تفسير الطبري تفسير الصفحة 87 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 87
088
086
 الآية : 52
القول في تأويل قوله تعالى: {أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً }..
يعني جلّ ثناؤه بقوله: أولئك هؤلاء الذين وصف صفتهم أنهم أوتوا نصيبا من الكتاب وهم يؤمنون بالجبت والطاغوت, هم الذين لعنهم الله, يقول: أخزاهم الله فأبعدهم من رحمته بإيمانهم بالجبت والطاغوت وكفرهم بالله ورسوله, عنادا منهم لله ولرسوله, وبقولهم: {للّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيل}. {وَمَنْ يَلْعَنِ اللّهُ} يقول: ومن يخزه الله فيبعده من رحمته, {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِير} يقول: فلن تجد له يا محمد ناصرا ينصره من عقوبة الله ولعنته التي تحلّ به فيدفع ذلك عنه¹ كما:
7828ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال كعب بن الأشرف وحيـي بن أخطب ما قالا, يعني من قولهما: «هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً», وهما يعلمان أنهما كاذبان, فأنزل الله: {أُولَئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِير}.
الآية : 53
القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاّ يُؤْتُونَ النّاسَ نَقِيراً }..
يعني بذلك جلّ ثناؤه: {أمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ} أم لهم حظّ من الملك, يقول: ليس لهم حظّ من الملك. كما:
7829ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السدي: {أمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ} يقول: لو كان لهم نصيب من الملك إذا لم يؤتوا محمدا نقيرا.
7830ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا حجاج, قال: قال ابن جريج: قال الله: {أمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ} قال: فليس لهم نصيب من الملك, {فإذًا لا يُؤْتُونَ النّاسَ نَقِير} ولو كان لهم نصيب وحظّ من الملك, لم يكونوا إذًا يعطون الناس نقيرا من بخلهم.
واختلف أهل التأويل في معنى النقير, فقال بعضهم: هو النقطة التي في ظهر النواة. ذكر من قال ذلك:
7831ـ حدثني المثنى, قال: ثني عبد الله, قال: ثني معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: {نَقِير} يقول: النقطة التي في ظهر النواة.
حدثني سليمان بن عبد الجبار, قال: حدثنا محمد بن الصلت, قال: حدثنا أبو كدينة, عن قابوس, عن أبيه, عن ابن عباس, قال: النقير الذي في ظهر النواة.
حدثني جعفر بن محمد الكوفي المروزي, قال: حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل, عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس, قال: النقير: وسط النواة.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: {فإذًا لا يُؤْتُونَ النّاسَ نَقِير} النقير: نقير النواة: وسطها.
7832ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السدي, قوله: {أمْ لَهُمْ نَصيبٌ مِنَ المُلْك فإذًا لا يُؤتُونَ النّاس نَقِير} يقول: لو كان لهم نصيب من الملك إذًا لم يؤتوا محمدا نقيرا, والنقير: النقطة التي في وسط النواة.
7833ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثني طلحة بن عمرو أنه سمع عطاء بن أبي رباح, يقول: النقير: الذي في ظهر النواة.
7834ـ حدثني يحيـى بن أبي طالب, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك, قال: النقير: النقرة التي تكون في ظهر النواة.
7835ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا حصين, عن أبي مالك, قال: النقير: الذي في ظهر النواة.
وقال آخرون: النقير: الحبة التي تكون في وسط النواة. ذكر من قال ذلك:
7836ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: {نَقِير} قال: النقير: حبة النواة التي في وسطها.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: {فإذًا لا يُؤْتونَ النّاسَ نَقِير} قال: النقير: حبة النواة التي في وسطها.
حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا يحيـى بن سعيد, قال: حدثنا سفيان بن سعيد, عن منصور, عن مجاهد قال: النقير في النوي.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, قال: قال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول: النقير: نقير النواة الذي في وسطها.
7837ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول: النقير: نقر النواة الذي يكون في وسط النواة.
وقال آخرون: معنى ذلك: نقر الرجل الشيء بطرف أصابعه. ذكر من قال ذلك:
7838ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن يزيد بن درهم أبي العلاء, قال: سمعت أبا العالية, ووضع ابن عباس طرف الإبهام على ظهر السبابة ثم رفعهما وقال: هذا النقير.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله وصف هؤلاء الفرقة من أهل الكتاب بالبخل باليسير من الشيء الذي لا خطر له, ولو كانوا ملوكا وأهل قدرة على الأشياء الجليلة الأقدار. فإذ كان ذلك كذلك, فالذي هو أولى بمعنى النقير أن يكون أصغر ما يكون من النقر, وإذا كان ذلك أولى به, فالنقرة التي في ظهر النواة من صغار النقر, وقد يدخل في ذلك كل ما شاكلها من النقر. ورفع قوله: {لا يُؤْتُونَ النّاسَ} ولم ينصب بـ«إذا», ومن حكمها أن تنصب الأفعال المستقبلة إذا ابتدىء الكلام بها¹ لأن معها فاء, ومن حكمها إذا دخل فيها بعض حروف العطف أن توجه إلى الابتداء بها مرّة وإلى النقل عنها إلى غيرها أخرى, وهذا الموضع مما أريد بالفاء فيه النقل عن إذًا إلى ما بعدها, وأن يكون معنى الكلام: أم لهم نصيب فلا يؤتون الناس نقيرا إذًا.
الآية : 54
القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلَىَ مَآ آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مّلْكاً عَظِيماً }..
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {أمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ} أم يحسد هؤلاء الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من اليهود. كما:
7839ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: {أمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ} قال: اليهود.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
7840ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة مثله.
وأما قوله: {النّاسَ} فإن أهل التأويل اختلفوا فيمن عنى الله به, فقال بعضهم: عنى الله بذلك محمدا صلى الله عليه وسلم خاصة. ذكر من قال ذلك:
7841ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسباط, قال: أخبرنا هشيم, عن خالد, عن عكرمة في قوله: {أمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ على ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ} قال: الناس في هذا الموضع: النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة.
7842ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: ثني أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: {أمْ يَحْسُدونَ النّاسَ على ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ} يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم.
7843ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس مثله.
7844ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: {أمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ على ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ} قال: الناس: محمد صلى الله عليه وسلم.
7845ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك يقول: فذكر نحوه.
وقال آخرون: بل عَنَى الله به العربَ. ذكر من قال ذلك:
7846ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {أمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ على ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ} أولئك اليهود حسدوا هذا الحيّ من العرب على ما آتاهم الله من فضله.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله عاتب اليهود الذين وصف صفتهم في هذه الاَيات, فقال لهم في قيلهم للمشركين من عبدة الأوثان إنهم أهدى من محمد وأصحابه سبيلاً على علم منهم بأنهم في قيلهم ما قالوا من ذلك كذبة: أم يحسدون محمدا على آتاهم الله من فضله.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب, لأن ما قبل قوله: {أم يَحْسُدُونَ النّاسَ على ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ} مضى بذمّ القائلين من اليهود للذين كفروا: {هَؤُلاء أهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيل}, فإلحاق قوله: {أمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ على ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ} بذمهم على ذلك, وتقريظ الذين آمنوا الذين قيل فيهم ما قيل أشبه وأولى, ما لم يأت دلالة على انصراف معناه عن معنى ذلك.
واختلف أهل التأويل في تأويل الفضل الذي أخبر الله أنه آتى الذين ذكرهم في قوله: {أمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ على ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ} فقال بعضهم: ذلك الفضل هو النبوّة. ذكر من قال ذلك:
7847ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {أم يَحْسُدُونَ النّاسَ على ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ}: حسدوا هذا الحيّ من العرب على ما آتاهم الله من فضله, بعث الله منهم نبيا فحسدوهم على ذلك.
7848ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, قال: قال ابن جريج: {عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ} قال: النبوّة.
وقال آخرون: بل ذلك الفضل الذي ذكر الله أنه آتاهموه: هو إباحته ما أباح لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من النساء, ينكح منهنّ ما شاء بغير عدد. قالوا: وإنما يعني بالناس: محمدا صلى الله عليه وسلم على ما ذكرت قبل. ذكر من قال ذلك:
7849ـ حدثني محمد بن سعد,قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: {أمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ على ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ}... الاَية, وذلك أن أهل الكتاب قالوا: زعم محمد أنه أُوتي ما أُوتي في تواضع وله تسع نسوة, ليس همه إلا النكاح, فأيّ ملك أفضل من هذا؟ فقال الله: {أمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ على ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ}.
7850ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: {أمْ يَحْسُدُونَ النّاس على ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ} يعني محمدا أن ينكح ما شاء من النساء.
7851ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: {أمْ يُحْسُدُونَ النّاسَ على ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ} وذلك أن اليهود قالوا: ما شأن محمد أعطي النبوّة كما يزعم وهو جائع عار, وليس له همّ إلا نكاح النساء؟ فحسدوه على تزويج الأزواج, وأحلّ الله لمحمد أن ينكح منهنّ ما شاء أن ينكح.
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب قول قتادة وابن جُريج الذي ذكرناه قبلُ أن معنى الفضل في هذا الموضع النبوّة التي فضل الله بها محمدا, وشرّف بها العرب إذ آتاها رجلاً منهم دون غيرهم, لما ذكرنا من أن دلالة ظاهر هذه الاَية تدلّ على أنها تقريظ للنبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم, على ما قد بينا قبل, وليس النكاح وتزويج النساء, وإن كان من فضل الله جلّ ثناؤه الذي آتاه عباده بتقريظ لهم ومدح.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَقَدْ آتَيْنا آلَ إبْرَاهِيمَ الكِتابَ والحِكْمَةَ وآتَيْناهُمْ مُلْكا عَظِيم}.
يعني: بذلك جلّ ثناؤه: أم يحسد هؤلاء اليهود الذين وصف صفتهم في هذه الاَيات, الناسَ على ما آتاهم الله من فضله, من أجل أنهم ليسوا منهم, فكيف لا يحسدون آل إبراهيم, فقد آتيناهم بالكتاب؟ ويعني بقوله: {فَقَدْ آتَيْنا آلَ إبْرَاهِيمَ}: فقد أعطينا آل إبراهيم, يعني: أهله وأتباعه على دينه {الكِتَابَ} يعني: كتاب الله الذي أوحاه إليهم, وذلك كصحف إبراهيم وموسى والزبور, وسائر ما آتاهم من الكتب. وأما الحكمة, فما أوحى إليهم مما لم يكن كتابا مقروءا. {وآتَيْناهُمْ مُلْكا عَظِيم}.
واختلف أهل التأويل في معنى المُلْكِ العظيم الذي عناه الله في هذه الاَية, فقال بعضهم: هو النبوّة. ذكر من قال ذلك:
7852ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: {أمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ} قال: يهود, {على ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ} فقد آتينا آل آبراهيم الكتاب وليسوا منهم, والحكمة, {وآتَيْنَاهُمْ مُلْكا عَظِيم} قال: النبوّة.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله, إلا أنه قال: {مُلْك}: النبوّة.
وقال آخرون: بل ذلك تحليل النساء¹ قالوا: وإنما عنى الله بذلك: أم يحسدون محمدا على ما أحلّ الله له من النساء, فقد أحلّ الله مثل الذي أحله له منهنّ لداود وسليمان وغيرهم من الأنبياء, فكيف لم يحسدوهم على ذلك وحسدوا محمدا عليه الصلاة والسلام؟ ذكر من قال ذلك:
7853ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: {فقدْ آتيْنا آلَ إبراهيمَ}: سليمان وداود {الحِكْمَةَ} يعني: النبوّة. {وآتَيْنَاهُمْ مُلْكَا عَظِمي} في النساء, فما باله حلّ لأولئك وهم أنبياء أن ينكح داود تسعا وتسعين امرأة, وينكح سليمان مائة, ولا يحلّ لمحمد أن ينكح كما نكحوا!.
وقال آخرون: بل معنى قوله: {وآتَيْنَاهُمْ مُلْكا عَظِيم} الذي آتى سليمان بن داود. ذكر من قال ذلك:
7854ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: {وآتَيْنَاهُمْ مُلْكا عَظِيم} يعني: ملك سليمان.
وقال آخرون: بل كانوا أُيّدُوا بالملائكة. ذكر من قال ذلك:
7855ـ حدثنا أحمد بن حازم الغفاري, قال: حدثنا أبو نعيم, قال: حدثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن همام بن الحارث: {وآتَيْناهُمْ مُلْكا عَظِيم} قال: أُيدوا بالملائكة والجنود.
وأولى هذه الأقوال بتأويل الاَي, وهي قوله: {وآتَيْناهُمْ مُلْكا عَظِيم} القول الذي رُوي عن ابن عباس أنه قال: يعني: ملك سليمان¹ لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب, دون الذي قال: إنه ملك النُبوّة, ودون قول من قال: إنه تحليل النساء والملك عليهنّ. لأن كلام الله الذي خوطب به العرب غير جائز توجيهه إلا إلى المعروف المستعمل فيهم من معانيه, إلا أن تأتي دلالة أو تقوم حجة على أن ذلك بخلاف ذلك يجب التسليم لها.
الآية : 55
القول في تأويل قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ مّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مّن صَدّ عَنْهُ وَكَفَىَ بِجَهَنّمَ سَعِيراً }..
يعني بذلك جلّ ثناؤه: فمن الذين أوتوا الكتاب من يهود بني إسرائيل الذين قال لهم جلّ ثناؤه: {آمِنوا بِمَا نَزّلْنا مُصَدّقا لمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ نَطْمِسَ وُجُوها فنرُدّها على أدْبارِها {مَنْ آمَنَ بِهِ} يقول: من صدّق بما أنزلنا على محمد صلى الله عليه وسلم مصدّقا لما معهم. {ومِنْهُمْ مَنْ صَدّ عَنْهُ} ومنهم من أعرض عن التصديق به. كما:
7856ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: {فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ} قال: بما أنزل على محمد من يهود {ومِنْهُمْ مَنْ صَدّ عَنْهُ}.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
وفي هذه الاَية دلالة على أن الذين صدّوا عما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل الذين كانوا حوالي مهاجَرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رفع عنهم وعيد الله الذي توعدهم به, في قوله: {آمِنُوا بِمَا نَزّلْنا مُصَدّقا لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ نَطْمِسَ وُجُوها فَنرُدّها على أدْبارِها أوْ نَلْعَنَهُمْ كمَا لَعَنّا أصحَابَ السّبْتِ وكانَ أمْرُ اللّهِ مَفْعُول} في الدنا, وأخرت عقوبتهم إلى يوم القيامة, لإيمان من آمن منهم. وإن الوعيد لهم من الله بتعجيل العقوبة في الدنيا إنما كان على مقام جميعهم على الكفر بما أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم, فلما آمن بعضهم خرجوا من الوعيد الذي توعده في عاجل الدنيا, وأخّرت عقوبة المقيمين على التكذيب إلى الاَخرة, فقال لهم: كفاكم بجهنم سعيرا.
ويعني قوله: {وكَفَى بِجَهَنّمَ سَعِير}: وحسبكم أيها المكذّبون بما أنزلت على محمد نبيـي ورسولي بجهنم سعيرا, يعني: بنار جهنم تُسَعّر عليكم: أي توقد عليكم. وقيل: {سعير} أصله مسعورا, من سعرت تسعر فهي مسعورة, كما قال الله: {وَإذَا الجَحِيمُ سُعّرَتْ} ولكنها صرفت إلى فعيل, كما قيل: كفّ خضيب ولحية دهين, بمعنى مخضوبة ومدهونة, والسعير: الوقود.
الآية : 56
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً }..
هذا وعيد من الله جلّ ثناؤه للذين أقاموا على تكذيبهم بما أنزل الله على محمد من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر الكفار برسوله. يقول الله لهم: إن الذين جحدوا ما أنزلت على رسولي محمد صلى الله عليه وسلم من آياتي, يعني من آيات تنزيله ووحي كتابه, وهي دلالاته وحججه على صدق محمد صلى الله عليه وسلم, فلم يصدّقوا به من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر أهل الكفر به¹ {سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نار} يقول: سوف ننضجهم في نار يَصْلُوْن فيها: أي يشوون فيها. {كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} يقول: كلما انْشَوَتْ بها جلودهم فاحترقت, {بَدّلْناهُمْ جُلودا غيرَه} يعني: غير الجلود التي قد نضجت فانشوت. كما:
7857ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن الأعمش, عن ثوير, عن ابن عمر: {كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْناهُمْ جُلُودا غيرَه} قال: إذا احترقت جلودهم بدلناهم جلودا بيضا أمثال القراطيس.
7858ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {إنّ الّذِينَ كَفَرُوا بآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نارا كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْناهُمْ جُلُودا غيرَه} يقول: كلما احترقت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها.
7859ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, في قوله: {كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} قال: سمعنا أنه مكتوب في الكتاب الأوّل أن جلد أحدهم أربعون ذراعا, وسنّه سبعون ذراعا, وبطنه لو وضع فيه جبل لوَسِعَهُ, فإذا أكلت النار جلودهم بُدّلوا جلودا غيرها.
7860ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن المبارك, قال: بلغني عن الحسن: {كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْناهُمْ جُلُودا غيرَه} قال: نُنضجهم في اليوم سبعين ألف مرّة.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا أبو عبيدة الحداد, عن هشام بن حسان, عن الحسن, قوله: {كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْناهُمْ جُلُودا غيرَه} قال: تنضج النار كل يوم سبعين ألف جلد, وغلظ جلد الكافر أربعون ذراعا, والله أعلم بأيّ ذراع.
فإن سأل سائل, فقال: وما معنى قوله جلّ ثناؤه: {كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْناهُمْ جُلودا غيرَه}؟ وهل يجوز أن يبدّلوا جلودا غير جلودهم التي كات لهم في الدنيا, فيعذّبوا فيها؟ فإن جاز ذلك عندك, فأجز أن يبدّلوا أجساما وأرواحا غير أجسامهم وأوراحهم التي كانت لهم في الدنيا فتعذّب! وإن أجزت ذلك, لزمك أن يكون المعذّبون في الاَخرة بالنار غير الذين أوعدهم الله العقاب على كفرهم به ومعصيتهم إياه, وأن يكون الكفار قد ارتفع عنهم العذاب! قيل: إن الناس اختلفوا في معنى ذلك, فقال بعضهم: العذاب إنما يصل إلى الإنسان الذي هو غير الجلد واللحم, وإنما يحرق الجلد ليصل إلى الإنسان ألم العذاب, وأما الجلد واللحم فلا يألمان. قالوا: فسواء أعيد على الكافر جلده الذي كان له في الدنيا, أو جلد غيره, إذ كانت الجلود غير آلمة ولا معذّبة, وإنما الاَلمة المعذّبة النفس التي تحسّ الألم, ويصل إليها الوجع. قالوا: وإذا كان ذلك كذلك, فغير مستحيل أن يخلق لكل كافر في النار في كل لحظة وساعة من الجلود ما لا يُحْصَى عدده, ويحرق ذلك عليه, ليصل إلى نفسه ألم العذاب, إذ كانت الجلود لا تألم.
وقال آخرون: بل الجلود تألم, واللحم وسائر أجزاء جِرْمِ بني آدم, وإذا أحرق جلده أو غيره من أجزاء جسده, وصل ألم ذلك إلى جميعه. قالوا: ومعنى قوله: {كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدّلْناهُم جُلُودا غيرَه}: بدلناهم جلودا غير محترقة, وذلك أنها تعاد جديدة, والأولى كانت قد احترقت فأعيدت غير محترقة, فلذلك قيل غيرها, لأنها غير الجلود التي كانت لهم في الدنيا التي عصوا الله وهي لهم. قالوا: وذلك نظير قول العرب للصائغ إذا استصاغته خاتما من خاتم مصوغ, بتحويله عن صياغته التي هو بها إلى صياغة أخرى: صغ لي من هذا الخاتم خاتما غيره! فيكسره ويصوغ له منه خاتما غيره والخاتم المصوغ بالصياغة الثانية هو الأوّل, ولكنه لما أعيد بعد كسره خاتما قيل هو غيره. قالوا: فكذلك معنى قوله: {كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بدّلْناهُمْ جُلُودا غيرَه} لما احترقت الجلود ثم أعيدت جديدة بعد الاحتراق, قيل هي غيرها على ذلك المعنى.
وقال آخرون: معنى ذلك: {كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} سرابيلهم, بدلناهم سرابيل من قطران غيرها. فجعلت السرابيل القطران لهم جلودا, كما يقال للشيء الخاصّ بالإنسان: هو جلدة ما بين عينيه ووجهه لخصوصه به. قالوا: فكذلك سرابيل القطران التي قال الله في كتابه: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النّارُ} لما صارت لهم لباسا لا تفارق أجسامهم جُعلت لهم جلودا, فقيل: كلما اشتعل القطران في أجسامهم واحترق بدّلوا سرابيل من قطران آخر. قالوا: أوما جلود أهل الكفر من أهل النار فإنها لا تحرق, لأن في احتراقها إلى حال إعادتها فناءها, وفي فنائها راحتها. قالوا: وقد أخبرنا الله تعالى ذكره عنها أنهم لا يموتون ولا يخفف عنهم من عذابها. قالوا: وجلود الكفار أحد أجزاء أجسامهم, ولو جاز أن يحترق منها شيء فيفنى ثم يعاد بعد الفناء في النار, جاز ذلك في جميع أجزائها, وإذا جاز ذلك وجب أن يكون جائزا عليهم الفناء ثم الإعادة والموت ثم الإحياء, وقد أخبر الله عنهم أنهم لا يموتون. قالوا: وفي خبره عنهم أنهم لا يموتون دليل واضح أنه لا يموت شيء من أجزاء أجسامهم, والجلود أحد تلك الأجزاء.
وأما معنى قوله: {لِيَذُوقُوا العَذَابَ} فإنه يقول: فعلنا ذلك بهم ليجدوا ألم العذاب وكربه وشدّته بما كانوا في الدنيا يكذّبون آيات الله ويجحدونها.
القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّهَ كانَ عَزِيزا حَكِيم}.
يقول: إن الله لم يزل عزيزا في انتقامه ممن انتقم منه من خلقه, لا يقدر على الامتناع منه أحد أراده بضرّ, ولا الانتصار منه أحد أحلّ به عقوبة, حكيما في تدبيره وقضائه.
الآية : 57
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مّطَهّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاّ ظَلِيلاً }..
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ}: والذين آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم, وصدّقوا بما أنزل الله على محمد مصدّقا لما معهم من يهود بني إسرائيل وسائر الأمم غيرهم. {وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ} يقول: وأدّوا ما أمرهم الله به من فرائضه, واجتنبوا ما حرّم الله عليهم من معاصيه, وذلك هو الصالح من أعمالهم. {سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ} يقول: سوف يدخلهم الله يوم القيامة جناتٍ, يعني: بساتين {تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنْهَارُ} يقول: تجري من تحت تلك الجنات الأنهار. {خالِدِينَ فِيها أبَد} يقول: باقين فيها أبدا بغير نهاية ولا انقطاع, دائم ذلك لهم فيها أبدا. {لَهُمْ فِيها أزْوَاجٌ} يقول: لهم في تلك الجنات التي وصف صفتها {أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ} يعني: بريئات من الأدناس والريب الحيض والغائط والبول والحبل والبصاق, وسائر ما يكون في نساء أهل الدنيا.
وقد ذكرنا ما في ذلك من الأثار فيما مضى قبل, وأغنى ذلك عن إعادتها. وأما قوله: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاّ ظَلِيل} فإنه يقول: وندخلهم ظلاّ كنينا, كما قال جلّ ثناؤه: {وَظِلّ مَمْدُودٍ}. وكما:
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, وحدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قالا جميعا, حدثنا شعبة, قال: سمعت أبا الضحاك يحدّث عن أبي هريرة, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, قال: «إنّ فِي الجَنّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبُ فِي ظِلّها مائَةَ عامٍ لا يَقْطَعُها, شَجَرَةُ الخُلْدِ».
الآية : 58
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدّواْ الأمَانَاتِ إِلَىَ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنّ اللّهَ نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }..
اختلف أهل التأويل فيمن عُني بهذه الاَية, فقال بعضهم: عُني بها: ولاةُ أمور المسلمين. ذكر من قال ذلك:
7861ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي, قال: حدثنا أبو أسامة, عن أبي مكين, عن زيد بن أسلم, قال: نزلت هذه الاَية: {إنّ اللّهَ يأمْرُكُمْ أنْ تُؤَدّوا الأمانَاتِ إلى أهْلِه} في ولاة الأمر.
7862ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إديس, قال: حدثنا ليث, عن شهر, قال: نزلت في الأمرء خاصة {إنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدّوا الأماناتِ إلى أهْلِها وَإذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أنْ تَحْكُمُوا بالْعَدْلِ}.
8777 حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا إدريس, قال: حدثنا إسماعيل, عن مصعب بن سعد, قال: قال عليّ رضي الله عنه: كلمات أصاب فيهنّ حقّ على الإمام أن يحكم بما أنزل الله, وأن يؤدّى الأمانة, وإذا فعل ذلك فحقّ على الناس أن يسمعوا وأن يطيعوا وأن يجيبوا إذا دعوا.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, قال: حدثنا إسماعيل عن مصعب بن سعد, عن عليّ بنحوه.
7863ـ حدثني محمد بن عبيد المحاربي, قال: حدثنا موسى بن عمير, عن مكحول, في قول الله: {وأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ} قال: هم أهل الاَية التي قبلها: {إنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أن تُؤَدّوا الأماناتِ إلى أهْلِه}... إلى آخر الاَية.
7864ـ حدثني يونس, قال¹ أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا ابن زيد, قال: قال أبي: هم الولاة, أمرهم أن يؤدّوا الأمانات إلى أهلها.
وقال آخرون: أمر السلطان بذلك أن يعطوا الناس. ذكر من قال ذلك:
7865ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: {إنّ اللّهَ يأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدّوا الأماناتِ إلى أهْلِه} قال: يعني: السلطان يعطون الناس.
وقال آخرون: الذي خُوطِبَ بذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم في مفاتيح الكعبة أُمِرَ بردّها على عثمان بن طلحة. ذكر من قال ذلك:
7866ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قوله: {إنّ اللّهَ يأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدّوا الأماناتِ إلى أهْلِه} قال: نزلت في عثمان بن طلحة بن أبي طلحة, قبض منه النبيّ صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة, ودخل بها البيت يوم الفتح, فخرج وهو يتلو هذه الاَية, فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح. قال: وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو هذه الاَية: فداؤه أبي وأمي! ما سمعته يتلوها قبل ذلك.
7867ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا الزنجي بن خالد, عن الزهري, قال: دفعه إليه وقال: أعينوه.
وأولى هذه الأقوال بالصوااب في ذلك عندي قول من قال: هو خطاب من الله ولاة أمور المسلمين بأداء الأمانة إلى من ولّوا في فيئهم وحقوقهم, وما ائتمنوا عليه من أمورهم بالعدل بينهم في القضية. والقسم بينهم بالسوية, يدلّ على ذلك ما وعظ به الرعية في: {أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ} فأمرهم بطاعتهم, وأوصى الراعي بالرعية, وأوصى الرعية بالطاعة. كما:
7868ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ} قال: قال أبي: هم السلاطين. وقرأ ابن زيد: {تُؤْتي المُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمّنْ تَشاءُ} ألا ترى أنه أمر فقال: {إنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدّوا الأماناتِ إلى أهْلِه}؟ والأمانات: هي الفيء الذي استأمنهم على جمعه وقسمه, والصدقات التي استأمنهم على جمعها وقسمها. {وَإذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أنْ تَحْكُمُوا بالعَدْل}... الاَية كلها فأمر بهذا الولاة, ثم أقبل علينا نحن, فقال: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُول وأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ}.
وأما الذي قال ابن جريج من أن هذه الاَية نزلت في عثمان بن طلحة فإنه جائز أن تكون نزلت فيه, وأريد به كلّ مؤتمن على أمانة فدخل فيه ولاة أمور المسلمين وكل مؤتمن على أمانة في دين أو دنيا, ولذلك قال من قال: عني به قضاء الدين وردّ حقوق الناس. كالذي:
7869ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: {إنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدّوا الأماناتِ إلى أهْلِه} فإنه لم يرخص لموسر ولا معسر أن يمسكها.
7870ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {إنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدّوا الأماناتِ إلى أهْلِه} عن الحسن: أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «أدّ الأمانةَ إلى مَنِ ائْتَمَنَكَ, وَلا تَخُنْ مَنْ خانَكَ».
فتأويل الاَية إذًا, إذ كان الأمر على ما وصفنا: إن الله يأمركم يا معشر ولاة أمور المسلمين أن تؤدّوا ما ائتمنتكم عليه رعيتكم من فيئهم وحقوقهم وأموالهم وصدقاتهم إليهم على ما أمركم الله, بأداء كلّ شيء من ذلك إلى من هو له بعد أن تصير في أيديكم, لا تظلموها أهلها ولا تستأثروا بشيء منها ولا تضعوا شيئا منها في غير موضعه, ولا تأخذوها إلا ممن أذن الله لكم بأخذها منه قبل أن تصير في أيديكم¹ ويأمركم إذا حكمتم بين رعيتكم أن تحكموا بينهم بالعدل والإنصاف, وذلك حكم الله الذي أنزله في كتابه وبينه على لسان رسوله, لا تَعْدوا ذلك فتجوروا عليهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّهَ نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ إنّ اللّهَ كانَ سَمِيعا بَصِير}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: يا معشر ولاة أمور المسلمين إنّ الله نَعِمّ الشيء يعظكم به, ونِعِمّت العظة يعظكم بها في أمره إياكم, أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها, وأن تحكموا بين الناس بالعدل {نّ اللّهَ كَانع سَمِيع} يقول: إن الله لم يزل سميعا بما تقولون وتنطقون, وهو سميع لذلك منكم إذا حكمتم بين الناس ولم تحاوروهم به, {بَصِير} بما تفعلون فيما ائتمنتكم عليه من حقوق رعيتكم وأموالهم, وما تقضون به بينهم من أحكامكم بعدل تحكمون أو جور, لا يخفى عليه شيء من ذلك, حافظ ذلك كله, حتى يجازي محسنكم بإحسانه ومسيئكم بإساءته, أو يعفو بفضله.
الآية : 59
القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }..
يعني بذلك جلّ ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ربكم فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه, وأطيعوا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم, فإن في طاعتكم إياه لربكم طاعة, وذلك أنكم تطيعونه لأمر الله إياكم بطاعته. كما:
7871ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أطاعَنِي فَقَدْ أطاعَ اللّهَ وَمَنْ أطاعَ أمِيري فَقَدْ أطاعَنِي, وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللّهَ وَمَنْ عَصَا أمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي».
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: {أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ} فقال بعضهم: ذلك أمر من الله باتباع سنّته. ذكر من قال ذلك:
7872ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا هشيم, عن عبد الملك, عن عطاء, في قوله: {أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ} قال: طاعة الرسول: اتّباع سنته.
حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا يعلى بن عبيد, عن عبد الملك, عن عطاء: {أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ} قال: طاعة الرسول: اتباع الكتاب والسنة.
وحدثني المثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن عبد الملك, عن عطاء, مثله.
وقال آخرون: ذلك أمر من الله بطاعة الرسول في حياته. ذكر من قال ذلك:
7873ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: {أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ} إن كان حيّا.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: هو أمر من الله بطاعة رسوله في حياته فيما أمر ونهى, وبعد وفاته في اتباع سنته¹ وذلك أن الله عمّ بالأمر بطاعته ولم يخصص ذلك في حال دون حال, فهو على العموم حتى يخصّ ذلك ما يجب التسليم له.
واختلف أهل التأويل في أولي الأمر الذين أمر الله عباده بطاعتهم في هذه الاَية, فقال بعضهم هم الأمراء. ذكر من قال ذلك:
7874ـ حدثني أبو السائب سلم بن جنادة, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي هريرة في قوله: {أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولى الأمْرِ مِنْكُمْ} قال: هم الأمراء.
7875ـ حدثنا الحسن بن الصباح البزار, قال: حدثنا حجاج بن محمد, عن ابن جريج, قال: أخبرني يعلى بن مسلم, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, أنه قال: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ}, نزلت في رجل بعثه النبيّ صلى الله عليه وسلم على سرية.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن عبيد الله بن مسلم بن هرمز, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: أن هذه الاَية نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي إذ بعثه النبيّ صلى الله عليه وسلم في السرية.
7876ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن ليث, قال: سأل مسلمة ميمون بن مهران, عن قوله: {أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولى الأمْره مِنْكُمْ} قال: أصحاب السرايا على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم.
7877ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولي الأمْر مِنْكُمْ} قال: قال أبي: هم السلاطين. قال: وقال ابن زيد في قوله: {وأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ} قال أبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطّاعَة الطّاعة! وفي الطّاعَةِ بلاءٌ». وقال: «ولو شَاء اللّه لَجَعَلَ الأَمْرَ في الأنْبِيَاءِ», يعني: لقد جعل إليهم والأنبياء معهم, ألا ترى حين حكموا في قتل يحيـى بن زكريا؟.
7878ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, حدثنا أسباط, عن السديّ: {أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولى الأمْرِ مِنْكُمْ} قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية عليها خالد ابن الوليد, وفيها عمار بن ياسر, فساروا قَبِلَ القوم الذين يريدون, فلما بلغوا قريبا منهم عَرّسوا, وأتاهم ذو العيينتين, فأخبرهم فأصبحوا وقد هربوا غير رجل أمر أهله, فجمعوا متاعهم. ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل, حتى أتى عسكر خالد, فسأل عن عمار بن ياسر فأتاه, فقال: يا أبا اليقظان, إني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله, وإن قومي لما سمعوا بكم هربوا, وإني بقيت فهل إسلامي نافعي غدا وإلا هربت؟ قال عمار: بل هو ينفعك, فأقم! فأقام. فلما أصبحوا أغار خالد, فلم يجد أحدا غير الرجل, فأخذه وأخذ ماله, فبلغ عمارا الخبر, فأتى خالدا فقال: خلّ عن الرجل فإنه قد أسلم, وهو في أمان مني! فقال خالد: وفيم أنت تجير؟ فاستّبا وارتفعا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم, فأحاز أمان عمار ونهاه أن يجير الثانية على أمير. فاستّبا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال خالد: يا رسول الله أتترك هذا العبد الأجدع يسبني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا خالِدُ لا تَسُبّ عَمّارا, فإنّهُ مَنْ سَبّ عَمّارا سَبّهُ اللّهُ, وَمَنْ أبْغَضَ عَمّارا أبْغَضَهُ اللّهُ, وَمَنْ لَعَنَ عَمّارا لَعَنَهُ اللّهُ». فغضب عمار, فقام فتبعه خالد حتى أخذ بثوبه فاعتذر إليه, فرضي عنه, فأنزل الله تعالى قوله: {أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولى الأمْرِ مِنْكُمْ}.
وقال آخرون: هم أهل العلم والفقه. ذكر من قال ذلك:
7879ـ حدثني سفيان بن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن عليّ بن صالح, عن عبد الله بن محمد بن عقيل, عن جابر بن عبد الله... قال: حدثنا جابر بن نوح, عن الأعمش, عن مجاهد, في قوله: {أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولى الأمْرِ مِنْكُمْ} قال: أولي الفقه منكم.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا ليث, عن مجاهد, في قوله: {أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولي الأمْر مِنْكُمْ} قال: أولي الفقه والعلم.
7880ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح: {وأُولي الأمْر مِنْكُمْ} قال: أولي الفقه في الدين والعقل.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
7881ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: {أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ} يعني: أهل الفقه والدين.
حدثني أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيم, قال: حدثنا سفيان, عن حصين, عن مجاهد: {وأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ} قال: أهل العلم.
7882ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا عبد الملك, عن عطاء بن السائب في قوله: {أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ} قال: أولي العلم والفقه.
حدثني المثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: حدثنا هشيم, عن عبد الملك, عن عطاء: {وأُولي الأمْر مِنْكُمْ} قال: الفقهاء والعلماء.
7883ـ حدثنا الحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر, عن الحسن, في قوله: {وأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ} قال: هم العلماء.
7884ـ قال: وأخبرنا عبد الرزاق, عن الثّوْرِيّ, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: {وَأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ} قال: هم أهل الفقه والعلم.
7885ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, عن أبي العالية في قوله: {وأولي الأمْر مِنْكُمْ} قال: هم أهل العلم, ألا ترى أنه يقول: {وَلَوْ رَدّوهُ إلى الرّسُولِ وَإلى أُولِي الأمْر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الّذِينَ يَسْتَنْبطُونَهُ مِنْهُمْ}؟.
وقال آخرون: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
7886ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, قال: حدثنا ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: {{أطِيعُوا اللّهَ وأطيعُوا الرّسُولَ وَأُولي الأمْر مِنْكُمْ} قال: كان مجاهد يقول: أصحاب محمد. قال: وربما قال: أولي الفضل والفقه ودين الله.
وقال آخرون: هم أبو بكر وعمر رضي الله عنه. ذكر من قال ذلك:
7887ـ حدثنا أحمد بن عمرو البصري, قال: حدثنا حفص بن عمر العدني, قال: حدثنا الحكم بن أبان, عن عكرمة: {أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ} قال: أبو بكر وعمر.
وأوْلَي الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: هم الأمراء والولاة, لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان طاعة وللمسلمين مصلحة. كالذي:
7888ـ حدثني عليّ بن مسلم الطوسي قال: حدثنا ابن أبي فديك, قال: ثني عبد الله بن محمد بن عروة, عن هشام بن عروة, عن أبي صالح السمان, عن أبي هريرة, أن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «سيَليكُمْ بَعْدِي وُلاةٌ, فَيَلِيكُمْ البَرّ بِبرّة والفَاجِرِ بِفُجُوره, فاسمَعُوا لَهُمْ وأطِيعُوا فِي كلّ ما وَافَقَ الحَقّ, وَصَلّوا وَرَاءَهُمْ فإنْ أحْسَنُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ, وَإنْ أساءوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ».
7889ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا يحيـى عن عبيد الله, قال: أخبرني نافع, عن عبد الله, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, قال: «على المَرْء المُسْلِم الطّاعَةُ فِيما أحَبّ وكَرهَ, إلاّ أنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصَيَةٍ فَمَنْ أُمرَ بِمَعْصِيَةِ فَلا طاعَةَ».
حدثني ابن المثنى, قال: ثني خالد عن عبيد الله, عن نافع, عن ابن عمر, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, نحوه.
فإذا كان معلوما أنه لا طاعة واجبة لأحد غير الله أو رسوله أو إمام عادل, وكان الله قد أمر بقوله: {أطِيعُوا اللّهَ وأطِعُوا الرّسُولَ وأولي مِنْكُمْ} بطاعة ذوي أمرنا, كان معلوما أن الذين أمر بطاعتهم تعالى ذكره من ذوي أمرنا هم الأئمة ومن ولاّه المسلمون دون غيرهم من الناس, وإن كان فرضا القبول من كل من أمر بترك معصية الله, ودعا إلى طاعة الله, وأنه لا طاعة تجب لأحد فيما أمر ونهى فيما لم تقم حجة وجوبه إلا للأئمة الذين ألزم الله عباده طاعتهم فيما أمروا به رعيتهم مما هو مصلحة لعامة الرعية, فإنّ على من أمروه بذلك طاعتهم, وكذلك في كل ما لم يكن لله معصية. وإذ كان ذلك كذلك كان معلوما بذلك صحة ما اخترنا من التأويل دون غيره.
القول في تأويل قوله تعالى: {فإنْ تَنازَعْتمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إلى اللّهِ وَالرّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ باللّهِ وَاليَوْم الاَخِرِ}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: فإن اختلفتم يها المؤمنون في شيء من أمر دينكم أنتم فيما بينكم أو أنتم وولاة أمركم فاشتجرتم فيه, {فَردّوهُ إلَى اللّه} يعني بذلك: فارتادوا معرفة حكم الذي اشتجرتم أنتم بينكم أو انتم وأولو أمركم من عند الله, يعني بذلك: من كتاب الله, فاتبعوا ما وجدتم. وأما قوله: {وَالرّسولِ فإنه يقول: فإن تجدوا إلى علم ذلك في كتاب الله سبيلاً, فارتادوا معرفة ذلك أيضا من عند الرسول إن كان حيّا وإن كان ميتا, فمن سنته: {إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ باللّهِ وَاليَوْم الاَخِر} يقول: افعلوا ذلك إن كنتم تصدّقون بالله واليوم الاَخر. يعني: بالمعاد الذي فيه الثواب والعقاب, فإنكم إن فعلتم ما أمرتم به من ذلك فلكم من الله الجزيل من الثواب, وإن لم تفعلوا ذلك فلكم الأليم من العقاب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
7890ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا ليث عن مجاهد, في قوله: {فإنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُوهُ إلى اللّهِ وَالرّسُولِ} قال: فإن تنازع العلماء ردّوه إلى الله والرسول. قال: يقول: فردّوه إلى كتاب الله وسنة رسوله. ثم قرأ مجاهد هذه الاَية: {وَلَوْ رَدّوه إلى الرّسولِ وإلَى أُولي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَه الّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَه مِنْهُمْ}.
7891ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد في قوله: {فَرُدّوهُ إلى الله وَالرّسُول} قال: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
حدثنا الحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن ليث, عن مجاهد في قوله: {فَرُدّوهُ إلى الله وَالرّسُولِ} قال: إلى الله إلى كتابه, وإلى الرسول: إلى سنة نبيه.
7892ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن ليث, قال: سأل مسلمة ميمون بن مهران عن قوله: {فإنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوه إلى الله والرّسُول} قال: «الله»: كتابه و«رسوله»: سنته. فكأنما ألقمه حجرا.
7893ـ حدثنا أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيم, قال: أخبرنا جعفر بن مروان, عن ميمون بن مهران: {فإنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إلى اللّهِ وَالرّسُولِ} قال: الردّ إلى الله: الردّ إلى كتابه, والردّ إلى رسوله إن كان حيّا, فإن قبضه الله إليه فالردّ إلى السنة.
7894ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {فإنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إلى اللّهِ والرّسُولِ} يقول: ردّوه إلى كتاب الله وسنة رسوله {إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ باللّهِ وَاليَوْمِ الاَخِرِ}.
7895ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: {فإنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إلى اللّهِ وَالرّسُولِ} إن كان الرسول حيّا, و{إلَى الله} قال: إلى كتابه.
القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ خَيْرٌ وأحْسَنُ تَأْوِيل}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {ذَلِكَ} فردّ ما تنازعتم فيه من شيء إلى الله والرسول, خير لكم عند الله في معادكم, وأصلح لكم في دنياكم, لأن ذلك يدعوكم إلى الألفة, وترك التنازع والفرقة. {وأحْسَنُ تَأْويل} يعني: وأحمدُ موئلاً ومغبة, وأجمل عاقبة. وقد بينا فيما مضى أن التأويل: التفعيل من تأوّل, وأن قول القائل تأوّل: تفعّل, من قولهم آل هذا الأمر إلى كذا: أي رجع¹ بما أغنى عن إعادته.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
7896ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: {وأحْسَنُ تَأْوِيل} قال: حسن جزاء.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
7897ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة:{ذَلِكَ خَيْرٌ وأحْسَنُ تَأْوِيل} يقول: ذلك أحسن ثوابا وخير عاقبه.
7898ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: {وأحْسَنُ تَأُويل} قال: عاقبة.
7899ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: {ذَلِكَ خَيْرٌ وأحْسَنُ تَأْويل} قال: وأحسن عاقبة. قال: والتأويل: التصديق