جمع عثمان الناس على مصحف واحد - الأحاديث الصحيحة

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الكتب الستة

باب جمعُ عثمان الناسَ على مصحف واحد

عن أنس بن مالك، أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام، في فتح أرمينية وأذربيجان، مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا
بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد اللَّه بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة، أو مصحف أن يحرق.
قال ابن شهاب: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت، سمع زيد بن ثابت، قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف، قد كنت أسمع رسول اللَّه ﷺ يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: ٢٣] فألحقناها في سورتها في المصحف.

صحيح: رواه البخاريّ في فضائل القرآن (٤٩٨٧ - ٤٩٨٨) عن موسى، حدّثنا إبراهيم (هو ابن سعد الزهري)، حدّثنا ابن شهاب، أن أنس بن مالك حدثه، فذكره.
قوله: قال ابن شهاب: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت. . . الخ، هو عطف على الإسناد الأول فكأن إبراهيم بن سعد جمع بين الحديثين في سياق واحد، في أحدهما حديث أنس بن مالك في جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه، وفي الثاني: فقدُ زيد بن ثابت آية من سورة الأحزاب في عهد أبي بكر رضي الله عنه.
فيرى الخطيب أن ذلك وهمٌ منه، وأنه أدرج بعض الأسانيد على بعض. ذكره الحافظ في الفتح (٩/ ١٢).
ولكن لو حمل على أن إبراهيم روى حديث أنس مع عثمان كما روى فقد زيد بن ثابت آية من سورة الأحزاب، عن ابن شهاب، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه، لاستقام الإسناد. وهذا الذي أراده البخاريّ عندما جمع القصتين في سياق واحد.
وزيد بن ثابت ذكر حديثين في أحدهما: آيتان من سورة التوبة: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ١٢٨]
وفي الثاني: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: ٢٣]
ثم زيد بن ثابت لم يعتمد على حفظه فقط، بل توقف حتى شهد له غيره، وأما شهادة خزيمة بن ثابت فكانت من أجل المكتوب، وان كان المحفوظ عنده وعند غيره مثله.
عن أنس أن عثمان دعا زيد بن ثابت، وعبد اللَّه بن الزبير، وسعيد بن العاص،
وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا ذلك.

صحيح: رواه البخاريّ في المناقب (٣٥٠٦) عن عبد العزيز بن عبد اللَّه، حدّثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن أنس، فذكره.
ورواه البخاريّ في فضائل القرآن (٤٩٨٤) من طريق آخر عن أنس، وفيه: «قال لهم عثمان: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان قريش».
وكان سعيد بن العاص بن أمية الأموي أعرب الناس وأشبههم بلهجة رسول اللَّه ﷺ، فأمر عثمان زيد بن ثابت أن يستعين به في الإملاء، ولم يختلف زيد وسعيد في شيء إلا في حرف واحد في سورة البقرة فقال أحدهما: «التابوت» وقال الآخر: «التابوة»، فاختير قراءة زيد لأنه كان كاتب الوحي.
خلاصة القول: إن تدوين القرآن مرَّ بثلاث مراحل:
الأوّلى: لقد تمت كتابة القرآن الكريم في حياة النبي ﷺ في أجزاء متفرقة وفق القراءة العامة التي كان يعلّمها النبي ﷺ أصحابه دون الأحرف الأخرى التي رخّص اللَّه فيها قراءة القرآن تيسيرا على الناس؛ فإن من البدهي أن النبي ﷺ كان يملي على كُتّاب الوحي ما نزل عليه من القرآن على حرف واحد معروف لدى أصحابه الذين كانوا قريبين منه، بخلاف التعليم، فإنه ﷺ كان يُعلّم من جاء إلى المدينة من قبائل مختلفة بحرف معروف عندهم من الأحرف السبعة (اللهجات السبع) المعروفة بجزيرة العرب، وقد يحضر هذا المجلس من هو من أهل المدينة، فيكون عنده أيضًا حرف آخر، ومن ثم كتب بعض الصحابة ما كان عنده من القرآن على أحرف أخرى، ولم يفارق النبي ﷺ دنياه إلا بعد ما اطمأنّ على أن ما في صدور الناس هو مثل ما في صدره وما في الألواح المكتوبة.
عن زيد بن ثابت قال: كنا عند رسول اللَّه ﷺ نؤلّف القرآن من الرقاع.

صحيح: رواه الترمذيّ (٣٩٥٤) -واللفظ له-، وأحمد (٢١٦٠٦، ٢١٦٠٧)، وصحّحه ابن حبان (٧٣٠٤)، والحاكم (٢/ ٢٢٩)، والبيهقي في الدلائل (٧/ ١٤٧) كلهم من طرق عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بن شماسة، عن زيد بن ثابت فذكره. وإسناده صحيح.
قال البيهقي: «وهذا يُشبه أن يكون أراد به تأليف ما نزل من الكتاب: الآيات المتفرقة في سورها، وجمعِها فيها بإشارة النبي ﷺ ثم كانت مثبتة في الصدور».
الثانية: ثم جاء أبو بكر رضي الله عنه، فأمر زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يجمع القرآن في مصحفٍ واحدٍ على حرفٍ واحدٍ، حرف قريش، اعتمادًا على ما كُتب في عهد النبي ﷺ في الرقاع والأكتاف والعسب، -وكان في بيته ﷺ محفوظا-، وما وجده في صدور الناس وهو موافق لما في هذه الرقاع فجمعها
ليجعلها في مصحف واحد بعد وقعة اليمامة للسبب الذي ذُكِرَ.
وقد رُويَ عن علي بن أبي طالب قال: رحم اللَّه أبا بكر هو أول من جمع بين اللوحين. رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف (ص ١٦٥) عن يعقوب بن سفيان، قال: حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا سفيان، عن السدي، عن عبد خير، عن علي بن أبي طالب قال: فذكره. ورجاله ثقات.
وقد استغرق إنجاز هذا العمل ما يقرب من سنة، إذْ بين غزوة اليمامة -التي كانت في السنة الحادية عشرة، وأوائل السنة الثانية عشرة- وبين وفاة الصديق -التي كانت سنة ثلاث عشرة- سنة واحدة تقريبا، ثم انتقلت هذه النسخة إلى الخليفة الذي بعده، وهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم بقيت هذه النسخة عند أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب ﵂.
ومن المؤكد أن هذه النسخة كانت مرتبة الآيات والسور، كما كان النبي ﷺ يقرأها في الصلوات، فقد تبين من الأحاديث الواردة في قراءة النبي ﷺ في الصلوات -وهي مذكورة في مواضعها من كتاب الجامع الكامل- أن قراءته كانت مثل ما هو في المصحف الموجود بأيدينا اليوم، وإن اختلف الترتيب أحيانًا فنص الصحابة على ذلك. ولذا أجاز جمهور العلماء قراءة القرآن سواء في الصلاة، أو في خارجها خلاف ترتيب السور من تقديم أو تأخير إلا أنهم قالوا: إنه خلاف الأولى، وكذلك عرضها النبي ﷺ مرتبا على جبريل عليه السلام في العام الذي توفي فيه مرتين كما جاء في حديث فاطمة المتفق عليه أن النبي أسرَّ إليها فقال: «إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضَرَ أجلي. . .» وأخذ عنه الصحابة الكرام على هذا الترتيب.
وأما قول من قال: إن ترتيب السور في المصحف اجتهاد من الصحابة فمَحَلُّ نظر؛ فإن السؤال يطرح نفسه: كيف كانت عرضة النبي ﷺ الأخيرة مرتين على جبريل عليه السلام؟ ألم تكن مرتبة الآيات والسور؟ ثم كيف كان جمع أبي بكر؟ أما كان مرتب الآيات والسور؟ فالأمر بدهي أن يكون المصحف مرتبا، وعنه أخذ عثمان بن عفان رضي الله عنه كما كان، وهو الموجود بين أيدينا الآن.
وقد ثبت عن سمرة أنه قال: عرض القرآن على رسول اللَّه ﷺ عرضات، فيقولون: قراءتنا هذه هي العرضة الأخيرة. رواه البزّار والحاكم بإسناد صحيح كما مضى.
وقوله: «يقولون»: يعني الصحابة.
وقال عَبيدة السلماني: القراءة التي عرضت على النبي ﷺ في العام الذي قُبضَ فيه هي القراءة التي يقرؤها الناس اليوم».
رواه ابن أبي شيبة (٣٠٩٢٢) من طريق ابن سيرين عنه.
وقال ابن سيرين: كان جبريل يعارض النبي ﷺ في كل شهر رمضان، فلما كان العام الذي قُبضَ فيه عارضه مرتين، قال: فيُرجى أن تكون قراءتُنا هذه على العرضة الأخيرة. (سنن سعيد بن
منصور -كتاب التفسير- (١/ ٢٣٩ رقم ٥٧).
وقال البغوي في شرح السنة (٤/ ٥٢٦): «إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي بُيّن فيها ما نُسخَ، وما بقيَ، وكتبها لرسول اللَّه ﷺ، وقرأها عليه، وكان يُقرئ الناسَ بها حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه، وولّاه عثمان نسخَ المصاحف.
إذا صحّ ما قلنا، فالنقول التي في كتب علوم القرآن بأن عثمان هو الذي رتّب السور غير صحيحة لأنها نقول متأخرة، لا مستند لها من الصحابة والتابعين.
وكونُ مصحف أُبيّ بن كعب وابن مسعود وغيرهما مخالفًا لترتيب مصحف عثمان لا يدلّ على أن ترتيب السور من اجتهاد عثمان؛ لأن هؤلاء كتبوا مصاحفهم كما تيسّر لهم، -فمثلًا كتب علي بن أبي طالب مصحفه على ترتيب النزول، فكان أوله «اقرأ» ثم «المدثر» ثم «ن» هكذا إلى آخر المكي ثم المدني- لأنه كله قرآن سواء سورة النساء قبل آل عمران أو بعدها، كما حذف بعضُهم بعضَ السور ظنًّا منهم أنه ليس من القرآن، وقد كان في مصاحفهم تفسير لبعض الآيات أيضًا، ومن الممكن أيضًا أنهم لم يطّلعوا على نسخة زيد بن ثابت التي كتبها لأبي بكر على العرضة الأخيرة؛ لأن أبي بن كعب وعبد اللَّه بن مسعود لم يكونا من اللجنة التي شكّلها عثمان رضي الله عنه لنسخ المصحف.
الثالثة: وكثرت المصاحف في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكان لعبد اللَّه بن مسعود مصحف يملي منه على أهل الكوفة، وكان لأبي بن كعب مصحف، ولعلي بن أبي طالب مصحف، ولعائشة مصحف، ولغيرهم من الصحابة مصاحف، يملون منها على أصحابهم.
وكان في هذه المصاحف اختلاف في بعض الأحرف لنزول القرآن على سبعة أحرف تيسيرا على المسلمين، فكان ذلك من دواعي أن يُؤحّد المصحف على حرف واحد لإزالة هذا الخلاف الواقع بين المسلمين.
فلما اشتدَّ هذا الخلاف، وخطّأ بعضُهم بعضًا، وتفاقم الأمر، وخُشيت الفتنة، جمع أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه المسلمين للتشاور في الأمر. وكان ذلك في حدود سنة خمس وعشرين.
قال ابن عبد البر في ترجمة زيد بن ثابت من الاستيعاب: «فلما اختلف الناس في القراءة زمن عثمان، واتفق رأيه ورأي الصحابة على أن يُرَدَّ القرآنُ إلى حرفٍ واحدٍ، وقع اختياره على حرف زيد (أي على النسخة التي كتبها زيدٌ لأبي بكر التي كانت عند حفصة)، فأمره أن يملي المصحف على قوم من قريش جمعهم إليه، فكتبوه على ما هو عليه اليوم بأيدي الناس، والأخبار بذلك متواترة المعنى، وإن اختلفت ألفاظها». انتهى.
ونُسِخَ في عهد عثمان عدةُ نسخ، اختلفت الروايات في تعيين عددها، أصح الروايات أنها خمسة، وأكثرها أنها كانت سبعة، وأرسلها عثمان رضي الله عنه إلى ست مدن: مكة، والشام،
والبحرين، واليمن، والكوفة، والبصرة. وأبقى واحدًا منها بالمدينة، وأمر بحرق كل جزء، أو كل مصحف كان لدى بعض الصحابة، فسارع الناسُ إلى تنفيذ أمره كما روا ابن أبي داود في كتاب المصاحف (١/ ١٨٧) عن مصعب بن سعد قال: أدركت الناس متوافرون حين حرّق عثمان المصاحف، فأعجبهم ذلك، وقال: لم ينكر ذلك منهم أحد» إلا ما يُروى عن ابن مسعود أنه لم ينفذ أمره، بل أمر أصحابه أن يحافظوا على المصحف الذي عندهم. ثم ألْهمه اللَّه أن يرجعَ إلى رأي عثمان الذي كان في الحقيقة رأي الأمة كلها، ولكن انتشرت عنه القراءات الأخرى من طريق تلاميذه بالرواية، فتداولتْها كتب التفسير والحديث.
ومن هذه المصاحف العثمانية نُسِخت المصاحف الأخرى كلما اتسعت رقعة الدولة الاسلامية، وهكذا اتفق المسلمون على المصحف الموجود الآن المنسوخ من المصاحف العثمانية على حرف واحد، وصار المصحف العثماني هو العمدة لدى جميع المسلمين.
قال القاضي أبو بكر الباقلاني: «جميع القرآن الذي أنزله اللَّه تعالى، وأمر بإثباته، ولم ينسخه، ولا رفع تلاوته وهو الذي بين اللوحتين الذي حواه مصحف عثمان رضي الله عنه، لم يُنقص منه شيء، ولا زِيدَ فيه شيءٌ، نقله الخلف عن السلف، وهو معجزة الرسول عليه السلام». انتهى (نكت الانتصار ص ٥٩).
وبهذا ظهر مصداق قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩].
رسم المصحف: الرسم الذي استعمل في كتابة المصحف هو الرسم الذي كان معروفا عند العرب، في كتاباتهم، ثم وضعت قواعد الإملاء، إلا أن علماء السلف حرّموا كتابة المصحف على الإملاء الجديد. سئل الإمام مالك، فقيل له: «أرأيتَ من استكتب مصحفا اليوم أترى أن يكتب على ما أحدث الناس من الهجاء (أي الإملاء) اليوم؟». فقال: «لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى».
قال أبو عمرو الداني (ت ٤٤٤ هـ) بعد أن ذكر رأي مالك السابق: «ولا مخالفَ له في ذلك من علماء الأمة». المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار للداني (٩ - ١٠).
وحكي أن الإمام أحمد بن حنبل قال: «تحرم مخالفة مصحف الإمام في واو، أو ياء، أو ألف، أو غير ذلك».
وقال البيهقي في الشعب (٤/ ٢١٩): «من كتب مصحفا، فينبغي أن يحافظ على الهجاء (أي الإملاء) التي كتبوا بها تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيها، ولا يغير مما كتبوه شيئًا، فإنهم كانوا أكثر علما، وأصدق قلبًا ولسانًا، وأعظم أمانة منا، فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم، ولا تسقُّطا لهم».
وقال الزمخشري (ت ٥٣٨ هـ): وقع في الرسم: لام الجرّ مفصولة في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا مَالِ
هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ﴾ [سورة الفرقان: ٧]، هكذا وقعت خارجةً عن أوضاع الخط العربي، وخط المصحف سنّةٌ لا تغير».
وعليه جرى عمل المسلمين إلى يومنا هذا. ومن خالف ذلك فلا عبرة له بمخالفتهم.
وأما تنقيط القرآن فلم ينقل عن أحد من السلف ما يخالف ذلك، وقد سئل الحسن وابن سيرين وغيرهما عن هذا فقالا: لا بأس به.
ونقل البيهقي في شعب الإيمان (٤/ ٢١٩) عن الحليمي قال: «ولأن النقطة ليست بمقروءة، فيتوهم لأجلها ما ليس بقرآن قرآنا، وإنما هي دلالات على هيئة المقروء، فلا يضر إثباتها لمن يحتاج إليها».
القراءات:
من الخطأ أن يظن: إن القراءات السبع المشهورة الآن هي المرادة بالأحرف السبعة المذكورة في الحديث: «أنزل القرآن على سبعة أحرف» لأن المصحف العثماني كُتبَ على حرف واحد وهو لغة قريش.
وأما القراءات فهي ليست محصورة على السبع، بل وصلت القراءات المتواترة إلى عشر، ويذكر أبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو حاتم السجستاني، وأبو جعفر الطبري أكثر من ذلك.
وتعدّد القراءات كان معروفا في حياة النبي ﷺ، تلقّاه من ربه بواسطة جبريل عليه السلام، وكان نسخ المصاحف العثمانية تتضمن هذه القراءات. فكان أهل كل مصر يقرأه على ما تلقاه من قراءات الصحابة والتابعين مما يوافق رسم المصحف. وبقي بعض القراءات خارجةً عن هذا الرسم. ولما أجمع الصحابة على المصحف العثماني اعتبرت هذه القراءات شاذّة.
ومن الخطأ أن يقال عن هذه القراءات المتواترة أن منشؤها الرسم العثماني؛ فإن الرسم العثماني لا يُنشيء القراءة، ولكنه يحكم عليها.
وأما السبب في الاقتصار على السبعة فإن الرواة عن هؤلاء الأئمة القُرّاء كانوا كثيرين، فلما تقاصرت الهممُ، اقتصروا مما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظُه، وتنضبط القراءةُ به.
قال السيوطي نقلا عن مكي بن أبي طالب القيسي: «وقد صنف ابن جبير المكي قبل ابن مجاهد (ت ٣٢٤ هـ) كتابا في القراءات فاقتصر على خمسة، اختار من كل مصر إماما، وإنما اقتصر على ذلك لأن المصاحف التي أرسلها عثمان كانت خمسة إلى هذه الأمصار، ويقال: إنه وجّه بسبعة: هذه الخمسة، ومصحفا إلى اليمن ومصحفا إلى البحرين، لكن لما لم يُسمع لهذين المصحفين خبر، وأراد ابن مجاهد وغيره مراعاة عدد المصاحف استبدلوا من مصحف البحرين واليمن قارئَين كمل بهما العدد، فصادف ذلك موافقة العدد الذي ورد الخبر به، فوقع ذلك لمن لم يعرف أصل المسألة، ولم تكن له فطنة، فظن أن المراد بالأحرف السبعة، القراءات السبع.
والأصل المعتمد عليه صحة السند في السماع، واستقامة الوجه في العربية، وموافقة الرسم» انتهى. نقلا من الإتقان في علوم القرآن (٢/ ٥٢٧).
واشتهار القُرّاء السبع يعود إلى كتاب ابن مجاهد (السبعة).
ولذا لما ذكر البغوي في مقدمة تفسيره»معالم التنزيل«قراءة أبي جعفر، وقراءة نافع، وقراءة ابن كثير، وقراءة أبي عمرو، وقراءة عبد اللَّه بن عامر، وقراءة عاصم بن أبي النجود، وقراءة حمزة ابن حبيب الزيات، وقراءة أبي الحسن الكسائي، وقراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري (وهم تسعة) قال: ذكرت قراءة هؤلاء للاتفاف على جواز القراءة بها» اهـ.
وللمحدثين دور بارز في حفظ القراءات المشهورة بالأسانيد المتصلة الصحيحة إلى النبي ﷺ، لأن اللَّه تعالى وصفه بقوله: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: ٣ - ٤]، وبقوله: ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٧]، فجعلوا من شروط قبولها صحة إسنادها، ومن ثَمَّ منعوا القراءة بالقياس والاجتهاد.
وفي كتاب «النشر في القراءات العشر» لابن الجزري (١/ ٤٦): «القراءات السبع التي اقتصر عليه الشاطبي، والثلاثة التي هي قراءة أبي جعفر، ويعقوب، وخلف، متواترة معلومة من الدين بالضرورة، وكل حرف انفرد به واحد من العشرة معلوم من الدين بالضرورة أنه منزّل على رسول اللَّه ﷺ، لا يكابر في شيء من ذلك إلا جاهل».
ومن القُرّاء الذين تدور عليهم القراءات بعد الصحابة بالمدينة: سعيد بن المسيب، ومعاذ بن الحارث، وابن شهاب الزهري، وبمكة: عطاء، وطاوس، وعكرمة، وبالكوفة: علقمة، والشعبي، وسعيد بن جبير، وبالبصرة: الحسن البصري، وابن سيرين، وقتادة، وبالشام: المغيرة بن أبي شهاب المخزومي صاحب عثمان بن عفان.
ومن هؤلاء انتشرت هذه القراءات حتى وصلت إلى القرّاء بالأسانيد المتصلة، واشتهر من هؤلاء القراء العشرة وهم: نافع وأبو جعفر بالمدينة، وأبو عمرو ويعقوب بالبصرة، وعبد اللَّه بن كثير بمكة، وعبد اللَّه بن عامر بالشام، وعاصم وحمزة والكسائي بالكوفة، وخلف بن هشام ببغداد. وإليكم ترجمتهم باختصار حسب سني وفياتهم:
١ - ابن عامر الشامي - هو عبد اللَّه بن عامر بن يزيد بن تميم يكنى بأبي عمرو، قرأ على جماعة من الصحابة، منهم: معاوية، وفضالة بن عبيد، وواثلة بن الأسقع، وعن عثمان بواسطة المغيرة بن أبي شهاب المخزومي، وقرأ عثمان بن عفان، وبعض هؤلاء على رسول اللَّه ﷺ، وتوفي ابن عامر عام ١١٨ هـ. وقرأ عليه كثيرون.
٢ - ابن كثير المكي - هو عبد اللَّه بن كثير بن عبد اللَّه بن زاذان بن فيروز بن هرمز الفارسي المكي، وُلد بمكة عام ٤٥ هـ، ولقي من الصحابة أنس بن مالك، وعبد اللَّه بن الزبير، وأبا أيوب
الأنصاري، وقرأ على مجاهد، وسعيد بن جبير، وهما قرآ على ابن عباس، وابن عباس قرأ على أبي بن كعب وزيد بن ثابت كلاهما عن رسول اللَّه ﷺ، وتوفي عام ١٢٠ هـ.
٣ - عاصم - هو ابن بهدلة أبي النجود الخياط الأسدي الكوفي، قرأ على أبي عبد الرحمن السُّلمي، وزِرّ بن حبيش، وهما قرآ على عبد اللَّه بن مسعود، وعلى علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وهم جميعًا قرأوا على رسول اللَّه ﷺ، وصار شيخ القُرّاء في الكوفة، توفي عام ١٢٨ هـ.
وأشهر من أخذ عنه:
- شعبة بن عياش الأسدي النهشلي الكوفي ولد عام ٩٥ هـ، وصار إماما وحجة في القراءة، توفي سنة ١٩٢ هـ. .
- وحفص بن سليمان بن المغيرة بن أبي داود الأسدي الكوفي وُلد سنة ٩٠ هـ، وكان من أعلم أصحاب عاصم، توفي سنة ١٨٠ هـ.
٤ - أبو عمرو بن العلاء البصري - هو زبّان بن العلاء بن عمار بن العريان المازني التميمي، وُلد سنة ٦٨ هـ، وقرأ على جماعة من التابعين، منهم: مجاهد بن جبر، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وقرأ هؤلاء على عبد اللَّه بن عباس، وهو قرأ على أبي بن كعب وهو قرأ على رسول اللَّه ﷺ، وكان إمام أهل البصرة ومقرئهم، توفي عام ١٥٤ هـ.
٥ - حمزة الكوفي - هو حمزة بن حبيب بن عمارة الزيّات مولى عكرمة بن ربيع التيمي، إمام أهل الكوفة بعد عاصم، قرأ على سليمان بن مهران الأعمش، على يحيى بن وثاب، على زِرّ بن حبيش، على عثمان وعلي وابن مسعود، وقرأ هؤلاء على رسول اللَّه ﷺ، وقرأ عليه كبار أهل الكوفة، منهم: سفيان الثوري، ووكيع وغيرهما، توفي عام ١٨٨ هـ.
٦ - نافع المدني - هو ابن أبي نعيم مولى جعونة، وأصله من أصفهان، وكان أسود، وعُمِّرَ طويلًا، قرأ على سبعين من التابعين وهم قرؤوا على أبي هريرة، وابن عباس، وعبد اللَّه بن عيّاش ابن أبي ربيعة كلّهم على أبي بن كعب، وهو قرأ على رسول اللَّه ﷺ، وكان إماما في القراءة بالمدينة، وُلد سنة ٧٠ هـ وقرأ عليه مالك وغيره، توفي عام ١٦٩ هـ. ومن أشهر تلاميذه:
- قالون: وهو عيسى بن مينا بن وردان، مقرئ المدينة، وقالون لقبٌ له، لقّبَ به نافع لجودة قراءته، وُلدَ سنة ١٢٠ هـ، وتوفي سنة ٢٢٠ هـ.
- ورش: وهو عثمان بن سعيد المصري، وورش لقب له، لُقِّبَ به لشدة بياضه، انتهت إليه الرئاسة بالديار المصرية، وُلدَ سنة ١٢٠ هـ، وتوفي سنة ١٩٧ هـ.
٧ - الكسائي الكوفي - هو علي بن حمزة النحوي، فارسي الأصل، وُلد سنة ١١٩ هـ، وتوفي عام ١٨٩ هـ. لُقّبَ بالكسائي لأنه أحرم في «كساء» وهو أحد القراء، وإمام النحاة في الكوفة، وهو
قرأ على أبي عمارة حمزة بن حبيب الزيات، وهو قرأ على سليمان بن مهران، وهو قرأ على يحيى ابن وثاب، وهو قرأ على زر بن حبيش، وهو قرأ على عثمان بن عفان وعبد اللَّه بن مسعود، وهما قرأ على رسول اللَّه ﷺ.
وأشهر من أخذ عنه:
- الليث بن خالد المروزي البغدادي توفي سنة ٢٤٠ هـ.
- حفص بن عمر بن عبد العزيز الدوري البغدادي شيخ المقرئين، تلا على الكسائي بحرفه، وعلى يحيى اليزيدي بحرف أبي عمرو (ابن العلاء البصري المقرئ الإمام) عاش دهرا، وصنّف في القراءات، وُلد سنة بضع وخمسين ومائة، وتوفي سنة ٢٤٦ هـ.
وهناك ثلاثة آخرون اعتبرت قراءتهم أيضًا من القراءات المتواترة، فصاروا عشرة. وألّف ابن الجزري المتوفى سنة ٨٣٣ هـ «النشر في القراءات العشر»، وهم:
٨ - أبو جعفر - يزيد بن القعقاع المخزومي المدني، أحد القُرّاء العشرة، أخذ عن عبد اللَّه بن عباس وأبي هريرة، عن أبي بن كعب، عن رسول اللَّه ﷺ، توفى سنة ١٣٠ هـ. وأشهر من أخذ عنه:
- ابن وردان - عيسى بن وردان المدني، وهو من أجل أصحاب نافع وقدمائهم، توفي سنة ١٦٠ هـ.
- ابن جماز - سليمان بن محمد بن مسلم الزهري المدني توفي سنة ١٧٠ هـ.
٩ - يعقوب البصري - وهو ابن إسحاق بن يزيد الحضرمي البصري، أحد القراء العشرة، وُلد سنة ١١٧ هـ، وتوفى سنة ٢٠٥ هـ. قرأ على أبي عمرو البصري، وهو قرأ على مجاهد بن جبر وسعيد بن جبير، وهما قرآ على عبد اللَّه بن عباس، وهو قرأ على أبي بن كعب، وهو قرأ على النبي ﷺ، وأشهر من أخذ عنه:
- رويس - هو محمد بن المتوكل اللؤلؤي البصري توفي سنة ٢٣٨ هـ.
- روح - هو ابن عبد المؤمن الهذلي البصري النحوي توفي سنة ٢٣٥ هـ.
١٠ - خلف - هو ابن هشام البزّار البغدادي أحد القرّاء العشرة، ولد سنة ١٥٠ هـ، وتوفي سنة ٢٢٩ هـ. وقرأ على يحيى بن سليم وهو قرأ على حمزة بن عمارة بن إسماعيل، وهو قرأ على عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو قرأ على المنهال بن عمرو، وهو قرأ على سعيد بن جبير، وهو قرأ على عبد اللَّه بن عباس، وهو قرأ على أبي بن كعب، وهو قرأ على رسول اللَّه ﷺ، وأشهر من أخذ عنه:
- إسحاق بن إبراهيم بن عثمان المروزي البغدادي الورّاق توفي سنة ٢٨٦ هـ.
- إدريس بن عبد الكريم الحداد البغدادي، وُلد سنة ١٨٩ هـ، وتوفي سنة ٢٩٢ هـ.
وألّف في ذلك ابن مجاهد - هو أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد البغدادي. (٢٤٥ هـ - ٣٢٤ هـ) كتابه الشهير «السبعة» إلا أنه ذكر علي بن حمزة الكسائي مكان يعقوب
البصري. فاشتهر أمرهم في الآفاق، وألحق بعض أهل العلم الثلاثة الآخرين فصاروا عشرةً.
ثم أكثر القراء الآخذون عن هؤلاء في الديار الاسلامية لا يُحصى عددهم، وتسلسلت أسانيدهم إلى يومنا هذا، وهي ميزة للقرآن الكريم، ولم يحصل ذلك لأي كتاب من الكتب السماوية، والحكمة في ذلك إن اللَّه جعل هذا الكتاب منارا للهدى إلى يوم القيامة، وتكفل بحفظه من التحريف والتبديل.
وعلماء القراءة ألّفوا في القراءات كتبا نفيسة ومن أهمها: كتاب التذكرة لابن أبي غلبون الحلبي (ت ٣٩٩ هـ)، وكتاب التبصرة للقيرواني (ت ٤٣٧ هـ)، وكتاب التيسير لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني (٤٤٤ هـ) وغيرهم. واشترطوا لقبول القراءات ثلاثة شروط وهي:
١ - أن يَصحَّ إسنادها إلى النبي ﷺ.
٢ - أن يستقيم وجهُها في اللغة العربية.
٣ - أن يوافق رسم مصحف الإمام؛ لأن المصحف العثماني كُتبَ على الوجه الذي يحتمل القراءات العامة، فالقراءات العشر المعروفة اليوم كلها يحتملُها الرسم العثماني.
فمتى فُقِدَ شرطٌ من هذه الثلاثة فهو شاذّ وإنْ صحَّ إسناده، مثل ما رواه البخاريّ في التفسير (٤٩٤٣)، ومسلم في صلاة المسافرين (٨٢٤: ٢٨٢) عن علقمة قال: دخلتُ في نفر من أصحاب عبد اللَّه الشأم فسمع بنا أبو الدّرداء فأتانا فقال: أفيكم من يقرأ؟ فقلنا: نعم قال: فأيكم أقرأ؟ فأشاروا إليّ فقال: اقرأ فقرأتُ ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (١) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ والذكر والأنثى قال: أنتَ سمعتَها مِنْ في صاحبك؟ قلتُ: نعم قال: وأنا سمعتُها من في النبي ﷺ وهؤلاء يأبون علينا.
وفي لفظ: قال أبو الدّرداء: أشهد أني سمعتُ النبي ﷺ يقرأ هكذا وهؤلاء يريدونني على أن أقرأ ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣) واللَّه لا أتابعهم.
ومثل حديث ابن مسعود قال: أقرأني رسول اللَّه ﷺ إني أنا الرزاق ذو القوة المتين. في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: ٥٨].
رواه أبو داود (٣٩٩٣)، والترمذي (٢٩٤٠)، وأحمد (٣٧٤١). وإسناده صحيح. قال الترمذيّ: «هذا حديث حسن صحيح».
فهذه القراءات -وإنْ صحَّ إسنادُها- شاذّة؛ لأنها تُخالِفُ القراءة العامّة المتداولة عند الصحابة الآخرين، كما أنه لم يحتملْها الرسمُ العثماني.
فلا يجوز لأحد أن يقرأ في صلاته نافلة أو مكتوبة بغير ما في المصحف «المجمع» عليه، بل قال مالك ﵀ فيمن قرأ في صلاة بقراءة ابن مسعود وغيره من الصحابة مما يخالف المصحف: لم يُصلَّ وراءه، ونقل ابن عبد البر إجماع المسلمين على أنه لا يجوز القراءة بالشاذة، ولا يُصلّى خلف من يقرأ بها. البرهان في علوم القرآن (١/ ٣٣٣).
وقال ابن حزم في جوامع السيرة (ص ٢٧١) بعد أن سرد أسماء القرّاء المعروفين الذين سبق ذكرُهم: «وههنا قراءة غير هذه أيضًا عن الأئمة المشهورين مما لم يشتهر عنهم، فلا يحلّ أن يُقرأ بها بمعنى: أن تُعلّم، ولا يُصلّى بها، ولا تُكتب في المصاحف أصلًا».
قال الأعظمي: لقد كان خلاف في هذه المسألة، ثم انتهى هذا الخلاف بهذا الإجماع، وكان النووي وغيره أيضًا ادعى الاجماع على ذلك.
كما لا يجوز أن يشهد على اللَّه عز وجل غير ما في المصحف «المجمع» عليه، ولكن لا مانع من نقل الروايات الأخرى المنسوبة إلى ابن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما المخالفة للمصحف العثماني في كتب التفسير والحديث، للاستشهاد به على معنى القرآن، ولكن حكمها حكم الشاذ، ولذلك لا يستشهد بها على اللَّه عز وجل، فإن ذلك خاصة بالمصحف العثماني.
وبقي الخط العربي من عصر كتابة الوحي إلى أيام عبد الملك بن مروان بدون نقط وشكل، فلما خرج الإسلام من جزيرة العرب إلى بلاد العجم، وشقَّ على الأعاجم قراءة القرآن قراءة صحيحة، جاء دور التنقيط والتشكيل، فأسند الحجاج بنُ يوسف في عهد عبد الملك بن مروان تنقيطَ المصحف وتشكيلَه إلى بعض أهل العلم، فنقّطوه وشكّلوه، فاتفق المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها على قراءة القرآن على نمط واحد.

أبواب الكتاب

معلومات عن حديث: جمع عثمان الناس على مصحف واحد

  • 📜 حديث عن جمع عثمان الناس على مصحف واحد

    أحاديث نبوية شريفة تتعلق بـ جمع عثمان الناس على مصحف واحد من مصادر موثوقة.

  • 🔍 صحة حديث جمع عثمان الناس على مصحف واحد

    تحقق من درجة أحاديث جمع عثمان الناس على مصحف واحد (صحيح، حسن، ضعيف).

  • 📖 تخريج حديث جمع عثمان الناس على مصحف واحد

    تخريج علمي لأسانيد أحاديث جمع عثمان الناس على مصحف واحد ومصادرها.

  • 📚 أحاديث عن جمع عثمان الناس على مصحف واحد

    مجموعة شاملة من الأحاديث النبوية في موضوع جمع عثمان الناس على مصحف واحد.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Sunday, August 24, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب