‘When one of you sneezes he should say: Alhamdu lillah. ‘All praise if for Allah.’ …and his brother or companion should say to him: Yarhamukal-lah. ‘May Allah have mercy upon you.’ …and he (i.e. the one who sneezed) replies back to him: Yahdeekumul-lahu wayuslihu balakum. ‘May Allah guide you and rectify your condition.
(1) البخاري، 7/ 125، برقم 5870.
شرح معنى إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل له أخوه أو صاحبه يرحمك
لفظ الحديث الذي ورد فيه:
634- لفظ البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» (1). 635- ورواية الترمذي عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلْيَقُلِ الَّذِي يَرُدُّ عَلَيْهِ، يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلْيَقُلْ هُوَ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» (2) . 636- ورواية ابن ماجه عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَرُدَّ عَلَيْهِ مَنْ حَوْلَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلْيَرُدَّ عَلَيْهِمْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» (3). 637- ورواية البخاري في الأدب المفرد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلْيَقُلْ مَنْ يَرُدُّ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلْيَقُلْ هُوَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ» (4). 638- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا قال: ها، ضحك منه الشيطان» (5). 639- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه فإن الشيطان يدخل» (6). 640- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ، فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذَا قَالَ: هَا، ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ» (7).
شرح مفردات الحديث:
1- قوله: «إذا عطس أحدكم»: أي: منكم يا أمة الإسلام، قال ابن منظور : «عَطَسَ الرَّجُلُ يَعْطِس، بِالْكَسْرِ، ويَعْطُس، ...يَكُونُ مَعَ خِفَّةِ الْبَدَنِ، وَانْفِتَاحِ المسامِّ، وَتَيْسِيرِ الْحَرَكَاتِ، وَالتَّثَاؤُبِ بِخِلَافِهِ، وَسَبَبُ هَذِهِ الأَوصاف تخفيفُ الْغِذَاءِ والإِقلال مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، والمَعْطِس والمَعْطَس: الأَنف لأَن العُطاس مِنْهُ يَخْرُجُ» (8)، وقال الطيبي : «التثاؤب بالهمزة: التنفس الذي ينفتح منه الفم، وهو إنما ينشأ من الامتلاء وثقل النفس، ولدورة الحواس، ويورث الغفلة والكسل، وسوء الفهم، ولذلك كرهه اللَّه تعالى، وأحبه الشيطان، وضحك منه، والعطاس لمَّا كان سبباً لخفة الدماغ، واستفراغ الفضلات عنه، وصفاء الروح، وتقوية الحواس، كان أمره بالعكس» (9). 2- قوله: «فليقل الحمد للَّه»: على هذه النعمة، قال الإمام ابن القيم : «الحمد، هو: الإخبار بمحاسن المحمود على وجه المحبة له» (10). وقال الطيبي : «الحمد: الثناء على قدرته؛ ... فيشكر على ما أولى العباد بسبب الانتقال من النعم الدينية، والدنيوية ما لا يحصى» (11). وقال النووي : «وَقَوْله: (الْحَمْد لِلَّهِ): فِيهِ اِسْتِحْبَاب حَمْد اللَّه عِنْد تَجَدُّد النِّعَم، وَحُصُول مَا كَانَ الْإِنْسَان يَتَوَقَّع حُصُوله، وَانْدِفَاع مَا كَانَ يَخَاف وُقُوعه» (12). 3- قوله: «وليَقُل لَهُ أَخُوهُ أَو صاحِبه»: قال ابن حجر : «هُو شَكٌّ مِنَ الرّاوِي، وكَذا وقَعَ لِلأَكثَرِ مِن رِوايَة عاصِم بن عَلِيّ «فَليَقُل لَهُ أَخُوهُ»، ولَم يَشُكّ والمُراد بِالأُخُوَّةِ أُخُوَّة الإِسلام» (13). 4- قوله: «يرحمك اللَّه»: دعاء بالرحمة وتبشير له كقولك: «طهور إن شاء اللَّه». قال ابن حجر : قَوله : «يَرحَمك اللَّه»: قالَ ابن دَقِيق العِيد : يَحتَمِل أَن يَكُون دُعاء بِالرَّحمَةِ، ويَحتَمِل أَن يَكُون إِخبارًا عَلَى طَرِيق البِشارَة، كَما قالَ فِي الحَدِيث الآخَر: «طَهُور إِن شاءَ اللَّه» (14) ، أَي: هِيَ طُهر لَك؛ فَكَأَنَّ المُشَمِّت بَشَّرَ العاطِس بِحُصُولِ الرَّحمَة لَهُ فِي المُستَقبَل بِسَبَبِ حُصُولها لَهُ فِي الحال لِكَونِها دَفَعَت ما يَضُرّهُ، قالَ: وهَذا يَنبَنِي عَلَى قاعِدَة، وهِيَ أَنَّ اللَّفظ إِذا أُرِيدَ بِهِ مَعناهُ لَم يَنصَرِف لِغَيرِهِ، وإِن أُرِيدَ بِهِ مَعنًى يَحتَمِلهُ انصَرَفَ إِلَيهِ، وإِن أُطلِقَ انصَرَفَ إِلَى الغالِب، وإِن لَم يَستَحضِر القائِل المَعنَى الغالِب، وقالَ ابن بَطّال: ذَهَبَ إِلَى هَذا قَوم فَقالُوا: يَقُول لَهُ: يَرحَمك اللَّه، يَخُصّهُ بِالدُّعاءِ وحده، وقَد أَخرَجَ البَيهَقِيُّ فِي (الشُّعَب)، وصَحَّحَهُ ابن حِبّان مِن طَرِيق حَفص بن عاصِم عَن أَبِي هُرَيرَة رضي الله عنه رَفَعَهُ: «لَمّا خَلَقَ اللَّه آدَم عَطَسَ، فَأَلهَمَهُ رَبُّهُ أَن قالَ: الحَمد لِلَّهِ، فَقالَ لَهُ رَبّه: يَرحَمك الله (15)» (13)، وقال المناوي : «فمعنى رحمك اللَّه: أعطاك رحمة ترجع بها إلى حالك الأول أو يرجع بها كل عضو إلى سمته» (16). 5- قوله: «يهديكم اللَّه» أي: يدلك على صراطه المستقيم، واتباع سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، قال المناوي : «يهديكم الله ويصلح بالكم : أي حالكم، واختير الجمع ورُجِّح، واعتُرض بأن الدعاء بالهداية للمسلم تحصيل الحاصل، وهو محال، ومُنع بأنه ليس المراد بالدعاء، وبالهداية ما متلبس به من الإيمان، بل معرفة تفاصيل أجزائه، وإعانته على أعماله، وكل مؤمن يحتاج إلى ذلك في كل طرفة عين، ومن ثَمَّ أمر اللَّه أن نسأله الهداية في كل ركعة من الصلاة» (17) . 6- قوله: «يصلح بالكم» أي: حالكم وأموركم وذلك بصلاح القلب واستقامة الجوارح على طاعة اللَّه عز وجل، واتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، قال القاري : «أي: شأنكم، وحالكم؛ لأنه إذا دعا له بالرحمة شرع في حقه دعاء بالخير له، تأليفاً للقلوب، ولفظ العموم خرج مخرج الغالب؛ فإن العاطس قلما يخلو عند عطاسه عن أصحابه، أو هو إشارة إلى تعظيمه واحترامه في الدعاء، أو إلى أمة محمد كلهم» (18)، وقال العلامة ابن عثيمين : «أي يصلح شأنكم فتدعو له بالهداية وإصلاح الشأن» (19).
ما يستفاد من الحديث:
1- العطاس من النعم التي تستوجب الحمد وذلك لأمرين: الأمر الأول: أنه يخرج الأبخرة المحتقنة في الدماغ والتي لو بقيت لأحدثت أدواء عسيرة. الأمر الثاني: بقاء الأعضاء على هيئتها والتئامها بعد هذه الزلزلة القوية التي حدثت للبدن (20). 2- تشميت العاطس حق متبادل بين أهل الإسلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «حق المسلم على المسلم ست» وفيه: «وإذا عطس وحمد اللَّه فيشمته» (21). ومفهومه أنه لا يشمت إلا من حمد اللَّه وعلى كل من سمعه أن يشمته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وإذا عطس أحدكم وحمد اللَّه كان حقًّا على كل مسلم سمعه أن يقول: يرحمك اللَّه» (22). 3- قال الإمام النووي : «قَالَ الْقَاضِي: وَالْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَالِك أَنَّهُ فَرْض كِفَايَة، قَالَ: وَبِهِ قَالَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء كَرَدِّ السَّلَام، وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَأَصْحَابه، وَآخَرِينَ أَنَّهُ سُنَّة وَأَدَب، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَيَحْمِلُونَ الْحَدِيث عَلى النَّدْب وَالْأَدَب كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : «حَقٌّ عَلَى كُلّ مُسْلِم أَنْ يَغْتَسِل فِي كُلّ سَبْعَة أَيَّام» (23). 4- قَالَ الْقَاضِي: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي كَيْفِيَّة الْحَمْد وَالرَّدّ، وَاخْتَلَفَتْ فِيهِ الْآثَار، فَقِيلَ: يَقُول: الْحَمْد لِلَّهِ، وَقِيلَ: الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ، وَقِيلَ: الْحَمْد لِلَّهِ عَلَى كُلّ حَال، وَقَالَ ابْن جَرِير: هُوَ مُخَيَّر بَيْن هَذَا كُلّه، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَأْمُور بِالْحَمْدِ لِلَّهِ» (24). 5- العطاس من الأمور التي يحبها اللَّه، وذلك لما فيه من النفع، والخير، ولما يترتب عليه من الحمد له، والثناء عليه، ودعائه عز وجل، وهذا بخلاف التثاؤب الذي هو من الشيطان. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن اللَّه يحب العطاس ويكره التثاؤب» (25). 6- يسن للعاطس خفض الصوت حتى لا يزعج من حوله؛ لقول أبي هريرة رضي الله عنه: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده، أو ثوبه، على فيه، وخفض، أو غض صوته» (26). 7- قالَ ابن دَقِيق العِيد : «ظاهِر الحَدِيث أَنَّ السُّنَّة لا تَتَأَدَّى إِلاَّ بِالمُخاطَبَةِ، وأَمّا ما اعتادَهُ كَثِير مِنَ النّاس مِن قَولهم لِلرَّئِيسِ: يَرحَم اللَّه سَيِّدنا، فَخِلاف السُّنَّة، وبَلَغَنِي عَن بَعض الفُضَلاء أَنَّهُ شَمَّتَ رَئِيسًا فَقالَ لَهُ: يَرحَمك اللَّه يا سَيِّدنا، فَجَمَعَ الأَمرَينِ، وهُو حَسَن» (27). 8- التشميت ثلاث مرات، وما زاد فهو زكام، ويقال لصاحبه: «الرجل مزكوم» لقوله صلى الله عليه وسلم: «شمت أخاك ثلاثًا فما زاد إنما هو نزلة أو زكام» (28)، قال ابن القيم : وقوله: «الرجل مزكوم» (29)، تنبيه على الدعاء له بالعافية؛ لأن الزكمة علة، فعلى صاحبها أن يتداركها، ولا يهمدها، فيصعب أمرها، فكلامه كله حكمة، ورحمة، وعلم، وهدى (30). قال الإمام ابن قيم الجوزية : «وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَرْفَعُهُ: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيُشَمِّتْهُ جَلِيسُهُ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَهُوَ مَزْكُومٌ، وَلَا تُشَمِّتْهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ»، وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ حَدِيثُ أبي داود (31) الَّذِي قَالَ فِيهِ: رَوَاهُ أبو نعيم، عَنْ موسى بن قيس، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سعيد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ بَهْ زُكَامٌ، فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُدْعَى لَهُ مِمَّنْ لَا عِلَّةَ بِهِ؟ قِيلَ: يُدْعَى لَهُ كَمَا يُدْعَى لِلْمَرِيضِ، وَمَنْ بِهِ دَاءٌ وَوَجَعٌ، وَأَمَّا سُنَّةُ الْعُطَاسِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَهُوَ نِعْمَةٌ، وَيَدُلُّ عَلَى خِفَّةِ الْبَدَنِ، وَخُرُوجِ الْأَبْخِرَةِ الْمُحْتَقِنَةِ، فَإِنَّمَا يَكُونُ إِلَى تَمَامِ الثَّلَاثِ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا يُدْعَى لِصَاحِبِهِ بِالْعَافِيَةِ، وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «الرَّجُلُ مَزْكُومٌ» تَنْبِيهٌ عَلَى الدُّعَاءِ لَهُ بِالْعَافِيَةِ؛ لِأَنَّ الزَّكْمَةَ عِلَّةٌ، وَفِيهِ اعْتِذَارٌ مِنْ تَرْكِ تَشْمِيتِهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ لِيَتَدَارَكَهَا، وَلَا يُهْمِلَهَا، فَيَصْعُبُ أَمْرُهَا، فَكَلَامُهُ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُ حِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ، وَعِلْمٌ وَهُدًى» (32). وقال الحافظ ابن حجر : «الثّالِث المَزكُوم إِذا تَكَرَّرَ مِنهُ العُطاس فَزادَ عَلَى الثَّلاث؛ فَإِنَّ ظاهِر الأَمر بِالتَّشمِيتِ يَشمَل مَن عَطَسَ واحِدَة أَو أَكثَر، لَكِن أَخرَجَ البُخارِيّ فِي الأَدَب المُفرَد مِن طَرِيق مُحَمَّد بن عَجلانَ عَن سَعِيد المَقبُرِيِّ عَن أَبِي هُرَيرَة قالَ: «يُشَمِّتهُ واحِدَة وثِنتَينِ وثَلاثًا، وما كانَ بَعد ذَلِكَ فَهُو زُكام» (33)، هَكَذا أَخرَجَهُ مَوقُوفًا مِن رِوايَة سُفيان بن عُيَينَةَ عَنهُ... وسَمِعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وعَطَسَ عِندَهُ رَجُل فَقالَ لَهُ: «يَرحَمك اللَّه»، ثُمَّ عَطَسَ أُخرَى فَقالَ لَهُ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «الرَّجُل مَزكُوم»، هَذا لَفظ رِوايَة مُسلِم، وأَمّا أَبُو داوُدَ والتِّرمِذِيّ فَقالا: قالَ سَلَمَة: «عَطَسَ رَجُل عِندَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأَنا شاهِد، فَقالَ لَهُ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «يَرحَمك اللَّه»، ثُمَّ عَطَسَ الثّانِيَة، أَو الثّالِثَة، فَقالَ رَسُول اللَّه: «يَرحَمك اللَّه، هَذا رَجُل مَزكُوم» انتهى ... ويُستَفاد مِنهُ مَشرُوعِيَّة تَشمِيت العاطِس ما لَم يَزِد عَلَى ثَلاث إِذا حَمِدَ اللَّه، سَواء تَتابَعَ عُطاسه أَم لا، فَلَو تَتابَعَ ولَم يَحمَد لِغَلَبَةِ العُطاس عَلَيهِ، ثُمَّ كَرَّرَ الحَمد بِعَدَدِ العُطاس، فَهَل يُشَمَّت بِعَدَدِ الحَمد؟ فِيهِ نَظَرٌ، وظاهِر الخَبَر نَعَم. ثُمَّ حَكَى النَّووِيّ عَن ابنِ العَرَبِيّ أَنَّ العُلَماء اختَلَفُوا: هَل يَقُول لِمَن تَتابَعَ عُطاسه أَنتَ مَزكُوم فِي الثّانِيَة، أَو الثّالِثَة، أَو الرّابِعَة ؟ عَلَى أَقوال، والصَّحِيح فِي الثّالِثَة، قالَ: ومَعناهُ إِنَّك لَست مِمَّن يُشَمَّت بَعدها؛ لأَنَّ الَّذِي بِك مَرَض، ولَيسَ مِنَ العُطاس المَحمُود النّاشِئ عَن خِفَّة البَدَنِ، كَما سَيَأتِي تَقرِيره فِي الباب الَّذِي يَلِيه، قالَ: فَإِن قِيلَ فَإِذا كانَ مَرَضًا فَيَنبَغِي أَن يُشَمَّت بِطَرِيقِ الأَولَى؛ لأَنَّهُ أَحوج إِلَى الدُّعاء مِن غَيره، قُلنا: نَعَم، لَكِن يُدعَى لَهُ بِدُعاءٍ يُلائِمهُ لا بِالدُّعاءِ المَشرُوع لِلعاطِسِ، بَل مِن جِنس دُعاء المُسلِم لِلمُسلِمِ بِالعافِيَةِ، وذَكَرَ ابن دَقِيق العِيد عَن بَعض الشّافِعِيَّة أَنَّهُ قالَ: يُكَرَّر التَّشمِيت إِذا تَكَرَّرَ العُطاس، إِلاَّ أَن يُعرَف أَنَّهُ مَزكُوم فَيَدعُو لَهُ بِالشِّفاءِ، قالَ: وتَقرِيره أَنَّ العُمُوم يَقتَضِي التَّكرار إِلاَّ فِي مَوضِع العِلَّة، وهُو الزُّكام، قالَ وعِندَ هَذا يَسقُط الأَمر بِالتَّشمِيتِ عِندَ العِلم بِالزُّكامِ؛ لأَنَّ التَّعلِيل بِهِ يَقتَضِي أَن لا يُشَمَّت مَن عُلِمَ أَنَّ بِهِ زُكامًا أَصلاً، وتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ المَذكُور هُو العِلَّة دُون التَّعلِيل، ولَيسَ المُعَلَّل هُو مُطلَق التَّرك لِيَعُمّ الحُكم عَلَيهِ بِعُمُومِ عِلَّته، بَل المُعَلَّل هُو التَّرك بَعد التَّكرِير، فَكَأَنَّهُ قِيلَ لا يَلزَم تَكَرُّر التَّشمِيت؛ لأَنَّهُ مَزكُوم، قالَ: ويَتَأَيَّد بِمُناسَبَةِ المَشَقَّة النّاشِئَة عَن التَّكرار» (34). وقال الإمام الصنعاني : «فلا يشرع تشميته، بل يُدعى له بالعافية، حكى النووي عن ابن العربي أنه اختلف هل يقال لمن تتابع عطاسه أنت مزكوم في الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة، الصحيح في الثالثة» (35). 9- قال الحافظ في الفتح: قال القزاز: التشميت: التبريك، والعرب تقول شمته إذا دعا له بالبركة، وشمت عليه إذا برك عليه، وقيل: هو من الشماتة، وهو فرح الشخص بما يسوء عدوه، وقيل: هو من الشوامت جمع شامتة، وهي القائمة يقال: لا ترك اللَّه لك شامتة (36). 10- قال ابن عثيمين : والعطاس يدل على الخفة والنشاط؛ ولذلك كان محبوبًا إلى اللَّه، وشرع للعاطس أن يقول الحمد للَّه، سواء كان في الصلاة، أو خارج الصلاة، أما إن عطس في الخلاء، فلا يحمد بلسانه ولكن يحمد بقلبه (37). 11- على العاطس والمشمت أن يلتزما بما جاء به الشرع من الأذكار الصحيحة فللعاطس أن يقول: «الحمد لله» (38)، وله أن يقول: «الحمد لله على كل حال» (39)، وله أن يقول: «الحمد للَّه رب العالمين» (40). 12- قال ابن دقيق العيد : ومن فوائد التشميت تحصيل المودة والتأليف بين المسلمين وتأديب العاطس بكسر النفس عن الكبر والحمل على التواضع لما في ذكر الرحمة من الإشعار بالذنب الذي لا يُعرف عنه أكثر المكلفين (41). 13- قال الزرقاني : «رجح الجمع بين الدعاء بالرحمة ويهديكم اللَّه، إلخ، واعترض بأن الدعاء بالهداية للمسلم تحصيل الحاصل، وهو محال، ومنع بأنه ليس المراد الدعاء بالهداية للإيمان المتلبس به، بل معرفة تفاصيل أجزائه، وإعانته على أعماله، وكل مؤمن يحتاج ذلك في كل طرفة عين، ومن ثم أمره اللَّه سبحانه وتعالى أن يسأل الهداية في كل ركعة من الصلاة: اهدنا الصراط المستقيم» (42). 14- خلاف التنوع في ألفاظ دعاء العطاس، ثبت ثلاثة أنواع للمسلم أن ينوع بينها، وهي على النحو الآتي: النوع الأول: الحمد للَّه (38)، وإذا قيل له: يرحمك اللَّه، قال: يهديكم اللَّه، ويصلح بالكم. النوع الثاني: الحمد للَّه رب العالمين (43)، وإذا قيل له: يرحمك اللَّه، قال: يغفر اللَّه لي ولكم. النوع الثالث: الحمد للَّه على كل حال (44)، وإذا قيل له: يرحمك اللَّه، قال: يهديكم اللَّه، ويصلح بالكم. 15- التثاؤب لا يحبه اللَّه؛ لأنه غالبًا لا يكون إلا مع ثقل البدن وامتلائه وميله إلى الكسل وله آداب نبوية مباركة منها: أ- رده ما استطاع مع عدم قول: «ها». ب- عدم فتح فمه أثناء التثاؤب. ج- يجعل يده على فمه، حتى لا يدخل الشيطان ولا يضحك.
1
البخاري، برقم 6224، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن.
2
الترمذي، برقم 2741، وجوّد العلامة الألباني إسناده في المشكاة، برقم 4339، وصححه في صحيح الترمذي، 3/ 94، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن.
3
ابن ماجه، برقم 3715، وصححه العلامة الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 3705، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن.
4
الأدب المفرد، برقم 934، وأحمد، 2/ 275، برقم 972، وحسنه لغيره محققو المسند، والعلامة الألباني في صحيح الأدب المفرد موقوفاً برقم 934، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن.
5
البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، برقم 3289.
6
مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب، برقم 2995.
7
البخاري، كتاب الأدب، باب ما يستحب من العطاس، وما يكره من التثاؤب، برقم 6223.
25
البخاري، كتاب الأدب، باب ما يستحب من العطاس وما يكره من التثاؤب، برقم 6223.
26
مسند أحمد، 15/ 412، برقم 9662، وأبو داود، كتاب الأدب، باب كيف تشميت العاطس، برقم 5032، وقوى إسناده محققو المسند، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم 4755.
تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة , وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .