تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 273 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 273

272

واللام في 55- "ليكفروا بما آتيناهم" لام كي: أي لكي يكفروا بما آتيناهم من نعمة كشف الضر، حتى كأن هذا الكفر منهم الواقع في موضع الشكر الواجب عليهم غرض لهم ومقصد من مقاصدهم، وهذا غاية في العتو والعناد ليس وراءها غاية، وقيل اللام للعاقبة: يعني ما كانت عاقبة تلك التضرعات إلا هذا الكفر. ثم قال سبحانه على سبيل التهديد والترهيب ملتفتاً من الغيبة إلى الخطاب "فتمتعوا" بما أنتم فيه من ذلك "فسوف تعلمون" عاقبة أمركم وما يحل بكم في هذه الدار وما تصيرون إليه في الدار الآخرة.
ثم حكى سبحانه نوعاً آخر من قبائح أعمالهم فقال: 56- "ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً مما رزقناهم" أي يقع منه هذا الجعل بعد ما وقع منهم الجؤار إلى الله سبحانه في كشف الضر عنهم وما يعقب كشفه عنهم من الكفر منهم بالله والإشراك به، ومع ذلك يجعلون لما لا يعلمون حقيقته من الجمادات والشياطين نصيباً مما رزقناهم من أموالهم يتقربون به إليه. وقيل المعنى: أنهم أي الكفار يجعلون للأصنام وهم لا يعلمون شيئاً لكونهم جمادات، ففاعل يعلمون على هذا هي الأصنام وأجراها مجرى العقلاء في جمعها بالواو والنون جرياً على اعتقاد الكفرفيها. وحاصل المعنى: ويجعل هؤلاء الكفار للأصنام التي لا تعقل شيئاً نصيباً من أموالهم التي رزقهم الله إياها "تالله لتسألن عما كنتم تفترون" هذا رجوع من الغيبة إلى الخطاب، وهذا السؤال سؤال تقريع وتوبيخ "عما كنتم تفترون" تختلقونه من الكذب على الله سبحانه في الدنيا.
57- "ويجعلون لله البنات" هذا نوع آخر من فضائحهم وقبائحهم، وقد كانت خزاعة وكنانة تقول الملائكة بنات الله "سبحانه" نزه سبحانه نفسه عما نسبه إليه هؤلاء الجفاة الذين لا عقول لهم صحيحة ولا أفهام مستقيمة "إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل"، وفي هذا التنزيه تعجيب من حالهم، "ولهم ما يشتهون" أي ويجعلون لأنفسهم ما يشتهونه من البنين على أن "ما" في محل نصب بالفعل المقدر، ويجوز أن تكون في محل رفع على الابتداء. وأنكر النصب الزجاج قال: لأن العرب لا يقولون جعل له كذا وهو يعني نفسه، وإنما يقولون جعل لنفسه كذا، فلو كان منصوباً لقال ولأنفسهمما يشتهون. وقد أجاز النصب الفراء.
ثم ذكر سبحانه كراهتهم للإناث التي جعلوها لله سبحانه فقال: 58- "وإذا بشر أحدهم بالأنثى" أي إذا أخبر أحدهم بولادة بنت له "ظل وجهه مسوداً" أي متغيراً، وليس المراد السواد الذي هو ضد البياض، بل المراد الكناية بالسواد عن الانكسار والتغير بما يحصل من الغم، والعرب تقول لكل من لقي مكروهاً قد اسود وجهه غماً وحزناً قاله الزجاج. وقال الماوردي: بل المراد سواد اللون حقيقة، قال: وهو قول الجمهور، والأول أولى، فإن المعلوم بالوجدان أن من غضب وحزن واغتم لا يحصل في لونه إلا مجرد التغير وظهور الكآبة والانكسار لا السواد الحقيقي، وجملة "وهو كظيم" في محل نصب على الحال: أي ممتلئ من الغم غيظاً وحنقاً. قال الأخفش: هو الذي يكظم غيظه ولا يظهره، وقيل إنه المغموم الذي يطبق فاه من الغم، مأخوذ من الكظامة وهو سد فم البئر قاله علي بن عيسى، وقد تقدم في سورة يوسف.
59- "يتوارى من القوم" أي يتغيب ويختفي "من سوء ما بشر به" أي من سوء الحزن والعار والحياء الذي يلحقه بسبب حدوث البنت له "أيمسكه على هون" أي لا يزال متردداً بين الأمرين: وهو إمساك البنت التي بشر بها، أو دفنهما في التراب "على هون" أي هوان، وكذا قرأ عيسى الثقفي. قال اليزيدي: والهون الهوان بلغة قريش، وكذا حكاه أبو عبيد عن الكسائي، وحكي عن الكسائي أنه البلاء والمشقة، قالت الخنساء: نهين النفوس وهون النفــو س يوم الكريهة أبقى لها وقال الفراء: الهون القليل بلغة تميم. وحكى النحاس عن الأعمش أنه قرأ أيمسكه على سوء، "أم يدسه في التراب" أي يخفيه في التراب بالوأد كما كانت تفعله العرب، فلا يزال الذي بشر بحدوث الأنثى متردداً بين هذين الأمرين، والتذكير في يمسكه ويدسه مع كونه عبارة عن الأنثى لرعاية اللفظ. وقرأ الجحدري أم يدسها في التراب ويلزمه أن يقرأ أيمسكها، وقيل دسها إخفاؤها عن الناس حتى لا تعرف كالمدسوس لإخفائه عن الأبصار "ألا ساء ما يحكمون" حيث أضافوا البنات التي يكرهونها إلى الله سبحانه وأضافوا البنين المحبوبين عندهم إلى أنفسهم ومثل هذا قوله تعالى: " ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذا قسمة ضيزى ".
60- "للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء" أي لهؤلاء الذين وصفهم الله سبحانه بهذه القبائح الفظيعة مثل السوء: أي صفة السوء من الجهل والكفر بالله، وقيل هو وصفهم لله سبحانه بالصاحبة والولد، وقيل هو حاجتهم إلى الولد ليقوم مقامهم ووأد البنات لدفع العار وخشية الإملاق، وقيل العذاب والنار "ولله المثل الأعلى" وهو أضداد صفة المخلوقين من الغنى الكامل والجود الشامل والعلم الواسع، أو التوحيد وإخلاص العبادة، أو أنه خالق رازق قادر مجاز، وقيل شهادة أن لا إله إلا الله، وقيل: "الله نور السموات والأرض مثل نوره"، "وهو العزيز" الذي لا يغالب فلا يضره نسبتهم إليه ما لا يليق به "الحكيم" في أفعاله وأقواله.
ثم لما حكى سبحانه عن القوم عظيم كفرهم بين سعة كرمه وحلمه حيث لم يعاجلهم بالعقوبة ولم يؤاخذهم بظلمهم، فقال: 61- "ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم" والمراد بالناس هنا الكفار أو جميع العصاة "ما ترك عليها" أي على الأرض وإن لم يذكر فقد دل عليها ذكر الناس وذكر الدابة، فإن الجميع مستقرون على الأرض، والمراد بالدابة الكافر، وقيل كل ما دب، وقد قيل على هذا كيف يعم بالهلاك مع أن فيهم من لا ذنب له؟ وأجيب بإهلاك الظالم انتقاماً منه، وإهلاك غيره إن كان من أهل التكليف فلأجل توفير أجره، وإن كان من غيرهم فبشؤم ظلم الظالمين، ولله الحكمة البالغة "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون"، ومثل هذا قوله: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة". وفي معنى هذا أحاديث منها ما عند مسلم وغيره من حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إذا أراد الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على نياتهم" وكذلك حديث الجيش "الذين يخسف بهم في البيداء، وفي آخره: أنهم يبعثون على نياتهم" وقد قدمنا عند تفسير قوله سبحانه: "واتقوا فتنة" الآية تحقيقاً حقيقاً بالمراجعة له "ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى" معلوم عنده وهو منتهى حياتهم وانقضاء أعمارهم أو أجل عذابهم، وفي هذا التأخير حكمة بالغة منها الإعذار إليهم وإرخاء العنان معهم، ومنها حصول من سبق في علمه من أولادهم "فإذا جاء أجلهم" الذي سماه لهم حقت عليهم كلمة الله سبحانه في ذلك الوقت من دون تقدم عليه ولا تأخر عنه، والساعة المدة القليلة، وقد تقدم تفسيرها هذا وتحقيقه.
ثم ذكر نوعاً آخر من جهلهم وحمقهم فقال: "ويجعلون لله ما يكرهون" أي ينسبون إليه سبحانه ما يكرهون نسبته إلى أنفسهم من البنات، وهو تكرير لما قد تقدم لقصد التأكيد والتقرير ولزيادة التوبيخ والتقريع "وتصف ألسنتهم الكذب" هذا من النوع الآخر الذي ذكره سبحانه من قبائحهم وهو: أي هذا الذي تصفه ألسنتهم من الكذب هو قولهم: "أن لهم الحسنى" أي الخصلة الحسنى، أو العاقبة الحسنى. قال الزجاج: يصفون أن لهم مع قبح قولهم من الله الجزاء الحسن. قال الزجاج أيضاً والفراء: أبدل من قوله وتصف ألسنتهم الكذب قوله أن لهم الحسنى، والكذب منصوب على أنه مفعول تصف. وقرأ ابن عباس وأبو العالية ومجاهد وابن محيصن الكذب برفع الكاف والذال والباء على أنه صفة للألسن وهو جمع كذب، فيكون المفعول على هذا هو أن لهم الحسنى. ثم رد الله سبحانه عليهم بقوله: "لا جرم أن لهم النار" أي حقاً أن لهم مكان ما جعلوه لأنفسهم من الحسنى النار، وقد تقدم تحقيق هذا "وأنهم مفرطون" قال ابن الأعرابي وأبو عبيدة: أي متروكون منسيون في النار، وبه قال الكسائي والفراء فيكون مشتقاً من أفرطت فلاناً خلفي: إذا خلفته ونسيته. وقال قتادة والحسن: معجلون إليها مقدمون في دخولها من أفرطته: أي قدمته في طلب الماء، والفارط هو الذي يتقدم إلى الماء، والفراط المتقدمون في طلب الماء، والوراد المتأخرون، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا فرطكم على الحوض" أي متقدمكم. قال القطامي: فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا كما تعجل فراط لوراد وقرأ نافع في رواية ورش "مفرطون" بكسر الراء وتخفيفها، وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس، ومعناه: مسرفون في الذنوب والمعاصي، يقال أفرط فلان على فلان: إذا أربى عليه وقال له أكثر مما قال من الشر. وقرأ أبو جعفر القاري "مفرطون" بكسر الراء وتشديدها: أي مضيعون أمر الله، فهو من التفريط في الواجب. وقرأ الباقون "مفرطون" بفتح الراء مخففاً، ومعناه: مقدمون إلى النار. وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "وله الدين واصباً" قال: الدين الإخلاص، وواصباً دائماً. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح "وله الدين واصباً" قال: لا إله إلا الله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "واصباً" قال: دائماً. وأخرج الفريابي وابن جرير عنه قال واجباً. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد "تجأرون" قال: تتضرعون دعاء. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: تصيحون بالدعاء. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: "فتمتعوا فسوف تعلمون" قال: وعيد. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: "ويجعلون لما لا يعلمون" الآية قال: يعلمون أن الله خلقهم ويضرهم وينفعهم، ثم يجعلون لما لا يعلمون أنه يضرهم ولا ينفعهم "نصيباً مما رزقناهم". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: هم مشركو العرب جعلوا لأوثانهم وشياطينهم مما رزقهم الله وجزأوا من أموالهم جزءاً فجعلوه لأوثانهم وشياطينهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: هو قولهم هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "ويجعلون لله البنات" الآية يقول: يجعلون لي البنات يرتضونهن لي ولا يرتضونهن لأنفسهم، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا ولد للرجل منهم جارية أمسكها على هوان أو دسها في التراب وهي حية. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك "ولهم ما يشتهون" قال: يعني به البنين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج "أم يدسه في التراب" قال: يئد ابنته. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: "ألا ساء ما يحكمون" قال: بئس ما حكموا، يقول: شيء لا يرضونه لأنفسهم فكيف يرضونه لي. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "ولله المثل الأعلى" قال: شهادة أن لا إله إلا الله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس "ولله المثل الأعلى" قال: يقول ليس كمثله شيء. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: "ما ترك عليها من دابة" قال: ما سقاهم المطر. وأخرج أيضاً عن السدي نحوه. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: قد فعل ذلك في زمن نوح، أهلك الله ما على ظهر الأرض من دابة إلا ما حمل في سفينته. وأخرج أحمد في الزهد عن ابن مسعود قال: ذنوب ابن آدم قتلت الجعل في جحره، ثم قال: أي والله زمن غرق قوم نوح. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عنه قال: كاد الجعل أن يعذب في جحره بذنب ابن آدم، ثم قرأ "ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة". وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا عن أنس نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة أنه سمع رجلاً يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه، قال أبو هريرة: بلى والله إن الحباري لتموت هزالاً في وكرها من ظلم الظالم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك "ويجعلون لله ما يكرهون" قال: يجعلون لي البنات ويكرهون ذلك لأنفسهم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى" قال: قول كفار قريش لنا البنون وله البنات. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد "وأنهم مفرطون" قال: منسبون. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: معجلون. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن نحوه.
بين سبحانه أن مثل صنيع قريش قد وقع من سائر الأمم، فقال مسلياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم 63- "تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك" أي رسلاً "فزين لهم الشيطان أعمالهم" الخبيثة "فهو وليهم اليوم" يحتمل أن يكون اليوم عبارة عن زمان الدنيا، فيكون المعنى: فهو قرينهم في الدنيا، ويحتمل أن يكون اليوم عبارة عن يوم القيامة وما بعده، فيكون للحال الآتية، ويكون الولي بمعنى الناصر، والمراد نفي الناصر عنهم على أبلغ الوجوه، لأن الشيطان لا يتصور منه النصرة أصلاً في الدار الآخرة، وإذا كان الناصر منحصراً فيه لزم أن لا نصرة من غيره، ويحتمل أن يراد باليوم بعض زمان الدنيا، وهو على وجهين: الأول أن يراد البعض الذي قد مضى، وهو الذي وقع فيه التزيين من الشيطان للأمم الماضية فيكون على طريق الحكاية للحال الماضية. الثاني أن يراد البعض الحاضر، وهو وقت نزول الآية. والمراد تزيين الشيطان لكفار قريش فيكون الضمير في "وليهم" لكفار قريش: أي فهو ولي هؤلاء اليوم، أو على حذف مضاف: أي فهو ولي أمثال أولئك الأمم اليوم "ولهم عذاب أليم" أي في الآخرة وهو عذاب النار.
ثم ذكر سبحانه أنه ما هلك من هلك إلا بعد إقامة الحجة عليهم وإزاحة العلة منهم فقال: 64- "وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه" وهذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد بالكتاب القرآن، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال: أي ما أنزلناه عليك لحال من الأحوال ولا لعلة من العلل إلا لعلة التبيين لهم: أي للناس الذي اختلفوا فيه من التوحيد وأحوال البعث وسائر الأحكام الشرعية، "و" انتصاب "هدىً ورحمةً" على أنهما مفعول لهما معطوفان على محل لتبين، ولا حاجة إلى اللام، لأنهما فعلا فاعل الفعل المعلل، بخلاف التبيين فإنه فعل المخاطب لا فعل المنزل "لقوم يؤمنون" بالله سبحانه ويصدقون ما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب.
ثم عاد سبحانه إلى تقرير وجوده وتفرده بالإلهية بذكر آياته العظام فقال: 65- "والله أنزل من السماء ماء" أي من السحاب، أي من جهة العلو كما مر: أي نوعاً من أنواع الماء "فأحيا به الأرض بعد موتها" أي أحياها بالنبات بعد أن كانت يابسة لا حياة بها "إن في ذلك" الإنزال والإحياء "لآية" أي علامة دالة على وحدانيته وعلى بعثه للخلق ومجازاتهم "لقوم يسمعون" كلام الله ويفهمون ما يتضمنه من العبر، ويتفكرون في خلق السموات والأرض.