AAaishah رضي الله عنها related that the Prophet (Peace Be Upon Him) (during his illness in which he passed away) would dip his hands in water and then he would wipe his face and say: La ilaha illal-lah, inna lilmawti lasakarat. ‘None has the right to be worshipped except Allah, death does indeed contain agony.
(1) جعل النبي صلى الله عليه وسلم عند موته يُدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ لَسَكَرَاتٍ. البخاري مع الفتح، 8/ 144، برقم 4449، وفي الحديث ذكر السواك.
شرح معنى دعاء الاحتضار وسكرات الموت
لفظ الحديث الذي ورد فيه:
521- عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي، وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي، وَنَحْرِي، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ، وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَتَنَاوَلْتُهُ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ، فَأَمَرَّهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ، أَوْ عُلْبَةٌ يَشُكُّ عُمَرُ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ»، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: «فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى» حَتَّى قُبِضَ، وَمَالَتْ يَدُهُ»(1) . 522- وفي رواية للبخاري: عَنْ عَائِشَةَ لقَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْطَانِيهِ، فَقَصَمْتُهُ، ثُمَّ مَضَغْتُهُ، فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَنَّ بِهِ وَهُوَ مُسْتَسْنِدٌ إِلَى صَدْرِي»(2) . 523- ورواية ثالثة للبخاري: عَنْ عَائِشَةَ لقالت: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي، وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَصَرَهُ، فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ، فَقَصَمْتُهُ، وَنَفَضْتُهُ، وَطَيَّبْتُهُ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَنَّ بِهِ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَهُ، أَوْ إِصْبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: «فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى» ثَلَاثًا، ثُمَّ قَضَى، وَكَانَتْ تَقُولُ: مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي»(3) . 524- ورواية أخرى للبخاري أيضاً: عَنْ عَائِشَةَ لقَالَتْ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِي، وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَكَانَتْ إِحْدَانَا تُعَوِّذُهُ بِدُعَاءٍ إِذَا مَرِضَ، فَذَهَبْتُ أُعَوِّذُهُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: «فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى»، وَمَرَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَفِي يَدِهِ جَرِيدَةٌ رَطْبَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ بِهَا حَاجَةً، فَأَخَذْتُهَا فَمَضَغْتُ رَأْسَهَا، وَنَفَضْتُهَا، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ، فَاسْتَنَّ بِهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ مُسْتَنًّا، ثُمَّ نَاوَلَنِيهَا، فَسَقَطَتْ يَدُهُ، أَوْ سَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ، فَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الدُّنْيَا، وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ الْآخِرَةِ»(4) . 525- وروى البخاري : عَنْ عَائِشَةَ ل، قَالَتْ: «مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّهُ لَبَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي، فَلاَ أَكْرَهُ شِدَّةَ المَوْتِ لِأَحَدٍ أَبَدًا، بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» (5) .
شرح مفردات الحديث:
1- قوله: «جَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ»: قال القاري : « وَإِيرَادُهَا بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ إِشْعَارٌ بِنِهَايَةِ حَرَارَتِهِ، وَإِيمَاءٌ إِلَى إِظْهَارِ عَجْزِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ. قِيلَ: وَسَبَبُهُ أَنَّهُ كَانَ يُغْمَى عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الْوَجَعِ، ثُمَّ يَفِيقُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي فِعْلُ ذَلِكَ لِكُلِّ مَرِيضٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فُعِلَ بِهِ ; لِأَنَّ فِيهِ نَوْعَ تَخْفِيفِ الْكَرْبِ كَالتَّجْرِيعِ، بَلْ يَجِبُ التَّجْرِيعُ إِذَا اشْتَدَّتْ حَاجَةُ الْمَرِيضِ إِلَيْهِ»(6) . 2- قوله: «لا إله إلا اللَّه»: أي: لا معبود بحق إلا اللَّه، قال العلامة ابن عثيمين : «يعني: لا معبود بحق إلا اللَّه سبحانه وتعالى، وألوهية اللَّه فرع عن ربوبيته؛ لأن من تأله للَّه فقد أقر بالربوبية؛ إذ إن المعبود لابد أن يكون رباً، ولا بد أن يكون كامل الصفات؛ ...، حتى يُعبد بمقتضى هذه الصفات؛ ولهذا قال اللَّه تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾(7) ، أي: تعبّدوا له، وتوسّلوا بأسمائه إلى مطلوبكم»(8) . 3- قوله: «إن للموت سكرات»: سكرات الموت هي مقدماته التي تغيب العقل عن إدراكه، وقال القاضي عياض: «جمع سكرة، قال اللَّه تعالى: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ﴾(9) ، وهي غلبة الكرب على العقل، واختلاطه لشدته، وقول أبي بكر رضي الله عنه: «وجاءت سكرة الحق بالموت» أي: سكرة الموعد الحق بانقضاء الأجل»(10) . 4- قوله: «ما بين سحري ونحري»: السَحْر: الرِّئة، وأرادت: أنه مات عندها في حضنها(11) ، أي: أنه مات وهو مستند إلى صدرها، ما يحاذي سحرها منه، وقيل السحر: ما لصق بالحلقوم من أعلى البطن، وحكى القتيبي عن بعضهم أنه بالشين المعجمة والجيم، وأنه سئل عن ذلك فشبك بين أصابعه، وقدمها عن صدره، كأنه يضم شيئا إليه، أي: أنه مات وقد ضمته بيديها إلى نحرها وصدرها(12) . 5- قوله: «ونحري»: النحْر هو الموضع الذي يكون فيه النحر للقتل، و«المَنْحَرُ: موضع النَّحر من الحلق، ويكون مصدراً أيضاً، والنَّحْرُ: موضع القلادة من الصدر، والجمع نُحُورٌ، مثل فَلْسٍ وفُلُوسٍ، و تطلق النُّحُورُ على الصدور»(13) ، وقال الحافظ في الفتح: «النَّحر بِفَتحِ النُّون وسُكُون المُهمَلَة، والمُراد بِهِ مَوضِع النَّحر، وأَغرَبَ الدّاوُدِيُّ، فَقالَ : هُو ما بَين الثَّديَينِ»(14) . 6- قوله: «أليِّنُه لك»: أي: أسهّله لك، ليصبح سهلاً في الفم، ولا يحتاج إلى جهد في التسوّك، «ولَيَّنه وأَلْيَنه: صَيَّرَه لَيِّناً»(15) . 7- قوله: «بين يديه ركوة»: أي: بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم إناء ماء، يقال له ركوة، و«الركوة إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء، والجمع ركاء»(16) ، وقال ابن الأثير : «رَكوة: أي: علبة»(11) . 8- قوله: «أو علبة»: العلبة إناء معروف، وقال ابن الأثير:«والعلبة: مخلب من جلد، قاله الجوهري، كالقدح يحلب فيه»(11) ، وقال في النهاية بتعريف العلبة: «العلبة: قدح من خشب، وقيل من جلد، وخشب، يُحلب فيه»(17) ، والعلبة: قدح ضخم من خشب يُحلب فيه، أي: هو إناء تحفظ فيه السوائل خاصة، كالحليب وغيرها، وهو هنا في الحديث يشير إلى أن فيه ماءً كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ منه ليمسح على وجهه الشريف للتخفيف عنه»(18) . 9- قوله: «ونصب يده»، أي: رفعها، فـ«النصب إقامة الشيء ورفعه»(19) ، ولذلك جاء في الرواية التي بعدها: «رَفَعَ يَدَهُ، أَوْ إِصْبَعَهُ». 10- قوله: «فَقَصَمْتُهُ، ثُمَّ مَضَغْتُهُ»: أي: جعلت تلوك السواك وتقطعه وتكسره ليسهل على النبي صلى الله عليه وسلم ويلين، يقول ابن الأثير: «فقصمته: القصم بالصاد المهملة: الكسر، يقال: قصمت الشيء: إذا كسرته، والقضم بالضاد المعجمة: من قضم الدابة شعيرها، يقال: قضمت الدابة شعيرها، والفصم، بالفاء والصاد المهملة: أن يتصدع الشيء من غير تبين، فإذا بان: فهو بالقاف والصاد المهملة، قال الحميدي: والذي في حديث عائشة أقرب إلى القضم - بالقاف والضاد المعجمة -؛ لأنه مضغ، وتليين لما اشتد من السواك، والفصم بالفاء والصاد المهملة، قريب من ذلك، قال: والذي رويناه: فبالقاف والضاد المعجمة، واللَّه أعلم بما قالته، أو بما قاله الراوي عنها، قلت [القائل ابن الأثير]: ومما يدل على صحة ما رواه الحميدي: أنه قد جاء في باقي الروايات «فمضغته»، وفي أخرى: «ألينه»، وهو بمعنى القضم، بالقاف والضاد المعجمة»(11) . « فَمَضَغْتُ رَأْسَهَا»، أي: لاكت رأس جريد االنخل؛ لتجعلها سواكاً صالحاً، ليّناً، سهلاً على النبي صلى الله عليه وسلم فـ«مَضَغَ، يَمْضَغُ، ويَمْضُغُ مَضْغاً: لاكَ، وأَمْضَغَه الشيءَ، ومَضَّغَه: أَلاكَه إِياه»(20) . 11- قوله: «يستنّ»: أي: يضع السواك في فمه، وعلى أسنانه، يسوكها، ولذلك قال ابن الأثير: «الاستنان: التسوّك بالسواك»(11) . 12- قوله: « وَطَيَّبْتُهُ»: أي: مضغته ولاكته، وجعلته سهلاً طيباً، «وطيبته أي مضغته بأسنانها ولينته»(21) ، وقد يكون من تطييبه تنظيفه، ووضع الطيب عليه، فـ«تَطَيَّبَ بِالطِّيبِ، وهو من العطر، وطَيَّبْتُهُ ضمخته»(22) ، ويؤكد العيني على أنها ألانته له، وجهزته، ويضيف إلى المعنى وضع الماء عليه، فيقول: «فطيبته: تكراراً أي: قضمته، وإن كان بالمهملة فلا، لأنه يصير المعنى كسرته لطوله، أو لأنه آلة المكان الذي تسوّك به عبد الرحمن، ثم ليّنته، ثم طيّبته أي: بالماء، ويحتمل أن كون قوله: طيبته تأكيداً لقوله لينته»(23) ، وقد ورد في الجاهلية حلفٌ اسمه حلف المطيبين، ويقال له (حلف الفضول)، وشهده النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، وهو الذي «اجتمع بنو هاشم، وبنو زهرة، وتيم في دار ابن جدعان في الجاهلية، وجعلوا طيباً في جفنة، وغمسوا أيديهم فيه، وتحالفوا على التناصر، والأخذ للمظلوم من الظالم، فسموا المطيبين»(24) . 13- قوله: «فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَصَرَهُ»، وفي الرواية الأخرى: «فنظر إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم»، أي: أحست عائشة من خلال مدّ النبي صلى الله عليه وسلم بصره إلى السواك أنه يريده، لأن أبدّ معناه: مدّ، قال في النهاية: «أبد يده إلى الأرض فأخذ قبضة، أي مدها، ...وكان يبدّ ضُبعيه في السجود أي: يمدهما ويجافيهما، وقد تكرر في الحديث، ومنه حديث وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأبدّ بصره إلى السواك، كأنه أعطاه بدته من النظر، أي حظه»(25) . 14- قوله: «وَنَفَضْتُهَا»: أي: حركتها بشدة ليقع عنها إذا علقها شيء، «نفضت المكان، واستنفضته، وتنفضته: إذا نظرت جميع ما فيه... نفضتها أي حركتها»(26) . 15- قوله: «حاقنتي وذاقنتي»: «الحاقنة ما سفل من الصدر، والذاقنة ما علا منها، وأما السَّحَر فهو الصدر، والنحر فهو موضع النحر»(27) ، فـالحاقنة: الوهدة المنخفضة بين الترقوتين من الحلق(28) ، وفي كشف المشكل: «الحاقنة: قال أبو عبيد: كان أبو عمرو يقول: هي النقرة التي بين الترقوة وحبل العاتق، وهما حاقنتان، والذاقنة طرف الحلقوم، وقال أبو سليمان: الحاقنة: نقرة الترقوة، والذاقنة: ما يناله الذقن من الصدر، والذاقنة: الذقن، وقيل طرف الحلقوم، وقيل: ما يناله الذقن من الصدر»(29) . 16- قوله: «وفي يده جريدة رطبة»: الجريدة: القطعة من أعواد النخل، وهي: «السعفة، وجمعها جريد»(30) ، وقال في اللسان: «الجَريدة: سَعفة طَوِيلَةٌ رَطْبَةٌ؛ قَالَ الْفَارِسِيُّ: هِيَ رَطْبَةً سفعةٌ، وَيَابِسَةً جريدةٌ؛ وَقِيلَ: الْجَرِيدَةُ لِلنَّخْلَةِ كَالْقَضِيبِ لِلشَّجَرَةِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلى اشْتِقَاقِ الْجَرِيدَةِ فَقَالَ: هِيَ السَّعَفَةُ الَّتِي تُقَشَّرُ مِنْ خُوصِهَا، كَمَا يُقَشَّرُ الْقَضِيبُ مِنْ وَرَقِهِ، وَالْجَمْعُ جَريدٌ، وجَرائدُ؛ وَقِيلَ: الْجَرِيدَةُ السعَفة مَا كَانَتْ»(31) . 17- قوله: «وَكَانَتْ إِحْدَانَا تُعَوِّذُهُ بِدُعَاءٍ إِذَا مَرِضَ، فَذَهَبْتُ أُعَوِّذُهُ»: تعوذه من الفعل أعاذه، إذا رقاه، أي: كان من عادة نسائه صلى الله عليه وسلم تعويذه إذا أصابه شيء، فيقرأن عليه المعوذات، ويقمن بالدعاء له، ويلجأن إلى اللَّه سبحانه وتعالى، وفي اللسان: «عَاذَ بِهِ يَعُوذُ عَوْذاً، وعِياذاً، ومَعاذاً: لَاذَ بِهِ، ولجأَ إِليه، وَاعْتَصَمَ، ومعاذَ اللهِ أَي عِيَاذًا بِاللَّهِ... يُقَالُ: عَوَّذْت فُلَانًا بِاللَّهِ، وأَسمائه، وبالمُعَوِّذتين، إِذا قُلْتَ: أُعيذك بِاللَّهِ، وأَسْمائه مِنْ كُلِّ ذِي شَرٍّ، وَكُلِّ دَاءٍ، وَحَاسِدٍ، وحَيْنٍ(32) ... وكَانَ النبي صلى الله عليه وسلم يعوِّذ نَفْسَهُ بالمعوِّذتين بعد ما طُبَّ، أي: سُحر، وَكَانَ يُعَوِّذُ ابْنَيِ ابْنَتِهِ البَتُول، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، بِهِمَا»(33) . 18- قوله: «يدخل يده في الماء»: المراد بذلك أنه صلى الله عليه وسلم كانت بين يديه علبة فيها ماء(34) . 19- قوله: «يمسح بهما وجهه»: أي: لتخفيف ما كان فيه صلى الله عليه وسلم من شدة عند النزع، قال القاري : «أَيْ: بِالْمَاءِ تَبْرِيدًا لِحَرَارَةِ الْمَوْتِ، أَوْ دَفْعًا لِلْغَشَيَانِ وَكَرْبِهِ، أَوْ تَنْظِيفًا لِوَجْهِهِ عِنْدَ التَّوَجُّهِ إِلَى رَبِّهِ، أَوْ إِظْهَارًا لِعَجْزِهِ وَتَبْرِئَتِهِ مِنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ»(35) . 20- قوله: «فما عدا أن فرغ»: أي: بعد أن فرغ من الاستنان رفع أصبعه، وفي تاج العروس: «عَدا عنه: جاوَزَهُ، وتَرَكَهُ، وعَداهُ الأَمْرَ، كتَعدَّاهُ: تَجاوَزَهُ، وعَدَّاهُ تَعْدِيَةً: أَجازَهُ وأَنْفَذَه»(36) .
ما يستفاد من الحديث:
1- مشروعية استخدام الماء البارد للمحموم عند اشتداد المرض، وعند مقدمات الموت. 2- ما لاقاه الرسول صلى الله عليه وسلم من الشدة قبل الموت دليل على علو منزلته عند ربه، ولما دخل عليه ابن مسعود رضي الله عنه وهو مريض قال: يا رسول اللَّه إنك لتوعك وعكًا شديدًا! قال: «أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم»، قلت: ذلك أن لك أجرين قال: «أجل ذلك، كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر اللَّه بها سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها»(37) . 3- الأنبياء وهم أفضل الخلق يدعون اللَّه أن يخفف عنهم سكرات الموت، فما بالنا بمن دونهم، وما بالنا بأنفسنا حال المعاينة، نسأله اللَّه العافية والسلامة، قال اللَّه عز وجل: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾(9) . 4- وقد أتي من شدة الموت وسكراته ما لم يؤت أحد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يمرض مرض رجلين شدد عليه المرض شدد عليه النزع لماذا؟ من أجل أن ينال أعلى درجات الصبر؛ لأن الصبر يحتاج إلى شيء يصبر عليه، فكأن اللَّه قد اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يكون مرضه شديداً، ونزعه شديداً، حتى ينال أعلى درجات الصابرين صلى الله عليه وسلم(38) . 5- جاء عند الترمذي: «اللَّهم أعني على غمرات الموت»(39) ، والغمرة عند الموت: هي ما تغطي على عقله وتغيبه. 6- جاء في هذا الحديث ذكر اعتناء الرسول صلى الله عليه وسلم بالسواك، وإنما كان يواظب على ذلك؛ لأنه من أسباب رضا اللَّه على العبد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب»(40) وقال أيضًا: «إن أفواهكم طرق للقرآن فطيبوها بالسواك»(41) وكان إذا دخل بيته بدأ بالسواك(42) صلى الله عليه وسلم. 7- إن للموت سكرات بفتحات جمع سكرة، أي: شدائد، ومشقات عظيمات: من حرارات، ومرارات طبيعيات، حتى للأنبياء وأرباب الكمالات، فاستعدوا لتلك الحالات، واطلبوا من اللَّه تهوينه للأموات(43) .
10
مشارق الأنوار على صحاح الآثار، للقاضي عياض بن موسى، 2 / 215، وانظر ما قيل في هذه القراءة: الاستذكار لابن عبد البر، 2/ 484، وكتاب التمهيد له، 8/ 295، وفتح الباري لابن حجر، 9/ 28
39
الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في التشديد عند الموت، برقم، 978، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في ذكر الموت، برقم 1623، والحاكم، 3/ 56، وصححه، ووافقه الذهبي، وقد ضعفه الألباني، وقال أحمد شحاتة السكندري، في التعقب المتواني على السلسلة الضعيفة للألباني، ص 107: «وهذا حديث حسن، وإسناد رجاله كلهم ثقات، وموسى بن سرجس لا يضره تفرد يزيد بن الهاد بالرواية عنه، إذ لم يذكره أحد بجرحٍ، ورواية النسائي توثيق له، وقد قال الحافظ في التقريب، 2/283: «مدني مستور»، وقال في فتح الباري، 11/362: «قوله: (إن للموت سكرات) وقع في رواية القاسم عن عائشة عند أصحاب السنن سوى أبي داود بسند حسن بلفظ: «اللهم أعني على سكرات الموت» اهـ
40
البخاري، قبل الحديث رقم 1934، وابن ماجه، برقم 289، والنسائي، برقم 5، وصححه الألباني، في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 209
41
ابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب السواك، برقم 291، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، برقم 236، ومعنى طرق أي: مجرى للقرآن كجري الناس في الطريق
تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة , وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .