مطرنا بفضل الله ورحمته

حصن المسلم | الذكر بعد نزول المطر | مطرنا بفضل الله ورحمته

مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ (1).

Mutirna bifadlil-lahi warahmatih.
‘We have been given rain by the grace and mercy of Allah.


(1) البخاري، 1/ 205، برقم 846، ومسلم، 1/ 83، برقم 71.

شرح معنى مطرنا بفضل الله ورحمته

لفظ الحديث الذي ورد فيه:

594- عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ (1) أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي، وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي، وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي، وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» (2) .
595- ولفظ آخر للبخاري عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَصَابَنَا مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟»، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ: «قَالَ اللَّهُ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي، وَكَافِرٌ بِي، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ، وَبِرِزْقِ اللَّهِ، وَبِفَضْلِ اللَّهِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي، كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا، فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ، كَافِرٌ بِي» (3) .
596- عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَمْ تَرَوْا إِلَى مَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالَ: مَا أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إِلاَّ أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِهَا كَافِرِينَ، يَقُولُونَ: الْكَوَاكِبُ وَبِالْكَوَاكِبِ» (4) .
597- عن ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: مُطِرَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ، وَمِنْهُمْ كَافِرٌ، قَالُوا: هَذِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) سورة الواقعة، الآية: 75 ، حَتَّى بَلَغَ: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) سورة الواقعة، الآية: 82 » (5) .

شرح مفردات الحديث:

1- قوله: «مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ»: قال ابن عبد البر : «وَذَلِكَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ; لِأَنَّهُ لَا يُمْطِرُ، وَلَا يُعْطِي، وَلَا يَمْنَعُ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا النَّوْءُ; لِأَنَّ النَّوْءَ مَخْلُوقٌ، لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَلَا لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَقْتٌ» (6) .
2- قوله: «صلى لنا» أي: صلى بنا وفيه جواز إطلاق ذلك مجازًا وإنما الصلاة لله تعالى، قال الزرقاني : «قال صلى لنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أي لأجلنا، واللام بمعنى الباء، أي صلَّى بنا، وفيه جواز إطلاق ذلك مجازاً وإنما الصلاة للَّه تعالى» (7) .
3- قوله: «إثر سماء»: على أثر: الأثر هو ما يعقب الشيء.
4- قوله: «سماء»: أي: مطر، وأطلق عليه سماء؛ لكونه ينزل من جهة السماء، وكل جهة علو تُسمَّى سماء، قال الرافعي : «وقوله: «في إثر سماء»: يقال: خرجت في إثره وأثره إذا خرجت عقيبه» (8) ، وقال القرطبي : في المفهم: «السَّمَاءُ هنا المطرُ، سُمِّي بذلك؛ لأنَّه يَنْزِلُ من السماء، وحقيقةُ السماء: كلُّ ما علاك فأظلَّك» (9) ، وقال القاضي عياض : «أثر سماء: السماء: المطر، وجمعه أسميَة... والسماء: السحاب، وأصل السماء: كل ما ارتفع فأظل وعلا، وسماء كل شيء ما علا منه، وبه سميت السماء والسحاب، ثم سُمي المطرُ به لمجيء السحاب به، كما سُمّيَ مُزْناً، والمزن: السحاب.
«على إثر سماء
»: هو بكسر الهمزة وإسكان الثاء وفتحها جميعاً لغتان مشهورتان، والسماء المطر» (10) .
5- قوله: «بنوء كذا وكذا»: النوء هو النجم، ومعنى النوء سقوط نجم في المغرب من النجوم الثمانية والعشرين التي هي منازل القمر (11) .
قال ابن الأثير : «النوء: واحد الأنواء، وهي ثمان وعشرون منزلة، ينزل القمر كل ليلة في منزلة منها، ويسقط في الغرب كل ثلاث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر، وتطلع أخرى مقابلها، فتنقضي جميعها مع انقضاء السنة، وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة، وطلوع رقيبها : يكون مطر، فينسبون المطر إلى المنزلة، ويقولون: «مطرنا بنوء كذا»، وإنما سُمّي نوءاً؛ لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق، ينوء نوءاً، أي: نهض وطلع، وقيل: إن النوء هو الغروب، فهو من الأضداد، قال أبو عبيد: لم نسمع في النوء أنه السقوط، إلا في هذا الموضع، وإنما غلظ النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الأنواء؛ لأن العرب كانت تنسب المطر إليها، فأما من جعل المطر من فعل اللَّه تعالى، وأراد بقوله: «مطرنا بنوء كذا» أي: في وقت كذا، وهو هذا النوء الفلاني؛ فإن ذلك جائز، فقد قيل: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يستسقي، فنادى بالعباس بن عبد المطلب، كم بقي من نوء الثريا؟ فقال: إن العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعاً بعد وقوعها، فما مضت تلك السبع حتى غيث الناس، وأراد عمر: كم بقي من الوقت الذي قد جرت العادة أنه إذا أتم اللَّه بالمطر» (12) .
6- قوله: «كافر بي»: قال ابن الأثير : «فيحتمل أنه أراد به الكفر الذي هو ضد الإيمان، ويحتمل أنه أراد به الكفر الذي هو ضد الشرك، يعني أنه كفر نعمة اللَّه، حيث نسبها إلى غيره» (12) .
7- قوله: «بالحديبية»: يقال: سميت بشجرة حدباء هناك، وهي بئر قريب من مكة دون مرحلة، وهي المكان الذي وقع فيه صلح الحديبية، أو غزوة الحديبية، أو فتح الحديبية، قال القرطبي : «والحديبية: موضعٌ فيه ماءٌ بينه وبين مَكَّة أميال» (13) ، وقال ابن عبد البر : «حُدَيْبِيَةُ: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ فِي آخِرِ الْجَبَلِ، وَأَوَّلِ الْحَرَمِ، وَفِيهِ كَانَ الصُّلْحُ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِيهِ كَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» (14) ، وقال الرافعي : «وهي قرية ليست بالكبيرة، سميت ببئر هناك، ومنها إلى مكة مرحلة، وإلى المدينة تسع مراحل، وعن مالك أنها من الحرم، وقيل: إنها من الحل، وقيل: بعضها من الحل وبعضها من الحرم، وعلى تقدير الحل عُدّت من مواقيت العمرة» (15) .
8- قوله: «فلما انصرف» أي: من صلاته أو من مكانه، قال القرطبي : «وقوله: فَلَمَّا انْصَرَفَ، أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، أي: انصرَفَ مِنْ صلاته، وفرَغَ منها؛ فظاهره: أنَّه لم يكن يثبت في مكان صلاتِهِ بعد سلامه؛ بل كان ينتقلُ عنه ويتغيَّرُ عن حالته، وهذا الذي استحبَّهُ مالك للإمامِ في المسجد» (13) .
9- قوله: «أقبل على الناس» أي: استدار من جهة القبلة وجعل وجهه لمن صلى خلفه، قال الزرقاني : «أقبل على الناس بوجهه الوجيه» (16) .
10- «قوله: «أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ، وَمِنْهُمْ كَافِرٌ»، قال القرطبي : «أصلُ الشكر: الظهورُ؛ ومنه قولهم: دابَّةٌ شَكُورٌ: إذا ظهر عليها من السِّمَن فوق ما تأكلُهُ من العلف، و الشاكرُ: هو الذي يُثْنِي بالنعمةِ ويُظْهِرها، ويعترفُ بها للمُنْعِم، وجَحْدُهَا كفرانُهَا؛ فمَنْ نسَبَ المطَرَ إلى اللَّه تعالى، وعرَفَ مِنَّتَهُ فيه، فقد شكَرَ اللَّه تعالى، ومَنْ نسبه إلى غيره، فقد جحَدَ نعمةَ اللَّه تعالى في ذلك، وظلَمَ بنسبتها لغير المُنْعِم بها؛ فإن كان ذلك عن اعتقاد، كان كافرًا ظالمًا حقيقةً، وإن كان غير معتقد، فقد تشبَّهَ بأهلِ الكفر والظلمِ الحقيقيِّ» (17) ، وقال القاضي عياض : «قوله: «أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي ... » الحديث، قال الإمام: هذا يحمل على أن المراد به تكفير من اعتقد أن المطر من فعل الكواكب، وخلقها دون أن يكون خلقاً للَّه، كما يقول بعض الفلاسفة من أن اللَّه تعالى لم يخلق من الأشياء إلا واحداً وهو العقل الأول عندهم، وكان عن العقل الأول غيره، وهكذا عن واحد آخر إلى أن كان عن كل ذلك ما تحته، حتى ينتهى الأمر إلى الأمطار وإلينا، في تخليط طويل» (10) .
11- قوله: «هل تدرون»: لفظ استفهام معناه التنبيه، قال الزرقاني : «الاستفهام ومعناه التنبية وللنسائي من طريق سفيان عن صالح ألم تسمعوا ما قال ربكم الليلة» (18) ، وقال القاضي عياض : «وأما من اعتقد أن لا خالق إلا اللَّه سبحانه، ولكن جعل في بعض الاتصالات من الكواكب دلالة على وقوع المطر من خلقه تعالى، على عادة جرت في ذلك فلا يكفر بهذا، إذا عبر عنه بعبارة لا يمنع الشرع منها، والظن بمن قال من العوام: هذا نوءُ الثُرَيّا، ونوْءُ الراعي، أنه إنما يريد هذا المعنى، وقد أشار مالك : في موطئه إلى هذين المعنيين، وأوردهما فى بابين، وأورد فى المعنى الأول: الحديث الذي نحن فيه، وأورد في المعنى الثاني: " إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عينُ غديقةٍ، قال القاضي: قال الحربي: إنما جاءت الآثار بالتغليظ؛ لأن العرب كانت تزعم أن ذلك المطر من فعل النجم، ولا يجعلونه من سقي اللَّه تعالى، فأما من نسبه إلى اللَّه، وجعل النوء مثل أوقات الليل والنهار، كان ذلك واسعاً» (19) .
12- قوله ﻷ: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) سورة الواقعة، الآية: 82 ، قال القاضي ابن العربي : «ذلك في الأنواء، وهذا قولُ جماعة أهل التّفسير، ورُوي عن سعيد بن أُمَيَّة؛ أنّ النّبيَّ ث سمعَ رَجُلًا في بعض أَسْفَارِهِ يقولُ: مُطِرْنَا بِبَعْضِ عثانين الأسد، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «كذبتَ، بل هو سُقْيَا الله وَرِزقُه (20) » (21) .

ما يستفاد من الحديث:

1- استحباب استقبال الإمام للمصلين عقيب انتهائه من الصلاة (22) .
2- جواز طرح الإمام المسألة على أصحابه وتشويقهم لمعرفة الإجابة، قال الزرقاني : «فيه طرح الإمام المسألة على أصحابه، وإن كانت لا تدرك إلا بدقة نظر» (18) .
3- حسن أدب الصحابة ش مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقولهم: «اللَّه ورسوله أعلم» وعدم التجرؤ على الفتيا بغير علم، أما حديث: «أجرأكم على الفتيا أجرأكم على النار» ففيه نظر (23) .
4- إثبات صفة الكلام لله ﻷ على الوجه اللائق به من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
5- الإجابة بـ«اللَّه ورسوله أعلم» تكون في الأمور الشرعية، أي: مسائل الحلال والحرام، أما الأمور الكونية القدرية، فلا يقال إلا: اللَّه أعلم؛ لأن هذا أمر غيبي، لا يطلع عليه إلا اللَّه، كنزول المطر، وما يكون في غد، وذهب بعض أهل العلم إلى أن قول: اللَّه ورسوله أعلم أي: في الأمور الشرعية، كانت تقال في حياته، أما بعد موته صلى الله عليه وسلم فيقال: اللَّه أعلم، ولا شك، ولا ريب أن الصواب أن يقال بعد موته صلى الله عليه وسلم: «اللَّه أعلم».
6- من كمال التوحيد الواجب نسبة النعم جميعها إلى مسببها، وواهبها، أما نسبتها إلى غيره بالقول فقط، مع اعتقاد قلبه أنها من اللَّه، فهذا ينقص كمال التوحيد، ومن هنا يظهر خطأ من يتابع «الطقس غدًا» معتقدًا صدقهم (24) .
7- قال الإمام ابن رجب : «مَن أضافَ نعمةَ الغيثِ وإنزالهِ إلى الأرضِ إلى اللَّهِ ﻷ وفضلِه ورحمتهِ، فهو مؤمنٌ باللَّهِ حقًّا، ومَن أضافَه إلى الأنْواءِ، كما كانتِ الجاهليةُ تعتادُه، فهو كافر باللَّهِ، مؤمنٌ بالكوكبِ» (25) .
8- قال الحافظ في الفتح (26) : قال الشَّافِعِيِّ: مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا عَلَى مَا كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الشِّرْكِ يَعْنُونَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَطَرِ إِلَى أَنَّهُ مَطَرُ نَوْءٍ كَذَا، فَذَلِكَ كُفْرٌ ،كَمَا جاء في الحديث؛ لِأَنَّ النَّوْءَ وَقْتٌ، وَالْوَقْتَ مَخْلُوقٌ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ، وَلَا لِغَيْرِهِ شَيْئًا، وَمَنْ: قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا عَلَى مَعْنَى مُطِرْنَا فِي وَقْتِ كَذَا، فَلَا يَكُونُ كُفْرًا، وَغَيْرُهُ مِنَ الْكَلَامِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، يَعْنِي حَسْمًا لِلْمَادَّةِ، وَعَلَى ذَلِك يحمل إِطْلَاق الحَدِيث (27) .
9- قال ابن الأثير : «علم النجوم المنهي عنه: هو ما يدَّعيه أهل التنجيم من علم الكائنات، والحوادث التي لم تقع، وستجيء في المستقبل، وأنهم يدركون معرفتها بتسيير الكواكب، وانتقالاتها، واجتماعها، وافتراقها، وأن لها تأثيراً اختيارياً في العالم، فأما من يعرف من النجوم لمعرفة الأوقات، والاهتداء بها في الطرقات، ومعرفة القبلة، وأشباه ذلك، فليس به بأس» (12) .
10- قال القرطبي : في المفهم: «قابل في هذا الحديث بين الشكر والكفر؛ فدلَّ ظاهره على: أن المراد بالكفر هنا: كفرانُ النعم، لا الكفرُ باللَّه تعالى، ويحتملُ: أن يكون المرادُ به الكفرَ الحقيقيَّ؛ ويؤيِّد ذلك استدلالُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) سورة الواقعة، الآية: 82 ، أي تجعلون شُكْرَ رزقِكُمُ التكذيبَ؛ على حذفِ المضاف؛ قاله المفسِّرون، وقرأ عليٌّ: وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ؛ فعبَّر عن الرزق بالشُّكْرِ، والرزق: الشكرُ بلغَةِ أَزْدِ شَنُوءة، يقال: ما أرزقَهُ، أي: ما أشكَرهُ، وما رزَقَ فلانٌ فلانًا، أي: ما شَكَره» (17) .
11- من فقه البخاري وحسن ترتيبه لصحيحه إيراده لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: «مِفْتَاحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ...»، وفيه: «وَمَا يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَجِيءُ المَطَرُ» (27) ، وفيه: «وَمَا يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَجِيءُ المَطَرُ » بعد حديث: «مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ» (28) ، أي: أن المطر ينزل بقضاء اللَّه وأنه لا تأثير للكواكب في نزوله.
وانظر ما قاله الحافظ ابن حجر هناك (29) .
12- قال العلامة ابن عثيمين : «وإنما أُلقي عليهم هذا السؤال من أجل أن ينتبهوا؛ لأن إلقاء الأسئلة يوجب الانتباه، قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، وهكذا كل إنسان يجب عليه إذا سئل عما لا يعلم أن يقول اللَّه ورسوله أعلم في الأمور الشرعية، أما الأمور الكونية القدرية، فهذا لا يقول: اللَّه ورسوله أعلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، كما لو قال قائل مثلاً: أتظن المطر ينزل غداً؟ تقول: اللَّه أعلم، ولا تقل: اللَّه ورسوله أعلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم مثل هذه الأمور، لكن لو قال لك هل هذا حرام أم حلال؟ تقول: اللَّه ورسوله أعلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عنده علم الشريعة، المهم أنهم قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، وهذا من الأدب، قال: قال يعني أن اللَّه قال ﻷ: «أصبح من عبادي مؤمن بي، وكافر بي» يعني في تلك الليلة، قال اللَّه ﻷ فيما أوحاه إلى نبيه: «أصبح من عبادي مؤمن بي، وكافر بي، فأما من قال: مُطرنا بفضل اللَّه ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب» (2) ، والباء هنا للسببية، يعني معناه: أنك إذا أضفت المطر إلى النوء، فقلت: هذا النجم نجم بركة، وخير يأتي بالمطر، فهذا حرام عليك، كفرٌ باللَّه ﻷ، وإضافة للشيء إلى سببه من نسيان المسبب، وهو اللَّه ﻷ، وأما إذا قلت: مُطرنا بفضل اللَّه ورحمته في هذا النوء، فلا بأس؛ لأن هذا اعتراف منك بأن المطر بفضل اللَّه، ولكنه صار في هذا بالنوء كثير من العامة عندنا يقولون: مُطرنا بالفصل مطرنا كذا وكذا» (30) .
13- قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «يَذُمُّ سُبْحَانَهُ مَنْ يُضِيفُ إنْعَامَهُ إلَى غَيْرِهِ وَيُشْرِكُهُ بِهِ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: هُوَ كَقَوْلِهِمْ كَانَتْ الرِّيحُ طَيِّبَةً وَالْمَلَّاحُ حَاذِقًا؛ وَلِهَذَا قَرَنَ الشُّكْرَ بِالتَّوْحِيدِ فِي الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا: أَوَّلُهَا شُكْرٌ وَأَوْسَطُهَا تَوْحِيدٌ وَفِي الْخُطَبِ الْمَشْرُوعَةِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَحْمِيدٍ وَتَوْحِيدٍ وَهَذَانِ هُمَا رُكْنٌ فِي كُلِّ خِطَابٍ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَذْكُرُ الْمُتَكَلِّمُ مِنْ مَقْصُودِهِ مَا يُنَاسِبُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ» (31) .
14- قال ابن حجر الهيتمي : «الكبيرة الثانية عشرة بعد المائة: قول الإنسان إثر المطر: مطرنا بنوء نجم كذا، أي وقته معتقداً أن له تأثيراً... تنبيه عد هذا كبيرة هو ما وقع في كلام غير واحد، وليس بصحيح؛ لأن من قال ذلك معتقداً ما ذكر كافر حقيقة، والكلام إنما هو في الكبائر التي لا تزيل الإسلام، وقد قال الشافعي : من قال مطرنا بنوء كذا، وهو يريد أن النوء نزل بالماء، فهو كافر، حلال دمه إن لم يتب، وفي الروضة إن اعتقد أن النوء ممطر حقيقة كفر، وصار مرتداً، وقال ابن عبد البر : إن اعتقد أن النوء سبب ينزل اللَّه به الماء على ما قدره، وسبق في علمه، فهو وإن كان مباحاً، فقد كفر بنعمة اللَّه، وجهل بلطيف حكمته» (32) .
والخلاصة أن من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، وهو يعتقد أن النوء هو الفاعل الذي أنزل المطر، فهذا كفر أكبر، يخرج من ملّة الإسلام، أما من قال ذلك، وهو يعتقد أن اللَّه الذي ينزل المطر، ولكن جعل النوء سبباً في إنزال المطر، فهو كفر أصغر، ولا يُخرج من الملّة.

1 زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو طلحة وهو من قبيلة جهينة،. روى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واحداً وثمانين حديثًا، اتفق البخاري ومسلم على خمسة أحاديث، وانفرد مسلم بثلاثة، مات رضي الله عنه سنة ثمان وسبعين بالمدينة، وقيل: بالكوفة، وروى له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه. انظر: الاستيعاب، 2/850، وأسد الغابة، 2/832
2 البخاري، برقم 846
3 البخاري، برقم 4147
4 مسلم، برقم 126- (72)
5 مسلم، برقم 127- (73)
6 الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، 7/ 158
7 شرح الزرقاني على موطأ مالك، 1/ 547
8 شرح مسند الشافعي، للرافعي، 2/ 55
9 المفهم، 1/ 287، وجامع الأصول، 11/ 577
10 إكمال المعلم بفوائد مسلم، 1/ 330
11 انظر: فتح الباري، 2/ 645, وما بعدها
12 جامع الأصول، 11/ 577
13 المفهم، 1/ 287
14 الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار ــ (7/ 154)
15 شرح مسند الشافعي، 2/ 55
16 شرح الزرقاني، 1/ 547
17 المفهم ، لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 2/ 24
18 شرح الزرقاني، 1/ 548
19 إكمال المعلم بفوائد مسلم، 1/ 331
20 أخرجه الطّبريّ في تفسيره، 26/ 205، 208، وابن عبد البرّ في التمهيد، 16/ 284، وفي الاستذكار أيضاً، 7/ 158، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً
21 المسالك في شرح موطأ مالك، 3/ 328
22 راجع الفائدة السادسة والفائدة الثامنة من فوائد الحديث رقم 66 من أحاديث متن هذا الكتاب
23 سنن الدارمي، 1/ 39، برقم 159، وضعفه العلامة الألباني في السلسلة الضعيفة، 1814
24 أي: الأرصاد الجوية
25 تفسير ابن رجب الحنبلي، 2/ 347
26 فتح الباري لابن حجر، 2/ 523
27 البخاري، برقم 1039
28 البخاري، برقم 1038
29 انظر: فتح الباري، 2/ 525
30 شرح رياض الصالحين، شرح الحديث رقم 1731
31 مجموع الفتاوى، 8/ 33
32 الزواجر عن اقتراف الكبائر، 1/ 305


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Saturday, August 9, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب