سورة محمد | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 508 من المصحف
12- "إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار" قد تقدم تفسير الآية في غير موضع، وتقدم كيفية جري الأنهار من تحت الجنات، والجملة مسوقة لبيان ولاية الله للمؤمنين "والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام" أي يتمتعون بمتاع الدنيا وينتفعون به كأنهم أنعام ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم، ساهون عن العاقبة لاهون بما هم فيه "والنار مثوى لهم" أي مقام يقيمون به، ومنزل ينزلونه ويستقرون فيه، والجملة في محل نصب على الحال أو مستأنفة. وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله" قال: هم أهل مكة قريش نزلت فيهم "والذين آمنوا وعملوا الصالحات" قال: هم أهل المدينة الأنصار "وأصلح بالهم" قال: أمرهم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله: "أضل أعمالهم" قال: كانت لهم أعمال فاضلة لا يقبل الله مع الكفر عملاً. وأخرج النحاس عنه أيضاً في قوله: "فإما مناً بعد وإما فداء" قال: فجعل الله النبي والمؤمنين بالخيار في الأسار، إن شاءوا قتلوهم، وإن شاءوا استعبدوهم، وإن شاءوا فادوهم. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال: هذا منسوخ نسختها: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين". وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن قال: أتي الحجاج بأسارى، فدفع إلى ابن عمر رجلاً يقتله، فقال ابن عمر: ليس بهذا أمرنا إنما قال الله "حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداء". وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر وابن مردويه عن ليث قال: قلت لمجاهد: بلغني أن ابن عباس قال: لا يحل قتل الأساري، لأن الله قال: "فإما مناً بعد وإما فداء" فقال مجاهد: لا تعبأ بهذا شيئاً أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم ينكر هذا، ويقول هذه منسوخة إنما كانت في الهدنة التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، فأما اليوم فلا، يقول الله: "اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" ويقول: "فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب" فإن كان من مشركي العرب لم يقبل شيئ منهم إلا الإسلام، فإن لم يسلموا فالقتل، وأما من سواهم فإنهم إذا أسروا فالمسلمون فيهم بالخيار إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استحيوهم وإن شاءوا فادوهم إذا لم يتحولوا عن دينهم، فإن أظهروا الإسلام لم يفادوا. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الصغير والمرأة والشيخ الفاني. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يوشك من عاش منكم أن يلقى عيسى ابن مريم إماماً مهدياً وحكماً عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، وتوضع الجزية، وتضع الحرب أوزارها". وأخرج ابن سعد وأحمد والنسائي والبغوي والطبراني وابن مردويه عن سلمة بن نفيل عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث قال: "لا تضع الحرب أوزارها حتى يخرج يأجوج ومأجوج". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس "وللكافرين أمثالها" قال: لكفار قومك يا محمد مثل ما دمرت به القرى فأهلكوا بالسيف.
خوف سبحانه الكفار بأنه قد أهلك من هو أشد منهم فقال: 13- "وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم" قد قدمنا أن "كأين" مركبة من الكاف وأي وأنها بمعنى كم الخبرية: أي وكم من قرية، وأنشد الأخفش قول الوليد: وكأين رأينا من ملوك وسوقة ومفتاح قيد للأسير المكبل ومعنى الآية: وكم من أهل قرية هم أشد قوة من أهل قريتك التي أخرجوك منها أهلكناهم "فلا ناصر لهم" فبالأولى من هو أضعف منهم وهم قريش الذين هم أهل قرية النبي صلى الله عليه وسلم وهي مكة، فالكلام على حذف المضاف كما في قوله: "واسأل القرية" قال مقاتل: أي أهلكناهم بالعذاب حين كذبوا رسولهم.
ثم ذكر سبحانه الفرق بين حال المؤمن وحال الكافر فقال: 14- "أفمن كان على بينة من ربه" والهمزة للإنكار، والفاء للعطف على مقدر كنظائره، ومن مبتدأ، والخبر " كمن زين له سوء عمله " وأفرد في هذا باعتبار لفظ من، وجمع في قوله: "واتبعوا أهواءهم" باعتبار معناها، والمعنى: أنه لا يستوي من كان على يقين من ربه ولا يكون كمن زين له سوء عمله، وهو عبادة الأوثان والإشراك بالله والعمل بمعاصي الله، واتبعوا أهواءهم في عبادتها، وانهمكوا في أنواع الضلالات بلا شبهة توجب الشك فضلاً عن حجة نيرة.
ثم لما بين سبحانه الفرق بين الفرقين في الاهتداء والضلال بين الفرق في مرجعهما ومآلهما فقال: 15- "مثل الجنة التي وعد المتقون" والجملة مستأنفة لشرح محاسن الجنة وبيان ما فيها، ومعنى مثل الجنة وصفها العجيب الشأن، وهو مبتدأ وخبره محذوف. قال النضر بن شمي: تقديره ما يسمعون، وقدره سيبويه فيما يتلى عليكم مثل الجنة، قال: والمثل هو الوصف ومعناه وصف الجنة، وجملة "فيها أنهار من ماء غير آسن" الخ مفسرة للمثل. وقيل إن مثل زائدة، وقيل إن مثل الجنة مبتدأ، والخبر فيها أنهار، وقيل خبره كمن هو خالد، والآسن المتغير، يقال أسن الماء يأسن أسونا: إذا تغيرت رائحته، ومثله الآجن، ومنه قول زهير: قد أترك القرن مصفراً أنامله يميد في الرمح ميد المالح الأسن قرأ الجمهور "آسن" بالمد. وقرأ حميد وابن كثير بالقصر، وهما لغتان كحاذر وحذر. وقال الأخفش: إن الممدود يراد به الاستقبال، والمقصود يراد به الحال "وأنهار من لبن لم يتغير طعمه" أي لم يحمض كما تغير ألبان الدنيا، لأنها لم تخرج من ضروع الإبل والغنم والبقر "وأنهار من خمر لذة للشاربين" أي لذيذة لهم طيبة الشرب لا يتكرهها الشاربون، يقال شراب لذ ولذيذ وفيه لذة بمعنى، ومثل هذه الآية قوله: "بيضاء لذة للشاربين" قرأ الجمهور "لذة" بالجر صفة لخمر، وقرئ بالنصب على أنه مصدر، أو مفعول له. وقرئ بالرفع صفة لأنهار "وأنهار من عسل مصفى" أي مصفى مما يخالطه من الشمع والقذى والعكر والكدر "ولهم فيها من كل الثمرات" أي لأهل الجنة في الجنة مع ما ذكر من الأشربة من كل الثمرات: أي من كل صنف من أصنافها، ومن زائدة للتوكيد "ومغفرة من ربهم" لذنوبهم، وتنكير مغفرة للتعظيم: أي ولهم مغفرة عظيمة كائنة من ربهم "كمن هو خالد في النار" هو خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: أم من هو في نعيم الجنة على هذه الصفة خالداً فيها كمن هو خالد في النار أو خبر لقوله مثل الجنة كما تقدم. ورجح الأول الفراء فقال: أراد أمن كان في هذا النعيم كما هو خالد في النار. وقال الزجاج: أي أفمن كان على بينة من ربه وأعطي هذه الأشياء كمن زين له سوء عمله وهو خالد في النار، فقوله "كمن" بدل من قوله "أفمن زين له سوء عمله" وقال ابن كيسان: ليس مثل الجنة التي فيها الثمار والأنهار كمثل النار التي فيها الحميم والزقوم، وليس مثل أهل الجنة في النعيم كمثل أهل النار في العذاب الأليم، قوله: "وسقوا ماء حميماً" عطف على الصلة عطف جملة فعلية على اسمية لكنه راعى في الأولى لفظ من، وفي الثانية معناها، والحميم الماء الحار الشديد الغليان، فإذا شربوه قطع أمعاءهم، وهو معنى قوله: "فقطع أمعاءهم" لفرط حرارته. والأمعاء جمع معي، وهي ما في البطون من الحوايا.
16- "ومنهم من يستمع إليك" أي من هؤلاء الكفار الذين يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام "من يستمع إليك" وهم المنافقون، أفرد الضمير باعتبار لفظ من، وجمع في قوله: "حتى إذا خرجوا من عندك" باعتبار معناها، والمعنى: أن المنافقين كانوا يحضرون مواقف وعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومواطن خطبه التي يمليها على المسلمين حتى إذا خرجوا من عنده "قالوا للذين أوتوا العلم" وهم علماء الصحابة، وقيل عبد الله بن عباس، وقيل عبد الله بن مسعود، وقيل أبو الدرداء، والأول أولى: أي سألوا أهل العلم فقالوا لهم "ماذا قال آنفاً" أي ماذا قال النبي الساعة على طريقة الاستهزاء، والمعنى: أنا لم نلتفت إلى قوله، وآنفاً يراد به الساعة التي هي أقرب الأوقات، ومنه أمر آنف: أي مستأنف، وروضة أنف: أي لم يرعها أحد، وانتصابه على الظرفية: أي وقتاً مؤتنفاً، أو حال من الضمير في قال. قال الزجاج: هو من استأنفت الشيء: إذا ابتدأته، وأصله مأخوذ من أنف الشيء لما تقدم منه، مستعار من الجارحة، ومنه قول الشاعر: ويحرم سر جارتهم عليهم ويأكل جارهم أنف القصاع والإشارة بقوله: "أولئك "إلى المذكورين من المنافقين "الذين طبع الله على قلوبهم" فلم يؤمنوا ولا توجهت قلوبهم إلى شيء من الخير "واتبعوا أهواءهم" في الكفر والعناد.
ثم ذكر حال أضدادهم فقال: 17- "والذين اهتدوا زادهم هدى" أي والذين اهتدوا إلى طريق الخير، فآمنوا بالله وعملوا بما أمرهم به زادهم هدى بالتوفيق، وقيل زادهم النبي صلى الله عليه وسلم: وقيل زادهم القرآن. وقال الفراء: زادهم إعراض المنافقين واستهزاؤهم هدى وقيل زادهم نزول الناسخ هدى، وعلى كل تقدير فالمواد أنه زادهم إيماناً وعلماً وبصيرة في الدين "وآتاهم تقواهم" أي ألهمهم إياها وأعانهم عليها. والتقوى. قال الربيع: هي الخشية. وقال السدي: هي ثواب الآخرة. وقال مقاتل: هي التوفيق للعمل الذي يرضاه، وقيل العمل بالناسخ وترك المنسوخ، وقيل ترك الرخص والأخذ بالعزائم.
18- "فهل ينظرون إلا الساعة" أي القيامة "أن تأتيهم بغتة" أي فجأة، وفي هذا وعيد للكفار شديد، وقوله: "أن تأتيهم بغتة" بدل من الساعة بدل اشتمال. وقرأ أبو جعفر الرواسي " وإذا لم تأتهم " بإن الشرطية "فقد جاء أشراطها" أي أماراتها وعلاماتها وكانوا قد قرأوا في كتبهم أن النبي صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، فبعثته من أشراطها، قاله الحسن والضحاك. والأشراط جمع شرط بسكون الراء وفتحها. وقيل المراد بأشراطها هنا: أسبابها التي هي دون معظمها. وقيل أراد بعلامات الساعة انشقاق القمر والدخان، كذا قال الحسن. وقال الكلبي: كثرة المال والتجارة وشهادة الزور وقطع الأرحام وقلة الكرام وكثرة اللئام، ومنه قول أبي زيد الأسود: فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا فقد جعلت أشراط أوله تبدو "فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم" ذكراهم مبتدأ وخبره فأنى لهم: أي أنى لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة كقوله: "يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى" وإذا جاءتهم اعتراض بين المبتدأ والخبر.
19- "فاعلم أنه لا إله إلا الله" أي إذا علمت أن مدار الخير هو التوحيد والطاعة، ومدار الشر هو الشرك والعمل بمعاصي الله فاعلم أنه لا إله غيره ولا رب سواه، والمعنى: اثبت على ذلك واستمر عليه، لأنه صلى الله عليه وسلم قد كان عالماً بأنه لا إليه إلا الله قبل هذا، وقيل ما علمته استدلالاً فاعلمه خبراً يقيناً. وقيل المعنى: فاذكر أنه لا إله إلا الله، فعبر عن الذكر بالعلم "واستغفر لذنبك" أي استغفر الله أن يقع منك ذنب، أو استغفر الله ليعصمك، أو استغفره مما ربما يصدر منك من ترك الأولى. وقيل الخطاب له، والمراد الأمة، ويأبى هذا قوله: "وللمؤمنين والمؤمنات" فإن المراد به استغفاره لذنوب أمته بالدعاء لهم بالمغفرة عما فرط من ذنوبهم "والله يعلم متقلبكم" في أعمالكم "ومثواكم" في الدار الآخرة، وقيل متقلبكم في أعمالكم نهاراً ومثواكم في ليلكم نياماً. وقيل متقلبكم في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات ومثواكم في الأرض: أي مقامكم فيها. قال ابن كيسان متقلبكم من ظهر إلى بطن في الدنيا، ومثواكم في القبور. وقد أخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال: أنت أحب بلاد الله إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك لم أخرج، فأعتى الأعداء من عتا على الله في حرمه، أو قتل غير قاتله، أو قتل بدخول الجاهلية" فأنزل الله "وكأين من قرية" الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس "أنهار من ماء غير آسن" قال: غير متغير. وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في البعث عن معاوية بن حيدة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "في الجنة بحر اللبن وبحر الماء وبحر العسل وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار منها". وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده والبيهقي عن كعب قال: نهر النيل نهر العسل في الجنة، ونهر دجلة نهر اللبن في الجنة، ونهر الفرات نهر الخمر في الجنة، ونهر سيحان نهر الماء في الجنة. وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: "حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً" قال: كنت فيمن يسأل. وأخرج عبد بن حميد من وجه آخر عنه في الآية قال: أنا منهم. وفي هذا منقبة لابن عباس جليلة لأنه كان إذا ذاك صبياً غير بالغ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو في سن البلوغ، فسؤال الناس له عن معاني القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ووصف الله سبحانه للمسؤولين بأنهم الذين أوتوا العلم وهو منهم من أعظم الأدلة على سعة علمه ومزيد فقهه في كتاب الله وسنة رسوله، مع كون أترابه وأهل سنه إذ ذاك يلعبون مع الصبيان. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: كانوا يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا خرجوا من عنده قالوا لابن عباس: ماذا قال آنفاً؟ فيقول كذا وكذا، وكان ابن عباس أصغر القوم، فأنزل الله الآية، فكان ابن عباس من الذين أوتوا العلم وأخرج ابن أبي شيبة وابن عساكر عن ابن بريدة في الآية قال: هو عبد الله بن مسعود. وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: هو عبد الله بن مسعود. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم" قال: لما أنزل القرآن آمنوا به، فكان هدى، فلما تبين الناسخ من المنسوخ زادهم هدى. وأخرج ابن المنذر عنه "فقد جاء أشراطها" قال: أول الساعات، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بالوسطى والسبابة" ومثله عند البخاري من حديث سهل بن سعد. وفي الباب أحاديث كثيرة فيها بيان أشراط الساعة وبيان ما قد وقع منها وما لم يكن قد وقع، وهي تأتي في مصنف مستقل فلا نطيل بذكرها. وأخرج الطبراني وابن مردويه والديلمي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الاستغفار ثم قرأ "فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات"". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة في قوله: "واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة". وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عبد الله بن سرجس قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأكلت معه من طعام، فقلت: غفر الله لك يا رسول الله، قال: ولك، فقيل: أتستغفر لك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ولكم وقرأ "واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات"" وقد ورد أحاديث في استغفاره صلى الله عليه وسلم لنفسه ولأمته وترغيبه في الاستغفار. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "والله يعلم متقلبكم" في الدنيا "ومثواكم" في الآخرة.
فتح القدير - صفحة القرآن رقم 508
50712- "إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار" قد تقدم تفسير الآية في غير موضع، وتقدم كيفية جري الأنهار من تحت الجنات، والجملة مسوقة لبيان ولاية الله للمؤمنين "والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام" أي يتمتعون بمتاع الدنيا وينتفعون به كأنهم أنعام ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم، ساهون عن العاقبة لاهون بما هم فيه "والنار مثوى لهم" أي مقام يقيمون به، ومنزل ينزلونه ويستقرون فيه، والجملة في محل نصب على الحال أو مستأنفة. وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله" قال: هم أهل مكة قريش نزلت فيهم "والذين آمنوا وعملوا الصالحات" قال: هم أهل المدينة الأنصار "وأصلح بالهم" قال: أمرهم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله: "أضل أعمالهم" قال: كانت لهم أعمال فاضلة لا يقبل الله مع الكفر عملاً. وأخرج النحاس عنه أيضاً في قوله: "فإما مناً بعد وإما فداء" قال: فجعل الله النبي والمؤمنين بالخيار في الأسار، إن شاءوا قتلوهم، وإن شاءوا استعبدوهم، وإن شاءوا فادوهم. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال: هذا منسوخ نسختها: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين". وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن قال: أتي الحجاج بأسارى، فدفع إلى ابن عمر رجلاً يقتله، فقال ابن عمر: ليس بهذا أمرنا إنما قال الله "حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداء". وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر وابن مردويه عن ليث قال: قلت لمجاهد: بلغني أن ابن عباس قال: لا يحل قتل الأساري، لأن الله قال: "فإما مناً بعد وإما فداء" فقال مجاهد: لا تعبأ بهذا شيئاً أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم ينكر هذا، ويقول هذه منسوخة إنما كانت في الهدنة التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، فأما اليوم فلا، يقول الله: "اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" ويقول: "فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب" فإن كان من مشركي العرب لم يقبل شيئ منهم إلا الإسلام، فإن لم يسلموا فالقتل، وأما من سواهم فإنهم إذا أسروا فالمسلمون فيهم بالخيار إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استحيوهم وإن شاءوا فادوهم إذا لم يتحولوا عن دينهم، فإن أظهروا الإسلام لم يفادوا. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الصغير والمرأة والشيخ الفاني. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يوشك من عاش منكم أن يلقى عيسى ابن مريم إماماً مهدياً وحكماً عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، وتوضع الجزية، وتضع الحرب أوزارها". وأخرج ابن سعد وأحمد والنسائي والبغوي والطبراني وابن مردويه عن سلمة بن نفيل عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث قال: "لا تضع الحرب أوزارها حتى يخرج يأجوج ومأجوج". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس "وللكافرين أمثالها" قال: لكفار قومك يا محمد مثل ما دمرت به القرى فأهلكوا بالسيف.
خوف سبحانه الكفار بأنه قد أهلك من هو أشد منهم فقال: 13- "وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم" قد قدمنا أن "كأين" مركبة من الكاف وأي وأنها بمعنى كم الخبرية: أي وكم من قرية، وأنشد الأخفش قول الوليد: وكأين رأينا من ملوك وسوقة ومفتاح قيد للأسير المكبل ومعنى الآية: وكم من أهل قرية هم أشد قوة من أهل قريتك التي أخرجوك منها أهلكناهم "فلا ناصر لهم" فبالأولى من هو أضعف منهم وهم قريش الذين هم أهل قرية النبي صلى الله عليه وسلم وهي مكة، فالكلام على حذف المضاف كما في قوله: "واسأل القرية" قال مقاتل: أي أهلكناهم بالعذاب حين كذبوا رسولهم.
ثم ذكر سبحانه الفرق بين حال المؤمن وحال الكافر فقال: 14- "أفمن كان على بينة من ربه" والهمزة للإنكار، والفاء للعطف على مقدر كنظائره، ومن مبتدأ، والخبر " كمن زين له سوء عمله " وأفرد في هذا باعتبار لفظ من، وجمع في قوله: "واتبعوا أهواءهم" باعتبار معناها، والمعنى: أنه لا يستوي من كان على يقين من ربه ولا يكون كمن زين له سوء عمله، وهو عبادة الأوثان والإشراك بالله والعمل بمعاصي الله، واتبعوا أهواءهم في عبادتها، وانهمكوا في أنواع الضلالات بلا شبهة توجب الشك فضلاً عن حجة نيرة.
ثم لما بين سبحانه الفرق بين الفرقين في الاهتداء والضلال بين الفرق في مرجعهما ومآلهما فقال: 15- "مثل الجنة التي وعد المتقون" والجملة مستأنفة لشرح محاسن الجنة وبيان ما فيها، ومعنى مثل الجنة وصفها العجيب الشأن، وهو مبتدأ وخبره محذوف. قال النضر بن شمي: تقديره ما يسمعون، وقدره سيبويه فيما يتلى عليكم مثل الجنة، قال: والمثل هو الوصف ومعناه وصف الجنة، وجملة "فيها أنهار من ماء غير آسن" الخ مفسرة للمثل. وقيل إن مثل زائدة، وقيل إن مثل الجنة مبتدأ، والخبر فيها أنهار، وقيل خبره كمن هو خالد، والآسن المتغير، يقال أسن الماء يأسن أسونا: إذا تغيرت رائحته، ومثله الآجن، ومنه قول زهير: قد أترك القرن مصفراً أنامله يميد في الرمح ميد المالح الأسن قرأ الجمهور "آسن" بالمد. وقرأ حميد وابن كثير بالقصر، وهما لغتان كحاذر وحذر. وقال الأخفش: إن الممدود يراد به الاستقبال، والمقصود يراد به الحال "وأنهار من لبن لم يتغير طعمه" أي لم يحمض كما تغير ألبان الدنيا، لأنها لم تخرج من ضروع الإبل والغنم والبقر "وأنهار من خمر لذة للشاربين" أي لذيذة لهم طيبة الشرب لا يتكرهها الشاربون، يقال شراب لذ ولذيذ وفيه لذة بمعنى، ومثل هذه الآية قوله: "بيضاء لذة للشاربين" قرأ الجمهور "لذة" بالجر صفة لخمر، وقرئ بالنصب على أنه مصدر، أو مفعول له. وقرئ بالرفع صفة لأنهار "وأنهار من عسل مصفى" أي مصفى مما يخالطه من الشمع والقذى والعكر والكدر "ولهم فيها من كل الثمرات" أي لأهل الجنة في الجنة مع ما ذكر من الأشربة من كل الثمرات: أي من كل صنف من أصنافها، ومن زائدة للتوكيد "ومغفرة من ربهم" لذنوبهم، وتنكير مغفرة للتعظيم: أي ولهم مغفرة عظيمة كائنة من ربهم "كمن هو خالد في النار" هو خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: أم من هو في نعيم الجنة على هذه الصفة خالداً فيها كمن هو خالد في النار أو خبر لقوله مثل الجنة كما تقدم. ورجح الأول الفراء فقال: أراد أمن كان في هذا النعيم كما هو خالد في النار. وقال الزجاج: أي أفمن كان على بينة من ربه وأعطي هذه الأشياء كمن زين له سوء عمله وهو خالد في النار، فقوله "كمن" بدل من قوله "أفمن زين له سوء عمله" وقال ابن كيسان: ليس مثل الجنة التي فيها الثمار والأنهار كمثل النار التي فيها الحميم والزقوم، وليس مثل أهل الجنة في النعيم كمثل أهل النار في العذاب الأليم، قوله: "وسقوا ماء حميماً" عطف على الصلة عطف جملة فعلية على اسمية لكنه راعى في الأولى لفظ من، وفي الثانية معناها، والحميم الماء الحار الشديد الغليان، فإذا شربوه قطع أمعاءهم، وهو معنى قوله: "فقطع أمعاءهم" لفرط حرارته. والأمعاء جمع معي، وهي ما في البطون من الحوايا.
16- "ومنهم من يستمع إليك" أي من هؤلاء الكفار الذين يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام "من يستمع إليك" وهم المنافقون، أفرد الضمير باعتبار لفظ من، وجمع في قوله: "حتى إذا خرجوا من عندك" باعتبار معناها، والمعنى: أن المنافقين كانوا يحضرون مواقف وعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومواطن خطبه التي يمليها على المسلمين حتى إذا خرجوا من عنده "قالوا للذين أوتوا العلم" وهم علماء الصحابة، وقيل عبد الله بن عباس، وقيل عبد الله بن مسعود، وقيل أبو الدرداء، والأول أولى: أي سألوا أهل العلم فقالوا لهم "ماذا قال آنفاً" أي ماذا قال النبي الساعة على طريقة الاستهزاء، والمعنى: أنا لم نلتفت إلى قوله، وآنفاً يراد به الساعة التي هي أقرب الأوقات، ومنه أمر آنف: أي مستأنف، وروضة أنف: أي لم يرعها أحد، وانتصابه على الظرفية: أي وقتاً مؤتنفاً، أو حال من الضمير في قال. قال الزجاج: هو من استأنفت الشيء: إذا ابتدأته، وأصله مأخوذ من أنف الشيء لما تقدم منه، مستعار من الجارحة، ومنه قول الشاعر: ويحرم سر جارتهم عليهم ويأكل جارهم أنف القصاع والإشارة بقوله: "أولئك "إلى المذكورين من المنافقين "الذين طبع الله على قلوبهم" فلم يؤمنوا ولا توجهت قلوبهم إلى شيء من الخير "واتبعوا أهواءهم" في الكفر والعناد.
ثم ذكر حال أضدادهم فقال: 17- "والذين اهتدوا زادهم هدى" أي والذين اهتدوا إلى طريق الخير، فآمنوا بالله وعملوا بما أمرهم به زادهم هدى بالتوفيق، وقيل زادهم النبي صلى الله عليه وسلم: وقيل زادهم القرآن. وقال الفراء: زادهم إعراض المنافقين واستهزاؤهم هدى وقيل زادهم نزول الناسخ هدى، وعلى كل تقدير فالمواد أنه زادهم إيماناً وعلماً وبصيرة في الدين "وآتاهم تقواهم" أي ألهمهم إياها وأعانهم عليها. والتقوى. قال الربيع: هي الخشية. وقال السدي: هي ثواب الآخرة. وقال مقاتل: هي التوفيق للعمل الذي يرضاه، وقيل العمل بالناسخ وترك المنسوخ، وقيل ترك الرخص والأخذ بالعزائم.
18- "فهل ينظرون إلا الساعة" أي القيامة "أن تأتيهم بغتة" أي فجأة، وفي هذا وعيد للكفار شديد، وقوله: "أن تأتيهم بغتة" بدل من الساعة بدل اشتمال. وقرأ أبو جعفر الرواسي " وإذا لم تأتهم " بإن الشرطية "فقد جاء أشراطها" أي أماراتها وعلاماتها وكانوا قد قرأوا في كتبهم أن النبي صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، فبعثته من أشراطها، قاله الحسن والضحاك. والأشراط جمع شرط بسكون الراء وفتحها. وقيل المراد بأشراطها هنا: أسبابها التي هي دون معظمها. وقيل أراد بعلامات الساعة انشقاق القمر والدخان، كذا قال الحسن. وقال الكلبي: كثرة المال والتجارة وشهادة الزور وقطع الأرحام وقلة الكرام وكثرة اللئام، ومنه قول أبي زيد الأسود: فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا فقد جعلت أشراط أوله تبدو "فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم" ذكراهم مبتدأ وخبره فأنى لهم: أي أنى لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة كقوله: "يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى" وإذا جاءتهم اعتراض بين المبتدأ والخبر.
19- "فاعلم أنه لا إله إلا الله" أي إذا علمت أن مدار الخير هو التوحيد والطاعة، ومدار الشر هو الشرك والعمل بمعاصي الله فاعلم أنه لا إله غيره ولا رب سواه، والمعنى: اثبت على ذلك واستمر عليه، لأنه صلى الله عليه وسلم قد كان عالماً بأنه لا إليه إلا الله قبل هذا، وقيل ما علمته استدلالاً فاعلمه خبراً يقيناً. وقيل المعنى: فاذكر أنه لا إله إلا الله، فعبر عن الذكر بالعلم "واستغفر لذنبك" أي استغفر الله أن يقع منك ذنب، أو استغفر الله ليعصمك، أو استغفره مما ربما يصدر منك من ترك الأولى. وقيل الخطاب له، والمراد الأمة، ويأبى هذا قوله: "وللمؤمنين والمؤمنات" فإن المراد به استغفاره لذنوب أمته بالدعاء لهم بالمغفرة عما فرط من ذنوبهم "والله يعلم متقلبكم" في أعمالكم "ومثواكم" في الدار الآخرة، وقيل متقلبكم في أعمالكم نهاراً ومثواكم في ليلكم نياماً. وقيل متقلبكم في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات ومثواكم في الأرض: أي مقامكم فيها. قال ابن كيسان متقلبكم من ظهر إلى بطن في الدنيا، ومثواكم في القبور. وقد أخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال: أنت أحب بلاد الله إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك لم أخرج، فأعتى الأعداء من عتا على الله في حرمه، أو قتل غير قاتله، أو قتل بدخول الجاهلية" فأنزل الله "وكأين من قرية" الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس "أنهار من ماء غير آسن" قال: غير متغير. وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في البعث عن معاوية بن حيدة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "في الجنة بحر اللبن وبحر الماء وبحر العسل وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار منها". وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده والبيهقي عن كعب قال: نهر النيل نهر العسل في الجنة، ونهر دجلة نهر اللبن في الجنة، ونهر الفرات نهر الخمر في الجنة، ونهر سيحان نهر الماء في الجنة. وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: "حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً" قال: كنت فيمن يسأل. وأخرج عبد بن حميد من وجه آخر عنه في الآية قال: أنا منهم. وفي هذا منقبة لابن عباس جليلة لأنه كان إذا ذاك صبياً غير بالغ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو في سن البلوغ، فسؤال الناس له عن معاني القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ووصف الله سبحانه للمسؤولين بأنهم الذين أوتوا العلم وهو منهم من أعظم الأدلة على سعة علمه ومزيد فقهه في كتاب الله وسنة رسوله، مع كون أترابه وأهل سنه إذ ذاك يلعبون مع الصبيان. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: كانوا يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا خرجوا من عنده قالوا لابن عباس: ماذا قال آنفاً؟ فيقول كذا وكذا، وكان ابن عباس أصغر القوم، فأنزل الله الآية، فكان ابن عباس من الذين أوتوا العلم وأخرج ابن أبي شيبة وابن عساكر عن ابن بريدة في الآية قال: هو عبد الله بن مسعود. وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: هو عبد الله بن مسعود. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم" قال: لما أنزل القرآن آمنوا به، فكان هدى، فلما تبين الناسخ من المنسوخ زادهم هدى. وأخرج ابن المنذر عنه "فقد جاء أشراطها" قال: أول الساعات، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بالوسطى والسبابة" ومثله عند البخاري من حديث سهل بن سعد. وفي الباب أحاديث كثيرة فيها بيان أشراط الساعة وبيان ما قد وقع منها وما لم يكن قد وقع، وهي تأتي في مصنف مستقل فلا نطيل بذكرها. وأخرج الطبراني وابن مردويه والديلمي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الاستغفار ثم قرأ "فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات"". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة في قوله: "واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة". وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عبد الله بن سرجس قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأكلت معه من طعام، فقلت: غفر الله لك يا رسول الله، قال: ولك، فقيل: أتستغفر لك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ولكم وقرأ "واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات"" وقد ورد أحاديث في استغفاره صلى الله عليه وسلم لنفسه ولأمته وترغيبه في الاستغفار. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "والله يعلم متقلبكم" في الدنيا "ومثواكم" في الآخرة.
الصفحة رقم 508 من المصحف تحميل و استماع mp3