تفسير الطبري تفسير الصفحة 493 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 493
494
492
 الآية : 48
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا نُرِيِهِم مّنْ آيَةٍ إِلاّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وما نري فرعون وملأه آية, يعني: حجته لنا عليه بحقيقة ما يدعوه إليه رسولنا موسى إلاّ هِيَ أكْبَرُ مِنْ أُخْتِها يقول: إلا التي نريه من ذلك أعظم في الحجة عليهم وأوكد من التي مضت قبلها من الاَيات, وأدلّ على صحة ما يأمره به موسى من توحيد الله.
وقوله: وأخَذْناهُمْ بالعَذابِ يقول: وأنزلنا بهم العذاب, وذلك كأخذه تعالى ذكره إياهم بالسنين, ونقص من الثمرات, وبالجراد, والقُمّل, والضفادع, والدم.
وقوله: لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ يقول: ليرجعوا عن كفرهم بالله إلى توحيده وطاعته, والتوبة مما هم عليه مقيمون من معاصيهم. كما: 23882ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأخَذْناهُمْ بالعَذَاب لَعَلّهُم يَرْجِعُونَ أي يتوبون, أو يذكرون.
الآية : 49-50
!!! ============= لا يوجد فى الأصل !!!===========
الآية : 51
القول في تأويل قوله تعالى: {وَنَادَىَ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيَ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وَنادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ من القبط, فقالَ يا قَوْم ألَيْسَ لي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي, أفَلا تُبْصِرُونَ يعني بقوله: مِنْ تَحْتِي: من بين يديّ في الجنان. كما:
23886ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَهَذِهِ الأنهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي قال: كانت لهم جنات وأنهار ماء.
وقوله: أفَلا تُبْصِرُونَ يقول: أفلا تبصرون أيها القوم ما أنا فيه من النعيم والخير, وما فيه موسى من الفقر وعيّ اللسان, افتخر بملكه مصر عدوّ الله, وما قد مكّن له من الدنيا استدراجا من الله له, وحسب أن الذي هو فيه من ذلك ناله بيده وحوله, وأن موسى إنما لم يصل إلى الذي يصفه, فنسبه من أجل ذلك إلى المهانة محتجا على جهلة قومه بأن موسى عليه السلام لو كان محقا فيما يأتي به من الاَيات والعبر, ولم يكن ذلك سحرا, لأكسب نفسه من المُلك والنعمة, مثل الذي هو فيه من ذلك جهلاً بالله واغترارا منه بإملائه إياه.
الآية : 52-53
القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مّنْ هَـَذَا الّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ الْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ }.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل فرعون لقومه بعد احتجاجه عليهم بملكه وسلطانه, وبيان لسانه وتمام خلقه, وفضل ما بينه وبين موسى بالصفات التي وصف بها نفسه وموسى: أنا خير أيها القوم, وصفتي هذه الصفة التي وصفت لكم, أمْ هَذَا الّذِي هُوَ مَهِينٌ لا شيء له من المُلك والأموال مع العلة التي في جسده, والاَفة التي بلسانه, فلا يكاد من أجلها يبين كلامه؟
وقد اختُلف في معنى قوله: أمْ في هذا الموضع, فقال بعضهم: معناها: بل أنا خير, وقالوا: ذلك خبر, لا استفهام. ذكر من قال ذلك:
23887ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قوله: أمْ أنا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الّذِي هُوَ مَهِينٌ قال: بل أنا خير من هذا. وبنحو ذلك كان يقول بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة.
وقال بعض نحويي الكوفة, هو من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله. قال: وإن شئت رددته على قوله: ألَيْسَ لي مُلْكُ مِصْرَ؟ وإذا وجه الكلام إلى أنه استفهام, وجب أن يكون في الكلام محذوف استغني بذكر ما ذكر مما ترك ذكره, ويكون معنى الكلام حينئذٍ: أنا خير أيها القوم من هذا الذي هو مهين, أم هو؟.
وذُكر عن بعض القرّاء أنه كان يقرأ ذلك «أما أنا خَيْرٌ».
23888ـ حُدثت بذلك عن الفرّاء قال: أخبرني بعض المشيخة أنه بلغه أن بعض القرّاء قرأ كذلك, ولو كانت هذه القراءة قراءة مستفيضة في قَرَأة الأمصار لكانت صحيحة, وكان معناها حسنا, غير أنها خلاف ما عليه قرّاء الأمصار, فلا أستجيز القراءة بها, وعلى هذه القراءة لو صحّت لا كلفة له في معناها ولا مؤونة.
والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار. وأولى التأويلات بالكلام إذ كان ذلك كذلك, تأويل من جعل: أمْ أنا خَيْرٌ؟ من الاستفهام الذي جعل بأم, لاتصاله بما قبله من الكلام, ووجهه إلى أنه بمعنى: أأنا خير من هذا الذي هو مهين؟ أم هو؟ ثم ترك ذكر أم هو, لما في الكلام من الدليل عليه. وعنى بقوله: مِنْ هَذَا الّذِي هُوَ مَهِينٌ: من هذا الذي هو ضعيف لقلّة ماله, وأنه ليس له من الملك والسلطان ماله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23889ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أمْ أنا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الّذِي هُوَ مَهِين قال: ضعيف.
23890ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ مِنْ هَذَا الّذِي هُوَ مَهِينٌ قال: المهين: الضعيف.
وقوله: وَلا يَكادُ يُبِينُ يقول: ولا يكاد يُبين الكلام من عِيّ لسانه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23891ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَلا يَكادُ يُبِينُ: أي عَيّ اللسان.
23892ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَلا يَكادُ يُبِينُ الكلام.
وقوله: فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ يقول: فهلا أُلقي على موسى إن كان صادقا أنه رسول ربّ العالمين أسورة من ذهب, وهو جمع سوار, وهو القُلْب الذي يجعل في اليد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23893ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَب يقول: أقلبة من ذهب.
23894ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ: أي أقلبة من ذهب.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة والكوفة «فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَساوِرَةٌ مِنْ ذَهَب». وذُكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأه أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ.
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي ما عليه قَرَأة الأمصار, وإن كانت الأخرى صحيحة المعنى.
واختلف أهل العربية في واحد الأساورة, والأسورة, فقال بعض نحويّي البصرة: الأسورة جمع إسوار قال: والأساورة جمع الأسورة وقال: ومن قرأ ذلك أساورة, فإنه أراد أساوير والله أعلم, فجعل الهاء عوضا من الياء, مثل الزنادقة صارت الهاء فيها عوضا من الياء التي في زناديق. وقال بعض نحويّي الكوفة: من قرأ أساورة جعل واحدها إسوار ومن قرأ أسورة جعل واحدها سوار وقال: قد تكون الأساورة جمع أسورة كما يقال في جمع الأسقية الأساقي, وفي جمع الأكرع الأكارع. وقال آخر منهم قد قيل في سوار اليد: يجوز فيه أُسْوار وإسْوار قال: فيجوز على هذه اللغة أن يكون أساورة جمعه. وحُكي عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: واحد الأساورة إسوار قال: وتصديقه في قراءة أبيّ بن كعب «فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أساوِرَةٌ مِنْ ذَهَب» فإن كان ما حُكي من الرواية من أنه يجوز أن يقال في سوار اليد إسوار, فلا مؤونة في جمعه أساورة, ولست أعلم ذلك صحيحا عن العرب برواية عنها, وذلك أن المعروف في كلامهم من معنى الإسوار: الرجل الرامي, الحاذق بالرمي من رجال العجم. وأما الذي يُلبس في اليد, فإن المعروف من أسمائه عندهم سوارا. فإذَا كان ذلك كذلك, فالذي هو أولى بالأساورة أن يكون جمع أسورة على ما قاله الذي ذكرنا قوله في ذلك.
وقوله: أوْ جاءَ مَعَهُ المَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ يقول: أو هلا إن كان صادقا جاء معه الملائكة مقترنين قد اقترن بعضهم ببعض, فتتابَعُوا يشهدون له بأنه لله رسول إليهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل على اختلاف منهم في العبارة على تأويله, فقال بعضهم: يمشون معا. ذكر من قال ذلك:
23895ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: المَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ قال: يمشون معا.
وقال آخرون: متتابعين. ذكر من قال ذلك:
23896ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أوْ جاءَ مَعَهُ المَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ: أي متتابعين.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.
وقال آخرون: يقارن بعضهم بعضا. ذكر من قال ذلك:
23897ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ أوْ جاءَ مَعَهُ المَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ قال: يقارن بعضهم بعضا.
الآية : 54-55
القول في تأويل قوله تعالى: {فَاسْتَخَفّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ * فَلَمّآ آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ }.
يقول تعالى ذكره: فاستخفّ فرعون خلقا من قومه من القبط, بقوله الذي أخبر الله تبارك وتعالى عنه أنه قال لهم, فقبلوا ذلك منه فأطاعوه, وكذّبوا موسى, وقال الله: وإنما أطاعوا فاستجابوا لما دعاهم إليه عدوّ الله من تصديقه, وتكذيب موسى, لأنهم كانوا قوما عن طاعة الله خارجين بخذلانه إياهم, وطبعه على قلوبهم, يقول الله تبارك وتعالى: فَلَمّا آسَفُونا يعني بقوله: آسفونا: أغضبونا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23898ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: فَلَمّا آسَفُونا يقول: أسخطونا.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, فَلَمّا آسَفُونا يقول: لما أغضبونا.
23899ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد فَلَمّا آسَفُونا: أغضبونا.
23900ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَلَمّا آسَفُونا قال: أغضبوا ربهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة فَلَمّا آسَفُونا قال: أغضبونا.
23901ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ فَلَمّا آسَفُونا قال: أغضبونا, وهو على قول يعقوب: يا أسَفِي عَلى يُوسُفَ قال: يا حزَني على يوسف.
23902ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ قال: أغضبونا, وقوله: انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ يقول: انتقمنا منهم بعاجل العذاب الذي عجّلناه لهم, فأغرقناهم جميعا في البحر.
الآية : 56-57
القول في تأويل قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لّلاَخِرِينَ * وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ }.
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الكوفة غير عاصم «فَجَعَلْناهُمْ سُلُفا» بضم السين واللام, توجيها ذلك منهم إلى جمع سليف من الناس, وهو المتقدّم أمام القوم. وحَكى الفراء أنه سمع القاسم بن معن يذكر أنه سمع العرب تقول: مضى سليف من الناس. وقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وعاصم: فَجَعَلْناهُمْ سَلَفا بفتح السين واللام. وإذا قُرىء كذلك احتمل أن يكون مرادا به الجماعة والواحد والذكر والأنثى, لأنه يُقال للقوم: أنتم لنا سلف, وقد يُجمع فيقال: هم أسلاف ومنه الخبر الذي رُوي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يَذْهَب الصّالِحُونَ أَسْلافا». وكان حُميد الأعرج يقرأ ذلك: «فَجَعَلْناهُمْ سُلَفا» بضم السين وفتح اللام, توجيها منه ذلك إلى جمع سلفة من الناس, مثل أمة منهم وقطعة.
وأولى القراءات في ذلك بالصواب قراءة من قرأه بفتح السين واللام, لأنها اللغة الجوداء, والكلام المعروف عند العرب, وأحقّ اللغات أن يُقرأ بها كتاب الله من لغات العرب أفصحها وأشهرها فيهم. فتأويل الكلام إذن: فجعلنا هؤلاء الذين أغرقناهم من قوم فرعون في البحر مقدّمة يتقدمون إلى النار, كفار قومك يا محمد من قريش, وكفار قومك لهم بالأثر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23903ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: فَجَعَلْناهُمْ سَلَفا وَمَثَلاً للاَخرِين قال: قوم فرعون كفارهم سلفا لكفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
23904ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَجَعَلْناهُمْ سَلَفا في النار.
23905ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر: فَجَعلْناهُمْ سَلَفا قال: سلفا إلى النار.
وقوله: وَمَثَلاً للاَخِرِينَ يقول: وعبرة وعظة يتعظ بهم مَنْ بعدهم من الأمم, فينتهوا عن الكفر بالله. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23906ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَمَثَلاً للاَخِرِينَ قال: عبرة لمن بعدهم.
23907ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَمَثَلاً للاَخِرِينَ: أي عظة للاَخرين.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَمَثَلاً للاَخِرِينَ: أي عظة لمن بعدهم.
23908ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ فَجَعَلْناهُمْ سَلَفا وَمَثَلاً قال: عبرة.
وقوله: وَلما ضُربَ ابْنُ مَرْيَم مَثَلاً يقول تعالى ذكره: ولما شبه الله عيسى في إحداثه وإنشائه إياه من غير فحل بآدم, فمثّله به بأنه خلقه من تراب من غير فحل, إذا قومك يا محمد من ذلك يضجون ويقولون: ما يريد محمد منا إلاّ أن نتخذه إلها نعبده, كما عبدت النصارى المسيح. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم بنحو الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك:
23909ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله عزّ وجلّ: إذَا قَوْمُكَ منْهُ يَصِدّونَ قال: يضجون قال: قالت قريش: إنما يريد محمد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى.
23910ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: لما ذُكر عيسى بن مريم جزعت قريش من ذلك, وقالوا: يا محمد ما ذكرت عيسى بن مريم, وقالوا: ما يريد محمد إلاّ أن نصنع به كما صنعت النصارى بعيسى بن مريم, فقال الله عزّ وجلّ: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: لما ذُكر عيسى في القرآن قال مشركو قريش: يا محمد ما أردت إلى ذكر عيسى؟ قال: وقالوا: إنما يريد أن نحبه كما أحبّت النصارى عيسى.
وقال آخرون: بل عنى بذلك قول الله عزّ وجلّ إنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّمَ أنْتُمْ لَهَا وَارِدُون قِيلُ المشركين عند نزولها: قد رضينا بأن تكون آلهتنا مع عيسى وعُزَير والملائكة, لأن كل هؤلاء مما يُعبد من دون الله, قال الله عزّ وجلّ: ولَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ وقالوا: أآلهتنا خير أم هو؟ ذكر من قال ذلك:
23911ـ حدثني محمد بن سعد قال, ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: ولَمّا ضُربَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ قال: يعني قريشا لما قيل لهم إنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّمَ أنْتُمْ لَهَا وَارِدُون فقالت له قريش: فما ابن مريم؟ قال: ذاك عبد الله ورسوله, فقالوا: والله ما يريد هذا إلاّ أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم ربا, فقال الله عزّ وجلّ: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدَلاً, بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: يَصِدّونَ, فقرأته عامة قرّاء المدينة, وجماعة من قرّاء الكوفة: «يَصُدّونَ» بضم الصاد. وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة والبصرة يَصِدّونَ بكسر الصاد.
واختلف أهل العلم بكلام العرب في فرق ما بين ذلك إذا قُرىء بضم الصاد, وإذا قُرىء بكسرها, فقال بعض نحويّي البصرة, ووافقه عليه بعض الكوفيين: هما لغتان بمعنى واحد, مثل يشُدّ ويشِدّ, ويَنُمّ ويَنِمّ من النميمة. وقال آخر: منهم من كسر الصاد فمجازها يضجون, ومن ضمها فمجازها يعدلون. وقال بعض من كسرها: فإنه أراد يضجون, ومن ضمها فإنه أراد الصدود عن الحقّ.
23912ـ حُدثت عن الفرّاء قال: ثني أبو بكر بن عياش, أن عاصما ترك يصدّون من قراءة أبي عبد الرحمن, وقرأ يصدّون, قال: قال أبو بكر. حدثني عاصم, عن أبي رزين, عن أبي يحيى, أن ابن عباس لقي ابن أخي عبيد بن عمير, فقال: إن عمك لعربيّ, فما له يُلحِن في قوله: «إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصُدّونَ», وإنما هي يَصِدّونَ.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان, ولغتان مشهورتان بمعنى واحد, ولم نجد أهل التأويل فرّقوا بين معنى ذلك إذا قرىء بالضمّ والكسر, ولو كان مختلفا معناه, لقد كان الاختلاف في تأويله بين أهله موجودا وجود اختلاف القراءة فيه باختلاف اللغتين, ولكن لما لم يكن مختلف المعنى لم يختلفوا في أن تأويله: يضجون ويجزعون, فبأيّ القراءتين قرأ القارىء فمصيب. ذكر ما قلنا في تأويل ذلك:
23913ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ قال: يضجون.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ يقول: يضجون.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا أبو حمزة, عن المُغيرة الضبيّ, عن الصعب بن عثمان قال: كان ابن عباس يقرأ إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ, وكان يفسرها يقول: يضجون.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن عاصم, عن أبي رزين, عن ابن عباس إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ قال: يضجون.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن شعبة عن عاصم عن أبي رزين, عن ابن عباس بمثله.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح عن مجاهد, في قول الله عزّ وجلّ: إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ قال: يضجون.
23914ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ: أي يجزعون ويضجون.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن عاصم بن أبي النّجود, عن أبي صالح, عن ابن عباس أنه قرأها يَصِدّون: أي يضجون, وقرأ عليّ رضي الله عنه يَصِدّونَ.
23915ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ قال: يضجون.
23916ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ قال: يضجون.
الآية : 58-60
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُوَاْ أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لّبَنِيَ إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مّلاَئِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وقال مشركو قومك يا محمد: آلهتنا التي نعبدها خير؟ أم محمد فنعبد محمدا؟ ونترك آلهتنا؟. وذُكر أن ذلك في قراءة أُبيّ بن كعب: أآلِهَتُنا خَيْرٌ أمْ هَذَا. ذكر الرواية بذلك:
23917ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور عن معمر, عن قتادة أن في حرف أبي بن كعب وَقَالُوا أآلهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هَذا يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم. وقال آخرون: بل عني بذلك: آلهتنا خير أم عيسى؟. ذكر من قال ذلك:
23918ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: وَقالُوا أآلِهَتُنا خَيْرٌ أمْ هُوَ؟ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدَلاً, بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ قال: خاصموه, فقالوا: يزعم أن كلّ من عبد من دون الله في النار, فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعُزير والملائكة هؤلاء قد عُبدوا من دون الله, قال: فأنزل الله براءة عيسى.
23919ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: أآلِهَتُنا خَيْرٌ قال: عَبَدَ هؤلاء عيسى, ونحن نعبد الملائكة.
وقوله: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ... إلى فِي الأرْض يخْلُفُونَ. وقوله تعالى ذكره: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلا جَدَلاً يقول تعالى ذكره: ما مثلوا لك هذا المثل يا محمد هؤلاء المشركين في محاجتهم إياك بما يحاجونك به طلب الحق بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ يلتمسون الخصومة بالباطل.
وذُكر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما ضَلّ قَوْمٌ عَنِ الحَقّ إلاّ أُوتُوا الجَدَلَ». ذكر الرواية ذلك:
23920ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا يعلى, قال: حدثنا الحجاج بن دينار, عن أبي غالب عن أبي أُمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ضَلّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كانُوا عَلَيْهِ إلاّ أُوتُوا الجَدَلَ, وقرأ: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدَلاً... الاَية».
حدثني موسى بن عبد الرحمن الكندي وأبو كُرَيب قالا: حدثنا محمد بن بشر, قال: حدثنا حجاج بن دينار, عن أبي غالب, عن أبي أُمامة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن, عن عباد بن عباد عن جعفر بن القاسم, عن أبي أُمامة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, خرج على الناس وهم يتنازعون في القرآن, فغضب غضبا شديدا, حتى كأنما صبّ على وجهه الخلّ, ثم قال صلى الله عليه وسلم: «لا تَضْربُوا كِتابَ اللّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ, فإنّهُ ما ضَلّ قَوْمٌ قَطّ إلاّ أُوتُو الجَدَلَ», ثم تلا: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدَلاً بَل هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ.
وقوله: إنْ هُوَ إلاّ عَبْدٌ أنْعَمْنا عَلَيْهِ يقول تعالى ذكره: فما عيسى إلا عبد من عبادنا, أنعمنا عليه بالتوفيق والإيمان, وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل, يقول: وجعلناه آية لبني إسرائيل, وحجة لنا عليهم بإرسالناه إليهم بالدعاء إلينا, وليس هو كما تقول النصارى من أنه ابن الله تعالى, تعالى الله عن ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23921ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: إنْ هُوَ إلاّ عَبْدٌ أنْعَمْنَا عَلَيْهِ يعني بذلك عيسى ابن مريم, ما عدا ذلك عيسى ابن مريم, إن كان إلا عبدا أنعم الله عليه.
وبنحو الذي قلنا أيضا في قوله: وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إسْرَائِيلَ قالوا. ذكر من قال ذلك:
23922ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن قتادة مَثَلاً لِبَنِي إسْرَائِيلَ أحسبه قال: آية لبني إسرائيل.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إسْرَائِيل أي آية.
قوله: وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ يقول تعالى ذكره: ولو نشاء معشر بني آدم أهلكناكم, فأفنينا جميعكم, وجعلنا بدلاً منكم في الأرض ملائكة يخلفونكم فيها يعبدونني وذلك نحو قوله تعالى ذكره: إنْ يَشأْ يُذْهِبْكُمْ أيّها النّاسُ وَيأْتِ بآخَرِينَ وكانَ اللّهُ على ذلكَ قَدِيرا وكما قال: إنْ يَشأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدكُمْ ما يَشاءُ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل, غير أن منهم من قال: معناه: يخلف بعضهم بعضا. ذكر من قال ذلك:
23923ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ يقول: يخلف بعضهم بعضا.
23924ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ قال: يعمرون الأرض بدلاً منكم.
23925ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: مَلائِكَةً فِي الأرْض يَخْلفُونَ قال: يخلف بعضهم بعضا, مكان بني آدم.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ لو شاء الله لجعل في الأرض ملائكة يخلف بعضهم بعضا.
23926ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ قال: خلفا منكم