بارك الله لك في الموهوب لك وشكرت الواهب وبلغ أشده ورزقت بره

حصن المسلم | دعاء المولود الجديد تهنئة من رزق بمولود وجوابه | بارك الله لك في الموهوب لك وشكرت الواهب وبلغ أشده ورزقت بره

بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي الْمَوْهُوبِ لَكَ، وَشَكَرْتَ الْوَاهِبَ، وَبَلَغَ أَشُدَّهُ، وَرُزِقْتَ بِرَّهُ (1). وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْمُهَنَّأُ فَيَقُولُ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، وَرَزَقَكَ اللَّهُ مِثْلَهُ، وَأَجْزَلَ ثَوَابَكَ (2).


(1) ذُكِرَ من كلام الحسن البصري. انظر: تحفة المودود لابن القيم، ص 20، وعزاه لابن المنذر في الأوسط.
(2) قاله النووي في الأذكار، ص349، وانظر: صحيح الأذكار للنووي، لسليم الهلالي، 2/713، وتمام التخريج في الذكر والدعاء والعلاج بالرقى للمؤلف، 1/ 416.

شرح معنى بارك الله لك في الموهوب لك وشكرت الواهب وبلغ أشده ورزقت بره

لفظ الأثر: 493- قال رجل عند الحسن(1) : يهنيك الفارس، فقال الحسن: وما يهنيك الفارس؛ لعله أن يكون بقَّاراً، أو حمَّاراً، ولكن قل: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، وبلغ أشده، ورزقت برَّه».
هذا لفظ ابن الجعد، وابن أبي الدنيا(2) .
494- ولفظه في تاريخ دمشق: «جاء رجل عند الحسن، وقد وُلِد له مولود، فقيل له: يهنئك الفارس، فقال الحسن: وما يدريك أفارس هو؟ قالوا: كيف نقول يا أبا سعيد؟ قال: تقول: بورك لك في الموهوب، وشكرت الواهب، ورُزقتَ برَّه، وبلغ أشدَّه»(3) .
495- وروى النووي: «يُستحبّ أن يُهَنَّأ بما جاءَ عن الحسين رضي الله عنه(4) أنه علَّم إنساناً التهنئة، فقال: قل: باركَ اللَّه لكَ في الموهوب لك، وشكرتَ الواهبَ، وبلغَ أشدَّه ورُزقت برّه.
ويُسْتَحَبُّ أن يردّ على المُهنىء فيقول: باركَ اللّه لك، وبارَك عليك، وجزاكَ اللّه خيراً، ورزقك اللّه مثلَه، أو أجزلَ اللّه ثوابَك، ونحو هذا
»(5) .

شرح مفردات الأثر: 1- قوله: «بارك اللَّه لك»: قال القاضي عياض : «معنى البركة هنا: الزيادة من الخير والكرامة، والتكثير منهما»(6) .
2- قوله: «الموهوب لك» أي: المولود ذكرًا كان أم أنثى».
3- قوله: «شكرت الواهب» أي: أديت شكر هذه النعمة لواهبها وهو اللَّه عز وجل.
4- قوله: «وبلغ أشده»: الأشد هو الحُلم؛ لقوله عز وجل: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾(7) ، والحُلم أول الأشد، وأقصاه أربع وثلاثون سنة، أما استواء الرجل فهو بلوغه سن الأربعين(8) .
قال تعالى في شأن موسى عليه السلام: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾(9) .
5- قوله: « ورزقت بره»: البر هو الإحسان القولي، والفعلي، وضده العقوق.
يقال: صدقت وبررت: أي صدقتَ في دعواك إلى الطاعات، وصرت باراً، دعاءٌ له بذلك، ودعاء له بالقبول، والأصل برّ عملُك، وبررتُ والدي، أبره، بِراً، وبروراً: أحسنت الطاعة إليه، ورفقت به، وتحرّيت محابّه، وتوقّيت مكارهه»(10) .
6- قوله: «ويردّ عليه المهنأ»: قال النووي : «ويستحب أن يرد المُهَنّأ على المُهَنِّئ»(11) .
7- قوله: «بارك الله لك»: قال السمين الحلبي : «البركة: الزيادةُ، يقال: باركَ اللَّه لك، أي: زادَك خيراً، وهو متعدٍّ، ويَدُلُّ عليه: ﴿أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾»(12) ، ويُضَمَّنُ معنى ما يتعدى بعلى كقوله: ﴿وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ﴾(13) ، و«تبارَكَ» لا يَتَصَرَّف، ولا يُسْتعمل مسنداً إلا للَّه تعالى، ومعناه في حَقِّه تعالى: تزايَدَ خيرُه وإحسانه»(14) .
8- قوله: «وبارك عليك»: قال الصنعاني : «أثيب عليك ما أولاك، وفي شرح العيني على البخاري: أي اختص لك، وارتفع عليك»(15) .
9- قوله: «وجزاك اللَّه خيراً»: قال المناوي : «أي: قضى لك خيراً، وأثابك عليه: يعني أطلب من اللَّه أن يفعل ذلك بك»(16) .
10- قوله: «ورزقك اللَّه مثله»: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: «وَالتَّهْنِئَةُ بِهِ: [يعني بـ] المولود أَنْ يُقَالَ لَهُ : جَعَلَهُ اللَّهُ لَكَ خَلَفًا صَالَحَا، وَأَرَاكَ فِيهِ السُّرُورَ، فَإِذَا أَجَابَ عَنْ هَذِهِ التَّهْنِئَةِ ... أَنْ يَدُلَّ عَلَى إِقْرَارِهِ، كَقَوْلِهِ : أَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَكَ وَرَزَقَكَ اللَّهُ مِثْلَهُ، أَوْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِ: آمِينَ، فَيَكُونُ بِهَذَا الْجَوَابِ وَأَمْثَالِهِ مُقِرًّا بِهِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الرِّضَا وَالِاعْتِرَافِ»(17) .
11- قوله: «أجزل ثوابك» أي: أعظم لك العطاء والمنة، والجزيل مأخوذة من جزل، والجزل: التام الخلق، ويجوز أن تكون ذات كلام جزل: أي قوي شديد، أو هو الغليظ القوي(18) ، والثواب: هو العطاء والجزاء على العمل والصنيع، «يقال: أثابه يثيبه إثابة، والاسم الثواب، ويكون في الخير والشر، إلا أنه بالخير أخصّ، وأكثر استعمالاً»(19) .
12- قوله: «يهنيك الفارس»: التَّهْنِئةُ: خِلَافُ التَّعْزِية، يُقَالُ: هَنَأَهُ بالأَمْرِ وَالْوِلَايَةِ هَنْأً، وهَنَّأَه تَهْنِئةً وتَهْنِيئاً، إِذَا قُلْتَ لَهُ ليَهْنِئْكَ.
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: ليَهْنِئْكَ الفارِسُ، بِجَزْمِ الْهَمْزَةِ، وليَهْنِيكَ الفارِسُ، بياءٍ سَاكِنَةٍ... وكلُّ أمْرٍ يأْتيكَ مِنْ غَيْر تَعَبٍ، فَهُوَ هَنِيءٌ.
الأَصمعي: يُقَالُ فِي الدُّعاءِ للرَّجل هُنِّئْتَ وَلَا تُنْكَهْ، أَي: أَصَبْتَ خَيْراً، وَلَا أَصابك الضُّرُّ، تدعُو لَهُ، وقَوْله: هُنِّئْتَ، يُرِيدُ ظَفِرْتَ، عَلَى الدُّعاءِ لَهُ، ويُقَالُ هَنَأَه ذَلِكَ وهَنَأَ لَهُ ذَلِكَ، كَمَا يقال هَنِيئاً له، وهَنَأَ الرجلَ هَنْأً: أَطعَمَه.
وهَنَأَه يَهْنَؤُه ويَهْنِئُه هَنْأً، وأَهْنَأَه: أَعْطاه: الأَخيرة أي أهنأه عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وهانِئٌ: اسْمُ رَجُلٍ، وَفِي الْمَثَلِ: إِنما سُمِّيتَ هانِئاً لِتَهْنِئَ ولِتَهْنَأَ، أَي لِتُعْطِي، والهِنْءُ: العَطِيَّةُ»(20) .
13- قوله: «بقار»: البقر: حيوان معروف، والبقّار: رجلٌ بَقَّارٌ: صاحب بقر(21) .
14- قوله: «حمّار»: الحِمارُ العَيْرُ الأَهْلِيُّ وَالْوَحْشِيُّ، وَجَمْعُهُ أَحْمِرَة وحُمُرٌ وحَمِيرٌ، وَرَجُلٌ حامِرٌ وحَمَّارٌ: ذُو حِمَارٍ، كَمَا يُقَالُ فارسٌ لِذِي الفَرَسِ.
والحَمَّارَةُ جمع حمّار: وهم أَصحاب الْحَمِيرِ(22) .

ما يستفاد من الأثر: 1- استحباب حمد اللَّه وشكره أولًا وآخرًا على نعمه التي لا تعدُّ، ولا تُحصى، ومن جملة هذه النعم نعمة الولد، قال اللَّه تعالى: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾(23) ، وقال اللَّه عز وجل: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾(24) ، ومن تمام الشكر تربية الولد على ما بينه الشرع الحنيف في تربية الأولاد.
2- إبطال الإسلام لعادات الجاهلية حيث كان يتوارى الوالد من الناس إذا رزقه اللَّه بالأنثى، قال اللَّه عز وجل: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ﴾(25) بل كان بعضهم يقتلها ويدفنها.
قال اللَّه: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾(26) .
3- البر عامة وبر الوالدين خاصة مما حث عليه الإسلام، والمتدبر لكتاب اللَّه يجد أن اللَّه يقرن كثيرًا بين عبادته وتوحيده، وبين الإحسان إلى الوالدين كقوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾(27) ونكتة ذلك من أمور: أ – أن اللَّه هو الخالق الرازق، فهو وحده الذي يستحق العبادة، والوالدان سبب وجودك، فيستحقان الإحسان.
ب – اللَّه عز وجل هو المنعم المتفضل على عباده بالنعم الكثيرة، والخيرات الوفيرة، فيستحق الشكر، وكذلك الأبوان هما اللذان يجلبان لك ما تحتاجه مما رزقهما عز وجل من مأكل ومشرب وملبس فيستحقان الشكر.
جـ - أن اللَّه هو رب الناس الذي يربيهم على منهجه، فيستحق التعظيم والحب، وكذلك الأبوان ربياك صغيرًا، فيستحقان، التواضع والتوقير والتأدب والتلطف بالقول والفعل، فلا يجوز أن تسمعهما أدنى مراتب القول السيئ، وهو التأفف، ولا يجوز أن تنفض يدك عليهما، وهو أدنى مراتب الفعل السيئ(28) .

1 هو الحسن البصري: أبو سعيد مولى زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، وأمه اسمها خيرة مولاة لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، سكن المدينة، وأعتق، ثم تزوج في خلافة عمر ثم حضر الجمعة مع عثمان، وشهد يوم الدار، وإنما أعرض أهل الصحيح عنه؛ لأنه كان يدلس فبقي في النفس من ذلك شيء، وسمع خلائق من كبار التابعين، روى عنه خلائق من التابعين وغيرهم. مات رحمه الله سنة عشر ومائة، وكانت جنازته مشهودة. انظر: تهذيب الأسماء واللغات، للنووي، 1/ 161، وسير أعلام النبلاء، 4/ 563، ترجمة رقم (223)
2 مسند ابن الجعد، ص 488، والعيال، لابن أبي الدنيا، 1/ 365، والكامل في ضعفاء الرجال، 7/ 101. وذكره ابن قدامة في المغني شرح مختصر الخرقي، 9/ 366 بلفظ: «أن رجلاً قال لرجل عند الْحَسَنِ يُهَنِّئُهُ بِابْنٍ لَهُ: لِيَهْنِكَ الْفَارِسُ. فَقَالَ الْحَسَنُ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهُ فَارِسٌ هُوَ أَوْ حِمَارٌ ؟ فَقَالَ: كَيْفَ نَقُولُ ؟ قَالَ: قُلْ: بُورِكَ فِي الْمَوْهُوبِ، وَشَكَرْت الْوَاهِبَ، وَبَلَغَ أَشُدَّهُ، وَرُزِقْت بِرَّهُ».
3 تاريخ دمشق، للحافظ ابن عساكر، 59/ 275
4 الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي رضي الله عنه: أبو عبد الَّله، سبط رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وريحانته، رضي الله عنه، وهو وأخوه الحسن سيدا شباب أهل الجنة، ولد سنة أربع من الهجرة، وكان الحسن أشبه برسول اللَّه، وحج الحسين خمسًا وعشرين حجة ماشيًا. قالوا: وكان رضي الله عنه فاضلاً، كثير الصلاة، والصوم، والحج، والصدقة، وأفعال الخير جميعها. قُتل رضي الله عنه يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، 2/ 76، وتهذيب الأسماء واللغات، 1/ 162
5 قاله النووي في الأذكار، ص349، والمجموع، 8/ 443
6 إكمال المعلم بفوائد مسلم، 2/ 303
7 سورة النساء، الآية: 6
8 انظر تفسير الجزائري، ص 1281
9 سورة القصص، الآية: 14
10 انظر: المصباح المنير، 1/ 43، مادة (برّ)
11 المجموع شرح المهذب، 8/ 443
12 سورة النمل، الآية: 8
13 سورة الصافات، الآية: 110
14 الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، 3/ 316
15 التنوير شرح الجامع الصغير، 1/ 620
16 فيض القدير، 1/ 410
17 الحاوي الكبير للماوردي، 11/ 344
18 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، 1/ 270، مادة (جزل)
19 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، 1/ 227، مادة (ثوب)
20 انظر: لسان العرب، 1 / 185، مادة (هنأ)
21 انظر: لسان العرب، 4 / 73، مادة (بقر)
22 انظر: لسان العرب، 4 / 212، مادة (حمر)
23 سورة الشورى، الآيتان: 49- 50
24 سورة الكهف، الآية: 46
25 سورة النحل، الآيتان: 58- 59
26 سورة التكوير، الآيتان: 8- 9
27 سورة الإسراء، الآية: 23
28 انظر: بهجة الناظرين للهلالي، 1/ 356


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Saturday, August 9, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب