ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون
( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ) أي : لأسمعهم سماع التفهم والقبول ، ( ولو أسمعهم ) بعد أن علم أن لا خير فيهم ما انتفعوا بذلك ، ( لتولوا وهم معرضون ) لعنادهم وجحودهم الحق بعد ظهوره . وقيل: إنهم كانوا يقولون للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أحي لنا قصيا فإنه كان شيخا مباركا حتى يشهد لك بالنبوة فنؤمن بك ، فقال الله - عز وجل - : " ولو أسمعهم " كلام قصي " لتولوا وهم معرضون " .
يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون
قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول ) يقول أجيبوهما بالطاعة ، ( إذا دعاكم ) الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ( لما يحييكم ) أي : إلى ما يحييكم . قال السدي : هو الإيمان ، لأن الكافر ميت فيحيا بالإيمان .وقال قتادة : هو القرآن فيه الحياة وبه النجاة والعصمة في الدارين .وقال مجاهد : هو الحق .وقال ابن إسحاق : هو الجهاد أعزكم الله به بعد الذل .وقال القتيبي : بل الشهادة قال الله تعالى في الشهداء : " بل أحياء عند ربهم يرزقون " ( آل عمران 169 ) .وروينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على أبي بن كعب ، رضي الله عنه ، وهو يصلي ، فدعاه فعجل أبي في صلاته ، ثم جاء فقال رسول الله : " ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ قال : كنت في الصلاة ، قال : أليس يقول الله - عز وجل - : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) ؟ فقال : لا جرم يا رسول الله لا تدعوني إلا أجبت وإن كنت مصليا " .قوله تعالى : ( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) قال سعيد بن جبير وعطاء : يحول بين المؤمن والكفر ، وبين الكافر والإيمان .وقال الضحاك : يحول بين الكافر والطاعة ، ويحول بين المؤمن والمعصية .وقال مجاهد : يحول بين المرء وقلبه فلا يعقل ولا يدري ما يعمل .وقال السدي : يحول بين الإنسان وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه .وقيل: هو أن القوم لما دعوا إلى القتال في حالة الضعف ساءت ظنونهم واختلجت صدورهم فقيل لهم : قاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه فيبدل الخوف أمنا والجبن جرأة . ( وأنه إليه تحشرون ) فيجزيكم بأعمالكم .أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنا محمد بن حماد ، ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله يكثر أن يقول : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " ، قالوا : يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال : " القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها " .
واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب
( واتقوا فتنة ) اختبارا وبلاء ( لا تصيبن ) قوله : " لا تصيبن " ليس بجزاء محض ، ولو كان جزاء لم تدخل فيه النون ، لكنه نفي وفيه طرف من الجزاء كقوله تعالى : " يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده " ( النمل - 18 ) وتقديره واتقوا فتنة إن لم تتقوها أصابتكم ، فهو كقول القائل : انزل عن الدابة لا تطرحنك ، فهذا جواب الأمر بلفظ النهي ، معناه إن تنزل لا تطرحك .قال المفسرون : نزلت هذه الآية في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعناه : اتقوا فتنة تصيب الظالم وغير الظالم .قال الحسن : نزلت في علي وعمار وطلحة والزبير رضي الله عنهم . قال الزبير : لقد قرأنا هذه الآية زمانا وما أرانا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها ، يعني ما كان يوم الجمل .وقال السدي ومقاتل والضحاك وقتادة : هذا في قوم مخصوصين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصابتهم الفتنة يوم الجمل .وقال ابن عباس : أمر الله - عز وجل - المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بعذاب يصيب الظالم وغير الظالم .أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنا أبو طاهر الحارثي ، أنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنا عبد الله بن محمود ، أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، ثنا عبد الله بن المبارك ، عن سيف بن أبي سليمان ، قال : سمعت عدي بن عدي الكندي يقول : حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه ، فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة " . وقال ابن زيد : أراد بالفتنة افتراق الكلمة ومخالفة بعضهم بعضا .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، من تشرف لها تستشرفه ، فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به " .قوله ( لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) يعني : العذاب ، ( واعلموا أن الله شديد العقاب )
يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون
يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ) قال السدي : كانوا يسمعون الشيء من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيفشونه ، حتى يبلغ المشركين .وقال الزهري والكلبي : نزلت الآية في أبي لبابة ، هارون بن عبد المنذر الأنصاري ، من بني عوف بن مالك ، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاصر يهود قريظة إحدى وعشرين ليلة ، فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلح على ما صالح عليه إخوانهم من بني النضير ، على أن يسيروا إلى إخوانهم إلى أذرعات وأريحاء من أرض الشام ، فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعطيهم ذلك إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فأبوا وقالوا : أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر ، وكان مناصحا لهم ، لأن ماله وولده وعياله كانت عندهم ، فبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وآتاهم ، فقالوا له : يا أبا لبابة ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار أبو لبابة بيده على حلقه أنه الذبح ، فلا تفعلوا ، قال أبو لبابة : والله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله ثم انطلق على وجهه ولم يأت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشد نفسه على سارية من سواري المسجد وقال : والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله علي فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبره قال : أما لو جاءني لاستغفرت له فأما إذا فعل ما فعل فإني لا أطلقه حتى يتوب الله عليه ، فمكث سبعة أيام ، لا يذوق طعاما ولا شرابا حتى خر مغشيا عليه ثم تاب الله عليه ، فقيل له : يا أبا لبابة قد تيب عليك ، فقال : لا والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يحلني ، فجاءه فحله بيده ، ثم قال أبو لبابة : يا رسول الله إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي كله ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يجزيك الثلث فتصدق به " ، فنزلت فيه " لا تخونوا الله والرسول " . ( وتخونوا أماناتكم ) أي : ولا تخونوا أماناتكم ( وأنتم تعلمون ) أنها أمانة . وقيل: وأنتم تعلمون أن ما فعلتم ، من الإشارة إلى الحلق ، خيانة .قال السدي : إذا خانوا الله والرسول فقد خانوا أماناتهم .وقال ابن عباس : لا تخونوا الله بترك فرائضه والرسول بترك سنته وتخونوا أمانتكم .قال ابن عباس : هي ما يخفى عن أعين الناس من فرائض الله ، والأعمال التي ائتمن الله عليها .قال قتادة : اعلموا أن دين الله أمانة فأدوا إلى الله - عز وجل - ما ائتمنكم عليه من فرائضه وحدوده ، ومن كانت عليه أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها .
واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم
( واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ) قيل: هذا أيضا في أبي لبابة ، وذلك أن أمواله وأولاده كانوا في بني قريظة ، فقال ما قال خوفا عليهم .وقيل: هذا في جميع الناس . أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي - إملاء - وأخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن الحسن الطوسي ، قالا حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفراييني أنا محمد بن محمد بن رزمويه حدثنا يحيى بن محمد بن غالب ، حدثنا يحيى بن يحيى ، حدثنا عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بصبي فقبله وقال : " أما إنهم مبخلة مجبنة وإنهم لمن ريحان الله - عز وجل - " .( وأن الله عنده أجر عظيم ) لمن نصح الله ورسوله وأدى أمانته .
يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم
قوله - عز وجل - : ( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله ) بطاعته وترك معصيته ، ( يجعل لكم فرقانا ) قال مجاهد : مخرجا في الدنيا والآخرة .وقال مقاتل بن حيان : مخرجا في الدين من الشبهات .وقال عكرمة : نجاة أي يفرق بينكم وبين ما تخافون .وقال الضحاك : بيانا . وقال ابن إسحاق : فصلا بين الحق والباطل يظهر الله به حقكم ويطفئ باطل من خالفكم . والفرقان مصدر كالرجحان والنقصان . ( ويكفر عنكم سيئاتكم ) يمح عنكم ما سلف من ذنوبكم ، ( ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم )
وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
قوله تعالى : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ) هذه الآية معطوفة على قوله ( واذكروا إذ أنتم قليل ) واذكر إذ يمكر بك الذين كفروا ، وإذ قالوا اللهم ، لأن هذه السورة مدنية وهذا المكر والقول إنما كانا بمكة ، ولكن الله ذكرهم بالمدينة كقوله تعالى " إلا تنصروه فقد نصره الله " ( التوبة آية 40 ) وكان هذا المكر على ما ذكره ابن عباس وغيره من أهل التفسير :أن قريشا فرقوا لما أسلمت الأنصار أن يتفاقم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاجتمع نفر من كبارهم في دار الندوة ، ليتشاوروا في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكانت رءوسهم : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، وأبو سفيان ، وطعيمة بن عدي ، وشيبة بن ربيعة ، والنضر بن الحارث ، وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود ، وحكيم بن حزام ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وأمية بن خلف ، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ ، فلما رأوه قالوا : من أنت؟ قال : شيخ من نجد ، سمعت باجتماعكم ، فأردت أن أحضركم ، ولن تعدموا مني رأيا ونصحا ، قالوا : ادخل فدخل ، فقال أبو البختري : أما أنا فأرى أن تأخذوا محمدا وتحبسوه في بيت ، وتشدوا وثاقه ، وتسدوا باب البيت غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه ، وتتربصوا به ريب المنون حتى يهلك فيه ، كما هلك من كان قبله من الشعراء . قال : فصرخ عدو الله الشيخ النجدي وقال : بئس الرأي رأيتم والله لئن حبستموه في بيت فخرج أمره من وراء الباب الذي غلقتم دونه إلى أصحابه فيوشك أن يثبوا عليكم ويقاتلوكم ويأخذوه من أيديكم ، قالوا : صدق الشيخ ، فقال هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي : أما أنا فأرى أن تحملوه على بعير تخرجوه من أظهركم فلا يضركم ما صنع ولا أين وقع إذا غاب عنكم واسترحتم منه ، فقال إبليس : ما هذا لكم برأي تعتمدون عليه ، تعمدون إلى رجل قد أفسد أحلامكم فتخرجونه إلى غيركم فيفسدهم ألم تروا إلى حلاوة منطقه وحلاوة لسانه وأخذ القلوب بما تسمع من حديثه؟ والله لئن فعلتم ذلك ليذهبن وليستميل قلوب قوم ثم يسير بهم إليكم فيخرجكم من بلادكم ، قالوا : صدق الشيخ : فقال أبو جهل والله لأشيرن عليكم برأي ما أرى غيره إني أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش شابا نسيبا وسيطا فتيا ثم يعطى كل فتى منهم سيفا صارما ، ثم يضربوه ضربة رجل واحد ، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها ولا أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها ، وأنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل فتؤدي قريش ديته ، فقال إبليس : صدق هذا الفتى ، وهو أجودكم رأيا ، القول ما قال لا أرى رأيا غيره فتفرقوا على قول أبي جهل وهم مجمعون له . فأتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بذلك وأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه ، وأذن الله له عند ذلك بالخروج إلى المدينة ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب أن ينام في مضجعه وقال له : تسيح ببردتي هذه فإنه لن يخلص إليك منهم أمر تكرهه ، ثم خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ قبضة من تراب فأخذ الله أبصارهم عنه فجعل ينثر التراب على رءوسهم وهو يقرأ : " إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا " إلى قوله " فهم لا يبصرون ( سورة يس 8 - 9 ) ومضى إلى الغار من ثور هو وأبو بكر ، وخلف عليا بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي قبلها وكانت الودائع تودع عنده - صلى الله عليه وسلم - لصدقه وأمانته ، وبات المشركون يحرسون عليا في فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحسبون أنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أصبحوا ثاروا إليه فرأوا عليا رضي الله عنه ، فقالوا : أين صاحبك؟ قال : لا أدري ، فاقتصوا أثره وأرسلوا في طلبه فلما بلغوا الغار رأوا على بابه نسج العنكبوت ، فقالوا : لو دخله لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاثا ، ثم قدم المدينة ، ذلك قوله تعالى : " وإذ يمكر بك الذين كفروا " .( ليثبتوك ) ليحبسوك ويسجنوك ويوثقوك ، ( أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله ) قال الضحاك : يصنعون ويصنع الله ، والمكر التدبير وهو من الله التدبير بالحق . وقيل: يجازيهم جزاء المكر ( والله خير الماكرين )
وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم
قوله تعالى : ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ) الآية نزلت في النضر بن الحارث من بني عبد الدار .قال ابن عباس : لما قص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شأن القرون الماضية ، قال النضر : لو شئت لقلت مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين - أي : ما هذا إلا ما سطره الأولون في كتبهم - فقال له عثمان بن مظعون رضي الله عنه : اتق الله فإن محمدا يقول الحق ، قال : فأنا أقول الحق ، قال عثمان : فإن محمدا يقول لا إله إلا الله ، قال : وأنا أقول : لا إله إلا الله ، ولكن هذه بنات الله ، يعني الأصنام ، ثم قال : اللهم إن كان هذا الذي يقول محمد هو الحق من عندك - " والحق " نصب بخبر كان ، وهو عماد وصلة - ( فأمطر علينا حجارة من السماء ) كما أمطرتها على قوم لوط ، ( أو ائتنا بعذاب أليم ) أي : ببعض ما عذبت به الأمم ، وفيه نزل : " سأل سائل بعذاب واقع " . ( المعارج - 1 ) . .وقال عطاء : لقد نزل في النضر بن الحارث بضع عشرة آية فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر .قال سعيد بن جبير : قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر ثلاثة صبرا من قريش : طعيمة بن عدي وعقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث .وروى أنس رضي الله عنه أن الذي قاله أبو جهل .أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا محمد بن النضر ، ثنا عبيد الله بن معاذ ، ثنا أبي ، ثنا شعبة ، عن عبد الحميد صاحب الزيادي ، سمع أنس بن مالك قال : قال أبو جهل : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فنزلت :( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وما لهم ألا يعذبهم الله ) .
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون
قوله تعالى : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) اختلفوا في معنى هذه الآية ، فقال محمد بن إسحاق : هذا حكاية عن المشركين أنهم قالوها وهي متصلة بالآية الأولى ، وذلك أنهم كانوا يقولون : إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفره ، ولا يعذب أمة ونبيها معها ، فقال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - يذكر جهالتهم وغرتهم واستفتاحهم على أنفسهم : " وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك " الآية ، وقالوا " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ثم قال ردا عليهم : " وما لهم ألا يعذبهم الله " ؟ وإن كنت بين أظهرهم وإن كانوا يستغفرون " وهم يصدون عن المسجد الحرام " .وقال الآخرون : هذا كلام مستأنف يقول الله - عز وجل - إخبارا عن نفسه : " وما كان الله ليعذبهم " .واختلفوا في تأويلها ، فقال الضحاك وجماعة : تأويلها وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم مقيم بين أظهرهم ، قالوا : أنزلت هذه الآية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مقيم بمكة ، ثم خرج من بين أظهرهم وبقيت بها بقية من المسلمين يستغفرون ، فأنزل الله تعالى : " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، ثم خرج أولئك من بينهم فعذبوا ، وأذن الله في فتح مكة ، فهو العذاب الذي وعدهم .قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لم يعذب الله قرية حتى يخرج النبي منها والذين آمنوا ويلحق بحيث أمر . فقال : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " يعني المسلمين فلما خرجوا قال الله تعالى : " وما لهم ألا يعذبهم الله " ، فعذبهم الله يوم بدر .وقال أبو موسى الأشعري : كان فيكم أمانان " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " فأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد مضى والاستغفار كائن فيكم إلى يوم القيامة .وقال بعضهم : هذا الاستغفار راجع إلى المشركين وذلك أنهم كانوا يقولون بعد الطواف : غفرانك غفرانك .وقال يزيد بن رومان : قالت قريش إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، فلما أمسوا ندموا على ما قالوا ، فقالوا غفرانك اللهم ، فقال الله - عز وجل - " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " .وقال قتادة والسدي : معناه : وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ، أي : لو استغفروا ، ولكنهم لم يكونوا يستغفرون ، ولو أنهم أقروا بالذنب ، واستغفروا ، لكانوا مؤمنين .وقيل: هذا دعاء إلى الإسلام والاستغفار بهذه الكلمة ، كالرجل يقول لغيره لا أعاقبك وأنت تطيعني ، أي أطعني حتى لا أعاقبك .وقال مجاهد وعكرمة : وهم يستغفرون أي يسلمون . يقول : لو أسلموا لما عذبوا . وروى الوالبي عن ابن عباس : أي وفيهم من سبق له من الله أن يسلم ويؤمن ويستغفر وذلك مثل : أبي سفيان ، وصفوان بن أمية ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو ، وحكيم بن حزام وغيرهم .وروى عبد الوهاب عن مجاهد : وهم يستغفرون أي وفي أصلابهم من يستغفر .
وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون
قوله تعالى : ( وما لهم ألا يعذبهم الله ) أي : وما يمنعهم من أن يعذبوا ، يريد بعد خروجك من بينهم ، ( وهم يصدون عن المسجد الحرام ) أي : يمنعون المؤمنين من الطواف بالبيت .وقيل: أراد بالعذاب الأول عذاب الاستئصال ، وأراد بقوله " وما لهم ألا يعذبهم الله " أي : بالسيف .وقيل: أراد بالأول عذاب الدنيا ، وبهذه الآية عذاب الآخرة .وقال الحسن : الآية الأولى وهي قوله : " وما كان الله ليعذبهم " منسوخة بقوله تعالى : " وما لهم ألا يعذبهم الله " .( وما كانوا أولياءه ) قال الحسن : كان المشركون يقولون نحن أولياء المسجد الحرام ، فرد الله عليهم بقوله : " وما كانوا أولياءه " أي : أولياء البيت ، ( إن أولياؤه ) أي : ليس أولياء البيت ، ( إلا المتقون ) يعني : المؤمنين الذين يتقون الشرك ، ( ولكن أكثرهم لا يعلمون )