تفسير الطبري تفسير الصفحة 271 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 271
272
270
 الآية : 35
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نّحْنُ وَلآ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرّسُلِ إِلاّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ }.
يقول تعالـى ذكره: وقال الذين أشركوا بـالله فعبدوا الأوثان والأصنام من دون الله: ما نعبد هذه الأصنام إلا لأن الله قد رضي عبـادتنا هؤلاء، ولا نـحرم ما حرمنا من البحائر والسوائب إلا أن الله شاء منا ومن آبـائنا تـحريـمناها ورضيه، لولا ذلك لقد غير ذلك ببعض عقوبـاته أو بهدايته إيانا إلـى غيره من الأفعال. يقول تعالـى ذكره: كذلك فعل الذين من قبلهم من الأمـم الـمشركة الذين استنّ هؤلاء سنتهم، فقالوا مثل قولهم، وسلكوا سبـيـلهم فـي تكذيب رسل الله واتبـاع أفعال آبـائهم الضلال. وقوله: فَهَلْ علـى الرّسُلِ إلاّ البَلاغُ الـمُبِـينُ يقول جلّ ثناؤه: فهل أيها القائلون لو شاء الله ما أشركنا ولا آبـاؤنا علـى رسلنا الذين نرسلهم بـانذاركم عقوبتنا علـى كفركم، إلا البلاغ الـمبـين يقول: إلا أن تبلغكم ما أرسلنا إلـيكم من الرسالة. ويعنـي بقوله الـمُبِـينُ: الذي يبـين عن معناه لـمن أبلغه، ويفهمه من أرسل إلـيه.
الآية : 36
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمّةٍ رّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الْطّاغُوتَ فَمِنْهُم مّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُمْ مّنْ حَقّتْ عَلَيْهِ الضّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولقد بعثنا أيها الناس فـي كلّ أمة سلفت قبلكم رسولاً كما بعثنا فـيكم بأن اعبدوا الله وحده لا شريك له وأفردوا له الطاعة وأخـلصوا له العبـادة، وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ يقول: وابعدوا من الشيطان، واحذروا أن يغويكم ويصدّكم عن سبـيـل الله فتضلوا. فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللّهُ يقول: فمـمن بعثنا فـيهم رسلنا من هدى الله، فوفّقه لتصديق رسله والقبول منها والإيـمان بـالله والعمل بطاعته، ففـاز وأفلـح ونـجا من عذاب الله وَمِنْهُمْ مَنْ حَقّتْ عَلَـيْهِ الضّلالَةُ يقول: ومـمن بعثنا رسلنا إلـيه من الأمـم آخرون حقّت علـيهم الضلالة، فجاروا عن قصد السبـيـل، فكفروا بـالله وكذّبوا رسله واتبعوا الطاغوت، فأهلكهم الله بعقابه وأنزل علـيهم بأسه الذي لا يردّ عن القوم الـمـجرمين. فَسِيرُوا فِـي الأرْضِ فـانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الـمُكَذّبِـينَ يقول تعالـى ذكره لـمشركي قريش: إن كنتـم أيها الناس غير مصدّقـي رسولنا فـيـما يخبركم به عن هؤلاء الأمـم الذين حلّ بهم ما حلّ من بأسنا بكفرهم بـالله وتكذيبهم رسوله، فسيروا فـي الأرض التـي كانوا يسكنونها والبلاد التـي كانوا يعمرونها فـانظروا إلـى آثار الله فـيهم وآثار سخطه النازل بهم، كيف أعقبهم تكذيبهم رسل الله ما أعقبهم، فإنكم ترون حقـيقة ذلك وتعلـمون به صحة الـخبر الذي يخبركم به مـحمد صلى الله عليه وسلم.
الآية : 37
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِن تَحْرِصْ عَلَىَ هُدَاهُمْ فَإِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلّ وَمَا لَهُمْ مّن نّاصِرِينَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: إن تـحرص يا مـحمد علـى هدى هؤلاء الـمشركين إلـى الإيـمان بـالله واتبـاع الـحقّ فإنّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلّ.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الكوفـيـين: فإنّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ يَضِلّ بفتـح الـياء من «يهدي»، وضمها من «يضلّ». وقد اختلف فـي معنى ذلك قارئوه كذلك، فكان بعض نـحويـي الكوفة يزعم أن معناه: فإن الله من أضله لا يهتدي، وقال: العرب تقول: قد هُدي الرجل يريدون قد اهتدى، وهُدي واهتدى بـمعنى واحد. وكان آخرون منهم يزعمون أن معناه: فإن الله لا يهدي من أضله، بـمعنى: أن من أضله الله فإن الله لا يهديه. وقرأ ذلك عامّة قرّاء الـمدينة والشام والبصرة: «فإنّ اللّهَ لاَ يُهْدَى» بضم الـياء من «يُهدى» ومن «يُضل» وفتـح الدال من «يُهدَى» بـمعنى: من أضله الله فلا هادي له.
وهذه القراءة أولـى القراءتـين عندي بـالصواب، لأن يَهْدي بـمعنى يهتدى قلـيـل فـي كلام العرب غير مستفـيض، وأنه لا فـائدة فـي قول قائل: من أضله الله فلا يهديه، لأن ذلك مـما لا يجهله أحد. وإذ كان ذلك كذلك، فـالقراءة بـما كان مستفـيضا فـي كلام العرب من اللغة بـما فـيه الفـائدة العظيـمة أولـى وأحرى.
فتأويـل الكلام لو كان الأمر علـى ما وصفنا: إن تـحرص يا مـحمد علـى هداهم، فإن من أضله الله فلا هادي له، فلا تـجهد نفسك فـي أمره وبلغه ما أرسلت به لتتـمّ علـيه الـحجة. وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ يقول: وما لهم من ناصر ينصرهم من الله إذا أراد عقوبتهم، فـيحول بـين الله وبـين ما أراد من عقوبتهم.
وفـي قوله: إنْ تَـحْرِصْ لغتان: فمن العرب من يقول: حَرَصَ يَحْرِصُ بفتـح الراء فـي فعَل وكسرها فـي يفعل. وحَرِصَ يَحْرَصُ بكسر الراء فـي فعِل وفتـحها فـي يفعَل. والقراءة علـى الفتـح فـي الـماضي والكسر فـي الـمستقبل، وهي لغة أهل الـحجاز.

الآية : 38
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَىَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـَكِنّ أَكْثَرَ الْنّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وحلف هؤلاء الـمشركون من قريش بـالله جَهْد أيْـمانِهِمْ حلفهم، لا يبعث الله من يـموت بعد مـماته، وكذبوا وأبطلوا فـي أيـمانهم التـي حلفوا بها كذلك، بل سيبعثه الله بعد مـماته، وعدا علـيه أن يبعثهم وعد عبـاده، والله لا يخـلف الـميعاد. ولَكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَـمُونَ يقول: ولكن أكثر قريش لا يعلـمون وعد الله عبـاده أنه بـاعثهم يوم القـيامة بعد مـماتهم أحياء.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16302ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأقْسَمُوا بـاللّهِ جَهْدَ أيـمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَـمُوتُ تكذيبـا بأمر الله أو بأمرنا، فإن الناس صاروا فـي البعث فريقـين: مكذّب ومصدّق. ذُكر لنا أن رجلاً قال لابن عبـاس: إن ناسا بهذا العراق يزعمون أن علـيّا مبعوث قبل يوم القـيامة، ويتأوّلون هذه الاَية فقال ابن عبـاس: كذب أولئك، إنـما هذه الاَية للناس عامّة، ولعمري لو كان علـيّ مبعوثا قبل يوم القـيامة ما أنكحنا نساءه ولا قسمنا ميراثه
16303ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال ابن عبـاس: إن رجالاً يقولون: إن علـيّا مبعوث قبل يوم القـيامة، ويتأوّلون: وأقْسَمُوا بـاللّهِ جَهْدَ أيـمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَـمُوتُ بَلـى وَعْدا عَلَـيْهِ حَقّا وَلكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَـمُونَ قال: لو كنا نعلـم أن علـيّا مبعوث، ما تزوّجنا نساءه ولا قسمنا ميراثه، ولكن هذه للناس عامة.
