى: أن ما ذكر من اختيار الزوجة الواحدة والتسرى، أقرب بالنسبة إلى ما عداهما إلى العدل وإلى عدم الميل المحظور، لأن من اختار زوجة واحدة فقد انتفى عنه الميل والجور رأسا لانتفاء محله ومن تسرى فقد انتفى عنه خطر الجور والميل.
أما من اختار عددا من الحرائر فالميل المحظور متوقع منه لتحقق المحل والخطر.
ولأن التعدد في الزوجات يعرض المكلف غالبا للجور وإن بذل جهده في العدل.
وهذا المعنى على تفسير {تعولوا} بمعنى تجوروا وتميلوا عن الحق.
وهو اختيار أكثر المفسرين.
وقيل: إن معنى أَلَّا تَعُولُوا ألا تكثر عيالكم.
يقال: عال يعول، إذا كثرت عياله.
وقد حكى صاحب الكشاف هذا المعنى عن الإمام الشافعى فقال:«والذي يحكى عن الشافعى- رحمه الله- أن فسر أَلَّا تَعُولُوا بأن لا تكثر عيالكم.
فوجهه أن يجعل من قولك: عال الرجل عياله يعولهم كقولهم: ما نهم يمونهم إذا أنفق عليهم.
لأن من كثر عياله لزمه أن يعولهم، وفي ذلك ما يصعب عليه المحافظة على حدود الكسب وحدود الورع وكسب الحلال والرزق الطيب.
ثم قال: وكلام مثله من أعلام العلم، وأئمة الشرع، ورءوس المجتهدين، حقيق بالحمل على الصحة والسداد.
وقرأ طاوس: أن لا تعيلوا من أعال الرجل إذا كثر عياله.
وهذه القراءة تعضد تفسير الشافعى من حيث المعنى الذي قصده».
هذا، وقد أخذ العلماء من هذه الآية أحكاما منها: جواز تعدد الزوجات إلى أربع بحيث لا يجوز الزيادة عليهن مجتمعات، لأن هذا العدد قد ذكر في مقام التوسعة على المخاطبين، ولو كانت تجوز الزيادة على هذا العدد لذكرها الله-تبارك وتعالى-.
وقد أجمع الفقهاء على أنه لا تجوز الزيادة على الأربع، ولا يقدح في هذا الإجماع ما ذهب إليه بعض المبتدعة من جواز الجمع بين ما هو أكثر من الأربع الحرائر، لأن ما ذهب إليه هؤلاء المبتدعة لا يعتد به.
إذ الإجماع قد وقع وانقضى عصر المجمعين قبل ظهور هؤلاء المبتدعين المخالفين.
وقد رد العلماء على هؤلاء المخالفين بما يهدم أقوالهم، ومن العلماء الذين تولوا الرد عليهم الإمام القرطبي فقد قال- ما ملخصه-:«اعلم أن هذا العدد مثنى وثلاث ورباع لا يدل على إباحة تسع.
كما قاله من بعد فهمه عن الكتاب والسنة، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأمة، وزعم أن الواو جامعة، وعضد ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم نكح تسعا، وجمع بينهن في عصمته.
والذي صار إلى هذه الجهالة وقال هذه المقالة الرافضة وبعض أهل الظاهر، جعلوا مثنى مثل اثنين، وكذلك ثلاث ورباع.
وهذا كله جهل باللسان والسنة ومخالفة لإجماع الأمة، إذ لا يسمع عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع.
وأخرج مالك في الموطأ والنسائي والدارقطني في سننهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن أمية الثقفي وقد أسلم وتحته عشر نسوة «اختر منهن أربعا وفارق سائرهن» .
وأما ما أبيح من ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فذلك من خصوصياته.
وأما قولهم إن الواو جامعة.
فقد قيل ذلك، ولكن الله-تبارك وتعالى- خاطب العرب بأفصح اللغات.
والعرب لا تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين وثلاثة وأربعة.
وكذلك تستقبح ممن يقول، أعط فلانا أربعة، ستة، ثمانية، ولا يقول: ثمانية عشر.
وإنما الواو في هذا الموضع بدل، أى انكحوا ثلاث بدلا من مثنى، ورباع بدلا من ثلاث، ولذلك عطف بالواو ولم يعطف بأو.
ولو جاء بأو لجاز ألا يكون لصاحب المثنى ثلاث، ولا لصاحب الثلاث رباع.
وقد قال مالك والشافعى في الذي يتزوج خامسة وعنده أربع: عليه الحد إن كان عالما.
وقال الزهري: يرجم إن كان عالما، وإن كان جاهلا فعليه أدنى الحدين الذي هو الجلد، ولها مهرها، ويفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا» .
