تفسير الطبري تفسير الصفحة 330 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 330
331
329
 الآية : 91
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَالّتِيَ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَآ آيَةً لّلْعَالَمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: واذكر التـي أحصنت فرجها, يعنـي مريـم بنت عمران. ويعنـي بقوله: أحْصَنَتْ: حفظت, ومنعت فرجها مـما حرّم الله علـيها إبـاحته فـيه.
واختُلف فـي الفرّج الذي عنى الله جلّ ثناؤه أنها أحصنته, فقال بعضهم: عَنَى بذلك فَرْجَ نفسها أنها حفظته من الفـاحشة.
وقال آخرون: عَنَى بذلك جيب درعها أنها منعت جبرئيـل منه قبل أن تعلـم أنه رسول ربها وقبل أن تثبته معرفة. قالوا: والذي يدلّ علـى ذلك قوله: فَنَفَخْنا فِـيها ويعقب ذلك قوله: والّتِـي أحْصَنَتْ فَرْجَها قالوا: وكان معلوما بذلك أن معنى الكلام: والتـي أحصنت جيبها فَنَفَخْنا فِـيها مِنْ رُوحِنا.
قال أبو جعفر: والذي هو أولـى القولـين عندنا بتأويـل ذلك قول من قال: أحصنت فرجها من الفـاحشة لأن ذلك هو الأغلب من معنـيـيه علـيه والأظهر فـي ظاهر الكلام. فَنَفَخْنا فِـيها مِنْ رُوحِنا يقول: فنفخنا فـي جيب درعها من روحنا. وقد ذكرنا اختلاف الـمختلفـين فـي معنى قوله: فَنَفَخْنا فِـيها فـي غير هذا الـموضع والأولـى بـالصواب من القول فـي ذلك فـيـما مضى بـما أغنـي عن إعادته فـي هذا الـموضع.
وقوله: وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً للْعَالـمِينَ يقول: وجعلنا مريـم وابنها عبرة لعالـمي زمانهما يعتبرون بهما ويتفكرون فـي أمرهما, فـيعلـمون عظيـم سلطاننا وقُدرتنا علـى ما نشاء وقـيـل «آية» ولـم يقل «آيتـين» وقد ذكر آيتـين لأن معنى الكلام: جعلناهما عَلَـما لنا وحجة, فكل واحدة منهما فـي معنى الدلالة علـى الله وعلـى عظيـم قُدرته يقوم مقام الاَخر, إذْ كان أمرهما فـي الدلالة علـى الله واحدا.

الآية : 92
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { إِنّ هَـَذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ }.
يقول تعالـى ذكره: إن هذه مِلتكم ملة واحدة, وأنا ربكم أيها الناس فـاعبدون دون الاَلهة والأوثان وسائر ما تعبدون من دونـي.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18735ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً يقول: دينكم دين واحد.
18736ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال مـجاهد, فـي قوله: إنّ هَذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً قال: دينكم دين واحد.
ونصبت الأمة الثانـية علـى القطع, وبـالنصب قرأه جماعة قرّاء الأمصار, وهو الصواب عندنا لأن الأمة الثانـية نكرة والأولـى معرفة وإذ كان ذلك كذلك, وكان الـخبر قبل مـجيء النكرة مستغنـيا عنها كان وجه الكلام النصب, هذا مع إجماع الـحجة من القرّاء علـيه, وقد ذُكر عن عبد الله بن أبـي إسحاق رفع ذلك أنه قرأه: «أُمّةٌ وَاحِدَةٌ» بنـية تكرير الكلام, كأنه أراد: إن هذه أمتكم هذه أمة واحدة.
الآية : 93
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَتَقَطّعُوَاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وتفرّق الناس فـي دينهم الذي أمرهم الله به ودعاهم إلـيه, فصاروا فـيه أحزابـا فهوّدت الـيهود, وتنصّرت النصارى وعُبدت الأوثان. ثم أخبر جلّ ثناؤه عما هم إلـيه صائرون, وأن مرجع جميع أهل الأديان إلـيه متوعدا بذلك أهل الزيغ منهم والضلال, ومعلـمهم أنه لهم بـالـمرصاد, وأنه مـجاز جميعهم جزاء الـمـحسن بإحسانه والـمسيء بإساءته.
وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله: وتَقَطّعُوا أمْرَهُمْ بَـيْنَهُمْ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18737ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَتَقَطّعُوا أمْرَهُمْ بَـيْنَهُمْ قال: تقطّعوا: اختلفوا فـي الدين.
الآية : 94
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنّا لَهُ كَاتِبُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: فمن عمل من هؤلاء الذين تفرّقوا فـي دينهم بـما أمره الله به من العمل الصالـح, وأطاعه فـي أمره ونهيه, وهو مقرّ بواحدانـية الله مصدّق بوعده ووعيده متبرّىء من الأنداد والاَلهة فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ يقول: فإن الله يشكر عمله الذي عمل له مطيعا له, وهو به مؤمن, فـيثـيبه فـي الاَخرة ثوابه الذي وعد أهل طاعته أن يثـيبهموه, ولا يكفر ذلك له فـيجحذه ويحرمه ثوابه علـى عمله الصالـح. وَإنّا لَهُ كاتِبُونَ يقول: ونـحن نكتب أعماله الصالـحة كلها فلا نترك منها شيئا, لنـجزيه علـى صغير ذلك وكبـيره وقلـيـله وكثـيره.
قال أبو جعفر: والكفران مصدر من قول القائل: كفرت فلانا نعمته فأنا أكفُره كُفْرا وكُفْرانا ومنه قوله الشاعر:
مِنَ النّاسِ ناسٌ ما تَنامُ خُدُودهُم وخَدّي وَلا كُفْرَانَ للّهِ نائِمُ

الآية : 95
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَحَرَامٌ عَلَىَ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }.
اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَحَرَامٌ فقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة: «وَحِرْمٌ» بكسر الـحاء. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة: وَحَرَامٌ بفتـح الـحاء والألف.
والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متفقتا الـمعنى غير مختلفتـيه وذلك أن الـحِرْم هو الـحرام والـحرام هو الـحِرْم, كما الـحلّ هو الـحلال والـحلال هو الـحلّ, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وكان ابن عبـاس يقرؤه: «وَحِرْم» بتأويـل: وعزم.
18738ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا بن علـية, عن أبـي الـمعلـى, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, كان يقرؤها: «وحِرْمَ علـى قرية» قال: فقلت لسعيد: أيّ شيء حرم؟ قال: عزم.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي الـمعلـي, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, كان يقرؤها: «وحِرْمٌ عَلـى قَرْيَةٍ» قلت لأبـي الـمعلـى: ما الـحرم؟ قال: عزم علـيها.
18739ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: أنه كان يقرأ هذه الاَية: «وَحِرْمٌ عَلـى قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أنّهُمْ لا يَرْجِعُونَ» فلا يرجع منهم راجع, ولا يتوب منهم تائب.
18740ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود عن عكرمة, قال: وَحَرَامٌ عَلـى قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أنّهُمْ لا يَرْجِعُونَ» قال: لـم يكن لـيرجع منهم راجع, حرام علـيهم ذلك.
18741ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا عيسى بن فرقد, قال: حدثنا جابر الـجعفـي, قال: سألت أبـا جعفر عن الرجعة, فقرأ هذه الاَية: وَحَرَامٌ عَلـى قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أنّهُمْ لا يَرْجِعُونَ.
فكأن أبـا جعفر وجه تأويـل ذلك إلـى أنه: وحرام علـى أهل قرية أمتناهم أن يرجعوا إلـى الدنـيا. والقول الذي قاله عكرِمة فـي ذلك أولـى عندي بـالصواب وذلك أن الله تعالـى ذكره أخبر عن تفريق الناس دينهم الذي بُعث به إلـيه الرسل, ثم أخبر عن صنـيعه بـمن عمل بـما دعته إلـيه رسله من الإيـمان به والعمل بطاعته, ثم أتبع ذلك قوله: وَحَرامٌ عَلـى قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أنّهُمْ لا يَرْجِعُونَ فلأن يكون ذلك خبرا عن صنـيعه بـمن أبى أجابة رسله وعمل بـمعصيته وكفر به, أحرى, لـيكون بـيانا عن حال القرية الأخرى التـي لـم تعمل الصالـحات وكفرت به.
فإذا كان ذلك كذلك, فتأويـل الكلام: حرام علـى أهل قرية أهلكناهم بطبعنا علـى قلوبهم وختـمنا علـى أسماعهم وأبصارهم, إذ صدّوا عن سبـيـلنا وكفروا بآياتنا, أن يتوبوا ويراجعوا الإيـمان بنا واتبـاع أمرنا والعمل بطاعتنا. وإذ كان ذلك تأويـل قوله الله: «وَحِرْمٌ» وعَزْم, علـى ما قال سعيد, لـم تكن «لا» فـي قوله: أنّهُمْ لا يَرْجِعُونَ صلة, بل تكون بـمعنى النفـي, ويكن معنى الكلام: وعزم منا علـى قرية أهلكناها أن لا يرجعوا عن كفرهم. وكذلك إذا كان معنى قوله: «وَحَرَمٌ» نوجبه. وقد زعم بعضهم أنها فـي هذا الـموضع صلة, فإن معنى الكلام: وحرام علـى قرية أهلكناها أن يرجعوا, وأهل التأويـل الذين ذكرناهم كان أعلـم بـمعنى ذلك منه

الآية : 96
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { حَتّىَ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مّن كُلّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: حتـى إذا فُتـح عن يأجوج ومأجوج, وهما أمّتان من الأمـم ردمهما كما:
18742ـ حدثنـي عصام بن داود بن الـجراح, قال: ثنـي أبـي, قال: حدثنا سفـيان بن سعيد الثوريّ, قال: حدثنا منصور بن الـمعتـمر, عن رِبْعِيّ بن حِرَاش, قال: سمعت حُذيفة بن الـيـمان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوّلُ الاَياتِ: الدّجّالُ, وَنُزُلُ عِيسَى, وَنارٌ تَـخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنِ أبْـيَنَ, تَسُوق النّاسَ إلـى الـمَـحْشَرِ, تَقِـيـلُ مَعَهُمْ إذَا قالُوا. والدّخانُ, والدّابّةُ, ثُمّ يَأْجُوجُ ومَأْجَوجُ» قال حُذيفة: قلت: يا رسول الله, وما يأجوج ومأجوج؟ قال: «يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ أُمَـمٌ, كُلّ أُمّةٍ أرْبَعُ مِئَةِ ألْفٍ, لا يَـمُوتُ الرّجُلُ مِنْهُمْ حتـى يَرَى ألْفَ عَيْنٍ تَطْرِفُ بـينَ يَدَيْهِ مِنْ صُلْبِهِ, وَهُمْ وَلَدُ آدَمَ, فَـيَسِيرُونَ إلـى خَرَابِ الدّنـيْا, يَكُونُ مُقَدّمَتُهُمْ بـالشّامِ وَساقَتُهُمْ بـالعِرَاقِ, فَـيَـمُرّونَ بأنهَارِ الدّنـيا, فَـيَشْرَبُونَ الفُرَاتَ والدّجْلَةَ وبُحَيْرَةَ الطّبَرِيّةِ حتـى يَأْتُوا بَـيْتَ الـمَقْدِسِ, فَـيَقُولُونَ قَدْ قَتَلْنا أهْلَ الدّنـيْا فَقاتِلُوا مَنْ فِـي السّماءِ, فَـيْرمَونَ بـالنّشّابِ إلـى السّماءِ, فَترْجِعُ نُشابُهُمْ مُخَضّبَةً بـالدّمِ, فَـيَقُولُونَ قَدْ قَتَلْنا مَنْ فِـي السّماءِ, وَعِيسَى والـمُسْلِـمُونَ بِجَبَلِ طُورِ سِينِـينَ, فَـيُوحِي اللّهُ جَلّ جَلالُهُ إلـى عِيسَى: أنْ أحْرِزْ عِبـادِي بـالطّورِ وَما يَـلـي أيْـلَةَ ثُمّ إنّ عِيسَ يَرْفَعُ رأسَهُ إلـى السّماءِ, وَيُؤَمّنُ الـمُسْلِـمونَ فَـيَبْعَثُ اللّهُ عَلَـيْهِمْ دَابّةً يُقالُ لَهَا النّغَفُ, تَدْخُـلُ مِنْ مَناخِرِهِمْ فَـيُصْبِحَونَ مَوْتَـى مِنْ حاقِ الشّامِ إلـى حاقِ العِرَاقِ, حتـى تَنْتَنَ الأرْضُ مِنْ جِيفِهِمْ ويَأْمُرُ اللّهُ السّماءَ فتُـمْطِرُ كأفْوَاهِ القِرَبِ, فَتَغْسِلُ الأرْض مِنْ جِيَفِهِمْ وَنَتْنِهِمْ, فَعِنْدَ ذلكَ طُلُوعُ الشّمْسِ مِنْ مَغْرِبها».
18743ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن أبـي جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية, قال: إن يأجوج ومأجوج يزيدون علـى سائر الإنس الضّعف, وإن الـجنّ يزيدون علـى الإنس الضعف, وإن يأجوج ومأجوج رجلان اسمهما يأجوج ومأجوج.
18744ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي إسحاق, قال: سمعت وهب بن جابر يحدث, عن عبد الله بن عمرو أنه قال: إن يأجوج ومأجوج يـمرّ أولهم بنهر مثل دجلة, ويـمرّ آخرهم فـيقول: قد كان فـي هذا مرّة ماء. لا يـموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفـا فصاعدا. وقال: مِن بعدهم ثلاثُ أمـم لا يعلـم عددهم إلا الله: تاويـل, وتاريس, وناسك أو منسك شكّ شعبة.
18745ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي إسحاق, عن وهب بن جابر الـخيوانـي, قال: سألت عبد الله بن عمرو, عن يأجوج ومأجوج, أمن بنـي آدم هم؟ قال: نعم, ومن بعدهم ثلاث أمـم لا يعلـم عددهم إلا الله: تاريس, وتاويـل, ومنسك.
18746ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا سهل بن حماد أبو عتاب, قال: حدثنا شعبة, عن النعمان بن سالـم, قال: سمعت نافع بن جبـير بن مطعم يقول: قال عبد الله بن عمرو: يأجوج ومأجوج لهم أنهار يَـلْقَمون ما شاءوا, ونساء يجامعون ما شاءوا, وشجر يـلقمون ما شاءوا, ولا يـموت رجل إلا ترك من ذرّيته ألفـا فصاعدا.
18747ـ حدثنا مـحمد بن عمارة, قال: حدثنا عبد الله بن موسى, قال: أخبرنا زكريا, عن عامر, عن عمرو بن ميـمون, عن عبد الله بن سلام, قال: ما مات أحد من يأجوج ومأجوج إلا ترك ألف ذرء فصاعدا.
18748ـ حدثنـي يحيى بن إبراهيـم الـمسعودي, قال: حدثنا أبـي, عن أبـيه, عن جدّه, عن الأعمش, عن عطية, قال: قال أبو سعيد: يخرج يأجوج ومأجوج فلا يتركون أحد إلا قتلوه, إلا أهل الـحصون, فـيـمرّون علـى البحيرة فـيشربونها, فـيـمرّ الـمارّ فـيقول: كأنه كان ههنا ماء, قال: فـيبعث الله علـيهم النغف حتـى يكسر أعناقهم فـيصيروا خبـالاً, فتقول أهل الـحصون: لقد هلك أعداء الله, فـيدلّون رجلاً لـينظر, ويشترط علـيهم إن وجدهم أحياء أن يرفعوه, فـيجدهم قد هلكوا, قال: فـينزل الله ماء من السماء فـيقذفهم فـي البحر, فتطهر الأرض منهم, ويغرس الناس بعدهم الشجر والنـخـل, وتـخرج الأرض ثمرتها كما كانت تـخرج فـي زمن يأجوج ومأجوج.
18749ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عبـيد الله بن أبـي يزيد, قال: رأى ابن عبـاس صبـيانا ينزو بعضهم علـى بعض يـلعبون, فقال ابن عبـاس: هكذا يخرج يأجوج ومأجوج.
18750ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الـحكم, قال: حدثنا عمرو بن قـيس, قال: بلغنا أن ملكا دون الردم يبعث خيلاً كل يوم يحرسون الردم لا يأمن يأجوج ومأجوج أن تـخرج علـيهم, قال: فـيسمعون جلبة وأمرا شديدا.
حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن أبـي إسحاق, أن عبد الله بن عمرو, قال: ما يـموت الرجل من يأجوج ومأجوج حتـى يولد له من صلبه ألف, وإن من ورائهم لثلاث أمـم ما يعلـم عددهم إلا الله: منسك, وتاويـل, وتاريس.
18751ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة, عن عمرو البِكالـي, قال: إن الله جزأ الـملائكة والإنس والـجنّ عشرة أجزاء فتسعة منهم الكروبـيون وهم الـملائكة الذي يحملون العرش, ثم هم أيضا الذين يسبحون اللـيـل والنهار لا يفترون. قال: ومن بقـي من الـملائكة لأمر الله ووحيه ورسالته. ثم جزّأ الإنس والـجنّ عشرة أجزاء, فتسعة منهم الـجن, لا يولد من الإنس ولد إلا ولد من الـجن تسعة. ثم جزأ الإنس علـى عشرة أجزاء, فتسعة منهم يأجوج ومأجوج, وسائر الإنس جزء.
18752ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: حتـى إذَا فُتـحتْ يَأْجُوج وَمأْجُوجُ قال: أُمّتانِ من وراء ردم ذي القرنـين.
18753ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن غير واحد, عن حميد بن هلال, عن أبـي الصيف, قال: كعب: إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج حفروا حتـى يسمع الذين يـلونهم قرع فئوسهم, فإذا كان اللـيـل قالوا: نـجيء غدا فنـخرج, فـيعيدها الله كما كانت, فـيجيئون من الغد فـيجدونه قد أعاده الله كما كان, فـيحفرونه حتـى يسمع الذين يـلونهم قرع فئوسهم, فإذا كان اللـيـل ألقـى الله علـى لسان رجل منهم يقول: نـجيء غدا فنـخرج إن شاء الله. فـيجيئون من الغد فـيجدونه كما تركوه, فـيحفرون ثم يخرجون. فتـمرّ الزمرة الأولـى بـالبحيرة فـيشربون ماءها, ثم تـمرّ الزمرة الثانـية فـيـلـحسون طينها, ثم تـمرّ الزمرة الثالثة فـيقولون: قد كان ههنا مرّة ماء. وتفرّ الناس منهم, فلا يقوم لهم شيء, يرمون بسهامهم إلـى السماء, فترجع مخضبة بـالدماء, فـيقولون: غلبْنا أهل الأرض وأهل السماء. فـيدعو علـيهم عيسى ابن مريـم, فـيقول: اللهمّ لا طاقة ولا يدين لنا بهم, فـاكفناهم بـما شئت فـيسلط الله علـيهم دودا يقال له النغف فتفرس رقابهم, ويبعث الله علـيهم طيرا فتأخذهم بـمناقرها فتلقـيهم فـي البحر, ويبعث الله عينا يقال لها الـحياة تطهر الأرض منهم وتنبتها, حتـى إن الرمانة لـيشبع منها السكن. قـيـل: وما السكن يا كعب؟ قال: أهل البـيت. قال: فبـينا الناس كذلك, إذ أتاهم الصريخ أن ذا السويقتـين يريده, فـيبعث عيسى طلـيعة سبع مئة, أو بـين السبع مئة والثمان مئة, حتـى إذا كانوا بعض الطريق بعث الله ريحا يـمانـية طيبة, فـيقبض الله فـيها روح كلّ مؤمن, ثم يبقـى عَجَاجٌ من الناس يتسافدون كما تتسافد البهائم فمثَل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينتظرها متـى تضع. فمن تكلف بعد قولـي هذا شيئا أو علـى هذا شيئا فهو الـمتلكف.
18754ـ حدثنا العبـاس بن الولـيد البـيروتـي, قال: أخبرنـي أبـي, قال: سمعت ابن جابر, قال: ثنـي مـحمد بن جابر الطائي ثم الـحمصي, ثنـي عبد الرحمن بن جبـير بن نفـير الـحضرمي, قال: ثنـي أبـي أنه سمع النوّاس بن سمعان الكلابـي يقول: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال, وذكر أمره, وأن عيسى ابن مريـم يقتله, ثم قال: «فَبـيْنَا هُوَ كَذَلِكَ, أَوْحَى الله إلـيه: يا عِيسَى, إنـي قد أخْرَجْتُ عِبَـادا لـي لا يَد لأحَدٍ بِقتَالِهِمْ, فَحَرّزْ عِبَـادِي إلـى الطّورِ فـيَبعثَ الله يأجُوجَ ومَأْجُوجَ, وهم مِنْ كُلّ حَدْبٍ يَنْسِلُونَ, فَـيـمُرّ أحَدُهُمْ علـى بحيرة طَبَريّةَ, فـيَشْرَبُونَ ما فـيها, ثم ينزل آخرهم, ثم يقول: لقد كان بهذه ماء مَرّة. فـيحاصر بنـيّ الله عِيسَى وأصحابه, حتـى يكون رَأْسُ الثور يومئذ خَيْرا لأحدهم مِنْ مِئَةِ دينارٍ لأحدكم, فـيرغب نبـيّ الله عيسى وأصحابُه إلـى الله, فـيُرْسِل الله علـيهم النّغَفَ فـي رِقَابِهِمْ, فـيُصْبِحُونَ فَرْسى مَوْت نَفْسٍ واحِدَةٍ, فَـيهْبِطُ نبـيّ الله عيسى وأصْحَابُه, فلا يَجِدُونَ مَوْضَعا إلا قد ملأه زُهْمُهُمْ ونتنهم ودماؤهم, فـيرغب نبـيّ الله عيسى وأصحابه إلـى الله, فـيُرْسِل علـيهم طيرا كأعْنَاقِ البُخْتِ, فتَـحْمِلُهُم فَتطْرَحُهُمْ حَيْثُ شاء الله, ثم يُرْسِلُ الله مطرا لا يَكُنّ منه بَـيْتُ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ, فـيغسل الأرض حتـى يتركها كالزّلَفة.
وأما قوله: وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي الـمعنـيّ به, فقال بعضهم: عُنـي بذلك بنو آدم أنهم يخرجون من كل موضع كانوا دفنوا فـيه من الأرض, وإنـما عُنـي بذلك الـحشرُ إلـى موقـف الناس يوم القـيامة. ذكر من قال ذلك:
18755ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال: جمع الناس من كلّ مكان جاءوا منه يوم القـيامة, فهو حَدَبٌ.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيح: وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ, قال ابن جُرَيج: قال مـجاهد: جمع الناس من كلّ حدب من مكان جاءوا منه يوم القـيامة فهو حدب.
وقال آخرون: بل عنـي بذلك يأجوج, ومأجوج وقوله: «وهم» وكناية أسمائهم ذكر من قال ذلك:
18756ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن سلـمة بن كهيـل, قال: حدثنا أبو الزعراء, عن عبد الله أنه قال: يخرج يأجوج ومأجوج فـيـمرحون فـي الأرض, فـيُفسدون فـيها. ثم قرأ عبد الله: وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال: ثم يبعث الله علـيهم دابّة مثل النغف, فتَلِـجُ فـي أسماعهم ومناخرهم فـيـموتون منها فتنتن الأرض منهم, فـيرسل الله عزّ وجلّ ماء فـيطهر الأرض منهم.
والصواب من القول فـي ذلك ما قاله الذين قالوا: عنـي بذلك يأجوج ومأجوج, وأن قوله: وَهُمْ كناية عن أسمائهم, للـخبر الذي:
18757ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن عاصم بن عمر, عن قتادة الأنصاري, ثم الظفري, عن مـحمود بن لبـيد أخي بنـي عبد الأشهل, عن أبـي سعيد الـخدريّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يُفْتَـحُ يأْجُوجُ ومَأْجُوجَ يَخْرُجُونَ عَلـى النّاسِ كمَا قالَ اللّهُ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَـيُغَشّونَ الأرضَ».
18758ـ حدثنـي أحمد بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم بن بشير, قال: أخبرنا العوّام بن حوشب, عن جبلة بن سحيـم, عن مؤثر, وهو ابن عفـازة العبدي, عن عبد الله بن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فـيـما يُذكر عن عيسى ابن مريـم, قال: «عيسى: عَهِدَ إلـيّ رَبّـي أنّ الدّجّالَ خارِجٌ, وأنّهُ مُهْبِطِي إلَـيْهِ, فذكر أنّ مَعَهُ قَضِيبَـيْنِ, فإذَا رآنـي أهْلَكَهُ اللّهُ. قالَ: فَـيَذُوبُ كمَا يَذُوبُ الرّصَاصُ, حتـى إنّ الشّجَرَ والـحَجَرَ لـيَقُولُ: يا مُسْلِـمُ هَذَا كافِرٌ فـاقْتُلْهُ فَـيُهْلِكُهُمْ اللّهُ تَبـارَكَ وَتَعالـى, وَيَرْجِعُ النّاسُ إلـى بِلادِهِمْ وأوْطانِهِمْ. فَـيَسْتَقْبِلُهُمْ يَأْجُوجُ وَمأْجُوجُ مِنْ كُلّ حَدْبٍ يَنْسِلُونَ, لاَ يأْتُونَ عَلـى شَيْءٍ إلاّ أهْلَكُوهُ, وَلاَ يـمُرّونَ علـى ماءٍ إلاّ شَرِبوهُ».
حدثنـي عبـيد بن إسماعيـل الهبـاري, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن أصبغ بن زيد, عن العوّام بن حوشب, عن جبلة بن سحيـم, عن موثر بن عفـازة, عن عبد الله بن مسعود, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنـحوه.
وأما قوله: مِنْ كُلّ حَدَبٍ فإنه يعنـي من كل شرف ونشَز وأكمة.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18759ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ يقول: من كلّ شرف يُقْبِلون.
18760ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر عن قتادة: مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال: من كلّ أكمة.
18761ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال: الـحَدَبُ: الشيء الـمشرف. وقال الشاعر:
.................. عَلـى الـحِدَابِ تَـمُورُ
1حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: حتـى إذا فُتْـحَتْ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال: هذا مبتدأ يوم القـيامة.
وأما قوله: يَنْسِلُونَ فإنه يعنـي: أنهم يخرجون مشاة مسرعين فـي مشيهم كنسلان الذئب, كما قال الشاعر:
عَسَلانَ الذّئْبِ أمْسَى قارب ابرد اللّـيْـلُ عَلَـيْهِ فَنَسَلْ

الآية : 97
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الّذِينَ كَفَرُواْ يَوَيْلَنَا قَدْ كُنّا فِي غَفْلَةٍ مّنْ هَـَذَا بَلْ كُنّا ظَالِمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: حتـى إذا فُتـحت يأجوج ومأجوج, اقترب الوعد الـحقّ, وذلك وعد الله الذي وعد عبـاده أنه يبعثهم من قبورهم للـجزاء والثواب والعقاب, وهو لا شكّ حق كما قال جلّ ثناؤه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18762ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الـحكم بن بشير, قال: حدثنا عمرو, يعنـي ابن قـيس, قال: حدثنا حذيفة: لو أن رجلاً افْتَلَـى فُلُوّا بعد خروج يأجوج ومأجوج لـم يركبه حتـى تقوم القـيامة.
18763ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَاقْتَرَبَ الوَعْد الـحَقّ قال: اقترب يوم القـيامة منهم.
والواو فـي قوله: وَاقْتَرَب الْوَعْدُ الـحَقّ مقحمة, ومعنى الكلام: حتـى إذا فُتـحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الـحقّ, وذلك نظير قوله: فَلَـمّا أسْلَـما وَتَلّهُ للـجَبِـينِ وَنادَيناهُ معناه: ناديناه, بغير واو, كما قال امرؤ القـيس:
فَلَـمّا أجَزْنا ساحَة الـحَيّ وانْتَـحَىبِنا بَطْنُ خَبْتٍ ذي حِقافٍ عَقَنْقَلِ
يريد: فلـما أجزنا ساحة الـحيّ انتـحى بنا.
وقوله: فإذَا هِيَ شاخِصَةٌ أبْصَارُ الّذِينَ كَفَرُوا ففـي هي التـي فـي قوله فإذا هي وجهان: أحدهما أن تكون كناية عن الأبصار وتكون الأبصار الظاهرة بـيانا عنها, كما قال الشاعر:
لَعَمْرُو أبِـيها لا تَقُولُ ظَعِينَتـيألا فَرّ عَنّـي مالكُ بن أبـي كَعْبِ
فكنى عن الظعينة فـي: «لعمرو أبـيها», ثم أظهرها, فـيكون تأويـل الكلام حينئذٍ: فإذا الأبصار شاخصة أبصار الذين كفروا.
والثانـي: أن تكون عمادا كما قال جلّ ثناؤه: فإنّها لا تَعْمَى الأبْصَارُ وكقول الشاعر:
فَهَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ بِـما هَهُنا رأْسْ
وقوله: يا وَيْـلَنا قَدْ كُنّا فِـي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا يقول تعالـى ذكره: فإذا أبصار الذين كفروا قد شخصت عند مـجيء الوعد الـحقّ بأهواله وقـيام الساعة بحقائقها, وهم يقولون: يا ويـلنا قد كنا قبل هذا الوقت فـي الوقت فـي الدنـيا فـي غفلة من هذا الذي نرى ونعاين ونزل بنا من عظيـم البلاء. وفـي الكلام متروك تُرِك ذكره استغناء بدلالة ما ذُكر علـيه عنه, وذلك «يقولون» من قوله: فإذَا هِيَ شاخصَةٌ أبْصَارُ الّذِينَ كَفَرُوا يقولون: يا ويـلنا. وقوله: بَلْ كُنّا ظالِـمِينَ يقول مخبرا عن قـيـل الذين كفروا بـالله يومئذٍ: ما كنا نعمل لهذا الـيوم ما ينـجينا من شدائده, بل كنا ظالـمين بـمعصيتنا ربنا وطاعتنا إبلـيس وجنده فـي عبـادة غير الله عزّ وجلّ.
الآية : 98
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { إِنّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: إنكم أيها الـمشركون بـالله, العابدون من دونه الأوثان والأصنام, وما تعبدون من دون الله من الاَلهة. كما:
18764ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: إنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ يعنـي الاَلهة ومن يعبدها, حَصَبُ جَهَنّـمَ.
وأما حصب جهنـم, فقال بعضهم: معناه: وقود جهنـم وشجرها. ذكر من قال ذلك:
18765ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: حَصَبُ جَهَنّـمَ: شجر جهنـم.
18766ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: إنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّـمَ يقول: وقودها.
وقال آخرون: بل معناه: حطب جهنـم. ذكر من قال ذلك:
18767ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: حَصَبُ جَهَنّـمَ قال: حطبها.
18768ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, (مثله) وزاد فـيه: وفـي بعض القراءة: «حَطَبُ جَهَنّـمَ» يعنـي فـي قراءة عائشة.
18769ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قَتادة: حَصَبُ جَهَنّـمَ قال: حصب جهنـم يقذفون فـيها.
18770ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن الـحر, عن عكرِمة, قوله: حَصَبُ جَهَنّـمَ قال: حطب جهنـم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم يُرْمَى بهم فـي جهنـم. ذكر من قال ذلك:
18771ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: حَصَبُ جَهَنّـمَ يقول: إن جهنـم إنـما تـحصب بهم, وهو الرمي يقول: يرمي بهم فـيها.
واختلف فـي قراءة ذلك, فقرأته قرّاء الأمصار: حَصَبُ جَهَنّـمَ بـالصاد, وكذلك القراءة عندنا لإجماع الـحجة علـيه.
ورُوي عن علـيّ وعائشة أنهما كانا يقرآن ذلك: «حَطَبُ جَهَنّـمَ» بـالطاء. ورُوي عن ابن عبـاس أنه قرأه: «حَضَبُ» بـالضاد.
18772ـ حدثنا بذلك أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا إبراهيـم بن مـحمد, عن عثمان بن عبد الله, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, أنه قرأها كذلك.
وكأن ابن عبـاس إن كان قرأ ذلك كذلك, أراد أنهم الذين تُسجر بهم جهنـم ويوقد بهم فـيها النار وذلك أن كل ما هيجت به النار وأوقدت به, فهو عند العرب حضب لها. فإذا كان الصواب من القراءة فـي ذلك ما ذكرنا, وكان الـمعروف من معنى الـحصب عند العرب: الرمي, من قولهم: حصبت الرجل: إذا رميته, كما قال جلّ ثناؤه: إنّا أرْسَلْنا عَلَـيْهِمْ حاصِبـا كان الأولـى بتأويـل ذلك قول من قال: معناه أنهم تقذف جهنـم بهم ويرمى بهم فـيها. وقد ذكر أن الـحصب فـي لغة أهل الـيـمين: الـحطب, فإن يكن ذلك كذلك فهو أيضا وجه صحيح. وأما ما قلنا من أن معناه الرمي فإنه فـي لغة أهل نـجد. وأما قوله: أنْتُـمْ لَهَا وَرِدُونَ فإن معناه: أنتـم علـيها أيها الناس أو إلـيها واردون, يقول: داخـلون. وقد بـيّنت معنى الورود فـيـما مضى قبل بـما أغنـي عن إعادته فـي هذا الـموضع.
الآية : 99
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لَوْ كَانَ هَـَؤُلآءِ آلِهَةً مّا وَرَدُوهَا وَكُلّ فِيهَا خَالِدُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لهؤلاء الـمشركين الذين وصف صفتهم أنهم ما يأتـيهم من ذكر من ربهم مـحدث إلا استـمعوه وهم يـلعبون, وهم مشركو قريش: أنتـم أيها الـمشركون, وما تعبدون من دون الله واردو جهنـم, ولو كان ما تعبدون من دون الله آلهة ما وردوها, بل كانت تـمنع من أراد أن يوردكموها إذ كنتـم لها فـي الدنـيا عابدين, ولكنها إذ كانت لا نفع عندها لأنفسها ولا عندها دفع ضرّ عنها, فهي من أن يكون ذلك عندها لغيرها أبعد, ومن كان كذلك كان بـينا بعده من الألوهة, وأن الإله هو الذي يقدر علـى ما يشاء ولا يقدر علـيه شيء, فأما من كان مقدورا علـيه فغير جائز أن يكون إلها. وقوله: وكلّ فِـيها خالِدُونَ يعنـي الاَلهة ومن عبدها أنهم ماكثون فـي النار أبدا بغير نهاية وإنـما معنى الكلام: كلكم فـيها خالدون.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18773ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: لَوْ كانَ هُؤُلاءِ آلهَةً ما وَرَدُوها وَكُلّ فِـيها خالِدُونَ قال: الاَلهة التـي عبد القوم, قال: العابد والـمعبود.

الآية : 100 - 101
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ * إِنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنّا الْحُسْنَىَ أُوْلَـَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ }.
يعنـي تعالـى ذكره بقولهم: لَهُمْ الـمشركين وآلهتهم, والهاء, والـميـم فـي قوله: لَهُمْ من ذكر «كلّ» التـي فـي قوله: وُكلّ فِـيا خالِدُونَ. يقول تعالـى ذكره: لكلهم فـي جهنـم زفـير, وَهُمْ فِـيها لا يَسْمَعُونَ يقول: وهم فـي النار لا يسمعون.
وكان ابن مسعود يتأوّل فـي قوله: وَهُمْ فِـيها لا يَسْمَعُونَ ما:
18774ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن الـمسعودي, عن يونس بن خبـاب, قال: قرأ ابن مسعود هذه الاَية: لَهُمْ فِـيها زَفِـير وَهُمْ فِـيها لا يَسْمَعُونَ قال: إذا ألقـي فـي النار من يخـلد فـيها جعلوا فـي توابـيت من نار, ثم جعلت تلك التوابـيت فـي توابـيت أخرى, ثم جعلت التوابـيت أخرى فـيها مسامير من نار, فلا يرى أحد منهم أن فـي النار أحدا يعذّب غيره. ثم قرأ: لَهُمْ فِـيها زَفِـيرٌ وَهُمْ فِـيها لا يَسْمَعُونَ.
وأما قوله: إنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الـحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي الـمعنـيّ به, فقال بعضهم: عُنـي به كل من سبقت له من الله السعادة من خـلقه أنه عن النار مُبعد. ذكر من قال ذلك:
18775ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن يوسف بن سعد ولـيس بـابن ماهَك عن مـحمد بن حاطب, قال: سمعت علـيّا يخطب فقرأ هذه الاَية: إنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الـحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ. قال: عثمان رضي الله عنه منهم.
وقال آخرون: بل عُنـي: من عُبد مِن دون الله, وهو لله طائع ولعبـادة من يَعبد كاره. ذكر من قال ذلك:
18776ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى. وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ قال: عيسى, وعُزَير, والـملائكة.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
قال ابن جُرَيج: قوله: إنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ثم استثنى فقال: إنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الـحُسْنَى.
18777ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, عن الـحسين, عن يزيد, عن عكرمة, والـحسن البصري قالا: قال فـي سورة الأنبـياء: إنّكُمْ وَما تَعْبُدونَ مِنْ دونِ اللّهِ حَصَب جَهَنـمَ أنْتُـمْ لَهَا وَارِدونَ لَوْ كانَ هَؤلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلّ فِـيها خالِدُونَ لَهُمْ فِـيها زَفِـيرٌ وَهُمْ فِـيها لا يَسْمَعُونَ ثم استثنى فقال: إنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الـحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ فقد عُبدت الـملائكة من دون الله, وعُزَيرٌ وعيسى من دون الله.
18778ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد: أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ قال: عيسى.
18779ـ حدثنـي إسماعيـل بن سيف, قال: حدثنا علـيّ بن مسهر, قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي صالـح فـي قوله: إنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الـحُسْنَى قال: عيسى, وأمه, وعُزَير, والـملائكة.
18780ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فـيـما بلغنـي يوما مع الولـيد بن الـمغيرة, فجاء النضر بن الـحارث حتـى جلس معهم وفـي الـمـجلس غير واحد من رجال قريش, فتكلـم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فعرض له النضر بن الـحارث, وكلّـمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتـى أفحمه, ثم تلا علـيه وعلـيهم: إنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّـمَ أنْتُـمْ لَهاَ وَارِدُونَ لَوْ كان هَؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وكُلّ فِـيها خالِدُونَ.... إلـى قوله: وَهُمْ فِـيها لا يَسْمَعُونَ. ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأقبل عبد الله بن الزّبَعْرَي بن قـيس بن عدي السهميّ حتـى جلس, فقال الولـيد بن الـمغيرة لعبد الله بن الزّبَعْري: والله ما قام النضر بن الـحارث لابن عبد الـمطلب آنفـا وما قعد, وقد زعم أنّا وما نعبد من آلهتنا هذه حَصَب جهنـم فقال عبد الله بن الزّبَعْري: أما والله لو وجدته لـخصَمته فسلوا مـحمدا: أكلّ من عبد من دون الله فـي جهنـم مع من عَبده؟ فنـحن نعبد الـملائكة, والـيهود تعبد عُزَيرا, والنصارى تعبد الـمسيح عيسى ابن مريـم. فعجب الولـيد بن الـمغيرة ومن كان فـي الـمـجلس من قول عبد الله بن الزّبَعْري, (ورأوا أنّه قد احتـجّ وخاصم. فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قول ابن الزبعري, فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ كُلّ مَنْ أحَبّ أنْ يُعْبَدَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَهُوَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ, إنّـمَا يَعْبَدُونَ الشّياطِينَ وَمَنْ أمَرَهُمْ بعِبـادَتهِ». فأنزل الله علـيه: إنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الـحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ... إلـى: خالِدُونَ أي عيسى ابن مريـم, وعُزير, ومن عَبدوا من الأحبـار والرهبـان الذي مضَوا علـى طاعة الله, فـاتـخذهم مَنْ بعدهم من أهل الضلالة أربـابـا من دون الله. فأنزل الله فـيـما ذكروا أنهم يعبدون الـملائكة وأنها بنات الله: وَقالُوا اتّـخَذَ الرّحْمَنُ وَلَدا سُبْحانَهَ بَلْ عِبـادٌ مُكْرَمونَ... إلـى قوله: نَـجْزِي الظّالِـمينَ.
18781ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك, قال: يقول ناس من الناس إنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الـحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ يعنـي من الناس أجمعين. فلـيس كذلك, إنـما يعنـي من يعبد الاَلهة وهو لله مطيع مثل عيسى وأمه وعُزَير والـملائكة, واستثنى الله هؤلاء الاَلهة الـمعبودة التـي هي ومَنْ يعبدها فـي النار.
18782ـ حدثنا ابن سِنان القزاز, قال: حدثنا الـحسن بن الـحسين الأشقر, قال: حدثنا أبو كدينة, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: لـما نزلت: إنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّـمَ أنْتُـمْ لَهَا وَارِدُون قال الـمشركون: فإن عيسى يُعبد وعُزَير والشمس والقمر يُعبدون فأنزل الله: إنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الـحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لعيسى وغيره.
وأولـى الأقوال فـي تأويـل ذلك بـالصواب قول من قال: عنـي بقوله: إنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الْـحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ما كان من معبود كان الـمشركون يعبدونه والـمعبود لله مطيع وعابدوه بعبـادتهم إياه بـالله كفّـار لأن قوله تعالـى ذكره: إنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الْـحُسْنَى ابتداء كلام مـحقق لأمر كان ينكره قوم, علـى نـحو الذي ذكرنا فـي الـخبر عن ابن عبـاس, فكأن الـمشركين قالوا لنبـيّ الله صلى الله عليه وسلم إذ قال لهم: إنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّـمَ: ما الأمر كما تقول, لأنا نعبد الـملائكة, ويعبد آخرون الـمسيح وعُزَيرا. فقال عزّ وجلّ ردّا علـيهم قولهم: بل ذلك كذلك, ولـيس الذي سبقت لهم منا الـحسنى هم عنها مبعدون, لأنهم غير معنـيـين بقولنا: إنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّـمَ. فأما قول الذين قالوا ذلك استثناء من قوله: إنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّـمَ فقول لا معنى له لأن الاستثناء إنـما هو إخراج الـمستثنى من الـمستثنى منه, ولا شكّ أن الذين سبقت لهم منا الـحسنى إنـما هم إما ملائكة وإما إنس أو جانّ, وكلّ هؤلاء إذا ذكرتها العرب فإن أكثر ما تذكرها ب «من» لا ب «ما», والله تعالـى ذكره إنـما ذكر الـمعبودين الذين أخبر أنهم حَصَب جهنـم ب «ما», قال: إنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّـمَ إنـما أريد به ما كانوا يعبدونه من الأصنام والاَلهة من الـحجارة والـخشب, لا من كان من الـملائكة والإنس. فإذا كان ذلك كذلك لـما وصفنا, فقوله: إنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الـحُسْنَى جواب من الله للقائلـين ما ذكرنا من الـمشركين مبتدأ. وأما الـحُسنى فإنها الفُعلـى من الـحسن, وإنـما عنـي بها السعادة السابقة من الله لهم. كما:
18783ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: إنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الـحُسْنَى قال: الـحسنى: السعادة. وقال: سبقت السعادة لأهلها من الله, وسبق الشقاء لأهله من الله