تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 472 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 472

471

ثم فسر الدعوتين فقال: 42- "تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم"، فقوله تدعونني بدل من تدعونني الأولى أو بيان لهم "ما ليس لي به علم" أي ما لا علم لي بكونه شريكاً لله "وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار" أي إلى العزيز في انتقامه بمن كفر الغفار لذنب من آمن به.
43- "لا جرم" قد تقدم تفسير هذا في سورة هود، وجرم فعل ماض بمعنى حق، ولا الداخلة عليه لنفي ما ادعوه ورد ما زعموه، وفاعل هذا الفعل هو قوله: "أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة" أي حق ووجب بطلان دعوته. قال الزجاج: معناه ليس له استجابة دعوة تنفع، وقيل ليس له دعوة توجب له الألوهية في الدنيا ولا في الآخرة. وقال الكلبي: ليس له شفاعة "وأن مردنا إلى الله" أي مرجعنا ومصيرنا إليه بالموت أولاً، وبالبعث آخراً فيجازى كل أحد بما يستحقه من خير وشر "وأن المسرفين هم أصحاب النار" أي المستكثرين من معاصي الله. قال قتادة وابن سيرين: يعني المشركين. وقال مجاهد والشعبي: هم السفهاء السفاكون للدماء بغير حقها. وقال عكرمة: الجبارون والمتكبرون. وقيل هم الذين تعدوا حدود الله، وأن في الموضعين عطف على أن في قوله: "أنما تدعونني إليه" والمعنى: وحق أن مردنا إلى الله، وحق أن المسرفين إلخ.
44- "فستذكرون ما أقول لكم" إذا نزل لكم العذاب وتعلمون أني قد بالغت في نصحكم وتذكيركم، وفي هذا الإبهام من التخويف والتهديد ما لا يخفى "وأفوض أمري إلى الله" أي أتوكل عليه وأسلم أمري إليه. قيل إنه قال هذا لما أرادوا الإيقاع به. قال مقاتل: هرب هذا المؤمن إلى الجبل فلم يقدروا عليه. وقيل القائل هو موسى، والأول أولى.
45- "فوقاه الله سيئات ما مكروا" أي وقاه الله ما أرادوا به من المكر السيء، وما أرادوا به من الشر. قال قتادة: نجاه الله مع بني إسرائيل "وحاق بآل فرعون سوء العذاب" أي أحاط بهم ونزل عليهم سوء العذاب. قال الكسائي: يقال حاق يحيق حيقاً وحيوقاً: إذا نزل ولزم. قال الكلبي: غرفوا في البحر ودلوا النار، والمراد بآل فرعون: فرعون وقومه، وترك التصريح به للاستغناء بذكرهم عن ذكره لكونه أولى بذلك منهم، أو المراد بآل فرعون فرعون نفسه. والأول أولى لأنهم قد عذبوا في الدنيا جميعاً بالغرق، وسيعذبون في الآخرة بالنار.
ثم بين سبحانه ما أجمله من سوء العذاب، فقال: 46- "النار يعرضون عليها غدواً وعشياً" فارتفاع النار على أنها بدل من سوء العذاب، وقيل على أنها خبر مبتدأ محذوف، أو مبتدأ وخبره يعرضون، والأول أولى ورجحه الزجاج وعلى الوجهين الأخيرين تكون الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر. وقرئ بالنصب على تقدير فعل يفسره يعرضون من حيث المعنى: أي يصلون النار يعرضون عليها، أو على الاختصاص، وأجاز الفراء الخفض على البدل من العذاب. وذهب الجمهور أن هذا العرض هو في البرزخ، وقيل هو في الآخرة. قال الفراء: ويكون في الآية تقديم وتأخير: أي أدخلوا آل فرعون أشد العذاب النار يعرضون عليها غدواً وعشياً، ولا ملجئ إلى هذا التكلف فإن قوله: "ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" يدل دلالة واضحة على أن ذلك العرض هو في البرزخ، وقوله: "أدخلوا" هو بتقدير القول: أي يقال للملائكة أدخلوا آل فرعون، و"أشد العذاب" هو عذاب النار. قرأ حمزة والكسائي ونافع وحفص "أدخلوا" بفتح الهمزة وكسر الخاء، وهو على تقدير القول كما ذكر. وقرأ الباقون "ادخلوا" بهمزة وصل من يدخل أمراً لآل فرعون بالدخول بتقدير حرف النداء: أي ادخلوا يا آل فرعون أشد العذاب.
47- "وإذ يتحاجون في النار" الظرف منصوب بإصمار اذكر. والمعنى: اذكر لقومك وقت تخاصمهم في النار ثم بين سبحانه هذا التخاصم فقال: "فيقول الضعفاء للذين استكبروا" عن الانقياد للأنبياء والاتباع لهم، وهم رؤساء الكفر "إنا كنا لكم تبعاً" جمع لتابع، كخدم وخادم، أو مصدر واقع موقع اسم الفاعل: أي تابعين أو على حذف مضاف: أي ذوي تبع. قال البصريون: التبع يكون واحداً ويكون جمعاً. وقال الكوفيون هو جمع لا واحد له "فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار" أي هل تدفعون عنا نصيباً منها أو تحملونه معنا، وانتصاب نصيباً بفعل مقدر يدل عليه مغنون: أي هل تدفعون عنا نصيباً أو تمنعون على تضمينه معنى حاملين: أي هل أنتم حاملون معنا نصيباً، أو على المصدرية.
48- "قال الذين استكبروا إنا كل فيها" هذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر والمعنى: إنا نحن وأنتم جميعاً في جهنم، فكيف نغني عنكم. قرأ الجمهور "كل" بالرفع على الابتداء، وخبره فيها والجملة خبر إن، قاله الأخفش. وقرأ ابن السميفع وعيسى بن عمر كلا بالنصب. قال الكسائي والفراء على التأكيد لاسم إن بمعنى كلنا، وتنوينه عوض عن المضاف إليه، وقيل على الحال ورجحه ابن مالك "إن الله قد حكم بين العباد" أي قضى بينهم بأن فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير.
49- "وقال الذين في النار" من الأمم الكافرة، مستكبرهم وضعيفهم "لخزنة جهنم" جمع خازن، وهو القوام بتعذيب أهل النار "ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب" يوماً ظرف ليخفف، ومفعول يخفف محذوف: أي يخفف عنا شيئاً من العذاب مقدار يوم أو في يوم.