تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 450 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 450

449

103- "فلما أسلما" أي استسلما لأمر الله وأطاعاه وانقادا له. قرأ الجمهور أسلمنا وقرأ علي وابن مسعود وابن عباس فلما سلما أي فوضا أمرهما إلى الله، وروي عن ابن عباس أنه قرأ استسلما قال قتادة: أسلم أحدهما نفسه لله، وأسلم الآخر ابنه، يقال: سلم لأمر الله وأسلم واستسلم بمعنى واحد. وقد اختلف في جواب لما ماذا هو؟ فقيل هو محذوف، وتقديره ظهر صبرهما أو أجزلنا لهما أجرهما أو فديناه بكبش هكذا قال البصريون. وقال الكوفيون الجواب هو ناديناه، والواو زائدة مقحمة، واعترض عليهم النحاس بأن الواو من حروف المعاني ولا يجوز أن تزداد، وقال الأخفش الجواب "وتله للجبين" والواو زائدة، وروي هذا أيضاً عن الكوفيين، واعتراض النحاس يرد عليه كما ورد على الأول "وتله للجبين" التل: الصرع والدفع، يقال تللت الرجل: إذا ألقيته، والمراد أنه أضجعه على جبينه على الأرض، والجبين أحد جانبي الجبهة، فللوجه جبينان والجبهة بينهما، وقيل كبه على وجهه كيلا يرى منه ما يؤثر الرقة لقلبه. واختلف في الموضع الذي أراد ذبحه فيه، فقيل هو مكة في المقام، وقيل في المنحر بمعنى عند الجمار، وقيل على الصخرة التي بأصل جبل ثبير، وقيل بالشام.
104- " وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا " أي عزمت على الإتيان بما رأيته. قال المفسرون: لما أضجعه للذبح نودي من الجبل يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، وجعله مصدقاً بمجرد العزم وإن لم يذبحه لأنه قد أتى بما أمكنه، والمطلوب استسلامهما لأمر الله وقد فعلا. قال القرطبي: قال أهل السنة إن نفس الذبح لم يقع، ولو وقع لم يتصور رفعه، فكان هذا من باب النسخ قبل الفعل، لأنه لو حصل الفراغ من امتثال الأمر بالذبح ما تحقق الفداء.
قال: ومعنى. 105- "صدقت الرؤيا" فعلت ما أمكنك ثم امتنعت لما منعناك، هذا أصح ما قيل في هذا الباب. وقالت طائفة: ليس هذا مما ينسخ بوجه، لأن معنى ذبحت الشيء قطعته، وقد كان إبراهيم يأخذ السكين فيمر بها على حلقه فتنقلب كما قال مجاهد. وقال بعضهم: كان كلما قطع جزءاً التأم وقالت طائفة منهم السدي: ضرب الله على عنقه صفيحة نحاس، فجعل إبراهيم يحز ولا يقطع شيئاً. وقال بعضهم إن إبراهيم ما أمر بالذبح الحقيقي الذي هو فري الأوداج وإنهار الدم، وإنما رأى أنه أضجعه للذبح، فتوهم أنه أمر بالذبح الحقيقي فلما أتى بما به من الإضجاع قيل له قد "صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين" أي نجزيهم بالخلاص من الشدائد والسلامة من المحن، فالجملة كالتعليل لما قبلها. قال مقاتل: جزاه الله سبحانه بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح ابنه.
106- "إن هذا لهو البلاء المبين" البلاء والابتلاء: الاختبار، والمعنى: إن هذا هو الاختبار الظاهر حيث اختبره الله في طاعته بذبح ولده. وقيل المعنى: إن هذا لهو النعمة الظاهرة حيث سلم الله ولده من الذبح وفداه بالكبش، يقال أبلاه الله إبلاءً وبلاءً: إذا أنعم عليه: والأول أولى، وإن كان الابتلاء يستعمل في الاختبار بالخير والشر، ومنه "ونبلوكم بالشر والخير فتنة" ولكن المناسب للمقام المعنى الأول. قال أبو زيد: هذا في البلاء الذي نزل به في أن يذبح ولده. قال: وهذا من البلاء المكروه.
107- "وفديناه بذبح عظيم" الذبح: اسم المذبوح وجمع ذبوح كالطحن اسم للمطحون، وبالفتح المصدر، ومعنى عظيم: عظيم القدر، ولم يرد عظم الجثة وإنما عظم قدره لأنه فدى به الذبيح، أو لأنه متقبل. قال النحاس: العظيم في اللغة يكون للكبير وللشريف، وأهل التفسير على أنه ها هنا للشريف: أي المتقبل. قال الواحدي: قال أكثر المفسرين: أنزل عليه كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفاً. وقال الحسن: ما فدي إلا بتيس من الأورى أهبط عليه من ثبير فذبحه إبراهيم فداء عن ابنه. قال الزجاج: قد قيل إنه فدي بوعل، والوعل التيس الجبلي، ومعنى الآية: جعلنا الذبح فداء له وخلصناه به من الذبح.
108- "وتركنا عليه في الآخرين".
109- " وتركنا عليه في الآخرين * سلام على إبراهيم " أي في الأمم الآخرة التي تأتي بعده، والسلام الثناء الجميل. وقال عكرمة: سلام منا، وقيل سلامة من الآفات، والكلام في هذا كالكلام في قوله: "سلام على نوح في العالمين" وقد تقدم في هذه السورة بيان معناه، ووجه إعرابه.
110- "كذلك نجزي المحسنين" أي مثل ذلك الجزاء العظيم نجزي من انقاد لأمر الله.
111- "إنه من عبادنا المؤمنين" أي الذين أعطوا العبودية حقها ورسخوا في الإيمان بالله وتوحيده.
112- "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين" أي بشرنا إبراهيم بولد يولد له ويصير نبياً بعد أن يبلغ السن التي يتأهل فيها لذلك، وانتصاب نبياً على الحال، وهي حال مقدرة. قال الزجاج: إن كان الذبيح إسحاق فيظهر كونها مقدرة والأولى أن يقال إن من فسر الذبيح بإسحاق جعل البشارة هنا خاصة بنبوته. وفي ذكر الصلاح بعد النبوة تعظيم لشأنه، ولا حاجة إلى وجود المبشر به وقت البشارة، فإن وجود ذي الحال ليس بشرط، وإنما الشرط المقارنة للفعل، ومن الصالحين كما يجوز أن يكون صفة لـنبياً يجوز أن يكون حالاً من الضمير المستتر فيه، فتكون أحوالاً متداخلة.
113- "وباركنا عليه وعلى إسحاق" أي على إبراهيم وعلى إسحاق بمرادفة نعم الله عليهما، وقيل كثرنا ولدهما وقيل إن الضمير في عليه يعود إلى إسماعيل وهو بعيد، وقيل المراد بالمباركة هنا: هي الثناء الحسن عليهما إلى يوم القيامة "ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين" أي محسن في عمله بالإيمان والتوحيد، وظالم لها بالكفر والمعاصي لما ذكر سبحانه البركة في الذرية بين أن كون الذرية من هذا العنصر الشريف والحتد المبارك ليس بنافع لهم، بل إنما ينتفعون بأعمالهم، لا بآبائهم، فإن اليهود والنصارى وإن كانوا من ولد إسحاق فقد صاروا إلى ما صاروا إليه من الضلال البين، والعرب وإن كانوا من ولد إسماعيل فقد ماتوا على الشرك إلا من أنقذه الله بالإسلام. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "وجعلنا ذريته هم الباقين" يقول: لم يبق إلا ذرية نوح "وتركنا عليه في الآخرين" يقول: يذكر بخير. وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "وجعلنا ذريته هم الباقين" قال: حام وسام ويافث. وأخرج ابن سعد وأحمد والترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن سمرة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم" والحديثان هما من سماع الحسن عن سمرة، وفي سماعه منه مقال معروف، وقد قيل إنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة فقط وما عداه فبواسطة. قال ابن عبد البر: وقد روي عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وأخرج البزار وابن أبي حاتم والخطيب في تالي التلخيص عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولد نوح ثلاثة: سام وحام ويافث، فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم، وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم، وولد حام القبط والبربر والسودان" وهو من حديث إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عنه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "فأقبلوا إليه يزفون" قال: يخرجون. وأخرج ابن المنذر عنه أيضاً في قوله: "قال إني ذاهب إلى ربي" قال: حين هاجر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً "فلما بلغ معه السعي" قال: العمل. وأخرج الطبراني عنه أيضاً قال: لما أراد إبراهيم أن يذبح إسحاق قال لأبيه: إذا ذبحتني فاعتزل لا اضطرب فينتضح عليك دمي فشده، فلما أخذ الشفرة وأراد أن يذبحه نودي من خلفه " أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا ". وأخرج أحمد عنه أيضاً مرفوعاً مثله مع زيادة وأخرجه عنه موقوفاً. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه من طريق مجاهد عنه أيضاً في قوله: "وإن من شيعته لإبراهيم" قال: من شيعة نوح على منهاجه وسننه "فلما بلغ معه السعي" قال شب حتى بلغ سعيه سعي أبيه في العمل "فلما أسلما" سلما ما أمر به "وتله" وضع وجهه إلى الأرض، فقال لا تذبحني وأنت تنظر عسى أن ترحمني، فلا تجهز الأرض، فلما أدخل يده ليذبحه فلم تحل المدية حتى نودي: " أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا " فأمسك يده، قوله: "وفديناه بذبح عظيم" بكبش عظيم متقبل، وزعم ابن عباس أن الذبح إسماعيل. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رؤيا الأنبياء وحي" وأخرجه البخاري وغيره من قول عبيد بن عمير واستدل بهذه الآية. وأخرج ابن جرير والحاكم من طريق عطاء ابن أبي رباح عن ابن عباس قال: المفدي إسماعيل، وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الشعبي عن ابن عباس قال: الذبيح إسماعيل. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق مجاهد ويوسف بن ماهك عن ابن عباس قال الذبيح إسماعيل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق يوسف بن ماهك وأبي الطفيل عن ابن عباس قال الذبيح إسماعيل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عمر في قوله: "وفديناه بذبح عظيم" قال: إسماعيل ذبح عنه إبراهيم الكبش. وأخرج عبد بن حميد من طريق الفرزدق الشاعر قال: رأيت أبا هريرة يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: إن الذي أمر بذبحه إسماعيل. وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال نبي الله داود: يا رب أسمع الناس يقولون: رب إبراهيم وإسحاق ويعقوب فاجعلني رابعاً، قال: إن إبراهيم ألقي في النار فصبر من أجلي، وإن إسحاق جاد لي بنفسه، وإن يعقوب غاب عنه يوسف، وتلك بلية لم تنلك" وفي إسناده الحسن بن دينار البصري، وهو متروك عن علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. وأخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً نحوه. وأخرج الدارقطني في الأفراد والديلمي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذبيح إسحاق". وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الذبيح إسحاق". وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعاً مثله. وأخرج ابن مردويه عن بهار وكانت له صحبة، قال: إسحاق ذبيح الله. وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس؟ قال: "يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله". وأخرج عبد الرزاق والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: الذبيح إسحاق. وأخرج عبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال: الذبيح إسحاق. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والحاكم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الذبيح إسحاق. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال: صرعه للذبح. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي بن أبي طالب في قوله: "وفديناه بذبح عظيم" قال: كبش أعين أبيض أقرن قد ربط بسمرة في أصل ثبير. وأخرج ابن أبي شيبة ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وفديناه بذبح عظيم" قال: كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفاً، وأخرج عبد بن حميد عنه قال: فدي إسماعيل بكبشين أملحين أقرنين أعينين. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أن رجلاً قال: نذرت لأنحر نفسي، فقال ابن عباس: لقد كان لكم في روسل الله أسوة حسنة، ثم تلا "وفديناه بذبح عظيم"، فأمره بكبش فذبحه. وأخرج الطبراني من طريق أخرى عنه نحوه. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله: "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين" قال: إنما بشر به نبياً حين فداه الله من الذبح ولم تكن البشارة بالنبوة عند مولده. وبما سقناه من الاختلاف في الذبيح هل هو إسحاق أو إسماعيل، وما استدل به المختلفون في ذلك تعلم أنه لم يكن في المقام ما يوجب القطع أو يتعين رجحانه تعيناً ظاهراً، وقد رجح كل قول طائفة من المحققين المنصفين كابن جرير فإنه رجح أنه إسحاق، ولكنه لم يستدل على ذلك إلا ببعض مما سقناه ها هنا، وكابن كثير فإنه رجح أنه إسماعيل، وجعل الأدلة على ذلك أقوى وأصح، وليس الأمر كما ذكره، فإنها إن لم تكن دون أدلة القائلين بأن الذبيح إسحاق لم تكن فوقها ولا أرجح منها، ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، وما روي عنه فهو إما موضوع أو ضعيف جداً، ولم يبق إلا مجرد استنباطات من القرآن كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق، وهي محتملة ولا تقوم حجة بمحتمل، فالوقف هو الذي لا ينبغي مجاوزته، وفي السلامة من الترجيح، بلا مرجح، ومن الاستدلال بما هو محتمل.
لما فرغ سبخانه من ذكر إنجاء الذبيح من الذبح، وما من عليه بعد ذلك من النبوة ذكر ما من به على موسى وهارون، فقال: 114- "ولقد مننا على موسى وهارون" يعني بالنبوة وغيرهما من النعم العظيمة التي أنعم الله بها عليهما.
115- "ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم" المراد بقومهما هم المؤمنون من بني إسرائيل، والمراد بالكرب العظيم هو ما كانوا فيه من استعباد فرعون إياهم، وما كان نصيبهم من جهته من البلاء، وقيل هو الغرق الذي أهلك فرعون وقومه، والأول أولى.
116- "ونصرناهم" جاء بضمير الجماعة. قال الفراء: الضمير لموسى وهارون وقومهما، لأن قبله ونجيناهما وقومهما، والمراد بالنصر التأييد لهم على عدوهم "فكانوا" بسبب ذلك "هم الغالبين" على عدوهم بعد أن كانوا تحت أسرهم وقهرهم، وقيل الضمير في نصرناهم عائد على الاثنين موسى وهارون تعظيماً لهما، والأول أولى.
117- "وآتيناهما الكتاب المستبين" المراد بالكتاب التوراة: والمستبين: البين الظاهر، يقال استبان كذا. أي صار بيناً.
118- " وهديناهما الصراط المستقيم " أي القيم لا اعوجاج فيه، وهو دين الإسلام فإنه الطريق الموصلة إلى المطلوب.
119- "وتركنا عليهما في الآخرين".
120- " وتركنا عليهما في الآخرين * سلام على موسى وهارون " أي أبقينا عليهما في الأمم المتأخرة الثناء الجميل، وقد قدمنا الكلام في السلام وفي وجه إعرابه بالرفع، وكذلك تقدم تفسير.
121- "إنا كذلك نجزي المحسنين".
122- " إنا كذلك نجزي المحسنين * إنهما من عبادنا المؤمنين " في هذه السورة.
123- "وإن إلياس لمن المرسلين" قال المفسرون: هو نبي من أنبياء بني إسرائيل، وقصته مشهورة مع قومه، قيل وهو إلياس بن يس من سبط هارون أخي موسى. قال ابن إسحاق وغيره: كان إلياس هو القيم بأمر بني إسرائيل بعد يوشع، وقيل هو إدريس، والأول أولى. قرأ الجمهور "إلياس" بهمزة مكسورة مقطوعة، وقرأ ابن ذكوان بوصلها، ورويت هذه القراءة عن ابن عامر، وقرأ ابن مسعود والأعمش ويحيى بن وثاب وإن إدريس لمن المرسلين وقرأ أبي وإن إبليس بهمزة مكسورة ثم تحتية ساكنة ثم لام مكسورة ثم تحتية ساكنة ثم سين مهملة مفتوحة.
124- "إذ قال لقومه ألا تتقون" هو ظرف لقوله من المرسلين، أو متعلق بمحذوف: أي اذكر يا محمد إذ قال، والمعنى: ألا تتقون عذاب الله.
ثم أنكر عليهم بقوله: 125- "أتدعون بعلاً" هو اسم لصنم كانوا يعبدونه: أي أتعبدون صنماً وتطلبون الخير منه. قال ثعلب: اختلف الناس في قول سبحانه بعلاً فقالت طائفة: البعل هنا الصنم، وقالت طائفة: البعث هنا ملك، وقال ابن إسحاق: امرأة كانوا يعبدونها. قال الواحدي: والمفسرون يقولون رباً، وهو بلغة اليمن، يقولون للسيد والرب البعل. قال النحاس: القولان صحيحان: أي أتدعون صنماً عملتوه رباً "وتذرون أحسن الخالقين" أي وتتركون عبادة أحسن من يقال له خالق.
وانتصاب الاسم الشريف في قوله: 126- "الله ربكم ورب آبائكم الأولين" على أنه بدل من أحسن، هذا على قراءة حمزة والكسائي والربيع بن خثيم وابن أبي إسحاق ويحيى بن وثاب والأعمش، فإنهم قرأوا بنصب الثلاثة الأسماء، وقيل النصب على المدح، وقيل على عطف البيان، وحكى أبو عبيد أن النصب على النعت. قال النحاس: وهو غلط وإنما هو بدل، ولا يجوز النعت لأنه ليس بتحلية واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وأبو جعفر وشيبة ونافع بالرفع. قال أبو حاتم: بمعنى هو الله ربكم. قال النحاس: وأولى ما قيل إنه مبتدأ وخبر بغير إضمار ولا حذف. وحكي عن الأخفش أن الرفع أولى وأحسن. قال ابن الأنباري: من رفع أو نصب لم يقف على أحسن الخالقين على جهة التمام لأن الله مترجم عن أحسن الخالقين على الوجهين جميعاً، والمعنى، أنه خالقكم وخالق من قبلكم فهو الذي تحق له العبادة.