تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 270 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 270

270 : تفسير الصفحة رقم 270 من القرآن الكريم

** الّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السّلَمَ مَا كُنّا نَعْمَلُ مِن سُوَءٍ بَلَىَ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُوَاْ أَبْوَابَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبّرِينَ
يخبر تعالى عن حال المشركين الظالمين أنفسهم عند احتضارهم ومجيء الملائكة إليهم لقبض أرواحهم الخبيثة {فألقوا السلم} أي أظهروا السمع والطاعة والانقياد قائلين {ما كنا نعمل من سوء} كما يقولون يوم المعاد {والله ربنا ما كنا مشركين} {يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم} قال الله مكذباً لهم في قيلهم ذلك {بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون * فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين} أي بئس المقيل والمقام والمكان من دار هوان لمن كان متكبراً عن آيات الله واتباع رسله, وهم يدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم, وينال أجسادهم في قبورها من حرها وسمومها, فإذا كان يوم القيامة سلكت أرواحهم في أجسادهم وخلدت في نار جهنم {لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابه} كما قال الله تعالى: {النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}.

** وَقِيلَ لِلّذِينَ اتّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لّلّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الْدّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الاَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتّقِينَ * جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتّقِينَ * الّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
هذا خبر عن السعداء بخلاف ما أخبر به عن الأشقياء, فإن أولئك قيل لهم: {ماذا أنزل ربكم} قالوا معرضين عن الجواب: لم ينزل شيئاً إنما هذا أساطير الأولين, وهؤلاء قالوا: خيراً, أي أنزل خيراً, أي رحمة وبركة لمن اتبعه وآمن به. ثم أخبر عما وعد الله عباده فيما أنزله على رسله فقال: {للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة} الاَية, كقوله تعالى: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} أي من أحسن عمله في الدنيا أحسن الله إليه عمله في الدنيا والاَخرة, ثم أخبر بأن دار الاَخرة خير أي من الحياة الدنيا, والجزاء فيها أتم من الجزاء في الدنيا, كقوله: {وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير} الاَية. وقال تعالى: {وما عند الله خير للأبرار} وقال تعالى: {والاَخرة خير وأبقى} وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم {وللاَخرة خير لك من الأولى} ثم وصف الدار الاَخرة فقال: {ولنعم دار المتقين}.
وقوله: {جنات عدن} بدل من دار المتقين أي لهم في الاَخرة جنات عدن, أي مقام يدخلونها {تجري من تحتها الأنهار} أي بين أشجارها وقصورها {لهم فيها ما يشاءون} كقوله تعالى: {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون}. وفي الحديث «إن السحابة لتمر بالملأ من أهل الجنة وهم جلوس على شرابهم, فلا يشتهي أحد منهم شيئاً إلا أمطرته عليه حتى إن منهم لمن يقول أمطرينا كواعب أتراباً فيكون ذلك» {كذلك يجزي الله المتقين} أي كذلك يجزي الله كل من آمن به واتقاه وأحسن عمله, ثم أخبر تعالى عن حالهم عند الاحتضار أنهم طيبون أي مخلصون من الشرك والدنس وكل سوء, وأن الملائكة تسلم عليهم وتبشرهم بالجنة, كقوله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الاَخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلاً من غفور رحيم} وقد قدمنا الأحاديث الواردة في قبض روح المؤمن وروح الكافر عند قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاَخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء}.

** هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـَكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * فَأَصَابَهُمْ سَيّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
يقول تعالى مهدداً للمشركين على تماديهم في الباطل واغترارهم بالدنيا: هل ينتظر هؤلاء إلا الملائكة أن تأتيهم لقبض أرواحهم, قاله قتادة, {أو يأتي أمر ربك} أي يوم القيامة وما يعاينونه من الأهوال. وقوله: {كذلك فعل الذين من قبلهم} أي هكذا تمادى في شركهم أسلافهم ونظراؤهم وأشباههم من المشركين حتى ذاقوا بأس الله وحلوا فيما هم فيه من العذاب والنكال {وما ظلمهم الله} لأنه تعالى أعذر إليهم وأقام حججه عليهم بإرسال رسله وإنزال كتبه {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} أي بمخالفة الرسل والتكذيب بما جاءوا به, فلهذا أصابتهم عقوبة الله على ذلك {وحاق بهم} أي أحاط بهم من العذاب الأليم { ماكانوا به يستهزئون} أي يسخرون من الرسل إذا توعدوهم بعقاب الله, فلهذا يقال لهم يوم القيامة: {هذه النار التي كنتم بها تكذبون}.