تفسير الطبري تفسير الصفحة 293 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 293
294
292
 الآية : 105 و106
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَبِالْحَقّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقّ نَزَلَ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ مُبَشّراً وَنَذِيراً * وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلَىَ مُكْثٍ وَنَزّلْنَاهُ تَنْزِيلاً }.
يقول تعالـى ذكره: وبـالـحقّ أنزلنا هذا القرآن: يقول: أنزلناه نأمر فـيه بـالعدل والإنصاف والأخلاق الـجميـلة، والأمور الـمستـحسنة الـحميدة، وننهى فـيه عن الظلـم والأمور القبـيحة، والأخلاق الردية، والأفعال الذّميـمة وبـالـحَقّ نَزَلَ يقول: وبذلك نزل من عند الله علـى نبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم. وقوله: وَما أرْسَلْناكَ إلاّ مُبَشّرا وَنَذِيرا يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وما أرسلناك يا مـحمد إلـى من أرسلناك إلـيه من عبـادنا، إلا مبشرا بـالـجنّة من أطاعنا، فـانتهى إلـى أمرنا ونَهْينا، ومنذرا لـمن عصانا وخالف أمرنا ونهينَا. وَقُرآنا فَرَقْناهُ لَتَقْرأَهُ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار فَرَقْناهُ بتـخفـيف الراء من فرقناه، بـمعنى: أحكمناه وفصلناه وبـيناه. وذُكر عن ابن عبـاس، أنه كان يقرؤه بتشديد الراء «فَرّقْناهُ» بـمعنى: نزّلناه شيئا بعد شيء، آية بعد آية، وقصة بعد قصة.
وأولـى القراءتـين بـالصواب عندنا، القراءة الأولـى، لأنها القراءة التـي علـيها الـحجة مـجمعة، ولا يجوز خلافها فـيـما كانت علـيه مـجمعة من أمر الدين والقرآن. فإذا كان ذلك أولـى القراءتـين بـالصواب، فتأويـل الكلام: وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا، وفصلناه قرآنا، وبـيّناه وأحكمناه، لتقرأه علـى الناس علـى مكث. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك من التأويـل، قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
17179ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: وَقُرآنا فَرَقْناهُ يقول: فصلناه.
17180ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر، عن أبـي الربـيع عن أبـي العالـية، عن أبـيّ بن كعب أنه قرأ: وَقُرآنا فَرَقْناهُ مخففـا: يعنـي بـيناه.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس وَقُرآنا فَرَقْناهُ قال: فصلناه.
17181ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا بدل بن الـمـحبر، قال: حدثنا عبـاد، يعنـي ابن راشد، عن داود، عن الـحسن أنه قرأ: وَقُرآنا فَرَقْناهُ خفّفها: فرق الله بـين الـحقّ والبـاطل.
وأما الذين قرأوا القراءة الأخرى، فإنهم تأوّلوا ما قد ذكرت من التأويـل. ذكر من قال ما حكيت من التأويـل عن قارىء ذلك كذلك:
17182ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية، قال: كان ابن عبـاس يقرؤها: «وَقُرآنا فَرّقْناهُ» مثقلة، يقول: أنزل آية آية.
17183ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلـى السماء الدنـيا فـي لـيـلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك فـي عشرين سنة، قال: وَلا يَأْتُونَكَ بِـمثَلٍ إلاّ جِئْناكَ بـالـحَقّ وأحْسَنَ تَفْسِيرا، «وَقُرآنا فَرّقْناهُ لِتَقْرأَهُ عَلـى النّاسِ علـى مُكْثٍ وَنَزّلْناهُ تَنْزِيلاً».
17184ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: «وَقُرآنا فَرّقْناهُ لِتَقْرأهُ عَلـى النّاسِ» لـم ينزل جميعا، وكان بـين أوّله وآخره نـحو من عشرين سنة.
17185ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: «وَقُرآنا فَرّقْناهُ» قال: فرّقه: لـم ينزله جميعه. وقرأ: وَقالَ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزّلَ عَلَـيْهِ القُرآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً حتـى بلغ وأحْسَنَ تَفْسِيرا يَنْقُض علـيهم ما يأتون به.
وكان بعض أهل العربـية من أهل الكوفة يقول: نصب قوله وَقُرآنا بـمعنى: ورحمة، ويتأوّل ذلك: وَما أرسَلْناكَ إلاّ مُبَشّرَا وَنَذِيرا ورحمة، ويقول: جاز ذلك، لأن القرآن رحمة، ونصبه علـى الوجه الذي قلناه أولـى، وذلك كما قال جلّ ثناؤه: والقَمَرَ قَدّرْناهُ مَنازِلَ وقوله: لِتَقْرَأهُ عَلـى النّاسِ عَلـى مُكْثٍ يقول: لتقرأه علـى الناس علـى تُؤَدة، فترتله وتبـينه، ولا تعجل فـي تلاوته، فلا يفهم عنك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
17186ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن عبـيد الـمكُتِب، قال: قلت لـمـجاهد: رجل قرأ البقرة وآل عمران، وآخر قرأ البقرة، وركوعهما وسجودهما واحد، أيهما أفضل؟ قال: الذي قرأ البقرة، وقرأ: وَقُرآنا فَرَقْناه لِتَقْرَأَهُ عَلـى النّاسِ عَلـى مُكْثٍ.
17187ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: لِتَقْرَأهُ عَلـى النّاسِ عَلـى مُكْثٍ يقول: علـى تأيـيد.
17188ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: عَلـى مُكْثٍ قال: علـى ترتـيـل.
17189ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: لِتَقْرأَهُ علـى النّاسِ عَلـى مكث قال: فـي ترتـيـل.
