تفسير الطبري تفسير الصفحة 272 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 272
273
271
 الآية : 43
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاّ رِجَالاً نّوحِيَ إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وما أرسلنا من قبلك يا مـحمد إلـى أمة من الأمـم، للدعاء إلـى توحيدنا والانتهاء إلـى أمرنا ونهينا، إلاّ رجالاً من بنـي آدم نوحي إلـيهم وحينا لا ملائكة، يقول: فلـم نرسل إلـى قومك إلاّ مثل الذي كنا نرسل إلـى من قَبلهم من الأمـم من جنسهم وعلـى منهاجهم. فـاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ يقول لـمشركي قريش: وإن كنتـم لا تعلـمون أن الذين كنا نرسل إلـى من قبلكم من الأمـم رجال من بنـي آدم مثل مـحمد صلى الله عليه وسلم وقلتـم هم ملائكة أي ظننتـم أن الله كلـمهم قبلاً، فـاسْئَلُوا أَهْلَ الذّكْرِ وهم الذين قد قرءوا الكتب من قبلهم: التوراة والإنـجيـل، وغير ذلك من كتب الله التـي أنزلها علـى عبـاده.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16315ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـيّ، عن لـيث، عن مـجاهد: فـاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ قال: أهل التوراة.
16316ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن سفـيان، قال: سألت الأعمش، عن قوله: فـاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ قال: سمعنا أنه من أسلـم من أهل التوراة والإنـجيـل.
16317ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَـيْهِمْ فـاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ إنْ كُنْتُـمْ لا تَعْلَـمُونَ قال: هم أهل الكتاب.
16318ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبـيد الله، عن إسرائيـل، عن أبـي يحيى، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس: فـاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ إنْ كُنْتُـمْ لا تَعْلَـمُونَ قال: قال لـمشركي قريش: إن مـحمدا فـي التوراة والإنـجيـل.
16319ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبـي روق، عن الضحاك عن ابن عبـاس، قال: لـما بعث الله مـحمدا رسولاً، أنكرت العرب ذلك، أو من أنكر منهم، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل مـحمد. قال: فأنزل الله: أكانَ للنّاسِ عَجَبـا أنْ أوْحَيْنا إلـى رَجُلٍ مِنْهُمْ وقال: وَما أرْسلنَا مِنْ قبلكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَـيهِمْ فـاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ إنْ كُنْتُـمْ لا تَعْلَـمُونَ بـالبـيّناتِ والزّبُرِ فـاسئلوا أهل الذكر: يعنـي أهل الكتب الـماضية، أبشرا كانت الرسل التـي أتتكم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أنكرتـم، وإن كانوا بشرا فلا تنكروا أن يكون مـحمد رسولاً. قال: ثم قال: وما أرْسَلْنَا منْ قَبْلك إلاّ رِجَالاً نُوحي إلـيهم مِنْ أهْلِ القُرَى أي لـيسوا من أهل السماء كما قلتـم.
وقال آخرون فـي ذلك ما:
16320ـ حدثنا به ابن وكيع، قال: حدثنا ابن يـمان، عن إسرائيـل، عن جابر، عن أبـي جعفر: فـاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ إنْ كُنْتُـمْ لا تَعْلَـمُونَ قال: نـحن أهل الذكر.
16321ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فـاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ إنْ كُنْتُـمْ لا تَعْلَـمُونَ قال: الذكر: القرآن. وقرأ: إنّا نَـحْنُ نَزّلْنا الذّكْرَ وإنّا لَهُ لَـحافظُونَ، وقرأ: إنّ الّذِينَ كَفَرُوا بـالذّكْرِ لَـمّا جاءَهُمْ... الاَية.
الآية : 44
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {بِالْبَيّنَاتِ وَالزّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: أرسلنا بـالبـينات والزّبُر رجالاً نوحي إلـيهم.
فإن قال قائل: وكيف قـيـل بـالبـينات والزّبُر؟ وما الـجالب لهذه البـاء فـي قوله بـالبَـيّناتِ فإن قلت: جالبها قوله أرْسَلْنَا وَهي من صلته، فهل يجوز أن تكون صلة «ما» قبل «إلاّ» بَعدها؟ وإن قلت: جالبها غير ذلك، فما هو؟ وأين الفعل الذي جلبها؟ قـيـل: قد اختلف أهل العربـية فـي ذلك، فقال بعضهم: البـاء التـي فـي قوله: «بـالبَـيّناتِ» من صلة «أرسلنا»، وقال: «إلاّ» فـي هذا الـموضع، ومع الـجحد والاستفهام فـي كلّ موضع بـمعنى «غير». وقال: معنى الكلام: وما أرسلنا من قبلك بـالبـينات والزبر غير رجال نوحي إلـيهم، ويقول علـى ذلك: ما ضرب إلاّ أخوك زيدا، وهل كلـم إلاّ أخوك عمرا، بـمعنى: ما ضرب زيدا غير أخيك، وهل كلـم عمرا إلاّ أخوك؟ ويحتـجّ فـي ذلك بقول أوْس بن حَجَر:
أبَنِـي لُبَـيْنَى لَسْتُـمُ بِـيَدٍإلا يَدٍ لَـيْسَتْ لَهَا عَضُدُ
ويقول: لو كانت «إلا» بغير معنى لفسد الكلام، لأن الذي خفض البـاء قبل «إلا» لا يقدر علـى إعادته بعد «إلا» لـخفض الـيد الثانـية، ولكن معنى «إلا» معنى «غير». ويستشهد أيضا بقول الله عزّ وجلّ: لَوْ كانَ فِـيهِما آلِهَةٌ إلاّ اللّهُ ويقول: «إلا» بـمعنى «غير» فـي هذا الـموضع. وكان غيره يقول: إنـما هذا علـى كلامين، يريد: وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالاً أرسلنا بـالبـينات والزبر. قال: وكذلك قول القائل: ما ضرب إلا أخوك زيدا معناه: ما ضرب إلا أخوك، ثم يبتدىء ضرب زيدا، وكذلك ما مَرّ إلا أخوك بزيد ما مرّ إلا أخوك، ثم يقول: مرّ بزيد ويستشهد علـى ذلك ببـيت الأعشى:
ولَـيْسَ مُـجِيرا إنْ أتَـى الـحَيّ خائِفٌوَلا قائِلاً إلاّ هُوَ الـمُتَعَيّبـا
ويقول: لو كان ذلك علـى كلـمة لكان خطأ، لأن «الـمُتَعَيّبـا» من صلة القائل، ولكن جاز ذلك علـى كلامين. وكذلك قول الاَخر:
نُبّئْتُهُمْ عَذّبُوا بـالنّارِ جارَهُمُوَهَلْ يُعَذّبُ إلاّ اللّهُ بـالنّارِ
فتأويـل الكلام إذن: وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالاً نوحي إلـيهم أرسلناهم بـالبـينات والزبر، وأنزلنا إلـيك الذكر. والبـينات: هي الأدلة والـحجج التـي أعطاها الله رسله أدلة علـى نبوّتهم شاهدة لهم علـى حقـيقة ما أتوا به إلـيهم من عند الله. والزّبُر: هي الكتب، وهي جمع زَبُور، من زَبَرْت الكتاب وذَبَرته: إذا كتبته.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16322ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: بـالبَـيّناتِ والزّبُرِ قال: الزبر: الكتب.
16323ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: بـالبَـيّناتِ والزّبُرِ قال: الاَيات. والزبر: الكتب.
16324ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: الزّبُر: الكُتُب.
16325ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَالزّبُرِ يعنـي: بـالكتب.
وقوله: وأنْزَلْنا إلَـيْكَ الذّكْرَ يقول: وأنزلنا إلـيك يا مـحمد هذا القرآن تذكيرا للناس وعظة لهم. لِتُبَـيّنَ للنّاسِ يقول: لتعرفهم ما أنزل إلـيهم من ذلك. وَلَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ يقول: ولـيتذكروا فـيه ويعتبروا به أي بـما أنزلنا إلـيك. وقد:
16326ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا الثوري، قال: قال مـجاهد: وَلَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ قال: يطيعون.
الآية : 45
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {أَفَأَمِنَ الّذِينَ مَكَرُواْ السّيّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: أفأمن الذين ظلـموا الـمؤمنـين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فراموا أن يفتنوهم عن دينهم من مشركي قريش الذين قالوا إذ قـيـل لهم ماذا أنزل ربكم: أساطير الأوّلـين، صدّا منهم لـمن أراد الإيـمان بـالله عن قصد السبـيـل، أن يخسف الله بهم الأرض علـى كفرهم وشركهم، أو يأتـيهم عذاب الله من مكان لا يشعر به ولا يدري من أين يأتـيه؟ وكان مـجاهد يقول: عنى بذلك نـمرود بن كنعان.
16327ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد: أفَأمِنَ الّذِينَ مَكَرُوا السّيّئاتِ أنْ يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأرْضَ... إلـى قوله: أوْ يَأْخُذَهُمْ علـى تَـخَوّفٍ قال: هو نـمرود بن كنعان وقومه.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
وإنـما اخترنا القول الذي قلناه فـي تأويـل ذلك، لأن ذلك تهديد من الله أهل الشرك به، وهو عقـيب قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَـيْهِمْ فَـاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ إنْ كُنْتُـمْ لا تَعلَـمونَ فكان تهديد من لـم يقرّ بحجة الله الذي جرى الكلام بخطابه قبل ذلك أحرى من الـخبر عمن انقطع ذكره عنه.
وكان قتادة يقول فـي معنى السيئات فـي هذا الـموضع، ما:
16328ـ حدثنا به بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أفَأمنَ الّذِينَ مَكَرُوا السّيّئاتِ: أي الشرك.
الآية : 46 و 47
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىَ تَخَوّفٍ فَإِنّ رَبّكُمْ لَرَؤُوفٌ رّحِيمٌ }.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: أوْ يَأْخُذَهُمْ فِـي تَقَلّبِهِمْ أو يهلكهم فـي تصرّفهم فـي البلاد وتردّدهم فـي أسفـارهم. فمَا هُمْ بِـمعجِزِين يقول جلّ ثناؤه: فإنهم لا يعجزون الله من ذلك إن أراد أخذهم كذلك.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16329ـ حدثنـي الـمثنى وعلـيّ بن داود، قالا: حدثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: أوْ يَأْخُذَهُمْ فِـي تَقَلّبِهِمْ يقول: فـي اختلافهم.
16330ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: أوْ يَأْخُذَهُمْ فِـي تَقَلّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِـمُعْجِزِينَ قال: إنْ شئت أخذته فـي سفر.
16331ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أوْ يَأْخُذَهُمْ فِـي تَقَلّبِهِمْ فـي أسفـارهم.
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، مثله.
وقال ابن جريج فـي ذلك ما:
16332ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: أوْ يَأْخُذَهُمْ فِـي تَقَلّبِهِمْ قال: التقلب: أن يأخذهم بـاللـيـل والنهار.
وأما قوله: أوْ يَأْخُذَهُمْ علـى تَـخَوّفٍ فإنه يعنـي: أو يهلكهم بتـخوّف، وذلك بنقص من أطرافهم ونواحيهم الشيء بعد الشيء حتـى يهلك جميعهم، يقال منه: تـخوّف مال فلان الإنفـاق: إذا انتقصه، ونـحو تـخوّفه من التـخوّف بـمعنى التنقص، وقول الشاعر:
تَـخَوّفَ السّيْرُ مِنْها تامِكا قَرِداكما تَـخَوّفَ عُودَ النّبْعَةِ السّفَنُ
يعنـي بقوله: تـخوّف السير: تنقص سَنامها. وقد ذكرنا عن الهيثم بن عديّ أنه كان يقول: هي لغة لأزد شَنوءة معروفة لهم ومنه قول الاَخر:
تَـخَوّفَ عَدْوُهُمْ مالـي وأهْدَىسَلاسِل فـي الـحُلُوقِ لَهَا صَلِـيـلُ
وكان الفرّاء يقول: العرب تقول: تـحوّفته: أي تنقصته، تـحوّفـا: أي أخذته من حافـاته وأطرافه، قال: فهذا الذي سمعته، وقد أتـى التفسير بـالـحاء وهما بـمعنى. قال: ومثله ما قرىء بوجهين قوله: إن لكَ فـي النّهارِ سَبْحا و «سَبْخا».
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16333ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن الـمسعودي، عن إبراهيـم بن عامر بن مسعود، عن رجل، عن عُمَر أنه سألهم عن هذه الاَية: أوْ يَأْخُذَهُمْ فِـي تَقَلّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِـمُعْجِزِينَ أوْ يَأْخُذَهُمْ علـى تَـخَوّفٍ فقالوا: ما نرى إلاّ أنه عند تنقص ما يردّده من الاَيات، فقال عمر: ما أرى إلاّ أنه علـى ما تنتقصون من معاصي الله. قال: فخرج رجل مـمن كان عند عمر، فلقـى أعرابـيّا، فقال: يا فلان ما فعل ربك؟ قال: قد تَـخَيفته، يعنـي تنقصته. قال: فرجع إلـى عمر فأخبره، فقال: قدّر الله ذلك.
16334ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: أوْ يَأْخُذَهُمْ علـى تَـخُوّفٍ يقول: إن شئت أخذته علـى أثر موت صاحبه وتـخوّف بذلك.
16335ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الـخراسانـيّ، عن ابن عبـاس: علـى تَـخَوّفٍ قال: التنقص والتفزيع.
16336ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: أوْ يَأْخُذَهُمْ علـى تَـخَوّفٍ علـى تنقص.
حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: علـى تَـخَوّفٍ قال: تنقص.
حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.
16337ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: أو يَأْخُذَهُمْ علـى تَـخَوّفٍ فـيعاقب أو يتـجاوز.
16338ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: أوْ يَأْخُذَهُمْ علـى تَـخَوّفٍ قال: كان يقال: التـخوّف: التنقّص، ينتقصهم من البلدان من الأطراف.
16339ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: أوْ يَأْخُذَهُمْ علـى تَـخَوّفٍ يعنـي: يأخذ العذاب طائفة ويترك أخرى، ويعذّب القرية ويهلكها، ويترك أخرى إلـى جنبها.
وقوله: فإنّ رَبّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيـمٌ يقول: فإن ربكم إن لـم يأخذ هؤلاء الذين مكروا السيئات بعذاب معجّل لهم، وأخذهم بـموت وتنقص بعضهم فـي أثر بعض، لرءوف بخـلقه، رحيـم بهم، ومن رأفته ورحمته بهم لـم يخسف بهم الأرض، ولـم يعجّل لهم العذاب، ولكن يخوّفهم وينقّصهم بـموت.

الآية : 48
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَىَ مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشّمَآئِلِ سُجّداً لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ }.
اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الـحجاز والـمدينة والبصرة: أو لَـمْ يَرَوْا بـالـياء علـى الـخبر عن الذين مكروا السيئات. وقرأ ذلك بعض قراء الكوفـيـين: «أو لَـمْ تَرَوا» بـالتاء علـى الـخطاب.
وأولـى القراءتـين عندي الصواب قراءة من قرأ بـالـياء علـى وجه الـخبر عن الذين مكروا السيئات لأن ذلك فـي سياق قَصَصِهم والـخبر عنهم، ثم عقب ذلك الـخبر عن ذهابهم عن حجة الله علـيهم وتركهم النظر فـي أدلته والاعتبـار بها. فتأويـل الكلام إذن: أو لـم ير هؤلاء الذين مكروا السيئات إلـى ما خـلق الله من جسم قائم شجر أو جبل أو غير ذلك يَتَفَـيّأُ ظِلالَهُ عَنِ الـيَـمِينِ والشّمَائِلِ يقول: يرجع من موضع إلـى موضع، فهو فـي أوّل النهار علـى حال، ثم يتقلّص، ثم يعود إلـى حال أخرى فـي آخر النهار.
وكان جماعة من أهل التأويـل يقولون فـي الـيـمين والشمائل ما:
16340ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد عن قتادة، قوله: أو لَـمْ يَرَوْا إلـى ما خَـلَقَ اللّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَـيّأُ ظِلالُهُ عَنِ الـيَـمِينِ والشمائِلِ سُجّدا لِلّهِ أما الـيـمين: فأوّل النهار وأما الشمال: فآخر النهار.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، بنـحوه.
16341ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: يَتَفَـيّأُ ظِلالُه عَنِ الـيَـمِينِ والشّمائِلِ قال: الغدوّ والاَصال، إذا فـاءت الظّلال ظلال كلّ شيء بـالغدوّ سجدت لله، وإذا فـاءت بـالعشيّ سجدت لله.
16342ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: يَتَفَـيّأُ ظِلالُه عَنِ الـيَـمِينِ والشّمائِلِ يعنـي: بـالغدوّ والاَصال، تسجد الظلال لله غدوة إلـى أن يفـىء الظلّ، ثم تسجد لله إلـى اللـيـل، يعنـي: ظلّ كلّ شيء.
وكان ابن عبـاس يقول فـي قوله يَتَفَـيّأُ ظِلالُهُ ما:
16343ـ حدثنا الـمثنى، قال: أخبرنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: يَتَفَـيّأُ ظِلالُهُ يقول: تتـميـل.
واختلف فـي معنى قوله: سُجّدا لِلّهِ فقال بعضهم: ظلّ كلّ شيء سجوده. ذكر من قال ذلك:
16344ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يَتَفَـيّأُ ظِلالُهُ قال: ظلّ كلّ شيء سجوده.
16345ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا إسحاق الرازيّ، عن أبـي سنان، عن ثابت عن الضحاك: يَتَفَـيّأُ ظِلالُهُ قال: سجد ظلّ الـمؤمن طوعا، وظلّ الكافر كَرْها.
وقال آخرون: بل عنى بقوله يَتَفَـيّأُ ظِلالُهُ كلاّ عن الـيـمين والشمائل فـي حال سجودها، قالوا: وسجود الأشياء غير ظلالها. ذكر من قال ذلك:
16346ـ حدثنا ابن حميد وحدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأَوديّ، قالا: حدثنا حَكّام، عن أبـي سنان، عن ثابت عن الضحاك، فـي قول الله: أو لَـمْ يَرَوْا إلـى ما خَـلَقَ اللّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَـيّأُ ظِلالُهُ قال: إذا فـاء الفـيء توجه كلّ شيء ساجدا قبَل القبلة من نبت أو شجر، قال: فكانوا يستـحبون الصلاة عند ذلك.
16347ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا الـحِمّانـيّ، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، قال: حدثنا شريك، عن منصور، عن مـجاهد فـي قول الله: يَتَفَـيّأُ ظِلالُهُ قال: إذا زالت الشمس سجد كلّ شيء لله عزّ وجلّ.
وقال آخرون: بل الذي وصف الله بـالسجود فـي هذه الاَية ظلال الأشياء، فإنـما يسجد ظلالها دون التـي لها الظلال. ذكر من قال ذلك:
16348ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: أو لَـمْ يَرَوْا إلـى ما خَـلَقَ اللّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَـيأُ ظِلالُهُ قال: هو سجود الظلال، ظلال كلّ شيء ما فـي السموات وما فـي الأرض من دابة، قال: سجود ظلال الدوابّ، وظلال كلّ شيء.
16349ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: أو لَـمْ يَرَوْا إلـى ما خَـلَقَ اللّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَـيّأُ ظِلالُهُ ما خـلق من كلّ شيء عن يـمينه وشمائله، فلفظ ما لفظ عن الـيـمين والشمائل، قال: ألـم تر أنك إذا صلـيت الفجر كان ما بـين مطلع الشمس إل مغربها ظلاّ؟ ثم بعث الله علـيه الشمس دلـيلاً، وقبض الله الظلّ.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن الله أخبر فـي هذه الاَية أن ظلال الأشياء هي التـي تسجد، وسجودها: مَيَلانها ودورانها من جانب إلـى جانب وناحية إلـى ناحية، كما قال ابن عبـاس يقال من ذلك: سجدت النـخـلة إذا مالت، وسجد البعير وأسجد: إذا أميـل للركوب. وقد بـيّنا معنى السجود فـي غير هذا الـموضع بـما أغنى عن إعادته.
وقوله: وَهُمْ دَاخرُونَ يعنـي: وهم صاغرون، يقال منه: دخر فلان لله يدخر دخرا ودخورا: إذا ذلّ له وخضع ومنه قول ذي الرّمّة:
فَلَـمْ يَبْقَ إلاّ داخِرٌ فِـي مُخَيّسٍومُنْـجَحِرٌ فِـي غيرِ أرْضِكَ فـي جُحْرِ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16350ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَهُمْ دَاخِرُونَ: صاغرون.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
16351ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَهُمْ دَاخِرُونَ: أي صاغرون.
16352ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة مثله.
وأما توحيد الـيـمين فـي قوله: عَنِ الـيَـمِينِ و «الشّمائِلِ» فجمعها، فإن ذلك إنـما جاء كذلك، لأن معنى الكلام: أو لـم يروا إلـى ما خـلق الله من شيء يتفـيأ ظلال ما خـلق من شيء عن يـمينه: أي ما خـلق، وشمائله. فلفظ «ما» لفظ واحد، ومعناه معنى الـجمع، فقال: «عن الـيـمين» بـمعنى: عن يـمين ما خـلق، ثم رجع إلـى معناه فـي الشمائل. وكان بعض أهل العربـية يقول: إنـما تفعل العرب ذلك، لأن أكثر الكلام مواجهة الواحد الواحد، فـيقال للرجل: خذ عن يـمينك، قال: فكأنه إذا وحد ذهب إلـى واحد من القوم، وإذا جمع فهو الذي لا مساءلة فـيه واستشهد لفعل العرب ذلك بقول الشاعر:
بِفـي الشّامِتِـينَ الصّخْرُ إنْ كانَ هَدّنِـيرَزِيّةُ شِبْلَـيْ مُخْدِرٍ فـي الضّراغمِ
فقال: «بِفـي الشامتـين»، ولـم يقل: «بأفواه وقول الاَخر:
الوَارِدُونَ وتَـيْـمٌ فِـي ذَرَا سَبإٍقد عَضّ أعْناقَهُمْ جِلْدُ الـجَوَامِيسِ
ولـم يقل: جلود.
الآية : 49
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مِن دَآبّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولله يخضع ويستسلـم لأمره ما فـي السموات وما فـي الأرض من دابّة يدبّ علـيها، والـملائكة التـي فـي السموات، وهم لا يستكبرون عن التذلل له بـالطاعة. وَالّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بـالاَخِرَةِ قُلُوبهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ وظلالهم تتفـيأ عن الـيـمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون.
وكان بعض نـحويّـي البصرة يقول: اجتزىء بذكر الواحد من الدوابّ عن ذكر الـجميع. وإنـما معنى الكلام: ولله يسجد ما فـي السموات وما فـي الأرض من الدوابّ والـملائكة، كما يقال: ما أتانـي من رجل، بـمعنى: ما أتانـي من الرجال.
وكان بعض نـحويّـي الكوفة يقول: إنـما قـيـل: من دابة، لأن «ما» وإن كانت قد تكون علـى مذهب الذي، فإنها غير مؤقتة، فإذا أبهمت غير مؤقتة أشبهت الـجزاء، والـجزاء يدخـل من فـيـما جاء من اسم بعده من النكرة، فـيقال: من ضربه من رجل فـاضربوه، ولا تسقط «مِن» مِن هذا الـموضع كراهية أن تشبه أن تكون حالاً ل «من» و «ما»، فجعلوه بـمن لـيدلّ علـى أنه تفسير لـما ومن لأنهما غير موقتتـين، فكان دخول من فـيـما بعدهما تفسيرا لـمعناهما، وكان دخول من أدلّ علـى ما لـم يوقت من من وما، فلذلك لـم تلغيا.
الآية : 50
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {يَخَافُونَ رَبّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: يخاف هؤلاء الـملائكة التـي فـي السموات وما فـي الأرض من دابة، ربّهم من فوقهم، أن بعذّبهم إن عَصَوا أمره. ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ يقول: ويفعلون ما أمرهم الله به، فـيؤدّون حقوقه ويجتنبون سُخْطه.
الآية : 51
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتّخِذُواْ إِلـَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنّمَا هُوَ إِلـَهٌ وَاحِدٌ فَإيّايَ فَارْهَبُونِ }.
يقول تعالـى ذكره: وقال الله لعبـاده: لا تتـخذوا لـي شريكا أيها الناس، ولا تعبدوا معبودَين، فإنكم إذا عبدتـم معنـي غيري جعلتـم لـي شريكا، ولا شريك لـي، إنـما هو إله واحد ومعبود واحد، وأنا ذلك. فإيّايَ فـارْهَبُونِ يقول: فإياي فـاتقوا وخافوا عقابـي بـمعصيتكم إياي إن عصيتـمونـي وعبدتـم غيري، أو أشركتـم فـي عبـادتكم لـي شريكا.
الآية : 52
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَلَهُ مَا فِي الْسّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَهُ الدّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتّقُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولله ملك ما فـي السموات والأرض من شيء، لا شريك له فـي شيء من ذلك، هو الذي خـلقهم، وهو الذي يرزقهم، وبـيده حياتهم وموتهم. وقوله: وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـا يقول جلّ ثناؤه: وله الطاعة والإخلاص دائما ثابتا واجبـا، يقال منه: وَصَبَ الدّينُ يَصِبُ وُصُوبـا ووَصْبـا كما قال الدّيِـلـيّ:
لا أبْتَغِي الـحَمْدَ القَلِـيـلَ بَقاؤُهُيَوْما بِذَمّ الدّهْرِ أجمَعَ وَاصِبـا
ومنه قول الله: ولَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ وقول حسان:
غَيّرَتْهُ الرّيحُ تَسْفِـي بِهِوهَزِيـمٌ رَعْدُهُ وَاصِبُ
فأما من الألـم، فإنـما يقال: وصب الرجل يُوصَبُ وَصَبـا، وذلك إذا أعيا وملّ ومنه قول الشاعر:
لا يغْمِزُ السّاقَ مِنْ أيْنٍ ولا وَصَبٍولا يعَضّ علـى شُرْسُوفِهِ الصّفَرُ
وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل الواصب، فقال بعضهم: معناه، ما قلنا. ذكر من قال ذلك:
16353ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن قـيس، عن الأغرّ بن الصبـاح، عن خـلـيفة بن حصين عن أبـي نضرة، عن ابن عبـاس: وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـا قال: دائما.
16354ـ حدثنـي إسماعيـل بن موسى، قال: أخبرنا شريك، عن أبـي حصين، عن عكرمة، فـي قوله: وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـا قال: دائما.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن قـيس، عن يعلـى بن النعمان، عن عكرمة، قال: دائما.
16355ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال أخبرنا: إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل جميعا، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد: وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـا قال: دائما.
حدثنا القاسم قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: ولَه الدّين وَاصبـا قال: دائما.
16356ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة وأبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك: وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـا قال: دائما.
حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هُشيـم، عن جويبر، عن الضحاك، مثله.
16357ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـا: أي دائما، فإن الله تبـارك وتعالـى لـم يدع شيئا من خـلقه إلاّ عبده طائعا أو كارها.
16358ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَاصِبـا قال: دائما، ألا ترى أنه يقول: عَذَابٌ وَاصِبٌ: أي دائم؟
16359ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـا قال: دائما، والواصب: الدائم.
وقال آخرون: الواصب فـي هذا الـموضع: الواجب. ذكر من قال ذلك:
16360ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عطية، عن قـيس، عن يَعْلَـى بن النعمان، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، فـي قوله: وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـا قال: واجبـا.
وكان مـجاهد يقول: معنى الدين فـي هذا الـموضع: الإخلاص. وقد ذكرنا معنى الدين فـي غير هذا الـموضع بـما أغنى عن إعادته.
16361ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـا قال: الإخلاص.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: الدّينُ: الإخلاص.
وقوله: أفَغَيْرَ اللّهِ تَتّقُونَ يقول تعالـى ذكره: أفغير الله أيها الناس تتقون، أي ترهبون وتـحذرون أن يسلبكم نعمة الله علـيكم بإخلاصكم العبـادة لربكم، وإفرادكم الطاعة له، وما لكم نافع سواه.
الآية : 53
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمّ إِذَا مَسّكُمُ الضّرّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ }.
اختلف أهل العربـية فـي وجه دخول الفـاء فـي قوله: فَمِنَ اللّهِ فقال بعض البصريـين: دخـلت الفـاء، لأن «ما» بـمنزلة «من» فجعل الـخبر بـالفـاء. وقال بعض الكوفـيـين: «ما» فـي معنى جزاء، ولها فعل مضمر، كأنك قلت: ما يكن بكم من نعمة فمن الله، لأن الـجزاء لا بدّ له من فعل مـجزوم، إن ظهر فهو جزم، وإن لـم يظهر فهو مضمر كما قال الشاعر:
إن العَقْلُ فـي أموَالِنا لا نَضِقْ بِهِذِرَاعا وَإنْ صَبْرا فنَعْرِفُ للصّبْرِ
وقال: أراد: إن يكن العقل فأضمره. قال: وإن جعلت «ما بكم» فـي معنى «الذي» جاز، وجعلت صلته «بكم» و «ما» فـي موضع رفع بقوله: فَمِنَ اللّهِ وأدخـل الفـاء كما قال: إنّ الـمَوْتَ الّذِي تَفِرّونَ مِنْهُ فإنّه مُلاقِـيكُمْ وكل اسم وصل مثل «من» و «ما» و «الذي»، فقد يجوز دخول الفـاء فـي خبره لأنه مضارع للـجزاء والـجزاء قد يجاب بـالفـاء، ولا يجوز أخوك فهو قائم، لأنه اسم غير موصول، وكذلك تقول: مالك لـي، فإن قلت: مالك، جاز أن تقول: مالك فهو لـي، وإن ألقـيت الفـاء فصواب.
وتأويـل الكلام: ما يكن بكم فـي أبدانكم أيها الناس من عافـية وصحة وسلامة وفـي أموالكم من نـماء، فـالله الـمنعم علـيكم بذلك لا غيره، لأن ذلك إلـيه وبـيده. ثُمّ إذَا مَسّكُمُ الضّرّ يقول: إذا أصابكم فـي أبدانكم سَقَم ومرض وعلة عارضة وشدّة من عيش، فإلَـيْهِ تَـجْأَرُونَ يقول: فإلـى الله تصرخون بـالدعاء وتستغيثون به، لـيكشف ذلك عنكم. وأصله: من جؤار الثور، يقال منه: جأر الثور يجأر جُؤارا، وذلك إذا رفع صوتا شديدا من جوع أو غيره ومنه قول الأعشى:
وَما أيْبُلِـيّ عَلـى هَيْكَلٍبَناهُ وَصَلّبَ فِـيهِ وصَارَا
يُرَاوِحُ مِنْ صَلَوَاتِ الـمَلِـيكِ طَوْرا سُجُودا وَطَوْرا جُؤَارا
يعنـي بـالـجؤار: الصياح، إما بـالدعاء وإما بـالقراءة.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16362ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: فإلَـيْهِ تَـجأَرُونَ قال: تضرعون دعاء.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
16363ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، رضي الله عنهما، قال: الضّرّ: السّقْم.
الآية : 54 و 55
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {ثُمّ إِذَا كَشَفَ الضّرّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْكُم بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ثم إذا وهب لكم ربكم العافـية، ورفع عنكم ما أصابكم من الـمرض فـي أبدانكم ومن الشدّة فـي معاشكم، وفرّج البلاء عنكم إذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ يقول: إذا جماعة منكم يجعلون لله شريكا فـي عبـادتهم، فـيعبدون الأوثان ويذبحون لها الذبـائح شكرا لغير من أنعم علـيهم بـالفرج مـما كانوا فـيه من الضرّ. لـيَكْفُرُوا بِـمَا آتَـيْناهُمْ يقول: لـيجحدوا الله نعمته فـيـما آتاهم من كشف الضرّ عنهم. فَتَـمَتّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَـمُونَ، وهذا من الله وعيد لهؤلاء الذين وصف صفتهم فـي هذه الاَيات وتهديد لهم، يقول لهم جلّ ثناؤه: تـمتعوا فـي هذه الـحياة الدنـيا إلـى أن توافـيكم آجالكم، وتبلغوا الـميقات الذي وقته لـحياتكم وتـمتعكم فـيها، فإنكم من ذلك ستصيرون إلـى ربكم، فتعلـمون بلقائه وبـال ما كسبت أيديكم، وتعرفون سوء مغبة أمركم، وتندمون حين لا ينفعكم الندم