سورة يوسف | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 241 من المصحف
وجملة 44- "قالوا أضغاث أحلام" مستأنفة جواب سؤال مقدر، والأضغاث جمع ضغث، وهو كل مختلط من بقل أو حشيش أو غيرهما، والمعنى: أخاليط أحلام جمع حلم: وهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقة لها كما يكون من حديث النفس ووسواس الشيطان، والإضافة بمعنى من، وجمعوا الأحلام ولم يكن من الملك إلا رؤيا واحدة مبالغة منهم في وصفها بالبطلان، ويجوز أن يكون رأى مع هذه الرؤيا غيرها مما لم يقصه الله علينا "وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين" قال الزجاج: المعنى بتأويل الأحلام المختلطة، نفوا عن أنفسم علم ما لا تأويل له، لا مطلق العلم بالتأويل، وقيل إنهما نفوا عن أنفسهم علم التعبير مطلقاً ولم يدعوا أنه لا تأويل لهذه الرؤيا، وقيل إنهم قصدوا محوها من صدر الملك حتى لا يشتغل بها، ولم يكن ما ذكروه من نفي العلم حقيقة .
45- "وقال الذي نجا منهما" أي من الغلامين، وهو الساقي الذي قال له يوسف "اذكرني عند ربك"، " وادكر بعد أمة " بالدال المهملة على قراءة الجمهور، وهي القراءة الفصيحة: أي تذكر الساقي يوسف وما شاهده منه من العلم بتعبير الرؤيا. وقرىء بالمعجمة، ومعنى "بعد أمة": بعد حين، ومنه "إلى أمة معدودة" أي إلى وقت. قال ابن درستويه: والأمة لا تكون على الحين إلا على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، كأنه قال: والله وادكر بعد حين أمة أو بعد زمن أمة. والأمة: الجماعة الكثيرة من الناس. قال الأخفش: هو في اللفظ واحد وفي المعنى جمع..وكل جنس من الحيوان أمة. وقرأ ابن عباس وعكرمة بعد أمة بفتح الهمزة وتخفيف الميم: أي بعد نسيان، ومنه قول الشاعر: أممت وكنت لا أنس حديثاً كذاك الدهر يودي بالعقول ويقال أمه يأمه أمها: إذا نسي. وقرأ الأشهب العقيلي بعد أمة بكسر الهمزة: أي بعد نعمة: وهي نعمة النجاة "أنا أنبئكم بتأويله" أي أخبركم به يسؤالي عنه من له علم بتأويله، وهو يوسف "فأرسلون" خاطب الملك بلفظ التعظيم، أو خاطبه ومن كان عنده من الملأ، طلب منهم أن يرسلوه إلى يوسف ليقص عليه رؤيا الملك حتى يخبره يتأويلها فيعود بذلك إلى الملك.
46- "يوسف أيها الصديق أفتنا" أي يا يوسف، وفي الكلام حذف، والتقدير: فأرسلوه إلى يوسف فسار إليه، فقال له يوسف إيها الصديق إلى آخر الكلام، والمعنى: أخبرنا في رؤيا من رأى سبع بقرات إلخ وترك ذلك اكتفاء بما هو واثق به من فهم يوسف بأن ذلك رؤيا، وأن المطلوب منه تعبيرها "لعلي أرجع إلى الناس" أي إلى الملك ومن عنده من الملأ "لعلهم يعلمون" ما تأتي به من تأويل هذه الرؤيا أو يعلمون فضلك ومعرفتك لفن التعبير.
وجملة 47- "قال تزرعون" إلخ مستأنفة جواب سؤال مقدر كغيرها مما يرد هذا المورد "سبع سنين دأبا" أي متوالية متتابعة، وهو مصدر، وقيل هو حال: أي دائبين، وقيل صفة لسبع: أي دائبة، وحكى أبو حاتم عن يعقوب أنه قرأ "دأباً" بتحريك الهمزة، وكذا روى حفص عن عاصم وهما لغتان. قال الفراء: حرك لأن فيه حرفاً من حروف الحلق، وكذلك كل حرف فتح أوله وسكن ثانيه فتثقيله جائز في كلمات معروفة. فعبر يوسف عليه السلام السبع البقرات السمان بسبع سنين فيها خصب، والعجاف بسبع سنين فيها جدب وهكذا عبر السبع السنبلات الخضر والسبع السنبلات اليابسات، واستدل بالسبع السنبلات الخضر على ما ذكره في التعبير من قوله"فما حصدتم فذروه في سنبله" أي ما حصدتم في كل سنة من السنين المخصبة فذروا ذلك المحصود في سنبله ولا تفصلوه عنها لئلا يأكله السوس إلا قليلاً مما تأكلون في هذه السنين المخصبة فإنه لا بد لكم من فصله عن سنبله وإخراجه عنها، واقتصر على استثناء المأكول دون ما يحتاجون إليه من البذر الذي يبذرونه في أموالهم لأنه قد علم من قوله تزرعون.
48- "ثم يأتي من بعد ذلك" أي من بعد السبع السنين المخصبة "سبع شداد" أي سبع سنين مجدبة يصعب أمرها على الناس "يأكلن ما قدمتم لهن" من تلك الحبوب المتروكة في سنابلها. وإساد الأكل إلى السنين مجاز، والمعنى: يأكل الناس فيهن أو يأكل أهلهن ما قدمتم لهن: أي ما ادخرتم لأجلهن فهو من باب: نهاره صائم، ومنه قول الشاعر: نهارك يا مغرور سهو وغفلة وليلك نوم والردى لك لازم "إلا قليلاً مما تحصنون" أي مما تحسبون من الحب لتزرعوا به، لأن في استبقاء البذر تحصين الأقوات. وقال أبو عبيدة: معنى تحصنون: تحرزون، وقيل تدخرون، والمعنى واحد.
وقوله: 49- "ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون" أي من بعد السنين المجدبات، فالإشارة إليها، والعام السنة "فيه يغاث الناس" من الإغاثة أو الغوث، والغيث المطر، وقد غاث الغيث الأرض: أي أصابها، وغاث الله البلاد بغيثها غوثاً: أمطرها، فمعنى يغاث الناس: يمطرون "وفيه يعصرون" أي يعصرون الأشياء التي تعصر كالعنب والسمسم والزيتون وقيل أراد حلب الألبان، وقيل معنى يعصرون: ينجون. مأخوذ من العصرة وهي المنجاة. قال أبو عبيدة: والعصر بالتحريك الملجأ والمنجاة، ومنه قول الشاعر: صادياً يستغيث غير مغاث ولقد كان عصرة المنجود واعتصرت بفلان: التجأت به. وقرأ حمزة والكسائي " يعصرون " بتاء الخطاب. وقرئ يعصرون بضم حرف المضارعة وفتح الصاد، ومعناه يمطرون، ومنه قوله تعالى: "وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجاً". وقد أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: قال يوسف للساقي: اذكرني عند ربك: أي الملك الأعظم ومظلمتي وحبسي في غير شيء، فقال أفعل، فلما خرج الساقي رد على ما كان عليه ورضي عنه صاحبه وأنساه الشيطان ذكر الملك الذي أمره يوسف أن يذكره له، فلبث يوسف بعد ذلك في السجن بضع سنين، ثم إن الملك ريان بن الوليد رأى رؤياه التي أري فيها فهالته وعرف أنها رؤيا واقعة ولم يدر ما تأويلها، فقال للملأ حوله من أهل مملكته " إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات " فلما سمع من الملك ما سمع منه ومسألته عن تأويلها ذكر يوسف ما كان عبر له ولصاحبه وما جاء من ذلك على ما قال فقال: أنا أنبئكم بتأويله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "أضغاث أحلام" يقول: مشتبهة. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس في قوله "وادكر بعد أمة" قال: بعد حين. وأخرج ابن جرير عن مجاهد والحسن وهكرمة وعبد الله بن كثير والسدي مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: بعد سنين. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "أفتنا في سبع بقرات" الآية، قال: أما السمان فسنون فيها خصب، وأما العجاف فسنون مجدبة، وسبع سنبلات خضر هي السنون المخاصيب تخرج الأرض نباتها وزرعها وثمارها، وآخر يابسات المحول الجدوب لا تنبت شيئاً. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان، ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى اشترط عليهم أن يخرجوني، ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين أتاه الرسول، ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب ولكنه أراد أن يكون له العذر". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "إلا قليلاً مما تحصنون" يقول: تخزنون، وفي قوله: "وفيه يعصرون" يقول: الأعناب والدهن. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله: "فيه يغاث الناس" يقول: يصيبهم فيه غيث "وفيه يعصرون" يقول: يعصرون [وفيه] العنب ويعصرون فيه الزبيب ويعصرون من كل الثمرات. وأخرج سعيد بن منصرو وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أيضاً "وفيه يعصرون" قال: يختلبون. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عنه أيضاً "ثم يأتي من بعد ذلك عام" قال: أخبرهم بشيء لم يسألوه عنه كأن الله قد علمه إياه فيه يغاث الناس بالمطر، وفيه يعصرون السمسم دهناً والعنب خمراً والزيتون زيتاً.
قوله: 50- "وقال الملك ائتوني به" في الكلام حذف قبل هذا، والتقدير: فذهب الرسول إلى الملك فأخبره بما أخبره به يوسف من تعبير تلك الرؤيا، وقال الملك لمن بحضرته ائتوني به: أي بيوسف، رغب إلى رؤيته ومعرفة حاله بعد أن علم من فضله ما علمه من وصف الرسول له ومن تعبيره لرؤياه "فلما جاءه" أي جاء إلى يوسف "الرسول" واستدعاه إلى حضرة الملك وأمره بالخروج من السجن "قال" يوسف للرسول "ارجع إلى ربك" أي سيدك " فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن " أمره بأن يسأل الملك عن ذلك وتوقف عن الخروج من السجن، ولم يسارع إلى إجابة الملك، ليظهر للناس براءة ساحته ونزاهة جانبه، وأنه ظلم بكيد امرأة العزيز ظلماً بيناً، ولقد أعطي عليه السلام من الحلم والصبر والأناة ما تضيق الأذهان عن تصوره، ولهذا ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: "ولو لثبت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي"، يعني الرسول الذي جاء يدعوه إلى الملك. قال ابن عطية: هذا الفعل من يوسف أناة وصبراً، وطلباً لبراءة ساحته، وذلك أنه خشي أن يخرج وينال من الملك مرتبة، ويسكت عن أمر ذنبه فيراه الناس بتلك العين يقولون هذا الذي راود امرأة العزيز، وإنما قال: "فاسأله ما بال النسوة" وسكت عن امرأة العزيز رعاية لذمام الملك العزيز، أو خوفاً منه من كيدها وعظيم شرها، وذكر السؤال عن تقطيع الأيدي ولم يذكر مراودتهن له، تنزهاً منه عن نسبة ذلك إليهن، ولذلك لم ينسب المراودة فيما تقدم إلى امرأة العزيز إلا بعد أن رمته بدائها وانسلت. وقد اكتفى هنا بالإشارة الإجمالية بقوله: "إن ربي بكيدهن عليم" فجعل علم الله سبحانه بما وقع عليه من الكيد منهن مغنياً عن التصريح.
وجملة 51- " قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه " مستأنفة جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قال الملك بعد أن أبلغه الرسول ما قال يوسف، والخطب: الشأن العظيم الذي يحق له أن يخاطب فيه صاحبه خاصة. والمعنى: ما شأنكن [إذا] راودتن يوسف عن نفسه. وقد تقدم معنى المراودة، وإنما نسب إليهن المراودة، لأن كل واحد منهن وقع منها ذلك كما تقدم، ومن جملة من شمله خطاب الملك امرأة العزيز، أو أراد بنسبة ذلك إليهن وقوعه منهن في الجملة كما كان من امرأة العزيز تحاشياً عن التصريح منه بنسبة ذلك إليها لكونها امرأة وزيره وهو العزيز: فأجبن عليه بقولهن "قلن حاش لله" أي معاذ الله "ما علمنا عليه من سوء" أي من أمر سيء ينسب إليه. فعند ذلك "قالت امرأة العزيز" منزهة لجانبه مقرة على نفسها بالمراودة له "الآن حصحص الحق" أي تبين وظهر. وأصله حص، فقيل حصحص كما قيل في كبوا كبكبوا، قاله الزجاج، وأصل الحص، استئصال الشيء. يقال حص شعره: إذا استأصله. ومنه قول أبي قيس بن الأسلت: قد حصت البيضة رأسي فما أطــعــم نــومــاً غــير تــهــجــاع والمعنى أنه انقطع الحق عن الباطل بظهوره وبيانه. ومنه: فمن مبلغ عني خداشاً فإنـــه كذوب إذا ما حصحص الحق ظالم وقيل هو مشتق من الحصة، والمعنى: بانت حصة الباطل. قال الخليل: معناه ظهر الحق بعد خفائه، ثم أوضحت ذلك بقولها "أنا راودته عن نفسه" ولم تقع منه المراودة لي أصلاً "وإنه لمن الصادقين" فيما قاله تبرئة نفسه ونسبة المراودة إليها، وأرادت بالآن زمان تكلمها بهذا الكلام.
وقوله: 51- "ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب" ذهب أكثر المفسرين إلى أن هذا من كلام يوسف عليه السلام. قال الفراء: ولا يبعد وصل كلام إنسان بكلام إنسان آخر إذا دلت القرينة الصارفة لكل منهما إلى ما يليق به. والإشارة إلى الحادثة الواقعة منه، وهي تثبته وتأنيه: أي فعلت ذلك ليعلم العزيز إني لم أخنه في أهله بالغيب، والمعنى بظهر الغيب. والجار والمجرور في محل نصب على الحال: أي وهو غائب عني، أو وأنا غائب عنه. قيل إنه قال ذلك وهو في السجن بعد أن أخبره الرسول بما قالته النسوة. وما قالته امرأة العزيز، وقيل إنه قال ذلك وقد صار عند الملك، والأول أولى. وذهب الأقلون من المفسرين إلى أن هذا من كلام امرأة العزيز، والمعنى: ذلك القول الذي قلته في تنزيهه، والإقرار على نفسي بالمراودة ليعلم يوسف إني لم أخنه فأنسب إليه ما لم يكن منه وهو غائب عني، أو وأنا غائبة عنه "وأن الله لا يهدي كيد الخائنين" أي لا يثبته ويسدده، أو لا يهديهم في كيدهم حتى يوقعوه على وجه يكون له تأثير يثبت به ويدوم وإذا كان من قول يوسف ففيه تعريض بامرأة العزيز حيث وقع منها الكيد له والخيانة لزوجها، وتعريض بالعزيز حيث ساعدها على حبسه بعد أن علم براءته ونزاهته.
فتح القدير - صفحة القرآن رقم 241
240وجملة 44- "قالوا أضغاث أحلام" مستأنفة جواب سؤال مقدر، والأضغاث جمع ضغث، وهو كل مختلط من بقل أو حشيش أو غيرهما، والمعنى: أخاليط أحلام جمع حلم: وهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقة لها كما يكون من حديث النفس ووسواس الشيطان، والإضافة بمعنى من، وجمعوا الأحلام ولم يكن من الملك إلا رؤيا واحدة مبالغة منهم في وصفها بالبطلان، ويجوز أن يكون رأى مع هذه الرؤيا غيرها مما لم يقصه الله علينا "وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين" قال الزجاج: المعنى بتأويل الأحلام المختلطة، نفوا عن أنفسم علم ما لا تأويل له، لا مطلق العلم بالتأويل، وقيل إنهما نفوا عن أنفسهم علم التعبير مطلقاً ولم يدعوا أنه لا تأويل لهذه الرؤيا، وقيل إنهم قصدوا محوها من صدر الملك حتى لا يشتغل بها، ولم يكن ما ذكروه من نفي العلم حقيقة .
45- "وقال الذي نجا منهما" أي من الغلامين، وهو الساقي الذي قال له يوسف "اذكرني عند ربك"، " وادكر بعد أمة " بالدال المهملة على قراءة الجمهور، وهي القراءة الفصيحة: أي تذكر الساقي يوسف وما شاهده منه من العلم بتعبير الرؤيا. وقرىء بالمعجمة، ومعنى "بعد أمة": بعد حين، ومنه "إلى أمة معدودة" أي إلى وقت. قال ابن درستويه: والأمة لا تكون على الحين إلا على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، كأنه قال: والله وادكر بعد حين أمة أو بعد زمن أمة. والأمة: الجماعة الكثيرة من الناس. قال الأخفش: هو في اللفظ واحد وفي المعنى جمع..وكل جنس من الحيوان أمة. وقرأ ابن عباس وعكرمة بعد أمة بفتح الهمزة وتخفيف الميم: أي بعد نسيان، ومنه قول الشاعر: أممت وكنت لا أنس حديثاً كذاك الدهر يودي بالعقول ويقال أمه يأمه أمها: إذا نسي. وقرأ الأشهب العقيلي بعد أمة بكسر الهمزة: أي بعد نعمة: وهي نعمة النجاة "أنا أنبئكم بتأويله" أي أخبركم به يسؤالي عنه من له علم بتأويله، وهو يوسف "فأرسلون" خاطب الملك بلفظ التعظيم، أو خاطبه ومن كان عنده من الملأ، طلب منهم أن يرسلوه إلى يوسف ليقص عليه رؤيا الملك حتى يخبره يتأويلها فيعود بذلك إلى الملك.
46- "يوسف أيها الصديق أفتنا" أي يا يوسف، وفي الكلام حذف، والتقدير: فأرسلوه إلى يوسف فسار إليه، فقال له يوسف إيها الصديق إلى آخر الكلام، والمعنى: أخبرنا في رؤيا من رأى سبع بقرات إلخ وترك ذلك اكتفاء بما هو واثق به من فهم يوسف بأن ذلك رؤيا، وأن المطلوب منه تعبيرها "لعلي أرجع إلى الناس" أي إلى الملك ومن عنده من الملأ "لعلهم يعلمون" ما تأتي به من تأويل هذه الرؤيا أو يعلمون فضلك ومعرفتك لفن التعبير.
وجملة 47- "قال تزرعون" إلخ مستأنفة جواب سؤال مقدر كغيرها مما يرد هذا المورد "سبع سنين دأبا" أي متوالية متتابعة، وهو مصدر، وقيل هو حال: أي دائبين، وقيل صفة لسبع: أي دائبة، وحكى أبو حاتم عن يعقوب أنه قرأ "دأباً" بتحريك الهمزة، وكذا روى حفص عن عاصم وهما لغتان. قال الفراء: حرك لأن فيه حرفاً من حروف الحلق، وكذلك كل حرف فتح أوله وسكن ثانيه فتثقيله جائز في كلمات معروفة. فعبر يوسف عليه السلام السبع البقرات السمان بسبع سنين فيها خصب، والعجاف بسبع سنين فيها جدب وهكذا عبر السبع السنبلات الخضر والسبع السنبلات اليابسات، واستدل بالسبع السنبلات الخضر على ما ذكره في التعبير من قوله"فما حصدتم فذروه في سنبله" أي ما حصدتم في كل سنة من السنين المخصبة فذروا ذلك المحصود في سنبله ولا تفصلوه عنها لئلا يأكله السوس إلا قليلاً مما تأكلون في هذه السنين المخصبة فإنه لا بد لكم من فصله عن سنبله وإخراجه عنها، واقتصر على استثناء المأكول دون ما يحتاجون إليه من البذر الذي يبذرونه في أموالهم لأنه قد علم من قوله تزرعون.
48- "ثم يأتي من بعد ذلك" أي من بعد السبع السنين المخصبة "سبع شداد" أي سبع سنين مجدبة يصعب أمرها على الناس "يأكلن ما قدمتم لهن" من تلك الحبوب المتروكة في سنابلها. وإساد الأكل إلى السنين مجاز، والمعنى: يأكل الناس فيهن أو يأكل أهلهن ما قدمتم لهن: أي ما ادخرتم لأجلهن فهو من باب: نهاره صائم، ومنه قول الشاعر: نهارك يا مغرور سهو وغفلة وليلك نوم والردى لك لازم "إلا قليلاً مما تحصنون" أي مما تحسبون من الحب لتزرعوا به، لأن في استبقاء البذر تحصين الأقوات. وقال أبو عبيدة: معنى تحصنون: تحرزون، وقيل تدخرون، والمعنى واحد.
وقوله: 49- "ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون" أي من بعد السنين المجدبات، فالإشارة إليها، والعام السنة "فيه يغاث الناس" من الإغاثة أو الغوث، والغيث المطر، وقد غاث الغيث الأرض: أي أصابها، وغاث الله البلاد بغيثها غوثاً: أمطرها، فمعنى يغاث الناس: يمطرون "وفيه يعصرون" أي يعصرون الأشياء التي تعصر كالعنب والسمسم والزيتون وقيل أراد حلب الألبان، وقيل معنى يعصرون: ينجون. مأخوذ من العصرة وهي المنجاة. قال أبو عبيدة: والعصر بالتحريك الملجأ والمنجاة، ومنه قول الشاعر: صادياً يستغيث غير مغاث ولقد كان عصرة المنجود واعتصرت بفلان: التجأت به. وقرأ حمزة والكسائي " يعصرون " بتاء الخطاب. وقرئ يعصرون بضم حرف المضارعة وفتح الصاد، ومعناه يمطرون، ومنه قوله تعالى: "وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجاً". وقد أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: قال يوسف للساقي: اذكرني عند ربك: أي الملك الأعظم ومظلمتي وحبسي في غير شيء، فقال أفعل، فلما خرج الساقي رد على ما كان عليه ورضي عنه صاحبه وأنساه الشيطان ذكر الملك الذي أمره يوسف أن يذكره له، فلبث يوسف بعد ذلك في السجن بضع سنين، ثم إن الملك ريان بن الوليد رأى رؤياه التي أري فيها فهالته وعرف أنها رؤيا واقعة ولم يدر ما تأويلها، فقال للملأ حوله من أهل مملكته " إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات " فلما سمع من الملك ما سمع منه ومسألته عن تأويلها ذكر يوسف ما كان عبر له ولصاحبه وما جاء من ذلك على ما قال فقال: أنا أنبئكم بتأويله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "أضغاث أحلام" يقول: مشتبهة. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس في قوله "وادكر بعد أمة" قال: بعد حين. وأخرج ابن جرير عن مجاهد والحسن وهكرمة وعبد الله بن كثير والسدي مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: بعد سنين. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "أفتنا في سبع بقرات" الآية، قال: أما السمان فسنون فيها خصب، وأما العجاف فسنون مجدبة، وسبع سنبلات خضر هي السنون المخاصيب تخرج الأرض نباتها وزرعها وثمارها، وآخر يابسات المحول الجدوب لا تنبت شيئاً. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان، ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى اشترط عليهم أن يخرجوني، ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين أتاه الرسول، ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب ولكنه أراد أن يكون له العذر". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "إلا قليلاً مما تحصنون" يقول: تخزنون، وفي قوله: "وفيه يعصرون" يقول: الأعناب والدهن. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله: "فيه يغاث الناس" يقول: يصيبهم فيه غيث "وفيه يعصرون" يقول: يعصرون [وفيه] العنب ويعصرون فيه الزبيب ويعصرون من كل الثمرات. وأخرج سعيد بن منصرو وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أيضاً "وفيه يعصرون" قال: يختلبون. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عنه أيضاً "ثم يأتي من بعد ذلك عام" قال: أخبرهم بشيء لم يسألوه عنه كأن الله قد علمه إياه فيه يغاث الناس بالمطر، وفيه يعصرون السمسم دهناً والعنب خمراً والزيتون زيتاً.
قوله: 50- "وقال الملك ائتوني به" في الكلام حذف قبل هذا، والتقدير: فذهب الرسول إلى الملك فأخبره بما أخبره به يوسف من تعبير تلك الرؤيا، وقال الملك لمن بحضرته ائتوني به: أي بيوسف، رغب إلى رؤيته ومعرفة حاله بعد أن علم من فضله ما علمه من وصف الرسول له ومن تعبيره لرؤياه "فلما جاءه" أي جاء إلى يوسف "الرسول" واستدعاه إلى حضرة الملك وأمره بالخروج من السجن "قال" يوسف للرسول "ارجع إلى ربك" أي سيدك " فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن " أمره بأن يسأل الملك عن ذلك وتوقف عن الخروج من السجن، ولم يسارع إلى إجابة الملك، ليظهر للناس براءة ساحته ونزاهة جانبه، وأنه ظلم بكيد امرأة العزيز ظلماً بيناً، ولقد أعطي عليه السلام من الحلم والصبر والأناة ما تضيق الأذهان عن تصوره، ولهذا ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: "ولو لثبت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي"، يعني الرسول الذي جاء يدعوه إلى الملك. قال ابن عطية: هذا الفعل من يوسف أناة وصبراً، وطلباً لبراءة ساحته، وذلك أنه خشي أن يخرج وينال من الملك مرتبة، ويسكت عن أمر ذنبه فيراه الناس بتلك العين يقولون هذا الذي راود امرأة العزيز، وإنما قال: "فاسأله ما بال النسوة" وسكت عن امرأة العزيز رعاية لذمام الملك العزيز، أو خوفاً منه من كيدها وعظيم شرها، وذكر السؤال عن تقطيع الأيدي ولم يذكر مراودتهن له، تنزهاً منه عن نسبة ذلك إليهن، ولذلك لم ينسب المراودة فيما تقدم إلى امرأة العزيز إلا بعد أن رمته بدائها وانسلت. وقد اكتفى هنا بالإشارة الإجمالية بقوله: "إن ربي بكيدهن عليم" فجعل علم الله سبحانه بما وقع عليه من الكيد منهن مغنياً عن التصريح.
وجملة 51- " قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه " مستأنفة جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قال الملك بعد أن أبلغه الرسول ما قال يوسف، والخطب: الشأن العظيم الذي يحق له أن يخاطب فيه صاحبه خاصة. والمعنى: ما شأنكن [إذا] راودتن يوسف عن نفسه. وقد تقدم معنى المراودة، وإنما نسب إليهن المراودة، لأن كل واحد منهن وقع منها ذلك كما تقدم، ومن جملة من شمله خطاب الملك امرأة العزيز، أو أراد بنسبة ذلك إليهن وقوعه منهن في الجملة كما كان من امرأة العزيز تحاشياً عن التصريح منه بنسبة ذلك إليها لكونها امرأة وزيره وهو العزيز: فأجبن عليه بقولهن "قلن حاش لله" أي معاذ الله "ما علمنا عليه من سوء" أي من أمر سيء ينسب إليه. فعند ذلك "قالت امرأة العزيز" منزهة لجانبه مقرة على نفسها بالمراودة له "الآن حصحص الحق" أي تبين وظهر. وأصله حص، فقيل حصحص كما قيل في كبوا كبكبوا، قاله الزجاج، وأصل الحص، استئصال الشيء. يقال حص شعره: إذا استأصله. ومنه قول أبي قيس بن الأسلت: قد حصت البيضة رأسي فما أطــعــم نــومــاً غــير تــهــجــاع والمعنى أنه انقطع الحق عن الباطل بظهوره وبيانه. ومنه: فمن مبلغ عني خداشاً فإنـــه كذوب إذا ما حصحص الحق ظالم وقيل هو مشتق من الحصة، والمعنى: بانت حصة الباطل. قال الخليل: معناه ظهر الحق بعد خفائه، ثم أوضحت ذلك بقولها "أنا راودته عن نفسه" ولم تقع منه المراودة لي أصلاً "وإنه لمن الصادقين" فيما قاله تبرئة نفسه ونسبة المراودة إليها، وأرادت بالآن زمان تكلمها بهذا الكلام.
وقوله: 51- "ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب" ذهب أكثر المفسرين إلى أن هذا من كلام يوسف عليه السلام. قال الفراء: ولا يبعد وصل كلام إنسان بكلام إنسان آخر إذا دلت القرينة الصارفة لكل منهما إلى ما يليق به. والإشارة إلى الحادثة الواقعة منه، وهي تثبته وتأنيه: أي فعلت ذلك ليعلم العزيز إني لم أخنه في أهله بالغيب، والمعنى بظهر الغيب. والجار والمجرور في محل نصب على الحال: أي وهو غائب عني، أو وأنا غائب عنه. قيل إنه قال ذلك وهو في السجن بعد أن أخبره الرسول بما قالته النسوة. وما قالته امرأة العزيز، وقيل إنه قال ذلك وقد صار عند الملك، والأول أولى. وذهب الأقلون من المفسرين إلى أن هذا من كلام امرأة العزيز، والمعنى: ذلك القول الذي قلته في تنزيهه، والإقرار على نفسي بالمراودة ليعلم يوسف إني لم أخنه فأنسب إليه ما لم يكن منه وهو غائب عني، أو وأنا غائبة عنه "وأن الله لا يهدي كيد الخائنين" أي لا يثبته ويسدده، أو لا يهديهم في كيدهم حتى يوقعوه على وجه يكون له تأثير يثبت به ويدوم وإذا كان من قول يوسف ففيه تعريض بامرأة العزيز حيث وقع منها الكيد له والخيانة لزوجها، وتعريض بالعزيز حيث ساعدها على حبسه بعد أن علم براءته ونزاهته.
الصفحة رقم 241 من المصحف تحميل و استماع mp3