كذلك من الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة أن الله تعالى وإن كان قد أباح التعدد وحدد غايته بأربع بحيث لا يجوز الزيادة عليهن، إلا أنه- سبحانه - قد قيد هذه الإباحةبالعدل بينهم فيما يستطيع الإنسان العدل فيه بحسب طاقته البشرية، بأن يعدل بينهن في النفقة والكسوة والمعاشرة الزوجية.
فإن عجز عن ذلك لم يبح له التعدد.
وللإمام الشيخ محمد عبده كلام حسن في المعنى، فقد قال- رحمه الله- «قد أباحت الشريعة الإسلامية للرجل الاقتران بأربع من النسوة إن علم من نفسه القدرة على العدل بينهن، وإلا فلا يجوز الاقتران بغير واحدة.
قال- تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً فإن الرجل إذا لم يستطع إعطاء كل منهن حقها اختل نظام المنزل، وساءت معيشة العائلة إذ العماد القويم لتدبير المنزل هو بقاء الاتحاد والتآلف بين أفراد العائلة.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدون، والعلماء الصالحون من كل قرن إلى هذا العهد يجمعون بين النسوة مع المحافظة على حدود الله في العدل بينهن.
فكان صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحون من أمته لا يأتون حجرة إحدى الزوجات في نوبة الأخرى إلا بإذنها.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من كان له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل» .
وكان صلى الله عليه وسلم يعتذر عن ميله القلبي بقوله: «اللهم هذا- أى العدل في البيات والعطاء- جهدي فيما أملك، ولا طاقة لي فيما تملك ولا أملك- يعنى الميل القلبي» .
وكان يقرع بينهن إذا أراد سفرا.
ثم قال في نهاية حديثه: فعلى العقلاء أن يتبصروا قبل طلب التعدد في الزوجات فيما يجب عليهم شرعا من العدل وحفظ الألفة بين الأولاد، وحفظ النساء من الغوائل التي تؤدى بهن إلى الأعمال التي لا تليق بمسلمة.
هذا، وقد ذكر العلماء حكما كثيرة لمشروعية تعدد الزوجات، ومن هذه الحكم أن في هذا التعدد وسيلة إلى تكثير عدد الأمة بازدياد عدد المواليد فيها.
ولا شك أن كثيرا من الأمم الإسلامية التي اتسعت أرضها، وتعددت موارد الثروة فيها، في حاجة إلى تكثير عدد أفرادها حتى تنتفع بما حباها الله من خيرات، وتستطيع الدفاع عن نفسها إذا ما طمع فيها الطامعون، واعتدى عليها المعتدون.
ومنها أن التعدد يعين على كفالة النساء وحفظهن وصيانتهن من الوقوع في الفاحشة، لا سيما في أعقاب الحروب التي- عادة- تقضى على الكثيرين من الرجال، ويصبح عدد النساء أكبر بكثير من عدد الرجال.
ومنها أن الشريعة الإسلامية قد حرمت الزنا تحريما قاطعا، وعاقبت مرتكبه بأقسى أنواعالعقوبات وأزجرها، بسبب ما يجر إليه من فساد في الأخلاق والأنساب ونظام الأسر، فناسب أن توسع على الناس في تعدد النساء لمن كان من الرجال ميالا للتعدد، مستطيعا لتكاليفه ومطالبه.
ومنها قصد الابتعاد عن الطلاق، فإن المرأة قد لا تكون قادرة على القيام بالمطالب الزوجية التي تحتمها حياتها مع زوجها بسبب مرضها أو عجزها أو عقمها أو غير ذلك من الأسباب، فيلجأ زوجها إلى الزواج بأخرى غيرها مع بقاء الزوجة الأولى في عصمته بدل أن يطلقها فتفقد حياتها الزوجية، وقد تكون هي في حاجة إلى هذا الزوج الذي يقوم برعايتها وحمايتها والقيام بشأنها.
والخلاصة أن الله-تبارك وتعالى- قد علم أن مصلحة الرجال والنساء قد تستدعى تعدد الزوجات، - بل قد توجبه في بعض الحالات- فأباح لهم هذا التعدد، وحدد غايته بأربع بحيث لا يجوز الزيادة عليهن، وقيد- سبحانه - هذه الإباحة بالعدل بينهن فيما يستطيع الإنسان العدل فيه بحسب طاقته البشرية، فإن علم الإنسان من نفسه عدم القدرة على العدل بينهن لم يبح له التعدد.
ولو أن المسلمين ساروا على حسب ما شرع الله لهم لسعدوا في دنياهم وفي آخرتهم لأن الله-تبارك وتعالى- ما شرع لهم إلا ما فيه منفعتهم وسعادتهم.
ثم أمر الله تعالى الرجال أن يعطوا النساء مهورهن كاملة عن رضا وسماحة نفس، وألا يطمعوا في شيء مما أعطاه الله لهن فقال-تبارك وتعالى-:
قوله تعالى : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوافيه أربع عشرة مسألة :الأولى : قوله تعالى : وإن خفتم شرط ، وجوابه فانكحوا .
أي إن خفتم ألا تعدلوا في مهورهن وفي النفقة عليهن فانكحوا ما طاب لكم أي غيرهن .
وروى الأئمة واللفظ لمسلم عن عروة بن الزبير ، عن عائشة في قول الله تعالى : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع قالت : يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها من غير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن .
وذكر الحديث .
وقال ابن خويز منداد : ولهذا قلنا إنه يجوز أن يشتري الوصي من مال اليتيم لنفسه ، ويبيع من نفسه من غير محاباة .
وللموكل النظر فيما اشترى وكيله لنفسه أو باع منها .
وللسلطان النظر فيما يفعله الوصي من ذلك .
فأما الأب فليس لأحد عليه نظر ما لم تظهر عليه المحاباة فيعترض عليه السلطان حينئذ ؛ وقد مضى في " البقرة " القول في هذا .
وقال الضحاك والحسن وغيرهما : إن الآية ناسخة لما كان في الجاهلية وفي أول الإسلام ؛ من أن للرجل أن يتزوج من الحرائر ما شاء ، فقصرتهن الآية على أربع .
وقال ابن عباس وابن جبير وغيرهما : المعنى وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا في النساء ؛ لأنهم كانوا يتحرجون في اليتامى ولا يتحرجون في النساء و " خفتم " من الأضداد ؛ فإنه يكون المخوف منه معلوم الوقوع ، وقد يكون مظنونا ؛ فلذلك اختلف العلماء في تفسير هذا الخوف .
فقال أبو عبيدة : خفتم بمعنى أيقنتم .
وقال آخرون : خفتم ظننتم .
قال ابن عطية : وهذا الذي اختاره الحذاق ، وأنه على بابه من الظن لا من اليقين .
التقدير من غلب على ظنه التقصير في القسط لليتيمة فليعدل عنها .
و " تقسطوا " معناه تعدلوا .
يقال : أقسط الرجل إذا عدل .
وقسط إذا جار وظلم صاحبه .
قال الله تعالى : وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا يعني الجائرون .
وقال عليه السلام : المقسطون في الدين على منابر من نور يوم القيامة يعني العادلين .
وقرأ ابن وثاب والنخعي " تقسطوا " بفتح التاء من قسط على تقدير زيادة " لا " كأنه قال : وإن خفتم أن تجوروا .
الثانية : قوله تعالى : فانكحوا ما طاب لكم من النساء إن قيل : كيف جاءت ما للآدميين وإنما أصلها لما لا يعقل ؛ فعنه أجوبة خمسة :الأول - أن " من " و " ما " قد يتعاقبان ؛ قال الله تعالى : والسماء وما بناها أي ومن بناها .
وقال فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع .
فما هاهنا لمن يعقل وهن النساء ؛ لقوله بعد ذلك من النساء مبينا لمبهم .
وقرأ ابن أبي عبلة " من طاب " على ذكر من يعقل .
الثاني : قال البصريون : " ما " تقع للنعوت كما تقع لما لا يعقل يقال : ما عندك ؟ فيقال : ظريف وكريم .
فالمعنى فانكحوا الطيب من النساء ؛ أي الحلال ، وما حرمه الله فليس بطيب .
وفي التنزيل وما رب العالمين فأجابه موسى على وفق ما سأل ؛ وسيأتي .
الثالث : حكى بعض الناس أن ما في هذه الآية ظرفية ، أي ما دمتم تستحسنون النكاح قال ابن عطية : وفي هذا المنزع ضعف .
جواب رابع : قال الفراء ما هاهنا مصدر .
وقال النحاس : وهذا بعيد جدا ؛ لا يصح فانكحوا الطيبة .
قال الجوهري : طاب الشيء يطيب طيبة وتطيابا .
قال علقمة :كأن تطيابها في الأنف مشمومجواب خامس : وهو أن المراد بما هنا العقد ؛ أي فانكحوا نكاحا طيبا .
وقراءة ابن أبي عبلة ترد هذه الأقوال الثلاثة .
وحكى أبو عمرو بن العلاء أن أهل مكة إذا سمعوا الرعد قالوا : سبحان ما سبح له الرعد .
أي سبحان من سبح له الرعد .
ومثله قولهم : سبحان ما سخركن لنا .
أي من سخركن .
واتفق كل من يعاني العلوم على أن قوله تعالى : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ليس له مفهوم ؛ إذ قد أجمع المسلمون على أن من لم يخف القسط في اليتامى له أن ينكح أكثر من واحدة : اثنتين أو ثلاثا أو أربعا كمن خاف .
فدل على أن الآية نزلت جوابا لمن خاف ذلك ، وأن حكمها أعم من ذلك .
الثالثة : تعلق أبو حنيفة بهذه الآية في تجويزه نكاح اليتيمة قبل البلوغ .
وقال : إنما تكون يتيمة قبل البلوغ ، وبعد البلوغ هي امرأة مطلقة لا يتيمة ؛ بدليل أنه لو أراد البالغة لما نهى عن حطها عن صداق مثلها ؛ لأنها تختار ذلك فيجوز إجماعا .
وذهب مالك والشافعي والجمهور من العلماء إلى أن ذلك لا يجوز حتى تبلغ وتستأمر ؛ لقوله تعالى : ويستفتونك في النساء والنساء اسم ينطلق على الكبار كالرجال في الذكور ، واسم الرجل لا يتناول الصغير ؛ فكذلك اسم النساء ، والمرأة لا يتناول الصغيرة .
وقد قال : في يتامى النساء والمراد به هناك اليتامى هنا ؛ كما قالت عائشة رضي الله عنها .
فقد دخلت اليتيمة الكبيرة في الآية فلا تزوج إلا بإذنها ، ولا تنكح الصغيرة إذ لا إذن لها ، فإذا بلغت جاز نكاحها لكن لا تزوج إلا بإذنها .
كما رواه الدارقطني من حديث محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : زوجني خالي قدامة بن مظعون بنت أخيه عثمان بن مظعون ، فدخل المغيرة بن شعبة على أمها ، فأرغبها في المال وخطبها إليها ، فرفع شأنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قدامة : يا رسول الله ابنة أخي وأنا وصي أبيها ولم أقصر بها ، زوجتها من قد علمت فضله وقرابته .
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها يتيمة واليتيمة أولى بأمرها فنزعت مني وزوجها المغيرة بن شعبة .
قال الدارقطني : لم يسمعه محمد بن إسحاق من نافع ، وإنما سمعه من عمر بن حسين عنه .
ورواه ابن أبي ذئب ، عن عمر بن حسين ، عن نافع عن عبد الله بن عمر : أنه تزوج بنت خاله عثمان بن مظعون قال : فذهبت أمها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن ابنتي تكره ذلك .
فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفارقها ففارقها .
وقال : ولا تنكحوا اليتامى حتى تستأمروهن فإذا سكتن فهو إذنها .
فتزوجها بعد عبد الله بن المغيرة بن شعبة .
فهذا يرد ما يقوله أبو حنيفة من أنها إذا بلغت لم تحتج إلى ولي ، بناء على أصله في عدم اشتراط الولي في صحة النكاح .
وقد مضى في " البقرة " ذكره ؛ فلا معنى لقولهم : إن هذا الحديث محمول على غير البالغة لقوله إلا بإذنها فإنه كان لا يكون لذكر اليتيم معنى والله أعلم .
الرابعة : وفي تفسير عائشة للآية من الفقه ما قال به مالك صداق المثل ، والرد إليه فيما فسد من الصداق ووقع الغبن في مقداره ؛ لقولها : ( بأدنى من سنة صداقها ) .
فوجب أن يكون صداق المثل معروفا لكل صنف من الناس على قدر أحوالهم .
وقد قال مالك : للناس مناكح عرفت لهم وعرفوا لها .
أي صدقات وأكفاء .
وسئل مالك عن رجل زوج ابنته من ابن أخ له فقير فاعترضت أمها فقال : إني لأرى لها في ذلك متكلما .
فسوغ لها في ذلك الكلام حتى يظهر هو من نظره ما يسقط اعتراض الأم عليه .
وروي " لا أرى " بزيادة الألف والأول أصح .
وجائز لغير اليتيمة أن تنكح بأدنى من صداق مثلها ؛ لأن الآية إنما خرجت في اليتامى .
هذا مفهومها وغير اليتيمة بخلافها .
الخامسة : فإذا بلغت اليتيمة وأقسط الولي في صداقها جاز له أن يتزوجها ، ويكون هو الناكح والمنكح على ما فسرته عائشة .
وبه قال أبو حنيفة والأوزاعي والثوري وأبو ثور ، وقاله من التابعين الحسن وربيعة ، وهو قول الليث .
وقال زفر والشافعي : لا يجوز له أن يتزوجها إلا بإذن السلطان ، أو يزوجها منه ولي لها هو أقعد بها منه ؛ أو مثله في القعدد ؛ وأما أن يتولى طرفي العقد بنفسه فيكون ناكحا منكحا فلا .
واحتجوا بأن الولاية شرط من شروط العقد لقوله عليه السلام : لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل .
فتعديد الناكح والمنكح والشهود واجب ؛ فإذا اتحد اثنان منهم سقط واحد من المذكورين .
وفي المسألة قول ثالث ، وهو أن تجعل أمرها إلى رجل يزوجها منه .
روي هذا عن المغيرة بن شعبة ، وبه قال أحمد ، ذكره ابن المنذر .
السادسة : قوله تعالى : ما طاب لكم من النساء معناه ما حل لكم ؛ عن الحسن وابن جبير وغيرهما .
واكتفى بذكر من يجوز نكاحه ؛ لأن المحرمات من النساء كثير .
