تفسير الطبري تفسير الصفحة 85 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 85
086
084
 الآية : 38
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ النّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الاَخِرِ وَمَن يَكُنِ الشّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً }..
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وأعتدنا للكافرين بالله من اليهود الذين وصف الله صفتهم عذابا مهينا. {وَالّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النّاسِ} «والذين» في موضع خفض عطفا على «الكافرين». وقوله: {رِئَاءَ النّاسِ} يعني: ينفقه مراءاة الناس في غير طاعة الله أو غير سبيله, ولكن في سبيل الشيطان. {وَلا يُؤْمِنُونَ باللّهِ وَلا باليَوْمِ الاَخِرِ} يقول: ولا يصدّقون بواحدنية الله ولا بالميعاد إليه يوم القيامة, الذي فيه جزاء الأعمال أنه كائن. وقد قال مجاهد: إن هذا من صفة اليهود, وهو صفة أهل النفاق الذين كانوا أهل شرك فأظهروا الإسلام تقية من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الإيمان به, وهم على كفرهم مقيمون أشبه منهم بصفة اليهود¹ لأن اليهود كانت توحد الله وتصدّق بالبعث والمعاد, وإنما كان كفرها تكذيبها بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم. وبعد ففي فصل الله بين صفة الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاَخر, وصفة الفريق الاَخر الذين وصفهم في الاَية قبلها, وأخبر أن لهم عذابا مهينا, بالواو الفاصلة بينهم ما ينبىء عن أنهما صفتان من نوعين من الناس مختلفي المعاني, وإن كان جميعهم أهل كفر بالله. ولو كانت الصفتان كلتماهما صفة نوع من الناس لقيل إن شاء الله: وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا, الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس. ولكن فصل بينهم بالواو لما وصفنا.
فإن ظنّ ظانّ أن دخول الواو غير مستنكر في عطف صفة على صفة لموصوف واحد في كلام العرب؟ قيل: ذلك وإن كان كذلك, فإن الأفصح في كلام العرب إذا أريد ذلك ترك إدخال الواو, وإذا أريد بالثاني وصف آخر غير الأوّل أدخل الواو. وتوجيه كلام الله إلى الأفصح الأشهر من كلام من نزل بلسانه كتابه أولى بنا من توجيهه إلى الأنكر من كلامهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَنْ يَكُنِ الشّيْطانُ لَهُ قَرِينا فَساءَ قَرِين}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ومن يكن الشيطان له خليلاً وصاحبا يعمل بطاعته ويتبع أمره ويترك أمر الله في إنفاقه ماله رئاء الناس في غير طاعته, وجحوده وحدانية الله والبعث بعد الممات¹ {فساءَ قرِين} يقول: فساء الشيطان قرينا. وإنما نصب القرين, لأن في «ساء» ذكرا من الشيطان, كما قال جلّ ثناؤه: {بِئْسَ للظّالِمِينَ بَدَل}, وكذلك تفعل العرب في ساء ونظائرها, ومنه قول عديّ بن زيد:
عَنِ المَرْءِ لا تَسألْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِفَكُلّ قَرِينٍ بالمُقارِنِ يَقْتَدِي
يريد بالقرين: الصاحب والصديق.
الآية : 39
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمّا رَزَقَهُمُ اللّهُ وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيماً }..
يعني بذلك جلّ ثناؤه: أيّ شيء على هؤلاء الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس, ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الاَخر, لو آمنوا بالله واليوم الاَخر, لو صدّقوا بأن الله واحد لا شريك له, وأخلصوا له التوحيد, وأيقنوا بالبعث بعد الممات, وصدّقوا بأن الله مجازيهم بأعمالهم يوم القيامة {وأنفقُوا ممّا رزقهُم اللّهُ} يقول وأدّوا زكاة أموالهم التي رزقهم الله, وأعطاهموها طيبة بها أنفسهم, ولم ينفقوها رئاء الناس التماس الذكر والفخر عند أهل الكفر بالله, والمحمدة بالباطل عند الناس, وكان الله بهؤلاء الذين وصف صفتهم أنهم ينفقون أموالهم رئاء الناس نفاقا, وهم بالله واليوم الاَخر مكذّبون, عليما, يقول: ذا علم بهم وبأعمالهم وما يقصدون ويريدون بانفاقهم, وما ينفقون من أموالهم, وأنهم يريدون بذلك الرياء والسمعة والمحمدة في الناس, وهو حافظ عليهم أعمالهم, لا يخفى عليه شيء منها حتى يجازيهم بها جزاءهم عنا معادهم إليه.
الآية : 40
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً }..
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الاَخر, وأنفقوا مما رزقهم الله, فإن الله لا يبخس أحدا من خلقه أنفق في سبيله مما رزقه من ثواب نفقته في الدنيا ولا من أجرها يوم القيامة {مِثْقَالَ ذَرّةٍ} أي ما يزنها ويكون على قدر ثقلها في الوزن, ولكنه يجازيه به, ويثيبه عليه. كما:
7619ـ حدثنا الحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة أنه تلا: {إنّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرّةٍ وَإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْه} قال: لأن تفضل حسناتي ما يزن ذرّة أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها.
7620ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: كان بعض أهل العلم يقول: لأن تفضل حسناتي على سيئاتي ما يزن ذرّة أحبّ إليّ من أن تكون لي الدنيا جميعا.
وأما الذرّة, فإنه ذكر عن ابن عباس أنه قال فيها, كما:
7621ـ حدثني إسحاق بن وهب الواسطي, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا شبيب بن بشر, عن عكرمة, عن ابن عباس, في قوله: {مِثْقالَ ذَرّةٍ} قال: رأس نملة حمراء.
قال لي إسحاق بن وهب: قال يزيد بن هارون: زعموا أن هذه الدودة الحمراء ليس لها وزن. وبنحو الذي قلنا في ذلك صحت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
7622ـ حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار, قالا: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا عمران, عن قتادة, عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «إنّ اللّهَ لا يَظْلِمُ المُؤْمِنَ حَسَنَةً, يُثابُ عَلَيْها الرّزْقَ فِي الدّنْيا وُيجْزَى بها فِي الاَخِرَةِ¹ وأمّا الكافِرُ فَيُطْعَمُ بها فِي الدّنْيا, فإذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ لَمْ تَكُنْ لَه حَسَنَةً».
7623ـ حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي, قال: حدثنا جعفر بن عون, قال: حدثنا هشام بن سعد, قال: أخبرنا زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار: «وَالّذِي نَفْسي بِيَدِهِ ما أحَدُكُمْ بِأشَدّ مُناشَدَةً فِي الحَقّ يَرَاه مُصيبا لَه, مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي إخْوَانِهِمْ إذَا رأوْا أنْ قَدْ خَلَصُوا مِنَ النّار يَقُولُونَ: أيْ رَبّنا إخْوَانُنا كانُوا يُصَلّونَ مَعَنا وَيَصُومُونَ مَعَنا وَيحُجّونَ مَعَنا ويُجاهِدُونَ مَعَنا, قَدْ أخَذَتْهُمُ النّارُ! فَيَقُولُ اللّهُ لَهُمْ: اذْهَبُوا فَمَنْ عَرَفْتُمْ صورَتَه فأخْرِجُوه! ويحَرّمُ صورَتهُمْ على النّارِ, فَيَجِدونَ الرّجُلَ قَدْ أخَذَتْه النّارُ إلى أنْصَاف ساقَيْهِ وإلى رُكْبَتَيْهِ وإلى حَقْوَيْهِ, فَيُخْرِجُونَ مِنْها بَشَرا كَثِيرا, ثُمّ يَعُودُونَ فَيَتَكَلّمُونَ, فَيَقُولُ: اذْهَبُوا لِمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقالَ قِيرَاطِ خَيْرٍ فأخْرِجُوهُ! فَيُخْرِجُونَ مِنْها بَشَرا كَثِيرا, ثُمّ يَعُودُونَ فَيَتَكَلّمُونَ, فَلا يَزَالُ يَقولُ لَهُمْ ذَلِكَ حتى يَقُولَ: اذْهَبُوا, فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقالَ ذَرّةٍ فأخْرِجُوهُ!» ـ فكان أبو سعيد إذا حدّث بهذا الحديث, قال: إن لم تصدّقوا فاقرءوا: {إنّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرّةٍ وَإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْها وَيُؤتِ مِنْ لَدُنْهُ أجْرا عظيم} فيقولون: «رَبّنا لم نَذَرْ فيها خَيْرا».
وحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: ثني أبي وشعيب بن الليث, عن الليث عن خالد بن يزيد, عن ابن أبي هلال, عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن أبي سعيد الخدريّ, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وقال آخرون في ذلك. بما:
7624ـ حدثني به المثنى, قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم, قال: حدثنا صدقة بن أبي سهل, قال: حدثنا أبو عمرو, عن زاذان, قال: أتيت ابن مسعود, فقال: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأوّلين والاَخرين, ثم نادى مناد من عند الله: «ألا من كان يطلب مظلمة, فليجىءْ إلى حقه فليأخذه!» قال: فيفرح والله الصبيّ أن يذوب له الحقّ على والده أو ولده أو زوجته, فيأخذه منه وإن كان صغيرا. ومصداق ذلك في كتاب الله تبارك وتعالى: {فإذَا نُفِخَ فِي الصّورِ فَلا أنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ} فيقال له: «آت هؤلاء حقوقهم» أي أعطهم حقوقهم. فيقول: أي ربّ من أين وقد ذهبت الدنيا؟ فيقول الله لملائكته: أي ملائكتي انظروا في أعماله الصالحة, وأعطوهم منها! فإن بقي مثقال ذرة من حسنة, قالت الملائكة وهو أعلم بذلك منها: يا ربنا أعطيْنا كلّ ذي حقّ حقه, وبقي له مثقال ذرّة من حسنة. فيقول للملائكة: ضعّفوها لعبدي, وأدخلوه بفضل رحمتى الجنة! ومصداق ذلك في كتاب الله: {إنّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرّةٍ وَإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْها وَيُؤتِ مِنْ لَدُنْهُ أجْرا عَظِيم}: أي الجنة يعطيها. وإن فنيت حسناته وبقيت سيئاته, قالت الملائكة وهو أعلم بذلك: إلهنا فنيت حسناته وبقي سيئاته, وبقي طالبون كثير! فيقول الله: ضعوا عليها من أوزارهم واكتبوا له كتابا إلى النار! قال صدقة: «أو صكّا إلى جهنم», شكّ صدقة أيتهما قال.
7625ـ وحُدثت عن محمد بن عبيد, عن هارون بن عنترة, عن عبد الله بن السائب, قال: سمعت زاذان يقول: قال عبد الله بن مسعود: يأخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة, فينادي منادٍ على رؤوس الأوّلين والاَخرين: هذا فلان ابن فلان, من كان له حقّ فليأت إلى حقه! فتفرح المرأة أن يذوب لها الحقّ على أبيها, أو على ابنها, أو على أخيها, أو على زوجها, ثم قرأ ابن مسعود: {فَلا أنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ} فيغفر الله تبارك وتعالى من حقه ما شاء, ولا يغفر من حقوق الناس شيئا, فينصب للناس فيقول: آتوا إلى الناس حقوقهم! فيقول: ربّ فنيت الدنيا من أين أوتيهم حقوقهم؟ فيقول: خذوا من أعماله الصالحة, فأعطوا كل ذي حقّ حقه بقدر مظلمته, فإن كان وليا لله, ففضل له مثقال ذرّة ضاعفها له حتى يدخله بها الجنة! ـ ثم قرأ علينا: {إنّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرّةٍ} وإن كان عبدا شقيا قال الملك: ربّ فنيت حسناته, وبقي طالبون كثير. فيقول: خذوا من سيئاتهم, فأضيفوها إلى سيئاته, ثم صُكّوا له صَكّا إلى النار.
قال أبو جعفر: فتأويل الاَية على تأويل عبد الله هذا: إن الله لا يظلم عبدا وجب له مثقال ذرّة قِبَل عبد له آخر في معاده ويوم لقائه فما فوقه فيتركه عليه فلا يأخذه للمظلوم من ظالمه, ولكنه يأخذه منه له, ويأخذ من كل ظالم لكل مظلوم تَبِعَتَهُ قِبَلَهُ. {وَإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْه} يقول: وإن توجد له حسنة يضاعفها, بمعنى: يضاعف له ثوابها وأجرها. {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أجْرا عَظِيم} يقول: ويعطه من عنده أجرا عظيما. والأجر العظيم: الجنة على ما قاله عبد الله.
ولكلا التأويلين وجه مفهوم, أعنى التأويل الذي قاله ابن مسعود والذي قاله قتادة. وإنما اخترنا التأويل الأوّل لموافقته الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع دلالة ظاهر التنزيل على صحته, إذ كان في سياق الاَية التي قبلها, التي حثّ الله فيها على النفقة في طاعته, وذمّ النفقة في طاعة الشيطان, ثم وصل ذلك بما وعد المنافقين في طاعته بقوله: {إنّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرّةٍ وَإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْها وَيُؤتِ مِنْ لَدُنْهُ أجْرا عَظِيم}.
واختلفت القراء في قراءة قوله: {وَإنْ تَكُ حَسَنَةً}. فقرأت ذلك عامة قرّاء العراق: {وَإنْ تَكُ حَسَنَةً} بنصب الحسنة, بمعنى: وإن تك زنة الذرّة حسنة يضاعفها. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة: «وَإنْ تَكُ حَسَنَةٌ» برفع الحسنة, بمعنى: وإن توجد حسنة على ما ذكرت عن عبد الله بن مسعود من تأويل ذلك. وأما قوله: {يُضَاعِفْه} فإنه جاء بالألف, ولم يقل: «يضعفها», لأنه أريد به في قول بعض أهل العربية: يضاعفها أضعافا كثيرة¹ ولو أريد به في قوله يضعف ذلك ضعفين لقيل: «يضعّفها» بالتشديد.
ثم اختلف أهل التأويل في الذين وعدهم الله بهذه الاَية ما وعدهم فيها, فقال بعضهم: هم جميع أهل الإيمان بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم. واعتلوا في ذلك بما:
7626ـ حدثنا الفضل بن الصباح, قال: حدثنا يزيد بن هارون, عن مبارك بن فضالة, عن عليّ بن زيد, عن أبي عثمان النهدي, قال: لقيت أبا هريرة فقلت له: إنه بلغني أنك تقول: إن الحسنة لتضاعف ألف ألف حسنة! قال: وما أعجبك من ذلك؟ فوالله لقد سمعته ـ يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ اللّهَ لَيُضَاعِفُ الحَسَنَةَ ألْفَيْ ألْفِ حَسَنَةَ».
وقال آخرون: بل ذلك المهاجرون خاصة دون أهل البوادي والأعراب. واعتلوا في ذلك بما:
7627ـ حدثني محمد بن هارون أبو نشيط, قال: حدثنا يحيـى بن أبي بكير, قال: حدثنا فضيل بن مرزوق, عن عطية العوفي, عن عبد الله بن عمر, قال: نزلت هذه الاَية في الأعراب: {مَنْ جاءَ بالحسَنةِ فَلهُ عَشْرُ أمْثالِهَ} قال: فقال رجل: فما للمهاجرين؟ قال: «ما هُوَ أعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ: {إنّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرّةٍ وَإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْها وَيُؤتِ مِنْ لَدُنْهُ أجْرا عَظِيم} وإذَا قال الله لشيءٍ عَظِيمٌ فهَوُ عَظِيم».
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب, قول من قال: عنى بهذه الاَية المهاجرين دون الأعراب. وذلك أنه غير جائز أن يكون في أخبار الله أو أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء يدفع بعضه بعضا, فإذا كان صحيحا وعد الله من جاء من عباده المؤمنين بالحسنة من الجزاء عشر أمثالها, ومن جاء بالحسنة منهم أن يضاعفها له, وكان الخبران اللذان ذكرناهما عنه صلى الله عليه وسلم صحيحين, كان غير جائز إلا أن يكون أحدهما مجملاً والاَخر مفسرا, إذ كانت أخباره صلى الله عليه وسلم يصدّق بعضها بعضا. وإذا كان ذلك كذلك صحّ أن خبر أبي هريرة معناه: إن الحسنة لتضاعف للمهاجرين من أهل الإيمان ألفي ألف حسنة, وللأعراب منهم عشر أمثالها, على ما رَوَى ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم¹ وأن قوله: {مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِهَ} يعني: من جاء بالحسنة من أعراب المؤمنين فله عشر أمثالها, ومن جاء بالحسنة من مهاجريهم يضاعف له, ويؤته الله من لدنه أجرا, يعني: يعطه من عنده أجرا عظيما, يعني: عوضا من حسنته عظيما. وذلك العوض العظيم: الجنة¹ كما:
7628ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم, قال: حدثنا صدقة بن أبي سهل, قال: حدثنا أبو عمرو, عن زاذان, عن ابن مسعود: {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أجْرا عَظِيم}: أي الجنة يعطها.
7629ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: أخبرني عباد بن أبي صالح, عن سعيد بن جبير, قوله: {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أجْرا عَظِيم} قال: الأجر العظيم: الجنة.
7630ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أجْرا عَظِيم} قال: أجرا عظيما: الجنة.
الآية : 41
القول في تأويل قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىَ هَـَؤُلآءِ شَهِيداً }..
يعني بذلك جلّ ثناؤه: إن الله لا يظلم عباده مثقال ذرّة, فكيف بهم {إذا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بَشِهيدٍ} يعني: بمن يشهد عليها بأعمالها, وتصديقها رسلها, أو تكذيبها, {وجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيد} يقول: وَجِئْنَا بك يا محمد على هؤلاء: أي على أمتك شهيدا, يقول: شاهدا. كما:
7631ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السدّي: {فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيد} قال: إن النبيين يأتون يوم القيامة, منهم من أسلم معه من قومه الواحد والاثنان والعشرة وأقلّ وأكثر من ذلك, حتى يؤتى بقوم لوط صلى الله عليه وسلم لم يؤمن معه إلا ابنتاه, فيقال لهم: هل بلغتم ما أرسلتم به؟ فيقولون: نعم, فيقال: من يشهد؟ فيقولون: أمة محمد صلى الله عليه وسلم, فيقال لهم: أتشهدون أن الرسل أوْدَعوا عندكم شهادة, فبم تشهدون؟ فيقولون: ربنا نشهد أنهم قد بلغوا كما شهدوا في الدنيا بالتبليغ! فيقال: من يشهد على ذلك؟ فيقولون: محمد صلى الله عليه وسلم. فيدعى محمد عليه الصلاة والسلام, فيشهد أن أمته قد صدقوا, وأن الرسل قد بلّغوا. فذلك قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمّةً وَسَطا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ على النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيد}.
7632ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, قال: قال ابن جريج: قوله: {فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ} قال: رسولها, فيشهد عليها أن قد أبلغهم ما أرسله الله به إليهم¹ {وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيد} قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أتى عليها فاضت عيناه.
7633ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيـى بن واضح, قال: حدثنا الحسن, عن يزيد النحوي, عن عكرمة, في قوله: {وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} قال: الشاهد محمد, والمشهود: يوم الجمعة. فذلك قوله: {فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيد}.
7634ـ حدثني عبد الله بن محمد الزهري, قال: حدثنا سفيان, عن المسعودي, عن جعفر بن عمرو بن حريث, عن أبيه, عن عبد الله: {فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيد} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شَهِيدا عَلَيْهِمْ ما دُمْتُ فِيهِمْ, فَلَمّا تَوَفّيْتَنِي كُنْتَ أنْتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ وأنْتَ على كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ».
7635ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير, قال: حدثنا سفيان بن عيينة, عن المسعودي, عن القاسم: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود: «اقْرأْ عَليّ!» قال: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: «أنّي أُحِبّ أنْ أسَمعه مِنْ غيرِي». قال: فقرأ ابن مسعود النساء, حتى بلغ: {فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيد} قال: قال استعبر النبيّ صلى الله عليه وسلم, وكفّ ابن مسعود. قال المسعودي: فحدثني جعفر بن عمرو بن حريث, عن أبيه: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم, قال: «شَهِيدا عَلَيْهِمْ ما دُمْتُ فِيهِمْ, فإذَا تَوَفّيْتَنِي كُنْتَ أنْتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ وأنْتَ على كُلْ شَيْءٍ شَهِيدٌ».
الآية : 42
القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرّسُولَ لَوْ تُسَوّىَ بِهِمُ الأرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً }..
يعني بذلك جلّ ثناؤه: يوم نجيء من كل أمة بشهيد, ونجيء بك على أمتك يا محمد شهيدا, {يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُو} يقول: يتمنى الذين جحدوا وحدانية الله وعصوا رسوله, لو تسوّى بهم الأرض.
واختلف القراء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قراء أهل الحجاز ومكة والمدينة: «لَوْ تَسّوّى بِهِمُ الأرْضُ» بتشديد السين والواو وفتح التاء, بمعنى: لو تَتَسوّى بهم الأرض, ثم أدغمت التاء الثانية في السين, يراد به: أنهم يودّون لو صاروا ترابا, فكانوا سواء هم والأرض. وقرأ آخرون ذلك: «لَوْ تَسَوّى بِهِمُ الأرْضُ» بفتح التاء وتخفيف السين, وهي قراءة عامة قراء أهل الكوفة بالمعنى الأوّل, غير أنهم تركوا تشديد السين, واعتلوا بأن العرب لا تكاد تجمع بين تشديدين في حرف واحد. وقرأ ذلك آخرون: {لَوْ تُسَوّى بِهِمُ الأرْضُ} بمعنى: لو سوّاهم الله والأرض, فصاروا ترابا مثلها بتصييره إياهم, كما يفعل ذلك بمن ذكر أنه يفعله به من البهائم. وكل هذه القراءات متقاربات المعنى, وبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب, لأن من تمنى منهم أن يكون يومئذ ترابا إنما يتمنى أن يكون كذلك بتكوين الله إياه كذلك, وكذلك من تمنى أن يكون الله جعله كذلك فقد تمنى أن يكون ترابا. على أن الأمر وإن كان كذلك, فأعجب القراءة إليّ في ذلك: «لَوْ تَسَوّى بِهِمُ الأرْضُ» بفتح التاء وتخفيف السين, كراهية الجمع بين تشديدين في حرف واحد, وللتوفيق في المعنى بين ذلك وبين قوله: {وَيَقُولُ الكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاب} فأخبر الله عنهم جلّ ثناؤه أنهم يتمنون أن كانوا ترابا, ولم يخبر عنهم أنهم قالوا: يا ليتني كنت ترابا, فكذلك قوله: «لَوْ تَسَوّى بِهِمُ الأرْضُ» فيسوّوا هم, وهي أعجب إليّ ليوافق ذلك المعنى الذي أخبر عنهم بقوله: {يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاب}.
وأما قوله: {وَلا يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيث} فإن أهل التأويل تأوّلوه, بمعنى: ولا تكتم الله جوارحهم حديثا وإن جحدت ذلك أفواههم. ذكر من قال ذلك:
7636ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, قال: حدثنا عمرو عن مطرف, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, قال: أتى رجل ابن عباس, فقال: سمعت الله يقول: {وَاللّهِ رَبّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ} وقال في آية أخرى: {وَلا يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيث}. فقال ابن عباس: أما قوله: {وَاللّهِ رَبّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ} فإنهم لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام قالوا: تعالوا فلنجحد, فقالوا: والله ربنا ما كنا مشركين! فختم الله على أفواههم, وتكلمت أيديهم وأرجلهم, فلا يكتمون الله حديثا.
7637ـ حدثنا الحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن رجل, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, قال: جاء رجل إلى ابن عباس, فقال: أشياء تختلف عليّ في القرآن؟ فقال: ما هو؟ أشكّ في القرآن؟ قال: ليس بالشك, ولكنه اختلاف. قال: فهات ما اختلف عليك! قال: أسمع الله يقول: {ثُمّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إلاّ أنْ قالُوا وَاللّهِ رَبّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ} وقال: {وَلا يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيث} وقد كتموا! فقال ابن عباس: أما قوله: {ثُمّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إلاّ أنْ قالُوا وَاللّهِ رَبّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ} فإنهم لما رأوا يوم القيامة أن الله يغفر لأهل الإسلام ويغفر الذنوب ولا يغفر شركا ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره جحد المشركون, فقالوا: والله ربنا ما كنا مشركين, رجاء أن يغفر لهم, فختم على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون, فعند ذلك {يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرّسُولَ لَوْ تُسَوّى بِهمُ الأرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيث}.
حدثني المثنى, قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا الزبير, عن الضحاك: أن نافع ابن الأزرق أتى ابن عباس فقال: يا ابن عباس, قول الله تبارك وتعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرّسُولَ لَوْ تُسَوّى بِهمُ الأرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيث}, وقوله: {وَاللّهِ رَبّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ}؟ فقال له ابن عباس: إني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت: ألقى عليّ ابن عباس متشابه القرآن, فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الله جامع الناس يوم القيامة في بقيع واحد, فيقول المشركون إن الله لا يقبل من أحد شيئا إلا ممن وحّده, فيقولون: تعالوا نجحد! فيسألهم, فيقولون: والله ربنا ما كنا مشركين, قال: فيختم على أفواههم, ويستنطق جوارحهم, فتشهد عليهم جوارحهم أنهم كانوا مشركين فعند ذلك تمنوا لو أن الأرض سوّيت بهم, ولا يكتمون الله حديثا.
7638ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: حدثنا أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: {يَوْمَئِذٍ يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرّسُولَ لَوْ تُسَوّى بِهمُ الأرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيث} يعني: أن تُسوّى الأرض بالجبال عليهم.
فتأويل الاَية على هذا القول الذي حكيناه عن ابن عباس: يَوْمَئِذٍ يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرّسُولَ لَوْ تُسَوّى بِهمُ الأرْضُ ولَمْ يَكْتُمُوا اللّهَ حَدِيثا. كأنهم تمنوا أنهم سوّوا مع الأرض, وأنهم لم يكونوا كتموا الله حديثا.
وقال آخرون: معنى ذلك يومئذ لا يكتمون الله حديثا, ويودّون لو تسوّى بهم الأرض. وليس بمنكتم عن الله من شيء حديثهم, لعلمه جلّ ذكره بجميع حديثهم وأمرهم, فإنهم إن كتموه بألسنتهم فجحدوه, لا يخفى عليه شيء منه.
الآية : 43
القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىَ حَتّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مّرْضَىَ أَوْ عَلَىَ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مّنْكُمْ مّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمّمُواْ صَعِيداً طَيّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }..
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُو} صدّقوا الله ورسوله {لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ}: لا تصلوا {وأَنْتُمْ سُكَارَى} وهو جمع سكران, {حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ} في صلاتكم, وتقرءون فيها مما أمركم الله به, أو ندبكم إلى قيله فيها مما نهاكم عنه وزجركم.
ثم اختلف أهل التأويل في السكر الذي عناه الله بقوله: {لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ وأنْتُمْ سُكارَى} فقال بعضهم: عنى بذلك: السكر من الشراب. ذكر من قال ذلك:
7639ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن عطاء بن السائب, عن أبي عبد الرحمن, عن علي: أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر شربوا الخمر, فصلى بهم عبد الرحمن, فقرأ: «قُلْ يا أيّها الكافِرُونَ» فخلط فيها, فنزلت: {لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ وأنْتُمْ سُكارَى}.
7640ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا الحجاج بن المنهال, قال: حدثنا حماد, عن عطاء بن السائب, عن عبد الله بن حبيب: أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما وشرابا, فدعا نفرا من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم, فأكلوا وشربوا حتى ثملوا, فقدّموا عليّا يصلي بهم المغرب, فقرأ: قل يا أيها الكافرون, أعبد ما تعبدون, وأنتم عابدون ما أعبد, وأنا عابد ما عبدتم, لكم دينكم ولي دين. فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الاَية: {لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ وأنْتُمْ سُكارَى حتى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ}.
7641ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: {يا أيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ وأنْتُمْ سُكارَى} قبل أن تحرم الخمر, فقال الله: {يا أيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ وأنْتُمْ سُكارَى}... الاَية.
7642ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أبي رزين في قوله: {يا أيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ وأنْتُمْ سُكارَى} قال: نزل هذا وهم يشربون الخمر, فقال: وكان هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر.
7643ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أبي رزين, قال: كانوا يشربون بعد ما أنزلت التي في البقرة, وبعد التي في النساء, فلما أنزلت التي في المائدة تركوها.
7644ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: {وأنْتُمْ سُكارَى حتى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ} قال: نهوا أن يصلوا وهم سكارى, ثم نسخها تحريم الخمر.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
7645ـ حدثنا الحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: {لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ وأنْتُمْ سُكارَى} قال: كانوا يجتنبون السكر عند حضور الصلوات, ثم نسخ بتحريم الخمر.
7646ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أبي وائل وأبي رزين وإبراهيم في قوله: {يا أيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ وأنْتُمْ سُكارَى} و{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إثمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ للنّاسِ وإثمُهُما أكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِم}, وقوله: {تَتّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَن} قالوا: كان هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر.
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ وأنْتُمْ سُكارَى من النوم. ذكر من قال ذلك:
7647ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سلمة بن نبيط, عن الضحاك: {لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ وأنْتُمْ سُكارَى} قال: سكر النوم.
حدثنا أحمد بن حازم الغفاريّ, قال: حدثنا أبو نعيم, قال: حدثنا سلمة, عن الضحاك: {يا أيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ وأنْتُمْ سُكارَى} قال: لم يعن بها سكر الخمر, وإنما عنى بها سكر النوم.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بتأويل الاَية, تأويل من قال ذلك: نهى من الله المؤمنين عن أن يقربوا الصلاة وهم سكارى من الشراب قبل تحريم الخمر, للأخبار المتظاهرة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك كذلك نهي من الله, وأن هذه الاَية نزلت فيمن ذكرت أنها نزلت فيه.
فإن قال لنا قائل: وكيف يكون ذلك معناه, والسكران في حال زوال عقله نظير المجنون في حال زوال عقله, وأنت ممن تُحِيل تكليف المجانين لفقدهم الفهم بما يؤمر وينهى؟ قيل له: إن السكران لو كان في معنى المجنون لكان غير جائز أمره ونهيه, ولكن السكران هو الذي يفهم ما يأتي ويذر, غير أن الشراب قد أثقل لسانه وأحرّ جسمه وأخدره, حتى عجز عن إقامة قراءته في صلاته وحدودها الواجبة عليه فيها من غير زوال عقله, فهو بما أمر به ونهي عنه عارف فهِم, وعن أداء بعضه عاجز بخدر جسمه من الشراب. وأما من صار إلى حدّ لا يعقل ما يأتي ويذر, فذلك منتقل من السكر إلى الخبل, ومعدود في المجانين, وليس ذلك الذي خوطب بقوله: {لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ} لأن ذلك مجنون, وإنما خوطب به السكران, والسكران ما وصفنا صفته.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حتى تَغْتَسِلُو}.
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون, ولا تقربوها جنبا إلا عابري سبيل, يعني: إلا أن تكونوا مجتازى طريق: أي مسافرين حتى تغتسلوا. ذكر من قال ذلك:
7648ـ حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن قتادة, عن أبي مجلز, عن ابن عباس, في قوله: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} قال: المسافر. وقال ابن المثنى: لفي السفر.
7649ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} يقول: لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب, إذا وجدتم الماء, فإن لم تجدوا الماء, فقد أحللت لكم أن تمسّحوا بالأرض.
7650ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن ابن أبي ليلى, عن المنهال, عن عباد بن عبد الله, أو عن زرّ, عن عليّ رضي الله عنه:{وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} قال: إلا أن تكونوا مسافرين فلا تجدوا الماء فتيمموا.
7651ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن سالم الأفطس, عن سعيد بن جبير في قوله: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} قال: المسافر.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا هشام, عن قتادة, عن أبي مجلز, عن ابن عباس, بمثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون بن المغيرة, عن عنبسة, عن ابن أبي ليلى, عن المنهال بن عمرو, عن عباد بن عبد الله, عن عليّ رضي الله عنه, قال: نزلت في السفر: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} وعابر السبيل: المسافر إذا لم يجد ماء تيمم.
7652ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا هارون, عن ابن مجاهد, عن أبيه: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} قال: المسافر إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم فيصلي.
حدثنا الحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, عن ابن أبي نجيح عن مجاهد, في قوله: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} قال: هو الرجل يكون في السفر فتصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} قال: مسافرين لا يجدون ماء فيتيممون صعيدا طيبا, حتى يجدوا الماء فيغتسلوا.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} قال: مسافرين لا يجدون ماء.
7653ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن مسعر, عن بكير بن الأخنس, عن الحسن بن مسلم, في قوله: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} قال: إلا أن يكونوا مسافرين, فلا يجدوا الماء فيتيمموا.
7654ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام عن عمرو, عن منصور, عن الحكم: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} قال: المسافر تصيبه الجنابة, فلا يجد ماء فيتيمم.
حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن سفيان, عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير, وعن منصور, عن الحكم في قوله: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} قالا: المسافر الجنب لا يجد الماء فيتيمم فيصلي.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو نعيم, قال: حدثنا سفيان, عن سالم, عن سعيد بن جبير: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} إلا أن يكون مسافرا.
حدثنا المثنى, قال: حدثنا أبو نعيم, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن الحكم, نحوه.
7655ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن عبد الله بن كثير, قال: كنا نسمع أنه في السفر.
7656ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} قال: هو المسافر الذي لا يجد الماء فلا بدّ له من أن يتيمم ويصلي, فهو يتيمم ويصلي. قال: كان أبي يقول هذا.
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تقربوا المصلى للصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون, ولا تقربوه جنبا حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل, يعني: إلا مجتازين فيه للخروج منه. فقال أهل هذه المقالة: أقيمت الصلاة مقام المصلّى والمسجد, إذ كانت صلاة المسلمين في مساجدهم أيامئذ لا يتخلفون عن التجميع فيها, فكان في النهي عن أن يقربوا الصلاة كفاية عن ذكر المساجد والمصلّى الذي يصلون فيه. ذكر من قال ذلك:
7657ـ حدثنا الحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة بن عبد الله, عن أبيه في قوله: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} قال: هو الممرّ في المسجد.
7658ـ حدثنا أحمد بن حازم, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, عن أبي جعفر الرازي, عن زيد بن أسلم, عن ابن يسار, عن ابن عباس: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} قال: لا تقرب المسجد إلا أن يكون طريقك فيه, فتمرّ مرّا ولا تجلس.
7659ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: حدثنا أبي, عن قتادة, عن سعيد في الجنب يمرّ في المسجد مجتازا وهو قائم لا يجلس وليس بمتوضىء, وتلا هذه الاَية: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ}.
7660ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون, عن نهشل, عن الضحاك, عن ابن عباس, قال: لا بأس للحائض والجنب أن يمرّا في المسجد ما لم يجلسا فيه.
7661ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا أبو الزبير, قال: كان أحدنا يمرّ في المسجد وهو جنب مجتازا.
7662ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن سعيد, عن قتادة, عن الحسن في قوله: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} قال: الجنب يمرّ في المسجد ولا يقعد فيه.
7663ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, وحدثني المثنى, قال: حدثنا أبو نعيم, قالا جميعا: حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم, في قوله: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} قال: إذا لم يجد طريقا إلا المسجد يمرّ فيه.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل, قال: حدثنا إسرائيل, عن منصور, عن إبراهيم في هذه الاَية: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حتى تَغْتَسِلُو} قال: لا بأس أن يمرّ الجنب في المسجد إذا لم يكن له طريق غيره.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم, مثله.
7664ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا شريك, عن سالم, عن سعيد بن جبير, قال: الجنب يمرّ في المسجد ولا يجلس فيه, ثم قرأ: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ}.
7665ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا الحماني, قال: حدثنا شريك, عن عبد الكريم, عن أبي عبيدة, مثله.
7666ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا الحماني, قال: حدثنا شريك, عن سماك, عن عكرمة, مثله.
7667ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا الحماني, قال: حدثنا شريك, عن الحسن بن عبيد الله, عن أبي الضحى مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون, عن إسماعيل, عن الحسن, قال: لا بأس للحائض والجنب أن يمرّا في المسجد ولا يقعدا فيه.
7668ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون, عن عمرو, عن سعيد, عن الزهري, قال: رخص للجنب أن يمرّ في المسجد.
7669ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني الليث, قال: ثني يزيد بن أبي حبيب, عن قول الله: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} أن رجالاً من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد تصيبهم جنابة ولا ماء عندهم, فيريدون الماء ولا يجدون ممرّا إلا في المسجد, فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ}.
حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن شعبة, عن حماد, عن إبراهيم: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} قال: لا يجتاز في المسجد إلا أن لا يجد طريقا غيره.
7670ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون, عن ابن مجاهد, عن أبيه, لا يمرّ الجنب في المسجد يتخذه طريقا.
قال أبو جعفر: وأولى القولين بالتأويل لذلك تأويل من تأوّله: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ}: إلا مجتازي طريق فيه. وذلك أنه قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنب في قوله: {وَإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أوْ على سَفَرٍ أوْ جاءَ أحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغائِطِ أوْ لامَسْتُمُ النّساء فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمّمُوا صَعِيدا طَيّب}, فكان معلوما بذلك أن قوله: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حتى تَغْتَسِلُو} لو كان معنيّا به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله: {وَإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أوْ على سَفَرٍ} معنى مفهوم, وقد مضى ذكر حكمه قبل ذلك. وإذ كان ذلك كذلك, فتأويل الاَية: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصلاة مصلين فيها وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون, ولا تقربوها أيضا جنبا حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل. والعابر السبيل: المجتازه مرّا وقطعا, يقال منه: عبرت هذا الطريق فأنا أعبره عبرا وعبورا, ومنه قيل: عبر فلان النهر: إذا قطعه وجازه, ومنه قيل للناقة القوية على الأسفار لقوتها: وهي عبْرُ أسفار لقوتها على الأسفار.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أوْ على سَفَرٍ أوْ جاءَ أحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغائِطِ}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى}: من جرح أو جدري وأنتم جنب. كما:
7671ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيـى بن واضح, قال: حدثنا أبو المنبه الفضل بن سليم, عن الضحاك, عن ابن مسعود, قوله: {وإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أوْ على سَفَرٍ} قال: المريض الذي قد أرخص له في التيمم هو الكسير والجريح, فإذا أصابت الجنابة الكسير اغتسل, والجريح لا يحلّ جراحته إلا جراحة لا يخشى عليها.
7672ـ حدثنا تميم بن المنتصر, قال: حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق, عن شريك, عن إسماعيل السديّ, عن أبي مالك, قال في هذه الاَية: {وإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أوْ على سَفَرٍ} قال: هي للمريض الذي به الجراحة التي يخاف منها أن يغتسل فلا يغتسل, فرخص له في التيمم.
7673ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: {وإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} والمرض: هو الجراح والجراحة التي يتخوّف عليها من الماء إن أصابه ضَرّ صاحبه, فذلك يتيمم صعيدا طيبا.
7674ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن سعيد, عن قتادة, عن عزرة, عن سعيد بن جبير في قوله: {وإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} قال: إذا كان به جروح أو قروح يتيمم.
7675ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن إبراهيم: {وإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} قال: من القروح تكون في الذراعين.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون, عن عمرو, عن منصور, عن إبراهيم: {وإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} قال: القروح في الذراعين.
7676ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون, عن عمرو, عن جويبر, عن الضحاك, قال: صاحب الجراحة التي يخوّف عليه منها يتيمم. ثم قرأ: {وإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أوْ على سَفَرٍ}.
7677ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: {وإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} والمرض: أن يصيب الرجل الجرح أو القرح أو الجدري, فيخاف على نفسه من برد الماء وأذاه, يتيمم بالصعيد كما يتيمم المسافر الذي لا يجد الماء.
7678ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: ثني أبي, عن قتادة, عن عاصم, يعني الأحول, عن الشعبي, أنه سئل عن المجدور تصيبه الجنابة؟ قال: ذهب فرسان هذه الاَية.
وقال آخرون في ذلك ما:
7679ـ حدثني به يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: {وإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أوْ على سَفَرٍ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمّمُو} قال: المريض الذي لا يجد أحدا يأتيه بالماء ولا يقدر عليه, وليس له خادم, ولا عون, فإذا لم يستطع أن يتناول الماء وليس عنده من يأتيه به, ولا يحبوا إليه, تيمم وصلى إذا حلت الصلاة. قال: هذا كله قول أبي: إذا كان لا يستطيع أن يتناول الماء وليس عنده من يأتيه به لا يترك الصلاة, وهو أعذر من المسافر.
فتأويل الاَية إذا: وإذ كنتم جرحى أو بكم قروح أو كسر أو علة لا تقدرون معها على الاغتسال من الجنابة, وأنتم مقيمون غير مسافرين, فتيمموا صعيدا طيبا.
وأما قوله: {أوْ على سَفَرٍ} إو إن كنتم مسافرين وأنتم أصحاء جنب, فتيمموا صعيدا. وكذلك تأويل قوله: {أوْ جاءَ مِنْكُمْ مِنَ الغائِطِ} يقول: أو جاء أحد منكم من الغائط قد قضى حاجته وهو مسافر صحيح, فليتيمم صعيدا طيبا. والغائط: ما اتسع من الأودية وتصوّب, وجعل كناية عن قضاء حاجة الإنسان, لأن العرب كانت تختار قضاء حاجتها في الغيطان فكثر ذلك منها حتى غلب عليهم ذلك, فقيل لكل من قضى حاجته التي كانت تُقْضى في الغيطان حيث قضاها من الأرض: متغوّط, جاء فلان من الغائط يعني به: قضى حاجته التي كانت تقضى في الغائط من الأرض. وذكر عن مجاهد أنه قال في الغائط: الوادي.
7680ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: {أوْ جاءَ أحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغائِطِ} قال: الغائط: الوادي.
القول في تأويل قوله تعالى: {أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: أو باشرتم النساء بأيديكم.
ثم اختلف أهل التأويل في اللمس الذي عناه الله بقوله: {أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ} فقال بعضهم: عَنَى بذلك: الجماع. ذكر من قال ذلك:
7681ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير, قال: ذكروا اللمس, فقال ناس من الموالي: ليس بالجماع, وقال ناس من العرب: اللمس: الجماع. قال: فأتيت ابن عباس, فقلت: إن ناسا من الموالي والعرب اختلفوا في اللمس, فقالت الموالي: ليس بالجماع, وقالت العرب: الجماع. قال: من أيّ الفريقين كنت؟ قلت: كنت من الموالي, قال: غلب فريق الموالي, إن المسّ واللمس, والمباشرة: الجماع, ولكن الله يكني ما شاء بما شاء.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي قيس, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, مثله.
7682ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي إسحاق, قال: سمعت سعيد بن جبير يحدّث عن ابن عباس أنه قال: {أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ} قال: هو الجماع.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا وهب بن جرير, قال: حدثنا أبي, عن قتادة, عن سعيد بن جبير, قال: اختلفت أنا وعطاء وعبيد بن عمير في قوله: {أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ} فقال عبيد بن عمير: هو الجماع, وقلت أنا وعطاء: هو اللمس. قال: فدخلنا على ابن عباس, فسألناه, فقال: غلب فريق الموالي وأصابت العرب, هو الجماع, ولكن الله يعفّ ويكني.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن عكرمة وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وعبيد بن عمير: اختلفوا في الملامسة, فقال سعيد بن جبير وعطاء: الملامسة ما دون الجماع. وقال عبيد: هو النكاح. فخرج عليهم ابن عباس, فسألوه, فقال: أخطأ الموليان وأصاب العربيّ: الملامسة: النكاح, ولكن الله يكني ويعفّ.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا محمد بن بشر, عن سعيد, عن قتادة, قال: اجتمع سعيد بن جبير وعطاء وعبيد بن عمير, فذكر نحوه.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن عثمة, قال: حدثنا سعيد بن بشير, عن قتادة, قال: قال: سعيد بن جبير وعطاء في التماس: الغمز باليد, وقال عبيد بن عمير: الجماع. فخرج عليهم ابن عباس فقال: أخطأ الموليان, وأصاب العربيّ, ولكنه يعفّ ويكني.
حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم, قالا: قال ابن عباس: اللمس: الجماع.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن علية وعبد الوهاب, عن خالد, عن عكرمة, عن ابن عباس مثله.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا هشيم, قال: حدثنا أبو بشر, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: اللمس والمسّ والمباشرة: الجماع, ولكن الله يكني بما شاء.
حدثنا عبد الحميد بن بيان, قال: حدثنا إسحاق الأزرق, عن سفيان, عن عاصم الأحول, عن بكر بن عبد الله, عن ابن عباس, قال: الملامسة: الجماع, ولكن الله كريم يكني عما شاء.
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: حدثنا أيوب بن سويد, عن سفيان, عن عاصم, عن بكر بن عبد الله, عن ابن عباس, مثله.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن داود, عن جعفر بن أبي وحشية, عن سعيد بن جبير, قال: اختلفت العرب والموالي في الملامسة على باب ابن عباس قالت العرب: الجماع, وقالت الموالي: باليد. قال: فخرج ابن عباس, فقال: غُلب فريق الموالي, الملامسة: الجماع.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن رجل, عن سعيد بن جبير, قال: كنا على باب ابن عباس, فذكر نحوه.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا داود, عن سعيد بن جبير, قال: قعد قوم على باب ابن عباس, فذكر نحوه.
حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس في قوله: {أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ} الملامسة: هو النكاح.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نمير, عن الأعمش, عن عبد الملك بن ميسرة, عن سعيد بن جبير, قال: اجتمعت الموالي والعرب في المسجد وابن عباس في الصّفّة, فاجتمعت الموالي على أنه اللمس دون الجماع, واجتمعت العرب على أنه الجماع, فقال ابن عباس: من أيّ الفريقين أنت؟ قلت: من الموالي, قال: غُلبت.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: اللمس: الجماع.
وبه عن سفيان, عن عاصم, عن بكر, عن ابن عباس, مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حفص, عن الأعمش, عن حبيب, عن سعيد, عن ابن عباس, قال: هو الجماع.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مالك, عن زهير, عن خصيف, عن عكرمة, عن ابن عباس, مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حفص, عن داود, عن جعفر بن إياس, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: {أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ} قال: الجماع.
7683ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن أشعث, عن الشعبي, عن عليّ رضي الله عنه, قال: الجماع.
7684ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الأعلى, عن يونس, عن الحسن, قال: الجماع.
7685ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مالك, عن خصيف, قال: سألت مجاهدا, فقال ذلك.
7686ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة والحسن, قالا: غشيان النساء.
وقال آخرون: عنى الله بذلك كل لمس بيد كان أو بغيرها من أعضاء جسد الإنسان. وأوجبوا الوضوء على من مسّ بشيء من جسده شيئا من جسدها مفضيا إليه. ذكر من قال ذلك:
7687ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن مخارق, عن طارق بن شهاب, عن عبد الله, أنه قال شيئا هذا معناه: الملامسة: ما دون الجماع.
7688ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور, عن هلال, عن أبي عبيدة, عن عبد الله ـ أو عن أبي عبيدة منصور الذي شكّ قال: القبلة من المسّ.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن مخارق, عن طارق, عن عبد الله, قال: اللمس: ما دون الجماع.
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, عن شعبة, عن المغيرة, عن إبراهيم, قال: قال ابن مسعود: اللمس: ما دون الجماع.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن أبي عبيدة, عن عبد الله, قال: القبلة من اللمس.
حدثنا أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن فضيل, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن أبي عبيدة, عن عبد الله بن مسعود, قال القبلة من اللمس, وفيها الوضوء.
حدثنا تميم بن المنتصر, قال: أخبرنا إسحاق, عن شريك, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن أبي عبيدة, عن عبد الله بن مسعود, مثله.
7689ـ حدثنا أحمد بن عبدة الضبي, قال: أخبرنا سليم بن أخضر, قال: أخبرنا ابن عون, عن محمد, قال: سألت عبيدة, عن قوله: {أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ} قال: فأشار بيده هكذا ـ وحكاه سليم وأراناه أبو عبد الله, فضمّ أصابعه.
حدثني يعقوب وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن علية, عن سلمة بن علقمة, عن محمد, قال: سألت عبيدة, عن قوله: {أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ} قال بيده, فظننت ما عنى فلم أسأله.
7690ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن ابن عون, قال: ذكروا عند محمد مسّ الفرج, وأظنهم ذكروا ما قال ابن عمر في ذلك, فقال محمد: قلت لعبيدة, قوله: {أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ} فقال بيده. قال ابن عون: بيده كأنه يتناول شيئا يقبض عليه.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, قال: أخبرنا خالد, عن محمد, قال: قال عبيدة: اللمس باليد.
قال: حدثنا ابن علية, عن هشام, عن محمد, قال: سألت عبيدة, عن هذه الاَية: {أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ} فقال بيده, وضمّ أصابعه, حتى عرفت الذي أراد.
7691ـ حدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني عبيد الله بن عمر, عن نافع: أن ابن عمر كان يتوضأ من قبلة المرأة, ويرى فيها الوضوء, ويقول: هي من اللّماس.
7692ـ حدثنا عبد الحميد بن بيان, قال: أخبرنا محمد بن يزيد, عن إسماعيل, عن عامر, قال: الملامسة: ما دون الجماع.
7693ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيـى بن واضح, قال: حدثنا مُحِلّ بن محرز, عن إبراهيم, قال: اللمس من شهوة ينقض الوضوء.
7694ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, قال: حدثنا شعبة, عن الحكم وحماد أنهما قالا: اللمس ما دون الجماع.
7695ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن عطاء, قال: الملامسة: ما دون الجماع.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حفص, عن أشعث, عن الشعبيّ, عن أصحاب عبد الله, عن عبد الله, قال: الملامسة: ما دون الجماع.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن بيان, عن عامر, عن عبد الله, قال: الملامسة: ما دون الجماع.
قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيم, عن عبد الله, مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: ثني أبي, عن سفيان, عن مغيرة, عن إبراهيم, عن عبد الله, مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا محمد بن بشر, عن سعيد, عن أبي معشر, عن إبراهيم, قال: قال عبد الله: الملامسة: ما دون الجماع, ثم قرأ: {أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً}.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن هشام, عن ابن سيرين, قال: سألت عبيدة, عن: {أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ} فقال بيده هكذا, فعرفت ما يعني.
7696ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن أبيه وحسن بن صالح, عن منصور, عن هلال بن يساف, عن أبي عبيدة, قال: القبلة من اللمس.
7697ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مالك بن إسماعيل, عن زهير, عن خصيف, عن أبي عبيدة: القبلة والشيء.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى الله بقوله: {أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ} الجماع دون غيره من معاني اللمس, لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قبّل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ.
7698ـ حدثني بذلك إسماعيل بن موسى السديّ, قال: أخبرنا أبو بكر بن عياش, عن الأعمش, عن حبيب بن أبي ثابت, عن عروة, عن عائشة, قالت: «كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثم يقبّل, ثم يصلي ولا يتوضأ».
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن الأعمش, عن حبيب بن أبي ثابت, عن عروة, عن عائشة: «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قبّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ», قلت: من هي إلا أنتِ؟ فضحكت.
7699ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا حفص بن غياث, عن حجاج, عن عمرو بن شعيب, عن زينب السهمية, عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كان يقبل, ثم يصلي ولا يتوضأ».
حدثنا أبو زيد عمر بن شبة, قال: حدثنا شهاب بن عباد, قال: حدثنا مندل, عن ليث, عن عطاء, عن عائشة. وعن أبي روق, عن إبراهيم التيمي, عن عائشة, قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينال مني القبلة بعد الوضوء, ثم لا يعيد الوضوء».
7700ـ حدثنا سعيد بن يحيـى الأموي, قال: حدثنا أبي, قال: ثني يزيد بن سنان, عن عبد الرحمن الأوزاعي, عن يحيـى بن أبي كثير, عن أبي سلمة, عن أمّ سلمة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم, ثم لا يفطر, ولا يحدث وضوءا».
ففي صحة الخبر فيما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدلالة الواضحة على أن اللمس في هذا الموضع لمس الجماع لا جميع معاني اللمس, كما قال الشاعر:
وهُنّ يَمْشِينَ بِنا هَمِيسَاإنْ تصْدُقِ الطّيرُ نَنِكَ لَمِيسا
يعني بذلك: ننك لماسا.
وذكر أن هذه الاَية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابتهم جنابة وهم جراح.
7701ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن محمد بن جابر, عن حماد, عن إبراهمي في المريض لا يستطيع الغسل من الجنابة أو الحائض, قال: يجزيهم التيمم, ونال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جراحة, ففشت فيهم, ثم ابتلوا بالجنابة, فشكوا ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم, فنزلت: {وَإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أوْ على سَفَرٍ أوْ جاءَ أحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغائِطِ}... الاَية كلها.
وقال آخرون: نزلت في قوم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم أعوزهم الماء فلم يجدوه في سفر لهم. ذكر من قال ذلك:
7702ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر بن سليمان, قال: سمعت عبيد الله بن عمر, عن عبد الرحمن بن القاسم, عن عائشة أنها قالت: كنت في مسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, حتى إذا كنا بذات الجيش, ضَلّ عقدي, فأخبرت بذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم, فأمر بالتماسه, فالتمس فلم يوجد. فأناخ النبيّ صلى الله عليه وسلم, وأناخ الناس, فباتوا ليلتهم تلك¹ فقال الناس: حبست عائشة النبيّ صلى الله عليه وسلم! قالت: فجاء إليّ أبو بكر, ورأس النبيّ صلى الله عليه وسلم في حجري وهو نائم, فجعل يهمزني ويقرصني ويقول: من أجل عقدك حبست النبيّ صلى الله عليه وسلم! قالت: فلا أتحرّك مخافة أن يستيقظ النبيّ صلى الله عليه وسلم, وقد أوجعني فلا أدري كيف أصنع. فلما رآني لا أحير إليه انطلق¹ فلما استيقظ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأراد الصلاة فلم يجد ماء. قالت: فأنزل الله تعالى آية التيمم. قالت: فقال ابن حضير: ما هذا بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر.
7703ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, عن أيوب, عن ابن أبي مليكة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان في سفر, ففقدت عائشة قلادة لها, فأمر الناس بالنزول, فنزلوا وليس معهم ماء, فأتى أبو بكر على عائشة, فقال لها: شققت على الناس! وقال أيوب بيده ـ يصف أنه قرصها قال: ونزلت آية التيمم, ووجدت القلادة في مناخ البعير, فقال الناس: ما رأينا امرأة أعظم بركة منها.
7704ـ حدثني محمد بن عبد الله الهلالي, قال: ثني عمران بن محمد الحداد, قال: ثني الربيع بن بدر, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن رجل منا من بَلَعْرَج يقال له: الأسلع, قال: كنت أخدم النبيّ صلى الله عليه وسلم, وأرْحَلُ له, فقال لي ذات ليلة: «يا أسْلَعْ قُمْ فارْحَلْ لي!» قلت: يا رسول الله أصابتني جنابة. فسكت ساعة, ثم دعاني وأتاه جبريل عليه السلام بآية الصعيد, ووصف لنا ضربتين.
7705ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: حدثنا عمرو بن خالد, قال: ثني الربيع بن بدر, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن رجل منا يقال له الأسلع, قال: كنت أخدم النبيّ صلى الله عليه وسلم, فذكر مثله, إلا أنه قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ـ أو قال ساعة الشكّ من عمرو قال: وأتاه جبريل عليه السلام بآية الصعيد, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قُمْ يا أسْلَعُ فَتَيَمّمْ!» قال: فتيممت ثم رحلت له. قال: فسرنا حتى مررنا بماء فقال: «يا أسْلَعُ مَسّ ـ أو أمِسّ بهذا جلدك!» قال: وأراني التيمم كما أراه أبوه: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين.
7706ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا حفص بن نفيل, قال: حدثنا زهير بن معاوية, قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم, قال: ثني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أنه حدثه ذكوان أبو عمرو حاجب عائشة: أن ابن عباس دخل عليها في مرضها, فقال: أبشري كنت أحبّ نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبّ إلا طيبا, وسقطت قلادتك ليلة الأبواء, فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتقطها, حتى أصبح في المنزل, فأصبح الناس ليس معهم ماء, فأنزل الله: {تيمّمُوا صَعيدا طيّب} فكان ذلك من سببك, وما أذن الله لهذه الأمة من الرخصة.
7707ـ حدثنا سفيان بن وكيع, قال: حدثنا ابن نمير, عن هشام, عن أبيه, عن عائشة: أنها استعارت من أسماء قلادة, فهلكت, فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالاً في طلبها, فوجدوها. وأدركتهم الصلاة, وليس معهم ماء, فصلوا بغير وضوء, فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله آية التيمم¹ فقال أسيد بن حضير لعائشة: جزاك الله خيرا, فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيرا.
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب, قال: ثني عمي عبد الله بن وهب, قال: أخبرني عمرو بن الحرث أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه عن أبيه, عن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم, أنها قالت: سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون إلى المدينة, فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل, فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجري راقد, أقبل أبي, فلكزني لكزة, ثم قال: حبست الناس. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ, وحضرت الصبح, فالتمس الماء فلم يوجد, ونزلت: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلى الصّلاةِ}... الاَية. قال أسيد بن حضير: لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر, ما أنتم إلا بركة.
7708ـ حدثني الحسن بن شبيب, قال: حدثنا ابن عيينة, قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم, عن عبد الله بن أبي مليكة, قال: دخل ابن عباس على عائشة, فقال: كنت أعظم المسلمين بركة على المسلمين سقطت قلادتك بالأبواء, فأنزل الله فيك آية التيمم.
واختلف القراء في قراءة قوله: {أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ}. فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة وبعض البصريين والكوفيين: {أوْ لامَسْتُمُ} بمعنى: أو لمستم نساءكم ولمستكم. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين: «أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ» بمعنى: أو لمستم أنتم أيها الرجال نساءكم. وهما قراءتان متقاربتا المعنى, لأنه لا يكون الرجل لامسا امرأته إلا وهي لامسته, فاللمس في ذلك يدلّ على معنى اللماس, واللماس على معنى اللمس من كل واحد منهما صاحبه, فبأيّ القراءتين قرأ ذلك القارىء فمصيب, لاتفاق معنييهما.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلْم تَجدوا ماءً فَتَيَمّمُوا صَعيدا طَيّب}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {فلم تَجِدُوا مَاءً} أو لمستم النساء, فطلبتم الماء لتتطهروا به, فلم تجدوه بثمن ولا غير ثمن, {فَتَيَمّمُو} يقول: فتعمدوا, وهو تفعلوا من قول القائل: تيممت كذا: إذا قصدته وتعمدته فأنا أتيممه, وقد يقال منه: يممه فلان فهو ييممه, وأيممته أنا وأممته خفيفة, وتيممت وتأممت, ولم يسمع فيها يممت خفيفة. ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
تَيَمّمْتُ قَيْسا وكَمْ دُونَهُمنَ الأرْضِ منْ مَهْمَه ذي شَزَنْ
يعني بقوله: تيممت: تعمدت وقصدت, وقد ذكر أنها في قراءة عبد الله: «فأُمّوا صعيدا».
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
7709ـ حدثني عبد الله بن محمد, قال: حدثنا عبدان, قال: أخبرنا ابن المبارك, قال: سمعت سفيان يقول في قوله: {فَتيَمّمُوا صَعيدا طَيّب} قال: تحرّوا وتعمدوا صعيدا طيبا.
وأما الصعيد, فإن أهل التأويل اختلفوا فيه, فقال بعضهم: هو الأرض الملساء التي لا نبات فيها ولا غراس ذكر من قال ذلك:
7710ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {صَعِيدا طَيّب} قال: التي ليس فيها شجر ولا نبات.
وقال آخرون: بل هو الأرض المستوية. ذكر من قال ذلك:
7711ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: الصعيد: المستوي.
وقال آخرون: بل الصعيد: التراب. ذكر من قال ذلك:
7712ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الحكم بن بشير, قال: حدثنا عمرو بن قيس الملائي, قال: الصعيد: التراب.
وقال آخرون: الصعيد: وجه الأرض.
وقال آخرون: بل هو وجه الأرض ذات التراب والغبار.
وأولى ذلك بالصواب قول من قال: هو وجه الأرض الخالية من النبات والغروس والبناء المستوية, ومنه قول ذي الرمة:
كأنّهُ بالضّحَى يَرْمي الصّعِيدَ بهِدَبّابَةٌ فِي عِظامِ الرأسِ خُرْطُومُ
يعني: يضرب به وجه الأرض.
وأما قوله طيبا, فإنه يعني به: طاهرا من الأقذار والنجاسات.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: {طَيّب} فقال بعضهم: حلالاً. ذكر من قال ذلك:
7713ـ حدثني عبد الله بن محمد, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن المبارك, قال: سمعت سفيان يقول في قوله: {صَعيدا طَيّب} قال: قال بعضهم: حلالاً.
وقال بعضهم بما:
7714ـ حدثني عبد الله, قال: حدثنا عبدان, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن ابن جريج قراءة, قال: قلت لعطاء: {فتيمّمُوا صَعيدا طيّب} قال: الطيب: ما حولك. قلت: مكان جَرْدٌ غير أبطح, أيجزىء عني؟ قال: نعم.
ومعنى الكلام: فإن لم تجدوا ماء أيها الناس, وكنتم مرضى, أو على سفر, أو جاء أحد منكم من الغائط, أو لمستم النساء, فأردتم أن تصلوا فتيمموا, يقول: فتعمدوا وجه الأرض الطاهرة, فامسحوا بوجوهكم وأيديكم.
القول في تأويل قوله تعالى: {فامْسَحُوا بوُجُوهِكُمْ وأيْدِيكُمْ}. يعني بذلك جلّ ثناؤه: فامسحوا منه بوجوهكم وأيديكم, ولكنه ترك ذكر «منه» اكتفاء بدلالة الكلام عليه. والمسح منه بالوجه أن يضرب المتيمم بيديه على وجه الأرض الطاهر, أو ما قام مقامه, فيمسح بما علق من الغبار وجهه, فإن كان الذي علق به الغبار كثيرا, فنفخ عن يديه أو نفضه, فهو جائز. وإن لم يعلق بيديه من الغبار شيء, وقد ضرب بيديه أو إحداهما الصعيد, ثم مسح بهما أو بها وجهه أجزأه ذلك, لإجماع جميع الحجة على أن المتيمم لو ضرب بيديه الصعيد وهو أرض رمل فلم يعلق بيديه منها شيء فتيمم به أن ذلك مجزئه, لم يخالف ذلك من يجوز أن يعتدّ بخلافه. فلما كان ذلك إجماعا منهم كان معلوما أن الذي يراد به من ضرب الصعيد باليدين مباشرة الصعيد بهما بالمعنى الذي أمر الله بمباشرته بهما, لا لأخذ تراب منه. وأما المسح باليدين, فإن أهل التأويل اختلفوا في الحدّ الذي أمر الله بمسحه من اليدين, فقال بعضهم: حدّ ذلك الكفان إلى الزندين, وليس على المتيمم مسح ما وراء ذلك من الساعدين. ذكر من قال ذلك:
7715ـ حدثني أبو السائب سلم بن جنادة, قال: حدثنا ابن إدريس, عن حصين, عن أبي مالك, قال: تيمم عمار فضرب بيديه إلى التراب ضربة واحدة, ثم مسح بيديه واحدة على الأخرى, ثم مسح وجهه, ثم ضرب بيديه أخرى, فجعل يلوي يده على الأخرى ولم يمسح الذراع.
7716ـ حدثنا أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن ابن أبي خالد, قال: رأيت الشعبي وصف لنا التيمم: فضرب بيديه إلى الأرض ضربة, ثم نفضهما ومسح وجهه, ثم ضرب أخرى, فجعل يلوي كفيه إحداهما على الأخرى, ولم يذكر أنه مسح الذراع.
7717ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن حصين, عن أبي مالك, قال: وضع عمار بن ياسر كفيه لفي التراب, ثم رفعهما فنفخهما, فمسح وجهه وكفيه, ثم قال: هكذا التيمم.
7718ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا أبو تميلة, قال: حدثنا سلام مولى حفص, قال: سمعت عكرمة, يقول: التيمم ضربتان: ضربة للوجه, وضربة للكفين.
7719ـ حدثنا عليّ بن سهل, قال: حدثنا الوليد بن مسلم, عن الأوزاعي, عن سعيد وابن جابر, أن مكحولاً كان يقول: التيمم ضربة للوجه والكفين إلى الكوع, ويتأوّل مكحول القرآن في ذلك: {فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ إلى المَرَافِقِ} وقوله في التيمم: {فامْسَحُوا بوُجُوهِكُمْ وأيْدِيكُمْ} ولم يستثن فيه كما استثنى في الوضوء إلى المرافق. قال مكحول: قال الله: {وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فاقْطَعُوا أيْدَيهُم} فإنما تقطع يد السارق من مفصل الكوع.
7720ـ حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: حدثنا بشر بن بكر التنيسي, عن ابن جابر: أنه رأى مكحولاً يتيمم يضرب بيديه على الصعيد, ثم يمسح بهما وجهه وكفيه بواحدة.
7721ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, عن داود, عن الشعبي, قال: التيمم: ضربة للوجه والكفين.
وعلة من قال هذه المقالة من الأثر ما:
7722ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عبدة ومحمد بن بشر, عن ابن أبي عروبة, عن قتادة, عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى, عن أبيه, عن عمار بن ياسر: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التيمم, فقال: «مَرّةً للكَفّيْنِ والوَجْهِ». وفي حديث ابن بشر: أن عمارا سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن التيمم.
7723ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عبيدة بن سعيد القرشي, عن شعبة, عن الحكم, عن ابن أبزى, قال: جاء رجل إلى عمر, فقال: إني أجنبت فلم أجد الماء, فقال عمر: لا تصلّ! فقال له عمار: أما تذكر أنا في مسير على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجنبت أنا وأنت, فأما أنت فلم تصلّ, وأما أنا فتمعّكت في التراب وصليت, فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكرت ذلك له, فقال: «إنّمَا كَانَ يَكفْيكَ» وضرب كفيه الأرض ونفخ فيهما ومسح وجهه وكفيه مرّة واحدة؟
وقالوا: أمر الله في التيمم بمسح الوجه واليدين, فما مسح من وجهه ويديه في التيمم أجزأه, إلا أن يمنع من ذلك ما يجب التسليم له من أصل أو قياس.
وقال آخرون: حدّ المسح الذي أمر الله به في التيمم أن يمسح جميع الوجه واليدين إلى المرفقين. ذكر من قال ذلك:
7724ـ حدثنا عمران بن موسى القزاز, قال: حدثنا عبد الوراث بن سعيد, قال: حدثنا أيوب, عن نافع: أن ابن عمر تيمم بمربد النعم, فضرب ضربة فمسح وجهه, وضرب ضربة فمسح يديه إلى المرفقين.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر, قال: سمعت عبيد الله, عن نافع, عن عبد الله أنه قال: التيمم مسحتان, يضرب الرجل بيديه الأرض, يمسح بهما وجهه, ثم يضرب بهما مرة أخرى فيمسح يديه إلى المرفقين.
حدثني ابن المثنى, قال: حدثنا يحيـى بن عبيد الله, قال: أخبرني نافع, عن ابن عمر في التيمم, قال: ضربة للوجه, وضربة للكفين إلى المرفقين.
حدثنا أبو كريب وأبو السائب, قالا: حدثنا ابن إدريس, عن عبيد الله, عن نافع, عن ابن عمر, قال: كان يقول في المسح في التيمم إلى المرفقين.
7725ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن المفضل, قال: حدثنا ابن عون, قال: سألت الحسن, عن التيمم, فضرب بيديه على الأرض فمسح بهما وجهه, وضرب بيديه فمسح بهما ذراعيه ظاهرهما وباطنهما.
7726ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن عامر أنه قال في هذه الاَية: {فامْسَحُوا بوُجُوهِكُمْ وأيْدِيكُمْ إلى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبَيْنِ} وقال في هذه الاَية: {فامْسَحُوا بوُجُوهِكُمْ وأيْدِيكُمْ مِنْهُ} قال: أمر أن يمسح في التيمم ما أمر أن يغسل في الوضوء وأبطل ما أمر أن يمسح في الوضوء الرأس والرجلان.
7727ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, وحدثنا ابن المثنى, قال: ثني محمد بن أبي عديّ جميعا, عن داود, عن الشعبي في التيمم, قال: ضربة للوجه, وضربة لليدين إلى المرفقين.
7728ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن الشعبي, قال: أمر بالتيمم فيما أمر بالغسل.
7729ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن أيوب, قال: سألت سالم بن عبد الله عن التيمم, فضرب بيديه على الأرض ضربة فمسح بهما وجهه, ثم ضرب بيديه على الأرض ضربة أخرى فمسح بهما يديه إلى المرفقين.
7730ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, قال: وأخبرنا حبيب بن الشهيد, عن الحسن أنه سئل عن التيمم, فقال: ضربة يمسح بها وجهه, ثم ضربة أخرى يمسح بها يديه إلى المرفقين.
وعلة من قال هذه المقالة أن التيمم بدل من الوضوء على المتيمم أن يبلغ بالتراب من وجهه ويديه ما كان عليه أن يبلغه بالماء منهما في الوضوء. واعتلوا من الأثر بما:
7731ـ حدثني به موسى بن سهل الرملي, قال: حدثنا نعيم بن حماد, قال: حدثنا خارجة بن مصعب, عن عبد الله بن عطاء, عن موسى بن عقبة, عن الأعرج, عن أبي جهيم, قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول فسلمت عليه فلم يردّ عليّ, فلما فرغ قام إلى حائط, فضرب بيديه عليه, فمسح بهما وجهه, ثم ضرب بيديه إلى الحائط, فمسح بهما يديه إلى المرفقين, ثم رد عليّ السلام.
وقال آخرون: الحدّ الذي أمر الله أن يبلغ بالتراب إليه في التيمم الاَباط. ذكر من قال ذلك:
7732ـ حدثني أحمد بن عبد الرحيم البرقي, قال: حدثنا عمر بن أبي سلمة التنيسي, عن الأوزاعي, عن الزهري قال: التيمم إلى الاَباط.
وعلة من قال ذلك أن الله أمر بمسح اليد في التيمم كما أمر بمسح الوجه, وقد أجمعوا أن عليه أن يمسح جميع الوجه, فكذلك عليه جميع اليد, ومن طرف الكف إلى الإبط يد. واعتلوا من الخبر بما:
7733ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا صيفي بن ربعي, عن ابن أبي ذئب, عن الزهري, عن عبيد الله بن عبد الله, عن أبي اليقظان, قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فهلك عقد لعائشة, فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضاء الصبح, فتغيظ أبو بكر على عائشة, فنزلت عليه الرخصة المسح بالصعيد, فدخل أبو بكر فقال لها: إنك لمباركة, نزل فيك رخصة! فضربنا بأيدينا ضربة لوجهنا, وضربة بأيدينا إلى المناكب والاَباط.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن الحدّ الذي لا يجزىء المتيمم أن يقصر عنه في مسحه بالتراب من يديه, الكفان إلى الزندين لإجماع الجميع على أن التقصير عن ذلك غير جائز, ثم هو فيما جاوز ذلك مخير إن شاء بلغ بمسحه المرفقين, وإن شاء الاَباط. والعلة التي من أجلها جعلناه مخيرا فيما جاوز الكفين أن الله لم يحدّ في مسح ذلك بالتراب في التيمم حدّا لا يجوز التقصير عنه, فما مسح المتيمم من يديه أجزأه, إلا ما أجمع عليه, أو قامت الحجة بأنه لا يجزئه التقصير عنه, وقد أجمع الجميع على أن التقصير عن الكفين غير مجزىء, فخرج ذلك بالسنة, وما عدا ذلك فمختلف فيه, وإذ كان مختلفا فيه, وكان الماسح بكفيه داخلاً في عموم الاَية كان خارجا مما لزمه من فرض ذلك.
واختلف أهل التأويل في الجنب, هل هو ممن دخل في رخصة التيمم إذا لم يجد الماء أم لا؟ فقال جماعة من أهل التأويل من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين حكم الجنب فيما لزمه من التيمم إذا لم يجد الماء حكم من جاء من الغائط, وسائر من أحدث ممن جعل التيمم له طهورا لصلاته, وقد ذكرت قول بعض من تأوّل قول الله: {أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ} أو جامعتموهنّ, وتركنا ذكر الباقين لكثرة من قال ذلك. واعتلّ قائلو هذه المقالة بأن للجنب التيمم إذا لم يجد الماء في سفره بإجماع الحجة على ذلك نقلاً عن نبيها صلى الله عليه وسلم الذي يقطع العذر, ويزيل الشكّ. وقال جماعة من المتقدمين: لا يجزىء الجنب غير الاغتسال بالماء, وليس له أن يصلي بالتيمم, والتيمم لا يطهره. قالوا: وإنما جعل التيمم رخصة لغير الجنب, وتأوّلوا قول الله: {وَلا جُنُبا إلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} قالوا: وقد نهى الله الجنب أن يقرب مصلى المسلمين إلا مجتازا فيه حتى يغتسل, ولم يرخص له بالتيمم. قالوا: وتأويل قوله: {أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ}: أو لامستموهنّ باليد دون الفرج ودون الجماع. قالوا: فلم نجد الله رخص للجنب في التيمم, بل أمره بالغسل, وأن لا يقرب الصلاة إلا مغتسلاً. قالوا: والتيمم لا يطهره لصلاته. ذكر من قال ذلك:
7734ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب, قالا: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن شقيق, قال: كنت مع عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري, فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن أرأيت رجلاً أجنب فلم يجد الماء شهرا أيتيمم؟ فقال عبد الله: لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهرا. فقال أبو موسى: فكيف تصنعون بهذه الاَية في سورة المائدة: {فَتَيَمّمُوا صَعيدا طَيّب}؟ فقال عبد الله: إن رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد. فقال له أبو موسى: إنما كرهتم هذا لهذا؟ قال: نعم. قال أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة, فأجنبت, فلم أجد الماء, فتمرّغت في الصعيد كما تمرّغ الدابة, قال: فذكرت ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: «إنّمَا يَكْفِيكَ أنْ تَصْنَعَ هَكَذا», وضرب بكفيه ضربة واحدة ومسح بهما وجهه, ومسح كفيه؟ قال عبد الله: ألم تر عمر لم يقنع لقول عمار؟
7735ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن سلمة, عن أبي مالك وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى, قال: كنا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فأتاه رجل, فقال: يا أمير المؤمنين إنا نمكث الشهر والشهرين لا نجد الماء! فقال عمر: أما أنا فلو لم أجد الماء لم أكن لأصلي حتى أجد الماء. قال عمار بن ياسر: أتذكر يا أمير المؤمنين حيث كنا بمكان كذا وكذا, ونحن نرعى الإبل, فتعلم أنا أجنبنا؟ ـ قال: نعم فأما أنا فتمرّغت في التراب, فأتينا النبيّ صلى الله عليه وسلم, قال: «إنْ كانَ الصّعِيدُ لَكافِيكَ», وضرب بكفيه الأرض, ثم نفخ فيهما, ثم مسح وجهه وبعض ذراعيه؟ فقال: اتق الله يا عمار! فقال: يا أمير المؤمنين إن شئت لم أذكره, فقال: لا, ولكن نوليك من ذلك ما توليت.
7736ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الحكم, قال: سمعت إبراهيم في دكان مسلم الأعور, فقلت: أرأيت إن لم تجد الماء وأنت جنب؟ قال: لا أصلي.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك, أن الجنب ممن أمره الله بالتيمم إذا لم يجد الماء والصلاة بقوله: {أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمّمُوا صَعيدا طَيّب}. وقد بينا ثم أن معنى الملامسة في هذا الموضع: الجماع بنقل الحجة التي لا يجوز الخطأ فيما نقلته مجمعة عليه ولا السهو ولا التواطؤ والتضافر, بأن حكم الجنب في ذلك حكم سائر من أحدث فلزمه التطهر لصلاته, مع ما قد روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأخبار التي قد ذكرنا بعضها وتركنا ذكر كثير منها استغناء بما ذكرنا منها عما لم نذكر, وكراهة منا إطالة الكتاب باستقصاء جميعه.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمّمُو} هل ذلك أمر من الله بالتيمم كلما لزمه طلب الماء أم ذلك أمر منه بالتيمم كلما لزمه الطلب وهو محدث حدثا يجب عليه منه الوضوء بالماء لو كان للماء واجدا؟ فقال بعضهم: ذلك أمر من الله بالتيمم كلما لزمه فرض الطلب بعد الطلب محدثا كان أو غير محدث. ذكر من قال ذلك:
7737ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, عن الحجاج, عن أبي إسحاق, عن الحرث, عن عليّ رضي الله عنه أنه كان يقول: التيمم لكل صلاة.
حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن المبارك, قال: أخبرنا هشيم, قال: أخبرنا الحجاج, عن أبي إسحاق, عن الحرث, عن عليّ, مثله.
7738ـ حدثني عبد الله بن محمد, قال: حدثنا عبدان المروزي, قال: أخبرنا ابن المبارك, قال: أخبرنا عبد الوراث, قال: أخبرنا عامر الأحول, عن نافع أنه حدثه, عن ابن عمر مثل ذلك.
7739ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, قال: أخبرنا مجالد, عن الشعبي, قال: لا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة.
7740ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن سعيد, عن قتادة, قال: يتيمم لكل صلاة. ويتأول هذه الاَية: {فَلَمْ تَجِدُوا ماءً}.
7741ـ قال: أخبرنا ابن المبارك, قال: حدثنا الفريابي, عن الأوزاعي, عن يحيـى بن سعيد وعبد الكريم بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن, قالوا: التيمم لكل صلاة.
7742ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا عمران القطان, عن قتادة, عن النخعي, قال: يتيمم لكل صلاة.
وقال آخرون: بل ذلك أمر من الله بالتيمم بعد طلب الماء من لزمه فرض الطلب إذا كان محدثا, فأما من لم يكن أحدث بعد تطهره بالتراب فلزمه فرض الطلب, فليس عليه تجديد تيممه, وله أن يصلي بتيممه الأوّل. ذكر من قال ذلك:
7743ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا سفيان بن حبيب, عن يونس, عن الحسن, قال: التيمم بمنزلة الوضوء.
7744ـ حدثنا إسماعيل بن موسى السديّ, قال: حدثنا عمر بن شاكر, عن الحسن, قال: يصلي المتيمم بتيممه ما لم يحدث, فإن وجد الماء فليتوضأ.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا هشام, عن الحسن, قال: كان الرجل يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم يحدث, وكذلك التيمم.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا هشام, عن الحسن, قال: كان الرجل يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا أبي, عن قتادة, عن الحسن, قال: يصلي الصلوات بالتيمم ما لم يحدث.
7745ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا سفيان بن حبيب, عن ابن جريج, عن عطاء, قال: التيمم بمنزلة الوضوء.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: يتيمم المصلى لكل صلاة لزمه طلب الماء للتطهر لها فرضا لأن الله جلّ ثناؤه أمر كل قائم إلى الصلاة بالتطهر بالماء, فإن لم يجد الماء فالتيمم, ثم أخرج القائم إلى الصلاة من كان قد تقدم قيامه إليها الوضوء بالماء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, إلا أن يكون قد أحدث حدثا ينقض طهارته, فيسقط فرض الوضوء عنه بالسنة. وأما القائم إليها وقد تقدم قيامه إليها بالتيمم لصلاة قبلها, ففرض التيمم له لازم بظاهر التنزيل بعد طلبه الماء إذا أعوزه.
القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّهَ كانَ عَفُوّا غَفُور}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: إن الله لم يزل عفوّا عن ذنوب عباده وتركه العقوبة على كثير منها ما لم يشركوا به, كما عفا عنكم أيها المؤمنون عن قيامكم إلى الصلاة التي فرضها عليكم في مساجدكم وأنتم سكارى. {غَفُور} يقول: فلم يزل يستر عليهم ذنوبهم بتركه معاجلتهم العذاب على خطاياهم, كما ستر عليكم أيها المؤمنون بتركه معاجلتكم على صلاتكم في مساجدكم سكارى. يقول: فلا تعودوا لمثلها فينا لكم بعودكم لما قد نهيتكم عنه من ذلك مَنْكَلة.
الآية : 44-45
القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلّواْ السّبِيلَ * وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَىَ بِاللّهِ وَلِيّاً وَكَفَىَ بِاللّهِ نَصِيراً }..
اختلف أهل التأويل في معنى قوله جلّ ثناؤه: {ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ} فقال قوم: معناه: ألم تخبر. وقال آخرون: معناه: ألم تعلم. والصواب من القول في ذلك: ألم تر بقلبك يا محمد علما إلى الذين أوتوا نصيبا. وذلك أن الخبر والعلم لا يجليان رؤية, ولكنه رؤية القلب بالعلم لذلك كما قلنا فيه.
وأما تأويل قوله: {إلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتَابِ} فإنه يعني: إلى الذين أُعطوا حظّا من كتاب الله, فعلموه. وذكر أن الله عنى بذلك طائفة من اليهود الذين كانوا حوالي مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
7746ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ يَشْتَرونَ الضّلالَةَ ويُرِيدُونَ أنْ تَضِلّوا السّبِيلَ} فهم أعداء الله اليهود, اشتروا الضلالة.
7747ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة: {ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ} إلى قوله: {يحَرّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} قال: نزلت في رفاعة بن زيد بن السائب اليهودي.
7748ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, عن ابن إسحاق, قال: ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت, قال: ثني سعيد بن جبير أو عكرمة, عن ابن عباس, قال: كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظمائهم ـ يعني: من عظماء اليهود إذا كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لوى لسانه وقال: راعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك! ثم طعن في الإسلام وعابه, فأنزل الله: {ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ يَشْتَرُونَ الضّلالَةَ}... إلى قوله: {فَلا يُؤْمِنُونَ إلاّ قَلِيل}.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق بإسناده عن ابن عباس, مثله.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَشْتَرونَ الضّلالَةَ ويُرِيدونَ أنْ تَضِلّوا السّبِيلَ واللّهُ أعْلَمُ بأعْدَائِكُمْ وكَفَى باللّهِ وَلِيّا وكَفَى باللّهِ نَصِير}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {يَشْتَرُونَ الضّلالَةَ}: اليهود الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يختارون الضلالة, وذلك الأخذ على غير طريق الحق وركوب غير سبيل الرشد والصواب, مع العلم منهم بقصد السبيل ومنهم الحقّ. وإنما عنى الله بوصفهم باشترائهم الضلالة مقامهم على التكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم وتركهم الإيمان به, وهم عالمون أن السبيل الحقّ الإيمان به وتصديقه بما قد وجدوا من صفته في كتبهم التي عندهم.
وأما قوله: {ويُرِيدُونَ أنْ تَضِلّوا السّبِيلَ} يعني بذلك تعالى ذكره: ويريد هؤلاء اليهود الذين وصفهم جلّ ثناؤه بأنهم أوتوا نصيبا من الكتاب أن تضلوا أنتم يا معشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم المصدّقين به أن تضلوا السبيل, يقول: أن تزولوا عن قصد الطريق, ومحجة الحقّ, فتكذبوا بمحمد, وتكونوا ضلالاً مثلهم. وهذا من الله تعالى ذكره تحذير منه عباده المؤمنين أن يستنصحوا أحدا من أعداء الإسلام في شيء من أمر دينهم, أو أن يسمعوا شيئا من طعنهم في الحقّ. ثم أخبر الله جلّ ثناؤه عن عداوة هؤلاء اليهود الذين نهى المؤمنين أن يستنصحوهم في دينهم إياهم, فقال جلّ ثناؤه: {وَاللّهُ أعْلَمُ بأعْدَائِكُمْ} يعني بذلك تعالى ذكره: والله أعلم منكم بعداوة هؤلاء اليهود أيها المؤمنون, يقول: فانتهوا إلى طاعتي عما نهيتكم عنه من استنصاحهم في دينكمم, فإني أعلم بما هم عليه لكم من الغشّ والعداوة والحسد وأنهم إنما يبغونكم الغوائل, ويطلبون أن تضلوا عن محجة الحقّ فتهلكوا.
وأما قوله: {وكَفَى باللّهِ وَليّا وكَفَى باللّهِ نَصِير} فإنه يقول: فبالله أيها المؤمنون فثقوا, وعليه فتوكلوا, وإليه فارغبوا دون غيره, يكفكم مهمكم وينصركم على أعدائكم. {وكَفَى باللّهِ وَليّ} يقول: وكفاكم وحسبكم بالله ربكم وليا يليكم ويلي أموركم بالحياطة لكم والحراسة من أن يستفزّكم أعداؤكم عن دينكم أو يصدّوكم عن اتباع نبيكم. {وكَفَى باللّهِ نَصِير} يقول: وحسبكم بالله ناصرا لكم على أعدائكم وأعداء دينكم, وعلى من بغاكم الغوائل, وبغي دينكم العوج