ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير
ومن يولهم يومئذ دبره ) ظهره ، ( إلا متحرفا لقتال ) أي منعطفا يرى من نفسه الانهزام ، وقصده طلب الغرة وهو يريد الكرة ، ( أو متحيزا إلى فئة ) أي : منضما صائرا إلى جماعة من المؤمنين يريد العود إلى القتال . ومعنى الآية النهي عن الانهزام من الكفار والتولي عنهم ، إلا على نية التحرف للقتال والانضمام إلى جماعة من المسلمين ليستعين بهم ويعودون إلى القتال ، فمن ولى ظهره لا على هذه النية لحقه الوعيد ، كما قال تعالى : ( فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ) اختلف العلماء في هذه الآية فقال أبو سعيد الخدري : هذا في أهل بدر خاصة ، ما كان يجوز لهم الانهزام لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان معهم ، ولم يكن لهم فئة يتحيزون إليها دون النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولو انحازوا لانحازوا إلى المشركين ، فأما بعد ذلك فإن المسلمين بعضهم فئة لبعض فيكون الفار متحيزا إلى فئة فلا يكون فراره كبيرة ، وهو قول الحسن وقتادة والضحاك .قال يزيد بن أبي حبيب أوجب الله النار لمن فر يوم بدر ، فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال : " إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم " ( آل عمران - 155 ) ، ثم كان يوم حنين بعده فقال : " ثم وليتم مدبرين " ( التوبة 25 ) " ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء " ( التوبة - 27 ) .وقال عبد الله بن عمر : كنا في جيش بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحاص الناس حيصة فانهزمنا ، فقلنا : يا رسول الله نحن الفرارون قال : " بل أنتم الكرارون ، أنا فئة المسلمين " .وقال محمد بن سيرين : لما قتل أبو عبيدة جاء الخبر إلى عمر فقال : لو انحاز إلي كنت له فئة فأنا فئة كل مسلم .وقال بعضهم : حكم الآية عام في حق كل من ولى منهزما . جاء في الحديث : " من الكبائر الفرار من الزحف " .وقال عطاء بن أبي رباح : هذه الآية منسوخة بقوله - عز وجل - : " الآن خفف الله عنكم " ( الأنفال - 66 ) فليس لقوم أن يفروا من مثلهم فنسخت تلك إلا في هذه العدة وعلى هذا أكثر أهل العلم أن المسلمين إذا كانوا على الشطر من عدوهم لا يجوز لهم أن يفروا أو يولوا ظهورهم إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ، وإن كانوا أقل من ذلك جاز لهم أن يولوا ظهورهم وينحازوا عنهم قال ابن عباس : " من فر من ثلاثة فلم يفر ، ومن اثنين فقد فر " .
فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم
قوله تعالى : ( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ) قال مجاهد سبب هذه الآية أنهم لما انصرفوا عن القتال كان الرجل يقول : أنا قتلت فلانا ويقول الآخر مثله ، فنزلت الآية . ومعناه : فلم تقتلوهم أنتم بقوتكم ولكن الله قتلهم بنصره إياكم وتقويته لكم .وقيل: لكن الله قتلهم بإمداد الملائكة .( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) قال أهل التفسير والمغازي : ندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس ، فانطلقوا حتى نزلوا بدرا ، ووردت عليهم روايا قريش ، وفيهم أسلم ، غلام أسود لبني الحجاج ، وأبو يسار ، غلام لبني العاص بن سعيد ، فأتوا بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال لهما : أين قريش؟ قالا هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى - والكثيب : العقنقل - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهما : كم القوم؟ قالا كثير ، قال : ما عدتهم؟ قالا لا ندري ، قال : كم ينحرون كل يوم؟ قالا يوما عشرة ويوما تسعة ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " القوم ما بين التسعمائة إلى الألف " ثم قال لهما : فمن فيهم من أشراف قريش؟ قالا عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو البختري ابن هشام ، وحكيم بن حزام ، والحارث بن عامر ، وطعيمة بن عدي ، والنضر بن الحارث ، وأبو جهل بن هشام ، وأمية بن خلف ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وسهيل بن عمرو . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها " فلما أقبلت قريش ورآها رسول الله تصوب من العقنقل ، وهو الكثيب الذي جاءوا منه إلى الوادي ، قال لهم : هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني ، فأتاه جبريل عليه السلام وقال له : خذ قبضة من تراب فارمهم بها ، فلما التقى الجمعان تناول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفا من حصى عليه تراب ، فرمى به في وجوه القوم ، وقال : شاهت الوجوه ، فلم يبق منهم مشرك إلا دخل في عينيه وفمه ومنخريه منها شيء ، فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم .وقال قتادة ، وابن زيد : ذكر لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمى بحصاة في ميمنة القوم وبحصاة في ميسرة القوم وبحصاة بين أظهرهم ، وقال : شاهت الوجوه ، فانهزموا ، فذلك قوله تعالى : " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " ، إذ ليس في وسع أحد من البشر أن يرمي كفا من الحصا إلى وجوه جيش فلا يبقى فيهم عين إلا ويصيبها منه شيء .وقيل: معنى الآية وما بلغت إذ رميت ولكن الله بلغ .وقيل: وما رميت بالرعب في قلوبهم إذ رميت بالحصباء ولكن الله رمى بالرعب في قلوبهم حتى انهزموا ، ( وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا ) أي : ولينعم على المؤمنين نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة ، ( إن الله سميع ) لدعائكم ، ( عليم ) بنياتكم .
( ذلكم ) الذي ذكرت من القتل والرمي والبلاء الحسن ، ( وأن الله ) قيل: فيه إضمار ، أي : واعلموا أن الله ( موهن ) مضعف ، ( كيد الكافرين ) قرأ ابن كثير ونافع وأهل البصرة : " موهن " بالتشديد والتنوين ، " كيد " نصب ، وقرأ الآخرون " موهن " بالتخفيف والتنوين إلا حفصا ، فإنه يضيفه فلا ينون ويخفض " كيد " .
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين
قوله تعالى : ( إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر لما التقى الناس : اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لم نعرف فأحنه الغداة ، فكان هو المستفتح على نفسه .أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال : قال عبد الرحمن بن عوف : إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان ، حديثا السن ، فكأني لم آمن بمكانهما ، إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه : يا عم أرني أبا جهل ، فقلت : يا ابن أخي وما تصنع به؟ فقال : عاهدت الله - عز وجل - إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه . فقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله ، فما سرني أني بين رجلين بمكانهما ، فأشرت لهما إليه ، فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه ، وهما ابنا عفراء .وأخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا محمد بن المثنى ، ثنا ابن أبي عدي ، عن سليمان التيمي عن أنس رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر : " من ينظر لنا ما صنع أبو جهل " ؟ قال : فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد ، قال : فأخذ بلحيته فقال : أنت أبو جهل ؟ فقال : وهل فوق رجل قتله قومه أو قتلتموه .قال محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر قال : قال معاذ بن عمرو بن الجموح لما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوه أمر بأبي جهل بن هشام أن يلتمس في القتلى ، فقال : اللهم لا يعجزنك ، قال فلما سمعتها جعلته من شأني فعمدت نحوه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه . قال : وضربني ابنه عكرمة على عاتقي ، فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي ، وأجهضني القتال عنه ، فلقد قاتلت عامة يومي ، وإني لأسحبها خلفي ، فلما آذتني جعلت عليها قدمي ، ثم تمطيت بها حتى طرحتها ، ثم مر بأبي جهل وهو عقير معوذ بن عفراء ، فضربه حتى أثبته ، فتركه وبه رمق ، فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل قال عبد الله بن مسعود : وجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه ، ثم قلت : هل أخزاك الله يا عدو الله؟ قال : وبماذا أخزاني ، أعمد من رجل قتلتموه أخبرني لمن الدائرة؟ قلت : لله ولرسوله .وروي عن ابن مسعود أنه قال : قال لي أبو جهل : لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا ، ثم احتززت رأسه ، ثم جئت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله هذا رأس أبي جهل ، فقال : آلله الذي لا إله غيره ؟ قلت : نعم ، والذي لا إله غيره ، ثم ألقيته بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله - عز وجل - .وقال السدي والكلبي : كان المشركون حين خرجوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين ففيه نزلت : " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " أي : إن تستنصروا فقد جاءكم النصر .وقال عكرمة : قال المشركون والله لا نعرف ما جاء به محمد فافتح بيننا وبينه بالحق ، فأنزل الله - عز وجل - : " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " أي : إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء .وقال أبي بن كعب : هذا خطاب لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال الله تعالى للمسلمين : " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " أي : إن تستنصروا فقد جاءكم الفتح والنصر .أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد ، ثنا عبد الرحيم بن منيب ، ثنا الفضل بن موسى ، ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن خباب رضي الله عنه قال : شكونا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة ، فقلنا : ألا تدعو الله لنا ، ألا تستنصر لنا؟ فجلس محمارا لونه أو وجهه فقال لنا : قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل ، ويحفر له في الأرض ثم يجاء بالمنشار فيجعل فوق رأسه ثم يجعل بفرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم وعصب ، وما يصرفه عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب منكم من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله ، ولكنكم تعجلون " .قوله : ( وإن تنتهوا ) يقول للكفار ، إن تنتهوا عن الكفر بالله وقتال نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، ( فهو خير لكم وإن تعودوا ) لحربه وقتاله ، ( نعد ) بمثل الواقعة التي وقعت بكم يوم بدر . وقيل: وإن تعودوا إلى الدعاء والاستفتاح نعد للفتح لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، ( ولن تغني عنكم فئتكم ) جماعتكم ، ( شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين ) قرأ أهل المدينة وابن عامر وحفص " وأن الله " بفتح الهمزة ، أي : ولأن الله مع المؤمنين ، كذلك " لن تغني عنكم فئتكم شيئا " ، وقيل: هو عطف على قوله : " ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين " ، وقرأ الآخرون : " وإن الله " بكسر الألف على الابتداء .
قوله تعالى : ( إن شر الدواب عند الله ) أي : شر من دب على وجه الأرض من خلق الله ( الصم البكم ) عن الحق فلا يسمعونه ولا يقولونه ، ( الذين لا يعقلون ) أمر الله - عز وجل - ، سماهم دوابا لقلة انتفاعهم بعقولهم ، كما قال تعالى : " أولئك كالأنعام بل هم أضل " ، ( الأعراف - 179 ) قال ابن عباس : هم نفر من بني عبد الدار بن قصي ، كانوا يقولون : نحن صم بكم عمي عما جاء به محمد ، فقتلوا جميعا بأحد ، وكانوا أصحاب اللواء لم يسلم منهم إلا رجلان مصعب بن عمير وسويبط بن حرملة .
ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون
( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ) أي : لأسمعهم سماع التفهم والقبول ، ( ولو أسمعهم ) بعد أن علم أن لا خير فيهم ما انتفعوا بذلك ، ( لتولوا وهم معرضون ) لعنادهم وجحودهم الحق بعد ظهوره . وقيل: إنهم كانوا يقولون للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أحي لنا قصيا فإنه كان شيخا مباركا حتى يشهد لك بالنبوة فنؤمن بك ، فقال الله - عز وجل - : " ولو أسمعهم " كلام قصي " لتولوا وهم معرضون " .
يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون
قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول ) يقول أجيبوهما بالطاعة ، ( إذا دعاكم ) الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ( لما يحييكم ) أي : إلى ما يحييكم . قال السدي : هو الإيمان ، لأن الكافر ميت فيحيا بالإيمان .وقال قتادة : هو القرآن فيه الحياة وبه النجاة والعصمة في الدارين .وقال مجاهد : هو الحق .وقال ابن إسحاق : هو الجهاد أعزكم الله به بعد الذل .وقال القتيبي : بل الشهادة قال الله تعالى في الشهداء : " بل أحياء عند ربهم يرزقون " ( آل عمران 169 ) .وروينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على أبي بن كعب ، رضي الله عنه ، وهو يصلي ، فدعاه فعجل أبي في صلاته ، ثم جاء فقال رسول الله : " ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ قال : كنت في الصلاة ، قال : أليس يقول الله - عز وجل - : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) ؟ فقال : لا جرم يا رسول الله لا تدعوني إلا أجبت وإن كنت مصليا " .قوله تعالى : ( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) قال سعيد بن جبير وعطاء : يحول بين المؤمن والكفر ، وبين الكافر والإيمان .وقال الضحاك : يحول بين الكافر والطاعة ، ويحول بين المؤمن والمعصية .وقال مجاهد : يحول بين المرء وقلبه فلا يعقل ولا يدري ما يعمل .وقال السدي : يحول بين الإنسان وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه .وقيل: هو أن القوم لما دعوا إلى القتال في حالة الضعف ساءت ظنونهم واختلجت صدورهم فقيل لهم : قاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه فيبدل الخوف أمنا والجبن جرأة . ( وأنه إليه تحشرون ) فيجزيكم بأعمالكم .أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنا محمد بن حماد ، ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله يكثر أن يقول : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " ، قالوا : يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال : " القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها " .
واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب
( واتقوا فتنة ) اختبارا وبلاء ( لا تصيبن ) قوله : " لا تصيبن " ليس بجزاء محض ، ولو كان جزاء لم تدخل فيه النون ، لكنه نفي وفيه طرف من الجزاء كقوله تعالى : " يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده " ( النمل - 18 ) وتقديره واتقوا فتنة إن لم تتقوها أصابتكم ، فهو كقول القائل : انزل عن الدابة لا تطرحنك ، فهذا جواب الأمر بلفظ النهي ، معناه إن تنزل لا تطرحك .قال المفسرون : نزلت هذه الآية في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعناه : اتقوا فتنة تصيب الظالم وغير الظالم .قال الحسن : نزلت في علي وعمار وطلحة والزبير رضي الله عنهم . قال الزبير : لقد قرأنا هذه الآية زمانا وما أرانا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها ، يعني ما كان يوم الجمل .وقال السدي ومقاتل والضحاك وقتادة : هذا في قوم مخصوصين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصابتهم الفتنة يوم الجمل .وقال ابن عباس : أمر الله - عز وجل - المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بعذاب يصيب الظالم وغير الظالم .أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنا أبو طاهر الحارثي ، أنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنا عبد الله بن محمود ، أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، ثنا عبد الله بن المبارك ، عن سيف بن أبي سليمان ، قال : سمعت عدي بن عدي الكندي يقول : حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه ، فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة " . وقال ابن زيد : أراد بالفتنة افتراق الكلمة ومخالفة بعضهم بعضا .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، من تشرف لها تستشرفه ، فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به " .قوله ( لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) يعني : العذاب ، ( واعلموا أن الله شديد العقاب )