وقرأ ابن إسحاق والجحدري وحمزة " طاب " " بالإمالة " وفي مصحف أبي " طيب " بالياء ؛ فهذا دليل الإمالة .
" من النساء " دليل على أنه لا يقال نساء إلا لمن بلغ الحلم .
وواحد النساء نسوة ، ولا واحد لنسوة من لفظه ، ولكن يقال امرأة .
السابعة : قوله تعالى : مثنى وثلاث ورباع وموضعها من الإعراب نصب على البدل من ما وهي نكرة لا تنصرف ؛ لأنها معدولة وصفة ؛ كذا قال أبو علي .
وقال الطبري : هي معارف ؛ لأنها لا يدخلها الألف واللام ، وهي بمنزلة عمر في التعريف ؛ قاله الكوفي .
وخطأ الزجاج هذا القول .
وقيل : لم ينصرف ؛ لأنه معدول عن لفظه ومعناه ، فأحاد معدول عن واحد واحد ، ومثنى معدولة عن اثنين اثنين ، وثلاث معدولة عن ثلاثة ثلاثة ، ورباع عن أربعة أربعة .
وفي كل واحد منها لغتان : فعال ومفعل ؛ يقال أحاد وموحد وثناء ومثنى وثلاث ومثلث ورباع ومربع ، وكذلك إلى معشر وعشار .
وحكى أبو إسحاق الثعلبي لغة ثالثة : أحد وثنى وثلث وربع مثل عمر وزفر .
وكذلك قرأ النخعي في هذه الآية .
وحكى المهدوي ، عن النخعي وابن وثاب " ثلاث وربع " بغير ألف في ربع فهو مقصور من رباع استخفافا ؛ كما قال :أقبل سيل جاء من عند الله يحرد حرد الجنة المغلهقال الثعلبي : ولا يزاد من هذا البناء على الأربع إلا بيت جاء عن الكميت :فلم يستثيروك حتى رمي ت فوق الرجال خصالا عشارايعني طعنت عشرة .
وقال ابن الدهان : وبعضهم يقف على المسموع وهو من أحاد إلى رباع ولا يعتبر بالبيت لشذوذه .
وقال أبو عمرو بن الحاجب : ويقال أحاد وموحد وثناء ومثنى وثلاث ومثلث ورباع ومربع .
وهل يقال فيما عداه إلى التسعة أو لا يقال ؟ فيه خلاف أصحها أنه لم يثبت .
وقد نص البخاري في صحيحه على ذلك .
وكونه معدولا عن معناه أنه لا يستعمل في موضع تستعمل فيه الأعداد غير المعدولة ؛ تقول : جاءني اثنان وثلاثة ، ولا يجوز مثنى وثلاث حتى يتقدم قبله جمع ، مثل جاءني القوم أحاد وثناء وثلاث ورباع من غير تكرار .
وهي في موضع الحال هنا وفي الآية ، وتكون صفة ؛ ومثال كون هذه الأعداد صفة يتبين في قوله تعالى : أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع فهي صفة للأجنحة وهي نكرة .
وقال ساعدة بن جؤية :ولكنما أهلي بواد أنيسه ذئاب تبغى الناس مثنى وموحدوأنشد الفراء :قتلنا به من بين مثنى وموحد بأربعة منكم وآخر خامسفوصف ذئابا وهي نكرة بمثنى وموحد ، وكذلك بيت الفراء ؛ أي قتلنا به ناسا ، فلا تنصرف إذا هذه الأسماء في معرفة ولا نكرة .
وأجاز الكسائي والفراء صرفه في العدد على أنه نكرة .
وزعم الأخفش أنه إن سمى به صرفه في المعرفة والنكرة ؛ لأنه قد زال عنه العدل .
الثامنة : اعلم أن هذا العدد مثنى وثلاث ورباع لا يدل على إباحة تسع ، كما قاله من بعد فهمه للكتاب والسنة ، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأمة ، وزعم أن الواو جامعة ؛ وعضد ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم نكح تسعا ، وجمع بينهن في عصمته .
والذي صار إلى هذه الجهالة ، وقال هذه المقالة الرافضة وبعض أهل الظاهر ؛ فجعلوا مثنى مثل اثنين ، وكذلك ثلاث ورباع .
وذهب بعض أهل الظاهر أيضا إلى أقبح منها ، فقالوا بإباحة الجمع بين ثمان عشرة ؛ تمسكا منه بأن العدل في تلك الصيغ يفيد التكرار والواو للجمع ؛ فجعل مثنى بمعنى اثنين اثنين وكذلك ثلاث ورباع .
وهذا كله جهل باللسان والسنة ، ومخالفة لإجماع الأمة ، إذ لم يسمع عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع .
وأخرج مالك في موطئه ، والنسائي والدارقطني في سننهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن أمية الثقفي وقد أسلم وتحته عشر نسوة : اختر منهن أربعا وفارق سائرهن .
في كتاب أبي داود ، عن الحارث بن قيس ، قال : أسلمت وعندي ثمان نسوة ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : اختر منهن أربعا .
وقال مقاتل : إن قيس بن الحارث كان عنده ثمان نسوة حرائر ؛ فلما نزلت هذه الآية أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق أربعا ويمسك أربعا .
كذا قال : " قيس بن الحارث " ، والصواب أن ذلك كان حارث بن قيس الأسدي كما ذكر أبو داود .
وكذا روى محمد بن الحسن في كتاب السير الكبير : أن ذلك كان حارث بن قيس ، وهو المعروف عند الفقهاء .
وأما ما أبيح من ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فذلك من خصوصياته ؛ على ما يأتي بيانه في " الأحزاب " .
وأما قولهم : إن الواو جامعة ؛ فقد قيل ذلك ، لكن الله تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات .
والعرب لا تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين وثلاثة وأربعة .
وكذلك تستقبح ممن يقول : أعط فلانا أربعة ستة ثمانية ، ولا يقول ثمانية عشر .
وإنما الواو في هذا الموضع بدل ؛ أي انكحوا ثلاثا بدلا من مثنى ، ورباع بدلا من ثلاث ؛ ولذلك عطف بالواو ولم يعطف بأو .
ولو جاء بأو لجاز ألا يكون لصاحب المثنى ثلاث ، ولا لصاحب الثلاث رباع .
وأما قولهم : إن مثنى تقتضي اثنين ، وثلاث ثلاثة ، ورباع أربعة ، فتحكم بما لا يوافقهم أهل اللسان عليه ، وجهالة منهم .
وكذلك جهل الآخرين ، بأن مثنى تقتضي اثنين اثنين ، وثلاث ثلاثة ثلاثة ، ورباع أربعة أربعة ، ولم يعلموا أن اثنين اثنين ، وثلاثا ثلاثا ، وأربعا أربعا ، حصر للعدد .
ومثنى وثلاث ورباع بخلافها .
ففي العدد المعدول عند العرب زيادة معنى ليست في الأصل ؛ وذلك أنها إذا قالت : جاءت الخيل مثنى ، إنما تعني بذلك اثنين اثنين ؛ أي جاءت مزدوجة .
قال الجوهري : وكذلك معدول العدد .
وقال غيره : إذا قلت جاءني قوم مثنى أو ثلاث أو أحاد أو عشار ، فإنما تريد أنهم جاءوك واحدا واحدا ، أو اثنين اثنين ، أو ثلاثة ثلاثة ، أو عشرة عشرة ، وليس هذا المعنى في الأصل ؛ لأنك إذا قلت جاءني قوم ثلاثة ثلاثة ، أو قوم عشرة عشرة ، فقد حصرت عدة القوم بقولك ثلاثة وعشرة .
فإذا قلت : جاءوني رباع وثناء فلم تحصر عدتهم .
وإنما تريد أنهم جاءوك أربعة أربعة أو اثنين اثنين .
وسواء كثر عددهم أو قل في هذا الباب ، فقصرهم كل صيغة على أقل ما تقتضيه بزعمه تحكم .
وأما اختلاف علماء المسلمين في الذي يتزوج خامسة وعنده أربع وهي :التاسعة : فقال مالك والشافعي : عليه الحد إن كان عالما .
وبه قال أبو ثور .
وقال الزهري : يرجم إذا كان عالما ، وإن كان جاهلا أدنى الحدين الذي هو الجلد ، ولها مهرها ويفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا .
وقالت طائفة : لا حد عليه في شيء من ذلك .
هذا قول النعمان .
وقال يعقوب ومحمد : يحد في ذات المحرم ولا يحد في غير ذلك من النكاح .
وذلك مثل أن يتزوج مجوسية أو خمسة في عقدة أو تزوج متعة أو تزوج بغير شهود ، أو أمة تزوجها بغير إذن مولاها .
وقال أبو ثور : إذا علم أن هذا لا يحل له يجب أن يحد فيه كله إلا التزوج بغير شهود .
وفيه قول ثالث قاله النخعي في الرجل ينكح الخامسة متعمدا قبل أن تنقضي عدة الرابعة من نسائه : جلد مائة ولا ينفى .
فهذه فتيا علمائنا في الخامسة على ما ذكره ابن المنذر فكيف بما فوقها .
العاشرة : ذكر الزبير بن بكار حدثني إبراهيم الحزامي ، عن محمد بن معن الغفاري ، قال : أتت امرأة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ فقالت : يا أمير المؤمنين ، إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل وأنا أكره أن أشكوه ، وهو يعمل بطاعة الله عز وجل .
فقال لها : نعم الزوج زوجك : فجعلت تكرر عليه القول وهو يكرر عليها الجواب .
فقال له كعب الأسدي : يا أمير المؤمنين ، هذه المرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها عن فراشه .
فقال عمر : كما فهمت كلامها فاقض بينهما .
فقال كعب : علي بزوجها ، فأتي به فقال له : إن امرأتك هذه تشكوك .
قال : أفي طعام أم شراب ؟ قال لا .
فقالت المرأة :يا أيها القاضي الحكيم رشده ألهى خليلي عن فراشي مسجدهزهده في مضجعي تعبده فاقض القضا كعب ولا ترددهنهاره وليله ما يرقده فلست في أمر النساء أحمدهفقال زوجها :زهدني في فرشها وفي الحجل أني امرؤ أذهلني ما قد نزلفي سورة النحل وفي السبع الطول وفي كتاب الله تخويف جللفقال كعب :إن لها عليك حقا يا رجل نصيبها في أربع لمن عقلفأعطها ذاك ودع عنك العللثم قال : إن الله عز وجل قد أحل لك من النساء مثنى وثلاث ورباع ، فلك ثلاثة أيام ولياليهن تعبد فيهن ربك .
فقال عمر : والله ما أدري من أي أمريك أعجب ؟ أمن فهمك أمرهما أم من حكمك بينهما ؟ اذهب فقد وليتك قضاء البصرة .
وروى أبو هدبة إبراهيم بن هدبة حدثنا أنس بن مالك قال : أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تستعدي زوجها ، فقالت : ليس لي ما للنساء ؛ زوجي يصوم الدهر .
قال : لك يوم وله يوم ، للعبادة يوم وللمرأة يوم .
الحادية عشرة : قوله تعالى : فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة قال الضحاك وغيره : في الميل والمحبة والجماع والعشرة والقسم بين الزوجات الأربع والثلاث والاثنتينفواحدة فمنع من الزيادة التي تؤدي إلى ترك العدل في القسم وحسن العشرة .
وذلك دليل على وجوب ذلك ، والله أعلم .
وقرئت بالرفع ، أي فواحدة فيها كفاية أو كافية .
وقال الكسائي : فواحدة تقنع .
وقرئت بالنصب بإضمار فعل ، أي فانكحوا واحدة .
الثانية عشرة : قوله تعالى : أو ما ملكت أيمانكم يريد الإماء .
وهو عطف على " فواحدة " أي إن خاف ألا يعدل في واحدة فما ملكت يمينه .
وفي هذا دليل على ألا حق لملك اليمين في الوطء ولا القسم ؛ لأن المعنى فإن خفتم ألا تعدلوا في القسم فواحدة أو ما ملكت أيمانكم فجعل ملك اليمين كله بمنزلة واحدة ، فانتفى بذلك أن يكون للإماء حق في الوطء أو في القسم .
إلا أن ملك اليمين في العدل قائم بوجوب حسن الملكة والرفق بالرقيق .
وأسند تعالى الملك إلى اليمين إذ هي صفة مدح ، واليمين مخصوصة بالمحاسن لتمكنها .
ألا ترى أنها المنفقة ؟ كما قال عليه السلام : حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه وهي المعاهدة المبايعة ، وبها سميت الألية يمينا ، وهي المتلقية لرايات المجد ؛ كما قال :إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمينالثالثة عشرة : قوله تعالى : ذلك أدنى ألا تعولوا أي ذلك أقرب إلى ألا تميلوا عن الحق وتجوروا ؛ عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما .
يقال : عال الرجل يعول إذا جار ومال .
ومنه قولهم : عال السهم عن الهدف مال عنه .
قال ابن عمر : إنه لعائل الكيل والوزن ؛ قال الشاعر :قالوا اتبعنا رسول الله واطرحوا قول الرسول وعالوا في الموازينأي جاروا .
وقال أبو طالب :بميزان صدق لا يغل شعيرة له شاهد من نفسه غير عائليريد غير مائل .
وقال آخر :ثلاثة أنفس وثلاث ذود لقد عال الزمان على عياليأي جار ومال .
وعال الرجل يعيل إذا افتقر فصار عالة .
ومنه قوله تعالى : وإن خفتم عيلة .
ومنه قول الشاعر :وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيلوهو عائل وقوم عيلة ، والعيلة والعالة الفاقة ، وعالني الشيء يعولني إذا غلبني وثقل علي ، وعال الأمر اشتد وتفاقم .
وقال الشافعي : ألا تعولوا ألا تكثر عيالكم .
قال الثعلبي : وما قال هذا غيره ، وإنما يقال : أعال يعيل إذا كثر عياله .
وزعم ابن العربي أن عال على سبعة معان لا ثامن لها ، يقال : عال : مال ، الثاني : زاد ، الثالث : جار ، الرابع : افتقر ، الخامس : أثقل ، حكاه ابن دريد .
قالت الخنساء :ويكفي العشيرة ما عالهاالسادس : عال قام بمئونة العيال ؛ ومنه قوله عليه السلام : وابدأ بمن تعول .
السابع : عال غلب ؛ ومنه عيل صبره .
أي غلب .
ويقال : أعال الرجل كثر عياله .
وأما عال بمعنى كثر عياله فلا يصح .
قلت : أما قول الثعلبي " ما قاله غيره " فقد أسنده الدارقطني في سننه عن زيد بن أسلم ، وهو قول جابر بن زيد ؛ فهذان إمامان من علماء المسلمين وأئمتهم قد سبقا الشافعي إليه .
وأما ما ذكره ابن العربي من الحصر وعدم الصحة فلا يصح .
وقد ذكرنا : عال الأمر اشتد وتفاقم ، حكاه الجوهري .
وقال الهروي في غريبيه : " وقال أبو بكر : يقال عال الرجل في الأرض يعيل فيها أي ضرب فيها .
وقال الأحمر : يقال عالني الشيء يعيلني عيلا ومعيلا إذا أعجزك " .
وأما عال كثر عياله فذكره الكسائي وأبو عمر الدوري وابن الأعرابي .
قال الكسائي أبو الحسن علي بن حمزة : العرب تقول عال يعول وأعال يعيل أي كثر عياله .
وقال أبو حاتم : كان الشافعي أعلم بلغة العرب منا ، ولعله لغة .
قال الثعلبي المفسر : قال أستاذنا أبو القاسم بن حبيب : سألت أبا عمر الدوري عن هذا وكان إماما في اللغة غير مدافع فقال : هي لغة حمير ؛ وأنشد :وإن الموت يأخذ كل حي بلا شك وإن أمشى وعالايعني وإن كثرت ماشيته وعياله .
وقال أبو عمرو بن العلاء : لقد كثرت وجوه العرب حتى خشيت أن آخذ عن لاحن لحنا .
وقرأ طلحة بن مصرف " ألا تعيلوا " وهي حجة الشافعي رضي الله عنه .
قال ابن عطية : وقدح الزجاج وغيره في تأويل عال من العيال بأن قال : إن الله تعالى قد أباح كثرة السراري وفي ذلك تكثير العيال ، فكيف يكون أقرب إلى ألا يكثر العيال .
وهذا القدح غير صحيح ؛ لأن السراري إنما هي مال يتصرف فيه بالبيع ، وإنما العيال القادح الحرائر ذوات الحقوق الواجبة .
وحكى ابن الأعرابي أن العرب تقول : عال الرجل إذا كثر عياله .
الرابعة عشرة : تعلق بهذه الآية من أجاز للمملوك أن يتزوج أربعا ، لأن الله تعالى قال : فانكحوا ما طاب لكم من النساء يعني ما حل مثنى وثلاث ورباع ولم يخص عبدا من حر .
وهو قول داود والطبري وهو المشهور عن مالك وتحصيل مذهبه على ما في موطئه ، وكذلك روى عنه ابن القاسم وأشهب .
وذكر ابن المواز أن ابن وهب روى عن مالك أن العبد لا يتزوج إلا اثنتين ؛ قال وهو قول الليث .
قال أبو عمر : قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والليث بن سعد : لا يتزوج العبد أكثر من اثنتين ؛ وبه قال أحمد وإسحاق .
وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف في العبد لا ينكح أكثر من اثنتين ؛ ولا أعلم لهم مخالفا من الصحابة .
وهو قول الشعبي وعطاء وابن سيرين والحكم وإبراهيم وحماد .
والحجة لهذا القول القياس الصحيح على طلاقه وحده .
وكل من قال حده نصف حد الحر ، وطلاقه تطليقتان ، وإيلاؤه شهران ، ونحو ذلك من أحكامه فغير بعيد أن يقال : تناقض في قوله " ينكح أربعا " والله أعلم .


شرح المفردات و معاني الكلمات : خفتم , تقسطوا , اليتامى , فانكحوا , طاب , النساء , مثنى , ثلاث , رباع , خفتم , تعدلوا , فواحدة , ملكت , أيمانكم , أدنى , تعولوا , فانكحوا+ما+طاب+لكم+من+النساء+مثنى+وثلاث+ورباع , مثنى+وثلاث+ورباع , فإن+خفتم+ألا+تعدلوا+فواحدة+أو+ما+ملكت+أيمانكم+ذلك+أدنى+ألا+تعولوا ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم

  1. إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي
  2. فالتقمه الحوت وهو مليم
  3. وفاكهة كثيرة
  4. وقالوا لولا نـزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينـزل آية
  5. فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام
  6. يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو
  7. وياقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا
  8. إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون
  9. وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك
  10. اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون

تحميل سورة النساء mp3 :

سورة النساء mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة النساء

سورة النساء بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة النساء بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة النساء بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة النساء بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة النساء بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة النساء بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة النساء بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة النساء بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة النساء بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة النساء بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Saturday, December 21, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب