1. التفسير الميسر
  2. تفسير الجلالين
  3. تفسير السعدي
  4. تفسير البغوي
  5. التفسير الوسيط
تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ النساء: 83] .

  
   

﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾
[ سورة النساء: 83]

القول في تفسير قوله تعالى : وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى ..


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

التفسير الميسر : وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا


وإذا جاء هؤلاء الذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم أمْرٌ يجب كتمانه متعلقًا بالأمن الذي يعود خيره على الإسلام والمسلمين، أو بالخوف الذي يلقي في قلوبهم عدم الاطمئنان، أفشوه وأذاعوا به في الناس، ولو ردَّ هؤلاء ما جاءهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أهل العلم والفقه لَعَلِمَ حقيقة معناه أهل الاستنباط منهم. ولولا أنْ تَفَضَّلَ الله عليكم ورحمكم لاتبعتم الشيطان ووساوسه إلا قليلا منكم.

المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار


وإذا جاء هؤلاء المنافقين أمر مما فيه أمن المسلمين وسرورهم، أو خوفهم وحزنهم؛ أفشوه ونشروه، ولو تأنّوا وأرجعوا الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أهل الرأي والعلم والنصح؛ لأدرك أهل الرأي والاستنباط ما ينبغي أن يُعمل بشأنه من نشر أو كتمان، ولولا فضل الله عليكم بالإسلام ورحمته بكم بالقرآن - أيها المؤمنون - فعافاكم مما ابتلى به هؤلاء المنافقين؛ لاتبعتم وساوس الشيطان إلا قليلًا منكم.

تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 83


«وإذا جاءهم أمر» عن سرايا النبي صلى الله عليه وسلم ما حصل لهم «من الأمن» بالنصر «أو الخوف» الهزيمة «أذاعوا به» أفشَوه نزل في جماعة من المنافقين أو في ضعفاء المؤمنين كانوا يفعلون ذلك فتضعف قلوب المؤمنين ويتأذى النبي «ولو ردوه» أي الخبر «إلى الرسول وإلى أُولي الأمر منهم» أي الرأي من أكابر الصحابة أي لو سكتوا عنه حتى يخبروا به «لعَلِمَه» هل هو مما ينبغي أن يذاع أو لا «الذين يستنبطونه» يتبعونه ويطلبون علمه وهم المذيعون «منهم» من الرسول وأولي الأمر «ولولا فضل الله عليكم» بالإسلام «ورحمته» لكم بالقرآن «لاتبعتم الشيطان» فيما يأمركم به من الفواحش «إلا قليلا».

تفسير السعدي : وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا


هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق.
وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهلِ الرأي: والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها.
فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك.
وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه، ولهذا قال: { لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }- أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة.
وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ.
وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيُقْدِم عليه الإنسان؟ أم لا،فيحجم عنه؟ ثم قال تعالى: { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ }- أي: في توفيقكم وتأديبكم، وتعليمكم ما لم تكونوا تعلمون، { لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } لأن الإنسان بطبعه ظالم جاهل، فلا تأمره نفسه إلا بالشر.
فإذا لجأ إلى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك، لطف به ربه ووفقه لكل خير، وعصمه من الشيطان الرجيم.

تفسير البغوي : مضمون الآية 83 من سورة النساء


قوله تعالى : ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث السرايا فإذا غلبوا أو غلبوا بادر المنافقون يستخبرون عن حالهم ، فيفشون ويحدثون به قبل أن يحدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضعفون به قلوب المؤمنين فأنزل الله تعالى ( وإذا جاءهم ) يعني : المنافقين ( أمر من الأمن ) أي : الفتح والغنيمة ( أو الخوف ) القتل والهزيمة ( أذاعوا به ) أشاعوه وأفشوه ، ( ولو ردوه إلى الرسول ) أي : لو لم يحدثوا به حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يحدث به ، ( وإلى أولي الأمر منهم ) أي : ذوي الرأي من الصحابة مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، ( لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) أي : يستخرجونه وهم العلماء ، أي : علموا ما ينبغي أن يكتم وما ينبغي أن يفشى ، والاستنباط : الاستخراج ، يقال : استنبط الماء إذا استخرجه ، وقال عكرمة : يستنبطونه أي : يحرصون عليه ويسألون عنه ، وقال الضحاك : يتبعونه ، يريد الذين سمعوا تلك الأخبار من المؤمنين والمنافقين ، لو ردوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى ذوي الرأي والعلم ، لعلمه الذين يستنبطونه منهم ، أي : يحبون أن يعلموه على حقيقته كما هو .
( ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان ) كلكم ( إلا قليلا ) فإن قيل: كيف استثنى القليل ولولا فضله لاتبع الكل الشيطان؟ قيل: هو راجع إلى ما قبله ، قيل: معناه أذاعوا به إلا قليلا لم يفشه ، عني بالقليل المؤمنين ، وهذا قول الكلبي واختيار الفراء ، وقال : لأن علم السر إذا ظهر علمه المستنبط وغيره ، والإذاعة قد تكون في بعض دون بعض ، وقيل: لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا ثم قوله : ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان ) كلام تام .
وقيل: فضل الله : الإسلام ، ورحمته : القرآن ، يقول لولا ذلك لاتبعتم الشيطان إلا قليلا وهم قوم اهتدوا قبل مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن ، مثل زيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل وجماعة سواهما .
وفي الآية دليل على جواز القياس ، فإن من العلم ما يدرك بالتلاوة والرواية وهو النص ، ومنه ما يدرك بالاستنباط وهو القياس على المعاني المودعة في النصوص .

التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية


ثم حكى القرآن بعد ذلك مسلكا آخر من المسالك الذميمة التي عرفت عن المنافقين وضعفاء النفوس فقال-تبارك وتعالى- وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ.
والمراد بالأمر هنا: الخبر الذي يكون له أثر إذا أشيع وأذيع.
وقوله أَذاعُوا بِهِ أى نشروه وأشاعوه.
يقال: أذاع الخبر وأذاع به إذا أفشاه وأعلنه.
والمعنى: أن هؤلاء الذين في قلوبهم مرض إذا سمعوا شيئا من الأخبار التي تتعلق بأمن المسلمين أو خوفهم أذاعوها وأظهروها قبل أن يقفوا على حقيقتها.
قال الآلوسى: والكلام مسوق لبيان جناية أخرى من جنايات المنافقين، أو لبيان جناية الضعفاء أثر بيان جناية المنافقين، وذلك أنهم كانوا إذا غزت سرية من المسلمين قالوا عنها:أصاب المسلمون من عدوهم كذا.
وأصاب العدو من المسلمين كذا وكذا من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يخبرهم به.
وقيل: كان الضعفاء يسمعون من أفواه المنافقين شيئا من الخبر عن السرايا مظنون غير معلوم الصحة فيذيعونه قبل أن يحققوه فيعود ذلك وبالا على المؤمنين».
ثم بين- سبحانه - ما كان يجب عليهم فعله فقال-: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.
والمراد بأولى الأمر: كبار الصحابة البصراء بالأمور.
وقيل المراد بهم: الولاة وأمراء السرايا.
ويستنبطونه أى يستخرجونه.
والاستنباط- كما يقول القرطبي- مأخوذ من استنبطت الماء إذا استخرجته.
والنبط: الماء المستنبط أول ما يخرج من ماء البئر أول ما تحفر.
وسمى النبط نبطا لأنهم يستخرجون ما في الأرض».
والمعنى: أن هؤلاء المنافقين وضعاف الإيمان كان من شأنهم وحالهم أنهم إذا سمعوا شيئا من الأمور فيه أمن أو خوف يتعلق بالمؤمنين أشاعوه وأظهروه بدون تحقق أو تثبت، بقصد بلبلة الأفكار، واضطراب حال المؤمنين، ولو أن هؤلاء المنافقين ومن يستمعون إليهم ردوا ذلك الخبر الذي جاءهم والذي أشاعوه بدون تثبت، لو أنهم ردوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى كبار الصحابة البصراء في الأمور: لَعَلِمَهُ أى لعلم حقيقة ذلك الخبر الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ أى: الذين يستخرجونه ويستعملونه ويتطلبونه وهم المنافقون المذيعون للأخبار مِنْهُمْ أى: من الرسول وأولى الأمر.
أى: لو أن أولئك المنافقين وأشباههم الذين يستخرجون الأخبار ويذيعونها بغير تثبت سكتوا عن إذاعتها وردوا الأمر في شأنها إلى الرسول وإلى كبار أصحابه، لو أنهم فعلوا ذلك لعلموا من جهة الرسول ومن جهة كبار أصحابه حقيقة تلك الأخبار، وما يجب عليهم نحوها من كتمان أو إذاعة.
وعلى هذا يكون الضمير في قوله مِنْهُمْ في الموضعين يعود إلى الرسول وإلى أولى الأمر.
ويكون المراد بالذين يستنبطونه: المنافقون وضعاف الإيمان الذين يذيعون الأخبار ويكون في الكلام إظهار في مقام الإضمار حيث قال: سبحانه- لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ولم يقل لعلموه منهم، وذلك لزيادة تقرير الغرض المسوق له الكلام، وللمبالغة في ذمهم على بجثهم وراء الأخبار الخفية الهامة واستنباطها وتطلبها ثم إذاعتها بقصد الإضرار بمصلحة المسلمين.
وقد ذكر الفخر الرازي في المراد بالذين يستنبطونه وجها آخر فقال:وفي قوله الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ قولان:الأول: أنهم أولئك المنافقون المذيعون.
والتقدير: لو أن هؤلاء المنافقين المذيعين للأخبار ردوا أمر الأمن والخوف إلى الرسول وإلى أولى الأمر، وطلبوا معرفة الحال فيه من جهتهم، لعلمه الذين يستنبطونه وهم هؤلاء المنافقون المذيعون مِنْهُمْ أى من جانب الرسول ومن جانب أولى الأمر.
والقول الثاني: أنهم طائفة من أولى الأمر.
والتقدير: ولو أن المنافقين ردوا إلى الرسول وإلى أولى الأمر لكان علمه حاصلا عند من يستنبط هذه الوقائع من أولى الأمر، وذلك لأن أولى الأمر فريقان: بعضهم من يكون مستنبطا، وبعضهم من لا يكون كذلك.
فقوله مِنْهُمْ يعنى لعلمه الذين يستنبطون المخفيات من طوائف أولى الأمر.
فإن قيل: إذا كان الذين أمرهم الله برد هذه الاخبار إلى الرسول وإلى المؤمنين هم المنافقون فكيف جعل أولى الأمر منهم في قوله وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ؟ قلنا: إنما جعل أولى الأمر منهم على حسب الظاهر.
لأن المنافقين يظهرون من أنفسهم أنهم يؤمنون.
ونظيره قوله-تبارك وتعالى-:وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ.
ثم ختم- سبحانه - الآية ببيان فضله على عباده فقال وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا.
أى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته بكم- أيها المؤمنون- بتوفيقه إياكم إلى الخير والطاعة، لوقعتم في إغواء الشيطان كما وقع هؤلاء المنافقون وأشباههم، إلا عددا قليلا منكم وهم الذين أخلصوا دينهم لله واعتصموا به فصاروا لا سبيل للشيطان عليهم كما قال-تبارك وتعالى- إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ.
هذا.
ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة وجوب عدم إذاعة الأخبار- خصوصا في حالات الحرب- إلا بعد التأكد من صحتها ومن عدم إضرارها بمصلحة المسلمين.
وفي ذلك يقول الإمام ابن كثير: قوله-تبارك وتعالى- وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة.
وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع» .
وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال.
أى: الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت ولا تدبر ولا تبين.
وفي الصحيح «من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» .
وفي سنن أبى داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بئس مطية الرجل زعموا».
وقد عدد الفخر الرازي المضار التي تعود على الأمة بسبب إذاعة الأخبار بدون تثبت فقال:وكان سبب الضرر من إذاعة هذه الأخبار من وجوه:الأول: أن مثل هذه الإرجافات لا تنفك عن الكذب الكثير.
الثاني: أنه إذا كان ذلك الخبر في جانب الأمن زادوا فيه زيادات كثيرة.
فإذا لم توجد فيه تلك الزيادات، أورث ذلك شبهة للضعفاء في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم لأن المنافقين كانوا يروون هذه الإرجافات عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وإن كان ذلك في جانب الخوف تشوش الأمر بسببه على ضعفاء المسلمين، ووقعوا عنده في الحيرة والاضطراب، فكانت تلك الإرجافات سببا للفتنة من هذا الوجه.
الثالث: أن الإرجاف سبب لتوفير الدواعي على البحث الشديد والاستقصاء التام.
وذلك سبب لظهور الأسرار.
وذلك مما لا يوافق المصلحة.
الرابع: أن العداوة الشديدة كانت قائمة بين المسلمين والكفار.
فكل ما كان أمنا لأحد الفريقين كان خوفا للفريق الثاني.
فإن وقع خبر الأمن للمسلمين وحصول العسكر وآلات الحرب لهم.
أرجف المنافقون بذلك، فوصل الخبر إلى الكفار فأخذوا في التحصن من المسلمين.
وإن وقع خبر الخوف للمسلمين بالغوا في ذلك وزادوا فيه.
فظهر من ذلك أن ذلك الإرجاف كان منشأ للفتن والآفات من كل الوجوه.
ولما كان الأمر كذلك ذم الله-تبارك وتعالى- تلك الإذاعة وذلك التشهير ومنعهم منه}.
وقال الشيخ محمد المنير- الذي عاصر الحروب الصليبية- معلقا على هذه الآية: {في هذه الآية تأديب لمن يحدث بكل ما يسمع وكفى به كذبا وخصوصا عن مثل السرايا والمناصبين الأعداء العداوة، والمقيمين في نحر العدو.
وما أعظم المفسدة في لهج العامة بكل ما يسمعون من أخبارهم خيرا أو غيره.
ولقد جربنا ذلك في زماننا هذا منذ طرق العدو المخذول البلاد- طهرها الله منه وصانها من رجسه ونجسه، وعجل للمسلمين الفتح وأنزل عليهم السكينة والنصر
} .
والخلاصة، أن إذاعة الأخبار بدون تثبت- خصوصا في أوقات الحروب تؤدى إلى أعظم المفاسد والشرور، لأنها إن كانت تتعلق بالأمن فإنها قد تحدث لونا من التراخي وعدم أخذ الحذر، وإن كانت تتعلق بالخوف فإنها قد تحدث بلبلة واضطرابا في الصفوف.
والمجتمع الذي يكثر فيه العقلاء الفطناء هو الذي تقل فيه إذاعة الأخبار إلا من مصادرها الأصيلة، وهو الذي يرجع أفراده في معرفة الحقائق إلى العلماء المتخصصين.
وهكذا نرى الآية الكريمة تغرس في نفوس المؤمنين أسمى ألوان الإخلاص لدينهم ودولتهم وقيادتهم، فهي في مطلعها تنكر عليهم إذاعة الاخبار بدون تحقق من صدقها ومن فائدتها، وفي وسطها تأمرهم بأن يرجعوا إلى حقائق دينهم وإلى الحكام العادلين، والعلماء المخلصين الذين يعرفون الأمور على وجهها ليسألوهم عما يريدون معرفته، وفي آخرها تذكرهم بفضل الله عليهم ورحمته بهم حتى يداوموا على طاعته، ويشكروه على نعمه.
وبعد هذا الحديث الحكيم عن أحوال المنافقين وضعفاء الإيمان، وعن تباطئهم عن الجهاد وإشاعتهم للأخبار بدون تثبت، بعد كل ذلك أمر الله-تبارك وتعالى- نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يستمر في قتاله للمشركين، وأن يحرض أصحابه على ذلك، كما أرشد- سبحانه - المؤمنين إلى طائفة من مكارم الأخلاق التي تقوى رابطتهم فقال-تبارك وتعالى-:

وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا: تفسير ابن كثير


وقوله : { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به } إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها ، فيخبر بها ويفشيها وينشرها ، وقد لا يكون لها صحة .
وقد قال مسلم في " مقدمة صحيحه " حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا علي بن حفص ، حدثنا شعبة ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كفى بالمرء أن يحدث بكل ما سمع " وكذا رواه أبو داود في كتاب " الأدب " من سننه ، عن محمد بن الحسين بن إشكاب ، عن علي بن حفص ، عن شعبة ورواه مسلم أيضا من حديث معاذ بن هشام العنبري ، وعبد الرحمن بن مهدي . وأخرجه أبو داود أيضا من حديث حفص بن عمر النمري ، ثلاثتهم عن شعبة ، عن خبيب عن حفص بن عاصم ، به مرسلا .
وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال أي: الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت ، ولا تدبر ، ولا تبين .
وفي سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بئس مطية الرجل زعموا عليه " .
وفي الصحيح : " من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " . ويذكر هاهنا حديث عمر بن الخطاب المتفق عليه ، حين بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق نساءه ، فجاءه من منزله حتى دخل المسجد فوجد الناس يقولون ذلك ، فلم يصبر حتى استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفهمه : أطلقت نساءك ؟ قال : " لا " . فقلت : الله أكبر . وذكر الحديث بطوله .
وعند مسلم : فقلت : أطلقتهن ؟ فقال : " لا " فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي : لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه . ونزلت هذه الآية : { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر .
ومعنى قوله : { يستنبطونه } أي: يستخرجونه ويستعلمونه من معادنه ، يقال : استنبط الرجل العين ، إذا حفرها واستخرجها من قعورها .
ومعنى قوله : { لاتبعتم الشيطان إلا قليلا } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني المؤمنين .
وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : { لاتبعتم الشيطان إلا قليلا } يعني : كلكم . واستشهد من نصر هذا القول . بقول الطرماح بن حكيم ، في مدح يزيد بن المهلب :
أشم كثير يدي النوال قليل المثالب والقادحة
يعني : لا مثالب له ، ولا قادحة فيه .

تفسير القرطبي : معنى الآية 83 من سورة النساء


قوله تعالى : وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاقوله تعالى : وإذا جاءهم أمر من الأمن في إذا معنى الشرط ولا يجازى بها وإن زيدت عليها " ما " وهي قليلة الاستعمال .
قال سيبويه .
والجيد ما قال كعب بن زهير :وإذا ما تشاء تبعث منها مغرب الشمس ناشطا مذعورايعني أن الجيد لا يجزم بإذا ما كما لم يجزم في هذا البيت ، وقد تقدم في أول " البقرة " .
والمعنى أنهم إذا سمعوا شيئا من الأمور فيه أمن نحو ظفر المسلمين وقتل عدوهم أو الخوف وهو ضد هذا أذاعوا به أي أفشوه وأظهروه وتحدثوا به قبل أن يقفوا على حقيقته .
فقيل : كان هذا من ضعفة المسلمين ؛ عنالحسن ؛ لأنهم كانوا يفشون أمر النبي صلى الله عليه وسلم ويظنون أنهم لا شيء عليهم في ذلك .
وقال الضحاك وابن زيد : وهو في المنافقين فنهوا عن ذلك لما يلحقهم من الكذب في الإرجاف .
قوله تعالى : ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم أي لم يحدثوا به ولم يفشوه حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يحدث به ويفشيه .
أو أولوا الأمر وهم أهل العلم والفقه ؛ عن الحسن وقتادة وغيرهما .
السدي وابن زيد : الولاة .
وقيل : أمراء السرايا .
لعلمه الذين يستنبطونه منهم أي يستخرجونه ، أي لعلموا ما ينبغي أن يفشى منه وما ينبغي أن يكتم .
والاستنباط مأخوذ من استنبطت الماء إذا استخرجته .
والنبط : الماء المستنبط أول ما يخرج من ماء البئر أول ما تحفر .
وسمي النبط نبطا لأنهم يستخرجون ما في الأرض .
والاستنباط في اللغة الاستخراج ، وهو يدل على الاجتهاد إذا عدم النص والإجماع كما تقدم .
قوله تعالى : ولولا فضل الله عليكم ورحمته رفع بالابتداء عند سيبويه ، ولا يجوز أن يظهر الخبر عنده .
والكوفيون يقولون : رفع بلولا .
لاتبعتم الشيطان إلا قليلا في هذه الآية ثلاثة أقوال ؛ قال ابن عباس وغيره : المعنى أذاعوا به إلا قليلا منهم لم يذع ولم يفش .
وقاله جماعة من النحويين : الكسائي والأخفش وأبو عبيد وأبو حاتم والطبري .
وقيل : المعنى لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا منهم ؛ عن الحسن وغيره ، واختاره الزجاج قال : لأن هذا الاستنباط الأكثر يعرفه ؛ لأنه استعلام خبر .
واختار الأول الفراء قال : لأن علم السرايا إذا ظهر علمه المستنبط وغيره ، والإذاعة تكون في بعض دون بعض .
قال الكلبي عنه : فلذلك استحسنت الاستثناء من الإذاعة .
قال النحاس : فهذان قولان على المجاز ، يريد أن في الكلام تقديما وتأخيرا .
وقول ثالث بغير مجاز : يكون المعنى ولولا فضل الله عليكم ورحمته بأن بعث فيكم رسولا أقام فيكم الحجة لكفرتم وأشركتم إلا قليلا منكم فإنه كان يوحد .
وفيه قول رابع - قال الضحاك : المعنى لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ، أي إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حدثوا أنفسهم بأمر من الشيطان إلا قليلا ، يعني الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى .
وعلى هذا القول يكون قوله إلا قليلا مستثنى من قوله لاتبعتم الشيطان .
قال المهدوي : وأنكر هذا القول أكثر العلماء ، إذ لولا فضل الله ورحمته لاتبع الناس كلهم الشيطان .

﴿ وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ﴾ [ النساء: 83]

سورة : النساء - الأية : ( 83 )  - الجزء : ( 5 )  -  الصفحة: ( 91 )

English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا
  2. تفسير: وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا
  3. تفسير: إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب
  4. تفسير: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون
  5. تفسير: وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننـزله إلا بقدر معلوم
  6. تفسير: قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين
  7. تفسير: وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم
  8. تفسير: ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا
  9. تفسير: فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان
  10. تفسير: إلى قدر معلوم

تحميل سورة النساء mp3 :

سورة النساء mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة النساء

سورة النساء بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة النساء بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة النساء بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة النساء بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة النساء بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة النساء بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة النساء بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة النساء بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة النساء بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة النساء بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب