تفسير الطبري تفسير الصفحة 359 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 359
360
358
 الآية : 62
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىَ أَمْرٍ جَامِعٍ لّمْ يَذْهَبُواْ حَتّىَ يَسْتَأْذِنُوهُ إِنّ الّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَاْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللّهَ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ}
يقول تعالـى ذكره: ما الـمؤمنون حقّ الإيـمان, إلا الذين صدّقوا الله ورسوله. وَإذَا كانُوا مَعَهُ يقول: وإذا كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, عَلـى أمِرٍ جامِعٍ يقول: علـى أمر يجمع جميعهم من حرب حضرت, أو صلاة اجتـمع لها, أو تشاور فـي أمر نزل لَـمْ يَذْهَبُوا يقول: لـم ينصرفوا عما اجتـمعوا له من الأمر, حَتّـى يَسْتَأْذِنُوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19908ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: إنّـمَا الـمُؤْمِنُونَ الّذِين آمَنُوا بـاللّهِ وَرَسُولِهِ وَإذَا كانُوا مَعَهُ عَلـى أمْرٍ جامِعٍ لَـمْ يَذْهَبُوا حتـى يَسْتأْذِنُوهُ يقول: إذا كان أمر طاعة لله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عبـاس, قوله: وَإذَا كانُوا مَعَهُ عَلـى أمْرٍ جامِعٍ قال: أمر من طاعة الله عامّ.
19909ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن بكر, قال: أخبرنا ابن جُرَيج, قال: سأل مكحولاً الشاميّ إنسانٌ وأنا أسمع, ومكحول جالس مع عطاء, عن قول الله فـي هذه الآية: وَإذا كانُوا مَعَهُ عَلـى أمْرٍ جامِعٍ لَـمْ يَذْهَبُوا حتّـى يَسْتأذِنُوهُ فقال مكحول: فـي يوم الـجمعة, وفـي زَحْف, وفـي كلّ أمر جامع, قد أمر أن لا يذهب أحد فـي يوم جمعة حتـى يستأذن الإمام, وكذلك فـي كل جامع, ألا ترى أنه يقول: وَإذَا كانُوا مَعَهُ عَلـى أمْرٍ جامِعٍ.
19910ـ حدثنـي يعقوب, قال: ثنـي ابن عُلَـية, قال: أخبرنا هشام بن حسان, عن الـحسن, قال: كان الرجل إذا كانت له حاجة والإمام يخطب, قام فأمسك بأنفه, فأشار إلـيه الإمام أن يخرُج. قال: فكان رجل قد أراد الرجوع إلـى أهله, فقام إلـى هَرِم بن حِيان وهو يخطب, فأخذ بأنفه, فأشار إلـيه هرم أن يذهب. فخرج إلـى أهله فأقام فـيهم, ثم قدم قال له هرم: أين كنت؟ قال: فـي أهلـي؟ قال: أبإذن ذهبت؟ قال: نعم, قمت إلـيك وأنت تـخطب, فأخذت بأنفـي, فأشرت إلـيّ أن اذْهَب فذهبت. فقال: أفـاتـخذت هذا دَغَلاً؟ أو كلـمة نـحوها. ثم قال: اللهمّ أخّر رجال السوء إلـى زمان السوء.
19911ـ حدثنـي الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهريّ, فـي قوله: وَإذَا كانُوا مَعَهُ عَلـى أمْرٍ جامِعٍ قال: هو الـجمعة إذا كانوا معه, لـم يذهبوا حتـى يستأذنوه.
19912ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: إنّـمَا الـمُؤْمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا بـاللّهِ وَرَسُولِهِ وَإذَا كانُوا مَعَهُ عَلـى أمْرٍ جامِعٍ لَـمْ يَذْهَبُوا حتـى يَسْتَأذنُوهُ قال: الأمر الـجامع حين يكونون معه فـي جماعة الـحرب أو جمعة. قال: والـجمعة من الأمر الـجامع, لا ينبغي لأحد أن يخرج إذا قعد الإمام علـى الـمنبر يوم الـجمعة إلا بإذن سلطان إذا كان حيث يراه أو يقدر علـيه, ولا يخرج إلا بإذن. وإذا كان حيث لا يراه ولا يقدر علـيه ولا يصل إلـيه, فـالله أولـى بـالعذر.
وقوله: إنّ الّذِينَ يَسْتأذنُوكَ أُولَئِكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بـاللّهِ وَرَسُولِهِ يقول تعالـى ذكره: إن الذين لا ينصرفون يا مـحمد إذا كانوا معك فـي أمر جامع, عنك إلا بإذنك لهم, طاعة منهم لله ولك وتصديقا بـما أتـيتهم به من عندي أولئك الذين يصدقون الله ورسوله حقّا, لا من خالف أمر الله وأمر رسوله فـينصرف عنك بغير إذن منك له بعد تقدّمك إلـيه أن لا ينصرف عنك إلاّ بإذنك. وقوله: فإذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبْعَضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِـمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ يقول تعالـى ذكره: فإذا استأذنك يا مـحمد الذين لا يذهبون عنك إلا بإذنك فـي هذه الـمواطن لبعض شأنهم يعنـي لبعض حاجاتهم التـي تعرض لهم فأْذن لـمن شِئت منهم فـي الانصراف عنك لقضائها. وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ يقول: وادع الله لهم بأن يتفضل علـيهم بـالعفو عن تبعات ما بـينه وبـينهم. إنّ اللّهَ غَفُورٌ لذنوب عبـاده التائبـين, رَحِيـمٌ بهم أن يعاقبهم علـيها بعد توبتهم منها.)
الآية :63
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لاّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره لأصحاب نبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: لا تَـجْعَلُوا أيها الـمؤمنون دُعاءَ الرّسُولِ بَـيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضا.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: نَهَى الله بهذه الآية الـمؤمنـين أن يتعرّضوا لدعاء الرسول علـيهم, وقال لهم: اتقوا دعاءه علـيكم, بأن تفعلوا ما يسخطه فـيدعو لذلك علـيكم فتهلكوا, فلا تـجعلوا دعاءه كدعاء غيره من الناس, فإن دعاءه موجبة. ذكر من قال ذلك:
19913ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: لا تَـجْعَلُوا دُعاءَ الرّسُولِ بَـيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضا دعوة الرسول علـيكم موجبة, فـاحذروها.
وقال آخرون: بل ذلك نهيٌ من الله أن يَدْعُوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلَظ وجفَـاء, وأمر لهم أن يَدْعوه بلـين وتواضع. ذكر من قال ذلك:
19914ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نَـجيح, عن مـجاهد: كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضا قال: أمرهم أن يَدْعوا يا رسول الله, فـي لـين وتواضع, ولا يقولوا يا مـحمد, فـي تـجهّم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قوله: لا تَـجْعَلُوا دُعاءَ الرّسُولِ بَـيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضا قال: أمرهم أن يَدْعوه: يا رسول الله, فـي لـين وتواضع.
19915ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا مَعْمر, عن قَتادة, فـي قوله: لا تَـجْعَلُوا دُعاءَ الرّسُولِ بَـيْنَكُمْ كَدُعاء بَعْضِكُمْ بَعْضا قال: أمرهم أن يفخّموه ويشرّفوه.
وأولـى التأويـلـين فـي ذلك بـالصواب عندي التأويـل الذي قاله ابن عبـاس, وذلك أن الذي قَبْل قوله: لا تَـجْعَلُوا دُعاءَ الرّسُولِ بَـيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضا نهيٌ من الله الـمؤمنـين أن يأتوا من الانصراف عنه فـي الأمر الذي يجمع جميعهم ما يكرهه, والذي بعده وعيد للـمُنْصرفـين بغير إذنه عنه, فـالذي بـينهما بأن يكون تـحذيرا لهم سُخْطة أن يضطّره إلـى الدعاء علـيهم أشبه من أن يكون أمرا لهم بـما لـم يجر له ذكر من تعظيـمه وتوقـيره بـالقول والدعاء.
وقوله: قَدْ يَعْلَـمُ اللّهُ الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذا يقول تعالـى ذكره: إنكم أيها الـمنصرفون عن نبـيكم بغير إذنه, تسترا وخِفـية منه, وإن خفـي أمر من يفعل ذلك منكم علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإن الله يعلـم ذلك ولا يخَفـي علـيه, فلـيتّق من يفعل ذلك منكم الذين يخالفون أمر الله فـي الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه, أن تصيبهم فتنة من الله أو يصيبهم عذاب ألـيـم, فـيطبع علـى قلوبهم, فـيكفروا بـالله.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19916ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الـحكم بن بشير, قال: حدثنا عمرو بن قـيس, عن جُويبر, عن الضحاك, فـي قول الله: قَدْ يَعْلَـمُ اللّهُ الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذا قال: كانوا يستتر بعضهم ببعض, فـيقومون, فقال: فلـيحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة, قال: يطَبع علـى قلبه, فلا يأمن أن يظهر الكفر بلسانه فتُضرب عُنُقه.
19917ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قوله: قَدْ يَعْلَـمُ اللّهُ الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذا قال: خلافـا.
19918ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: قَدْ يَعْلَـمُ اللّهُ الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذا قال: هؤلاء الـمنافقون الذين يرجعون بغير إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: اللّواذ: يـلوذ عنه ويروغ ويذهب بغير إذن النبـيّ صلى الله عليه وسلم.
فَلْـيَحْذَرِ الّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ الذين يصنعون هذا, أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِـيـم. الفتنة ها هنا. الكفر, واللّواذ: مصدر لاوذت بفلان مُلاوذة ولِواذا, ولذلك ظهرت الواو, ولو كان مصدرا للُذت لقـيـل: لِـياذا, كما يقال: قُمت قـياما, وإذا قـيـل: قاومتك, قـيـل: قواما طويلاً. واللّواذ: هو أن يـلوذ القوم بعضُهم ببعض, يستتر هذا بهذا وهذا بهذا, كما قال الضحاك.
وقوله: أوْ يُصِيبُهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ يقول: أو يصيبهم فـي عاجل الدنـيا عذاب من الله موجع, علـى صنـيعهم ذلك وخلافهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: فَلْـيَحْذَرِ الّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ وأدخـلت «عن» لأن معنى الكلام: فلـيحذر الذين يـلوذون عن أمره ويُدبِرون عنه معرضين.)
الآية : 64
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلآ إِنّ للّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمُ }.
يقول تعالـى ذكره: ألاَ إنّ لله مُلْكُ جميع السّمَوَاتِ والأَرْضِ يقول: فلا ينبغي لـمـملوك أن يخالف أمر مالكه فـيعصيَه, فـيستوجب بذلك عقوبته. يقول: فكذلك أنتـم أيها الناس, لا يصلـح لكم خلاف ربكم الذي هو مالككم, فأطيعوه وأتَـمروا لأمره ولا تنصرفوا عن رسوله إذا كنتـم معه علـى أمر جامع إلا بإذنه.
وقوله: قَدْ يَعْلَـمُ ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ من طاعتكم إياه فـيـما أمركم ونهاكم من ذلك, كما:
19919ـ حدثنـي أيضا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: قَدْ يَعْلَـمُ ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ صنـيعكم هذا أيضا.
وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إلَـيْهِ يقول: ويوم يَرْجع إلـى الله الذين يخالفون عن أمره. فـيُنَبّئُهُم يقول: فـيخبرهم حينئذٍ, بِـمَا عَمِلُوا فـي الدنـيا, ثم يجازيهم علـى ما أسلفوا فـيها, من خلافهم علـى ربهم. وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِـيـمٌ يقول: والله ذو علـم بكل شيء عملتـموه أنتـم وهم وغيركم وغيرك ذلك من الأمور, لا يخفـي علـيه شيء, بل هو مـحيط بذلك كله, وهو مُوَفَ كلّ عامل منكم أجر عمله يوم ترجعون إلـيه.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة النور

سورة الفرقان مكية
وآياتها سبع وسبعون
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {تَبَارَكَ الّذِي نَزّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىَ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً }.
قال أبو جعفر: تبـارك: تَفـاعَلَ من البركة, كما:
19920ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, قال: حدثنا أبو رَوق, عن الضحاك, عن عبد الله بن عبـاس, قال: تبـارك: تَفَـاعَلَ من البركة.
وهو كقول القائل: تقدّس ربنا, فقوله: تَبـارَكَ الّذِي نَزّلَ الفُرْقانَ يقول: تبـارك الذي نزّل الفصل بـين الـحقّ والبـاطل, فصلاً بعد فصل وسورة بعد سُورة, علـى عبده مـحمد صلى الله عليه وسلم, لـيكون مـحمد لـجميع الـجنّ والإنس الذين بعثه الله إلـيهم داعيا إلـيه, نذيرا: يعنـي منذِرا يُنذرهم عِقابه ويخوّفهم عذابه, إن لـم يوحدوه ولـم يخـلصوا له العبـادة ويخـلعوا كلّ ما دونه من الاَلهة والأوثان.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19921ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: تَبـارَكَ الّذِي نَزّلَ الفُرْقانَ عَلـى عَبْدِهِ لـيَكُونَ للْعالَـمِينَ نَذِيرا قال: النبـيّ النذير. وقرأ: وَإنْ مِنْ أُمّةٍ إلاّ خَلا فِـيها نَذِيرٌ وقرأ: وَما أهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إلاّ لَهَا مُنْذِرُونَ قال: رسل. قال: الـمنذرون: الرسل. قال: وكان نذيرا واحدا بلّغ ما بـين الـمشرق والـمغرب, ذو القرنـين, ثم بلغ السدّين, وكان نذيرا, ولـم أسمع أحدا يُحِقّ أنه كان نبـيّا. وأُوحِيَ إلـيّ هذَا القُرآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ قال: من بلغه القرآن من الـخـلق, فرسول الله نذيره. وقرأ: يا أيّها النّاسُ إنّـي رَسُولُ اللّهِ إلَـيْكُمْ جَمِيعا وقال: لـم يرسل الله رسولاً إلـى الناس عامة إلاّ نوحا, بدأ به الـخـلق, فكان رسولَ أهل الأرض كلهم, ومـحمد صلى الله عليه وسلم خَتَـم به.
الآية : 2
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِي لَهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَتّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَخَلَقَ كُلّ شَيْءٍ فَقَدّرَهُ تَقْدِيراً }.
يقول تعالـى ذكره: تَبَـارَكَ الّذِي نَزّلَ الفُرْقانَ... الّذِي لَهُ مُلْكُ السّمَوَاتِ والأرْضِ ف «الذي» من نعت «الذي» الأولـى, وهما جميعا فـي موضع رفع, الأولـى بقوله «تبـارك», والثانـية نعت لها. ويعنـي بقوله: الّذِي لَهُ مُلْكُ السّمَوَاتِ والأرْضِ الذي له سلطان السموات والأرض يُنْفِذ فـي جميعها أمره وقضاءه, ويُـمْضِي فـي كلها أحكامه. يقول: فحقّ علـى من كان كذلك أن يطيعه أهل مـملكته ومَنْ فـي سلطانه ولا يعصُوه, يقول: فلا تعصُوا نذيري إلـيكم أيها الناس, واتبعوه, واعملوا بـما جاءكم به من الـحقّ. ولَـمْ يَتّـخِذْ وَلَدا يقول تكذيبـا لـمن أضاف إلـيه الولد وقال الـملائكة بنات الله: ما اتـخذ الذي نزّل الفرقان علـى عبده ولدا. فمن أضاف إلـيه ولدا فقد كذب وافترى علـى ربه. ولَـمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فـي الـمُلْكِ يقول تكذيبـا لـمن كان يضيف الأُلوهة إلـى الأصنام ويعبدها من دون الله من مشركي العرب ويقول فـي تلبـيته «لَبّـيك لا شريك لك, إلاّ شريكا هو لك, تـملكه وما ملك»: كذب قائلوا هذا القول, ما كان لله شريك فـي مُلكه وسلطانه فـيصلـح أن يُعْبد من دونه يقول تعالـى ذكره: فأفرِدوا أيها الناس لربكم الذي نزّل الفرقان علـى عبده مـحمد نبـيه صلى الله عليه وسلم الألُوهة, وأخـلِصوا له العبـادة, دون كلّ ما تعبدونه من دونه من الاَلهة والأصنام والـملائكة والـجنّ والإنس, فإن كلّ ذلك خـلقه وفـي ملكه, فلا تصلـح العبـادة إلا لله الذي هو مالك جمعي ذلك. وقوله: وَخَـلَقَ كُلّ شَيْءٍ يقول تعالـى ذكره: وخـلق الذي نزل علـى مـحمد الفرقان كل شيء, فـالأشياء كلها خـلقه ومِلْكه, وعلـى الـمـمالـيك طاعة مالكهم وخدمة سيدهم دون غيره. يقول: وأنا خالقكم ومالككم, فأخـلصوا لـي العبـادة دون غيري. وقوله: فَقَدّرَهُ تَقْدِيرا يقول: فسوّى كلّ ما خـلق وهيأه لـما يصلـح له, فلا خَـلَل فـيه ولا تفـاوت