17190ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: لِتَقْرَأَهُ عَلـى النّاسِ عَلـى مُكْثٍ قال: التفسير الذي قال الله وَرتّلِ القُرآنِ تَرْتـيلاً: تفسيره.
17191ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن عبـيد، عن مـجاهد، قوله: لِتَقْرَأَهُ عَلـى النّاسِ عَلـى مُكْثٍ علـى تؤدة.
وفـي الـمُكث للعرب لغات: مُكْث، ومَكْث، ومِكْث ومِكّيثـي مقصور، ومُكْثانا، والقراءة بضمّ الـميـم.
وقوله: وَنَزّلناهُ تَنْزِيلاً يقول تعالـى ذكره: فرقنا تنزيـله، وأنزلناه شيئا بعد شيء، كما:
17192ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا، عن أبـي رجاء، قال: تلا الـحسن: «وَقُرآنا فَرّقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلـى النّاسِ عَلـى مُكْثٍ وَنَزّلْناهُ تَنْزِيلاً» قال: كان الله تبـارك وتعالـى ينزل هذا القرآن بعضه قبل بعض لـما علـم أنه سيكون ويحدث فـي الناس، لقد ذكر لنا أنه كان بـين أوّله وآخره ثمانـي عشرة سنة، قال: فسألته يوما علـى سخطة، فقلت: يا أبـا سعيد «وَقُرآنا فَرّقْناهُ» فثقلها أبو رجاء، فقال الـحسن: لـيس فرّقناه، ولكن فرَقناه، فقرأ الـحسن مخففة. قلت: من يُحدثك هذا يا أبـا سعيد أصحاب مـحمد؟ قال: فمن يحدّثنـيه قال: أنزل علـيه بـمكة قبل أن يهاجر إلـى الـمدينة ثمانـي سنـين، وبـالـمدينة عشر سنـين.
17193ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَقُرآنا فَرَقْناهُ لِتَقْرَأهُ عَلـى النّاسِ عَلـى مُكْثٍ وَنَزّلْناهُ تَنْزِيلاً لـم ينزل فـي لـيـلة ولا لـيـلتـين، ولا شهر ولا شهرين، ولا سنة ولا سنتـين، ولكن كان بـين أوّله وآخره عشرون سنة، وما شاء الله من ذلك.
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن، قال: كان يقول: أنزل علـى نبـيّ الله القرآن ثمانـي سنـين، وعشرا بعد ما هاجر. وكان قتادة يقول: عشرا بـمكة، وعشرا بـالـمدينة.

الآية : 107 و108
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوَاْ إِنّ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىَ عَلَيْهِمْ يَخِرّونَ لِلأذْقَانِ سُجّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد لهؤلاء القائلـين لك لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حتـى تُفَجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعا: آمنوا بهذا القرآن الذي لو اجتـمعت الإنس والـجنّ علـى أن يأتوا بـمثله، لـم يأتوا به ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، أو لا تؤمنوا به، فإن إيـمانكم به لن يزيد فـي خزائن رحمة الله ولا ترككم الإيـمان به يُنقص ذلك. وإن تكفروا به، فإن الذين أوتوا العلـم بـالله وآياته من قبل نزوله من مؤمنـي أهل الكتابـين، إذا يتلـى علـيهم هذا القرآن يخرّون تعظيـما له وتكريـما، وعلـما منهم بأنه من عند الله، لأذقانهم سجدا بـالأرض.
واختلف أهل التأويـل فـي الذي عُنِـي بقوله يَخِرّونَ للأَذْقانِ فقال بعضهم: عُنِـي به: الوجوه. ذكر من قال ذلك:
17194ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: يخِرّونَ للأَذْقانِ سُجّدا يقول: للوجوه.
17195ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة يَخِرّونَ للأَذْقانِ سُجّدا قال للوجوه.
حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.
وقال آخرون: بل عُنِـيَ بذلك اللّـحَى. ذكر من قال ذلك:
17196ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال الـحسن فـي قوله: يَخِرّونَ للأَذْقانِ قال: اللّـحَى.
وقوله: سُبْحانَ رَبّنا إنُ كانَ وَعْدُ رَبّنا لَـمَفْعُولاً يقول جلّ ثناؤه: ويقول هؤلاء الذين أوتوا العلـم من قبل نزول هذا القرآن، إذ خرّوا للأذقان سجودا عند سماعهم القرآن يُتْلـى علـيهم: تنزيها لربنا وتبرئه له مـما يضيف إلـيه الـمشركون به، ما كان وعد ربنا من ثواب وعقاب، إلا مفعولاً حقا يقـينا، إيـمان بـالقرآن وتصديق به. والأذقان فـي كلام العرب: جمع ذَقَن وهو مـجمع اللّـحيـين، وإذ كان ذلك كذلك، فـالذي قال الـحسن فـي ذلك أشبه بظاهر التنزيـل. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل علـى اختلاف منهم فـي الذين عنوا بقوله أُوتُوا العِلْـمَ وفـي يُتْلَـى عَلِـيْهم. ذكر من قال ذلك:
17197ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مـجاهد: الّذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ مِنْ قَبْلِهِ... إلـى قوله خُشُوعا قال: هم ناس من أهل الكتاب حين سمعوا ما أنزل الله علـى مـحمد قالُوا سُبْحانَ رَبّنا إنْ كانَ وَعْدُ رَبّنا لَـمَفْعُولاً.
17198ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: قُلْ آمِنوا بِهِ أوْ لا تُؤْمِنُوا إنّ الّذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ مِنْ قَبْلِهِ من قبل النبـيّ صلى الله عليه وسلم إذَا يُتْلَـى عَلَـيهِمْ ما أنزل إلـيهم من عند الله يَخِرّونَ للأَذْقانِ سُجّدا وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبّنا إنْ كانَ وَعْدُ رَبّنا لَـمَفْعولاً.
وقال آخرون: عُنِـي بقوله: الّذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ مِنْ قَبْلِهِ (القرآن الذي أُنزل علـى) مـحمد صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
17199ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، فـي قوله: إذَا يُتْلَـى عَلَـيْهِمْ كتابهم.
17200ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله إذا يُتْلَـى عَلَـيْهِمْ ما أنزل الله إلـيهم من عند الله.
وإنـما قلنا: عُنِـي بقوله: إذَا يُتْلَـى عَلَـيْهِمْ القرآن، لأنه فـي سياق ذكر القرآن لـم يجر لغيره من الكتب ذكر، فـيصرف الكلام إلـيه، ولذلك جعلت الهاء التـي فـي قوله: مِنْ قَبْلِهِ من ذكر القرآن، لأن الكلام بذكره جرى قبله، وذلك قوله: وَقُرآنا فَرَقْناهُ وما بعده فـي سياق الـخبر عنه، فذلك وجبت صحة ما قلنا إذا لـم يأت بخلاف ما قلنا فـيه حجة يجب التسلـيـم لها.

الآية : 109
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَخِرّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً }.
يقول تعالـى ذكره: ويخرّ هؤلاء الذين أوتوا العلـم من مؤمنـي أهل الكتابـين من قبل نزول الفرقان، إذا يُتْلَـى علـيهم القرآن لأذقانهم يبكون، ويزيدهم ما فـي القرآن من الـمواعظ والعبر خشوعا، يعنـي خضوعا لأمر الله وطاعته، واستكانة له. 17201ـ حدثنا أحمد بن منـيع، قال: حدثنا عبد الله بن الـمبـارك، قال: أخبرنا مِسْعر، عن عبد الأعلـى التـيـميّ، أن من أوتـي من العلـم ما لـم يبكه لـخـلـيق أن لا يكون أوتـي علـما ينفعه، لأن الله نعت العلـماء فقال إنّ الّذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ مِنْ قَبْلِهِ إذَا يُتْلَـى عَلَـيْهِمْ يَخِرّونَ للأَذْقانِ... الاَيتـين.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: حدثنا عبد الله بن الـمبـارك، عن مسعر بن كدام، عن عبد الأعلـى التـيـمي بنـحوه، إلاّ أنه قال: إذَا يُتْلَـى عَلَـيْهِمْ يَخِرّونَ للأَذْقانِ ثم قال: ويَخِرّونَ للأَذْقانِ يَبْكُونَ... الاَية.
17202ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ويَخُرّونَ للأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعا. قال: هذا جواب وتفسير للاَية التـي فـي كهيعص إذَا تُتْلَـى عَلَـيْهِمْ آياتُ الرّحْمَنَ خَرّوا سُجّدا وَبُكِيّا.

الآية : 110
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرّحْمَـَنَ أَيّاً مّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسْمَآءَ الْحُسْنَىَ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه: قل يا مـحمد لـمشركي قومك الـمنكرين دعاء الرحمن: ادْعُوا اللّهَ أيها القوم أوِ ادْعُوا الرّحْمَنَ أيّا مّا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى بأيّ أسمائه جلّ جلاله تدعون ربكم، فإنـما تدعون واحدا، وله الأسماء الـحُسنى. وإنـما قـيـل ذلك له صلى الله عليه وسلم، لأن الـمشركين فـيـما ذكر سمعوا النبـيّ صلى الله عليه وسلم يدعو ربه: يا ربنا الله، ويا ربنا الرحمن، فظنوا أنه يدعو إلهين، فأنزل الله علـى نبـيه علـيه الصلاة والسلام هذه الاَية احتـجاجا لنبـيه علـيهم. ذكر الرواية بـما ذكرنا:
17203ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي مـحمد بن كثـير، عن عبد الله بن واقد، عن أبـي الـجوزاء عن ابن عبـاس. قال: كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم ساجدا يدعو: «يا رَحْمَنُ يا رَحيـمُ»، فقال الـمشركون: هذا يزعم أنه يدعو واحدا، وهو يدعو مثنى مثنى، فأنزل الله تعالـى: قُلِ ادْعُوا اللّهَ أوِ ادْعُوا الرّحْمَنَ أيّا مّا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى... الاَية.
17204ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي عيسى، عن الأوزاعي، عن مكحول، أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم كان يتهجّد بـمكة ذات لـيـلة، يقول فـي سجوده: «يا رَحْمَنُ يا رَحيـمُ»، فسمعه رجل من الـمشركين، فلـما أصبح قال لأصحابه: انظروا ما قال ابن أبـي كبشة، يدعو اللـيـلة الرحمن الذي بـالـيـمامة، وكان بـالـيـمامة رجل يقال له الرحمن: فنزلت: قُلِ ادْعُوا اللّهَ أوِ ادْعُوا الرّحْمَنَ أيّا مّا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى».
17205ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قُلِ ادْعُوا اللّهَ أوِ ادْعُوا الرّحْمَن أيّا مّا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى.
17206ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: أيّا مّا تَدْعُوا بشيء من أسمائه.
17207ـ حدثنـي موسى بن سهل، قال: حدثنا مـحمد بن بكار البصري، قال: ثنـي حماد بن عيسى، عن عبـيد بن الطفـيـل الـجهنـي، قال: حدثنا ابن جريج، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، عن مكحول، عن عَرّاك بن مالك، عن أبـي هريرة، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ لِلّهِ تسْعَةً وَتسْعينَ اسْما كُلّهُنّ فـي القُرآنِ، مَنْ أحْصَاهنّ دَخَـلَ الـجَنّةَ».