16304ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن أبـيه، عن الربـيع، فـي قوله: وأقْسَمُوا بـاللّهِ جَهْدَ أيـمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَـمُوتُ قال: حلف رجل من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم عند رجل من الـمكذّبـين، فقال: والذي يرسل الروح من بعد الـموت فقال: وإنك لتزعم أنك مبعوث من بعد الـموت؟ وأقسم بـالله جهد يـمينه لا يبعث الله من يـموت.
16305ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية، قال: كان لرجل من الـمسلـمين علـى رجل من الـمشركين دين، فأتاه يتقاضاه، فكان فـيـما تكلـم به: والذي أرجوه بعد الـموت إنه لكذا فقال الـمشرك: إنك تزعم أنك تُبعث بعد الـموت؟ فأقسم بـالله جهد يـمينه لا يبعث الله من يـموت فأنزل الله: وأقْسَمُوا بـاللّهِ جَهْدَ أيـمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَـمُوتُ بَلـى وَعْدا عَلَـيْهِ حَقّا وَلكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَـمُونَ.
16306ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن عطاء بن أبـي ربـاح أنه أخبره أنه سمع أبـا هريرة يقول: «قال الله: سبنـي ابن آدم، ولـم يكن ينبغي له أن يسبنـي، وكذّبنـي ولـم يكن ينبغي له أن يكذّبنـي فأما تكذيبه إياي فقال: وأقْسَمُوا بـاللّهِ جَهْدَ أيـمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَـمُوتُ قال: قلت: بَلـى وَعْدا عَلَـيْهِ حَقّا. وأما سَبّه إياي فقال: إنّ اللّهَ ثالثُ ثَلاثَةٍ، وقلت: قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ لَـمْ يَـلِدْ ولَـمْ يُولَدْ ولَـمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحَدٌ».

الآية : 39
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {لِيُبَيّنَ لَهُمُ الّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الّذِينَ كَفَرُواْ أَنّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: بل لَـيبعثنّ الله من يـموت وعدا علـيه حقّا، لـيبـين لهؤلاء الذين يزعمون أن الله لا يبعث من يـموت ولغيرهم الذي يختلفون فـيه من إحياء الله خـلقه بعد فنائهم، ولـيعلـم الذين جحدوا صحة ذلك وأنكروا حقـيقته أنهم كانوا كاذبـين فـي قـيـلهم لا يبعث الله من يـموت. كما:
16307ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لِـيُبَـيّنَ لَهُمُ الّذِي يَخْتَلِفُونَ فِـيهِ قال: للناس عامّة.

الآية : 40 و 41
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {إِنّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَالّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوّئَنّهُمْ فِي الدّنْيَا حَسَنَةً وَلأجْرُ الاَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: إنا إذا أردنا أن نبعث من يـموت فلا تعب علـينا ولا نصب فـي إحيائناهم، ولا فـي غير ذلك مـما نـخـلق ونكوّن ونـحدث لأنا إذا أردنا خـلقه وإنشاءه فإنـما نقول له كن فـيكون، لا معاناة فـيه ولا كُلفة علـينا.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: «يكون» فقرأه أكثر قرّاء الـحجاز والعراق علـى الابتداء، وعلـى أن قوله: إنّـمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذَا أرَدْناهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ كلام تامّ مكتف بنفسه عما بعده، ثم يبتدأ فـيقال: «فـيكونُ»، كما قال الشاعر:
(يُريدُ أنْ يُعْرِبَهُ فـيعجِمُهْ )
وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الشام وبعض الـمتأخرين من قرّاء الكوفـيـين: «فَـيَكُونَ» نصبـا، عطفـا علـى قوله: أنْ نَقُولَ لَهُ. وكأن معنى الكلام علـى مذهبهم: ما قولنا لشيء إذا أردناه إلاّ أن نقول له: كن، فـيكون. وقد حُكي عن العرب سماعا: أريد أن آتـيك فـيَـمْنَعَنـي الـمطر، عطفـا ب «يَـمْنَعَنـي» علـى «آتـيك».
وقوله: وَالّذِينَ هاجَرُوا فـي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا لَنُبَوّئَنّهُمْ فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً يقول تعالـى ذكره: والذين فـارقوا قومهم ودورهم وأوطانهم عداوة لهم فـي الله علـى كفرهم إلـى آخرين غيرهم. مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا يقول: من بعد ما نـيـل منهم فـي أنفسهم بـالـمكاره فـي ذات الله. لَنُبَوّئَنّهُمْ فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً يقول: لنسكننهم فـي الدنـيا مسكنا يرضونه صالـحا.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16308ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَالّذِينَ هاجَرُوا فِـي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا لَنُبَوّئَنّهُمْ قال: هؤلاء أصحاب مـحمد ظلـمهم أهل مكة، فأخرجوهم من ديارهم حتـى لـحق طوائف منهم بـالـحبشة، ثم بوأهم الله الـمدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة، وجعل لهم أنصارا من الـمؤمنـين.
16309ـ حُدثت عن القاسم بن سلام، قال: حدثنا هشيـم، عن داود بن أبـي هند، عن الشعبـي: لَنُبَوّئَنّهُمْ فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً قال: الـمدينة.
16310ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: وَالّذِينَ هاجَرُوا فِـي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا لَنُبَوّئَنّهُمْ فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً قال: هم قوم هاجروا إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة بعد ظلـمهم، وظَلَـمَهُم الـمشركون.
وقال آخرون: عنى بقوله: لَنُبَوّئَنّهُمْ فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً لنرزقنهم فـي الدنـيا رزقا حسنا. ذكر من قال ذلك:
16311ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد لَنُبَوّئَنّهُمْ لنرزقنهم فـي الدنـيا رزقا حسنا.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
16312ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا هشيـم، عن العوامّ، عمن حدثه أن عمر بن الـخطاب كان إذا أعطى الرجل من الـمهاجرين عطاءه يقول: خذ بـارك الله لك فـيه، هذا ما وعدك الله فـي الدنـيا، وما ذخره لك فـي الاَخرة أفضل. ثم تلا هذه الاَية: لَنُبَوّئَنّهُمْ فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً ولأَجْرُ الاَخرَةِ أكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَـمُونَ.
وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: معنى لَنُبَوّئَنّهُمْ: لنـحلنهم ولنسكننهم، لأن التبوأ فـي كلام العرب الـحلول بـالـمكان والنزول به. ومنه قول الله تعالـى: وَلَقَدْ بَوّأْنا بَنـي إسْرَائيـلَ مُبَوّأَ صدْق. وقـيـل: إن هذه الاَية نزلت فـي أبـي جندل بن سهيـل. ذكر من قال ذلك:
16313ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا جعفر بن سلـيـمان، عن داود بن أبـي هند، قال: نزلت والّذِينَ هاجَرُوا فِـي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا... إلـى قوله: وَعَلـى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ فـي أبـي جندل بن سهيـل.
وقوله: وَلأَجْرُ الاَخِرَةِ أكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَـمُونَ يقول: ولثواب الله إياهم علـى هجرتهم فـيه فـي الاَخرة أكبر، لأن ثوابه إياهم هنالك الـجنة التـي يدوم نعيـمها ولا يبـيد.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16314ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الله: وَلأَجْرُ الاَخرَةِ أكْبَرُ أي والله لـما يثـيبهم الله علـيه من جنته أكبر لَوْ كانُوا يَعْلَـمُونَ.

الآية : 42
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {الّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىَ رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين وصفنا صفتهم، وآتـيناهم الثواب الذي ذكرناه، الذين صبروا فـي الله علـى ما نابهم فـي الدنـيا. وَعَلـى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ يقول: وبـالله يثقون فـي أمورهم، وإلـيه يستندون فـي نوائب الأمور التـي تنوبهم