تفسير الطبري تفسير الصفحة 450 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 450
451
449
 الآية : 103 - 106
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا أَسْلَمَا وَتَلّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدّقْتَ الرّؤْيَآ إِنّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنّ هَـَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما أسلـما أمرهما لله وفوّضاه إلـيه واتفقا علـى التسلـيـم لأمره والرضا بقضائه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22601ـ حدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار, قال: حدثنا ثابت بن مـحمد, وحدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مسلـم بن صالـح, قالا: حدثنا عبد الله بن الـمبـارك, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي صالـح, فـي قوله: فَلَـمّا أسْلَـما قال: اتفقا علـى أمر واحد.
22602ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الـحسين, عن يزيد, عن عكرمة, قوله: فَلَـمّا أسْلَـما وَتَلّهُ للْـجَبِـينِ قال: أسلـما جميعا لأمر الله ورضي الغلام بـالذبح, ورضي الأب بأن يذبحه, فقال: يا أبت اقذفنـي للوجه كيلا تنظر إلـيّ فترحمنـي, وأنظر أنا إلـى الشفرة فأجزع, ولكن أدخـل الشفرة من تـحتـي, وامض لأمر الله, فذلك قوله: فَلَـمّا أسْلَـما وَتَلّهُ للْـجَبِـينِ فلـما فعل ذلك نَادَيْناهُ أنْ يا إبْرَاهِيـمُ قَدْ صَدّقْتَ الرّؤْيا إنّا كَذلكَ نَـجْزِي الـمُـحْسِنِـينَ.
22603ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَلَـمّا أسْلَـما قال: أسلـم هذا نفسه الله, وأسلـم هذا ابنه لله.
22604ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: فَلَـمّا أسْلَـما قال: أسلـما ما أمرا به.
22605ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فَلَـمّا أسْلَـما يقول: أسلـما لأمر الله.
22606ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق فَلَـمّا أَسْلَـما: أي سلـم إبراهيـم لذبحه حين أمر به وسلـم ابنه للصبر علـيه, حين عرف أن الله أمره بذلك فـيه.
وقوله: وَتَلّهُ للْـجَبِـينِ يقول: وصَرَعَه للـجَبِـين, والـجبـينان ما عن يـمين الـجبهة وعن شمالها, وللوجه جبـينان, والـجبهة بـينهما. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22607ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى: وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: وَتَلّهُ للْـجَبِـينِ قال: وضع وجهه للأرض, قال: لا تذبحنـي وأنت تنظر إلـى وجهي عسى أن ترحمنـي, ولا تـجهز علـيّ, اربط يديّ إلـى رقبتـي ثم ضع وجهي للأرض.
22608ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَتَلّهُ للْـجَبِـينِ: أي وكبّه لفـيه وأخذ الشّفرة وَنادَيْناهُ أنْ يا إبْراهِيـمُ قَدْ صَدّقْتَ الرؤْيا حتـى بلغ وَفَدَيْناهُ بذِبْحٍ عَظِيـمٍ.
22609ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس وَتَلّهُ للْـجَبِـينِ قال: أكَبّه علـى جبهته.
22610ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَتَلّهُ للْـجَبِـين قال: جبـينه, قال: أخذ جبـينه لـيذبحه.
22611ـ حدثنا ابن سنان, قال: حدثنا حجاج, عن حماد, عن أبـي عاصم الغَنَوِيّ عن أبـي الطّفَـيـل, قال: قال ابن عبـاس: إن إبراهيـم لـما أُمر بـالـمناسك عرض له الشيطان عند الـمسعَى فسابقه, فسبقه إبراهيـم, ثم ذهب به جبريـل إلـى جمرة العقبة, فعرض له الشيطان, فرماه بسبع حَصَيات حتـى ذهب, ثم عرض له عند الـجمرة الوُسْطَى, فرماه بسبع حَصيات حتـى ذهب, ثم تلّه للـجَبـين, وعلـى إسماعيـل قَميص أبـيض, فقال له: يا أبت إنه لـيس لـي ثوب تكفننـي فـيه غير هذا, فـاخـلعه حتـى تكفننـي فـيه, فـالتفت إبراهيـم فإذا هو بكبش أَعْيَن أَبـيض فذبحه, فقال ابن عبـاس: لقد رأيتنا نتبع هذا الضرب من الكِبـاش.
وقوله: وَنادَيْناهُ أنْ يا إبْراهِيـمُ قَدْ صَدّقْتَ الرؤْيا وهذا جواب قوله: فَلَـمّا أسْلَـما ومعنى الكلام: فلـما أسلـما وتلّه للـجبـين, وناديناه أن يا إبراهيـم وأدخـلت الواو فـي ذلك كما أدخـلت فـي قوله: حتـى إذا جاءُوها وَفُتِـحَتْ أبْوابُها وقد تفعل العرب ذلك فتدخـل الواو فـي جواب فلـما, وحتـى وإذا تلقـيها.
ويعنـي بقوله: قَدْ صَدّقْتَ الرّؤْيا التـي أريناكها فـي منامك بأمرناك بذبح ابنك.
وقوله: إنّا كَذلكَ نَـجْزِي الـمُـحْسِنِـينَ يقول: إنا كما جَزَيْناك بطاعتنا يا إبراهيـم, كذلك نـجزى الذين أحسنوا, وأطاعوا أمرنا, وعملوا فـي رضانا.
وقوله: إنّ هَذَا لَهُوَ البَلاءُ الـمُبِـينُ: يقول تعالـى ذكره: إن أمرنا إياك يا إبراهيـم بذبح ابنك إسحاق, لهو البلاء, يقول: لهو الاختبـار الذي يبـين لـمن فكّر فـيه أنه بلاء شديد ومـحْنة عظيـمة. وكان ابن زيد يقول: البلاء فـي هذا الـموضع الشرّ ولـيس بـاختبـار.
22612ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: إنّ هَذَا لَهُوَ البَلاءُ الـمُبِـينُ قال: هذا فـي البلاء الذي نزل به فـي أن يذبح ابنه. صدّقت الرؤيا: ابتلـيتَ ببلاء عظيـم أمرت أن تذبح ابنك, قال: وهذا من البلاء الـمكروه وهو الشرّ ولـيس من بلاء الاختبـار.

الآية : 107 -111
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الاَخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَىَ إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ }.
وقوله: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ يقول: وفدينا إسحاق بذبح عظيـم, والفدية: الـجزاء, يقول: جزيناه بأن جعلنا مكان ذبحه ذبح كبش عظيـم, وأنقذناه من الذبح.
واختلف أهل التأويـل فـي الـمفديّ من الذبح من ابنـي إبراهيـم, فقال بعضهم: هو إسحاق. ذكر من قال ذلك:
22613ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن مبـارك, عن الـحسن, عن الأحنف بن قـيس, عن العبـاس بن عبد الـمطلب وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: هو إسحاق.
22614ـ حدثنـي الـحسين بن يزيد بن إسحاق, قال: حدثنا ابن إدريس, عن داود, بن أبـي هند, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: الذي أُمِر بذبحه إبراهيـم هو إسحاق.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن داود, عن عكرمة, عن ابن عبـاس وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: هو إسحاق.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن داود, عن عكرمة, قال: قال ابن عبـاس: الذبـيح إسحاق.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا زيد بن حبـاب, عن الـحسن بن دينار, عن علـيّ بن زيد بن جُدْعان, عن الـحسن, عن الأحنف بن قـيس, عن العبـاس بن عبد الـمطلب, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي حديث ذكره, قال: «هو إسحاق».
22615ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي إسحاق, عن أبـي الأحوص, قال: افتـخر رجل عند ابن مسعود, فقال: أنا فلان ابن فلان ابن الأشياخ الكرام, فقال عبد الله: ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبـيح الله ابن إبراهيـم خـلـيـل الله.
22616ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا إبراهيـم بن الـمختار, قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق, عن عبد الرحمن بن أبـي بكر, عن الزهري, عن العلاء بن حارثة الثقـفـي, عن أبـي هريرة, عن كعب فـي قوله: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: من ابنه إسحاق.
22617ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: حدثنا زكريا وشعبة, عن ابن إسحاق, عن مسروق, فـي قوله: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: هو إسحاق.
22618ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن سفـيان, عن زيد بن أسلـم, عن عبـيد بن عمير, قال: هو إسحاق.
22619ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفـيان, عن زيد بن أسلـم, عن عبد الله بن عمير قال: قال موسى: يا ربّ يقولون يا إله إبراهيـم وإسحاق ويعقوب, فبـم قالوا ذلك؟ قال: إن إبراهيـم لـم يعدل بـي شيئا قطّ إلا اختارنـي علـيه, وإن إسحاق جاد لـي بـالذبح, وهو بغير ذلك أجود, وإن يعقوب كلـما زدته بلاء زادنـي حسن ظنّ.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن زيد بن أسلـم, عن عبد الله بن عبـيد بن عمير, عن أبـيه, قال: قال موسى: أي ربّ بـم أعطيت إبراهيـم وإسحاق ويعقوب ما أعطيتهم؟ فذكر معنى حديث عمرو بن علـيّ.
22620ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن سفـيان, عن أبـي سنان الشيبـانـيّ, عن ابن أبـي الهذيـل, قال: الذبـيح هو إسحاق.
22621ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخربنـي يونس, عن ابن شهاب أن عمرو بن أبـي سفـيان بن أسيد بن حارثة الثقـفـي, أخبره أن كعبـا قال لأبـي هريرة: ألا أخبرك عن إسحاق بن إبراهيـم النبـيّ؟ قال أبو هريرة: بلـى, قال كعب: لـما رأى إبراهيـمُ ذبحَ إسحاق, قال الشيطان: والله لئن لـم أفتن عند هذا آل إبراهيـم لا أفِتن أحدا منهم أبدا, فتـمثل الشيطان لهم رجلاً يعرفونه, فأقبل حتـى إذا خرج إبراهيـم بإسحاق لـيذبحه دخـل علـى سارَة امرأة إبراهيـم, فقال لها: أي أصبح إبراهيـم غاديا بإسحاق, قالت سارَة: غدا لبعض حاجته, قال الشيطان: لا والله ما لذلك غدا به, قالت سارَة: فلـم غدا به؟ قال: غدا به لـيذبحه قالت سارَة: لـيس من ذلك شيء, لـم يكن لـيذبح ابنه قال الشيطان: بلـى والله قالت سارَة: فلِـمَ يذبحه؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك قالت سارَة: فهذا أحسن بأن يطيع ربه إن كان أمره بذلك. فخرج الشيطان من عند سارَة حتـى أدرك إسحاق وهو يـمشي علـى إثر أبـيه, فقال: أين أصبح أبوك غاديا بك؟ قال: غدا بـي لبعض حاجته, قال الشيطان: لا والله ما غدا بك لبعض حاجته, ولكن غدا بك لـيذبحك, قال إسحاق: ما كان أبـي لـيذبحنـي قال: بلـى قال: لِـمَ؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك قال إسحاق: فوالله لئن أمره بذلك لـيطيعنّه, قال: فتركه الشيطان وأسرع إلـى إبراهيـم, فقال: أين أصبحت غاديا بـابنك؟ قال: غدوت به لبعض حاجتـي, قال: أما والله ما غدوت به إلا لتذبحه, قال: لـمَ أذبحه؟ قال: زعمتَ أن ربك أمرك بذلك قال: الله فوالله لئن كان أمرنـي بذلك ربـي لأفعلنّ قال: فلـما أخذ إبراهيـم إسحاق لـيذبحه وسَلّـم إسحاق, أعفـاه الله وفداه بذبح عظيـم, قال إبراهيـم لإسحاق: قم أي بنـيّ, فإن الله قد أعفـاك وأوحى الله إلـى إسحاق: إنـي قد أعطيتك دعوة أستـجيب لك فـيها قال إسحاق: اللهمّ إنـي أدعوك أن تستـجيب لـي, أيـما عبد لقـيك من الأوّلـين والاَخرين لا يُشرك بك شيئا, فأدخـله الـجنة.
22622ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: ثنـي ابن إسحاق, عن عبد الله بن أبـي بكر, عن مـحمد بن مسلـم الزهري, عن أبـي سفـيان بن العلاء بن حارثة الثقـفـي, حلـيف بنـي زهرة, عن أبـي هريرة, عن كعب الأحبـار أن الذي أُمِر إبراهيـم بذبحه من ابنـيه إسحاق, وأن الله لـما فرّج له ولابنه من البلاء العظيـم الذي كان فـيه, قال الله لإسحاق: إنـي قد أعطيتك بصبرك لأمري دعوة أعطيك فـيها ما سألت, فسلنـي, قال: ربّ أسألك أن لا تعذّب عبدا من عبـادك لقـيك وهو يؤمن بك, فكانت تلك مسألته التـي سأل.
22623ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يـمان, قال: حدثنا إسرائيـل, عن جابر, عن ابن سابط, قال: هو إسحاق.
22624ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا سفـيان بن عُقْبة, عن حمزة الزيات, عن أبـي ميسرة, قال: قال يوسف للـملِك فـي وجهه: ترغب أن تأكل معي, وأنا والله يوسف بن يعقوب نبـيّ الله, ابن إسحاق ذبـيح الله, ابن إبراهيـم خـلـيـل الله.
22625ـ قال: ثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن أبـي سنان, عن ابن أبـي الهُذَيـل, قال: قال يوسف للـملك, فذكر نـحوه.
وقال آخرون: الذي فُدِي بـالذّبح العظيـم من بنـي إبراهيـم: إسماعيـل. ذكر من قال ذلك:
22626ـ حدثنا أبو كُرَيب وإسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب بن الشهيد, قالا: حدثنا يحيى بن يـمان, عن إسرائيـل, عن ثور, عن مـجاهد, عن ابن عمر, قال: الذبـيح: إسماعيـل.
22627ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا سفـيان, قال: ثنـي بـيان, عن الشعبـيّ, عن ابن عبـاس وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: إسماعيـل.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا أبو حمزة, عن مـحمد بن ميـمون السكريّ, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس, قال: إن الذي أُمر بذبحه إبراهيـم إسماعيـل.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, عن علـيّ بن زيد, عن عمار, مولـى بنـي هاشم, أو عن يوسف بن مِهْران, عن ابن عبـاس, قال: هو إسماعيـل, يعنـي وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَـية, قال: حدثنا داود, عن الشعبـيّ, قال: قال ابن عبـاس: هو إسماعيـل.
وحدثنـي به يعقوب مرّة أخرى, قال: حدثنا ابن عُلَـية, قال: سئل داود بن أبـي هند: أيّ ابنـي إبراهيـم الذي أُمر بذبحه؟ فزمع أن الشعبـيّ قال: قال ابن عبـاس: هو إسماعيـل.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن بـيان, عن الشعبـي, عن ابن عبـاس أنه قال فـي الذي فداه الله بذبح عظيـم قال: هو إسماعيـل.
حدثنا يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلِـيَة, قال: حدثنا لـيث, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, قوله: وَفدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـم قال: هو إسماعيـل.
22628ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي عمر بن قـيس, عن عطاء بن أبـي رَبـاح, عن عبد الله بن عبـاس أنه قال: الـمَفْدِيّ إسماعيـل, وزعمت الـيهود أنه إسحاق وكذبت الـيهود.
حدثنا مـحمد بن سنان القزاز, قال: حدثنا أبو عاصم, عن مبـارك, عن علـيّ بن زيد, عن يوسف بن مِهْران, عن ابن عبـاس: الذي فداه الله هو إسماعيـل.
حدثنا ابن سنان القزّاز, قال: حدثنا حجاج بن حماد, عن أبـي عاصم الغَنَويّ, عن أبـي الطفـيـل, عن ابن عبـاس, مثله.
22629ـ حدثنـي إسحاق بن شاهين, قال: حدثنا خالد بن عبد الله, عن داود, عن عامر, قال: الذي أراد إبراهيـم ذبحه: إسماعيـل.
22630ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عامر أنه قال فـي هذه الاَية وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: هو إسماعيـل, قال: وكان قَرْنَا الكبش مَنُوطين بـالكعبة.
22631ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن إسرائيـل, عن جابر, عن الشعبـيّ, قال: الذبـيح إسماعيـل.
22632ـ قال: ثنا ابن يـمان, عن إسرائيـل, عن جابر, عن الشعبـي, قال: رأيت قرنـي الكبش فـي الكعبة.
22633ـ قال: ثنا ابن يـمان, عن مبـارك بن فضالة, عن علـيّ بن زيد بن جُدْعان, عن يوسف بن مِهْران, قال: هو إسماعيـل.
22634ـ قال: ثنا ابن يـمان, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: هو إسماعيـل.
22635ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: حدثنا عوف, عن الـحسن وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: هو إسماعيـل.
22636ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: سمعت مـحمد بن كعب القُرظِي وهو يقول: إن الذي أمر الله إبراهيـم بذبحه من بنـيه إسماعيـل, وإنا لنـجد ذلك فـي كتاب الله فـي قصة الـخبر عن إبراهيـم وما أُمر به من ذبح ابنه إسماعيـل, وذلك أن الله يقول, حين فرغ من قصة الـمذبوح من إبراهيـم, قال: وَبَشّرْناهُ بإسْحاقَ نَبِـيّا مِنَ الصّالِـحينَ يقول: بشّرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب, يقول: بـابن وابن ابن, فلـم يكن لـيأمره بذبح إسحاق وله فـيه من الله الـموعود ما وعده الله, وما الذي أُمِر بذبحه إلا إسماعيـل.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن الـحسن بن دينار وعمرو بن عبـيد, عن الـحسن البصري أنه كان لا يشكّ فـي ذلك أن الذي أُمِر بذبحه من ابنـي إبراهيـم: إسماعيـل.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: قال مـحمد بن إسحاق: سمعت مـحمد بن كعب القُرِظيّ يقول ذلك كثـيرا.
22637ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق, عن بريدة بن سفـيان بن فَرْوة الأسلـمي عن مـحمد بن كعب الْقُرِظيّ, أنه حدثهم أنه ذَكَر ذلك لعمر بن عبد العزيز وهو خـلـيفة, إذ كان معه بـالشام فقال له عمر: إن هذا لشيء ما كنت أنظر فـيه, وإنـي لأراه كما هو ثم أرسل إلـى رجل كان عنده بـالشام كان يهوديا, فأسلـم فحسُن إسلامه, وكان يرى أنه من علـماء يهود, فسأله عمر بن عبد العزيز عن ذلك, فقال مـحمد بن كعب: وأنا عند عمر بن عبد العزيز, فقال له عمر: أيّ ابنـي إبراهيـم أُمِر بذبحه؟ فقال: إسماعيـل والله يا أمير الـمؤمنـين, وإن يهود لتعلـم بذلك, ولكنهم يحسُدونكم معشر العرب علـى أن يكون أبـاكم الذي كان من أمر الله فـيه, والفضل الذي ذكره الله منه لصبره لـما أمر به, فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحاق, لأن إسحاق أبوهم, فـالله أعلـم أيهما كان, كلّ قد كان طاهرا طيبـا مطيعا لربه.
22638ـ حدثنـي مـحمد بن عمار الرازي, قال: حدثنا إسماعيـل بن عبـيد بن أبـي كريـمة, قال: حدثنا عمر بن عبد الرحيـم الـخطابـيّ, عن عبـيد بن مـحمد العُتبـي من ولد عتبة بن أبـي سفـيان, عن أبـيه, قال: ثنـي عبد الله بن سعيد, عن الصّنابحي, قال: كنا عند معاوية بن أبـي سفـيان, فذكروا الذبـيح إسماعيـل أو إسحاق, فقال: علـى الـخبـير سقطتـم: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل, فقال: يا رسول الله عُدْ علـيّ مـما أفـاء الله علـيك يا ابن الذبـيحين فضحك علـيه الصلاة والسلام فقلنا له: يا أمير الـمؤمنـين, وما الذبـيحان؟ فقال: إن عبد الـمطلب لـما أُمِر بحفْر زمزم, نذر الله لئن سَهُل علـيه أمرها لـيذبحنّ أحد ولده, قال: فخرج السهم علـى عبد الله, فمنعه أخواله, وقالوا: افْدِ ابنك بـمئة من الإبل, ففداه بـمئة من الإبل, وإسماعيـل الثانـي.
22639ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عثمان بن عمر, قال: حدثنا ابن جريج, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: الذي فُدِيَ به إسماعيـل, ويعنـي تعالـى ذكره الكبش الذي فُدِيَ به إسحاق, والعرب تقول لكلّ ما أُعِدّ للذبح ذِبْح, وأما الذّبح بفتـح الذال فهو الفعل.
قال أبو جعفر: وأولـى القولـين بـالصواب فـي الـمفْدِيّ من ابنـي إبراهيـم خـلـيـل الرحمن علـى ظاهر التنزيـل قول من قال: هو إسحاق, لأن الله قال: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ فذكر أنه فَدَى الغلامَ الـحلـيـمَ الذي بُشّر به إبراهيـم حين سأله أن يهب له ولدا صالـحا من الصالـحين, فقال: رَبّ هَبْ لـي مِنَ الصّالِـحِينَ فإذ كان الـمفدِيّ بـالذبح من ابنـيه هو الـمبشّر به, وكان الله تبـارك اسمه قد بـين فـي كتابه أن الذي بُشّر به هو إسحاق, ومن وراء إسحاق يعقوب, فقال جلّ ثناؤه: فَبَشّرْناهُ بإسَحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إسحَاقَ يَعْقُوبَ وكان فـي كل موضع من القرآن ذكر تبشيره إياه بولد, فإنـما هو معنّى به إسحاق, كان بـيّنا أن تبشيره إياه بقوله: فَبَشّرْناهُ بغُلامٍ حَلِـيـمٍ فـي هذا الـموضع نـحو سائر أخبـاره فـي غيره من آيات القرآن.
وبعد: فإن الله أخبر جلّ ثناؤه فـي هذه الاَية عن خـلـيـله أن بشّره بـالغلام الـحلـيـم عن مسألته إياه أن يهب له من الصالـحين, ومعلوم أنه لـم يسأله ذلك إلا فـي حال لـم يكن له فـيه ولد من الصالـحين, لأنه لـم يكن له من ابنـيه إلا إمام الصالـحين, وغير موهوم منه أن يكون سأل ربه فـي هبة ما قد كان أعطاه ووهبه له. فإذ كان ذلك كذلك فمعلوم أن الذي ذكر تعالـى ذكره فـي هذا الـموضع هو الذي ذكر فـي سائر القرآن أنه بشّره به وذلك لا شك أنه إسحاق, إذ كان الـمفديّ هو الـمبشّر به. وأما الذي اعتلّ به من اعتلّ فـي أنه إسماعيـل, أن الله قد كان وعد إبراهيـم أن يكون له من إسحاق ابن ابن, فلـم يكن جائزا أن يأمره بذبحه مع الوعد الذي قد تقدم فإن الله إنـما أمره بذبحه بعد أن بلغ معه السعي, وتلك حال غير مـمكن أن يكون قد وُلد لإسحاق فـيها أولاد, فكيف الواحد؟ وأما اعتلال من اعتل بأن الله أتبع قصة الـمفديّ من ولد إبراهيـم بقوله: وَبَشّرْناهُ بإسحَاقَ نَبِـيّا ولو كان الـمفديّ هو إسحاق لـم يبشّر به بعد, وقد ولد, وبلغ معه السعي, فإن البشارة بنبوّه إسحاق من الله فـيـما جاءت به الأخبـار جاءت إبراهيـم وإسحاق بعد أن فُدِي تكرمة من الله له علـى صبره لأمر ربه فـيـما امتـحنه به من الذبح, وقد تقدمت الرواية قبلُ عمن قال ذلك. وأما اعتلال من اعتلّ بأن قرن الكبش كان معلقا فـي الكعبة فغير مستـحيـل أن يكون حُمِل من الشام إلـى مكة. وقد رُوي عن جماعة من أهل العلـم أن إبراهيـم إنـما أُمِر بذبح ابنه إسحاق بـالشام, وبها أراد ذبحه.
واختلف أهل العلـم فـي الذّبح الذي فُدِي به إسحاق, فقال بعضهم: كان كبشا. ذكر من قال ذلك:
22640ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن سفـيان, عن جابر, عن أبـي الطفـيـل, عن علـيّ وَفَديناهُ بِذِبْحِ عَظِيـمٍ قال: كبش أبـيض أقرن أعين مربوط بسَمُرَة فـي ثَبِـير.
22641ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي ابن جريج, عن عطاء بن أبـي ربـاح, عن ابن عبـاس وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: كبش عبـيد بن عمير: ذُبِح بـالـمَقام, وقال مـجاهد: ذبح بـمنىً فـي الـمَنْـحَر.
22642ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن خثـيـم, عن سعيد, عن ابن عبـاس قال: الكبش الذي ذبحه إبراهيـم هو الكبش الذي قرّبه ابن آدم فتقبل منه.
22643ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا سيار, عن عكرمة, أن ابن عبـاس كان أفتـى الذي جَعَلَ علـيه أن ينـحر نفسه, فأمره بـمئة من الإبل, قال: فقال ابن عبـاس بعد ذلك: لو كنت أفتـيته بكبش لأجزأه أن يذبح كبشا, فإن الله قال فـي كتابه: وَفَدَيْناهُ بذِبْحٍ عَظِيـمٍ.
22644ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: ذِبْح كبش.
22645ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَفَدَيْناهُ بِذِبْحَ عَظِيـمٍ قال: قال ابن عبـاس: التفتَ فإذا كبش, فأخذه فذبحه.
22646ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن جُبَـير وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: كان الكبش الذي ذبحه إبراهيـم رعى فـي الـجنة أربعين سنة, وكان كبشا أملـح, صوفه مثل العِهْنِ الأحمر.
22647ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: بكبش.
22648ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا لـيث, قال: قال مـجاهد: الذبح العظيـم: شاة.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد قوله: بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: بكبش.
وحدثنا الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا شريك, عن لـيث, عن مـجاهد وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: الذّبح: الكبش.
22649ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: التفت, يعنـي إبراهيـم, فإذا بكبش, فأخذوه وخـلّـى عن ابنه.
22650ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: الذّبح العظيـم: الكبش الذي فَدَى الله به إسحاق.
22651ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن الـحسن بن دينار, عن قتادة بن دِعامة, عن جعفر بن إياس, عن عبد الله بن العبـاس, فـي قوله: وَفَدَيْناهُ بِذبْحٍ عَظِيـمٍ قال: خرج علـيه كبش من الـجنة قد رعاها قبل ذلك أربعين خريفـا, فأرسل إبراهيـم ابنه واتبع الكبش, فأخرجه إلـى الـجمرة الأولـى فرمى بسبع حصيات, فأفلته عنده, فجاء الـجمرة الوسطى, فأخرجه عندها, فرماه بسبع حصيات, ثم أفلته فأدركه عند الـجمرة الكبرى, فرماه بسبع حصيات, فأخرجه عندها, ثم أخذه فأتـى به الـمنـحَر من مِنَى, فذبحه فوالذي نفس ابن عبـاس بـيده, لقد كان أوّل الإسلام, وإن رأس الكبش لـمعلّق بقرنـيه عند مِيزاب الكعبة قد حُشّ, يعنـي يبس.
22652ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال ابن إسحاق: ويزعم أهل الكتاب الأول وكثـير من العلـماء أن ذبـيحة إبراهيـم التـي فدى بها ابنه كبش أملـح أقرن أعين.
22653ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن جويبر, عن الضحاك فـي قوله: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: بكبش.
وقال آخرون: كان الذبح وَعِلاً. ذكر من قال ذلك:
22654ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا معاوية بن هشام, عن سفـيان, عن رجل, عن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: كان وَعلاً.
22655ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن عمرو بن عبـيد, عن الـحسن أنه كان يقول: ما فُدِي إسماعيـل إلا بتـيس من الأرويّ أهبط علـيه من ثبـير.
واختلف أهل التأويـل فـي السبب الذي من أجله قـيـل للذّبح الذي فدى به إسحاق عظيـم, فقال بعضهم: قـيـل ذلك كذلك, لأن كان رَعَى فـي الـجنة. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن سفـيان, عن عبد الله بن عيسى, عن سعيد بن جُبَـير عن ابن عبـاس وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: رعى فـي الـجنة أربعين خريفـا.
وقال آخرون: قـيـل له عظيـم, لأنه كان ذِبْحا متقبّلاً. ذكر من قال ذلك:
22656ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن ابن جريج, عن مـجاهد, عَظِيـمٍ قال: متقبّل.
حدثنا الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا شريك, عن لـيث, عن مـجاهد فـي وَفَدَيْناهُ بِذبْحٍ عَظِيـمٍ قال: العظيـم: الـمتقبل.
وقال آخرون: قـيـل له عظيـم, لأنه ذِبْحٌ ذُبِحَ بـالـحقّ, وذلك ذبحه بدين إبراهيـم. ذكر من قال ذلك:
22657ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن عمرو بن عبـيد, عن الـحسن أنه كان يقول: ما يقول الله وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ لذبـيحته التـي ذبح فقط, ولكنه الذّبح علـى دينه, فتلك السّنة إلـى يوم القـيامة, فـاعلـموا أن الذبـيحة تدفع مِيتة السّوء, فضحّوا عبـاد الله.
قال أبو جعفر: ولا قول فـي ذلك أصحّ مـما قال الله جلّ ثناؤه, وهو أن يقال: فداه الله بذِبح عظيـم, وذلك أن الله عمّ وصفه إياه بـالعظم دون تـخصيصه, فهو كما عمه به.
وقوله: وَتَرَكْنا عَلَـيْهِ فِـي الاَخِرِينَ يقول تعالـى ذكره: وأبقـينا علـيه فـيـمن بعده إلـى يوم القـيامة ثناءً حسنا, كما:
22658ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَتَرَكْنا عَلَـيْهِ فِـي الاَخِرِينَ قال: أبقـى الله علـيه الثناء الـحسن فـي الاَخرين.
حدثنـي يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَتَرَكْنا عَلَـيْهِ فِـي الاَخِرِينَ قال: سأل إبراهيـمُ, فقال: وَاجْعَلْ لِـي لِسَانَ صِدْقٍ فـي الاَخِرِينَ قال: فترك الله علـيه الثناء الـحسن فـي الاَخرِين, كما ترك اللسانَ السّوْء علـى فرعون وأشبـاهه كذلك ترك اللسان الصدق والثناء الصالـح علـى هؤلاء.
وقـيـل: معنى ذلك: وتركنا علـيه فـي الاَخرين السلام, وهو قوله: سَلامٌ علـى إبْرَاهِيـمَ, وذلك قول يُرْوى عن ابن عبـاس تركنا ذكره لأن فـي إسناده من لـم نستـجز ذكره وقد ذكرنا الأخبـار الـمروية فـي قوله: وَتَرَكْنا عَلَـيْهِ فِـي الاَخِرِينَ فـيـما مضى قبل. وقـيـل: معنى ذلك: وتركنا علـيه فـي الاَخرين أن يقال: سلام علـى إبراهيـم.
وقوله: سَلامٌ علـى إبْرَاهِيـمَ يقول تعالـى ذكره: أَمَنة من الله فـي الأرض لإبرايهم أن لا يذكر من بعده إلا بـالـجميـل من الذكر. وقوله: كَذَلَكَ نَـجْزِي الـمُـحْسِنِـينَ يقول: كما جزينا إبراهيـم علـى طاعته إيانا وإحسانه فـي الانتهاء إلـى أمرنا, كذلك نـجزي الـمـحسنـين إنّهُ مِنْ عِبـادِنا الـمُؤْمِنـينَ يقول: إن إبراهيـم من عبـادنا الـمخـلِصين لنا الإيـمان.
الآية : 112-113
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَبَشّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مّنَ الصّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىَ إِسْحَاقَ وَمِن ذُرّيّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لّنَفْسِهِ مُبِينٌ }.
يقول تعالـى ذكره: وبشّرنا إبراهيـم بإسحاق نبـيا شكرا له علـى إحسانه وطاعته, كما:
22659ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَبَشّرْناهُ بإسحَاقَ نَبِـيّا مِنَ الصّالِـحينَ قال: بشر به بعد ذلك نبـيا, بعد ما كان هذا من أمره لـمّا جاد لله بنفسه.
22660ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَـية, عن داود, عن عكرمة, قال: قال ابن عبـاس: الذبـيح إسحاق قال: وقوله: وَبَشّرْناهُ بإسحَاقَ نَبِـيّا مِنَ الصّالِـحِينَ قال بُشّر بنبوّته. قال: وقوله: وَوَهَبْنا لَهُ من رحمتنا أخاهُ هارُونَ نَبِـيّا قال: كان هارون أكبر من موسى, ولكن أراد وَهَبَ الله له نبوّته.
22661ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا معتـمر بن سلـيـمان, قال: سمعت داود يحدّث, عن عكرمة, عن ابن عبـاس فـي هذه الاَية وَبَشّرْناهُ بإسحَاقَ نَبِـيّا مِنَ الصّالِـحِينَ قال: إنـما بشّره به نبـيا حين فداه من الذبح, ولـم تكن البشارة بـالنبوّة عند مولده.
حدثنـي الـحسين بن يزيد الطحان, قال: حدثنا ابن إدريس, عن داود, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, فـي قول الله: وَبَشّرْناهُ بإسحَاقَ نَبِـيّا قال: إنـما بُشّر بـالنبوّة.
22662ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَبَشّرْناهُ بإسحَاقَ نَبِـيّا مِنَ الصّالِـحِينَ قال: بُشّر إبراهيـم بإسحاق.
22663ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ وَبَشّرْناهُ بإسحَاقَ نَبِـيّا مِنَ الصّالِـحينَ قال: بنبوّته.
22664ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن ضرار, عن شيخ من أهل الـمسجد, قال: بُشّر إبراهيـم لسبع عشرة ومئة سنة.
وقوله: وَبـارَكْنا عَلَـيْهِ وَعَلـى إسحَاقَ يقول تعالـى ذكره: وبـاركنا علـى إبراهيـم وعلـى إسحاق وَمِنْ ذُرّيّتِهِما مُـحْسِنٌ يعنـي بـالـمـحسن: الـمؤمن الـمطيع لله, الـمـحسن فـي طاعته إياه وَظالِـمٌ لنَفْسِهِ مُبِـينٌ ويعنـي بـالظالـم لنفسه: الكافر بـالله, الـجالب علـى نفسه بكفره عذابَ الله وألـيـم عقابه مبـين: يعنـي الذي قد أبـان ظلـمَه نفسَه بكفره بـالله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22665ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: مُـحْسِنٌ وَظالِـمٌ لِنْفْسِهِ مُبِـينٌ قال: الـمـحسن: الـمطيع لله, والظالـم لنفسه: العاصي لله.
الآية : 114-116
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ مَنَنّا عَلَىَ مُوسَىَ وَهَارُونَ * وَنَجّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُواْ هُمُ الْغَالِبُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولقد تفضلنا علـى موسى وهارون ابنـي عمران, فجعلناهما نبـيـين, ونـجيناهما وقومهما من الغم والـمكروه العظيـم الذي كانوا فـيه من عُبودة آل فرعون, ومـما أهلكنا به فرعون وقومه من الغرق. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22666ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: وَنَـجّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الكَرْبِ العَظِيـمِ قال: من الغرق.
22667ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَنَـجّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الكَرْبِ العَظِيـمِ: أي من آل فرعون.
وقوله: وَنَصَرْناهُمْ يقول: ونصرنا موسى وهارون وقومهما علـى فرعون وآله بتغريقناهم, فَكانُوا هُمُ الغالِبِـينَ لهم.
وقال بعض أهل العربـية: إنـما أُريد بـالهاء والـميـم فـي قوله: وَنَصَرْناهُمْ موسى وهارون, ولكنها أُخرجت علـى مخرج مكنـيّ الـجمع, لأن العرب تذهب بـالرئيس كالنبـيّ والأمير وشبهه إلـى الـجمع بجنوده وأتبـاعه, وإلـى التوحيد لأنه واحد فـي الأصل, ومثله: علـى خَوْفٍ من فرعَوْنَ ومَلَئهم وفـي موضع آخر: وملئه. قال: وربـما ذهبت العرب بـالاثنـين إلـى الـجمع كما تذهب بـالواحد إلـى الـجمع, فتـخاطب الرجل, فتقول: ما أحسنتـم ولا أجملتـم, وإنـما تريده بعينه, وهذا القول الذي قاله هذا الذي حكينا قوله فـي قوله: وَنَصَرْناهُمْ وإن كان قولاً غير مدفوع, فإنه لا حاجة بنا إلـى الاحتـيال به لقوله: وَنَصَرْناهُمْ, لأن الله أتبع ذلك قوله: وَنَـجّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الكَرْبِ العَظِيـمِ ثم قال: وَنَصَرْناهُمْ يعنـي: هما وقومهما, لأن فرعون وقومه كانوا أعداء لـجميع بنـي إسرائيـل, قد استضعفوهم, يذبحون أبناءهم, ويستـحيون نساءهم, فنصرهم الله علـيهم, بأن غرّقهم ونـجّى الاَخرين.
الآية : 117-122
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَاهُمَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الاَخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَىَ مُوسَىَ وَهَارُونَ * إِنّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وآتـينا موسى وهارون الكتاب: يعنـي التوراة, كما:
22668ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وآتَـيْناهُما الكِتابَ الـمُسْتَبِـينَ: التوراة.
ويعنـي بـالـمستبـين: الـمتبـيّن هُدَى ما فـيه وتفصيـله وأحكامه. وقوله: وَهَدَيْناهُما الصّراطَ الـمُسْتَقِـيـمَ يقول تعالـى ذكره: وهدينا موسى وهارون الطريق الـمستقـيـم, الذي لا اعوجاج فـيه وهو الإسلام دين الله, الذي ابتعث به أنبـياءه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22669ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَهَدَيْناهُما الصّراطَ الـمُسْتَقِـيـمَ الإسلام.
وقوله: وَتَرَكْنا عَلَـيْهِما فِـي الاَخِرِينَ يقول: وتركنا علـيهما فـي الاَخرين بعدهم الثناء الـحسن علـيهما.
وقوله: سَلامٌ علـى مُوسَى وَهارُونَ يقول: وذلك أن يقال: سلام علـى موسى وهارون.
وقوله: إنّا كَذلكَ نَـجْزِي الـمُـحْسَنِـينَ يقول: هكذا نـجزي أهل طاعتنا, والعاملـين بـما يرضينا عنهم إنّهُما مِنْ عِبـادِنا الـمُؤْمِنِـينَ يقول: إن موسى وهارون من عبـادنا الـمخـلصين لنا الإيـمان