قال أبو جعفر: ولدخول «ما» فـي قوله أيّا مّا تَدْعُوا وجهان: أحدهما أن تكون صلة، كما قـيـل: عَمّا قَلِـيـلٍ لَـيُصْبِحُنّ نَادِمِينَ. والاَخر أن تكون فـي معنى إن: كررت لـما اختلف لفظاهما، كما قـيـل: ما إن رأيت كاللـيـلة لـيـلة.
وقوله: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً اختلف أهل التأويـل فـي الصلاة، فقال بعضهم: عنى بذلك: ولا تـجهر بدعائك، ولا تـخافت به، ولكن بـين ذلك. وقالوا: عنى بـالصلاة فـي هذا الـموضع: الدعاء. ذكر من قال ذلك:
17208ـ حدثنـي يحيى بن عيسى الدامغانـي، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، عن عائشة، فـي قوله: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قالت: فـي الدعاء.
حدثنا بشار، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبـيه، عن عائشة، قالت: نزلت فـي الدعاء.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، عن عائشة مثله.
17209ـ حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: حدثنا عبـاد بن العوّام، عن أشعث بن سوار، عن عكرمة، عن ابن عبـاس فـي قول الله تعالـى: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: كانوا يجهرون بـالدعاء، فلـما نزلت هذه الاَية أُمروا أن لا يجهروا، ولا يخافتوا.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا حماد، عن عمرو بن مالك البكري، عن أبـي الـجوزاء عن عائشة، قالت: نزلت فـي الدعاء.
17210ـ حدثنـي مطر بن مـحمد الضبـي، قال: حدثنا عبد الله بن داود، قال: حدثنا شريك، عن زياد بن فـياض، عن أبـي عياض، فـي قوله: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: الدعاء.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن إبراهيـم الهَجري، عن أبـي عياض وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: نزلت فـي الدعاء.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا شريك، عن زياد بن فـياض، عن أبـي عياض مثله.
17211ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان عمن ذكره عن عطاء وَلا تَـجْهَرْ بصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: نزلت فـي الدعاء.
17212ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد فـي الاَية: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بها قال: فـي الدعاء.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد، قال: نزلت فـي الدعاء.
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها فـي الدعاء والـمسألة.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: نزلت فـي الدعاء والـمسألة.
17213ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، قال: ثنـي سفـيان، قال: ثنـي قـيس بن مسلـم، عن سعيد بن جبـير فـي قوله وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: فـي الدعاء.
17214ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن عياش العامري، عن عبد الله بن شدّاد قال: كان أعراب إذا سلـم النبـيّ صلى الله عليه وسلم قالوا: اللهمّ ارزقنا إبلاً وولدا، قال: فنزلت هذه الاَية: وَلا تَـجْهَرْ بصَلاتكَ وَلا تُـخافتْ بها.
17215ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، فـي قوله وَلا تَـجْهَرْ بصَلاتكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: فـي الدعاء.
حدثنـي ابن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ... الاَية، قال: فـي الدعاء والـمسألة.
17216ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي عيسى، عن الأوزاعي، عن مكحول وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: ذلك فـي الدعاء.
وقال آخرون: عنى بذلك الصلاة. واختلف قائلو هذه الـمقالة فـي الـمعنى الذي عنى بـالنهي عن الـجهر به، فقال بعضهم: الذي نهى عن الـجهر به منها القراءة. ذكر من قال ذلك:
17217ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: نزلت هذه الاَية ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: كان إذا صلـى بأصحابه رفع صوته بـالقرآن، فإذا سمع ذلك الـمشركون سبّوا القرآن ومن أنزله، ومن جاء به، قال: فقال الله لنبـيه صلى الله عليه وسلم وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ فـيسمع الـمشركون وَلا تُـخافِتْ بِها عن أصحابك، فلا تُسْمِعهم القرآن حتـى يأخذوا عنك.
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمار، عن أبـي رَوْق، عن الضحاك، عن ابن عبـاس، فـي قوله: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا جهر بـالصلاة بـالـمسلـمين بـالقرآن، شقّ ذلك علـى الـمشركين إذا سمعوه، فـيُؤْذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بـالشتـم والعيب به، وذلك بـمكة، فأنزل الله: يا مـحمد لا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ يقول: لا تُعلِنْ بـالقراءة بـالقرآن إعلانا شديدا يسمعه الـمشركون فـيؤذونك، ولا تـخافت بـالقراءة القرآن: يقول: لا تـخفض صوتَك حتـى لا تُسْمِع أذنـيك وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً يقول: اطلب بـين الإعلان والـجهر وبـين التـخافت والـخفض طريقا، لا جهرا شديدا، ولا خفضا لا تُسْمع أذنـيك، فذلك القدر فلـما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى الـمدينة سقط هذا كله، يفعل الاَن أيّ ذلك شاء.
17218ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها... الاَية، هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بـمكة كان إذا صلـى بأصحابه، فرفع صوته بـالقراءة أسمع الـمشركين، فآذوه، فأمره الله أو لا يرفع صوته، فـيسمع عدوّه، ولا يخافت فلا يُسْمِع مَن خـلفه من الـمسلـمين، فأمره الله أن يبتغي بـين ذلك سبـيلاً.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بـالقرآن، فكان الـمشركون إذا سمعوا صوته سبّوا القرآن، ومن جاء به فكان النبـيّ صلى الله عليه وسلم يخفـي القرآن فما يسمعه أصحابه، فأنزل الله وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها وَابْتَغِ بـينَ ذلك سَبِـيلاً.
حدثنا مـحمد بن علـيّ بن الـحسن بن شقـيق، قال: سمعت أبـي، يقول: أخبرنا أبو حمزة عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع صوته وسَمع الـمشركون، سبّوا القرآن، ومن جاء به، وإذا خفض لـم يسمع أصحابه، قال الله: وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً.
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي داود بن الـحُصَين، من عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر بـالقرآن وهو يصلـي تفرّقوا، وأَبَوا أن يستـمعوا منه، فكان الرجل إذا أراد أن يستـمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلو، وهو يصلـي، استرق السمع دونهم فرقا منهم، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستـمع، ذهب خشية أذاهم، فلـم يستـمع، فإن خفض رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته، لـم يستـمع الذين يستـمعون من قراءته شيئا، فأنزل الله علـيه: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ فـيتفرّقوا عنك وَلا تُـخافِتْ بِها فلا تُسْمِع من أراد أن يسمعها، مـمن يسترق ذلك دونهم، لعله يرعَوِي إلـى بعض ما يسمع، فـينتفع به، وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً.
17219ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم يجهر بقراءة القرآن فـي الـمسجد الـحرام، فقالت قريش: لا تـجهر بـالقراءة فتؤذي آلهتنا، فنهجو ربك، فأنزل الله: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها... الاَية.
حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبّـاس، فـي قوله وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مختف بـمكة، فكان إذا صلـى بأصحابه رفع الصوت بـالقرآن، فإذا سمعه الـمشركون سبوا القرآن ومن أنزله، ومن جاء به، فقال الله لنبـيه: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ: أي بقراءتك، فـيسمع الـمشركون، فـيسبّوا القرآن وَلا تُـخافِتْ بِها عن أصحابك، فلا تسمعهم وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: فـي القراءة.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا سعيد، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي هذه الاَية وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم إذا رفع صوته أعجب ذلك أصحابه، وإذا سمع ذلك الـمشركون سبّوه، فنزلت هذه الاَية.
17220ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن سلـمة، عن علقمة، عن مـحمد بن سيرين، قال: نبئت أن أبـا بكر كان إذا صلـى فقرأ خفض صوته، وأن عمر كان يرفع صوته قال: فقـيـل لأبـي بكر: لـم تصنع هذا؟ فقال: أناجي ربـي، وقد علـم حاجتـي، قـيـل: أحسنت وقـيـل لعمر: لـم تصنع هذا؟ قال: أطرد الشيطان، وأوقظ الوسنان، قـيـل: أحسنت فلـما نزلت وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً قـيـل لأبـي بكر: ارفع شيئا، وقـيـل لعمر: اخفض شيئا.
17221ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا حسان بن إبراهيـم، عن إبراهيـم الصائغ، عن عطاء، فـي قوله: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: يقول ناس إنها فـي الصلاة، ويقول آخرون إنها فـي الدعاء.
17222ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً وكان نبـيّ الله وهو بـمكة، إذا سمع الـمشركون صوته رموه بكلّ خبث، فأمره الله أن يغضّ من صوته، وأن يجعل صلاته بـينه وبـين ربه، وكان يقال: ما سمعته أذنك فلـيس بـمخافتة.
حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بـالصلاة، فـيُرمَى بـالـخبث، فقال: لا ترْفعْ صَوْتكَ فتُؤْذَى وَلا تُـخافِتْ بِها، وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً.
وقال آخرون: إنـما عُنِـي بذلك: ولا تـجهر بـالتشهد فـي صلاتك، ولا تـخافت بها. ذكر من قال ذلك:
17223ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا حفص بن غِياث، عن هشام بن عُروة، عن أبـيه، عن عائشة، قالت: نزلت هذه الاَية فـي التشهد وَلا تَـجْهَرْ بصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها.
17224ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا حفص، عن أشعث، عن ابن سيرين مثله. وزاد فـيه: وكان الأعرابـيّ يجهر فـيقول: التـحيات لله، والصلوات لله، يرفع فـيها صوته، فنزلت وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ.
وقال آخرون: بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلـي بـمكة جِهارا، فأمر بإخفـائها. ذكر من قال ذلك:
17225ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين، عن يزيد، عن عكرمة والـحسن البصري قالا: قال فـي بنـي إسرائيـل وَلا تَـجْهرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها وَابْتَغِ بـيَن ذلكَ سَبِـيلاً وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلـى يجهر بصلاته، فآذى ذلك الـمشركين بـمكة، حتـى أخفـى صلاته هو وأصحابه، فلذلك قال وَلا تَـجَهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها وَابْتَغِ بـيْنَ ذلكَ سَبِـيلاً وقال فـي الأعراف: وَاذْكُرْ رَبّكَ فِـي نَفْسِكَ تَضَرّعا وَخِيفَةً وَدُونَ الـجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بـالغُدُوّ والاَصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الغافِلِـينَ.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تـجهر بصلاتك تـحسنها من إتـيانها فـي العلانـية، ولا تـخافت بها: تسيئها فـي السريرة. ذكر من قال ذلك:
17226ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن أنه كان يقول: ولاَ تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها: أي لا تراء بها عَلاَنـية، ولا تـخفها سرّا وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً.
حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: كان الـحسن يقول فـي قوله: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: لا تـحسن علانـيتها، وتسيء سريرتها.
حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن عوف، عن الـحسن، فـي قوله: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولاَ تُـخافِتْ بِها قال: لا تراء بها فـي العلانـية، ولا تـخفها فـي السريرة.
حدثنـي علـيّ بن الـحسن الأزرقـي، قال: حدثنا الأشجعي، عن سفـيان، عن منصور، عن الـحسن وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: تـحسن علانـيتها، وتسيء سريرتها.
17227ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولاَ تُـخافِتْ بِها قال: لا تصلّ مراءاة الناس ولا تدعها مخافة. وقال آخرون فـي ذلك ما:
17228ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها وَابْتِغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً قال: السبـيـل بـين ذلك الذي سنّ له جبرائيـل من الصلاة التـي علـيها الـمسلـمون. قال: وكان أهل الكتاب يُخافتون، ثم يجهر أحدهم بـالـحرف، فـيصيح به، ويصيحون هم به وراءه، فنهى أن يصيح كما يصيح هؤلاء، وأن يُخافت كما يُخافت القوم، ثم كان السبـيـل الذي بـين ذلك، الذي سنّ له جبرائيـل من الصلاة.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصحة، ما ذكرنا عن ابن عبـاس فـي الـخبر الذي رواه أبو جعفر، عن سعيد، عن ابن عبـاس، لأن ذلك أصحّ الأسانـيد التـي رُوِي عن صحابـيّ فـيه قولٌ مخرّجا، وأشبه الأقوال بـما دلّ علـيه ظاهر التنزيـل، وذلك أن قوله: وَلا تَـجْهِرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها عقـيب قوله قُلِ ادْعِوا اللّهَ أوِ ادْعُوا الرّحْمنَ أيّا مّا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى وعقـيب تقريع الكفـار بكفرهم بـالقرآن، وذلك بعدهم منه ومن الإيـمان. فإذا كان ذلك كذلك، فـالذي هو أولـى وأشبه بقوله وَلاَ تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها أن يكون من سبب ما هو فـي سياقه من الكلام، ما لـم يأت بـمعنى يوجب صرفه عنه، أو يكون علـى انصرافه عنه دلـيـل يعلـم به الانصراف عما هو فـي سياقه.
فإذا كان ذلك كذلك، فتأويـل الكلام: قل ادعوا الله، أو ادعوا الرحمن، أيا ما تدعوا فله الأسماء الـحسنى، ولا تـجهر يا مـحمد بقراءتك فـي صلاتك ودعائك فـيها ربك ومسألتك إياه، وذكرك فـيها، فـيؤذيك بجهرك بذلك الـمشركون، ولا تـخافت بها فلا يسمعها أصحابك وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سبِـيلاً ولكن التـمس بـين الـجهر والـمخافتة طريقا إلـى أن تسمع أصحابك، ولا يسمعه الـمشركون فـيؤذوك. ولولا أن أقوال أهل التأويـل مضت بـما ذكرت عنهم من التأويـل، وأنا لا نستـجير خلافهم فـيـما جاء عنهم، لكان وجها يحتـمله التأويـل أن يقال: ولا تـجهر بصلاتك التـي أمرناك بـالـمخافتة بها، وهي صلاة النهار لأنها عجماء، لا يجهر بها، ولا تـخافت بصلاتك التـي أمرناك بـالـجهر بها، وهي صلاة اللـيـل، فإنها يجهر بها وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً بأن تـجهر بـالتـي أمرناك بـالـجهر بها، وتـخافت بـالتـي أمرناك بـالـمخافتة بها، لا تـجهر بجميعها، ولا تـخافت بكلها، فكان ذلك وجها غير بعيد من الصحة، ولكنا لا نرى ذلك صحيحا لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى خلافه. فإن قال قائل: فأية قراءة هذه التـي بـين الـجهر والـمخافتة؟ قـيـل:
17229ـ حدثنـي مطر بن مـحمد، قال: حدثنا قتـيبة، ووهب بن جرير، قالا: حدثنا شعبة، عن الأشعث بن سلـيـم، عن الأسود بن هلال، قال: قال عبد الله: لـم يخافت من أسمع أذنـيه.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا شعبة، عن الأشعث، عن الأسود بن هلال، عن عبد الله، مثله.

الآية : 111
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَمْ يَتّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لّهُ وَلِيّ مّنَ الذّلّ وَكَبّرْهُ تَكْبِيراً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وَقُلْ يا مـحمد الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَـمْ يَتّـخذْ وَلَدا فـيكون مربوبـا لاربـا، لأن ربّ الأربـاب لا ينبغي أن يكون له ولد ولَـمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِـي الـمُلْكِ فـيكون عاجزا ذا حاجة إلـى معونة غيره ضعيفـا، ولا يكون إلها من يكون مـحتاجا إلـى معين علـى ما حاول، ولـم يكن منفردا بـالـمُلك والسلطان وَلـمْ يَكُنْ لَهُ وَلِـيّ مِنَ الذُلّ يقول: ولـم يكن له حلـيف حالفه من الذلّ الذي به، لأن من كان ذا حاجة إلـى نصرة غيره، فذلـيـل مهين، ولا يكون من كان ذلـيلاً مهينا يحتاج إلـى ناصر إلها يطاع وكّبرْهُ تَكْبـيرا يقول: وعظم ربك يا مـحمد بـما أمرناك أن تعظمه به من قول وفعل، وأطعه فـيـما أمرك ونهاك.
وبنـحو الذي قلنا فـي قوله: وَلـمْ يَكُنْ لَهُ وَلِـيّ مِنَ الذّلّ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
17230ـ حدثنا مـحمد بن عمرو،قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ولَـمْ يَكُنْ لَهُ وَلِـيّ مِنَ الذّلَ قال: لـم يحالف أحدا، ولا يبتغي نصر أحد.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
17231ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ذُكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يعلّـم أهله هذه الاَية الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَـمْ يَتّـخِذْ وَلَدا وَلَـمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِـي الـمُلْكِ وَلَـمْ يَكُنْ لَهُ وَلِـيّ مِنَ الذّلّ وكّبرْهُ تَكْبِـيرا الصغير من أهله والكبـير.
17232ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، قال: حدثنا أبو الـجنـيد، عن جعفر، عن سعيد، عن ابن عبـاس، قال: إن التوراة كلها فـي خمس عشرة آية من بنـي إسرائيـل، ثم تلا لا تَـجْعَلْ مَعَ اللّهِ إلها آخَرَ.
17233ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي أبو صخر، عن القُرَظي، أنه كان يقول فـي هذه الاَية: الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَـمْ يَتّـخِذْ وَلَدا... الاَية. قال: إن الـيهود والنصارى قالوا: اتـخذ الله ولدا. وقالت العرب: لبـيك، لبـيك، لا شريك لك، إلا شريكا هو لك. وقال الصابئون والـمـجوس: لولا أولـياء الله لذلّ الله، فأنزل الله: وَقُلِ الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَـمْ يَتّـخِذْ وَلَدا وَلَـمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِـي الـمُلْكِ وَلَـمْ يَكُنْ لَهُ وَلِـيّ مِنَ الذّلّ وكبّرْهُ أنت يا مـحمد علـى ما يقولون تَكْبِـيرا.
آخر تفسير سورة بنـي إسرائيـل، والـحمد لله ربّ العالـمين.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة الإسراء

سورة الكهف مكية وآياتها عشر ومائة
بِسمِ اللّهِ الرحمَن الرّحِيـمِ

الآية : 1
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَنْزَلَ عَلَىَ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لّهُ عِوَجَا }.
قال أبو جعفر: يقول تعالـى ذكره: الـحمد لله الذي خصّ برسالته مـحمدا وانتـخبه لبلاغها عنه, فـابتعثه إلـى خـلقه نبـيا مرسلاً, وأنزل علـيه كتابه قـيـما, ولـم يجعل له عِوَجا.
وعُنِـي بقوله عزّ ذكره: قَـيّـما معتدلاً مستقـيـما. وقـيـل: عُنِـي به: أنه قـيـم علـى سائر الكتب يصدّقها ويحفظها. ذكر من قال: عنـي به معتدلاً مستقـيـما:
17234ـ حدثنـي علـيّ بن داود, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قوله: ولَـمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجا قَـيّـما يقول: أنزل الكتاب عَدلاً قـيـما, ولـم يجعل له عِوَجا, فأخبر ابن عبـاس بقوله هذا مع بـيانه معنى القـيـم أن القـيـم مؤخر بعد قوله, ولـم يجعل له عوجا, ومعناه التقديـم بـمعنى: أنزل الكتاب علـى عبده قَـيّـما.
17235ـ حُدثت عن مـحمد بن زيد, عن جويبر, عن الضحاك, فـي قوله قَـيّـما قال: مستقـيـما.
17236ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق ولَـمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوْجا قَـيّـما: أي معتدلاً لا اختلاف فـيه.
17237ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: ولَـمْ يَجْعَلْ لَهُ عَوَجا قَـيّـما قال: أنزل الله الكتاب قـيـما, ولـم يجعل له عِوَجا.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, فـي قوله الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أنْزَلَ عَلـى عَبْدِهِ الكِتابَ ولَـمْ يَجْعَلْ لَهُ عَوَجا قَـيّـما.
قال: وفـي بعض القراءات: «وَلَكِنْ جَعَلَهُ قَـيّـما».
والصواب من القول فـي ذلك عندنا ما قاله ابن عبـاس, ومن قال بقوله فـي ذلك, لدلالة قوله: ولَـمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجا فأخبر جلّ ثناؤه أنه أنزل الكتاب الذي أنزله إلـى مـحمد صلى الله عليه وسلم قَـيّـما مستقـيـما لا اختلاف فـيه ولا تفـاوت, بل بعضه يصدق بعضا, وبعضه يشهد لبعض, لا عِوَج فـيه, ولا ميـل عن الـحقّ, وكُسرت العين من قوله عَوِجا لأن العرب كذلك تقول فـي كلّ اعوجاج كان فـي دين, أو فـيـما لا يُرَى شخصه قائما, فـيُدْرَك عِيانا منتصبـا كالعاج فـي الدين, ولذلك كُسِرت العين فـي هذا الـموضع, وكذلك العِوَج فـي الطريق, لأنه لـيس بـالشخص الـمنتصب. فأما ما كان من عِوَج فـي الأشخاص الـمنتصبة قـياما, فإن عينها تفتـح كالعَوج فـي القناة, والـخشبة, ونـحوها. وكان ابن عبـاس يقول فـي معنى قوله ولَـمَ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجا: ولـم يجعل له ملتبسا. ذكر من قال ذلك:
17238ـ حدثنا علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس ولَـمَ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجا قَـيّـما ولـم يجعل له ملتبسا.
ولا خلاف أيضا بـين أهل العربـية فـي أن معنى قوله قَـيّـما وإن كان مؤخرا, التقديـم إلـى جنب الكتاب. وقـيـل: إنـما افتتـح جلّ ثناؤه هذه السورة بذكر نفسه بـما هو له أهل, وبـالـخبر عن إنزال كتابه علـى رسوله إخبـارا منه للـمشركين من أهل مكة, بأن مـحمدا رسوله صلى الله عليه وسلم, وذلك أن الـمشركين كانوا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء علـمهموها الـيهود من قريظة والنضير, وأمروهم بـمسألتهموه عنها, وقالوا: إن أخبركم بها فهو نبـيّ, وإن لـم يخبركم بها فهو منقوّل, فوعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للـجواب عنها موعدا, فأبطأ الوحي عنه بعض الإبطاء, وتأخّر مـجيء جبرائيـل علـيه السلام عنه عن ميعاده القوم, فتـحدّث الـمشركون بأنه أخـلفهم موعدَه, وأنه متقوّل, فأنزل الله هذه السورة جوابـا عن مسائلهم, وافتتـح أوّلها بذكره, وتكذيب الـمشركين فـي أحدوثتهم التـي تـحدّثوها بـينهم. ذكر من قال ذلك:
17239ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, عن مـحمد بن إسحاق, قال: ثنـي شيخ من أهل مصر, قدم منذ بضع وأربعين سنة, عن عكرمة, عن ابن عبـاس فـيـما يروي أبو جعفر الطبري قال: بعثت قريش النضْر بن الـحارث, وعُقبة بن أبـي معيط إلـى أحبـار يهود بـالـمدينة, فقالوا لهم: سلوهم عن مـحمد, وصِفُوا لهم صفته, وأخبروهم بقوله, فإنهم أهل الكتاب الأوّل, وعندهم علـم ما لـيس عندنا من علـم الأنبـياء. فخرجا حتـى قَدِما الـمدينة, فسألوا أحبـار يهودَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ووصفوا لهم أمره وبعض قوله, وقالا: إنكم أهل التوراة, وقد جئناكم لتـخبرونا عن صاحبنا هذا, قال: فقالت لهم أحبـار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهنّ, فإن أخبركم بهنّ فهو نبـيّ مرسل, وإن لـم يفعل فـالرجل متقوّل, فَرَوْا فـيه رأيكم: سلوه عن فتـية ذهبوا فـي الدهر الأوّل, ما كان من أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طَوّاف, بلغ مشارق الأرض ومغاربها, ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فإن أخبركم بذلك, فإنه نبـيّ فـاتّبعوه, وإن هو لـم يخبركم, فهو رجلّ متقوّل, فـاصنعوا فـي أمره ما بدا لكم. فأقبل النضْر وعقبة حتـى قَدِما مكة علـى قريش, فقالا: يا معشر قريش: قد جئناكم بفصل ما بـينكم وبـين مـحمد, قد أمرنا أحبـار يهودَ أن نَسأله, عن أمور, فأخبروهم بها, فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا: يا مـحمد أخبرنا, فسألوه عما أمروهم به, فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُخْبِرُكُمْ غَدا بِـمَا سألْتُـمْ عَنْهُ», ولـم يستثن فـانصرفوا عنه, فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة لـيـلة, لا يُحَدِث الله إلـيه فـي ذلك وحيا, ولا يأتـيه جبرائيـل علـيه السلام, حتـى أرجف أهل مكة وقالوا: وعَدَنا مـحمد غدا, والـيوم خمس عشرة قد أصبحنا فـيها لا يخبرنا بشيء مـما سألناه عنه. وحتـى أحزنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مُكْثُ الوحي عنه, وشقّ علـيه ما يتكلـم به أهل مكة. ثم جاءه جبرائيـل علـيه السلام, من الله عزّ وجلّ, بسورة أصحاب الكهف, فـيها معاتبته إياه علـى حزنه علـيهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفِتـية والرجل الطوّاف, وقول الله عزّ وجلّ وَيَسألُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِنْ أمْرِ رَبّـي وَما أُوتِـيُتـمْ مِنَ العِلْـمِ إلاّ قَلِـيلاً قال ابن إسحاق: فبلغنـي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتـح السورة فقال الـحَمْدِ لِلّهِ الّذِي أنْزَلَ عَلـى عَبْدِهِ الكِتابَ يعنـي مـحمدا إنك رسولـي فـي تـحقـيق ما سألوا عنه من نبوّته ولَـمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجا قَـيّـما: أي معتدلاً, لا اختلاف فـيه.
الآية : 2 و 3
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَيّماً لّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مّن لّدُنْهُ وَيُبَشّرَ الْمُؤْمِنِينَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً * مّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً }.
يقول تعالـى ذكره: أنزل علـى عبده القرآن معتدلاً مستقـيـما لا عوج فـيه لـينذركم أيها الناس بأسا من الله شديدا. وعنى بـالبأس العذاب العاجل, والنكال الـحاضر والسطوة. وقوله: مِنْ لَدُنْهُ يعنـي: من عند الله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
17240ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, عن مـحمد بن إسحاق لِـيُنْذِرَ بَأْسا شَدِيدا عاجل عقوبة فـي الدنـيا وعذابـا فـي الاَخرة. مِنْ لَدنْهِ: أي من عند ربك الذي بعثك رسولاً.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, بنـحوه.
17241ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: مِنْ لَدُنْهُ: أي من عنده.
فإن قال قائل: فأين مفعول قوله لِـيُنْذَرِ فإن مفعوله مـحذوف اكتفـى بدلالة ما ظهر من الكلام علـيه من ذكره, وهو مضمر متصل بـينذر قبل البأس, كأنه قـيـل: لـينذركم بأسا, كما قـيـل: يُخَوّفُ أوْلِـياءَهُ إنـما هو: يخوّفكم أولـياءه.
وقوله: وَيُبَشّرَ الـمُؤْمِنِـينَ يقول: ويبشر الـمصدقـين الله ورسوله الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِـحات وهو العمل بـما أمر الله بـالعمل به, والانتهاء عما نهى الله عنه أنّ لَهُمْ أجْرا حَسَنا يقول: ثوابـا جزيلاً له من الله علـى إيـمانهم بـالله ورسوله, وعملهم فـي الدنـيا الصالـحات من الأعمال, وذلك الثواب: هو الـجنة التـي وعدها الـمتقون. وقوله: ماكِثِـينَ فِـيهِ أبَدا خالدين, لا ينتقلون عنه, ولا يُنْقَلون ونصب ماكثـين علـى الـحال من قوله: أنّ لَهُمْ أجْرا حَسَنا فـي هذه الـحال فـي حال مكثهم فـي ذلك الأجر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
17242ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سَلَـمة, عن ابن إسحاق وَيُبَشّرَ الـمُؤْمِنِـينَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِـحاتِ أنّ لَهُمْ أجْرا حَسَنا ماكِثِـينَ فِـيهِ أبَدا: أي فـي دار خـلد لا يـموتون فـيها, الذين صدقوك بـما جئت به عن الله, وعملوا بـما أمرتهم