قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون
قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا يعني القرآن.وما أنزل إلى إبراهيم وهو عشر صحف.وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط يعني أولاد يعقوب وهم اثنا عشر سبطاً وواحدهم سبط سموا بذلك لأنه ولد لكل واحد منهم جماعة وسبط الرجل حافده، ومنه قيل للحسن والحسين رضي الله عنهما سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم والأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من العرب من بني إسماعيل والشعوب من العجم، وكان في الأسباط أنبياء، ولذلك قال: وما أنزل إليهم وقيل هم بنو يعقوب من صلبه صاروا كلهم أنبياء.وما أوتي موسى يعني التوراة.وعيسى يعني الإنجيل.وما أوتي أعطي.النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم أي نؤمن بالكل لا نفرق بين أحد منهم، فلا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى.ونحن له مسلمونأخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن بشار أنا عثمان بن عمر أنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله.. الآية".
ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين
قوله تعالى ( ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل ) والملأ من القوم : وجوههم وأشرافهم وأصل الملأ الجماعة من الناس ولا واحد له من لفظه كالقوم والرهط والإبل والخيل والجيش وجمعه أملاء ( من بعد موسى ) أي من بعد موت موسى ( إذ قالوا لنبي لهم ) واختلفوا في ذلك النبي فقال قتادة هو يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف عليه السلام وقال السدي : اسمه شمعون وإنما سمي شمعون لأن أمه دعت الله أن يرزقها غلاما فاستجاب الله دعاءها فولدت غلاما فسمته سمعون تقول سمع الله تعالى دعائي والسين تصير شينا بالعبرانية وهو شمعون بن صفية بن علقمة من ولد لاوي بن يعقوب ، وقال سائر المفسرين : هو إشمويل وهو بالعبرانية إسماعيل بن يال بن علقمة ، وقال مقاتل : هو من نسل هارون وقال مجاهد : هو إشمويل وهو بالعبرانية إسماعيل بن يال بن علقمة .وقال وهب وابن إسحاق والكلبي وغيرهم : كان سبب مسألتهم إياه ذلك لما مات موسى عليه السلام خلف بعده في بني إسرائيل يوشع بن نون ، يقيم فيهم التوراة وأمر الله تعالى حتى قبضه الله تعالى ثم خلف فيهم كالب كذلك حتى قبضه الله تعالى ثم خلف حزقيل حتى قبضه الله ثم عظمت الأحداث في بني إسرائيل ونسوا عهد الله حتى عبدوا الأوثان فبعث الله إليهم إلياس نبيا فدعاهم إلى الله تعالى وكانت الأنبياء من بني إسرائيل من بعد موسى يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التوراة ثم خلف من بعد إلياس اليسع فكان فيهم ما شاء الله ثم قبضه الله وخلف فيهم الخلوف وعظمت الخطايا فظهر لهم عدو يقال له البلشاثا وهم قوم جالوت كانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين وهم العمالقة فظهروا على بني إسرائيل وغلبوا على كثير من أرضهم وسبوا كثيرا من ذراريهم وأسروا من أبناء ملوكهم أربعين وأربعمائة غلام فضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم ولقي بنو إسرائيل منهم بلاء وشدة ولم يكن لهم نبي يدير أمرهم وكان سبط النبوة قد هلكوا فلم يبق منهم إلا امرأة حبلى فحبسوها في بيت رهبة أن تلد جارية فتبدلها بغلام لما ترى من رغبة بني إسرائيل في ولدها وجعلت المرأة تدعو الله أن يرزقها غلاما فولدت غلاما فسمته إشمويل تقول : سمع الله تعالى دعائي فكبر الغلام فأسلمته ليتعلم التوراة في بيت المقدس وكفله شيخ من علمائهم وتبناه فلما بلغ الغلام أتاه جبريل وهو نائم إلى جنب الشيخ وكان لا يأتمن عليه أحدا فدعاه جبريل بلحن الشيخ يا إشمويل فقام الغلام فزعا إلى الشيخ فقال : يا أبتاه دعوتني؟ فكره الشيخ أن يقول لا فيفزع الغلام فقال يا بني ارجع فنم فرجع الغلام فنام ثم دعاه الثانية فقال الغلام : يا أبت دعوتني؟ فقال ارجع فنم فإن دعوتك الثالثة فلا تجبني ( فرجع الغلام فنام ) فلما كانت الثالثة ظهر له جبريل فقال له : اذهب إلى قومك فبلغهم رسالة ربك فإن الله عز وجل قد بعثك فيهم نبيا فلما أتاهم كذبوه وقالوا : استعجلت بالنبوة ولم تنلك وقالوا له : إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله آية من نبوتك وإنما كان قوام أمر بني إسرائيل بالاجتماع على الملوك وطاعة الملوك لأنبيائهم فكان الملك هو الذي يسير بالجموع والنبي يقيم له أمره ويشير عليه برشده ويأتيه بالخبر من ربه قال وهب بن منبه : بعث الله تعالى إشمويل نبيا فلبثوا أربعين سنة بأحسن حال ثم كان من أمر جالوت والعمالقة ما كان فقالوا لإشمويل : ( ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ) جزم على جواب الأمر فلما قالوا له ذلك ( قال هل عسيتم ) استفهام شك .قرأ نافع : عسيتم بكسر السين كل القرآن وقرأ الباقون بالفتح وهي اللغة الفصيحة بدليل قوله تعالى : ( عسى ربكم ) ( إن كتب ) فرض ( عليكم القتال ) مع ذلك الملك ( ألا تقاتلوا ) أن لا تفوا بما تقولوا معه ( قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله ) فإن قيل فما وجه دخول أن في هذا الموضع والعرب لا تقول ما لك أن لا تفعل وإنما يقال ما لك لا تفعل؟ قيل: دخول أن وحذفها لغتان صحيحتان فالإثبات كقوله تعالى : " ما لك أن لا تكون مع الساجدين " ( 32 - الحجر ) والحذف كقوله تعالى : " ما لكم لا تؤمنون بالله " ( 8 - الحديد ) وقال الكسائي : معناه وما لنا في أن لا نقاتل فحذف " في " وقال الفراء : أي وما يمنعنا أن لا نقاتل في سبيل الله كقوله تعالى : " ما منعك أن لا تسجد " ( 12 - الأعراف ) وقال الأخفش : " أن " هاهنا زائدة معناه : وما لنا لا نقاتل في سبيل الله ( وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ) أي أخرج من غلب عليهم من ديارهم ظاهر الكلام العموم وباطنه الخصوص لأن الذين قالوا لنبيهم : ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله كانوا في ديارهم وأوطانهم وإنما أخرج من أسر منهم ومعنى الآية أنهم قالوا مجيبين لنبيهم : إنما كنا نزهد في الجهاد إذ كنا ممنوعين في بلادنا لا يظهر علينا عدونا فأما إذا بلغ ذلك منا فنطيع ربنا في الجهاد ونمنع نساءنا وأولادنا .قال الله تعالى : ( فلما كتب عليهم القتال تولوا ) أعرضوا عن الجهاد وضيعوا أمر الله ( إلا قليلا منهم ) الذين عبروا النهر مع طالوت واقتصروا على الغرفة على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ( والله عليم بالظالمين ) .
وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين
وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت ) وكانت قصة التابوت أن الله تعالى أنزل تابوتا على آدم فيه صورة الأنبياء عليهم السلام وكان من عود الشمشاذ نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين فكان عند آدم إلى أن مات ثم بعد ذلك عند شيث ثم توارثها أولاد آدم إلى أن بلغ إبراهيم ثم كان عند إسماعيل لأنه كان أكبر ولده ثم عند يعقوب ثم كان في بني إسرائيل إلى أن وصل إلى موسى فكان موسى يضع فيه التوراة ومتاعا من متاعه فكان عنده إلى أن مات موسى عليه السلام ثم تداولته أنبياء بني إسرائيل إلى وقت إشمويل وكان فيه ذكر الله تعالى ( فيه سكينة من ربكم ) اختلفوا في السكينة ما هي؟ قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ريح خجوج هفافة لها رأسان ووجه كوجه الإنسان وعن مجاهد : شيء يشبه الهرة له رأس كرأس الهرة وذنب كذنب الهرة وله جناحان ، وقيل له عينان لهما شعاع وجناحان من زمرد وزبرجد فكانوا إذا سمعوا صوته تيقنوا بالنصر وكانوا إذا خرجوا وضعوا التابوت قدامهم فإذا سار ساروا وإذا وقف وقفوا .وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : هي طست من ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء وعن وهب بن منبه قال : هي روح من الله يتكلم إذا اختلفوا في شيء تخبرهم ببيان ما يريدون ، وقال عطاء بن أبي رباح : هي ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها وقال قتادة والكلبي : السكينة فعيلة من السكون أي طمأنينة من ربكم ففي أي مكان كان التابوت اطمأنوا إليه وسكنوا ( وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون ) يعني موسى وهارون أنفسهما كان فيه لوحان من التوراة ورضاض الألواح التي تكسرت وكان فيه عصا موسى ونعلاه وعمامة هارون وعصاه وقفيز من المن الذي كان ينزل على بني إسرائيل ، فكان التابوت عند بني إسرائيل وكانوا إذا اختلفوا في شيء تكلم وحكم بينهم وإذا حضروا القتال قدموه بين أيديهم فيستفتحون به على عدوهم فلما عصوا وفسدوا سلط الله عليهم العمالقة فغلبوهم على التابوت .وكان السبب في ذلك أنه كان لعيلى العالم الذي ربى إشمويل عليه السلام ابنان شابان وكان عيلى حبرهم وصاحب قربانهم فأحدث ابناه في القربان شيئا لم يكن فيه وذلك أنه كان لعيلى منوط القربان الذي كانوا ينوطونه به كلابين فما أخرجا كان للكاهن الذي ينوطه فجعل ابناه كلاليب وكان النساء يصلين في بيت المقدس فيتشبثان بهن فأوحى الله تعالى إلى إشمويل عليه السلام : انطلق إلى عيلى فقل له منعك حب الولد من أن تزجر ابنيك عن أن يحدثا في قرباني وقدسي وأن يعصياني فلأنزعن الكهانة منك ومن ولدك ولأهلكنك وإياهم فأخبر إشمويل عيلى بذلك ففزع فزعا شديدا فسار إليهم عدو ممن حولهم فأمر ابنيه أن يخرجا بالناس فيقاتلا ذلك العدو فخرجا وأخرجا معهما التابوت فلما تهيئوا للقتال جعل عيلى يتوقع الخبر ماذا صنعوا؟ فجاءه رجل وهو قاعد على كرسيه وأخبره أن الناس قد انهزموا وأن ابنيك قد قتلا قال : فما فعل التابوت؟ قال ذهب به العدو فشهق ووقع على قفاه من كرسيه ومات فمرج أمر بني إسرائيل وتفرقوا إلى أن بعث الله طالوت ملكا فسألوه البينة فقال لهم نبيهم : إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت .وكانت قصة التابوت أن الذين سبوا التابوت أتوا به قرية من قرى فلسطين يقال لها ازدود وجعلوه في بيت صنم لهم ووضعوه تحت الصنم الأعظم فأصبحوا من الغد والصنم تحته فأخذوه ووضعوه فوقه وسمروا قدمي الصنم على التابوت فأصبحوا وقد قطعت يد الصنم ورجلاه وأصبح ملقى تحت التابوت وأصبحت أصنامهم منكسة فأخرجوه من بيت الصنم ووضعوه في ناحية من مدينتهم فأخذ أهل تلك الناحية وجع في أعناقهم حتى هلك أكثرهم فقال بعضهم لبعض : أليس قد علمتم أن إله بني إسرائيل لا يقوم له شيء فأخرجوه إلى قرية كذا فبعث الله على أهل تلك القرية فأرا فكانت الفأرة تبيت مع الرجل فيصبح ميتا قد أكلت ما في جوفه فأخرجوه إلى الصحراء فدفنوه في مخرأة لهم فكان كل من تبرز هناك أخذه الباسور والقولنج فتحيروا فقالت لهم امرأة كانت عندهم من سبي بني إسرائيل من أولاد الأنبياء : لا تزالون ترون ما تكرهون ما دام هذا التابوت فيكم فأخرجوه عنكم فأتوا بعجلة بإشارة تلك المرأة وحملوا عليها التابوت ثم علقوها على ثورين وضربوا جنوبهما فأقبل الثوران يسيران ووكل الله تعالى بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما فأقبلا حتى وقفا على أرض بني إسرائيل فكسرا نيريهما وقطعا حبالهما ووضعا التابوت في أرض فيها حصاد بني إسرائيل ورجعا إلى أرضهما فلم يرع بني إسرائيل إلا بالتابوت فكبروا وحمدوا الله فذلك قوله تعالى ( تحمله الملائكة ) أي تسوقه وقال ابن عباس رضي الله عنهما : جاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت وقال الحسن : كان التابوت مع الملائكة في السماء فلما ولي طالوت الملك حملته الملائكة ووضعته بينهم وقال قتادة بل كان التابوت في التيه خلفه موسى عند يوشع بن نون فبقي هناك فحملته الملائكة حتى وضعته في دار طالوت فأقروا بملكه ( إن في ذلك لآية ) لعبرة ( لكم إن كنتم مؤمنين ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة .
قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون
قوله تعالى : ( قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ) ذكر الملل والأديان واضطراب الناس فيها ، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول : ( آمنا بالله ) الآية .
يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا
قوله تعالى : ( يسألك أهل الكتاب ) الآية ، وذلك أن كعب بن الأشرف وفنحاص بن عازوراء من اليهود قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت نبيا فأتنا بكتاب جملة من السماء ، كما أتى بهموسى عليه السلام ، فأنزل الله عليه : ( يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ) .وكان هذا السؤال منهم سؤال تحكم واقتراح ، لا سؤال انقياد ، والله تعالى لا ينزل الآيات على اقتراح العباد . قوله : ( فقد سألوا موسى أكبر من ذلك ) أي : أعظم من ذلك ، يعني : السبعين الذي خرج بهم موسى عليه السلام إلى الجبل ، ( فقالوا أرنا الله جهرة ) أي : عيانا ، قال أبو عبيدة : معناه قالوا جهرة أرنا الله ، ( فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل ) يعني إلها ، ( من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك ) ولم نستأصلهم ، قيل: هذا استدعاء إلى التوبة ، معناه : أن أولئك الذين أجرموا تابوا فعفونا عنهم ، فتوبوا أنتم حتى نعفو عنكم ، ( وآتينا موسى سلطانا مبينا ) أي : حجة بينة من المعجزات ، وهي الآيات التسع .
ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما
قوله تعالى : ( ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ) أي : وكما أوحينا إلى نوح وإلى الرسل ، ( ورسلا ) نصب بنزع حرف الصفة ، وقيل: معناه وقصصنا عليك رسلا وفي قراءة أبي " ورسل قد قصصناهم عليك من قبل " ( ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما ) قال الفراء : العرب تسمي ما يوصل إلى الإنسان كلاما بأي طريق وصل ، ولكن لا تحققه بالمصدر ، فإذا حقق بالمصدر ، ولم يكن إلا حقيقة الكلام - كالإرادة - يقال : أراد فلان إرادة ، يريد حقيقة الإرادة ، ويقال : أراد الجدار ، ولا يقال أراد الجدار إرادة لأنه مجاز غير حقيقة .
وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين
قوله عز وجل : ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء ) [ أي : منكم أنبياء ] ( وجعلكم ملوكا ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعني أصحاب خدم وحشم ، قال قتادة : كانوا أول من ملك الخدم ولم يكن لمن قبلهم خدم . وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كان بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم وامرأة ودابة يكتب ملكا " .وقال أبو عبد الرحمن الحبلي : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص ، وسأله رجل فقال : ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله : ألك امرأة تأوي إليها؟ قال : نعم . قال : ألك مسكن تسكنه؟ قال : نعم ، قال : فأنت من الأغنياء ، قال : فإن لي خادما ، قال : فأنت من الملوك .قال السدي : وجعلكم ملوكا أحرارا تملكون أمر أنفسكم بعدما كنتم في أيدي القبط يستعبدونكم ، قال الضحاك : كانت منازلهم واسعة فيها مياه جارية فمن كان مسكنه واسعا وفيه ماء جار فهو ملك ( وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) يعني عالمي زمانكم ، قال مجاهد : يعني المن والسلوى والحجر وتظليل الغمام .
قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون
( قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين ) وذلك أن النقباء الذين خرجوا يتجسسون الأخبار لما رجعوا إلى موسى وأخبروه بما عاينوا ، قال لهم موسى : اكتموا شأنهم ولا تخبروا به أحدا من أهل العسكر فيفشلوا ، فأخبر كل رجل منهم قريبه وابن عمه إلا رجلان وفيا بما قال لهما موسى ، أحدهما يوشع بن نون بن أفرائيم بن يوسف عليهم السلام فتى موسى ، والآخر كالب بن يوقنا ختن موسى عليه السلام على أخته مريم بنت عمران ، وكان من سبط يهود وهما من النقباء فعلمت جماعة من بني إسرائيل ذلك ورفعوا أصواتهم بالبكاء وقالوا يا ليتنا في أرض مصر ، وليتنا نموت في هذه [ البرية ] ولا يدخلنا الله أرضهم فتكون نساؤنا وأولادنا وأثقالنا غنيمة لهم ، وجعل الرجل يقول لصاحبه : تعال نجعل علينا رأسا وننصرف إلى مصر ، فذلك قوله تعالى إخبارا عنهم ( قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ) أصل الجبار : المتعظم الممتنع عن القهر ، يقال : نخلة جبارة إذا كانت طويلة ممتنعة عن وصول الأيدي إليها ، وسمي أولئك القوم جبارين لامتناعهم بطولهم وقوة أجسادهم ، وكانوا من العمالقة وبقية قوم عاد ، فلما قال بنو إسرائيل ما قالوا وهموا بالانصراف إلى مصر خر موسى وهارون ساجدين ، وخرق يوشع وكالب ثيابهما وهما اللذان أخبر الله تعالى عنهما في قوله تعالى :
قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون
قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو نعيم أنا إسرائيل عن مخارق عن طارق بن شهاب قال سمعت ابن مسعود يقول : لقد شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل به ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين ، فقال : لا نقول كما قال قوم موسى عليه السلام : اذهب أنت وربك فقاتلا ، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك ومن خلفك ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسره ما قال . فلما فعلت بنو إسرائيل ما فعلت من مخالفتهم أمر ربهم وهمهم بيوشع وكالب غضب موسى عليه السلام ودعا عليهم .
ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين
( ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ) وفقنا وأرشدنا . ( ونوحا هدينا من قبل ) أي : من قبل إبراهيم ، ( ومن ذريته ) أي ومن ذرية نوح عليه السلام ، ولم يرد من ذرية إبراهيم لأنه ذكر في جملتهم يونس ولوطا ولم يكونا من ذرية إبراهيم ( داود ) يعني : داود بن أيشا ، ( وسليمان ) يعني ابنه ، ( وأيوب ) وهو أيوب بن أموص بن رازح بن روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم ، ( ويوسف ) هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام ، ( وموسى ) وهو موسى بن عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب . ( وهارون ) هو أخو موسى أكبر منه بسنة ، ( وكذلك ) أي : وكما جزينا إبراهيم على توحيده بأن رفعنا درجته ووهبنا له أولادا أنبياء أتقياء كذلك ، ( نجزي المحسنين ) على إحسانهم ، وليس ذكرهم على ترتيب أزمانهم .