1. التفسير الميسر
  2. تفسير الجلالين
  3. تفسير السعدي
  4. تفسير البغوي
  5. التفسير الوسيط
تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ البقرة: 223] .

  
   

﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾
[ سورة البقرة: 223]

القول في تفسير قوله تعالى : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا ..


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

التفسير الميسر : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا


نساؤكم موضع زرع لكم، تضعون النطفة في أرحامهن، فَيَخْرج منها الأولاد بمشيئة الله، فجامعوهن في محل الجماع فقط، وهو القبل بأي كيفية شئتم، وقَدِّموا لأنفسكم أعمالا صالحة بمراعاة أوامر الله، وخافوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه للحساب يوم القيامة. وبشِّر المؤمنين -أيها النبي- بما يفرحهم ويسرُّهم من حسن الجزاء في الآخرة.

المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار


زوجاتكم محل زرع لكم يلدن لكم الأولاد؛ كالأرض التي تخرج الثمار، فأتوا محل الزرع - وهو القُبل - مِن أي جهة شئتم وكيفما شئتم إذا كان في القُبل، وقدموا لأنفسكم بفعل الخيرات، ومنه أن يجامع الرجل امرأته بقصد التقرب إلى الله، ورجاء الذرية الصالحة، واتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ومنها ما شرع لكم في شأن النساء، واعلموا أنكم ملاقوه يوم القيامة، واقفون بين يديه، ومجازيكم على أعمالكم، وبشّر - أيها النبي - المؤمنين بما يسرهم عند لقاء ربهم من النعيم المقيم، والنظر إلى وجهه الكريم.

تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 223


«نساؤكم حرث لكم» أي محل زرعكم الولد «فأتوا حرثكم» أي محله وهو القبل «أنَّى» كيف «شئتم» من قيام وقعود واضطجاع وإقبال وإدبار، نزل ردا لقول اليهود: من أتى امرأته في قبلها أي من جهة دبرها جاء الولد أحول «وقدموا لأنفسكم» العمل الصالح كالتسمية عند الجماع «واتقوا الله» في أمره ونهيه «واعلموا أنكم ملاقوه» بالبعث فيجازيكم بأعمالكم «وبشر المؤمنين» الذين اتقوه بالجنة.

تفسير السعدي : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا


{ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } مقبلة ومدبرة غير أنه لا يكون إلا في القبل, لكونه موضع الحرث, وهو الموضع الذي يكون منه الولد.
وفيه دليل على تحريم الوطء في الدبر, لأن الله لم يبح إتيان المرأة إلا في الموضع الذي منه الحرث، وقد تكاثرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم ذلك, ولعن فاعله.
{ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ }- أي: من التقرب إلى الله بفعل الخيرات, ومن ذلك أن يباشر الرجل امرأته, ويجامعها على وجه القربة والاحتساب, وعلى رجاء تحصيل الذرية الذين ينفع الله بهم.
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ }- أي: في جميع أحوالكم, كونوا ملازمين لتقوى الله, مستعينين بذلك لعلمكم، { أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ } ومجازيكم على أعمالكم الصالحة وغيرها.
ثم قال: { وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } لم يذكر المبشر به ليدل على العموم, وأن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وكل خير واندفاع كل ضير, رتب على الإيمان فهو داخل في هذه البشارة.
وفيها محبة الله للمؤمنين, ومحبة ما يسرهم, واستحباب تنشيطهم وتشويقهم بما أعد الله لهم من الجزاء الدنيوي والأخروي.

تفسير البغوي : مضمون الآية 223 من سورة البقرة


قوله تعالى : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرنا عبد الله بن حامد الأصبهاني أخبرنا محمد بن يعقوب أنا ابن المنادي أنا يونس أنا يعقوب القمي عن جعفر بن المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا رسول الله هلكت قال وما الذي أهلكك؟ قال : حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه شيئا وأوحى الله إليه ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) يقول : أدبر وأقبل واتق الدبر والحيضة .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أحمد بن الحسين الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا عبد الرحيم بن منيب أنا ابن عيينة عن ابن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : كانت اليهود تقول في الذي يأتي امرأته من دبرها في قبلها : إن الولد يكون أحول فنزلت ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) .
وروى مجاهد عن ابن عباس قال كان من شأن أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة وكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرت عليه وقالت : إنا كنا نؤتى على حرف فإن شئت فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني حتى سرى أمرهما فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى ( نساؤكم حرث لكم ) الآية يعني موضع الولد ( فأتوا حرثكم أنى شئتم ) مقبلات ومدبرات ومستلقيات وأنى حرف استفهام يكون سؤالا عن الحال والمحل معناه : كيف شئتم وحيث شئتم بعد أن يكون في صمام واحد وقال عكرمة ( أنى شئتم ) إنما هو الفرج ومثله عن الحسن وقيل ( حرث لكم ) أي مزرع لكم ومنبت للولد بمنزلة الأرض التي تزرع وفيه دليل على تحريم الأدبار لأن محل الحرث والزرع هو القبل لا الدبر .
وقال سعيد بن المسيب : هذا في العزل يعني إن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تعزلوا وسئل ابن عباس عن العزل فقال : حرثك إن شئت فأعطش وإن شئت فارو وروي عنه أنه قال : تستأمر الحرة في العزل ولا تستأمر الجارية وبه قال أحمد وكره جماعة العزل وقالوا : هو الوأد الخفي وروى عن مالك عن نافع قال كنت أمسك على ابن عمر المصحف فقرأ هذه الآية ( نساؤكم حرث لكم ) فقال أتدري فيم نزلت هذه الآية؟ قلت : لا قال : نزلت في رجل أتى امرأته في دبرها ، فشق ذلك عليه فنزلت هذه الآية .
ويحكى عن مالك إباحة ذلك وأنكر ذلك أصحابه ، وروي عن عبد الله بن الحسن أنه لقي سالم بن عبد الله فقال له يا أبا عمر ما حديث يحدث نافع عن عبد الله أنه لم يكن يرى بأسا بإتيان النساء في أدبارهن فقال : كذب العبد وأخطأ إنما قال عبد الله : يؤتون في فروجهن من أدبارهن والدليل على تحريم الأدبار ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد بن الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أخبرنا الشافعي أنا عمر محمد بن علي بن شافع أخبرني عبد الله بن علي بن السائب عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح عن خزيمة بن ثابت أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم : في أي الخرمتين؟ أو في أي الخرزتين؟ أو في أي الخصفتين؟ أمن دبرها في قبلها فنعم أو من دبرها في دبرها فلا فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن .
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا عبد الله الحسين بن محمد الحافظ أنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي أخبرنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي أنا عبد الله بن أبان أنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن مسلم بن خالد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ملعون من أتى امرأته في دبرها " .
قوله تعالى : ( وقدموا لأنفسكم ) قال عطاء : التسمية عند الجماع قال مجاهد ( وقدموا لأنفسكم ) يعني إذا أتى أهله فليدع .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن إسماعيل أنا عثمان بن أبي شيبة أنا جرير عن منصور عن سالم عن كريب عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا " .
وقيل قدموا لأنفسكم يعني طلب الولد .
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " وقيل: هو التزوج بالعفاف ليكون الولد صالحا .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا مسدد أنا يحيى عن عبيد الله حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " وقيل معنى الآية تقديم الأفراط .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم " وقال الكلبي والسدي : وقدموا لأنفسكم يعني الخير والعمل الصالح بدليل سياق الآية ( واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه ) صائرون إليه فيجزيكم بأعمالكم ( وبشر المؤمنين ) .

التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية


ثم قال-تبارك وتعالى-: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ.
روى الشيخان عن جابر قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها ثم حملت كان ولدها أحول.
فأنزل الله-تبارك وتعالى- قوله: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ الآية.
والحرث في الأصل: تهيئة الأرض بالحراثة لإلقاء البذر فيها.
وقد تطلق كلمة الحرث على الأرض المزروعة كما في قوله-تبارك وتعالى- أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ أى على حديقتكم لجمع ما فيها من ثمار.
وشبهت المرأة بالأرض لأن كليهما يمد الوجود الإنسانى بأسباب بقائه، فالزوجة تمده بعناصر تكوينه، والأرض تمده بأسباب حياته.
وأَنَّى شِئْتُمْ بمعنى كيف شئتم، أو متى شئتم في غير وقت الحيض.
والمعنى: نساؤكم هن مزرع لكم ومنبت للولد، أعدهن الله لذلك كما أعد الأرض للزراعة والإنبات، فأتوهن إذا تطهرن من الحيض في موضع الحرث كيف شئتم مستلقيات على ظهورهن أو غير ذلك ما دمتم تؤدون شهوتكم في صمام واحد وهو الفرج.
وفي هذه الجملة الكريمة إشعار بأن المقصد الأول من الزواج إنما هو النسل، ويشير إلى ذلك قوله نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ إذ من شأن الحرث الصالح الإنتاج وإشعار كذلك بما شرعه الله للزوجين من مؤانسة ومباسطة ويشير إلى ذلك قوله-تبارك وتعالى-: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ.
ويرى صاحب الكشاف أن التشبيه بين ما يلقى في الأرحام من النطفة وبين البذر الذي يلقى في الأرض من حيث إن كلا منهما ينمو في مستودعه ويكون به البقاء والتوالد، فقد قال- رحمه الله-:نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ مواضع الحرث لكم.
وهذا مجاز شبهن بالمحارث تشبيها لما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بالبذور، وقوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ تمثيل، أى فأتوهن كما تأتون أراضيكم التي تحرثونها من أى جهة شئتم، لا تحظر عليكم جهة دون جهة.
والمعنى: جامعوهن من أى شق أردتم بعد أن يكون المأتى واحدا وهو موضع الحرث.
ثم قال: وقوله-تبارك وتعالى-: هُوَ أَذىً، فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ وقوله مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ وقوله فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ من الكنايات اللطيفة والتعريضات الحسنة.
وهذه وأشباهها في كلام الله آداب حسنة على المؤمنين أن يتعلموها ويتأدبوا بها ويتكلفوا مثلها في محاورتهم ومكاتبتهم.
فإن قلت: ما موقع قوله نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ مما قبله؟ قلت: موقعه موقع البيان والتوضيح لقوله: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ يعنى أن المأتى الذي أمركم الله به هو مكان الحرث ترجمة له وتفسيرا، أو إزالة للشبهة ودلالة على أن الغرض الأصيل في الإتيان هو طلب النسل لا قضاء الشهوة فلا تأتوهن إلا من المأتى الذي يتعلق به هذا الغرض» .
ثم ختم الله-تبارك وتعالى- الآية بقوله: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.
أى: عليكم أيها المؤمنون أن تقدموا في حاضركم لمستقبلكم من الأعمال الصالحة ما ينفعكم في دنياكم وآخرتكم، بأن تختاروا في زواجكم ذات الدين، وأن تسيروا في حياتكم الزوجية على الطريقة التي رسمها لكم خالقكم وعليكم كذلك أن تتقوه بأن تصونوا أنفسكم عن كل ما نهاكم عنه، وأن تعلموا علم اليقين أنكم ستلقونه فيحاسبكم على أعمالكم ويجازيكهم عليها بما تستحقون.
وقوله: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بشارة طيبة لمن آمن وعمل صالحا، وتلقى ما كلفه الله-تبارك وتعالى- بالطاعة والامتثال.
وبذلك نرى أن هاتين الآيتين قد أرشدتا المسلّم إلى أفضل الوسائل، وأقوى الدعائم التي يقوم عليها صرح الحياة الزوجية السعيدة، والتي عن طريقها تأتى الذرية الصالحة الرشيدة، وأن الإسلام في تعاليمه لا يحاول أن ينكر أو يحطم غرائز الإنسان وضرورياته، وإنما الإسلام يعترف بغرائز الإنسان وضرورياته ثم يعمل على تهذيبها وتقويمها بالطرق التي من شأنه إذا ما اتبعها أن يظفر بالسعادة والطمأنينة في دنياه وأخراه.
وبعد أن بينت لنا السورة الكريمة حكم المباشرة في فترة الحيض تابعت حديثها عن شئون الأسرة فذكرت حكم الإيلاء أى الحلف بالامتناع عن المباشرة بعد أن قدمت له بالحديث عن الحلف في ذاته.
استمع إلى السورة الكريمة وهي تحكى ذلك فتقول:

نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا: تفسير ابن كثير


وقوله : { نساؤكم حرث لكم } قال ابن عباس : الحرث موضع الولد { فأتوا حرثكم أنى شئتم } أي: كيف شئتم مقبلة ومدبرة في صمام واحد ، كما ثبتت بذلك الأحاديث .
قال البخاري : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان عن ابن المنكدر قال : سمعت جابرا قال : كانت اليهود تقول : إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول ، فنزلت : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } ورواه داود من حديث سفيان الثوري به .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني مالك بن أنس وابن جريج وسفيان بن سعيد الثوري : أن محمد بن المنكدر حدثهم : أن جابر بن عبد الله أخبره : أن اليهود قالوا للمسلمين : من أتى امرأة وهي مدبرة جاء الولد أحول ، فأنزل الله عز وجل : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم }
قال ابن جريج في الحديث : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مقبلة ومدبرة ، إذا كان ذلك في الفرج " .
وفي حديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري ، عن أبيه ، عن جده أنه قال : يا رسول الله ، نساؤنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : " حرثك ، ائت حرثك أنى شئت ، غير ألا تضرب الوجه ، ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في المبيت . الحديث ، رواه أحمد ، وأهل السنن .
حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عامر بن يحيى ، عن حنش بن عبد الله ، عن عبد الله بن عباس قال : أتى ناس من حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألوه عن أشياء ، فقال له رجل : إني أجبي النساء ، فكيف ترى في ذلك ، فأنزل الله : { نساؤكم حرث لكم } .
حديث آخر : قال أبو جعفر الطحاوي في كتابه " مشكل الحديث " : حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، حدثنا يعقوب بن كاسب ، حدثنا عبد الله بن نافع ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري : أن رجلا أصاب امرأة في دبرها ، فأنكر الناس عليه ذلك ، فأنزل الله : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } ورواه ابن جرير عن يونس وعن يعقوب ، به .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن سابط قال : دخلت على حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر فقلت : إني سائلك عن أمر ، وإنى أستحيي أن أسألك . قالت : فلا تستحيي يا ابن أخي . قال : عن إتيان النساء في أدبارهن ؟ قالت : حدثتني أم سلمة أن الأنصار كانوا لا يجبون النساء ، وكانت اليهود تقول : إنه من جبى امرأته كان الولد أحول ، فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصار ، فجبوهن ، فأبت امرأة أن تطيع زوجها وقالت : لن تفعل ذلك حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فدخلت على أم سلمة فذكرت لها ذلك ، فقالت : اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم استحيت الأنصارية أن تسأله ، فخرجت ، فحدثت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ادعي الأنصارية " : فدعيت ، فتلا عليها هذه الآية : " { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } صماما واحدا " .
ورواه الترمذي ، عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن سفيان ، عن ابن خثيم به . وقال : حسن .
قلت : وقد روي من طريق حماد بن أبي حنيفة ، عن أبيه ، عن ابن خثيم عن يوسف بن ماهك ، عن حفصة أم المؤمنين : أن امرأة أتتها فقالت : إن زوجي يأتيني محيية ومستقبلة فكرهته ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " لا بأس إذا كان في صمام واحد " .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا يعقوب يعني القمي عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هلكت ! قال : " ما الذي أهلكك ؟ " قال : حولت رحلي البارحة ! قال : فلم يرد عليه شيئا . قال : فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } أقبل وأدبر ، واتق الدبر والحيضة " .
رواه الترمذي ، عن عبد بن حميد ، عن حسن بن موسى الأشيب ، به . وقال : حسن غريب .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن غيلان ، حدثنا رشدين ، حدثني الحسن بن ثوبان ، عن عامر بن يحيى المعافري ، عن حنش ، عن ابن عباس قال : أنزلت هذه الآية : { نساؤكم حرث لكم } في أناس من الأنصار ، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فسألوه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " آتها على كل حال ، إذا كان في الفرج " .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا الحارث بن سريج حدثنا عبد الله بن نافع ، حدثنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد قال : أثفر رجل امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : أثفر فلان امرأته ، فأنزل الله عز وجل : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } .
وقال أبو داود : حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ ، قال : حدثني محمد يعني ابن سلمة عن محمد بن إسحاق ، عن أبان بن صالح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : إن ابن عمر والله يغفر له أوهم ، إنما كان أهل هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع أهل هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم ، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف ، وذلك أستر ما تكون المرأة ، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ، ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات . فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار ، فذهب يصنع بها ذلك ، فأنكرته عليه ، وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف . فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، فسرى أمرهما ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } أي: مقبلات ، ومدبرات ، ومستلقيات يعني بذلك موضع الولد .
تفرد به أبو داود ، ويشهد له بالصحة ما تقدم من الأحاديث ، ولا سيما رواية أم سلمة ، فإنها مشابهة لهذا السياق .
وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو القاسم الطبراني من طريق محمد بن إسحاق ، عن أبان بن صالح ، عن مجاهد قال : عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته ، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها ، حتى انتهيت إلى هذه الآية : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } فقال ابن عباس : إن هذا الحي من قريش كانوا يشرحون النساء بمكة ، ويتلذذون بهن . . فذكر القصة بتمام سياقها .
وقول ابن عباس : " إن ابن عمر والله يغفر له أوهم " . كأنه يشير إلى ما رواه البخاري :
حدثنا إسحاق ، حدثنا النضر بن شميل ، أخبرنا ابن عون عن نافع قال : كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه ، فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة ، حتى انتهى إلى مكان قال : أتدري فيم أنزلت ؟ قلت : لا . قال : أنزلت في كذا وكذا . ثم مضى . وعن عبد الصمد قال : حدثني أبي ، حدثني أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر : { فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : يأتيها في . . .
هكذا رواه البخاري ، وقد تفرد به من هذه الوجوه .
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، حدثنا ابن عون ، عن نافع قال : قرأت ذات يوم : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } فقال ابن عمر : أتدري فيم نزلت ؟ قلت : لا . قال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهن .
وحدثني أبو قلابة ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، حدثني أبي ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر : { فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : في الدبر .
وروي من حديث مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، ولا يصح .
وروى النسائي ، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، عن أبي بكر بن أبي أويس ، عن سليمان بن بلال ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر : أن رجلا أتى امرأته في دبرها ، فوجد في نفسه من ذلك وجدا شديدا ، فأنزل الله : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } .
قال أبو حاتم الرازي : لو كان هذا عند زيد بن أسلم ، عن ابن عمر لما أولع الناس بنافع . وهذا تعليل منه لهذا الحديث .
وقد رواه عبد الله بن نافع ، عن داود بن قيس ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عمر فذكره .
وهذا محمول على ما تقدم ، وهو أنه يأتيها في قبلها من دبرها ، لما رواه النسائي أيضا عن علي بن عثمان النفيلي ، عن سعيد بن عيسى ، عن المفضل بن فضالة عن عبد الله بن سليمان الطويل ، عن كعب بن علقمة ، عن أبي النضر : أنه أخبره أنه قال لنافع مولى ابن عمر : إنه قد أكثر عليك القول : إنك تقول عن ابن عمر إنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن قال : كذبوا علي ، ولكن سأحدثك كيف كان الأمر : إن ابن عمر عرض المصحف يوما وأنا عنده ، حتى بلغ : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } فقال : يا نافع ، هل تعلم من أمر هذه الآية ؟ قلت : لا . قال : إنا كنا معشر قريش نجبي النساء ، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار ، أردنا منهن مثل ما كنا نريد فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه ، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود ، إنما يؤتين على جنوبهن ، فأنزل الله : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } .
وهذا إسناد صحيح ، وقد رواه ابن مردويه ، عن الطبراني ، عن الحسين بن إسحاق ، عن زكريا بن يحيى الكاتب العمري ، عن مفضل بن فضالة ، عن عبد الله بن عياش عن كعب بن علقمة ، فذكره . وقد روينا عن ابن عمر خلاف ذلك صريحا ، وأنه لا يباح ولا يحل كما سيأتي ، وإن كان قد نسب هذا القول إلى طائفة من فقهاء المدينة وغيرهم ، وعزاه بعضهم إلى الإمام مالك في كتاب السر وأكثر الناس ينكر أن يصح ذلك عن الإمام مالك ، رحمه الله . وقد وردت الأحاديث المروية من طرق متعددة بالزجر عن فعله وتعاطيه ; فقال الحسن بن عرفة :
حدثنا إسماعيل بن عياش عن سهيل بن أبي صالح ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استحيوا ، إن الله لا يستحيي من الحق ، لا يحل مأتى النساء في حشوشهن " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن عبد بن شداد عن رجل عن خزيمة بن ثابت : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها .
طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا يعقوب ، سمعت أبي يحدث ، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة ابن الهاد : أن عبيد الله بن الحصين الوالبي حدثه أن هرمي بن عبد الله الواقفي حدثه : أن خزيمة بن ثابت الخطمي حدثه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يستحيي الله من الحق ، لا يستحيي الله من الحق ثلاثا لا تأتوا النساء في أعجازهن " .
ورواه النسائي ، وابن ماجه من طرق ، عن خزيمة بن ثابت . وفي إسناده اختلاف كثير .
حديث آخر : قال أبو عيسى الترمذي ، والنسائي : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن الضحاك بن عثمان ، عن مخرمة بن سليمان ، عن كريب ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر " . ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب . وهكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه . وصححه ابن حزم أيضا . ولكن رواه النسائي ، عن هناد ، عن وكيع ، عن الضحاك ، به موقوفا .
وقال عبد : أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن ابن طاوس ، عن أبيه : أن رجلا سأل ابن عباس عن إتيان المرأة في دبرها ، قال : تسألني عن الكفر ! [ إسناد صحيح ] .
وكذا رواه النسائي ، من طريق ابن المبارك ، عن معمر به نحوه .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى " .
وقال عبد الله بن أحمد : حدثني هدبة ، حدثنا همام ، قال : سئل قتادة عن الذي يأتي امرأته في دبرها . فقال قتادة : حدثنا عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هي اللوطية الصغرى " .
قال قتادة : وحدثني عقبة بن وساج ، عن أبي الدرداء قال : وهل يفعل ذلك إلا كافر ؟ .
وقد روى هذا الحديث يحيى بن سعيد القطان ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قوله . وهذا أصح ، والله أعلم .
وكذلك رواه عبد بن حميد ، عن يزيد بن هارون ، عن حميد الأعرج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، موقوفا من قوله .
طريق أخرى : قال جعفر الفريابي : حدثنا قتيبة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ، ويقول : ادخلوا النار مع الداخلين : الفاعل والمفعول به ، والناكح يده ، وناكح البهيمة ، وناكح المرأة في دبرها ، وجامع بين المرأة وابنتها ، والزاني بحليلة جاره ، والمؤذي جاره حتى يلعنه " .
ابن لهيعة وشيخه ضعيفان .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا سفيان ، عن عاصم ، عن عيسى بن حطان ، عن مسلم بن سلام ، عن علي بن طلق ، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤتى النساء في أدبارهن ; فإن الله لا يستحيي من الحق .
وأخرجه أحمد أيضا ، عن أبي معاوية ، وأبو عيسى الترمذي من طريق أبي معاوية أيضا ، عن عاصم الأحول [ به ] وفيه زيادة ، وقال : هو حديث حسن .
ومن الناس من يورد هذا الحديث في مسند علي بن أبي طالب ، كما وقع في مسند الإمام أحمد بن حنبل والصحيح أنه علي بن طلق .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن الحارث بن مخلد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الذي يأتي امرأته في دبرها لا ينظر الله إليه " .
وحدثنا عفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا سهيل ، عن الحارث بن مخلد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها " .
وكذا رواه ابن ماجه من طريق سهيل .
وحدثنا وكيع ، حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح ، عن الحارث بن مخلد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ملعون من أتى امرأة في دبرها " .
وهكذا رواه أبو داود ، والنسائي من طريق وكيع ، به .
طريق أخرى : قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني : أخبرنا أحمد بن القاسم بن الريان ، حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي ، حدثنا هناد ، ومحمد بن إسماعيل واللفظ له قالا : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ملعون من أتى امرأة في دبرها " .
ليس هذا الحديث هكذا في سنن النسائي ، وإنما الذي فيه عن سهيل ، عن الحارث بن مخلد ، كما تقدم .
قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي : ورواية أحمد بن القاسم بن الريان هذا الحديث بهذا السند ، وهم منه ، وقد ضعفوه .
طريق أخرى : رواها مسلم بن خالد الزنجي ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى عليه وسلم قال : " ملعون من أتى النساء في أدبارهن " .
ومسلم بن خالد فيه كلام ، والله أعلم .
طريق أخرى : رواها الإمام أحمد ، وأهل السنن من حديث حماد بن سلمة ، عن حكيم الأثرم ، عن أبي تميمة الهجيمي ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى حائضا أو امرأة في دبرها ، أو كاهنا فصدقه ، فقد كفر بما أنزل على محمد " .
وقال الترمذي : ضعف البخاري هذا الحديث . والذي قاله البخاري في حديث حكيم [ الأثرم ] عن أبي تميمة : لا يتابع في حديثه .
طريق أخرى : قال النسائي : حدثنا عثمان بن عبد الله ، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن من كتابه ، عن عبد الملك بن محمد الصنعاني ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " استحيوا من الله حق الحياء ، لا تأتوا النساء في أدبارهن " .
تفرد به النسائي من هذا الوجه .
قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ : هذا حديث منكر باطل من حديث الزهري ، ومن حديث أبي سلمة ومن حديث سعيد ; فإن كان عبد الملك سمعه من سعيد ، فإنما سمعه بعد الاختلاط ، وقد رواه الزهري عن أبي سلمة أنه كان ينهى عن ذلك ، فأما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا . انتهى كلامه .
وقد أجاد وأحسن الانتقاد ; إلا أن عبد الملك [ بن محمد ] الصنعاني لا يعرف أنه اختلط ، ولم يذكر ذلك أحد غير حمزة الكناني ، وهو ثقة ، ولكن تكلم فيه دحيم ، وأبو حاتم ، وابن حبان ، وقال : لا يجوز الاحتجاج به ، فالله أعلم . وقد تابعه زيد بن يحيى بن عبيد ، عن سعيد بن عبد العزيز . وروي من طريقين آخرين ، عن أبي سلمة . ولا يصح منها شيء .
طريق أخرى : قال النسائي : حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان الثوري ، عن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن أبي هريرة قال : إتيان الرجال النساء في أدبارهن كفر .
ثم رواه ، عن بندار ، عن عبد الرحمن ، به . قال : من أتى امرأة في دبرها ملك كفره . هكذا رواه النسائي ، من طريق الثوري ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن أبي هريرة موقوفا . وكذا رواه من طريق علي ابن بذيمة ، عن مجاهد ، عن أبي هريرة موقوفا . ورواه بكر بن خنيس ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى شيئا من الرجال والنساء في الأدبار فقد كفر " والموقوف أصح ، وبكر بن خنيس ضعفه غير واحد من الأئمة ، وتركه آخرون .
حديث آخر : قال محمد بن أبان البلخي : حدثنا وكيع ، حدثنا زمعة بن صالح ، عن ابن طاوس ، عن أبيه وعن عمرو بن دينار ، عن عبد الله بن يزيد بن الهاد قالا قال عمر بن الخطاب : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا يستحيي من الحق ، لا تأتوا النساء في أدبارهن " .
وقد رواه النسائي : حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني ، عن عثمان بن اليمان ، عن زمعة بن صالح ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن الهاد ، عن عمر قال : " لا تأتوا النساء في أدبارهن " .
وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا يزيد بن أبي حكيم ، عن زمعة بن صالح ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس ، عن عبد الله بن الهاد الليثي قال : قال عمر رضي الله عنه : استحيوا من الله ، فإن الله لا يستحيي من الحق ، لا تأتوا النساء في أدبارهن . الموقوف أصح .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا غندر ومعاذ بن معاذ قالا : حدثنا شعبة عن عاصم الأحول ، عن عيسى بن حطان ، عن مسلم بن سلام ، عن طلق بن يزيد أو يزيد بن طلق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لا يستحيي من الحق ، لا تأتوا النساء في أستاههن " .
وكذا رواه غير واحد ، عن شعبة . ورواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن عاصم الأحول ، عن عيسى بن حطان ، عن مسلم بن سلام ، عن طلق بن علي ، والأشبه أنه علي بن طلق ، كما تقدم ، والله أعلم .
حديث آخر : قال أبو بكر الأثرم في سننه : حدثنا أبو مسلم الحرمي ، حدثنا أخي أنيس بن إبراهيم أن أباه إبراهيم بن عبد الرحمن بن القعقاع أخبره ، عن أبيه أبي القعقاع ، عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " محاش النساء حرام " .
وقد رواه إسماعيل بن علية ، وسفيان الثوري ، وشعبة ، وغيرهم ، عن أبي عبد الله الشقري واسمه سلمة بن تمام : ثقة عن أبي القعقاع ، عن ابن مسعود موقوفا . وهو أصح .
طريق أخرى : قال ابن عدي : حدثنا أبو عبد الله المحاملي ، حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، حدثنا محمد بن حمزة ، عن زيد بن رفيع عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تأتوا النساء في أعجازهن " محمد بن حمزة هو الجزري وشيخه ، فيهما مقال .
وقد روي من حديث أبي بن كعب والبراء بن عازب ، وعقبة بن عامر وأبي ذر ، وغيرهم . وفي كل منها مقال لا يصح معه الحديث ، والله أعلم .
وقال الثوري ، عن الصلت بن بهرام ، عن أبي المعتمر ، عن أبي جويرية قال : سأل رجل عليا عن إتيان امرأة في دبرها ، فقال : سفلت ، سفل الله بك ! ألم تسمع إلى قول الله عز وجل : { أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين } [ الأعراف : 80 ] .
وقد تقدم قول ابن مسعود ، وأبي الدرداء ، وأبي هريرة ، وابن عباس ، وعبد الله بن عمرو في تحريم ذلك ، وهو الثابت بلا شك عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، أنه يحرمه .
قال أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الدارمي في مسنده : حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث ، عن الحارث بن يعقوب ، عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال : قلت لابن عمر : ما تقول في الجواري ، أنحمض لهن ؟ قال : وما التحميض ؟ فذكر الدبر . فقال : وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين ؟
وكذا رواه ابن وهب وقتيبة ، عن الليث ، به . وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك ، فكل ما ورد عنه مما يحتمل ويحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم .
وقال ابن جرير : حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد بن أبي الغمر حدثني عبد الرحمن بن القاسم ، عن مالك بن أنس أنه قيل له : يا أبا عبد الله ، إن الناس يروون عن سالم بن عبد الله أنه قال : كذب العبد ، أو العلج ، على أبي [ عبد الله ] فقال مالك : أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني ، عن سالم بن عبد الله ، عن ابن عمر مثل ما قال نافع . فقيل له : فإن الحارث بن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار : أنه سأل ابن عمر فقال له : يا أبا عبد الرحمن ، إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن ؟ فقال : وما التحميض ؟ فذكر له الدبر . فقال ابن عمر : أف ! أف ! أيفعل ذلك مؤمن أو قال : مسلم . فقال مالك : أشهد على ربيعة لأخبرني عن أبي الحباب ، عن ابن عمر ، مثل ما قال نافع .
وروى النسائي ، عن الربيع بن سليمان ، عن أصبغ بن الفرج الفقيه ، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم قال : قلت لمالك : إن عندنا بمصر الليث بن سعد يحدث عن الحارث بن يعقوب ، عن سعيد بن يسار ، قال : قلت لابن عمر : إنا نشتري الجواري ، فنحمض لهن ؟ قال : وما التحميض ؟ قلت : نأتيهن في أدبارهن . فقال : أف ! أف ! أو يعمل هذا مسلم ؟ فقال لي مالك : فأشهد على ربيعة لحدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر ، فقال : لا بأس به .
وروى النسائي أيضا من طريق يزيد بن رومان ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أن ابن عمر كان لا يرى بأسا أن يأتي الرجل المرأة في دبرها .
وروى معن بن عيسى ، عن مالك : أن ذلك حرام .
وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري : حدثني إسماعيل بن حصين ، حدثني إسماعيل بن روح : سألت مالك بن أنس : ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن : قال : ما أنتم قوم عرب . هل يكون الحرث إلا موضع الزرع ، لا تعدو الفرج .
قلت : يا أبا عبد الله ، إنهم يقولون : إنك تقول ذلك ؟ ! قال : يكذبون علي ، يكذبون علي .
فهذا هو الثابت عنه ، وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل وأصحابهم قاطبة . وهو قول سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة ، وعكرمة ، وطاوس ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وعروة بن الزبير ، ومجاهد بن جبر والحسن وغيرهم من السلف : أنهم أنكروا ذلك أشد الإنكار ، ومنهم من يطلق على فاعله الكفر ، وهو مذهب جمهور العلماء .
وقد حكي في هذا شيء عن بعض فقهاء المدينة ، حتى حكوه عن الإمام مالك ، وفي صحته عنه نظر .
[ وقد روى ابن جرير في كتاب النكاح له وجمعه عن يونس بن عبد الأحوص بن وهب إباحته ] .
قال الطحاوي : روى أصبغ بن الفرج ، عن عبد الرحمن بن القاسم قال : ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك أنه حلال . يعني وطء المرأة في دبرها ، ثم قرأ : { نساؤكم حرث لكم } ثم قال : فأي شيء أبين من هذا ؟ هذه حكاية الطحاوي .
وقد روى الحاكم ، والدارقطني ، والخطيب البغدادي ، عن الإمام مالك من طرق ما يقتضي إباحة ذلك . ولكن في الأسانيد ضعف شديد ، وقد استقصاها شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي في جزء جمعه في ذلك ، فالله أعلم .
وقال الطحاوي : حكى لنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول : ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحليله ولا تحريمه شيء . والقياس أنه حلال . وقد روى ذلكأبو بكر الخطيب ، عن أبي سعيد الصيرفي ، عن أبي العباس الأصم ، سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، سمعت الشافعي يقول . . . فذكر . قال أبو نصر الصباغ : كان الربيع يحلف بالله الذي لا إله إلا هو : لقد كذب يعني ابن عبد الحكم على الشافعي في ذلك فإن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه ، والله أعلم .
وقال القرطبي في تفسيره : وممن ينسب إليه هذا القول وهو إباحة وطء المرأة في دبرها سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون . وهذا القول في العتبية . وحكى ذلك عن مالك في كتاب له أسماه كتاب السر ، وحذاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب ، ومالك أجل من أن يكون له كتاب السر ووقع هذا القول في العتبية ، وذكر ابن العربي أن ابن شعبان أسند هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من رواية كثيرة من كتاب جماع النسوان وأحكام القرآن هذا لفظه قال : وحكى الكيا الهراسي الطبري عن محمد بن كعب القرظي أنه استدل على جواز ذلك بقوله : { أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون } الشعراء : [ 165 ، 166 ] .
يعني مثله من المباح ثم رده بأن المراد بذلك من خلق الله لهم من فروج النساء لا أدبارهن . قلت : وهذا هو الصواب وما قاله القرظي إن كان صحيحا إليه فخطأ . وقد صنف الناس في هذه المسألة مصنفات منهم أبو العباس القرطبي وسمى كتابه إظهار إدبار من أجاز الوطء في الأدبار .
وقوله تعالى : { وقدموا لأنفسكم } أي: من فعل الطاعات ، مع امتثال ما نهاكم عنه من ترك المحرمات ; ولهذا قال : { واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه } أي: فيحاسبكم على أعمالكم جميعا .
{ وبشر المؤمنين } أي: المطيعين لله فيما أمرهم ، التاركين ما عنه زجرهم .
وقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا حسين ، حدثني محمد بن كثير ، عن عبد الله بن واقد ، عن عطاء قال : أراه عن ابن عباس : { وقدموا لأنفسكم } قال : يقول : " باسم الله " ، التسمية عند الجماع .
وقد ثبت في صحيح البخاري ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال : باسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدا " .

تفسير القرطبي : معنى الآية 223 من سورة البقرة


قوله تعالى : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنينفيه ست مسائل :الأولى : قوله تعالى : نساؤكم حرث لكم روى الأئمة واللفظ لمسلم عن جابر بن عبد الله قال : ( كانت اليهود تقول : إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول ) ، فنزلت الآية نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم زاد في رواية عن الزهري : إن شاء مجبية وإن شاء غير مجبية غير إن ذلك في صمام واحد .
ويروى : في سمام واحد بالسين ، قاله الترمذي .
وروى البخاري عن نافع قال : كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه ، فأخذت عليه يوما ، فقرأ سورة " البقرة " حتى انتهى إلى مكان قال : أتدري فيم أنزلت ؟ قلت : لا ، قال : نزلت في كذا وكذا ، ثم مضى .
وعن عبد الصمد قال : حدثني أبي قال حدثني أيوب عن نافع عن ابن عمر : فأتوا حرثكم أنى شئتم قال : يأتيها في .
قال الحميدي : يعني الفرج .
وروى أبو داود عن ابن عباس قال : ( إن ابن عمر - والله يغفر له - وهم ، إنما كان هذا الحي من الأنصار ، وهم أهل وثن ، مع هذا الحي من يهود ، وهم أهل كتاب : وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم ، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، وكان من أمر أهل الكتاب ألا يأتوا النساء إلا على حرف ، وذلك أستر ما تكون المرأة ، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار ، فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه ، وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف! فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، حتى شري أمرهما ؟ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : فأتوا حرثكم أنى شئتم ، أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، يعني بذلك موضع الولد .
وروى الترمذي عن ابن عباس قال : جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هلكت! قال : ( وما أهلكك ؟ ) قال : حولت رحلي الليلة ، قال : فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، قال : فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة قال : هذا حديث حسن صحيح .
وروى النسائي عن أبي النضر أنه قال لنافع مولى ابن عمر : قد أكثر عليك القول .
إنك تقول عن ابن عمر : ( أنه أفتى بأن يؤتى النساء في أدبارهن ) .
قال نافع : لقد كذبوا علي! ولكن سأخبرك كيف كان الأمر : إن ابن عمر عرض علي المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ : نساؤكم حرث لكم ، قال نافع : هل تدري ما أمر هذه الآية ؟ إنا كنا معشر قريش نجبي النساء ، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن ما كنا نريد من نسائنا ، فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه ، وكان نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن ، فأنزل الله سبحانه : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم .
الثانية : هذه الأحاديث نص في إباحة الحال والهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث ، أي كيف شئتم من خلف ومن قدام وباركة ومستلقية ومضطجعة ، فأما الإتيان في غير المأتى فما كان مباحا ، ولا يباح! وذكر الحرث يدل على أن الإتيان في غير المأتى محرم .
و " حرث " تشبيه ؛ لأنهن مزدرع الذرية ، فلفظ " الحرث " يعطي أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع .
وأنشد ثعلب :إنما الأرحام أرضو ن لنا محترثات فعلينا الزرع فيهاوعلى الله النباتففرج المرأة كالأرض ، والنطفة كالبذر ، والولد كالنبات ، فالحرث بمعنى المحترث .
ووحد الحرث لأنه مصدر ، كما يقال : رجل صوم ، وقوم صوم .
الثالثة : قوله تعالى : أنى شئتم معناه عند الجمهور من الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى : من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة ، كما ذكرنا آنفا .
و " أنى " تجيء سؤالا وإخبارا عن أمر له جهات ، فهو أعم في اللغة من " كيف " ومن " أين " ومن " متى " ، هذا هو الاستعمال العربي في " أنى " .
وقد فسر الناس " أنى " في هذه الآية بهذه الألفاظ .
وفسرها سيبويه ب " كيف " ومن " أين " باجتماعهما .
وذهبت فرقة ممن فسرها ب " أين " إلى أن الوطء في الدبر مباح ، وممن نسب إليه هذا القول : سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون ، وحكي ذلك عن مالك في كتاب له يسمى " كتاب السر " .
وحذاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب ، ومالك أجل من أن يكون له " كتاب سر " .
ووقع هذا القول في العتبية .
وذكر ابن العربي أن ابن شعبان أسند جواز هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين ، وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب " جماع النسوان وأحكام القرآن " .
وقال الكيا الطبري : وروي عن محمد بن كعب القرظي أنه كان لا يرى بذلك بأسا ، ويتأول فيه قول الله عز وجل : أتأتون الذكران من العالمين .
وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم .
وقال : فتقديره تتركون مثل ذلك من أزواجكم ، ولو لم يبح مثل ذلك من الأزواج لما صح ذلك ، وليس المباح من الموضع الآخر مثلا له ، حتى يقال : تفعلون ذلك وتتركون مثله من المباح .
قال الكيا : وهذا فيه نظر ، إذ معناه : وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم مما فيه تسكين شهوتكم ، ولذة الوقاع حاصلة بهما جميعا ، فيجوز التوبيخ على هذا المعنى .
وفي قوله تعالى : فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله مع قوله : فأتوا حرثكم ما يدل على أن في المأتى اختصاصا ، وأنه مقصور على موضع الولد .
قلت : هذا هو الحق في المسألة .
وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر أن العلماء لم يختلفوا في الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها أنه عيب ترد به ، إلا شيئا جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوي أنه لا ترد الرتقاء ولا غيرها ، والفقهاء كلهم على خلاف ذلك ؛ لأن المسيس هو المبتغى بالنكاح ، وفي إجماعهم على هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء ، ولو كان موضعا للوطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج .
وفي إجماعهم أيضا على أن العقيم التي لا تلد لا ترد .
والصحيح في هذه المسألة ما بيناه .
وما نسب إلى مالك وأصحابه من هذا باطل وهم مبرءون من ذلك ؛ لأن إباحة الإتيان مختصة بموضع الحرث ، لقوله تعالى : فأتوا حرثكم ، ولأن الحكمة في خلق الأزواج بث النسل ، فغير موضع النسل لا يناله ملك النكاح ، وهذا هو الحق .
وقد قال أصحاب أبي حنيفة : إنه عندنا ولائط الذكر سواء في الحكم ، ولأن القذر والأذى في موضع النجو أكثر من دم الحيض ، فكان أشنع .
وأما صمام البول فغير صمام الرحم .
وقال ابن العربي في قبسه : قال لنا الشيخ الإمام فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين فقيه الوقت وإمامه : الفرج أشبه شيء بخمسة وثلاثين ، وأخرج يده عاقدا بها .
وقال : مسلك البول ما تحت الثلاثين ، ومسلك الذكر والفرج ما اشتملت عليه الخمسة ، وقد حرم الله تعالى الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة .
فأولى أن يحرم الدبر لأجل النجاسة اللازمة .
وقال مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبراه أن ناسا بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك ، فنفر من ذلك ، وبادر إلى تكذيب الناقل فقال : كذبوا علي ، كذبوا علي ، كذبوا علي! ثم قال : ألستم قوما عربا ؟ ألم يقل الله تعالى : نساؤكم حرث لكم وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت! وما استدل به المخالف من أن قوله عز وجل : أنى شئتم شامل للمسالك بحكم عمومها فلا حجة فيها ، إذ هي مخصصة بما ذكرناه ، وبأحاديث صحيحة حسان وشهيرة رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابيا بمتون مختلفة ، كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار ، ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده ، وأبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم .
وقد جمعها أبو الفرج بن الجوزي بطرقها في جزء سماه " تحريم المحل المكروه " .
ولشيخنا أبي العباس أيضا في ذلك جزء سماه ( إظهار إدبار ، من أجاز الوطء في الأدبار ) .
قلت : وهذا هو الحق المتبع والصحيح في المسألة ، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه .
وقد حذرنا من زلة العالم .
وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا ، وتكفير من فعله ، وهذا هو اللائق به رضي الله عنه .
وكذلك كذب نافع من أخبر عنه بذلك ، كما ذكر النسائي ، وقد تقدم .
وأنكر ذلك مالك واستعظمه ، وكذب من نسب ذلك إليه .
وروى الدارمي أبو محمد في مسنده عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال : قلت لابن عمر : ما تقول في الجواري حين أحمض بهن ؟ قال : وما التحميض ؟ فذكرت له الدبر ، فقال : هل يفعل ذلك أحد من المسلمين! وأسند عن خزيمة بن ثابت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أيها الناس إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن .
ومثله عن علي بن طلق .
وأسند عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أتى امرأة في دبرها لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة وروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تلك اللوطية الصغرى يعني إتيان المرأة في دبرها .
وروي عن طاوس أنه قال : كان بدء عمل قوم لوط إتيان النساء في أدبارهن .
قال ابن المنذر : وإذا ثبت الشيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغني به عما سواه .
الرابعة : قوله تعالى : وقدموا لأنفسكم أي قدموا ما ينفعكم غدا ، فحذف المفعول ، وقد صرح به في قوله تعالى : وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله .
فالمعنى قدموا لأنفسكم الطاعة والعمل الصالح .
وقيل ابتغاء الولد والنسل ؛ لأن الولد خير الدنيا والآخرة ، فقد يكون شفيعا وجنة .
وقيل : هو التزوج بالعفائف ، ليكون الولد صالحا طاهرا .
وقيل : هو تقدم الأفراط ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم تمسه النار إلا تحلة القسم الحديث .
وسيأتي في " مريم " إن شاء الله تعالى .
وقال ابن عباس وعطاء : أي قدموا ذكر الله عند الجماع ، كما قال عليه السلام : لو أن أحدكم إذا أتى امرأته قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره شيطان أبدا .
أخرجه مسلم .
الخامسة : قوله تعالى : واتقوا الله تحذير .
واعلموا أنكم ملاقوه خبر يقتضي المبالغة في التحذير ، أي فهو مجازيكم على البر والإثم .
وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال : سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يقول : إنكم ملاقو الله حفاة عراة مشاة غرلا - ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه .
أخرجه مسلم بمعناه .
السادسة : قوله تعالى : وبشر المؤمنين تأنيس لفاعل البر ومبتغي سنن الهدى .

﴿ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين ﴾ [ البقرة: 223]

سورة : البقرة - الأية : ( 223 )  - الجزء : ( 2 )  -  الصفحة: ( 35 )

English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

تفسير آيات من القرآن الكريم


تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

نساؤكم , حرث , فأتوا+حرثكم , ملاقوه , بشر , المؤمنين , اتقوا+الله , بشر+المؤمنين ,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب