وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون
قوله عز وجل: وإذ قتلتم نفساً هذا أول القصة وإن كانت مؤخرة في التلاوة، واسم القتيل (عاميل).فادارأتم فيها أصله تدارأتم فأدغمت التاء في الدال وأدخلت الألف، مثل قوله: اثاقلتمقال ابن عباس ومجاهد: "معناه فاختلفتم"، وقال الربيع بن أنس: "تدافعتم؛ أي يحيل بعضكم على بعض من الدرء وهو الدفع، فكان كل واحد يدفع عن نفسه".والله مخرج أي مُظْهِر.ما كنتم تكتمون فإن القاتل كان يكتم القتل.
فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون
فقلنا اضربوه يعني القتيل.ببعضها أي ببعض البقرة، واختلفوا في ذلك البعض، قال ابن عباس رضي الله عنه وأكثر المفسرين: "ضربوه بالعظم الذي يلي الغضروف وهو المقتل".وقال مجاهد وسعيد بن جبير: "بعجب الذنب لأنه أول ما يخلق وآخر ما يبلى، ويركب عليه الخلق".وقال الضحاك: "بلسانها"، وقال الحسين بن الفضل: "هذا أدل بها لأنه آلة الكلام".وقال الكلبي وعكرمة: "بفخذها الأيمن"، وقيل: بعضو منها لا بعينه، ففعلوا ذلك فقام القتيل حياً بإذن الله تعالى وأوداجه، أي عروق العنق، تشخب دماً وقال قتلني فلان، ثم سقط ومات مكانه فحرم قاتله الميراث، وفي الخبر: ( ما ورث قاتل بعد صاحب البقرة ) وفيه إضمار تقديره: فضرب فحيي.كذلك يحيي الله الموتى كما أحيا عاميل.ويريكم آياته لعلكم تعقلون قيل تمنعون أنفسكم من المعاصي.أما حكم هذه المسألة في الإسلام: إذا وجد قتيل في موضع ولا يعرف قاتله فإن كان ثَمَّ ( لوث ) على إنسان - واللوث: أن يغلب على القلب صدق المدعي، بأن اجتمع جماعة في بيت أو صحراء فتفرقوا عن قتيل يغلب على القلب أن القاتل فيهم، أو وجد قتيل في محلة أو قرية كلهم أعداء للقتيل لا يخالطهم غيرهم، فيغلب على القلب أنهم قتلوه - فادعى الولي على بعضهم، يحلف المدعي خمسين يميناً على من يدعي عليه، وإن كان الأولياء جماعة توزع الأيمان عليهم، ثم بعدما حلفوا أخذوا الدية من عاقلة المدعى عليه إن ادعوا قتل خطأ، وإن ادعوا قتل عمد فمن ماله، ولا قود على قول الأكثرين وذهب بعضهم إلى وجوب القود،وهو قول عمر بن عبد العزيز وبه قال مالك وأحمد، وإن لم يكن على المدعى عليه لوث فالقول قول المدعى عليه مع يمينه ثم هل يحلف يميناً واحدة أم خمسين يميناً؟ فيه قولان: (أحدهما) يميناً واحدة كما في سائر الدعاوي، (والثاني) يحلف خمسين يميناً تغليظاً لأمر الدم، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه: لا حكم للوث [ولا يزيد بيمين المدعي] وقال: إذا وجد قتيل في محلة يختار الإمام خمسين رجلاً من صلحاء أهلها فيحلفهم أنهم ما قتلوه ولا عرفوا له قاتلاً، ثم يأخذ الدية من سكانها.والدليل على أن البداية بيمين المدعي عند وجود اللوث: ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن يحيى بن سعيد عن بشير ابن يسار عن سهل بن أبي حثمة: "أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر لحاجتهما فقتل عبد الله بن سهل فانطلق هو وعبد الرحمن أخو المقتول وحويصة بن مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له قتل عبد الله بن سهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحلفون خمسين يميناً وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم فقالوا يا رسول الله لم نشهد ولم نحضر،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتبرئكم يهود بخمسين يميناً فقالوا يارسول الله كيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فعزم النبي صلى الله عليه وسلم عقله من عنده".[وفي لفظ آخر فزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم عقله من عنده].قال بشير بن يسار: قال سهل: "لقد ركضتني فريضة تلك الفرائض في مربد لنا"، وفي رواية: "لقد ركضتني ناقة حمراء من تلك الفرائض في مربد لنا" أخرجه مسلم عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب.وجه الدليل من الخبر: أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بأيمان المدعين لتقوي جانبهم باللوث، وهو أن عبد الله بن سهل وجد قتيلاً في خيبر، وكانت العداوة ظاهرة بين الأنصار وأهل خيبر، وكان يغلب على القلب أنهم قتلوه، واليمين أبداً تكون حجة لمن يقوى جانبه وعند عدم اللوث يقوى جانب المدعى عليه من حيث أن الأصل براءة ذمته وكان القول قوله مع يمينه.
ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون
قوله تعالى: ثم قست قلوبكم يبست وجفت، جفاف القلب: خروج الرحمة واللين عنه، وقيل: غلظت، وقيل: اسودت.من بعد ذلك من بعد ظهور الدلالات.قال الكلبي: "قالوا بعد ذلك: نحن لم نقتله، فلم يكونوا قط أعمى قلباً ولا أشد تكذيباً لنبيهم منهم عند ذلك".فهي أي في الغلظة والشدة.كالحجارة أو أشد قسوة قيل: أو بمعنى بل، وقيل: بمعنى الواو كقوله تعالى: مائة ألف أو يزيدون [147-الصافات] أي: بل يزيدون أو ويزيدون، وإنما لم يشبهها بالحديد مع أنه أصلب من الحجارة، لأن الحديد قابل للين فإنه يلين بالنار، وقد لان لداود عليه السلام، والحجارة لا تلين قط، ثم فضل الحجارة على القلب القاسي فقال:وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار قيل: أراد به (جميع) الحجارة، وقيل: أراد به الحجر الذي كان يضرب عليه موسى للأسباط.وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء أراد به عيوناً دون الأنهار.وإن منها لما يهبط ينزل من أعلى الجبل إلى أسفله.من خشية الله وقلوبكم لا تلين ولا تخشع يا معشر اليهود. فإن قيل: جماد لا يفهم، فكيف (يخشى)؟ قيل: الله يفهمه ويلهمه فيخشى بإلهامه.ومذهب أهل السنة والجماعة أن الله تعالى خلق علماً في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقل، لا يقف عليه غيره، فلها صلاة وتسبيح وخشية كما قال جل ذكره: وإن من شيء إلا يسبح بحمده [44-الاسراء]، وقال: والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه [41-النور]، وقال: ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر [18-الحج] الآية، فيجب (المؤمن) الإيمان به ويكل علمه إلى الله تعالى سبحانه وتعالى.ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على ثبير والكفار يطلبونه فقال الجبل: انزل عني فإني أخاف أن تؤخذ علي فيعاقبني الله بذلك فقال له جبل حراء: إلي يا رسول الله.أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ثنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي أنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب النيسابوري أنا محمد بن إسماعيل الصائغ أنا يحيى بن أبي بكر أنا إبراهيم بن طهمان عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث وإني لأعرفه الآن" [ هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن أبي بكر).وصح عن أنس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع على أُحُد فقال: هذا جبل يحبنا و نحبه".وروي عن أبي هريرة يقول: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ثم أقبل على الناس بوجهه وقال: بينما رجل يسوق بقرة إذ عيي فركبها فضربها فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا لحراثة الأرضفقال الناس: سبحان الله بقرة تتكلم!؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أومن به أنا وأبو بكر وعمر وماهُمَا ثَمّ، وقال: " بينما رجل في غنم له إذ عدا الذئب على شاة منها فأدركها صاحبها فاستنفذها، فقال الذئب: فمن لها يوم السبع؟ أي يوم القيامة، يوم لا راعي لها غيري، فقال الناس: سبحان الله ذئب يتكلم؟ فقال: أومن به أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثم".وصح عن أبي هريرة قال:"كان رسول صلى الله عليه وسلم على حراء وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم اهدأ -أي: اسكن- فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" صحيح أخرجه مسلم .أنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد يحيى بن أحمد بن علي الصانع أنا أبو الحسن علي بن إسحاق بن هشام الرازي أنا محمد بن أيوب بن ضريس البجلي الرازي أنا محمد بن الصباح عن الوليد بن أبي ثور عن السدي عن عباد بن أبي يزيد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في نواحيها خارجاً من مكة بين الجبال والشجر، فلم يمر بشجرة ولا جبل إلا قال السلام عليك يارسول الله".أنا أبو الحسن عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري المسجد، فلما صنع له المنبر فاستوى عليه اضطربت تلك السارية وحنت كحنين الناقة حتى سمعها أهل المسجد، حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنقها فسكنت".قال مجاهد: "لا ينزل حجر من أعلى إلى الأسفل إلا من خشية الله".ويشهد لما قلنا قوله تعالى: لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون [21-الحشر].قوله عز وجل: وما الله بغافل بِسَاه.عما تعملون وعيد وتهديد، وقيل: بتارك عقوبة ما تعملون، بل يجازيكم به.قرأ ابن كثير (يعملون) بالياء، والآخرون بالتاء.
أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون
قوله تعالى: أفتطمعون أفترجون؟؛ يريد: محمداً وأصحابه.أن يؤمنوا لكم تصدقكم اليهود بما تخبرونهم به.وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يعني التوراة.ثم يحرفونه يغيرون ما فيها من الأحكام.من بعد ما عقلوه علموه كما غيروا صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وآية الرجم.وهم يعلمون أنهم كاذبون، هذا قول مجاهد وقتادة وعكرمة والسدي وجماعة، وقال ابن عباس ومقاتل: "نزلت في السبعين الذين اختارهم موسى لميقات ربه، وذلك أنهم لما رجعوا - بعد ما سمعوا كلام الله - إلى قومهم رجع الناس إلى قولهم، وأما الصادقون منهم فأدوا كما سمعوا، وقالت طائفة منهم: سمعنا الله يقول في آخر كلامه إن استطعتم أن تفعلوا فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا، فهذا تحريفهم وهم يعلمون أنه الحق".
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون
وإذا لقوا الذين آمنوا قال ابن عباس والحسن وقتادة: "يعني منافقي اليهود الذين آمنوا بألسنتهم إذا لقوا المؤمنين المخلصين".قالوا آمنا كإيمانكم.وإذا خلا رجع.بعضهم إلى بعض - كعب بن الأشرف وكعب بن أسد ووهب بن يهودا وغيرهم من رؤساء اليهود - لأمرهم على ذلك.قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم بما قص الله عليكم في كتابكم: أن محمداً حق وقوله صدق. والفتاح: القاضي.وقال الكسائي: "بما بينه الله لكم من العلم بصفة النبي صلى الله عليه وسلم ونعته".وقال الواقدي: "بما أنزل الله عليكم، ونظيره: لفتحنا عليهم بركات من السماء [44-الأنعام] أي أنزلنا".وقال أبو عبيدة: "بما من الله عليكم وأعطاكم".ليحاجوكم به ليخاصموكم، يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يحتجوا بقولكم عليكم فيقولوا قد أقررتم أنه نبي حق في كتابكم ثم لا تتبعونه!! وذلك أنهم قالوا لأهل المدينة حين شاورهم في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم: آمنوا به فإنه حق، ثم قال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما أنزل الله عليكم لتكون لهم الحجة عليكم.عند ربكم في الدنيا والآخرة، وقيل: إنهم أخبروا المؤمنين بما عذبهم الله به على الجنايات فقال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما أنزل الله عليكم من العذاب ليحاجوكم به عند ربكم، ليروا الكرامة لأنفسهم عليكم عند الله.وقال مجاهد: "هو قول يهود بني قريظة قال بعضهم لبعض حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "يا إخوان القردة والخنازير، فقالوا: من أخبرمحمد بهذا؟ ما خرج هذا إلا منكم".أفلا تعقلون.
فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون
قوله تعالى: فويل قال الزجاج: "ويل كلمة يقولها كل واقع في هلكة".وقيل: هو دعاء الكفار على أنفسهم بالويل والثبور، وقال ابن عباس: "شدة العذاب"، وقال سعيد بن المسيب: "ويل واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لانماعت من شدة حره".أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث أنه حدث عن أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره، والصعود جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي فهو كذلك".للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً وذلك أن أحبار اليهود خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فاحتالوا في تعويق اليهود عن الإيمان به فعمدوا إلى صفته في التوراة، وكانت صفته فيها: حسن الوجه، حسن الشعر، أكحل العينين، ربعة، فغيروها وكتبوا مكانها طوال أزرق سبط الشعر فإذا سألهم سفلتهم عن صفته قرؤوا ما كتبوا فيجدونه مخالفاً لصفته فيكذبونه وينكرونه.قال الله تعالى: فويل لهم مما كتبت أيديهم يعني ما كتبوا بأنفسهم اختراعاً من تغيير نعت محمد صلى الله عليه وسلم.وويل لهم مما يكسبون من المآكل ويقال: من المعاصي.
وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون
وقالوا يعني اليهود.لن تمسنا النار لن يصيبنا النار.إلا أياماً معدودة قدراً مقدراً ثم يزول عنا العذاب ويعقبه النعيم.واختلفوا في هذه الآية، قال ابن عباس ومجاهد: "كانت اليهود يقولون: هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوماً واحداً ثم ينقطع العذاب بعد سبعة آيام".وقال قتادة وعطاء : "يعنون أربعين يوماً التي عبد فيها آباؤهم العجل"، وقال الحسن وأبو العالية: "قالت اليهود: إن ربنا عتب علينا في أمر، فأقسم ليعذبنا أربعين يوماً فلن تمسنا النار إلا أربعين يوماً تحلة القسم".فقال الله عز وجل تكذيباً لهم:قل يا محمد.أتخذتم عند الله ألف استفهام دخلت على ألف الوصل، عند الله.عهداً موثقاً أن لايعذبكم إلا هذه المدة.فلن يخلف الله عهده ووعده قال ابن مسعود: "عهداً بالتوحيد، يدل عليه قوله تعالى: إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً [87-مريم] يعني: قول لا إله إلا الله".أم تقولون على الله ما لا تعلمون ثم قال:
وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون
قوله تعالى: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل في التوراة، والميثاق العهد الشديد.لا تعبدون إلا الله قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي (لا يعبدون) بالياء وقرأ الآخرون بالتاء لقوله تعالى: وقولوا للناس حسناً معناه ألا تعبدوا فلما حذف أن صار الفعل مرفوعاً، وقرأ أُبي بن كعب: "لا تعبدوا إلا الله على النهي".وبالوالدين إحساناً أي ووصيناهم بالوالدين إحساناً، براً بهما وعطفاً عليهما ونزولاً عند أمرهما، فيما لا يخالف أمر الله تعالى.وذي القربى أي وبذي القرابة، والقربى مصدر كالحسنى.واليتامى جمع يتيم وهو الطفل الذي لا أب له.والمساكين يعني الفقراء.وقولوا للناس حسناً "صدقاً وحقاً في شأن محمد صلى الله عليه وسلم فمن سألكم عنه فاصدقوه وبينوا صفته ولاتكتموا أمره" هذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير وابن جريج ومقاتل.وقال سفيان الثوري: "مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر.وقيل: هو اللين في القول والمعاشرة بحسن الخلق.وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب: حسناً بفتح الحاء والسين أي قولاً حسناً.وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم أعرضتم عن العهد والميثاق.إلا قليلاً منكم وذلك أن قوماً منهم آمنوا.وأنتم معرضون كإعراض آبائكم.
ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون
قوله عز وجل: ثم أنتم هؤلاء يعني: يا هؤلاء، وهؤلاء للتنبيه.تقتلون أنفسكم أي (يقتل) بعضكم بعضاً.وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بتشديد الظاء أي تتظاهرون أدغمت التاء في الظاء، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف الظاء فحذفوا تاء التفاعل وأبقوا تاء الخطاب كقوله تعالى: ولا تعاونوا معناهما جميعاً: تتعاونون، والظهير: العون.بالإثم والعدوان المعصية والظلم.وإن يأتوكم أسارى وقرأ حمزة: أسرى، وهما جمع أسير، ومعناهما واحد.تفادوهم بالمال وتنقذوهم.وقرأ أهل المدينة وعاصم والكسائي ويعقوب ( تفادوهم ) أي تبادلوهم.أراد: مفاداة الأسير بالأسير، وقيل: معنى القراءتين واحد.ومعنى الآية قال السدي: "إن الله تعالى أخذ على بني إسرائيل في التوراة أن لا يقتل بعضهم بعضاً، ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم، وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام من ثمنه وأعتقوه، فكانت قريظة حلفاء الأوس، والنضير حلفاء الخزرج، وكانوا يقتتلون في حرب سمير فيقاتل بنو قريظة وحلفاؤهم وبنو النضير وحلفاؤهم وإذا غلبوا أخربوا ديارهم وأخرجوهم منها، وإذا أَسَر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه وإن كان الأسير من عدوهم، فتُعَيِّرهم الأعراب وتقول: كيف تقاتلونهم وتفدونهم قالوا: إنا أُمِرنا أن نفديهم، فيقولون: فلم تقاتلونهم؟ قالوا: إنا نستحيي أن يستذل حلفاؤنا".فعيَّرهم الله تعالى بذلك فقال:ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وفي الآية تقديم وتأخير ونظمها (وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان).وهو محرم عليكم إخراجهم وإن يأتوكم أسارى تفادوهم،فكأن الله تعالى أخذ عليهم أربعة عهود: ترك القتال، وترك الإخراج، وترك المظاهرة عليهم مع أعدائهم، وفداء أسراهم، فأعرضوا عن الكل إلا الفداء.قال الله تعالى: أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض قال مجاهد: "يقول إن وجدته في يد غيرك فديته وأنت تقتله بيدك.فما جزاء من يفعل ذلك منكم يا معشر اليهود.إلا خزي عذاب وهوان.في الحياة الدنيا فكان خزي قريظة القتل والسبي، وخزي النضير الجلاء والنفي من منازلهم إلى أذرعات وأريحاء من الشام.ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وهو عذاب النار.وما الله بغافل عما تعملون قرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر بالياء، والباقون بالتاء.