اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واغفر لي ما لا يعلمون واجعلني خيرا

حصن المسلم | الرد على المدح وما يقول المسلم إذا زُكِّي | اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واغفر لي ما لا يعلمون واجعلني خيرا

اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ، [وَاجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ] (1).


(1) البخاري في الأدب المفرد، برقم 761، وصحح إسناده الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم 585، وما بين المعقوفين زيادة للبيهقي في شعب الإيمان، 4/228 من طريق آخر.

شرح معنى اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واغفر لي ما لا يعلمون واجعلني خيرا

لفظ الحديث الذي ورد فيه:

906- عَنْ عَدِيِّ بْنِ أَرْطَأَةَ (1) قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا زُكِّيَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُونَ» (2) .
907- وعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُمْدَحُ فِي وَجْهِهِ، قَالَ: «التَّوْبَةُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: اللهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَاجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ» (3) .

شرح مفردات الأثر: 1- قوله: «إذا زُكِّيَ»: أي: وصفه أحد بحميد أفعاله، وقال الفيومي : «زَكَّيْتُهُ بِالتَّثْقِيلِ نَسَبْتُهُ إلَى الزَّكَاءِ وَهُوَ الصَّلَاحُ، وَالرَّجُلُ زَكِيٌّ، وَالْجَمْعُ أَزْكِيَاءُ» (4) .
2- قوله: «اللهمّ لا تؤاخذني»: أي: لا تعاقبني، وقال ابن منظور : «وآخَذَه بِذَنْبِهِ مُؤاخذة: عَاقَبَهُ.
...يُقَالُ: أُخِذَ فلانٌ بِذَنْبِهِ أَي: حُبِسَ، وجُوزِيَ عَلَيْهِ، وعُوقِب بِهِ
» (5) .
3- قوله: «بما يقولون»: أي: من الثناء والمدح، أي: بسبب قولهم، قال ابن بطال : «وإنما قال هذا، واللَّه أعلم؛ لئلا يغتر الرجل بكثرة المدح، ويرى أنه عند الناس بتلك المنزلة، فيترك الازدياد من الخير، ويجد الشيطان إليه سبيلاً، ويوهمه في نفسه حتى يضع التواضع للَّه» (6) .
4- قوله: «واغفر لي»: أي: استرني بمحو ذنوبي مع التجاوز عن المؤاخذة ومناقشة الحساب، قال ابن منظور: «الغَفُورُ الغَفّارُ، جَلَّ ثَنَاؤُهُ، ... وَمَعْنَاهُمَا: السَّاتِرُ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ، الْمُتَجَاوِزُ عَنْ خَطَايَاهُمْ وَذُنُوبِهِمْ، يُقَالُ: اللهمَّ اغْفِرْ لَنَا مَغْفرة، وغَفْراً، وغُفْراناً، وَإِنَّكَ أَنت الغَفُور الغَفّار، يَا أَهل المَغْفِرة، وأَصل الغَفْرِ: التَّغْطِيَةُ، وَالسَّتْرُ، غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ: أَي: سَتَرَهَا ... وَقَدْ غَفَرَه يَغْفِرُه غَفراً: سَتَرَهُ.
وَكُلُّ شَيْءٍ سَتَرْتَهُ، فَقَدْ غَفَرْته؛ ... وَمِنْهُ: غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ أَي: سَتَرَهَا ... والغَفْرُ، والمَغْفِرةُ: التَّغْطِيَةُ عَلَى الذُّنُوبِ، والعفوُ عَنْهَا
» (7) .
5- قوله: «ما لا يعلمون»: أي: من الأقوال والأفعال التي لا ترضيك يا ربي، وقد سترتها علي، قال الأصمعي : «قِيلَ لِأَعْرَابِيٍّ: مَا أَحْسَنُ ثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْكَ؟ قَالَ: بَلَاءُ اللَّهِ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنْ مَدْحِ الْمَادِحِينَ، وَإِنْ أَحْسَنُوا وَذُنُوبِي أَكْثَرُ مِنْ ذَمِّ الذَّامِّينَ، وَإِنْ أَكْثَرُوا فَيَا أَسَفِي فِيمَا فَرَّطْتُ، وَيَا سَوْأَتِي فِيمَا قَدَّمْتُ» (8) ، وقال ابن الملقن : «وقال يحيى بن معاذ: العاقل لا يدعه ما ستر اللَّه عليه من عيوبه بأن يفرح بما أظهر من محاسنه» (9) .
6- قوله: «واجعلني خيراً مما يظنون»: أي: مما يتوسمونه فيَّ، قال ابن منظور : «وأَحسَنَ بِهِ الظنَّ: نقيضُ أَساءَه» (10) ، وقال الآجري : فالمؤمن «يَغْلِبُ عَلَى قَلْبِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ مَا أَمْكَنَ فِيهِ الْعُذْرُ، لَا يُحِبُّ زَوَالَ النِّعَمِ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْعِبَادِ، يُدَارِي جَهْلَ مَنْ عَامَلَهُ بِرِفْقِهِ، إِذَا تَعَجَّبَ مِنْ جَهْلِ غَيْرِهِ ذَكَرَ أَنَّ جَهْلَهُ أَكْثَرُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عز وجل، لَا يَتَوَقَّعُ لَهُ بَائِقَةً، وَلَا يَخَافُ مِنْهُ غَائِلَةً، النَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ، وَنَفْسُهُ مِنْهُ فِي جَهْدٍ» (11) .

ما يستفاد من الأثر: 1- ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الخوف على أنفسهم من الثناء والمدح وهذا دليل على صدق إيمانهم، رغم أنهم أفضل الخلق بعد الأنبياء والرسل.
2- من علامات التوفيق ألا يغتر العامل بكثرة عمله وإنما يتذكر ذنوبه التي سترها اللَّه عن أعين الخلق.
3- قال الإمام النووي : اعلم أن ذكر محاسن النفس ضربان: مذموم ومحمود: أما المذموم: فما كان للافتخار والتميز على الأقران وما أشبه ذلك، وأما المحبوب: فهو ما كان فيه مصلحة دينية كالنصح أو التعليم أو لدفع شر عن نفسه والأدلة على ذلك كثيرة – أي من القسم المحمود – منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم» (12) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: «أنا أعلمكم باللَّه وأتقاكم» (13) .
وقول عثمان رضي الله عنه لمن خرجوا عليه: «ألستم تعلمون أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «من جهز جيش العسرة، فله الجنة» (14) .
4- وقول ابن مسعود رضي الله عنه: «ولقد علم أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب اللَّه، وما أنا بخيرهم» (15) .
ونظائر ذلك كثيرة وهي محمولة على ما ذكرنا (16) .
5- قال فيصل بن عبد العزيز آل مبارك: «قال العلماءُ: وطريق الجَمْعِ بين الأحاديث أنْ يُقَالَ: إنْ كان المَمْدُوحُ عِنْدَهُ كَمَالُ إيمانٍ وَيَقينٍ، وَرِيَاضَةُ نَفْسٍ، وَمَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ بِحَيْثُ لا يَفْتَتِنُ، وَلا يَغْتَرُّ بِذَلِكَ، وَلا تَلْعَبُ بِهِ نَفْسُهُ، فَليْسَ بِحَرَامٍ وَلا مَكْرُوهٍ، وإنْ خِيفَ عَلَيْهِ شَيءٌ مِنْ هذِهِ الأمورِ، كُرِهَ مَدْحُهُ في وَجْهِهِ كَرَاهَةً شَديدَةً، وَعَلَى هَذا التَفصِيلِ تُنَزَّلُ الأحاديثُ المُخْتَلِفَةُ فِي ذَلكَ» (17) .
6- حرص جمعٍ من الصحابة رضي الله عنهم على قول هذا الذكر إذا زُكِّي أحدهم.

1 عَدِيُّ بنُ أَرْطَاةَ الفَزَارِيُّ الدِّمَشْقِيُّ :، أَمِيْرُ البَصْرَةِ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ : حَدَّثَ عَنْ: عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَعَنْهُ: أَبُو سَلاَّمٍ مَمْطُوْرٌ، وَبَكْرٌ المُزَنِيُّ، وَطَائِفَةٌ، مقبول من الرابعة، قُتلَ عَدِيّ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَةٍ. انظر ترجمته في، الطبقات الكبرى لابن سعد، 5/ 341، وسير أعلام النبلاء، 5/ 53، ترجمة رقم 17، تقريب التهذيب، لابن حجر، 3/ 134
2 البخاري في الأدب المفرد، برقم 761، وصحح إسناده الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم 585
3 البيهقي في شعب الإيمان، 4/228 من طريق آخر، وصحح إسناده الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم 585
4 المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، 1/ 254، مادة (زكي)
5 لسان العرب، 3/ 473، مادة (أخذ)
6 شرح صحيح البخاري، لابن بطال، 8/ 48
7 لسان العرب، 5/ 25، مادة (غفر)
8 شعب الإيمان، للبيهقي، 6/ 504
9 التوضيح لشرح الجامع الصحيح، 16/ 601
10 لسان العرب، 13/ 117، مادة (ظن)
11 أخلاق العلماء للآجري، ص 65.
12 مسلم، كتاب الرؤيا، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق، برقم 2278
13 هذا لفظ الحاكم في المستدرك، 1/ 647، ولفظ البخاري في كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، برقم 5063: «أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ»
14 البخاري، كتاب الوصايا، باب إذا وقف أرضاً أو بئراً، واشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين، برقم 2778
15 البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 5000
16 انظر: الأذكار للنووي ص 280
17 تطريز رياض الصالحين، ص 1006


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Sunday, August 10, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب