تفسير الطبري تفسير الصفحة 472 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 472
473
471
 الآية : 41-42
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَيَقَوْمِ مَا لِيَ أَدْعُوكُـمْ إِلَى النّجَاةِ وَتَدْعُونَنِيَ إِلَى النّارِ * تَدْعُونَنِي لأكْـفُرَ بِاللّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفّارِ }.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا المؤمن لقومه من الكفرة: مَالِي أدْعُوكُمْ إلَى النّجَاة من عذاب الله وعقوبته بالإيمان به, واتباع رسوله موسى, وتصديقه فيما جاءكم به من عند ربه وَتَدْعُونَنِي إلى النّارِ يقول: وتدعونني إلى عمل أهل النار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23404ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: مالِي أدْعُوكُمْ إلى النّجاةِ قال: الإيمان بالله.
23405ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: مَالِي أدْعُوكُمْ إلَى النّجَاة وَتَدْعُونَنِي إلى النّارِ قال هذا مؤمن آل فرعون, قال: يدعونه إلى دينهم والإقامة معهم.
وقوله: تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بالله وأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ يقول: وأشرك بالله في عبادته أوثانا, لست أعلم أنه يصلح لي عبادتها وإشراكها في عبادة الله, لأن الله لم يأذن لي في ذلك بخبر ولا عقل.
وقوله: وأنا أدْعُوكُمْ إلى العَزِيزِ الغَفّارِ يقول: وأنا أدعوكم إلى عبادة العزيز في انتقامه ممن كفر به, الذي لا يمنعه إذا انتقم من عدوّ له شيء, الغفار لمن تابه إليه بعد معصيته إياه, لعفوه عنه, فلا يضرّه شيء مع عفوه عنه, يقول: فهذا الذي هذه الصفة صفته فاعبدوا, لا ما لا ضرّ عنده ولا نفع.
الآية : 43
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {لاَ جَرَمَ أَنّمَا تَدْعُونَنِيَ إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدّنْيَا وَلاَ فِي الاَخِرَةِ وَأَنّ مَرَدّنَآ إِلَى اللّهِ وَأَنّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النّارِ }.
يقول: حقا أن الذي تدعونني إليه من الأوثان, ليس له دعاء في الدنيا ولا في الاَخرة, لأنه جماد لا ينطق, ولا يفهم شيئا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23406ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدّنْيا قال: الوثن ليس بشيء.
23407ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدّنْيا وَلا فِي الاَخِرَةِ: أي لا ينفع ولا يضرّ.
23408ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدّنْيا وَلا فِي الاَخِرَةِ.
وقوله: وأنّ مَرَدّنا إلى اللّهِ يقول: وأن مرجعنا ومنقلبنا بعد مماتنا إلى الله وأنّ المُسْرِفِينَ هُمْ أصحَابُ النّارِ يقول: وإن المشركين بالله المتعدّين حدوده, القتلة النفوس التي حرّم الله قتلها, هم أصحاب نار حهنم عند مرجعنا إلى الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في معنى المسرفين في هذا الموضع, فقال بعضهم: هم سفاكو الدماء بغير حقها. ذكر من قال ذلك:
23409ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبي بزة, عن مجاهد, في قوله: وإن الُمْسرفين هُمُ أصحابُ النارِ قال: هم السفاكون الدماء بغير حقها.
حدثناعليّ بن سهل, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد في قول الله وأنّ المُسْرِفينَ هْمُ أصحابُ النارِ قال: هم السفاكون الدماء بغير حقها.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: وأنّ المُسْرِفينَ قال: السفاكون الدماء بغير حقها, هم أصحاب النار.
23410ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وأنّ المُسْرِفِينَ هُمْ أصحابُ النارِ قال: سماهم الله مسرفين, فرعون ومن معه.
وقال آخرون: هم المشركون. ذكر من قال ذلك:
23411ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, وأنّ المُسْرِفينَ هُمْ أصحَابُ النّارِ: أي المشركون.
وقد بيّنا معنى الإسراف فيما مضى قَبْلُ بما فيه الكفاية من إعادته في هذا الموضع.
وإنما اخترنا في تأويل ذلك في هذا الموضع ما اخترنا, لأن قائل هذا القول لفرعون وقومه, إنما قصد فرعون به لكفره, وما كان همّ به من قتل موسى, وكان فرعون عاليا عاتيا في كفره سفاكا للدماء التي كان محرّما عليه سفكها, وكلّ ذلك من الإسراف, فلذلك اخترنا ما اخترنا من التأويل في ذلك.
الآية : 44-45
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ وَأُفَوّضُ أَمْرِيَ إِلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوقَاهُ اللّهُ سَيّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوَءُ الْعَذَابِ }.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن من آل فرعون لفرعون وقومه: فستذكرون أيها القوم إذا عاينتم عقاب الله قد حلّ بكم, ولقيتم ما لقيتموه صدق ما أقول, وحقيقة ما أخبركم به من أن المسرفين هم أصحاب النار, كما:
23412ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَسَتَذْكُرُونَ ما أقُولُ لَكُمْ, فقلت له: أَوَذَلك في الاَخرة؟ قال: نعم.
وقوله: وأُفَوّضُ أمْرِي إلى اللّهِ يقول: وأسلم أمري إلى الله, وأجعله إليه وأتوكل عليه, فإنه الكافي مَنْ تَوَكّل عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23413ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وأُفَوّضُ أمْرِي إلى اللّهِ قال: أجعل أمري إلى الله.
وقوله: إنّ اللّهَ بَصِيرٌ بالعِبادِ يقول: إن الله عالم بأمور عباده, ومن المطيع منهم, والعاصي له, والمستحق جميل الثواب, والمستوجب سَيّىء العقاب.
وقوله: فَوَقاهُ اللّهُ سَيّئاتِ ما مَكَرُوا يقول تعالى ذكره: فدفع الله عن هذا المؤمن من آل فرعون بإيمانه وتصديق رسوله موسى, مكروه ما كان فرعون ينال به أهل الخلاف عليه من العذاب والبلاء, فنجاه منه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23414ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: سَيّئات ما مَكَرُوا قال: وكان قبطيا من قوم فرعون, فنجا مع موسى, قال: وذكر لنا أنه بين يدي موسى يومئذ يسير ويقول: أين أمرت يا نبيّ الله؟ فيقول: أمامك, فيقول له المؤمن: وهل أمامي إلا البحر؟ فيقول موسى: لا والله ما كَذَبتُ ولا كُذبتُ, ثم يسير ساعة ويقول: أين أمرت يا نبيّ الله؟ فيقول: أمامك, فيقول: وهل أمامي إلا البحر, فيقول: لا والله ما كذبت, ولا كذبت, حتى أتى على البحر فضربه بعصاه, فانفلق اثني عشر طريقا, لكل سبط طريق.
وقوله: وَحاقَ بآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العَذابِ يقول: وحل بآل فرعون ووجب عليهم وعُني بآل فرعون في هذا الموضع تبّاعه وأهل طاعته من قومه, كما:
23415ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ في قول الله: وَحاقَ بآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العَذابِ قال: قوم فرعون.
وعُني بقوله: سُوءُ العَذَابِ: ما ساءهم من عذاب الله, وذلك نار جهنم.
الآية : 46
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوَاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدّ الْعَذَابِ }.
يقول تعالى ذكره مبينا عن سوء العذاب الذي حلّ بهؤلاء الأشقياء من قوم فرعون ذلك الذي حاق بهم من سوء عذاب الله النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها إنهم لها هلكوا وغرّقهم الله, جُعلت أرواحهم في أجواف طير سود, فهي تعرض على النار كلّ يوم مرتين غُدُوّا وَعَشِيّا إلى أن تقوم الساعة. ذكر من قال ذلك:
23416ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن أبي قيس, عن الهذيل بن شرحبيل, قال: أرواح آل فرعون في أجواف طير سود تغدو وتروح على النار, وذلك عرضها.
23417ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قال: بلغني أن أرواح قوم فرعون في أجواف طير سود تعرض على النار غدوّا وعشيّا, حتى تقوم الساعة.
23418ـ حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير, قال: حدثنا حماد بن محمد الفزاري البلخي, قال: سمعت الأوزاعيّ وسأله رجل فقال: رحمك الله, رأينا طيورا تخرج من البحر تأخذ ناحية الغرب بيضا, فوجا فوجا, لا يعلم عددها إلا الله, فإذا كان العشيّ رجع مثلُها سُوْدا, قال: وفَطَنتم إلى ذلك؟ قالوا: نعم, قال: إن تلك الطيور في حواصلها أرواح آل فرعون يعرضون على النار غدوّا وعشيّا, فترجع إلى وكورها وقد احترقت رياشها, وصارت سوداء, فتنبت عليها من الليل رياش بيض, وتتناثر السود, ثم تغدو, ويُعرضون على النار غدوّا وعشيّا, ثم ترجع إلى وكورها, فذلك دَأْبُها في الدنيا فإذا كان يوم القيامة, قال الله: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أشَدّ العَذَابِ قالوا: وكانوا يقولون: إنهم ستّ مئة ألف مقاتل.
23419ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثني حرملة, عن سليمان بن حميد, قال: سمعت محمد بن كعب القرظى يقول: ليس في الاَخرة ليل ولا نصف نهار, وإنما هو بُكْرة وعشيّ, وذلك في القرآن في آل فرعون يُعْرَضُونَ عَلَيْها غَدُوّا وَعَشِيّا وكذلك قال لأهل الجنة لَهمْ رزْقُهُمْ فيها بُكْرَةً وَعَشِيّا.
وقيل: عني بذلك: أنهم يعرضون على منازلهم في النار تعذيبا لهم غدوّا وعشيّا. ذكر من قال ذلك:
23420ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوّا وَعَشَيّا قال: يُعرضون عليها صباحا ومساء, يقال لهم: يا آل فرعون هذه منازلكم, توبيخا ونقمة وصغارا لهم.
23421ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: غُدُوّا وَعَشِيّا قال: ما كانت الدنيا.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أن آل فرعون يعرضون على النار غدوّا وعشيا. وجائز أن يكون ذلك العرض على النار على نحو ما ذكرناه عن الهذيل ومن قال مثل قوله, وإن يكون كما قال قتادة, ولا خبر يوجب الحجة بأن ذلك المعنيّ به, فلا في ذلك إلا ما دلّ عليه ظاهر القرآن, وهم أنهم يعرضون على النار غدوّا وعشيا, وأصل الغدوّ والعشيّ مصادر جعلت أوقاتا.
وكان بعض نحويي البصرة يقول في ذلك: إنما هو مصدر, كما تقول: أتيته ظلاما جعله ظرفا وهو مصدر. قال: ولو قلت: موعدك غدوة, أو موعدك ظلام, فرفعته, كما تقول: موعدك يوم الجمعة, لم يحسن, لأن هذه المصادر وما أشبهها من نحو سحر لا تجعل إلا ظرفا قال: والظرف كله ليس بمتمكن وقال نحويو الكوفة: لم يسمع في هذه الأوقات, وإن كانت مصادر, إلا التعريب: موعدك يوم موعدك صباح ورواح, كما قال جلّ ثناؤه: غُدُوّها شَهُرٌ وَرَوَاحُها شَهْرٌ فرفع, وذكروا أنهم سمعوا: إنما الطيلسان شهران, قالوا: ولم يسمع في الأوقات النكرات إلا الرفع إلا قولهم: إنما سخاؤك أحيانا, وقالوا: إنما جاز ذلك لأنه بمعنى: إنما سخاؤك الحين بعد الحين, فلما كان تأويله الإضافة نصب.
وقوله: وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أشَدّ العَذَابِ اختلفت القراء في قراءة ذلك فقرأته عامة قرّاء أهل الحجاز والعراق سوى عاصم وأبي عمرو وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ بفتح الألف من أدخلوا في الوصل والقطع بمعنى: الأمر بإدخالهم النار. وإذا قُرىء ذلك كذلك, كان الاَل نصبا بوقوع أدخلوا عليه, وقرأ ذلك عاصم وأبو عمرو: «وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا» يوصل الألف وسقوطها في الوصل من اللفظ, وبضمها إذا ابتدىء بعد الوقف على الساعة, ومن قرأ ذلك كذلك, كان الاَل على قراءته نصبا بالنداء, لأن معنى الكلام على قراءته: ادخلو يا آل فرعون أشدّ العذاب.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال إنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القرّاء, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. فمعنى الكلام إذن: ويوم تقوم الساعة يقال لاَل فرعون: ادخلوا يا آل فرعون أشدّ العذاب, فهذا على قراءة من وصل الألف من ادخلوا ولم يقطع, ومعناه على القراءة الأخرى, ويوم تقوم الساعة يقول الله لملائكته أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أشَدّ العَذَابِ.
الآية : 47-48
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَإِذْ يَتَحَآجّونَ فِي النّـارِ فَيَقُولُ الضّعَفَاءُ لِلّذِينَ اسْتَكْـبَرُوَاْ إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مّغْنُونَ عَنّا نَصِيباً مّنَ النّارِ * قَالَ الّذِينَ اسْتَكْبَرُوَاْ إِنّا كُلّ فِيهَآ إِنّ اللّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وَأنْذِرْهُم يَوْمَ الاَزِفَةِ إذِ القُلُوبُ لَدَى الحَناجِرِ كاظِمِينَ, وإذْ يَتَحاجّونَ في النّارِ يقول: وإذ يتخاصمون في النار. وعني بذلك: إذ يتخاصم الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإنذارهم من مشركي قومه في النار, فيقول الضعفاء منهم وهم المتبعون على الشرك بالله إنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعا تقول لرؤسائهم الذين اتبعوهم على الضلالة: إنا كنا لكم في الدنيا تبعا على الكفر بالله فَهَلْ أنْتُمْ مغْنُونَ اليوم عَنّا نَصِيبا مِن النّارِ يعنون حظا فتخففوه عنا, فقد كنا نسارع في محبتكم في الدنيا, ومن قبلكم أتينا, لولا أنتم لكنا في الدنيا مؤمنين, فلم يصبنا اليوم هذا البلاء والتبع يكون واحدا وجماعة في قول بعض نحويي البصرة, وفي قول بعض نحويي الكوفة جمع لا واحد له, لأنه كالمصدر. قال: وإن شئت كان واحدة تابع, فيكون مثل خائل وخول, وغائب وغيب.
والصواب من القول في ذلك عندي أنه جمع واحده تابع, وقد يجوز أن يكون واحدا فيكون جمعه أتباع. فأجابهم المتبوعون بما أخبر الله عنهم قال الذين استكبروا, وهم الرؤساء المتبوعون على الضلالة في الدنيا: إنا أيها القوم وأنتم كلنا في هذه النار مخلدون, لا خلاص لنا منها إنّ اللّهَ قَدْ حَكَمَ بَينَ العِبادِ بفصل قضائه, فأسكن أهل الجنة الجنة, وأهل النار النار, فلا نحن مما نحن فيه من البلاء خارجون, ولا هم مما فيه من النعيم منتقلون ورفع قوله كُلّ بقوله فِيها ولم ينصب على النعت.
وقد اختلف في جواز النصب في ذلك في الكلام. وكان بعض نحويي البصرة يقول: إذا لم يضف «كلّ» لم يجز الاتباع. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: ذلك جائز في الحذف وغير الحذف, لأن أسماءها إذا حُذفت اكتفي بها منها. وقد بيّنا الصواب من القول في ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته