1. التفسير الميسر
  2. تفسير الجلالين
  3. تفسير السعدي
  4. تفسير البغوي
  5. التفسير الوسيط
تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ البقرة: 29] .

  
   

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾
[ سورة البقرة: 29]

القول في تفسير قوله تعالى : هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء ..


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

التفسير الميسر : هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا


اللهُ وحده الذي خَلَق لأجلكم كل ما في الأرض من النِّعم التي تنتفعون بها، ثم قصد إلى خلق السموات، فسوَّاهنَّ سبع سموات، وهو بكل شيء عليم. فعِلْمُه -سبحانه- محيط بجميع ما خلق.

المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار


والله وحده الذي خلق لكم جميع ما في الأرض من أنهار وأشجار وغير ذلك مما لا يُحْصَى عدده، وأنتم تنتفعون به وتستمتعون بما سخَّره لكم، ثم قصد إلى خلق السماء فخلقهن سبع سماوات مستويات، وهو الذي أحاط علمه بكل شيء.

تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 29


«هو الذي خلق لكم ما في الأرض» أي الأرض وما فيها «جميعاً» لتنتفعوا به وتعتبروا «ثم استوى» بعد خلق الأرض أي قصد «إلى السماء فسواهن» الضمير يرجع إلى السماء لأنها في معنى الجمع الآيلة إليه: أي صيَّرها كما في آية أخرى (فقضاهن) «سبع سماوات وهو بكل شيء عليم» مجملا ومفصلا أفلا تعتبرون أن القادر على خلق ذلك ابتداءً وهو أعظم منكم قادر على إعادتكم.

تفسير السعدي : هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا


{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا }- أي: خلق لكم, برا بكم ورحمة, جميع ما على الأرض, للانتفاع والاستمتاع والاعتبار.
وفي هذه الآية العظيمة دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة, لأنها سيقت في معرض الامتنان، يخرج بذلك الخبائث, فإن [تحريمها أيضا] يؤخذ من فحوى الآية, ومعرفة المقصود منها, وأنه خلقها لنفعنا, فما فيه ضرر, فهو خارج من ذلك، ومن تمام نعمته, منعنا من الخبائث, تنزيها لنا.
وقوله: { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } { اسْتَوَى } ترد في القرآن على ثلاثة معاني: فتارة لا تعدى بالحرف، فيكون معناها, الكمال والتمام, كما في قوله عن موسى: { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى } وتارة تكون بمعنى " علا " و " ارتفع " وذلك إذا عديت بـ " على " كما في قوله تعالى: { ثم استوى على العرش } { لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ } وتارة تكون بمعنى " قصد " كما إذا عديت بـ " إلى " كما في هذه الآية،- أي: لما خلق تعالى الأرض, قصد إلى خلق السماوات { فسواهن سبع سماوات } فخلقها وأحكمها, وأتقنها, { وهو بكل شيء عليم } فـ { يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها } و { يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } يعلم السر وأخفى.
وكثيرا ما يقرن بين خلقه للخلق وإثبات علمه كما في هذه الآية, وكما في قوله تعالى: { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } لأن خلقه للمخلوقات, أدل دليل على علمه, وحكمته, وقدرته.

تفسير البغوي : مضمون الآية 29 من سورة البقرة


قوله تعالى: هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً لكي تعتبروا وتستدلوا وقيل: لكي تنتفعوا.
ثم استوى إلى السماء قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: "أي ارتفع إلى السماء".
وقال ابن كيسان والفراء وجماعة من النحويين: "أي أقبل على خلق السماء".
وقيل: قصد لأنه خلق الأرض أولاً ثم عمد إلى خلق السماء.
فسواهن سبع سماوات خلقهن مستويات لا فطور فيها ولا صدع.
وهو بكل شيء عليم قرأ أبو جعفر وأبو عمرو والكسائي وقالون و(هو) و(هي) بسكون الهاء إذا كان قبل الهاء واو أو فاء أو لام، زاد الكسائي وقالون: (ثم هووقالون أن يمل هو [282-البقرة].

التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية


وبعد أن ذكر - سبحانه - ما يشهد بقدرته ووحدانيته عن طريق الأدلة المتعلقة بذوات المكلفين ، أردف ذلك بالكلام عن الأدلة الكونية فقال تعالى :{ هُوَ الذي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً } .
أي : أنه خلق جميع ما في الأرض من نحو الحيوان والنبات والمعادن والجبال من أجلكم ، فهو المنعم عليكم لتنتفعوا بها في دنياكم ، وتستعينوا بها على طاعته .
وقد أخذ العلماء من هذه الآية شاهداً على أن الأشياء التي فيها منافع مأذون فيها حتى يقوم دليل على حرمتها .
ثم استدل - سبحانه - على مظاهر قدرته بخلق السموات فقال :{ ثُمَّ استوى إِلَى السمآء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم } .
استوى إلى السماء : أقبل وعمد إليها بإرادته .
وتسويتها معناه : تعديل خلقها وتقويمه .
والسماء ليس المراد منها فردا من أفراد السموات ، وإنما المراد منها الأجرام العلوية الشاملة لجميع السموات ، فصح أن يعود عليها ضمير جمع الإِناث في قوله : { فَسَوَّاهُنَّ } ، وكذلك علماء البيان يزيدون أن اللفظ إذا أريد منه جنس ما وضع له صار في معنى الجمع .
فمعنى { ثُمَّ استوى إِلَى السمآء } علا إليها وارتفع ، من غير تكييف ولا تحديد ولا تشبيه ، مع كمال التنزيه عن سمات المحدثات ، وقد سئل الإِمام مالك عن الاستواء على العرش فقال : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإِيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة .
وقدم الأرض هنا لأنها أدل لشدة الملامسة والمباشرة .
وجملة { ثُمَّ استوى } معطوفة على جملة { خَلَقَ لَكُمْ } ، وكان العطف بثم لعظم خلق السماء عن خلق الأرض .
وعبر بسواهن للإِشعار بأنه - سبحانه - خلقهن في استقامة ، واستقامة الخلق هي انتظامه على وجه لا خلل فيه ولا اضطراب .
قال - تعالى - :{ مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمن مِن تَفَاوُتٍ } وجملة { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } مقررة لما ذكر قبلها من خلق السموات والأرض وما فيهما على هذه الصورة الحكيمة ، فقد دلت على أن ترتيب أجزاء تلك المصنوعات وموافقة جميعها للمنافع المقصودة منها ، إنما حدث عن عالم بحقائق تلك الأجزاء وخواصها ، ولإِِحاطته بكل شيء علماً وضع كل جزء في موضعه اللائق به .
وبعد أن بين سبحانه للناس أنه قد من عليهم بنعمة خلقه ما في الأرض جميعاً ، بدأ بعد ذلك يذكرهم بنعمة أخرى هي نعمة خلقه لأبيهم آدم ، وخلق آدم مبدأ لخلق ذريته ، وتكريمه موصول بتكريمهم فقال تعالى :{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً قَالُواْ ... }

هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا: تفسير ابن كثير


لما ذكر تعالى دلالة من خلقهم وما يشاهدونه من أنفسهم ، ذكر دليلا آخر مما يشاهدونه من خلق السماوات والأرض ، فقال : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء } أي: قصد إلى السماء ، والاستواء هاهنا تضمن معنى القصد والإقبال ؛ لأنه عدي بإلى { فسواهن } أي: فخلق السماء سبعا ، والسماء هاهنا اسم جنس ، فلهذا قال : { فسواهن } . { وهو بكل شيء عليم } أي: وعلمه محيط بجميع ما خلق . كما قال : { ألا يعلم من خلق } [ الملك : 14 ] وتفصيل هذه الآية في سورة " حم السجدة " وهو قوله : { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم } [ فصلت : 9 - 12 ] .
ففي هذا دلالة على أنه تعالى ابتدأ بخلق الأرض أولا ثم خلق السماوات سبعا ، وهذا شأن البناء أن يبدأ بعمارة أسافله ثم أعاليه بعد ذلك ، وقد صرح المفسرون بذلك ، كما سنذكره بعد هذا إن شاء الله . فأما قوله تعالى : { أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها } [ النازعات : 27 - 32 ] فقد قيل : إن } ثم } هاهنا إنما هي لعطف الخبر على الخبر ، لا لعطف الفعل على الفعل ، كما قال الشاعر :
قل لمن ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده
وقيل : إن الدحي كان بعد خلق السماوات ، رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس .
وقد قال السدي في تفسيره ، عن أبي مالك - وعن أبي صالح عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات [ وهو بكل شيء عليم ] } قال : إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء ، ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء . فلما أراد أن يخلق الخلق ، أخرج من الماء دخانا ، فارتفع فوق الماء فسما عليه ، فسماه سماء . ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة ، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين في الأحد والاثنين ، فخلق الأرض على حوت ، والحوت هو النون الذي ذكره الله في القرآن : { ن والقلم } والحوت في الماء ، والماء على ظهر صفاة ، والصفاة على ظهر ملك ، والملك على صخرة ، والصخرة في الريح ، وهي الصخرة التي ذكر لقمان - ليست في السماء ولا في الأرض ، فتحرك الحوت فاضطرب ، فتزلزلت الأرض ، فأرسى عليها الجبال فقرت ، فالجبال تفخر على الأرض ، فذلك قوله تعالى : { وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم } [ النحل : 15 ] . وخلق الجبال فيها ، وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين ، في الثلاثاء والأربعاء ، وذلك حين يقول : { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها } [ فصلت : 9 ، 10 ] . يقول : أنبت شجرها { وقدر فيها أقواتها } يقول : أقواتها لأهلها { في أربعة أيام سواء للسائلين } [ فصلت : 10 ] يقول : من سأل فهكذا الأمر . { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } [ فصلت : 11 ] وذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس ، فجعلها سماء واحدة ، ثم فتقها فجعلها سبع سماوات في يومين ، في الخميس والجمعة ، وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السماوات والأرض ، { وأوحى في كل سماء أمرها } [ فصلت : 12 ] قال : خلق الله في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها ، من البحار وجبال البرد وما لا نعلم ، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب ، فجعلها زينة وحفظا تحفظ من الشياطين . فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش ، فذلك حين يقول : { خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش } [ الأعراف : 54 ] ويقول { كانتا رتقا ففتقناهما } [ الأنبياء : 30 ] .
وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني أبو معشر عن سعيد بن أبي سعيد ، عن عبد الله بن سلام أنه قال : إن الله بدأ الخلق يوم الأحد ، فخلق الأرضين في الأحد والاثنين ، وخلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء ، وخلق السماوات في الخميس والجمعة ، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة ، فخلق فيها آدم على عجل ، فتلك الساعة التي تقوم فيها الساعة .
وقال مجاهد في قوله : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } قال : خلق الله الأرض قبل السماء ، فلما خلق الأرض ثار منها دخان ، فذلك حين يقول : { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } { فسواهن سبع سماوات } قال : بعضهن فوق بعض ، وسبع أرضين ، يعني بعضهن تحت بعض .
وهذه الآية دالة على أن الأرض خلقت قبل السماء ، كما قال في آية السجدة : { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم } [ فصلت : 9 - 12 ] فهذه وهذه دالتان على أن الأرض خلقت قبل السماء ، وهذا ما لا أعلم فيه نزاعا بين العلماء إلا ما نقله ابن جرير عن قتادة : أنه زعم أن السماء خلقت قبل الأرض ، وقد توقف في ذلك القرطبي في تفسيره لقوله تعالى : { أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها } [ النازعات : 27 - 31 ] قالوا : فذكر خلق السماء قبل الأرض . وفي صحيح البخاري : أن ابن عباس سئل عن هذا بعينه ، فأجاب بأن الأرض خلقت قبل السماء وأن الأرض إنما دحيت بعد خلق السماء ، وكذلك أجاب غير واحد من علماء التفسير قديما وحديثا ، وقد قررنا ذلك في تفسير سورة النازعات ، وحاصل ذلك أن الدحي مفسر بقوله : { والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها } [ النازعات : 30 - 32 ] ففسر الدحي بإخراج ما كان مودعا فيها بالقوة إلى الفعل لما اكتملت صورة المخلوقات الأرضية ثم السماوية دحى بعد ذلك الأرض ، فأخرجت ما كان مودعا فيها من المياه ، فنبتت النباتات على اختلاف أصنافها وصفاتها وألوانها وأشكالها ، وكذلك جرت هذه الأفلاك فدارت بما فيها من الكواكب الثوابت والسيارة ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
وقد ذكر ابن أبي حاتم وابن مردويه في تفسير هذه الآية الحديث الذي رواه مسلم والنسائي في التفسير - أيضا - من رواية ابن جريج قال : أخبرني إسماعيل بن أمية ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال : خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق الجبال فيها يوم الأحد ، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة من آخر ساعة من ساعات الجمعة ، فيما بين العصر إلى الليل .
وهذا الحديث من غرائب صحيح مسلم ، وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ ، وجعلوه من كلام كعب ، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار ، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعا ، وقد حرر ذلك البيهقي .

تفسير القرطبي : معنى الآية 29 من سورة البقرة


قوله تعالى : هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليمقوله تعالى : هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعافيه عشر مسائل : الأولى : " خلق " معناه اخترع وأوجد بعد العدم .
وقد يقال في الإنسان : " خلق " عند إنشائه شيئا ، ومنه قول الشاعر :من كان يخلق ما يقو ل فحيلتي فيه قليلهوقد تقدم هذا المعنى .
وقال ابن كيسان : " خلق لكم " أي من أجلكم .
وقيل : المعنى أن جميع ما في الأرض منعم به عليكم فهو لكم .
وقيل : إنه دليل على التوحيد والاعتبار .
قلت : وهذا هو الصحيح على ما نبينه .
ويجوز أن يكون عني به ما هم إليه محتاجون من جميع الأشياء .
الثانية : استدل من قال إن أصل الأشياء التي ينتفع بها الإباحة بهذه الآية وما كان مثلها - كقوله : وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه الآية - حتى يقوم الدليل على الحظر .
وعضدوا هذا بأن قالوا : إن المآكل الشهية خلقت مع إمكان ألا تخلق فلم تخلق عبثا ، فلا بد لها من منفعة .
وتلك المنفعة لا يصح رجوعها إلى الله تعالى لاستغنائه بذاته ، فهي راجعة إلينا .
ومنفعتنا إما في نيل لذتها ، أو في اجتنابها لنختبر بذلك ، أو في اعتبارنا بها .
ولا يحصل شيء من تلك الأمور إلا بذوقها ، فلزم أن تكون مباحة .
وهذا فاسد ; لأنا لا نسلم لزوم العبث من خلقها إلا لمنفعة ، بل خلقها كذلك لأنه لا يجب عليه أصل المنفعة ، بل هو الموجب .
ولا نسلم حصر المنفعة فيما ذكروه ، ولا حصول بعض تلك المنافع إلا بالذوق ، بل قد يستدل على الطعوم بأمور أخر كما هو معروف عند الطبائعيين .
ثم هو معارض بما يخاف أن تكون سموما مهلكة ، ومعارضون بشبهات أصحاب الحظر .
وتوقف آخرون وقالوا : ما من فعل لا ندرك منه حسنا ولا قبحا إلا ويمكن أن يكون حسنا في نفسه ، ولا معين قبل ورود الشرع ، فتعين الوقف إلى ورود الشرع .
وهذه الأقاويل الثلاثة للمعتزلة .
وقد أطلق الشيخ أبو الحسن وأصحابه وأكثر المالكية والصيرفي في هذه المسألة القول بالوقف .
ومعناه عندهم أن لا حكم فيها في تلك الحال ، وأن للشرع إذا جاء أن يحكم بما شاء ، وأن العقل لا يحكم بوجوب ولا غيره وإنما حظه تعرف الأمور على ما هي عليه .
قال ابن عطية : وحكى ابن فورك عن ابن الصائغ أنه قال : لم يخل العقل قط من السمع ، ولا نازلة إلا وفيها سمع ، أو لها تعلق به ، أو لها حال تستصحب .
قال : فينبغي أن يعتمد على هذا ، ويغني عن النظر في حظر وإباحة ووقف .
الثالثة : الصحيح في معنى قوله تعالى : خلق لكم ما في الأرض الاعتبار .
يدل عليه ما قبله وما بعده من نصب العبر : الإحياء والإماتة والخلق والاستواء إلى السماء وتسويتها ، أي الذي قدر على إحيائكم وخلقكم وخلق السماوات والأرض ، لا تبعد منه القدرة على الإعادة .
فإن قيل : إن معنى لكم الانتفاع ، أي لتنتفعوا بجميع ذلك ، قلنا المراد بالانتفاع الاعتبار لما ذكرنا .
فإن قيل : وأي اعتبار في العقارب والحيات ، قلنا : قد يتذكر الإنسان ببعض ما يرى من المؤذيات ما أعد الله للكفار في النار من العقوبات فيكون سببا للإيمان وترك المعاصي ، وذلك أعظم الاعتبار .
قال ابن العربي : وليس في الإخبار بهذه القدرة عن هذه الجملة ما يقتضي حظرا ولا إباحة ولا وقفا ، وإنما جاء ذكر هذه الآية في معرض الدلالة والتنبيه ليستدل بها على وحدانيته .
وقال أرباب المعاني في قوله : خلق لكم ما في الأرض جميعا لتتقووا به على طاعته ، لا لتصرفوه في وجوه معصيته .
وقال أبو عثمان : وهب لك الكل وسخره لك لتستدل به على سعة جوده ، وتسكن إلى ما ضمن لك من جزيل عطائه في المعاد ، ولا تستكثر كثير بره على قليل عملك ، فقد ابتدأك بعظيم النعم قبل العمل وهو التوحيد .
الرابعة : روى زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عندي شيء ، ولكن ابتع علي فإذا جاء شيء قضينا فقال له عمر : هذا أعطيت إذا كان عندك فما كلفك الله ما لا تقدر .
فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قول عمر ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله :أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالافتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعرف السرور في وجهه لقول الأنصاري .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بذلك أمرت ) .
قال علماؤنا رحمة الله عليهم : فخوف الإقلال من سوء الظن بالله ; لأن الله تعالى خلق الأرض بما فيها لولد آدم ، وقال في تنزيله : خلق لكم ما في الأرض جميعا وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه .
فهذه الأشياء كلها مسخرة للآدمي قطعا لعذره وحجة عليه ، ليكون له عبدا كما خلقه عبدا ، فإذا كان العبد حسن الظن بالله لم يخف الإقلال لأنه يخلف عليه ، كما قال تعالى : وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين وقال : فإن ربي غني كريم ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : سبقت رحمتي غضبي ، يا ابن آدم أنفق أنفق عليك ، يمين الله ملأى سحا لا يغيضها شيء الليل والنهار .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا .
ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا .
وكذا في المساء عند الغروب يناديان أيضا ، وهذا كله صحيح رواه الأئمة والحمد لله .
فمن استنار صدره ، وعلم غنى ربه وكرمه أنفق ولم يخف الإقلال ، وكذلك من ماتت شهواته عن الدنيا واجتزأ باليسير من القوت المقيم لمهجته ، وانقطعت مشيئته لنفسه ، فهذا يعطي من يسره وعسره ولا يخاف إقلالا .
وإنما يخاف الإقلال من له مشيئة في الأشياء ، فإذا أعطى اليوم وله غدا مشيئة في شيء خاف ألا يصيب غدا ، فيضيق عليه الأمر في نفقة اليوم لمخافة إقلاله .
روى مسلم عن أسماء بنت أبي بكر قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم انفحي أو انضحي أو أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي عليك .
وروى النسائي عن عائشة قالت : دخل علي سائل مرة وعندي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرت له بشيء ثم دعوت به فنظرت إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما تريدين ألا يدخل بيتك شيء ولا يخرج إلا بعلمك ؟ قلت : نعم ، قال : مهلا يا عائشة ، لا تحصي فيحصي الله عز وجل عليك .
الخامسة : قوله تعالى : ثم استوى ثم لترتيب الإخبار لا لترتيب الأمر في نفسه .
والاستواء في اللغة : الارتفاع والعلو على الشيء ، قال الله تعالى : فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك ، وقال لتستووا على ظهوره ، وقال الشاعر :فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة وقد حلق النجم اليماني فاستوىأي ارتفع وعلا ، واستوت الشمس على رأسي واستوت الطير على قمة رأسي ، بمعنى علا .
وهذه الآية من المشكلات ، والناس فيها وفيما شاكلها على ثلاثة أوجه قال بعضهم : نقرؤها ونؤمن بها ولا نفسرها ، وذهب إليه كثير من الأئمة ، وهذا كما روي عن مالك رحمه الله أن رجلا سأله عن قوله تعالى : الرحمن على العرش استوى قال مالك : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وأراك رجل سوء أخرجوه .
وقال بعضهم : نقرؤها ونفسرها على ما يحتمله ظاهر اللغة .
وهذا قول المشبهة .
وقال بعضهم : نقرؤها ونتأولها ونحيل حملها على ظاهرها .
وقال الفراء في قوله عز وجل ثم استوى إلى السماء فسواهن قال : الاستواء في كلام العرب على وجهين ، أحدهما : أن يستوي الرجل وينتهي شبابه وقوته ، أو يستوي عن اعوجاج .
فهذان وجهان .
ووجه ثالث أن تقول : كان فلان مقبلا على فلان ، ثم استوى علي وإلي يشاتمني .
على معنى أقبل إلي وعلي .
فهذا معنى قوله : ثم استوى إلى السماء والله أعلم .
قال وقد قال ابن عباس : ثم استوى إلى السماء صعد .
وهذا كقولك : كان قاعدا فاستوى قائما ، وكان قائما فاستوى قاعدا ، وكل ذلك في كلام العرب جائز .
وقال البيهقي أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين : قوله استوى بمعنى أقبل - صحيح ، لأن الإقبال هو القصد إلى خلق السماء ، والقصد هو الإرادة ، وذلك جائز في صفات الله تعالى .
ولفظة " ثم " تتعلق بالخلق لا بالإرادة .
وأما ما حكي عن ابن عباس فإنما أخذه عن تفسير الكلبي ، والكلبي ضعيف .
وقال سفيان بن عيينة وابن كيسان في قوله ثم استوى إلى السماء : قصد إليها ، أي بخلقه واختراعه ، فهذا قول .
وقيل : على دون تكييف ولا تحديد ، واختاره الطبري .
ويذكر عن أبي العالية الرياحي في هذه الآية أنه يقال : استوى بمعنى أنه ارتفع .
قال البيهقي : ومراده من ذلك - والله أعلم - ارتفاع أمره ، وهو بخار الماء الذي وقع منه خلق السماء .
وقيل : إن المستوي الدخان .
وقال ابن عطية : وهذا يأباه وصف الكلام .
وقيل : المعنى استولى ، كما قال الشاعر :قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراققال ابن عطية : وهذا إنما يجيء في قوله تعالى : الرحمن على العرش استوى .
قلت : قد تقدم في قول الفراء علي وإلي بمعنى .
وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في سورة " الأعراف " إن شاء الله تعالى .
والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع الحركة والنقلة .
السادسة : يظهر من هذه الآية أنه سبحانه خلق الأرض قبل السماء ، وكذلك في " حم السجدة " .
وقال في النازعات : أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها فوصف خلقها ، ثم قال : والأرض بعد ذلك دحاها .
فكأن السماء على هذا خلقت قبل الأرض ، وقال تعالى الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وهذا قول قتادة : إن السماء خلقت أولا ، حكاه عنه الطبري .
وقال مجاهد وغيره من المفسرين : إنه تعالى أيبس الماء الذي كان عرشه عليه فجعله أرضا وثار منه دخان فارتفع ، فجعله سماء فصار خلق الأرض قبل خلق السماء ، ثم قصد أمره إلى السماء فسواهن سبع سماوات ، ثم دحا الأرض بعد ذلك ، وكانت إذ خلقها غير مدحوة .
قلت : وقول قتادة يخرج على وجه صحيح إن شاء الله تعالى ، وهو أن الله تعالى خلق أولا دخان السماء ثم خلق الأرض ، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسواها ، ثم دحا الأرض بعد ذلك .
ومما يدل على أن الدخان خلق أولا قبل الأرض ما رواه السدي عن أبي مالك ، وعن أبي صالح عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل : هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات قال : إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا قبل الماء ، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء ، فسما عليه ، فسماه سماء ، ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة ، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين ، في الأحد والاثنين .
فجعل الأرض على حوت - والحوت هو النون الذي ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن بقوله : ن والقلم - والحوت في الماء والماء على صفاة ، والصفاة على ظهر ملك ، والملك على الصخرة ، والصخرة في الريح - وهي الصخرة التي ذكر لقمان : ليست في السماء ولا في الأرض - فتحرك الحوت فاضطرب ، فتزلزلت الأرض ، فأرسل عليها الجبال فقرت ، فالجبال تفخر على الأرض ، وذلك قوله تعالى : وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وخلق الجبال فيها ، وأقوات أهلها وشجرها ، وما ينبغي لها في يومين ، في الثلاثاء والأربعاء ، وذلك حين يقول : قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين يقول : من سأل فهكذا الأمر ، ثم استوى إلى السماء وهي دخان وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس ، فجعلها سماء واحدة ، ثم فتقها فجعلها سبع سماوات في يومين ، في الخميس والجمعة وإنما سمي يوم الجمعة ; لأنه جمع فيه خلق السماوات والأرض ، وأوحى في كل سماء أمرها قال : خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلم ، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب ، فجعلها زينة وحفظا تحفظ من الشياطين .
فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش ، قال فذلك حين يقول : خلق السماوات والأرض في ستة أيام ويقول : كانتا رتقا ففتقناهما وذكر القصة في خلق آدم عليه السلام ، على ما يأتي بيانه في هذه السورة إن شاء الله تعالى .
وروى وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال : ( إن أول ما خلق الله عز وجل من شيء " القلم " فقال له : اكتب .
فقال : يا رب ، وما أكتب ؟ قال : اكتب القدر .
فجرى بما هو كائن من ذلك اليوم إلى قيام الساعة .
قال : ثم خلق النون فدحا الأرض عليها ، فارتفع بخار الماء ففتق منه السماوات ، واضطرب النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال ، فإن الجبال تفخر على الأرض إلى يوم القيامة .
) ففي هذه الرواية خلق الأرض قبل ارتفاع بخار الماء الذي هو الدخان ، خلاف الرواية الأولى .
والرواية الأولى عنه وعن غيره أولى ، لقوله تعالى : والأرض بعد ذلك دحاها والله أعلم بما فعل ، فقد اختلفت فيه الأقاويل ، وليس للاجتهاد فيه مدخل .
وذكر أبو نعيم عن كعب الأحبار أن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرض كلها ، فألقى في قلبه ، فقال : هل تدري ما على ظهرك يا لوثيا من الأمم والشجر والدواب والناس والجبال ؟ لو نفضتهم ألقيتهم عن ظهرك أجمع .
قال : فهم لوثيا بفعل ذلك ، فبعث الله دابة فدخلت في منخره ، فعج إلى الله فخرجت .
قال كعب : والذي نفسي بيده ، إنه لينظر إليها بين يديه وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت حيث كانت .
السابعة : أصل خلق الأشياء كلها من الماء لما رواه ابن ماجه في سننه ، وأبو حاتم البستي في صحيح مسنده عن أبي هريرة قال قلت : يا رسول الله ، إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني ، أنبئني عن كل شيء .
قال : كل شيء خلق من الماء فقلت : أخبرني عن شيء إذا عملت به دخلت الجنة .
قال : أطعم الطعام وأفش السلام ، وصل الأرحام ، وقم الليل والناس نيام تدخل الجنة بسلام .
قال أبو حاتم : قول أبي هريرة : " أنبئني عن كل شيء " أراد به عن كل شيء خلق من الماء .
والدليل على صحة هذا - جواب المصطفى عليه السلام إياه حيث قال : كل شيء خلق من الماء وإن لم يكن مخلوقا .
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن أول شيء خلقه الله القلم وأمره فكتب كل شيء يكون ويروى ذلك أيضا عن عبادة بن الصامت مرفوعا .
قال البيهقي : وإنما أراد والله أعلم : أول شيء خلقه بعد خلق الماء والريح والعرش " القلم " .
وذلك بين في حديث عمران بن حصين ، ثم خلق السماوات والأرض .
وذكر عبد الرزاق بن عمر بن حبيب المكي عن حميد بن قيس الأعرج عن طاوس قال : جاء رجل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فسأله : مم خلق الخلق ؟ قال : من الماء والنور والظلمة والريح والتراب .
قال الرجل : فمم خلق هؤلاء ؟ قال : لا أدري .
قال : ثم أتى الرجل عبد الله بن الزبير فسأله ، فقال مثل قول عبد الله بن عمرو .
قال : فأتى الرجل عبد الله بن عباس فسأله ، فقال : مم خلق الخلق ؟ قال : من الماء والنور والظلمة والريح والتراب .
قال الرجل : فمم خلق هؤلاء ؟ فتلا عبد الله بن عباس : وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه فقال الرجل : ما كان ليأتي بهذا إلا رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم .
قال البيهقي : أراد أن مصدر الجميع منه ، أي من خلقه وإبداعه واختراعه .
خلق الماء أولا ، أو الماء وما شاء من خلقه لا عن أصل ولا على مثال سبق ، ثم جعله أصلا لما خلق بعد ، فهو المبدع ، وهو البارئ لا إله غيره ولا خالق سواه ، سبحانه جل وعز .
الثامنة : قوله تعالى : فسواهن سبع سماوات ذكر تعالى أن السماوات سبع .
ولم يأت للأرض في التنزيل عدد صريح لا يحتمل التأويل إلا قوله تعالى : ومن الأرض مثلهن وقد اختلف فيه ، فقيل : ومن الأرض مثلهن أي في العدد ; لأن الكيفية والصفة مختلفة بالمشاهدة والأخبار ، فتعين العدد .
وقيل : ومن الأرض مثلهن أي في غلظهن وما بينهن .
وقيل : هي سبع إلا أنه لم يفتق بعضها من بعض ، قال الداودي : والصحيح الأول ، وأنها سبع كالسماوات سبع .
روى مسلم عن سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه إلى سبع أرضين .
وعن عائشة رضي الله عنها مثله ، إلا أن فيه " من " بدل " إلى " .
ومن حديث أبي هريرة : لا يأخذ أحد شبرا من الأرض بغير حقه إلا طوقه الله إلى سبع أرضين وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال موسى عليه السلام يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به قال يا موسى قل لا إله إلا الله قال موسى يا رب كل عبادك يقول هذا قال قل لا إله إلا الله قال لا إله إلا أنت إنما أريد شيئا تخصني به قال يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله .
وروى الترمذي عن أبي هريرة قال : بينما نبي الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : هل تدرون ما هذا فقالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : هذا العنان هذه روايا الأرض يسوقه الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه - قال - هل تدرون ما فوقكم قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف - ثم قال - هل تدرون كم بينكم وبينها قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : بينكم وبينها مسيرة خمسمائة عام - ثم قال : - هل تدرون ما فوق ذلك قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : فإن فوق ذلك سماءين بعد ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة ثم قال كذلك حتى عد سبع سماوات ما بين كل سماءين ما بين السماء والأرض .
ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد ما بين السماءين - ثم قال : - هل تدرون ما الذي تحتكم قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها الأرض - ثم قال : - هل تدرون ما تحت ذلك قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : فإن تحتها الأرض الأخرى ، بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عد سبع أرضين ، بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة ، ثم قال : والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله - ثم قرأ - هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم .
قال أبو عيسى : قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية تدل على أنه أراد : لهبط على علم الله وقدرته وسلطانه ، في كل مكان وهو على عرشه كما وصف نفسه في كتابه .
قال : هذا حديث غريب ، والحسن لم يسمع من أبي هريرة والآثار بأن الأرضين سبع كثيرة ، وفيما ذكرنا كفاية .
وقد روى أبو الضحى - واسمه مسلم - عن ابن عباس أنه قال : الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ، قال : سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم ، وآدم كآدم ، ونوح كنوح ، وإبراهيم كإبراهيم ، وعيسى كعيسى .
قال البيهقي : إسناد هذا عن ابن عباس صحيح ، وهو شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه دليلا ، والله أعلم .
التاسعة : قوله تعالى : هو الذي خلق لكم ما في الأرض ابتداء وخبر .
" ما " في موضع نصب جميعا عند سيبويه نصب على الحال ثم استوى أهل نجد يميلون ليدلوا على أنه من ذوات الياء ، وأهل الحجاز يفخمون .
" سبع " منصوب على البدل من الهاء والنون ، أي فسوى سبع سماوات .
ويجوز أن يكون مفعولا على تقدير يسوي بينهن سبع سماوات ، كما قال الله جل وعز : واختار موسى قومه سبعين رجلا أي من قومه ، قاله النحاس .
وقال الأخفش : انتصب على الحال .
وهو بكل شيء عليم ابتداء وخبر والأصل في " هو " تحريك الهاء ، والإسكان استخفاف .
والسماء تكون واحدة مؤنثة ، مثل عنان ، وتذكيرها شاذ ، وتكون جمعا لسماوة في قول الأخفش ، وسماءة في قول الزجاج ، وجمع الجمع سماوات وسماءات .
فجاء سواهن إما على أن السماء جمع وإما على أنها مفرد اسم جنس .
ومعنى سواهن سوى سطوحهن بالإملاس .
وقيل : جعلهن سواء .
العاشرة : قوله تعالى : وهو بكل شيء عليم أي بما خلق وهو خالق كل شيء ، فوجب أن يكون عالما بكل شيء ، وقد قال : ألا يعلم من خلق فهو العالم والعليم بجميع المعلومات بعلم قديم أزلي واحد قائم بذاته ، ووافقنا المعتزلة على العالمية دون العلمية .
وقالت الجهمية : عالم بعلم قائم لا في محل ، تعالى الله عن قول أهل الزيغ والضلالات ، والرد على هؤلاء في كتب الديانات .
وقد وصف نفسه سبحانه بالعلم فقال : أنزله بعلمه والملائكة يشهدون ، وقال : فاعلموا أنما أنزل بعلم الله ، وقال : فلنقصن عليهم بعلم ، وقال : وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ، وقال : وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو الآية .
وسندل على ثبوت علمه وسائر صفاته في هذه السورة عند قوله : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر إن شاء الله تعالى .
وقرأ الكسائي وقالون عن نافع بإسكان الهاء من : هو وهي ، إذا كان قبلها فاء أو واو أو لام أو ثم ، وكذلك فعل أبو عمرو إلا مع ثم .
وزاد أبو عون عن الحلواني عن قالون إسكان الهاء من " أن يمل هو " والباقون بالتحريك .

﴿ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم ﴾ [ البقرة: 29]

سورة : البقرة - الأية : ( 29 )  - الجزء : ( 1 )  -  الصفحة: ( 5 )

English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين
  2. تفسير: لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر
  3. تفسير: فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم
  4. تفسير: يوم يفر المرء من أخيه
  5. تفسير: وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل
  6. تفسير: وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ
  7. تفسير: وما أدراك ما سجين
  8. تفسير: وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب
  9. تفسير: فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين
  10. تفسير: وما علينا إلا البلاغ المبين

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

خلق , الأرض , استوى , السماء , سبع , سماوات , عليم , ثم+استوى+إلى+السماء , فسواهن+سبع+سماوات , وهو+بكل+شيء+عليم ,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب