سورة الأحزاب | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 425 من المصحف
51- "ترجي من تشاء منهن" قرئ " ترجي " مهموزاً وغير مهموز، وهما لغتان، والإرجاء التأخير، يقال: أرجأت الأمر وأرجيته: إذا أخرته "وتؤوي إليك من تشاء" أي تضم إليك، يقال آواه إليه بالمد: ضمه إليه، وأوى مقصوراً: أي ضم إليه، والمعنى: أن الله وسع على رسوله وجعل الخيار إليه في نسائه، فيؤخر من شاء منهن ويؤخر نوبتها ويتركها ولا يأتيها من غير طلاق، ويضم إليه من شاء منهن ويضاجعها ويبيت عندها، وقد كان القسم واجباً عليه حتى نزلت هذه الآية، فارتفع الوجوب وصار الخيار إليه، وكان ممن أوى إليه عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب، وممن أرجأه سودة وجويرية وأم حبيبة وميمونة وصفية، فكان صلى الله عليه وسلم يسوي بين من آواه في القسم، وكان يقسم لمن أرجأه ما شاء. هذا قول جمهور المفسرين في معنى الآية، وهو الذي دلت عليه الأدلة الثابتة في الصحيح وغيره. وقيل هذه الآية في الواهبات أنفسهن، لا في غيرهن من الزوجات. قاله الشعبي وغيره. وقيل معنى الآية في الطلاق: أي تطلق من تشاء منهن وتمسك من تشاء. وقال الحسن: أن المعنى: تنكح من شئت من نساء أمتك وتترك نكاح من شئت منهن. وقد قيل إن هذه الآية ناسخة لقوله: "لا يحل لك النساء من بعد" وسيأتي بيان ذلك "ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك" الابتغاء الطلب، والعزل الإزالة، والمعنى: أنه إن أراد أن يؤوي إلأيه امرأة ممن قد عزلهن من القسمة ويضمها إليه فلا حرج عليه في ذلك. والحاصل أن الله سبحانه فوض الأمر إلى رسوله يصنع في زوجاته ما شاء من تقديم وتأخير، وعزل وإمساك، وضم من أرجأ، وإرجاء من ضم إليه، وما شاء في أمرهن فعل توسعة عليه ونفياً للحرج عنه. وأصله الجناح الميل، يقال جنحت السفينة: إذا مالت. والمعنى: لا ميل عليك بلوم ولا عتب فيما فعلت، والإشارة بقوله: "ذلك" إلى ما تقدم من التفويض إلى مشيئته، وهو مبتدأ وخبره "أن تقر أعينهن" أي ذلك التفويض الذي فوضناك أقرب إلى رضاهن لأنه حكم الله سبحانه. قال قتادة: أي ذلك التخيير الذي خيرناك في صحبتهن أدنى إلى رضاهن إذ كان من عندنا، لأنهن إذا علمن أنه من الله قرت أعينهن. قرأ الجمهور تقر على البناء للفاعل مسندأ إلى أعينهن، وقرأ ابن محيصن تقر بضم التاء من أقرر وفاعله ضمير المخاطب ونصب أعينهن على المفعولية، وقرئ على البناء للمفعول. وقد تقدم بيان معنى قرة العين في سورة مريم، "و" معنى "لا يحزن" لا يحصل معهن حزن بتأثيرك بعضهن دون بعض "ويرضين بما آتيتهن كلهن" أي يرضين جميعاً بما أعطيتهن من تقريب وإرجاء وعزل وإيواء. قرأ الجمهور "كلهن" بالرفع تأكيداً لفاعل يرضين. وقرأ أبو إياس بالنصب تأكيداً لضمير المفعول في آتيتهن "والله يعلم ما في قلوبكم" من كل ما تضمرونه، ومن ذلك ما تضمرونه من أمور النساء "وكان الله عليماً" بكل شيء لا تخفى عليه خافية "حليماً" لا يعاجل العصاة بالعقوبة.
52- "لا يحل لك النساء من بعد" قرأ الجمهور "لا يحل" بالتحتية للفصل بين الفعل وفاعله المؤنث، وقرأ ابن كثير بالفوقية. وقد اختلف أهل العلم في تفسير هذه الآية على أقوال: الأول أنها محكمة، وأنه حرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج على نسائه مكافأة لهن بما فعلن من اختيار الله ورسوله والدار الآخرة لما خيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله له بذلك، وهذا قول ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة والحسن وابن سيرين وأبي بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وابن زيد وابن جرير. وقال أبو أمامة بن سهل بن حنيف: لما حرم الله عليهن أن يتزوجن من بعده حرم عليه أن يتزوج غيرهن. وقال أبي بن كعب وعكرمة وأبو رزين: إن المعنى: لا يحل لك النساء من بعد الأصناف التي سماها الله. قال القرطبي: وهو اختيار ابن جرير. وقيل لا يحل لك اليهوديات ولا النصرانيات لأنهن لا يصح أن يتصفن بأنهن أمهات المؤمنين. وهذا القول فيه بعد لأنه يكون التقدير: لا يحل لك النساء من بعد المسلمات. ولم يجز للمسلمات ذكر. وقيل هذه الآية منسوخة بالسنة وبقوله سبحانه: "ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء" وبهذا قالت عائشة وأم سلمة وعلي بن أبي طالب وعلي بن الحسين وغيرهم، وهذا هو الراجح، وسيأتي في آخر البحث ما يدل عليه من الأدلة "ولا أن تبدل بهن من أزواج" أي تتبدل فحذفت إحدى التاءين: أي ليس لك أن تطلق واحدة منهن أو أكثر وتتزوج بدل من طلقت منهن، و من في قوله: "من أزواج" مزيدة للتأكيد. وقال ابن زيد: هذا شيء كانت العرب تفعله يقول: خذ زوجتي وأعطني زوجتك، وقد أنكر النحاس وابن جرير ما ذكره ابن زيد. قال ابن جرير: ما فعلت العرب هذا قط. ويدفع هذا الإنكار منهما ما أخرجه الدارقطني عن أبي هريرة قال: كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي، فأنزل الله عز وجل "ولا أن تبدل بهن". وأخرجه أيضاً عنه البزار وابن مردويه، وجملة "ولو أعجبك حسنهن" في محل نصب على الحال من فاعل تبدل، والمعنى: أنه لا يحل التبدل بأزواجك ولو أعجبك حسن غيرهن ممن أردت أن تجعلها بدلاً من إحداهن، وهذا التبدل أيضاً من جملة ما نسخه الله في حق رسوله على القول الراجح، وقوله: "إلا ما ملكت يمينك" استثناء من النساء لأنه يتناول الحرائر والإماء. وقد اختلف العلماء في تحليل الأمة الكافرة. القول الأول: أنها تحل للنبي صلى الله عليه وسلم لعموم هذه الآية، وبه قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحكم. القول الثاني: أنها لا تحل له تنزيهاً لقدره عن مباشرة الكافرة. ويترجح القول الأول بعموم هذه الآية، وتعليل المنع بالتنزه ضعيف فلا تنزه عما أحله الله سبحانه، فإن ما أحله فهو طيب لا خبيث باعتبار ما يتعلق بأمور النكاح، لا باعتبار غير ذلك، فالمشركون نجس بنص القرآن. ويمكن ترجيح القول الثاني بقوله سبحانه: "ولا تمسكوا بعصم الكوافر" فإنه نهي عام "وكان الله على كل شيء رقيباً" أي أمراقباً حافظاً مهيمناً لا يخفى عليه شيء ولا يفوته شيء. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "إذا نكحتم المؤمنات" قال: هذا في الرجل يتزوج المرأة، ثم يطلقها من قبل أن يمسها، فإذا طلقها واحدة بانت منه ولا عدة عليها تتزوج من شاءت، ثم قال: "فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً" يقول: إن كان سمى لها صداقاً فليس لها إلا النصف، وإن لم يكن سمى لها صداقاً متعها على قدر عسره ويسره، وهو السراح الجميل. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال: "إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن" منسوخة نسختها التي في البقرة "فنصف ما فرضتم". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن المسيب نحوه. وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال: بلغ ابن عباس أن ابن مسعود يقول: إن طلق ما لم ينكح فهو جائز، فقال ابن عباس أخطأ في هذا، إن الله يقول: "إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن" ولم يقل: إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس أنه تلا هذه الآية وقال: لا يكون طلاق حتى يكون نكاح. وقد وردت أحاديث منها أنه لا طلاق إلا بعد نكاح وهي معروفة. وأخرج ابن سعد وابن راهويه وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أم هانئ بنت أبي طالب. قالت: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني. فأنزل الله "يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك" إلى قوله: "هاجرن معك" قالت: فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت: نزلت في هذه الآية " وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك " أراد النبي أن يتزوجني فنهي عني إذ لم أهاجر. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "إنا أحللنا لك أزواجك" إلى قوله: "خالصة لك" قال فحرم الله عليه سوى ذلك من النساء، وكان قبل ذلك ينكح في أي النساء شاء لم يحرم ذلك عليه، وكان نساؤه يجدن من ذلك وجداً شديداً أن ينكح في أي النساء أحب، فلما أنزل إني حرمت عليك من النساء سوى ما قصصت عليك أعجب ذلك نساءه. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في السنن من عائشة قالت: التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم. وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي وابن مردويه عن عروة: أن خولة بنت حكيم كانت من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب وعمر بن الحكم وعبد الله بن عبيدة قالوا: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة امرأة: ست من قريش: وامرأتين من بني هلال بن عامر: ميمونة بنت الحارث، وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وزينب أم المساكين، والعامرية وهي التي اختارت الدنيا، وامرأة من بني الجون وهي التي استعاذت منه، وزينب بنت جحش الأسدية، والسبيتين: صفية بنت حيي، وجويرية بنت الحارث الخزاعية. وأخرج البخاري وابن مردويه عن أنس قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله هل لك في حاجة؟ فقالت ابنة أنس: ما كان أقل حياءها، فقال. هي خير منك رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت نفسها عليه. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سهل بن سعد الساعدي أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوهبت نفسها له فصمتن الحديث بطوله. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر في قوله: "قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم" قال: فرض الله عليهم أنه لا نكاح إلا بولي وشاهدين. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مثله وزاد ومهر. وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توطأ الحامل حتى تضع، والحائل حتى تستبرأ بحيضة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس "ترجي من تشاء منهن" قال: تؤخر. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه في قول: "ترجي من تشاء منهن" يقول: من شئت خليت سبيله منهن، ومن أحببت أمسكت منهن. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت: كنت أغار من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول تهب المرأة نفسها، فلما أنزل الله "ترجي من تشاء منهن" الآية قلت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي رزين قال: هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق من نسائهن فلما رأين ذلك أتينه فقلن: لا يخل سبيلنا وأنت في حل فيما بيننا وبينك، افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت، فأنزل الله "ترجي من تشاء منهن" يقول: تعزل من تشاء فأرجأ منهن نسوى وآوى نسوة. وكان ممن أرجى ميمونة وجويرية وأم حبيبة وصفية وسودة، وكان يقسم بينهن من نفسه وماله ما شاء، وكان ممن آوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب، فكانت قسمته من نفسه وماله بينهن سواء. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستأذن في يوم المرأة منا بعد أن أنزلت هذه الآية "ترجي من تشاء منهن" فقلت لها: ما كنت تقولين؟ قالت: كنت أقول: إن كان ذلك إلي فإني لا أريد أن أؤثر عليك أحداً. وأخرج الروياني والدارمي وابن سعد وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن زياد رجل من الأنصار قال: قلت لأبي بن كعب: أرأيت لو أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم متن أما كان يحل له أن يتزوج؟ قال: وما يمنعه من ذلك؟ قلت: قوله: "لا يحل لك النساء من بعد" قال: إنما أحل له ضرباً من النساء ووصف له صحته فقال: "يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك" إلى قوله: "وامرأة مؤمنة" ثم قال: لا يحل لك النساء من بعد هذه الصفة. وأخرج عبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات قال: "لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك" فأحل له الفتيات المؤمنات" وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي" وحرم كل ذات دين غير الإسلام، وقال: "يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك" إلى قوله: "خالصة لك من دون المؤمنين" وحرم ما سوى ذلك من أصناف النساء. وأخرج ابن مردويه عنه قال نيه النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بعد نسائه الأول شيئاً. وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال: حبسه الله عليهن كما حبسهن عليه. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس قال: لما خيرهن فاخترن الله ورسوله قصره عليهن فقال: "لا يحل لك النساء من بعد". وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم عن أم سلمة قالت: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النسا ما شاء إلا ذات محرم، وذلك قول الله "ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء". وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن سعد وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي من طريق عطاء عن عائشة قالت: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم لقوله: "ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء". وأخرج ابن سعد عن ابن عباس مثله. وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي رزين "لا يحل لك النساء من بعد" قال: من الشركات إلا ما سبيت فملكت يمينك. وأخرج البزار وابن مردويه عن أبي هريرة قال: كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: بادلني امرأتك وأبادلك امرأتي: أي تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي، فأنزل الله "ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن" قال: "فدخل عيينة بن حصن الفزاري إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة، وفدخل بغير إذن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الاستئذان؟ قال: يا رسول الله ما استأذنت على رجل من الأنصار منذ أدركت، ثم قال: من هذه الحميراء إلى جنبك؟ فقال رسول الله: هذه عائشة أم المؤمنين، قال: أفلا أنزل لك عن أحسن خلق الله؟ قال: يا عيينة إن الله حرم ذلك، فلما أن خرج قالت عائشة: من هذا؟ قال: أحمق مطاع، وإنه على ما ترين لسيد قومه".
قوله: 53- "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي" هذا نهي عام لكل مؤمن أن يدخل بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بإذن منه. سبب الزول ما وقع من بعض الصحابة في وليمة زينب، وسيأتي بيان ذلك آخر البحث إن شاء الله. وقوله: "إلا أن يؤذن لكم" استثناء مفرغ من أعم الأحوال: أي لا تدخلوها في حال من الأحوال إلا في حال كونكم مأذوناً لكم، وهو في موضع نصب على الحال: أي إلا مصحوبين بالإذن أو بنزع الخافض: أي إلا بأن يؤذن لكم، أو منصوب على الظرفية: أي إلا وقت أن يؤذن لكم، وقوله: "إلى طعام" متعلق بيؤذن على تضمينه معنى الدعاء: أي ادخلوا غير ناظرين، ومعنى ناظرين: منتظرين، و "إناه": نضجه وإدراكه، يقال أنى يأنى أنى: إذا حان وأدرك. قرأ الجمهور "غير ناظرين" بالنصب. وقرأ ابن أبي عبلة غير بالجر صفة لطعام، وضعف النحاة هذه القراءة لعدم بروز الضمير لكونه جارياً على غير من هو له، فكان حقه أن يقال غير ناظرين إناه أنتم ثم بين لهم سبحانه ما ينبغي في ذلك فقال: "ولكن إذا دعيتم فادخلوا" وفيه تأكيد للمنع، وبيان الوقت الذي يكون فيه الدخول، وهو عند الإذن. قال ابن الأعرابي: وتقدير الكلام: ولكن إذا دعيتم وأذن لكم فادخلوا، وإلا فنفس الدعوة لا تكون إذناً كافياً في الدخول، وقيل إن فيه دلالة بينة على أن المراد بالإذن إلى الطعام هو الدعوة إليه "فإذا طعمتم فانتشروا" أمرهم سبحانه بالانتشار بعد الطعام، وهو التفرق، والمراد الإلزام بالخروج من المنزل الذي وقعت الدعوة إليه عند انقضاء المقصود من الأكل "ولا مستأنسين لحديث" عطف على قوله غير ناظرين، أو على مقدر: أي ولا تدخلوا ولا تمكثوا مستأنسين. والمعنى: النيه لهم عن أن يجلسوا بعد الطعام يتحدثون مستأنسين بالحديث. قال الرازي في قوله: "إلا أن يؤذن لكم إلى طعام" إما أن يكون فيه تقديم وتأخير فيكون معناه: ولا تدخلوا إلا أن يؤذن لكم إلى طعام، فيكون الإذن مشروطاً بكونه إلى طعام، فإن لم يؤذن إلى طعام فلا يجوز الدخول، فلو أذن لواحد في الدخول لاستماع كلام لا لأكل طعام فلا يجوز، فنقول المراد هو الثاني ليعم النهي عن الدخول. وأما كونه لا يجوز إلا بإذن إلى طعام فلما هو مذكور في سبب النزول أن الخطاب مع قوم كانوا يتحينون حين الطعام ويدخلون من غير إذن، فمنعوا من الدخول في وقتهم بغير إذن. وقال ابن عادل: الأولى أن يقال المراد هو الثاني، لأن التقديم والتأخير خلاف الأصل، وقوله: "إلى طعام" من باب التخصيص بالذكر، فلا يدل على نفي ما عداه، لا سيما إذا علم مثله، فإن من جاز دخوله بإذنه إلى غير الطعام انتهى. والأولى في التعبير عن هذا المعنى الذي أراده أن يقال: قد دلت الأدلة على جواز دخول بيوته صلى الله عليه وسلم بإذنه لغير الطعام، وذلك معلوم لا شك فيه، فقد كان الصحابة وغيرهم يستأذنون عليه لغير الطعام فيأذن لهم، وذلك معلوم لا شك فيه، فقد كان الصحابة وغيرهم يستأذنون عليه لغير الطعام فيأذن لهم، وذلك يوجب قصر هذه الآية على السبب الذن نزلت فيه، وهو القوم الذين كانوا يتحينون طعام النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه وأمثالهم، فلا تدل على المنع من الدخول مع الإذن لغير ذلك، وإلا لما جاز لأحد أن يدخل بيوته بإذنه لغير الطعام، واللازم باطل فالملزوم مثله. قال ابن عطية: وكانت سيرة القوم إذا كان لهم طعام وليمة أو نحوه أن يبكر من شاء إلى الدعوة ينتظرون طبخ الطعام ونضجه، وكذلك إذا فرغوا منه جلسوا كذلك، فنهى الله المؤمنين عن ذلك في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل في النيه سائر المؤمنين، والتزم الناس أدب الله لهم في ذلك، فمنعهم من الدخول إلا بإذن عند الأكل لا قبله لانتظار نضج الطعام، والإشارة بقوله: "إن ذلكم" إلى الانتظار والاستئناس للحديث، وأشير إليهما بما يشار به إلى الواحد بتأويلهما بالمذكور كما في قوله: "عوان بين ذلك" أي إن ذلك المذكور من الأمرين"كان يؤذي النبي" لأنهم كانوا يضيقون المنزل عليه وعلى أهله ويتحدثون بما لا يريده. قال الزجاج: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل إطالتهم كرماً منه فيصبر على الأذى في ذلك، فعلم الله من يحضره الأدب، صار أدباً لهم ولمن بعدهم "فيستحيي منكم" أي يستحيي أن يقول لكم قوموا أو اخرجوا "والله لا يستحيي من الحق" أي لا يترك أن يبين لكم ما هو الحق ولا يمتنع من بيانه وإظهاره والتعبير عنه بعدم الاستحياء للمشاكلة. وقرأ الجمهور يستحيي بياءين، وروي عن ابن كثير أنه قرأ بياء واحدة، وهي لغة تميم يقولون استحى يستحي مثل استقى يستقي، ثم ذكر سبحانه أجباً آخر متعلقاً بنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "وإذا سألتموهن متاعاً" أي شيئاً يتمتع به، من الماعون وغيره "فاسألوهن من وراء حجاب" أي من وراء ستل بينكم وبينهن. والمتاع يطلق على كل ما يتمتع به، فلا وجه لما قيل من أن المراد به العارية أو الفتوى أو المصحف، والإشارة بقوله: "ذلكم" إلى سؤال المتاع من وراء حجاب، وقيل الإشارة إلى جميع ما ذكر من عدم الدخول بغير إذن، وعدم الاستئناس للحديث عند الدخول وسؤال المتاع، والأول أولى، واسم الإشارة مبتدأ وخبره "أطهر لقلوبكم وقلوبهن" أي أكثر تطهيراً لها من الريبة، وخواطر السوء التي تعرض للرجال في أمر النساء، واللنساء في أمر الرجال. وفي هذا أدب لكل مؤمن وتحذير له من أن يثق بنفسه من الخلوة مع من لا تحل له والمكالمة من جون حجاب لمن تحرم عليه "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله" أي ما صح لكم ولا استقام أن تؤذوه بشيء من الأشياء كائناً ما كان، ومن جملة ذلك دخول بيوته بغير إذن منه، واللبث فيها على غير الوجه الذي يريده، وتكليم نسائه من دون حجاب "ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً" أي ولا كان لكم ذلك بعد وفاته لأنهن أمهات المؤمنين، ولا يحل للأولاد نكاح الأمهات، والإشارة بقوله: "إن ذلكم" إلى نكاح أزواجه من بعده "كان عند الله عظيماً" أي ذنباً عظيماً وخطباً هائلاً شديداً. وكان سبب نزول الآية أنه قال قائل: لو قد مات محمد لتزوجنا نساءه، وسيأتي بيان ذلك.
54- "إن تبدوا شيئاً أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليماً" يعلم كل شيء من الأشياء، ومن جملة ذلك ما تظهرونه في شأن أزواج رسوله، وما تكتمونه في صدوركم. وفي هذا وعيد شديد، لأن إحاطته بالمعلومات تستلزم المجازاة على خيرها وشرها.
فتح القدير - صفحة القرآن رقم 425
42451- "ترجي من تشاء منهن" قرئ " ترجي " مهموزاً وغير مهموز، وهما لغتان، والإرجاء التأخير، يقال: أرجأت الأمر وأرجيته: إذا أخرته "وتؤوي إليك من تشاء" أي تضم إليك، يقال آواه إليه بالمد: ضمه إليه، وأوى مقصوراً: أي ضم إليه، والمعنى: أن الله وسع على رسوله وجعل الخيار إليه في نسائه، فيؤخر من شاء منهن ويؤخر نوبتها ويتركها ولا يأتيها من غير طلاق، ويضم إليه من شاء منهن ويضاجعها ويبيت عندها، وقد كان القسم واجباً عليه حتى نزلت هذه الآية، فارتفع الوجوب وصار الخيار إليه، وكان ممن أوى إليه عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب، وممن أرجأه سودة وجويرية وأم حبيبة وميمونة وصفية، فكان صلى الله عليه وسلم يسوي بين من آواه في القسم، وكان يقسم لمن أرجأه ما شاء. هذا قول جمهور المفسرين في معنى الآية، وهو الذي دلت عليه الأدلة الثابتة في الصحيح وغيره. وقيل هذه الآية في الواهبات أنفسهن، لا في غيرهن من الزوجات. قاله الشعبي وغيره. وقيل معنى الآية في الطلاق: أي تطلق من تشاء منهن وتمسك من تشاء. وقال الحسن: أن المعنى: تنكح من شئت من نساء أمتك وتترك نكاح من شئت منهن. وقد قيل إن هذه الآية ناسخة لقوله: "لا يحل لك النساء من بعد" وسيأتي بيان ذلك "ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك" الابتغاء الطلب، والعزل الإزالة، والمعنى: أنه إن أراد أن يؤوي إلأيه امرأة ممن قد عزلهن من القسمة ويضمها إليه فلا حرج عليه في ذلك. والحاصل أن الله سبحانه فوض الأمر إلى رسوله يصنع في زوجاته ما شاء من تقديم وتأخير، وعزل وإمساك، وضم من أرجأ، وإرجاء من ضم إليه، وما شاء في أمرهن فعل توسعة عليه ونفياً للحرج عنه. وأصله الجناح الميل، يقال جنحت السفينة: إذا مالت. والمعنى: لا ميل عليك بلوم ولا عتب فيما فعلت، والإشارة بقوله: "ذلك" إلى ما تقدم من التفويض إلى مشيئته، وهو مبتدأ وخبره "أن تقر أعينهن" أي ذلك التفويض الذي فوضناك أقرب إلى رضاهن لأنه حكم الله سبحانه. قال قتادة: أي ذلك التخيير الذي خيرناك في صحبتهن أدنى إلى رضاهن إذ كان من عندنا، لأنهن إذا علمن أنه من الله قرت أعينهن. قرأ الجمهور تقر على البناء للفاعل مسندأ إلى أعينهن، وقرأ ابن محيصن تقر بضم التاء من أقرر وفاعله ضمير المخاطب ونصب أعينهن على المفعولية، وقرئ على البناء للمفعول. وقد تقدم بيان معنى قرة العين في سورة مريم، "و" معنى "لا يحزن" لا يحصل معهن حزن بتأثيرك بعضهن دون بعض "ويرضين بما آتيتهن كلهن" أي يرضين جميعاً بما أعطيتهن من تقريب وإرجاء وعزل وإيواء. قرأ الجمهور "كلهن" بالرفع تأكيداً لفاعل يرضين. وقرأ أبو إياس بالنصب تأكيداً لضمير المفعول في آتيتهن "والله يعلم ما في قلوبكم" من كل ما تضمرونه، ومن ذلك ما تضمرونه من أمور النساء "وكان الله عليماً" بكل شيء لا تخفى عليه خافية "حليماً" لا يعاجل العصاة بالعقوبة.
52- "لا يحل لك النساء من بعد" قرأ الجمهور "لا يحل" بالتحتية للفصل بين الفعل وفاعله المؤنث، وقرأ ابن كثير بالفوقية. وقد اختلف أهل العلم في تفسير هذه الآية على أقوال: الأول أنها محكمة، وأنه حرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج على نسائه مكافأة لهن بما فعلن من اختيار الله ورسوله والدار الآخرة لما خيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله له بذلك، وهذا قول ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة والحسن وابن سيرين وأبي بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وابن زيد وابن جرير. وقال أبو أمامة بن سهل بن حنيف: لما حرم الله عليهن أن يتزوجن من بعده حرم عليه أن يتزوج غيرهن. وقال أبي بن كعب وعكرمة وأبو رزين: إن المعنى: لا يحل لك النساء من بعد الأصناف التي سماها الله. قال القرطبي: وهو اختيار ابن جرير. وقيل لا يحل لك اليهوديات ولا النصرانيات لأنهن لا يصح أن يتصفن بأنهن أمهات المؤمنين. وهذا القول فيه بعد لأنه يكون التقدير: لا يحل لك النساء من بعد المسلمات. ولم يجز للمسلمات ذكر. وقيل هذه الآية منسوخة بالسنة وبقوله سبحانه: "ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء" وبهذا قالت عائشة وأم سلمة وعلي بن أبي طالب وعلي بن الحسين وغيرهم، وهذا هو الراجح، وسيأتي في آخر البحث ما يدل عليه من الأدلة "ولا أن تبدل بهن من أزواج" أي تتبدل فحذفت إحدى التاءين: أي ليس لك أن تطلق واحدة منهن أو أكثر وتتزوج بدل من طلقت منهن، و من في قوله: "من أزواج" مزيدة للتأكيد. وقال ابن زيد: هذا شيء كانت العرب تفعله يقول: خذ زوجتي وأعطني زوجتك، وقد أنكر النحاس وابن جرير ما ذكره ابن زيد. قال ابن جرير: ما فعلت العرب هذا قط. ويدفع هذا الإنكار منهما ما أخرجه الدارقطني عن أبي هريرة قال: كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي، فأنزل الله عز وجل "ولا أن تبدل بهن". وأخرجه أيضاً عنه البزار وابن مردويه، وجملة "ولو أعجبك حسنهن" في محل نصب على الحال من فاعل تبدل، والمعنى: أنه لا يحل التبدل بأزواجك ولو أعجبك حسن غيرهن ممن أردت أن تجعلها بدلاً من إحداهن، وهذا التبدل أيضاً من جملة ما نسخه الله في حق رسوله على القول الراجح، وقوله: "إلا ما ملكت يمينك" استثناء من النساء لأنه يتناول الحرائر والإماء. وقد اختلف العلماء في تحليل الأمة الكافرة. القول الأول: أنها تحل للنبي صلى الله عليه وسلم لعموم هذه الآية، وبه قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحكم. القول الثاني: أنها لا تحل له تنزيهاً لقدره عن مباشرة الكافرة. ويترجح القول الأول بعموم هذه الآية، وتعليل المنع بالتنزه ضعيف فلا تنزه عما أحله الله سبحانه، فإن ما أحله فهو طيب لا خبيث باعتبار ما يتعلق بأمور النكاح، لا باعتبار غير ذلك، فالمشركون نجس بنص القرآن. ويمكن ترجيح القول الثاني بقوله سبحانه: "ولا تمسكوا بعصم الكوافر" فإنه نهي عام "وكان الله على كل شيء رقيباً" أي أمراقباً حافظاً مهيمناً لا يخفى عليه شيء ولا يفوته شيء. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "إذا نكحتم المؤمنات" قال: هذا في الرجل يتزوج المرأة، ثم يطلقها من قبل أن يمسها، فإذا طلقها واحدة بانت منه ولا عدة عليها تتزوج من شاءت، ثم قال: "فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً" يقول: إن كان سمى لها صداقاً فليس لها إلا النصف، وإن لم يكن سمى لها صداقاً متعها على قدر عسره ويسره، وهو السراح الجميل. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال: "إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن" منسوخة نسختها التي في البقرة "فنصف ما فرضتم". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن المسيب نحوه. وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال: بلغ ابن عباس أن ابن مسعود يقول: إن طلق ما لم ينكح فهو جائز، فقال ابن عباس أخطأ في هذا، إن الله يقول: "إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن" ولم يقل: إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس أنه تلا هذه الآية وقال: لا يكون طلاق حتى يكون نكاح. وقد وردت أحاديث منها أنه لا طلاق إلا بعد نكاح وهي معروفة. وأخرج ابن سعد وابن راهويه وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أم هانئ بنت أبي طالب. قالت: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني. فأنزل الله "يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك" إلى قوله: "هاجرن معك" قالت: فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت: نزلت في هذه الآية " وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك " أراد النبي أن يتزوجني فنهي عني إذ لم أهاجر. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "إنا أحللنا لك أزواجك" إلى قوله: "خالصة لك" قال فحرم الله عليه سوى ذلك من النساء، وكان قبل ذلك ينكح في أي النساء شاء لم يحرم ذلك عليه، وكان نساؤه يجدن من ذلك وجداً شديداً أن ينكح في أي النساء أحب، فلما أنزل إني حرمت عليك من النساء سوى ما قصصت عليك أعجب ذلك نساءه. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في السنن من عائشة قالت: التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم. وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي وابن مردويه عن عروة: أن خولة بنت حكيم كانت من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب وعمر بن الحكم وعبد الله بن عبيدة قالوا: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة امرأة: ست من قريش: وامرأتين من بني هلال بن عامر: ميمونة بنت الحارث، وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وزينب أم المساكين، والعامرية وهي التي اختارت الدنيا، وامرأة من بني الجون وهي التي استعاذت منه، وزينب بنت جحش الأسدية، والسبيتين: صفية بنت حيي، وجويرية بنت الحارث الخزاعية. وأخرج البخاري وابن مردويه عن أنس قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله هل لك في حاجة؟ فقالت ابنة أنس: ما كان أقل حياءها، فقال. هي خير منك رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت نفسها عليه. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سهل بن سعد الساعدي أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوهبت نفسها له فصمتن الحديث بطوله. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر في قوله: "قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم" قال: فرض الله عليهم أنه لا نكاح إلا بولي وشاهدين. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مثله وزاد ومهر. وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توطأ الحامل حتى تضع، والحائل حتى تستبرأ بحيضة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس "ترجي من تشاء منهن" قال: تؤخر. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه في قول: "ترجي من تشاء منهن" يقول: من شئت خليت سبيله منهن، ومن أحببت أمسكت منهن. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت: كنت أغار من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول تهب المرأة نفسها، فلما أنزل الله "ترجي من تشاء منهن" الآية قلت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي رزين قال: هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق من نسائهن فلما رأين ذلك أتينه فقلن: لا يخل سبيلنا وأنت في حل فيما بيننا وبينك، افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت، فأنزل الله "ترجي من تشاء منهن" يقول: تعزل من تشاء فأرجأ منهن نسوى وآوى نسوة. وكان ممن أرجى ميمونة وجويرية وأم حبيبة وصفية وسودة، وكان يقسم بينهن من نفسه وماله ما شاء، وكان ممن آوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب، فكانت قسمته من نفسه وماله بينهن سواء. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستأذن في يوم المرأة منا بعد أن أنزلت هذه الآية "ترجي من تشاء منهن" فقلت لها: ما كنت تقولين؟ قالت: كنت أقول: إن كان ذلك إلي فإني لا أريد أن أؤثر عليك أحداً. وأخرج الروياني والدارمي وابن سعد وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن زياد رجل من الأنصار قال: قلت لأبي بن كعب: أرأيت لو أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم متن أما كان يحل له أن يتزوج؟ قال: وما يمنعه من ذلك؟ قلت: قوله: "لا يحل لك النساء من بعد" قال: إنما أحل له ضرباً من النساء ووصف له صحته فقال: "يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك" إلى قوله: "وامرأة مؤمنة" ثم قال: لا يحل لك النساء من بعد هذه الصفة. وأخرج عبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات قال: "لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك" فأحل له الفتيات المؤمنات" وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي" وحرم كل ذات دين غير الإسلام، وقال: "يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك" إلى قوله: "خالصة لك من دون المؤمنين" وحرم ما سوى ذلك من أصناف النساء. وأخرج ابن مردويه عنه قال نيه النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بعد نسائه الأول شيئاً. وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال: حبسه الله عليهن كما حبسهن عليه. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس قال: لما خيرهن فاخترن الله ورسوله قصره عليهن فقال: "لا يحل لك النساء من بعد". وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم عن أم سلمة قالت: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النسا ما شاء إلا ذات محرم، وذلك قول الله "ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء". وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن سعد وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي من طريق عطاء عن عائشة قالت: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم لقوله: "ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء". وأخرج ابن سعد عن ابن عباس مثله. وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي رزين "لا يحل لك النساء من بعد" قال: من الشركات إلا ما سبيت فملكت يمينك. وأخرج البزار وابن مردويه عن أبي هريرة قال: كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: بادلني امرأتك وأبادلك امرأتي: أي تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي، فأنزل الله "ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن" قال: "فدخل عيينة بن حصن الفزاري إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة، وفدخل بغير إذن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الاستئذان؟ قال: يا رسول الله ما استأذنت على رجل من الأنصار منذ أدركت، ثم قال: من هذه الحميراء إلى جنبك؟ فقال رسول الله: هذه عائشة أم المؤمنين، قال: أفلا أنزل لك عن أحسن خلق الله؟ قال: يا عيينة إن الله حرم ذلك، فلما أن خرج قالت عائشة: من هذا؟ قال: أحمق مطاع، وإنه على ما ترين لسيد قومه".
قوله: 53- "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي" هذا نهي عام لكل مؤمن أن يدخل بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بإذن منه. سبب الزول ما وقع من بعض الصحابة في وليمة زينب، وسيأتي بيان ذلك آخر البحث إن شاء الله. وقوله: "إلا أن يؤذن لكم" استثناء مفرغ من أعم الأحوال: أي لا تدخلوها في حال من الأحوال إلا في حال كونكم مأذوناً لكم، وهو في موضع نصب على الحال: أي إلا مصحوبين بالإذن أو بنزع الخافض: أي إلا بأن يؤذن لكم، أو منصوب على الظرفية: أي إلا وقت أن يؤذن لكم، وقوله: "إلى طعام" متعلق بيؤذن على تضمينه معنى الدعاء: أي ادخلوا غير ناظرين، ومعنى ناظرين: منتظرين، و "إناه": نضجه وإدراكه، يقال أنى يأنى أنى: إذا حان وأدرك. قرأ الجمهور "غير ناظرين" بالنصب. وقرأ ابن أبي عبلة غير بالجر صفة لطعام، وضعف النحاة هذه القراءة لعدم بروز الضمير لكونه جارياً على غير من هو له، فكان حقه أن يقال غير ناظرين إناه أنتم ثم بين لهم سبحانه ما ينبغي في ذلك فقال: "ولكن إذا دعيتم فادخلوا" وفيه تأكيد للمنع، وبيان الوقت الذي يكون فيه الدخول، وهو عند الإذن. قال ابن الأعرابي: وتقدير الكلام: ولكن إذا دعيتم وأذن لكم فادخلوا، وإلا فنفس الدعوة لا تكون إذناً كافياً في الدخول، وقيل إن فيه دلالة بينة على أن المراد بالإذن إلى الطعام هو الدعوة إليه "فإذا طعمتم فانتشروا" أمرهم سبحانه بالانتشار بعد الطعام، وهو التفرق، والمراد الإلزام بالخروج من المنزل الذي وقعت الدعوة إليه عند انقضاء المقصود من الأكل "ولا مستأنسين لحديث" عطف على قوله غير ناظرين، أو على مقدر: أي ولا تدخلوا ولا تمكثوا مستأنسين. والمعنى: النيه لهم عن أن يجلسوا بعد الطعام يتحدثون مستأنسين بالحديث. قال الرازي في قوله: "إلا أن يؤذن لكم إلى طعام" إما أن يكون فيه تقديم وتأخير فيكون معناه: ولا تدخلوا إلا أن يؤذن لكم إلى طعام، فيكون الإذن مشروطاً بكونه إلى طعام، فإن لم يؤذن إلى طعام فلا يجوز الدخول، فلو أذن لواحد في الدخول لاستماع كلام لا لأكل طعام فلا يجوز، فنقول المراد هو الثاني ليعم النهي عن الدخول. وأما كونه لا يجوز إلا بإذن إلى طعام فلما هو مذكور في سبب النزول أن الخطاب مع قوم كانوا يتحينون حين الطعام ويدخلون من غير إذن، فمنعوا من الدخول في وقتهم بغير إذن. وقال ابن عادل: الأولى أن يقال المراد هو الثاني، لأن التقديم والتأخير خلاف الأصل، وقوله: "إلى طعام" من باب التخصيص بالذكر، فلا يدل على نفي ما عداه، لا سيما إذا علم مثله، فإن من جاز دخوله بإذنه إلى غير الطعام انتهى. والأولى في التعبير عن هذا المعنى الذي أراده أن يقال: قد دلت الأدلة على جواز دخول بيوته صلى الله عليه وسلم بإذنه لغير الطعام، وذلك معلوم لا شك فيه، فقد كان الصحابة وغيرهم يستأذنون عليه لغير الطعام فيأذن لهم، وذلك معلوم لا شك فيه، فقد كان الصحابة وغيرهم يستأذنون عليه لغير الطعام فيأذن لهم، وذلك يوجب قصر هذه الآية على السبب الذن نزلت فيه، وهو القوم الذين كانوا يتحينون طعام النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه وأمثالهم، فلا تدل على المنع من الدخول مع الإذن لغير ذلك، وإلا لما جاز لأحد أن يدخل بيوته بإذنه لغير الطعام، واللازم باطل فالملزوم مثله. قال ابن عطية: وكانت سيرة القوم إذا كان لهم طعام وليمة أو نحوه أن يبكر من شاء إلى الدعوة ينتظرون طبخ الطعام ونضجه، وكذلك إذا فرغوا منه جلسوا كذلك، فنهى الله المؤمنين عن ذلك في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل في النيه سائر المؤمنين، والتزم الناس أدب الله لهم في ذلك، فمنعهم من الدخول إلا بإذن عند الأكل لا قبله لانتظار نضج الطعام، والإشارة بقوله: "إن ذلكم" إلى الانتظار والاستئناس للحديث، وأشير إليهما بما يشار به إلى الواحد بتأويلهما بالمذكور كما في قوله: "عوان بين ذلك" أي إن ذلك المذكور من الأمرين"كان يؤذي النبي" لأنهم كانوا يضيقون المنزل عليه وعلى أهله ويتحدثون بما لا يريده. قال الزجاج: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل إطالتهم كرماً منه فيصبر على الأذى في ذلك، فعلم الله من يحضره الأدب، صار أدباً لهم ولمن بعدهم "فيستحيي منكم" أي يستحيي أن يقول لكم قوموا أو اخرجوا "والله لا يستحيي من الحق" أي لا يترك أن يبين لكم ما هو الحق ولا يمتنع من بيانه وإظهاره والتعبير عنه بعدم الاستحياء للمشاكلة. وقرأ الجمهور يستحيي بياءين، وروي عن ابن كثير أنه قرأ بياء واحدة، وهي لغة تميم يقولون استحى يستحي مثل استقى يستقي، ثم ذكر سبحانه أجباً آخر متعلقاً بنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "وإذا سألتموهن متاعاً" أي شيئاً يتمتع به، من الماعون وغيره "فاسألوهن من وراء حجاب" أي من وراء ستل بينكم وبينهن. والمتاع يطلق على كل ما يتمتع به، فلا وجه لما قيل من أن المراد به العارية أو الفتوى أو المصحف، والإشارة بقوله: "ذلكم" إلى سؤال المتاع من وراء حجاب، وقيل الإشارة إلى جميع ما ذكر من عدم الدخول بغير إذن، وعدم الاستئناس للحديث عند الدخول وسؤال المتاع، والأول أولى، واسم الإشارة مبتدأ وخبره "أطهر لقلوبكم وقلوبهن" أي أكثر تطهيراً لها من الريبة، وخواطر السوء التي تعرض للرجال في أمر النساء، واللنساء في أمر الرجال. وفي هذا أدب لكل مؤمن وتحذير له من أن يثق بنفسه من الخلوة مع من لا تحل له والمكالمة من جون حجاب لمن تحرم عليه "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله" أي ما صح لكم ولا استقام أن تؤذوه بشيء من الأشياء كائناً ما كان، ومن جملة ذلك دخول بيوته بغير إذن منه، واللبث فيها على غير الوجه الذي يريده، وتكليم نسائه من دون حجاب "ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً" أي ولا كان لكم ذلك بعد وفاته لأنهن أمهات المؤمنين، ولا يحل للأولاد نكاح الأمهات، والإشارة بقوله: "إن ذلكم" إلى نكاح أزواجه من بعده "كان عند الله عظيماً" أي ذنباً عظيماً وخطباً هائلاً شديداً. وكان سبب نزول الآية أنه قال قائل: لو قد مات محمد لتزوجنا نساءه، وسيأتي بيان ذلك.
54- "إن تبدوا شيئاً أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليماً" يعلم كل شيء من الأشياء، ومن جملة ذلك ما تظهرونه في شأن أزواج رسوله، وما تكتمونه في صدوركم. وفي هذا وعيد شديد، لأن إحاطته بالمعلومات تستلزم المجازاة على خيرها وشرها.
الصفحة رقم 425 من المصحف تحميل و استماع mp3