تفسير الطبري تفسير الصفحة 416 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 416
417
415
 الآية : 12
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ تَرَىَ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبّهِمْ رَبّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنّا مُوقِنُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: لو ترى يا مـحمد هؤلاء القائلـين أئِذَا ضَلَلْنا فِـي الأرْضِ أئِنّا لَفِـي خَـلْقٍ جَدِيدٍ إذ هم ناكسوا رؤوسهم عند ربهم حياء من ربهم, للذي سلف منهم من معاصيه فـي الدنـيا, يقولون: يا رَبّنَا أبْصَرْنَا ما كنا نكذّب به من عقابك أهل معاصيك وَسَمِعْنَا منك تصديق ما كانت رسلك تأمرنا به فـي الدنـيا, فـارجعنا يقول: فـارددنا إلـى الدنـيا نعمل فـيها بطاعتك, وذلك العمل الصالـح إنّا مُوقِنُونَ يقول: إنا قد أيقنا الاَن ما كنا به فـي الدنـيا جهالاً من وحدانـيتك, وأنه لا يصلـح أن يُعبد سواك, ولا ينبغي أن يكون ربّ سواك, وأنك تـحيـي وتـميت, وتبعث من فـي القبور بعد الـمـمات والفناء وتفعل ما تشاء.
وبنـحو ما قلنا فـي قوله: نَاكِسُوا رُءُوسِهمْ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21492ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, قوله وَلَوْ تَرَى إذِ الـمُـجْرِمونَ ناكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبّهِمْ قال: قد حزنوا واستـحيوا.
الآية : 13
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ شِئْنَا لاَتَيْنَا كُلّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـَكِنْ حَقّ الْقَوْلُ مِنّي لأمْلأنّ جَهَنّمَ مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَلَوْ شِئْنَا يا مـحمد لاَتَـيْنَا هؤلاء الـمشركين بـالله من قومك وغيرهم من أهل الكفر بـالله هُدَاهَا يعنـي: رشدها وتوفـيقها للإيـمان بـالله وَلَكِنْ حَقّ القَوْلُ مِنّـي يقول: وجب العذاب منـي لهم, وقوله لأَمْلأَنّ جَهَنّـمَ منَ الـجِنّة والنّاسِ أجمَعِينَ يعنـي من أهل الـمعاصي والكفر بـالله منهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21493ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَلَوْ شِئْنا لاَتَـيْنا كُلّ نَفْسٍ هُداها قال: لو شاء الله لهدى الناس جميعا, لو شاء الله لأنزل علـيهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين وَلَكِنْ حَقّ القَوْلُ مِنّـي حقّ القول علـيهم.
الآية : 14
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـَذَآ إِنّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: يقال لهؤلاء الـمشركين بـالله إذا هم دخـلوا النار: ذوقوا عذاب الله بـما نسيتـم لقاء يومكم هذا فـي الدنـيا, إنّا نَسِيناكُمْ يقول: إنا تركناكم الـيوم فـي النار. وقوله: وَذُوقُوا عَذَابَ الـخُـلْدِ يقول: يقال لهم أيضا: ذوقوا عذابـا تـخـلدون فـيه إلـى غير نهاية بِـما كُنْتُـمْ فـي الدنـيا تَعْمَلُونَ من معاصي الله. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21494ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة فَذُوقُوا بِـما نَسِيتُـمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إنّا نَسِيناكُمْ قال: نسوا من كلّ خير, وأما الشرّ فلـم ينسوا منه.
21495ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قوله إنّا نَسِيناكُمْ يقول: تركناكم.
الآية : 15
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا خَرّواْ سُجّداً وَسَبّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ما يصدق بحججنا وآيات كتابنا إلاّ القوم الذين إذا ذكروا بها ووعظوا خرّوا لله سجدا لوجوههم, تذلّلاً له, واستكانة لعظمته, وإقرارا له بـالعبوديّة وَسَبّحُوا بِحَمْدِ رَبّهِمْ يقول: وسبحوا الله فـي سجودهم بحمده, فـيبرّؤونه مـما يصفه أهل الكفر به, ويضيفون إلـيه من الصاحبة والأولاد والشركاء والأنداد وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ يقول: يفعلون ذلك, وهم لا يستكبرون عن السجود له والتسبـيح, لا يستنكفون عن التذلّل له والاستكانة. وقـيـل: إن هذه الاَية نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, لأن قوما من الـمنافقـين كانوا يخرجون من الـمسجد إذا أقـيـمت الصلاة, ذُكر ذلك عن حجاج, عن ابن جُرَيج.
الآية : 16
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {تَتَجَافَىَ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: تتنـحّى جُنوب هؤلاء الذين يؤمنون بآيات الله, الذين وصفت صفتهم, وترتفع من مضاجعهم التـي يضطجعون لـمنامهم, ولا ينامون يَدْعُونَ رَبّهُمْ خَوْفـا وَطَمَعا فـي عفوه عنهم, وتفضّله علـيهم برحمته ومغفرته ومِـمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ فـي سبـيـل الله, ويؤدّون منه حقوق الله التـي أوجبها علـيهم فـيه. وتتـجافـى: تتفـاعل من الـجفـاء والـجفـاء: النبو, كما قال الراجز:
وَصَاحِبـي ذَاتُ هِبـاب دَمْشَقُوَابنُ مِلاطٍ مُتـجاف أرْفَقُ
يعنـي: أن كرمها سجية عن ابن ملاط. وإنـما وصفهم تعالـى ذكره بتـجافـي جنوبهم عن الـمضاجع لتركهم الاضطجاع للنوم شغلاً بـالصلاة.
واختلف أهل التأويـل فـي الصلاة التـي وصفهم جلّ ثناؤه, أن جنوبهم تتـجافـى لها عن الـمضطجع, فقال بعضهم: هي الصلاة بـين الـمغرب والعشاء, وقال: نزلت هذه الاَية فـي قوم كانوا يصلون فـي ذلك الوقت. ذكر من قال ذلك:
21496ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن أبـي عروبة, قال: قال قتادة, قال أنس, فـي قوله كانُوا قَلِـيلاً مِنَ اللّـيْـل مَا يَهْجَعُونَ قال: كانوا يتنفّلون فـيـما بـين الـمغرب والعشاء, وكذلك تتـجافـى جنوبهم.
قال: ثنا ابن أبـي عديّ, عن سعيد, عن قتادة, عن أنس, فـي قوله تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـمَضَاجِعِ قال: يصلون ما بـين هاتـين الصلاتـين.
حدثنـي علـيّ بن سعيد الكنديّ, قال: حدثنا حفص بن غياث, عن سعيد, عن قتادة, عن أنس تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـمَضَاجِعِ قال: ما بـين الـمغرب والعشاء.
حدثنـي مـحمد بن خـلف, قال: حدثنا يزيد بن حيان, قال: حدثنا الـحارث بن وجيه الراسبـي, قال: حدثنا مالك بن دينار, عن أنس بن مالك, أن هذه الاَية نزلت فـي رجال من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم, كانوا يصلون فـيـما بـين الـمغرب والعشاء تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـمضَاجِعِ.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مـحمد بن بشر, عن سعيد بن أبـي عروبة, عن قتادة, عن أنس: تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَن الـمَضَاجِعِ قال: كانوا يتطوّعون فـيـما بـين الـمغرب والعشاء.
قال: ثنا أبـي, عن سفـيان, عن رجل, عن أنس تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَن الـمَضَاجِعِ قال: ما بـين الـمغرب والعشاء.
21497ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـمَضَاجِعِ قال: كانوا يتنفّلون ما بـين صلاة الـمغرب وصلاة العشاء.
وقال آخرون: عنى بها صلاة الـمغرب. ذكر من قال ذلك:
21498ـ حدثنا ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي, عن طلـحة, عن عطاء تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَن الـمَضَاجِعِ قال: عن العتـمة.
21499ـ وذُكر عن حجاج, عن ابن جريج, قال: قال يحيى بن صَيفـي, عن أبـي سلـمة, قال: العتـمة.
وقال آخرون: لانتظار صلاة العتـمة. ذكر من قال ذلك:
21500ـ حدثنـي عبد الله بن أبـي زياد, قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأَويسي, عن سلـيـمان بن بلال, عن يحيى بن سعيد, عن أنس بن مالك, أن هذه الاَية تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـمَضَاجِعِ نزلت فـي انتظار الصلاة التـي تدعى العتـمة.
وقال آخرون: عنى بها قـيام اللـيـل. ذكر من قال ذلك:
21501ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الـحسن تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَن الـمَضَاجِعِ قال: قـيام اللـيـل.
21502ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـمَضَاجِعِ قال: هؤلاء الـمتهجدون لصلاة اللـيـل.
21503ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـمَضَاجِعِ يقومون يصلون من اللـيـل.
وقال آخرون: إنـما هذه صفة قوم لا تـخـلو ألسنتهم من ذكر الله. ذكر من قال ذلك:
21504ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـمَضَاجِع, يَدْعُونَ رَبّهُم خَوْفـا وَطَمَعا وهم قوم لا يزالون يذكرون الله, إما فـي صلاة, وإما قـياما, وإما قعودا, وإما إذا استـيقظوا من منامهم, هم قوم لا يزالون يذكرون الله.
21505ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـمَضَاجِعِ... إلـى آخر الاَية, يقول: تتـجافـى لذكر الله, كلـما استـيقظوا ذكروا الله, إما فـي الصلاة, وإما فـي قـيام, أو فـي قعود, أو علـى جنوبهم فهم لا يزالون يذكرون الله.
والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن الله وصف هؤلاء القوم بأن جنوبهم تنبو عن مضاجعهم, شغلاً منهم بدعاء ربهم وعبـادته خوفـا وطمعا, وذلك نبوّ جنوبهم عن الـمضاجع لـيلاً, لأن الـمعروف من وصف الواصف رجلاً بأن جنبه نبـا عن مضجعه, إنـما هو وصف منه له بأنه جفـا عن النوم فـي وقت منام الناس الـمعروف, وذلك اللـيـل دون النهار, وكذلك تصف العرب الرجل إذا وصفته بذلك, يدلّ علـى ذلك قول عبد الله بن رواحة الأنصاري رضي الله عنه فـي صفة نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم:
يَبِـيتُ يُجافِـي جَنْبَهُ عَنْ فِراشِهِإذا اسْتَثْقَلَت بـالـمُشْرِكِينَ الـمَضَاجِعُ
فإذا كان ذلك كذلك, وكان الله تعالـى ذكره لـم يخصص فـي وصفه هؤلاء القوم بـالذي وصفهم به من جفـاء جنوبهم عن مضاجعهم من أحوال اللـيـل وأوقاته حالاً ووقتا دون حال ووقت, كان واجبـا أن يكون ذلك علـى كلّ آناء اللـيـل وأوقاته. وإذا كان كذلك كان من صلـى ما بـين الـمغرب والعشاء, أو انتظر العشاء الاَخرة, أو قام اللـيـل أو بعضه, أو ذكر الله فـي ساعات اللـيـل, أو صلـى العتـمة مـمن دخـل فـي ظاهر قوله: تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـمَضَاجِعِ لأن جنبه قد جفـا عن مضجعه فـي الـحال التـي قام فـيها للصلاة قائما صلـى أو ذكر الله, أو قاعدا بعد أن لا يكون مضطجعا, وهو علـى القـيام أو القعود قادر. غير أن الأمر وإن كان كذلك, فإن توجيه الكلام إلـى أنه معنـيّ به قـيام اللـيـل أعجب إلـيّ, لأن ذلك أظهر معانـيه, والأغلب علـى ظاهر الكلام, وبه جاء الـخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك ما:
21506ـ حدثنا به ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, قال: سمعت عروة بن الزبـير يحدّث عن معاذ بن جبل, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «ألا أدلّكَ عَلـى أبْوَاب الـخَيْرِ: الصّوْمُ جُنّةٌ, والصّدَقَةُ تُكَفّرُ الـخَطِيئَةَ, وَقِـيامُ العَبْدِ فِـي جَوْفِ اللّـيْـلِ. وتلا هذه الاَية: تَتَـجافَـى جُنُوبُهُم عَنِ الـمَضَاجِع, يَدْعُونَ رَبّهُمْ خَوْفـا وَطَمَعا, ومِـمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ».
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا يحيى بن حماد, قال: حدثنا أبو أُسامة, عن سلـيـمان, عن حبـيب بن أبـي ثابت والـحكم, عن ميـمون بن أبـي شبـيب, عن معاذ بن جبل, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, بنـحوه.
حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلانـي, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا منصور بن الـمعتـمر, عن الـحكم بن عُتـيبة, عن ميـمون بن أبـي شبـيب, عن معاذ بن جبل, قال: قال لـي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنْ شِئْتَ أنبأْتُكَ بأبْوَابِ الـخَيْرِ: الصّوْمُ جُنّةٌ, والصّدَقَةُ تُكَفّرُ الـخَطِيئَةَ, وَقِـيامُ الرّجُلِ فـي جَوْفِ اللّـيْـلِ» ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـمَضَاجِعِ.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يزيد بن حيان, عن حماد بن سلـمة, قال: حدثنا عاصم بن أبـي النـجود, عن شهر بن حوشب, عن معاذ بن جبل, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فـي قوله تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـمَضَاجِعِ قال: «قِـيامُ العَبْدِ مِنَ اللّـيْـل».
21507ـ حدثنا أبو همام الولـيد بن شجاع قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي زياد بن خيثمة, عن أبـي يحيى بـائع القتّ, عن مـجاهد, قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قـيام اللـيـل, ففـاضت عيناه حتـى تـحادرت دموعه, فقال: تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَن الـمَضَاجِعِ.
وأما قوله: يَدْعُونَ رَبّهُمْ خَوْفـا وَطَمَعا... الاَية, فإن بنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21508ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة يَدْعُونَ رَبّهُمْ خَوْفـا وَطَمَعا ومِـمّا رَزَقْناهُم يُنْفِقُونَ قال: خوفـا من عذاب الله, وطمعا فـي رحمة الله, ومـما رزقناهم ينفقون فـي طاعة الله, وفـي سبـيـله.
الآية : 17
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مّآ أُخْفِيَ لَهُم مّن قُرّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: فلا تعلـم نفس ذي نفسٍ ما أخفـى الله لهؤلاء الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم فـي هاتـين الاَيتـين, مـما تقرّ به أعينهم فـي جنانه يوم القـيامة جَزَاءً بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ يقول: ثوابـا لهم علـى أعمالهم التـي كانوا فـي الدنـيا يعملون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21509ـ حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن أبـي إسحاق, عن أبـي عبـيدة, قال: قال عبد الله: إن فـي التوراة مكتوبـا: لقد أعدّ الله للذين تتـجافـى جنوبهم عن الـمضاجع ما لـم تر عين, ولـم يخطر علـى قلب بشر, ولـم تسمع أذن, وما لـم يسمعه ملك مقرّب. قال: ونـحن نقرؤها: فَلا تَعْلَـمُ نَفْسٌ ما أُخْفِـيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ.
حدثنا خلاد, قال: أخبرنا النضر بن شميـل, قال: أخبرنا إسرائيـل, قال: أخبرنا أبو إسحاق, عن عُبـيدة بن ربـيعة, عن ابن مسعود, قال: مكتوب فـي التوراة علـى الله للذين تتـجافـى جنوبهم عن الـمضاجع ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر علـى قلب بشر, فـي القرآن فَلا تَعْلَـمُ نَفْسٌ ما أُخْفِـيَ لَهُمْ منْ قُرّةِ أعْيُن جَزَاءً بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي إسحاق, عن أبـي عبـيدة, عن عبد الله قال: خبىء لهم ما لا عين رأت, ولا أُذن سمعت, ولا خطر علـى قلب بشر. قال سفـيان: فـيـما علـمت علـى غير وجه الشكّ.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي إسحاق قال: سمعت أبـا عبـيدة, قال: قال عبد الله, قال, يعنـي الله: أعددت لعبـادي الصالـحين ما لـم تر عين, ولـم تسمع أذن, ولـم يخطر علـى قلب ناظر فَلا تَعْلَـمُ نَفْسٌ ما أُخْفِـيَ لَهُمْ منْ قُرّةِ أعْيُنِ جَزَاءً بِـما كانُوا يَعْمَلونَ.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن صلت, عن قـيس بن الربـيع, عن أبـي إسحاق, عن عبـيدة بن ربـيعة الـحارثـي, عن عبد الله بن مسعود, قال: إن فـي التوراة للذين تتـجافـى جنوبهم عن الـمضاجع من الكرامة, ما لـم تر عين, ولـم يخطر علـى قلب بشر, ولـم تسمع أذن, وإنه لفـي القرآن فَلا تَعْلَـمُ نَفْسٌ ما أُخْفِـيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُن.
21510ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا الأشجعي, عن ابن أبجر, قال: سمعت الشعبـيّ يقول: سمعت الـمغيرة بن شعبة يقول علـى الـمنبر: إن موسى صلى الله عليه وسلم سأل عن أبخس أهل الـجنة فـيها حظا, فقـيـل له: رجل يُؤتـى به وقد دخـل أهل الـجنة الـجنة, قال: فـيقال له: ادخـل, فـيقول: أين وقد أخذ الناس أَخَذاتهم؟ فـيقال: اعدد أربعة ملوك من ملوك الدنـيا, فـيكون لك مثل الذي كان لهم, ولك أخرى شهوة نفسك, فـيقول: أشتهي كذا وكذا, وأشتهي كذا ويقال: لك أخرى, لك لذّة عينك, فـيقول: ألذّ كذا وكذا, فـيقال: لك عشرة أضعاف مثل ذلك, وسأله عن أعظم أهل الـجنة فـيها حظا, فقال: ذاك شيء ختـمت علـيه يوم خـلقت السموات والأرض. قال الشعبـي: فإنه فـي القرآن: فَلا تَعْلَـمُ نَفْسٌ ما أُخْفِـيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ جَزَاءً بِـمَا كانُوا يَعْملونَ.
21511ـ حدثنـي أحمد بن مـحمد الطّوسي, قال: حدثنا الـحميدي, قال: حدثنا ابن عُيـينة وحدثنـي به القرقسانـي, عن ابن عيـينة, عن مطرف بن طريف, وابن أبجر, سمعنا الشعبـيّ يقول: سمعت الـمغيرة بن شعبة علـى الـمنبر يرفعه إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ مُوسَى سألَ رَبّهُ: أيْ رَبّ, أيّ أهْلِ الـجَنّةِ أدْنَى مَنْزِلةً؟ قال: رَجُلُ يَجيءُ بَعْدَ ما دَخَـلَ أهْلُ الـجَنّةِ الـجَنّةَ, فَـيُقالُ لَهُ: ادْخُـلْ, فَـيَقُولُ: كَيْفَ أدْخُـلُ وَقَدْ نَزَلُوا مَنازِلَهُمْ؟ فَـيُقالُ لَهُ: أتَرْضَى أنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ ما كانَ لِـمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدّنْـيا؟, فَـيَقُولُ: بَخ أيْ رَبّ قَدْ رَضِيتُ فَـيُقالُ لَهُ: إنّ لَكَ هَذَا وَمِثْلَهُ وَمِثْلهُ ومِثْلَهُ, فَـيَقُولُ: رَضِيتُ أيْ رَبّ رَضِيتُ, فَـيُقالُ لَهُ: إنّ لَكَ هَذَا وَعَشْرَةَ أمْثالِهِ مَعَهُ, فـيَقُول: رَضِيتُ أيْ رَبّ, فَـيُقالُ لَهُ: فإنّ لَكَ مَعَ هَذَا ما اشْتَهَتْ نَفْسُكَ, وَلَذّتْ عَيْنُكَ قالَ: فَقالَ مُوسَى: أيْ رَبّ, وأيّ أهْل الـجَنّةَ أرْفَعُ مَنْزِلَةً؟ قالَ: إيّاها أرَدْتُ, وسأُحَدّثُكَ عَنْهُمْ غَرَسْتُ لَهُمْ كَرَامَتِـي بِـيَدِي, وَخَتَـمْتُ عَلَـيْها, فَلا عَيْنٌ رأتْ, وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلا خَطَرَ عَلـى قَلْبِ بَشَرٍ. قالَ: وَمِصْدَاق ذلكَ فِـي كِتابِ اللّهِ فَلا تَعْلَـمُ نَفْسٌ ما أُخْفـيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ جَزَاءً بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ.
21512ـ حدثنا مـحمد بن منصور الطوسيّ, قال: حدثنا إسحاق بن سلـيـمان, قال: حدثنا عمرو بن أبـي قَـيْس, عن ابن أبـي لـيـلَـى, عن الـمنهال بن عمرو, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وكانَ عَرْشُهُ علـى الـمَاءِ وكان عرش الله علـى الـماء, ثم اتـخذ لنفسه جنة, ثم اتـخذ دونها أخرى, ثم أطبقها بلؤلؤة واحدة قال: ومن دونهما جنتان قال: وهي التـي لا تعلـم نفس, أو قال: هما التـي لا تعلـم نفس ما أخفـي لهم من قرّة أعين جزاء بـما كانوا يعملون. قال: وهي التـي لا تعلـم الـخلائق ما فـيها, أو ما فـيهما يأتـيهم كلّ يوم منها أو منهما تـحفة.
21513ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن عنبسة, عن سالـم الأفطس, عن سعيد بن جُبَـير, بنـحوه.
21514ـ حدثنا سهل بن موسى الرازيّ, قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم, عن صفوان بن عمرو, عن أبـي الـيـمان الهَوْزنـيّ أو غيره, قال: الـجنة مئة درجة, أوّلها درجة فضة, أرضها فضة, ومساكنها فضة, وآنـيتها فضة, وترابها الـمِسك. والثانـية ذهب, وأرضها ذهب, ومساكنها ذهب, وآنـيتها ذهب, وترابها الـمسك. والثالثة لؤلؤ, وأرضها لؤلؤ, ومساكنها لؤلؤ, وآنـيتها لؤلؤ, وترابها الـمسك. وسبع وتسعون بعد ذلك ما لا عينٌ رأته, ولا أذن سمعته, ولا خطر علـى قلب بشر, وتلا هذه الاَية فَلا تَعْلَـمُ نَفْسٌ ما أُخْفِـيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ جَزَاءً بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ.
21515ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا الـمـحاربـي وعبد الرحيـم, عن مـحمد بن عمرو, عن أبـي سلـمة, عن أبـي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قالَ اللّهُ: أعْدَدْتُ لِعِبـادِي الصّالِـحِينَ ما لا عَيْنٌ رأتْ, وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلا خَطَرَ عَلـى قَلْبِ بَشَرٍ, وَاقْرَءُوا إنْ شِئْتُـمْ, قالَ اللّهُ فَلا تَعْلَـمُ نَفْسٌ ما أُخْفِـيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ, جَزَاءً بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ».
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا أبو معاوية وابن نـمير, عن الأعمش, عن أبـي صالـح, عن أبـي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعْدَدْتُ لعِبـادِي الصّالِـحِينَ, ما لا عَيْنٌ رأتْ, وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلا خَطَرَ عَلـى قَلْبِ بَشَرٍ» قال أبو هريرة: ومن بله ما أطلعكم علـيه, اقرَءوا إن شئتـم: فَلا تَعْلَـمُ نَفْسٌ ما أُخْفِـيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ, جَزَاءً بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ قال أبو هريرة: نقرؤها: «قُرّاتِ أعيُنٍ».
21516ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا معتـمر بن سلـيـمان, عن الـحكم بن أبـان, عن الغطريف, عن جابر بن زيد, عن ابن عبـاس, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, عن الروح الأمين, قال: «يُؤْتَـى بِحَسَناتِ العَبْدِ وَسَيّئاتِهِ, فَـيَنْقُصُ بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ, فإنْ بَقِـيَتْ حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ, وَسّعَ اللّهُ لَهُ فِـي الـجَنّةِ» قال: فدخـلت علـى يزداد, فحدّث بـمثل هذا قال: قلت: فأين ذهبت الـحسنة؟ قال: أُولَئِكَ الّذِينَ نَتَقَبّلُ عَنْهُمْ أحْسَنَ ما عَمِلُوا, وَنَتَـجاوَزُ عَنْ سَيّئاتِهِمْ فِـي أصحابِ الـجَنّةِ وَعْدَ الصّدْقِ الّذِي كانُوا يُوعَدُونَ, قلت: قوله فَلا تَعْلَـمُ نَفْسٌ ما أُخْفِـيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ قال: العبد يعمل سرّا أسرّه إلـى الله لـم يعلـم به الناس, فأسرّ الله له يوم القـيامة قرّة عين.
21517ـ حدثنـي العبـاس بن أبـي طالب, قال: حدثنا معلـى بن أسد, قال: حدثنا سلام بن أبـي مطيع, عن قتادة, عن عقبة بن عبد الغافر, عن أبـي سعيد الـخدري, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, يروي عن ربه, قال: «أعْدَدْتُ لِعِبـادِيَ الصّالِـحينَ ما لا عَيْنٌ رأتْ, وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلا خَطَرَ عَلـى قَلْبِ بَشَرٍ».
21518ـ حدثنـي أبو السائب, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي أبو صخر, أن أبـا حازم حدثه, قال: سمعت سهل بن سعد يقول: شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مـجلسا وصف فـيه الـجنة حتـى انتهى, ثم قال فـي آخر حديثه: «فـيهَا ما لا عَيْنٌ رأتْ, وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلـى قَلْبِ بَشَرٍ» ثم قرأ هذه الاَية: تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـمَضَاجِعِ... إلـى قوله جَزَاءً بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ.
21519ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن عوف, عن الـحسن, قال: بلغنـي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قالَ رَبّكُمْ: أعْدَدْتُ لعِبـادِي الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ ما لا عَيْنٌ رأتْ, وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلا خَطَرَ عَلـى قَلْبِ بَشَرٍ».
21520ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يروي ذلك عن ربه, «قالَ رَبّكُمْ: أعْدَدْتُ لِعِبـادِي الصّالِـحِينَ ما لا عَيْنٌ رأتْ, وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلا خَطَرَ عَلـى قَلْبِ بَشَرٍ».
21521ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا سهل بن يوسف, عن عمرو, عن الـحسن فَلا تَعْلَـمُ نَفْسٌ ما أُخْفِـيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ قال: أخفوا عملاً فـي الدنـيا, فأثابهم الله بأعمالهم.
21522ـ حدثنـي القاسم بن بشر, قال: حدثنا سلـيـمان بن حرب, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن ثابت, عن أبـي رافع, عن أبـي هريرة, قال حماد: أحسبه عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ يَدْحُلِ الـجَنّةَ يَنْعَمْ وَلا يَبْؤُسْ, لا تَبْلَـى ثِـيابُهُ, وَلا يَفْنَى شَبـابُهُ, فـي الـجَنّةِ ما لا عَيْنٌ رأتْ, وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلا خَطَرَ عَلـى قَلْبِ بَشَرٍ».
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: فَلا تَعْلَـمُ نَفْسٌ ما أُخْفِـيَ لَهمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ فقرأ ذلك بعض الـمدنـيـين والبصريـين, وبعض الكوفـيـين: أُخْفِـيَ بضم الألف وفتـح الـياء بـمعنى فُعِل. وقرأ بعض الكوفـيـين: «أُخْفِـي لَهُمْ» بضم الألف وإرسال الـياء, بـمعنى أفعل, أخفـي لهم أنا.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان, متقاربتا الـمعنى, لأن الله إذا أخفـاه فهو مخفـى, وإذا أخفـى فلـيس له مخف غيره, و «ما» فـي قوله فَلا تَعْلَـمُ نَفْسٌ ما أُخْفِـيَ لَهُمْ فإنها إذا جعلت بـمعنى الذي كانت نصبـا بوقوع تعلـم علـيها كيف قرأ القارىء أخفـى, وإذا وجهت إلـى معنى أيّ كانت رفعا إذا قرىء أخفـى بنصب الـياء وضم الألف, لأنه لـم يسمّ فـاعله, وإذا قرىء أُخْفِـي بإرسال الـياء كانت نصبـا بوقوع أخفـي علـيها.
الآية : 18 -20
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاّ يَسْتَوُونَ * أَمّا الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنّاتُ الْمَأْوَىَ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَأَمّا الّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ النّارُ كُلّمَآ أَرَادُوَاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ النّارِ الّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: أفهذا الكافر الـمكذّب بوعد الله ووعيده, الـمخالف أمر الله ونهيه, كهذا الـمؤمن بـالله, الـمصدّق بوعده ووعيده, الـمطيع له فـي أمره ونهيه؟ كلا لا يستوون عند الله. يقول: لا يعتدل الكفّـار بـالله, والـمؤمنون به عنده, فـيـما هو فـاعل بهم يوم القـيامة. وقال: لا يَسْتَوُونَ فجمع, وإنـما ذكر قبل ذلك اثنـين: مؤمنا, وفـاسقا, لأنه لـم يرد بـالـمؤمن: مؤمنا واحدا, وبـالفـاسق: فـاسقا واحدا, وإنـما أريد به جميع الفسّاق, وجميع الـمؤمنـين بـالله. فإذا كان الاثنان غير مصمود لهما, ذهبت بهما العرب مذهب الـجمع.
وذُكر أن هذه الاَية نزلت فـي علـيّ بن أبـي طالب, رضوان الله علـيه, والولـيد بن عُقبة. ذكر من قال ذلك:
21523ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, قال: ثنـي ابن إسحاق, عن بعض أصحابه, عن عطاء بن يسار, قال: نزلت بـالـمدينة, فـي علـيّ بن أبـي طالب, والولـيد بن عقبة بن أبـي معيط كان بـين الولـيد وبـين علـيّ كلام, فقال الولـيد بن عقبة: أنا أبسط منك لسانا, وأحدّ منك سنانا, وأردّ منك للكتـيبة, فقال علـيّ: اسكت, فإنك فـاسق, فأنزل الله فـيهما: أفمَنْ كانَ مُؤْمِنا كمَنْ كانَ فـاسِقا لا يَسْتَوُونَ... إلـى قوله بِهِ تُكَذّبُونَ.
21524ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله أفمَنْ كانَ مُؤْمِنًا كمَنْ كانَ فـاسِقا لا يَسْتَوُونَ قال: لا والله ما استووا فـي الدنـيا, ولا عند الـموت, ولا فـي الاَخرة.
وقوله: أمّا الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالـحِاتِ فَلَهُمْ جَنّاتُ الـمأْوَى يقول تعالـى ذكره: أما الذين صدّقوا الله ورسوله, وعملوا بـما أمرهم الله ورسوله, فلهم جنات الـمأوى: يعنـي بساتـين الـمساكن التـي يسكنونها فـي الاَخرة ويأوون إلـيها. وقوله: نُزُلاً بِـما كانُوا يَعْمَلُونَ يقول: نزلاً بـما أنزلهموها جزاء منه لهم بـما كانوا يعملون فـي الدنـيا بطاعته. وقوله: وأمّا الّذِينَ فَسَقُوا يقول تعالـى ذكره: وأما الذين كفروا بـالله, وفـارقوا طاعته فَمأْوَاهُمُ النّارُ يقول: فمساكنهم التـي يأوون إلـيها فـي الاَخرة النار كُلّـما أرَادوا أنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِـيهَا وَقِـيـلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النّارِ الّذِي كُنْتُـمْ بِهِ فـي الدنـيا تُكَذّبُونَ أن الله أعدّها لأهل الشرك به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21525ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وأمّا الّذِينَ فَسَقُوا أشركوا وَقِـيـلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النّارِ الّذِي كُنْتُـمْ به تُكَذّبُونَ والقوم مكذّبون كما ترون