تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 293 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 293

293 : تفسير الصفحة رقم 293 من القرآن الكريم

** وَبِالْحَقّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقّ نَزَلَ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ مُبَشّراً وَنَذِيراً * وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلَىَ مُكْثٍ وَنَزّلْنَاهُ تَنْزِيلاً
يقول تعالى مخبراً عن كتابه العزيز وهو القرآن المجيد أنه بالحق نزل, أي متضمناً للحق, كما قال تعالى: {ولكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون} أي متضمناً علم الله الذي أراد أن يطلعكم عليه من أحكامه وأمره ونهيه. وقوله {وبالحق نزل} أي ونزل إليك يا محمد محفوظاً محروساً لم يشب بغيره ولا زيد فيه ولا نقص منه, بل وصل إليك بالحق, فإنه نزل به شديد القوى الأمين المكين المطاع في الملأ الأعلى. وقوله: {وما أرسلناك} أي يا محمد {إلا مبشراً ونذير} مبشراً لمن أطاعك من المؤمنين ونذيراً لمن عصاك من الكافرين.
وقوله: {وقرآناً فرقناه} أما قراءة من قرأ بالتخفيف فمعناه فصلناه من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا, ثم نزل مفرقاً منجماً على الوقائع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة, قاله عكرمة عن ابن عباس وعن ابن عباس أيضاً أنه قرأ: فرقناه بالتشديد, أي أنزلناه آية آية مبيناً ومفسراً, ولهذا قال: {لتقرأه على الناس} أي لتبلغه الناس وتتلوه عليهم, أي {على مكث} أي مهل {ونزلناه تنزيل} أي شيئاً بعد شيء .

** قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوَاْ إِنّ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىَ عَلَيْهِمْ يَخِرّونَ لِلأذْقَانِ سُجّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {قل} يا محمد لهؤلاء الكافرين بما جئتهم به من هذا القرآن العظيم {آمنوا به أو لا تؤمنو} أي سواء آمنتم به أم لا, فهو حق في نفسه أنزله الله ونوه بذكره في سالف الأزمان في كتبه المنزلة على رسله, ولهذا قال: {إن الذين أوتوا العلم من قبله} أي من صالحي أهل الكتاب الذين تمسكوا بكتابهم ويقيمونه ولم يبدلوه ولا حرفوه {إذا يتلى عليهم} هذا القرآن {يخرون للأذقان} جمع ذقن وهو أسفل الوجه {سجد} أي لله عز وجل شكراً على ما أنعم به عليهم من جعله إياهم أهلاً أن أدركوا هذا الرسول الذي أنزل عليه هذا الكتاب, ولهذا يقولون {سبحان ربن} أي تعظيماً وتوقيراً على قدرته التامة وأنه لا يخلف الميعاد الذي وعدهم على ألسنة الأنبياء المتقدمين عن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا قالوا {سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعول}. وقوله: {ويخرون للأذقان يبكون} أي خضوعاً لله عز وجل وإيماناً وتصديقاً بكتابه ورسوله {ويزيدهم خشوع} اي إيماناً وتسليماً, كما قال: {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}. وقوله: {ويخرون} عطف صفة على صفة لا عطف السجود على السجود, كما قال الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهماموليث الكتيبة في المزدحم


** قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرّحْمَـَنَ أَيّاً مّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسْمَآءَ الْحُسْنَىَ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَمْ يَتّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لّهُ وَلِيّ مّنَ الذّلّ وَكَبّرْهُ تَكْبِيراً
يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المنكرين صفة الرحمة لله عز وجل, المانعين من تسميته بالرحمن {ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّاًما تدعوا فله الأسماء الحسنى} أي لا فرق بين دعائكم له باسم الله أو باسم الرحمن, فإنه ذو الأسماء الحسنى, كما قال تعالى: {هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم ـ إلى أن قال ـ له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض} الاَية, وقد روى مكحول أن رجلاً من المشركين سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول في سجوده: «يا رحمن يا رحيم» فقال: إنه يزعم أنه يدعو واحداً وهو يدعو اثنين, فأنزل الله هذه الاَية, وكذا روي عن ابن عباس, رواهما ابن جرير.
وقوله: {ولا تجهر بصلاتك} الاَية قال الإمام أحمد: حدثنا هشيم, حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نزلت هذه الاَية ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوارٍ بمكة, {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت به} قال: كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن, فلما سمع ذلك المشركون سبوا القرآن وسبوا من أنزله ومن جاء به, قال: فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ولا تجهر بصلاتك} أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبون القرآن {ولا تخافت به} عن أصحابك, فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك {وابتغ بين ذلك سبيل} أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي بشر جعفر بن إياس به, وكذا رواه الضحاك عن ابن عباس, وزاد: فلما هاجر إلى المدينة سقط ذلك يفعل أي ذلك شاء.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهويصلي تفرقوا عنه وأبوا أن يسمعوا منه, وكان الرجل إذا أراد أن يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلو وهو يصلي استرق السمع دونهم فرقاً منهم, فإذا رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم فلم يسمع, فإن خفض صوته صلى الله عليه وسلم لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئاً, فأنزل الله {ولا تجهر بصلاتك} فيتفرقوا عنك {ولا تخافت به} فلا يسمع من أراد أن يسمع ممن يسترق ذلك منهم فلعله يرعوي إلى بعض ما يسمع فينتفع به, {وابتغ بين ذلك سبيل} وهكذا قال عكرمة والحسن البصري وقتادة: نزلت هذه الاَية في القراءة في الصلاة, وقال شعبة عن الأشعث بن أبي سليم عن الأسود بن هلال عن ابن مسعود لم يخافت بها من أسمع أذنيه.
قال ابن جرير: حدثنا يعقوب, حدثنا ابن علية عن سلمى بن علقمة عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ خفض صوته وأن عمر كان يرفع صوته, فقيل لأبي بكر: لم تصنع هذا ؟ قال: أناجي ربي عز وجل وقد علم حاجتي, فقيل: أحسنت. وقيل لعمر: لم تصنع هذا ؟ قال: أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان, قيل: أحسنت, فلما نزلت {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيل} قيل لأبي بكر: ارفع شيئاً, وقيل لعمر: اخفض شيئاً, وقال أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس: نزلت في الدعاء, وهكذا روى الثوري ومالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها نزلت في الدعاء, وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو عياض ومكحول وعروة بن الزبير. وقال الثوري عن ابن عياش العامري عن عبد الله بن شداد قال: كان أعرابي من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم ارزقنا إبلاً وولداً» قال: فنزلت هذه الاَية {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت به}.
(قول آخر) قال ابن جرير: حدثنا أبو السائب, حدثنا حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: نزلت هذه الاَية في التشهد {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت به}, وبه قال حفص عن أشعث بن سوار عن محمد بن سيرين مثله.
(قول آخر) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت به} قال: لا تصل مراءاة للناس ولا تدعها مخافة الناس. وقال الثوري عن منصور عن الحسن البصري {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت به} قال: لا تحسن علانيتها وتسيء سريرتها, وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن الحسن به, وهشيم عن عوف عنه به, وسعيد عن قتادة عنه كذلك.
(قول آخر) قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {وابتغ بين ذلك سبيل} قال: أهل الكتاب يخافتون ثم يجهر أحدهم بالحرف, فيصيح به ويصيحون هم به وراءه, فنهاه أن يصيح كما يصيح هؤلاء, وأن يخافت كما يخافت القوم, ثم كان السبيل الذي بين ذلك الذي سن له جبريل من الصلاة.
وقوله: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولد} لما أثبت تعالى لنفسه الكريمة الأسماء الحسنى نزه نفسه عن النقائض فقال: {وقل الحمد لله الذي لن يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك} بل هو الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد {ولم يكن له ولي من الذل} أي ليس بذليل فيحتاج إلى أن يكون له ولي أو وزير أو مشير, بل هو تعالى خالق الأشياء وحده لا شريك له, ومدبرها ومقدرها وحده لا شريك له. قال مجاهد في قوله: {ولم يكن ولي من الذل} لم يحالف أحدً ولم يبتغ نصر أحد {وكبره تكبير} أى عظمه وأجلّه عما يقول الظالمون المعتدون علواً كبيراً.
قال ابن جرير: حدثني يونس, أنبأنا ابن وهب, أخبرني أبو صخر عن القرظي أنه كان يقول في هذه الاَية {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولد} الاَية, قال إن اليهود والنصارى يقولون اتخذ الله ولداً, وقالت العرب: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك وقال الصابئون والمجوس: لولا أولياء الله لذل, فأنزل الله هذه الاَية {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبير} وقال أيضاً: حدثنا بشر, حدثنا يزيد, حدثنا سعيد عن قتادة ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أهله هذه الاَية {الحمد لله الذي لم يتخذ ولد} الاَية, الصغير من أهله والكبير. قلت وقد جاء في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى هذه الاَية آية العز, وفي بعض الاَثار أنها ما قرئت في بيت في ليلة فيصيبه سرق أو آفة, والله أعلم.
وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا بشر بن سيحان البصري, حدثنا حرب بن ميمون, حدثنا موسى بن عبيدة الزبيدي عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة قال: خرجت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ويده في يدي, أو يدي في يده, فأتى على رجل رث الهيئة فقال: «أي فلان ما بلغ بك ما أرى ؟» قال: السقم والضر يا رسول الله, قال: «ألا أعلمك كلمات تذهب عنك السقم والضر ؟» قال: لا, قال: ما يسرني بها أن شهدت معك بدراً أو أحداً, قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «وهل يدرك أهل بدر وأهل أحد ما يدرك الفقير القانع ؟» قال: فقال أبو هريرة: يا رسول الله إياي فعلمني, قال: «فقل يا أبا هريرة توكلت على الحي الذي لا يموت, الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً, ولم يكن له شريك في الملك, ولم يكن له ولي من الذل, وكبره تكبيراً» قال: فأتى علي رسول الله وقد حسنت حالي قال: فقال لي «مهيم» قال: قلت يا رسول الله لم أزل أقول الكلمات التي علمتني», إسناده ضعيف, وفي متنه نكارة, والله أعلم. آخر تفسير سورة سبحان. و لله الحمد والمنة.

سورة الكهف

وهي مكية
(ذكر ما ورد في فضلها والعشر الاَيات من أولها وآخرها وأنها عصمة من الدجال)
قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول: قرأ رجل الكهف وفي الدار دابة, فجعلت تنفر, فنظر فإذا ضبابة أو سحابة قد غشيته, فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اقرأ فلان, فإنها السكينة تنزل عند القرآن أو تنزلت للقرآن» أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة به, وهذا الرجل الذي كان يتلوها هو أسيد بن الحضير كما تقدم في تفسير سورة البقرة. وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, أخبرنا هشام بن يحيى عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد, عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال» رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي من حديث قتادة به, ولفظ الترمذي «من حفظ ثلاث آيات من أول الكهف» وقال: حسن صحيح.
(طريق أخرى) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج, حدثنا شعبة عن قتادة, سمعت سالم بن أبي الجعد يحدث عن معدان عن أبي الدرداء, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال» فيحتمل أن سالماً سمعه من ثوبان ومن أبي الدرداء. وقال أحمد: حدثنا حسين, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا زبان بن فايد عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني, عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قرأ أول سورة الكهف وآخرها, كانت له نوراً من قدمه إلى رأسه, ومن قرأها كلها كانت له نوراً ما بين السماء والأرض» انفرد به أحمد ولم يخرجوه, وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره بإسناد له غريب عن خالد بن سعيد بن أبي مريم, عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين» وهذا الحديث في رفعه نظر, وأحسن أحواله الوقف.
وهكذا روى الإمام سعيد بن منصور في سننه عن هشيم بن بشير عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق. هكذا وقع موقوفاً, وكذا رواه الثوري عن أبي هاشم به من حديث أبي سعيد الخدري وقد أخرجه الحاكم في مستدركه عن أبي بكر محمد بن المؤمل, حدثنا الفضيل بن محمد الشعراني, حدثنا نعيم بن حماد, حدثنا هشيم, حدثنا أبو هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد, عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين الجمعتين» ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد, ولم يخرجاه, وهكذا رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في سننه عن الحاكم, ثم قال البيهقي: ورواه يحيى بن كثير عن شعبة عن أبي هاشم بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة الكهف كما نزلت, كانت له نوراً يوم القيامة» وفي المختارة للحافظ الضياء المقدسي من حديث عبد الله بن مصعب عن منظور بن زيد بن خالد الجهني, عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي مرفوعاً: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة, فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة, وإن خرج الدجال عصم منه.

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ

** الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَنْزَلَ عَلَىَ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لّهُ عِوَجَا * قَيّماً لّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مّن لّدُنْهُ وَيُبَشّرَ الْمُؤْمِنِينَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً * مّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً * وَيُنْذِرَ الّذِينَ قَالُواْ اتّخَذَ اللّهُ وَلَداً * مّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لاَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاّ كَذِباً
قد تقدم في أول التفسير أنه تعالى يحمد نفسه المقدسة عند فواتح الأمور وخواتمها, فإنه المحمود على كل حال, وله الحمد في الأولى والاَخرة, ولهذا حمد نفسه على إنزاله كتابه العزيز على رسوله الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه, فإنه أعظم نعمة أنعمها الله على أهل الأرض إذ أخرجهم به من الظلمات إلى النور حيث جعله كتاباً مستقيماً لا اعوجاج فيه ولا زيغ, بل يهدي إلى صراط مستقيم واضحاً بيناً جلياً نذيراً للكافرين, بشيراً للمؤمنين, ولهذا قال: {ولم يجعل له عوج} أي لم يجعل فيه اعوجاجاً ولا ميلاً, بل جعله معتدلاً مستقيماً ولهذا قال: {قيم} أي مستقيما {لينذر بأساً شديداً من لدنه} أي لمن خالفه وكذبه ولم يؤمن به ينذره بأساً شديداً عقوبة عاجلة في الدنيا وآجلة في الأخرى {من لدنه} أي من عند الله الذي لا يعذب عذابه أحد, ولا يوثق وثاقه أحد {ويبشر المؤمنين} أي بهذا القرآن الذين صدقوا إيمانهم بالعمل الصالح {أن لهم أجراً حسن} أي مثوبة عند الله جميلة {ماكثين فيه} في ثوابهم عند الله, وهو الجنة خالدين فيه {أبد} دائماً لا زوال له ولا انقضاء.
وقوله: {وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولد} قال ابن إسحاق: وهم مشركو العرب في قولهم نحن نعبد الملائكة وهم بنات الله {مالهم به من علم} أي بهذا القول الذي افتروه وائتفكوه {ولا لاَبائهم} أي لأسلافهم {كبرت كلمة} نصب على التمييز تقديره كبرت كلمتهم هذه كلمةً. وقيل: على التعجب تقديره أعظم بكلمتهم كلمة, كما تقول: أكرم بزيد رجلاً, قاله بعض البصريين, وقرأ ذلك بعض قراء مكة: كبرت كلمة, كما يقال عظم قولك وكبر شأنك, والمعنى على قراءة الجمهور أظهر, فإن هذا تبشيع لمقالتهم واستعظام لإفكهم, ولهذا قال: {كبرت كلمة تخرج من أفواههم} أي ليس لها مستند سوى قولهم, ولا دليل لهم عليها إلا كذبهم وافتراؤهم, ولهذا قال: {إن يقولون إلا كذب} وقد ذكر محمد بن إسحاق سبب نزول هذه السورة الكريمة, فقال: حدثني شيخ من أهل مصر قدم علينا منذ بضع وأربعين سنة عن عكرمة عن ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة, فقالوا لهم: سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله, فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء, فخرجا حتى أتيا المدينة فسألوا أحبار اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ووصفوا لهم أمره وبعض قوله, وقالا: إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا, قال: فقالوا لهم سلوه عن ثلاث نأمركم بهن, فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل, وإلا فرجل متقول فتروا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم, فإنهم قد كان لهم حديث عجيب ؟ وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه, وسلوه عن الروح ما هو ؟ فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه, وإن لم يخبركم فإنه رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم, فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد, قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور فأخبروهم بها, فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا, فسألوه عما أمروهم به, فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخبركم غدا عما سألتم عنه» ولم يستثن فانصرفوا عنه ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة)ليلة لا يحدث الله له في ذلك وحياً, ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غداً, واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها, لا يخبرنا بشيء عما سألناه عنه وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة, ثم جاءه جبرائيل عليه السلام من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف, فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف, وقول الله عز وجل {ويسألونك عن الروح ؟ قل الروح} الاَية.